ستيف جوبز والقصة المدهشة لمؤسس أبل

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي
الفصل الحادي والعشرون

الحياة

كان ستيف جوبز يستطيع دفع فريقه إلى تطوير منتجات مذهلة، وكان من الممكن أن تنتابه نوبات من الجنون فيما يتعلق بابتكاراتهم. كان قادرًا على الحفاظ على سرية المنتجات الجديدة بحيث قد لا يعرف شكلها إلا عشرون شخصًا في أبل. لكن على الرغم من كل ما كان يستطيع السيطرة عليه، لم يستطع السيطرة على السرطان.

figure
سيف جوبز، على خشبة المسرح في ٦ يونيو ٢٠١١م، في مؤتمر مطوري أبل، في آخر خطاب له.

في ٢٠٠٨م، بدأت صحته تتدهور مع انتشار الورم في الكبد. كان يتألم ويشعر بعدم الراحة. بالإضافة إلى ذلك، جعلت علاجات السرطان، ومسكنات الألم القوية، وعاداته الغذائية طوال حياته، من الصعب عليه أن يأكل بشكل جيد. بدأ وزنه ينخفض.

على الرغم من كفاحه على جبهة السرطان، استمر في الإشراف على ابتكار جهاز. حتى في أثناء طرح أبل لأجهزة «الآيبود» و«الآيفون» الجديدة، كانت تعيد صناعة «ماك» بابتكارات جديدة، من قبيل «ماك بوك إير» المحمول الخفيف جدًّا، والذي طُرح في أوائل ٢٠٠٨م. وكان مجال الكمبيوتر الشخصي، الذي أعلن كثيرون أنه قد مات قبل عشر سنوات، لا يزال حيًّا يُرزق في أبل.

نسب جوبز بعض النجاح على الأقل للعملية المكثفة التي اتبعتها الشركة للاستبعاد، بما يعني الرفض أكثر بكثير من القبول. قال: «يعتقد الناس أن التركيز يعني الموافقة على الشيء الذي عليك أن تركز عليه، لكن هذا ليس معناه إطلاقًا، إنه يعني رفض المائة فكرة الأخرى الجيدة. عليك الاختيار بعناية.»

لم يعكس العمل شخصيته المتطلبة ومعاييره الرفيعة وحسب، لكنه عكس أيضًا اعتقاده بأنه لا توجد مشكلة في أن تحاول وتفشل. وأشار أن كل الفنانين — ومنهم محبوبه «بوب ديلان» — يفشلون أحيانًا. في الحقيقة، كما قال، لن يكونوا فنانين إلا إذا «كانوا معرضين لخطر الفشل».

من المؤكد أن أفكار أبل لم تنجح جميعها. مثلًا أول تلفزيون لأبل لم ينجح وتم التخلي عنه، وهو فكرة لجمع كل البرامج والأفلام وفيديوهات اليوتيوب، والأفلام المنزلية التي تستطيع مشاهدتها على تلفزيونك. وحتى عندما تم إطلاق نسخة أخرى منه لم تحظَ بقبول كبير، لكن جوبز واصل المحاولة، واصفًا المنتج بأنه «هواية».

لكنه وضع خطًّا بين المحاولة والخطأ، والأداء السيئ المعروف تمامًا، ولم تمنعه حالته الصحية من التعبير عن أفكاره. في منتصف ٢٠٠٨م، ظهر نظام جديد للبريد الإلكتروني اسمه «موبايل مي»، وكان من المفترض أن يعمل على كل من الكمبيوتر و«الآيفون»، لكنه لم يعمل جيدًا. لم ينقل النظام البريد الإلكتروني بشكل صحيح دائمًا بين الأجهزة، وكانت بعض رسائل البريد الإلكتروني تضيع. لم يكن الزبائن سعيدين.

جمع جوبز الفريق لاجتماع وبدأ بسؤال أساسي: هل يشرح لي أي منكم ما المفترض أن يفعله «موبايل مي»؟

بعد أن سمع إجابة جيدة، سأل سؤالًا ثانيًا تضمن لفظًا نابيًا: لماذا إذن لا يفعل هذا «اﻟ…» ذلك؟

لم تكن هناك إجابة جيدة بما يكفي، وكان قاسيًا وفظًّا في انتقاد الفريق علنًا.

