ويمكن تحليل مسألة الإيمان والعمل بتحليل جوانب الشعور الثلاثة؛ صورته
ومضمونه وموضوعيته.
١٦ فصورة الشعور تظهر في الوحدة أو الاختلاف بين أبعاد الشعور
الأربعة، الفكر والقول والوجدان والعمل، بينما يظهر مضمون الشعور في الفكر
المُتمثل الذي يتحول إلى قول وعمل في مضمون التصديق (الله، والكتب، والرسل،
واليوم الآخر …)
١٧ وأخيرًا يتموضع الشعور عندما يتحول الإيمان من طاقة في الشعور إلى
نظامٍ مثالي للعالم.
فعندما يصبح الإيمان موضوعًا للشعور تظهر له أبعادٌ أربعة؛ الفكر والقول
والوجدان والعمل.
١٨ يظهر الإيمان من خلال هذه الأبعاد، إما في واحد منها أو في اثنين
أو في ثلاث أو في جميعها؛ فالفكر هو ما يُسميه القدماء المعرفة أو النظر أو
الاستدلال، والقول هو الإقرار أو الشهادة، والوجدان هو التصديق بالقلب أو
التحول، والعمل لفظٌ قديم ومعاصر على السواء. كان الخلاف القديم بين النظر، أي
الإيمان، والعمل في قضية مُرتكِب الكبيرة، وكأن النظر أو الإيمان يشمل الإقرار
والتصديق؛ أي القول والوجدان. هناك إذن أربعة موضوعات وإحدى عشرة علاقة مُمكنة،
ستة منها ثنائية، وأربعة منها ثلاثية، وواحدة منها رباعية.
١٩ ولما كان يمكن اعتبار المعرفة والوجدان بُعدًا واحدًا، فالمعرفة
نظر، والوجدان تصديق، كلاهما نظر إما عقلي أو قلبي، استدلالي أو وجداني، تكون
أبعاد الشعور ثلاثة؛ المعرفة أو النظر، والقول أو الإقرار، ثم العمل. وتكون
المعرفة حينئذٍ هي معرفة الشعور، وعلى هذا النحو تكون الاحتمالات سبعة؛ ثلاثة
فردية، المعرفة والقول والعمل؛ وثلاثة ثنائية، المعرفة والقول، والمعرفة
والعمل، والقول والعمل؛ وواحدة ثلاثية، المعرفة والقول والعمل.
٢٠ وإن كان الفكر هو النظر، والنظر أساس العمل، إلا أن الفكر عندما
يتمثل يصبح وجدانًا، وعندما يعبِّر عن نفسه يصبح قولًا، وعندما يتحول إلى عملٍ
يصبح فعلًا؛ فهو طاقةٌ واحدة تظهر في مخارج مُتعددة. ويظهر ذلك منذ البداية في
محاولات تحديد حقيقة الإيمان والكفر وتفاوت كل التعريفات بين هذه الأبعاد؛
المعرفة التي تشمل النظر والتصديق، والإقرار، والعمل؛ فالإيمان معرفة تقوم
بالله، وما جاءت به الرسل، والكفر جهل به؛ كما أن التصديق بالقلب؛ فالإيمان
لغةً هو التصديق، التصديق بالرسل فيما عُلِم مجيئه ضرورةً وتفصيلًا،
٢١ وهو أيضًا كلمتا الشهادة أو التصديق مع الكلمتين، وهو ثالثًا أعمال
الجوارح، إما الطاعات فرضًا ونفلًا أو الطاعات المفروضة دون النوافل.
٢٢ الإيمان إما فعل القلب فقط، وهو المعرفة أو التصديق، وإما فعل
الجوارح فقط، وهو إما باللسان وهو الكلمتان، أو غيره وهو العمل بالطاعات، وهو
إما فعل القلب والجوارح معًا، والجارحة إما باللسان أو الجوارح؛ فالإيمان نظر،
معرفة وتصديق، أو عمل باللسان أو بالجوارح. الإيمان إذن هو مجموع هذه الأبعاد
الثلاثة؛ تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان.
٢٣ وتُعرَف أبعاد الشعور بتحليل العقل، وقد تُعرَف أيضًا بالنص؛
فالإسلام هو القول، والإيمان هو القول المُضاف إلى المعرفة والوجدان، والإحسان
هو العمل المُضاف إلى القول والمعرفة والوجدان.
٢٤ وقد تكون هناك قسمةٌ أكمل للشعور بناءً على الكيف والكم والجهة
والإضافة؛ فالشعور الكيفي هو الذي له أبعاده الأربعة، المعرفة والتصديق
والإقرار والعمل، أو الثلاثة إذا ما ضُم التصديق إلى المعرفة في النظر. والشعور
الكمي هو الذي يزيد وينقص لاحتواء مسألة «هل يزيد الإيمان وينقص؟» أما الشعور
كجهة فهو مضمون الإيمان الذي عُرض من قبل في المضمون النظري للرسالة.
٢٥ أما الشعور كإضافة فهو ما تناوله الحكماء من حيث قسمة الإيمان إلى
إيمان العوام وإيمان الخواص.