سادسًا: الإمامة في التاريخ، انهيار أم نهضة؟
(١) ماذا يعني التفضيل بين الأئمة؟
(٢) التفضيل بداية الانهيار
فإذا كانت هناك مقاييس للتفضيل، فعلى من يتم تطبيقها في الأفراد أو في الجماعات أم الأمم؟ فإذا جاز تطبيقها في الأفراد، فمن هم؟ هل يدخل فيهم نساء النبي وبناته، أم يقتصر الأمر على خلفائه وصحبه؟ وإذا كان الفضل في الجماعات، فهل يكون الفضل للصحابة على التابعين، وللتابعين على تابعي التابعين؟ وإذا كان الفضل للقرون، فهل يكون للقرن الأول فالثاني فالثالث حتى نصل إلى قرننا فيكون أقل القرون فضلًا؟ وإذا كان الفضل للعلماء وحدهم، فأي علماء، وفي أي علم؟ وإذا كان العلماء حراس الأمة فلا فرق بينهم وبين حراس الثغور، رفقة الفكر والسلاح.
(٢-١) هل هناك تفضيل في نساء النبي وبناته؟
(٢-٢) هل هناك تفضيل بين الخلفاء الأربعة؟
(٢-٣) هل هناك تفضيل بين الصحابة؟
(٢-٤) هل هناك تفضيل بين القرون؟
(٢-٥) هل هناك تفضيل بين العلماء؟
(٢-٦) هل هناك تفضيل بين الأمم؟
(٣) التوحيد بداية النهضة
إذا كان التفضيل بداية الانهيار، فإن التوحيد بداية النهضة؛ فبقدر ما توجد شواهد نقلية على سقوط الإمامة وانهيار الخلافة في التاريخ، توجد شواهد أخرى نقلية وعقلية وواقعية على تقدُّم التاريخ ونهضة الشعوب والاتجاه نحو المستقبل. وإن هذه الرؤية الأولى، الانهيار المستمر للتاريخ، إنما تولَّدت من شعور بالحزن والأسى على ما وقع في الأمة من فتنة وشقاق وتحوُّل الخلافة إلى ملك، والإمامة إلى وراثة، وركون الناس إلى الدنيا، فكان من الطبيعي أن يخرج هذا التصور للتاريخ على أنه انهيارٌ مستمر. وما أسهل بعد ذلك من وجود نصوص دينية بهذا المعنى حتى يحدث تطابق بين التجربة النفسية والنص الديني. ومع بدايات النهضة الحالية منذ حركات الإصلاح الديني الأخيرة، وحركات التحرر الوطني، ومحاولات التفكير في شروط النهضة، يبرز التوحيد من جديد مُرتبطًا بالنهضة كرؤية للتاريخ مُخالفة للرؤية الأولى، التاريخ كتقدم واتجاه نحو المستقبل، وأنه في الإمكان أبدع مما كان، وأن هناك مجالًا للسبق، فالسابقون السابقون، لمن شاء منا أن يتقدم أو يتأخَّر.
(٣-١) الإنسان والتاريخ
وقد كشفت السمعيات أو النبوات عن البعد الثاني وهو التاريخ، سواءٌ التاريخ العام المُمتد منذ البداية في النبوة وحتى النهاية في المعاد، أو التاريخ المُتعين بفعل الإنسان الفردي أو بفعل الدولة كنظامٍ سياسي؛ فالإنسان يصبُّ في التاريخ، وكما أن الإنسان كامل ومُتعين، فكذلك التاريخ عام ومتعين. والتاريخ العام هو تاريخ الوحي أو تاريخ الفكر، وتاريخ الفكر هو تاريخ الوعي أو الوعي التاريخي، تجارب البشر السابقة، حياة الشعوب، ونهضات الأمم وسقوطها. ويصعبُّ الوعي التاريخي في الوعي الفردي، فيصبح الوعي الفردي وعيًا تاريخيًّا، ويصبح الوعي الفردي مسئولًا عن التاريخ ودافعًا إياه نحو غايته ونهايته في المعاد. وطبقًا لفعل الإنسان في التاريخ، وعيه بالماضي والتزامه بالحاضر، يتحدد مسار التاريخ في المستقبل. وطبقًا لهذا التحدد يحدث المعاد كنهاية للفعل وإمكانيات التحقق. كما يتحدد مصير الإنسان فيه بالفناء أو البقاء، طبقًا لفعله ووجوده في الحاضر بالعدم أو الوجود. يتعين التاريخ إذن بفعل الفرد الذي يقوم على النظر، والذي يتحول فيه النظر إلى تصديق بالوجدان. ويكون الفعل بالكلمة والإعلان كتعبير عن النظر والصدق، ويكون أيضًا بأفعال الجوارح. ولما كان الفرد لا يعيش بمفرده، بل يعيش في جماعة، ظهر النظام السياسي كاكتمال لفعل الفرد، وأصبحت الدولة استمرارًا لوجوده وتحقيقًا لاختياره؛ فالفرد والدولة تعيُّنان للتاريخ العام، أي إن العمل والسياسة تعيُّنان للنبوة والمعاد. يكشف إذن علم التوحيد عن حضور الإنسان والتاريخ في شِقَّيه العقليات والسمعيات أو الإلهيات والنبوات؛ وبالتالي تأخذ الأصول الخمسة معنًى جديدًا؛ فالتوحيد والعدل هما الوعي الخالص والوعي المُتعين؛ أي الإنسان. والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي السمعيات؛ أي النبوة والإيمان والعمل والإمامة. والأصول الثلاثة تُشير إلى التاريخ. وإذا كانت الأصول الخمسة هي أفضل الصياغات القديمة لعلم التوحيد، فإن الإنسان والتاريخ هما الأصلان المُعاصران له، وهما في الوقت نفسه البُعدان الناقصان في وجداننا المعاصر نتيجةً للاغتراب القديم؛ وبالتالي يكون التحدي للعلماء وللساسة هو إيجاد الصلة بين هذين البعدين في علم التوحيد وفي وجداننا المعاصر حتى يعود العلم حيًّا في القلوب فيملؤها، كما يقضي على الفراغ النظري في الممارسة السياسية المعاصرة، وينتهي هذا الفصام القديم بين التوحيد والواقع، ويقضي في نفس الوقت على الاغتراب الديني لجيلنا بإيجاد الصلة بين التوحيد والثورة.