قال: لقد لوَّثتم سمعة أبل. ينبغي أن يكره كل منكم الآخر لأنه تركه يحط من قدره!

عين مسئولًا جديدًا أمام المجموعة كلها.

وفي النهاية تم إصلاح الخدمة.

حتى عندما كان جوبز يواجه نهايته، لم يلِن أو يصبح أكثر تأملًا، لا في مكتبه ولا مع أسرته. على الرغم من معرفته بأن وقته محدود وعلى وشك الانقضاء، لم يكن بإمكانه الابتعاد عن عمله مطلقًا.

ذهب إلى هاواي مع أسرته في ربيع ٢٠٠٨م، لكن حتى حينذاك، وافق هناك على مقابلة مع صحفية من «فورتشن» اسمها «بتسي موريس». وبعد أن انتهيا من اللقاء، طلب منها أن تغلق جهاز التسجيل، ثم اعترف اعترافًا مؤلمًا، قال: «أنا أحب أسرتي، وآتي إلى هنا سنويًّا. أريد أن أكون هنا، لكن الأمر صعب بالنسبة إليَّ، فأنا دائمًا، دائمًا، أفكر في أبل.»

بالضبط كما كان الحال وهو صغير، كان هناك الكثير مما يود القيام به، لكن حالته كانت تتدهور. فقد ٤٠ رطلًا في النصف الأول من ٢٠٠٨م من جسدٍ كان نحيلًا أصلًا، مما أزعج أسرته. وجعلت المخاوف بشأن مظهره الهزيل الصحفيين والمستثمرين ينشغلون بصحة المدير الذي لم يكن يدير أبل فقط، لكنه كان روح أبل نفسها، في البداية نسبت الشركة فقدان وزنه إلى «علة عادية»، ثم قالت للصحفيين وأي شخص كان يسأل عن صحة جوبز إنها «مسألة خاصة».

في الحقيقة، بينما كان السرطان الذي أصاب بنكرياس جوبز ينتشر، بدأ الجسد يتآكل تمامًا، ويتدهور ويضعف. استولى المرض على كبد جوبز تمامًا. وباستخدام المعلومات المتوفرة لدى الأطباء بشأن التكوين الجيني لأورامه، واصل الأطباء إعطاءه علاجًا موجهًا.

في السنة ذاتها، واجه النظام البنكي الأمريكي أسوأ أزماته المالية في القرن الأخير، وأطاح ببعض اللاعبين الرئيسيين. حتى مع مواصلة الناس شراء «الآيبود» و«الآيفون»، ونتيجة المخاوف بشأن صحة جوبز، هبط سعر سهم أبل بأكثر من النصف، لينخفض إلى ٨٥ دولارًا تقريبًا في نهاية ٢٠٠٨م، وتهاوى سوق الأوراق المالية برمتها.

في وقتٍ متأخر من تلك السنة، ألغى جوبز ظهوره المخطط له في «ماكورلد»، كما ألغى التزامات أخرى، مما جعل الألسن تلغط من جديد. في بيانٍ علني في أوائل يناير ٢٠٠٩م، ألقى باللائمة على «اختلال هرموني». أخيرًا، في أواخر يناير، أخذ إجازة مرضية رسمية، قائلًا إنه علم مؤخرًا أن «المسائل المتعلقة بصحتي أكثر تعقيدًا مما ظننت في الأصل». فتحت مفوضية الأوراق المالية والبورصات تحقيقًا بشأن صدق أبل فيما أفصحت عنه. بينما يحق للفرد الاحتفاظ بسرية بعض المعلومات، فإن تضليل المستثمرين بشكل متعمد مشكلة. لكن المفوضية لم تتخذ أي إجراءات في القضية.

في ٢٠٠٩م، بدأ جوبز العمل أيضًا مع المحرر السابق في مجلة «تايم»، «والتر آيزاكسون»، في سيرته. التقى جوبز آيزاكسون أول مرة لكتابة قصة حياته في ٢٠٠٤م، في وقت مبكر من مرضه. اعتقد آيزاكسون، الذي كتب سيرة حياة «ألبرت أينشتاين» و«هنري كيسنجر» و«بن فرانكلين»، أن جوبز لا يزال صغيرًا جدًّا وأن الأمر مبكر جدًّا، لكنهما واصلا الحديث، وفي النهاية قالت «باول» للكاتب: «عليك حقًّا أن تفعل ذلك الآن.» للمرة الأولى منذ عقود، فتح جوبز باب عمله وحياته الأسرية وتأملاته على مصراعيه لأحد الصحفيين.

