يعني هذا السؤال أن الإمامة قد تكون فرعًا من فروع الدين وليست أصلًا من
أصوله، جزءًا من علم الفروع وليست أصلًا من علم الأصول؛ وبالتالي تكون العقيدة
قائمة بذاتها دون تحقُّق في نظامٍ سياسي، ويكون الدين دون سياسة، والتصور بلا
نظام، والعقيدة بلا شريعة، والإيمان بلا عمل، والنقل بلا عقل. وقد تكون الإمامة
أصلًا من أصول الدين وليست فرعًا من فروعه؛ وبالتالي تتحقق العقيدة في نظامٍ
سياسي، ويتحول الدين إلى سياسة، والتصور إلى نظام، والعقيدة إلى شريعة،
والإيمان إلى عمل، والنقل إلى عقل. والاختيار الأول هو اختيار السلطة القائمة
التي تشعر باللاشرعية، والتي تودُّ إبعاد الناس عن السياسة فيصبح الجمهور غير
مسيَّس؛ وبالتالي تصعب الثورة، في حين أن الاختيار الثاني هو اختيار المعارضة
التي تشعر بالشرعية في مواجهة نظامٍ لا شرعي، والتي تودُّ إشراك الناس في العمل
السياسي، وتجنيد الجماهير للقضاء على نظام القهر والغلبة. الاختيار الأول يؤدي
إلى استكانة الجماهير وإبعادها على العمل السياسي، فلا تنفع صرخات المُصلحين،
والاختيار الثاني يؤدي إلى تخريب الجماهير، ونزولها إلى ساحة العمل السياسي
ملايين هادرة لإسقاط نظم العمالة والقهر، ولا تنفع جيوش السلطان ولا أجهزة
العملاء.
ومع ذلك تظهر الإمامة كأنها أصلٌ خاص داخل الشِّق العقائدي للفِرق المختلفة
سواءً دون نظام، مجرد أصل، أو كأصل في نظامٍ مرتَّب، الأصل الرابع أو الخامس أو
السادس أو الثاني عشر. وهنا يكون الأصل والموضوع والركن والعقيدة بمعنًى واحد.
١٠ قد تدخل المسألة كإحدى مسائل السمع والعقل كأصلٍ رابع يتم طبقًا
لها تصنيف الفِرق مع الصفات والتوحيد، والقدر والعدل، والوعد والوعيد، وهو
السمع والعقل؛ أي إنها مسألة تتراوح بين النقل والعقل، وليست نقلًا خالصًا
عاريًا عن العقل.
١١ وقد تدخل الإمامة تحت الأصل الخامس «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
١٢ وقد تدخل كأحد موضوعات ستة يدور حولها علم التوحيد؛ التوحيد والقدر
والإيمان والوعيد والإمامة والمفاضلة اللطائف.
١٣ ويظهر معها الجانب التاريخي في تفضيل الأئمة ومقارنتها؛ مما يدل
على أنها مسألةٌ سياسية تاريخية، أي النبوة في التاريخ. ومع ذلك فقد تظهر مسألة
الإمامة في موضوع النبوات، وبوجهٍ خاص في آخر مرحلة من مراحل النبوة؛ مما يدل
على أنها ملحق للسمعيات لا ترتكز على أساسٍ عقلي، وأنها مرتبطة بخلافة النبي،
فالإمام خليفة، وأنها استمرار للنبوة في التاريخ على الأرض، وليس في السماء كما
هو في المعاد.
١٤ وقد تظهر الإمامة كأحد موضوعات السمعيات مع النبوات والمعاد
والأسماء والأحكام.
١٥ وفي هذه الحالة لا تكون ركنًا خاصًّا أو عقيدةً خاصة. وقد تغيب
المسألة عن بعض الرسائل المتقدمة لأنها فرعية وليست أصلية؛ وبالتالي يتعرَّى
العلم عنها كليةً.
١٦ كما أنها تغيب في بعض العقائد المتأخرة أمام شمول التوحيد بعد أن
فرغ التوحيد من أي مضمون سياسي إلا من الثناء على الخلفاء الأوائل.
١٧ وفي بعض الحركات الإصلاحية الحديثة قد تبتلع وظيفة الوصي السياسية
مسألة الإمامة، وتختفي الإمامة أمام النبوة كتحقق للوصي في التاريخ.
١٨
والإمامة هي المشكلة الغالبة عند «الرافضة» و«الخوارج»، وهما الفرقتان اللتان
خرجتا من واقعةٍ واحدة، وهي الخلاف على الإمام. عبَّدته الأولى، وكفَّرته
الثانية. طرفا نقيض خرجا من واقعةٍ واحدة،
١٩ لكل منها تصورٌ مختلف. الأولى تُخصصها في قريش، والثانية تُعممها
خارج قريش. الأولى تجعلها بالنص والتعيين، بينما الثانية تجعلها بالاختيار
والبيعة. الأولى تقول بالتقية، والثانية تقول بالقيادة الظاهرة. الأولى تقول
بالطاعة، والثانية تشرع للمراجعة عليه. الأولى تُطالب بإسقاط الشرائع، والثانية
تعمل على تطبيق الشرائع. ولما كانت الفرقتان مختلفتين في التوحيد والعدل، إذ
تقول الأولى بالتأليه، والثانية بالتنزيه؛ فإنه يبرز سؤال: هل هناك صلة بين
الموقف في التوحيد والموقف في الإمامة؟ هل يؤدي التأليه أو التجسيم إلى القول
بالإمامة بالنص والتعيين وبألوهية الأئمة وبالخلود وبالرجعة وبالعصمة وبالتقية،
كما يؤدي القول بالتنزيه إلى البيعة والاختيار؟ إن أكثر الفِرق التزامًا
بالعالم كالخوارج أقلُّها إيغالًا في التوحيد تنزيهًا، فلا تجد عندهم أقوال في
الله في ذاته وصفاته بقدر ما نجد في الإيمان والعمل والحرب والسلم والفقه
والتشريع والسياسة؛ فالتوحيد عمليٌّ صرف، في حين أن الرافضة أكثر إيغالًا في
التوحيد تأليهًا وتجسيمًا وتشبيهًا، كما أن لديهم أقوالًا في الإيمان والعمل
والإمامة والسياسة وموضوعات الفقه والتشريع؛ فالتوحيد نظريٌّ وعملي.