نبَّه الطبيب الذي كان يعالج جوبز من السرطان لشهور إلى أنه قد يحتاج إلى التفكير في زراعة كبد. أخيرًا، في يناير ٢٠٠٩م، وضع على قائمة انتظار في كاليفورنيا، لكن الحاجة إلى الأعضاء هناك كانت مرتفعة جدًّا، وبالتالي كانت فرصته في الحصول على العضو الذي يحتاجه في الوقت المناسب ضئيلة. وليزيد من فرصه، وضع أيضًا على قائمة انتظار لزراعة الكبد في ممفيس، بولاية تينيسي.

كانت تلك الحركة في محلها، ففي مارس جاءت مكالمة من «ممفيس» بشأن توفر كبد شاب توفي في حادث سيارة. طار جوبز و«باول» إلى هناك فورًا، وسارت الجراحة بشكل جيد. لكن، كما كتب آيزاكسون، وجد الأطباء أن السرطان قد انتشر في الكبد كلها بالإضافة إلى الغشاء المحيط بالأعضاء الداخلية.

نظرًا لانتشار السرطان، لم يكن زرع الكبد الجديدة ليعالجه. وكان من المؤكد غالبًا أن خلايا السرطان قد انتشرت إلى مواضع أخرى من الجسم. بدلًا من ذلك، وفرت تلك الجراحة وقتًا أطول بحياة جوبز، وتطلبت حذرًا شديدًا لأن المرضى الذين تزرع لهم أعضاء يحتاجون إلى عقاقير لقمع جهاز المناعة الذي يقاوم العدوى، مما قد يسمح للسرطان بالاستمرار في الانتشار بشكل أسهل.

استبدال الكبد عملية جراحية طويلة ومعقدة، وكان التعافي منها بطيئًا. وكان على جوبز أن يبدأ المشي من جديد، في البداية مستندًا على كرسي. كما قالت أخته «منى سيمبسون» إنه يوميًّا «كان ينهض على ساقَيه اللتين تبدوان أوهن من أن تحملاه، ويداه تمسكان بظهر المقعد»، دافعًا المقعد باتجاه مكان التمريض. هناك كان يجلس ويستريح قبل أن يبدأ بالعودة.

وكانت «باول» تحثه قائلة: «ستيف، يمكنك أن تفعل هذا.»

وكان كل يوم يحاول أن يسير أكثر من سابقه.

تحسنت حالته وعاد إلى البيت في نهاية مايو. وفي أوائل يونيو، بدأ جوبز يعقد اجتماعات في بيته، وبحلول نهاية الشهر، عاد إلى المكتب، بادئًا يومه الأول مباشرة من حيث توقف؛ بسلسلة من نوبات الغضب.

وكانت لديه فرصة، بعد أن عاد من جديد، ليصنع فارقًا آخر في العالم. لم تغير الكبد الجديدة سلوكه إطلاقًا. كان لا يزال يرجع الطعام لأنه غير صالح للأكل ويهين الناس علانية. وحين كان أحد زملائه القدامى والموثوق بهم ينتحي به جانبًا ليذكره بأن يكون ألطف، كان يتأسف على ما فعل، ثم يكرر الأمر مرة أخرى، وقال: «إنه ببساطة طبعي.»

قالت «لورين باول» لآيزاكسون: «مثل كل العظماء الذين يتمتعون بمواهب استثنائية، لم يكن استثنائيًّا في كل المجالات، لم يكن يتمتع باللباقة، ولم يكن يضع نفسه مكان الآخرين، لكنه يهتم بعمق بتمكين البشرية، بتطوير البشرية، ووضع الأدوات المناسبة في أيديهم.»

في نوفمبر ٢٠٠٩م، منحته «فورتشن» لقب «مدير العقد»، قائلةً إن «العقد الماضي في التجارة ينتمي لجوبز»، واصفة إياه «بالمخرج الاستعراضي، والتاجر بالفطرة، والساحر الذي يخلق من حوله مجالًا شهيرًا يشوش على رؤية الحقيقة، والمستبد الذي يسعى إلى الكمال»، وذكرت المجلة أنه في عشر سنوات «أعاد تنظيم ثلاث أسواق بشكل جذري ومربح — الموسيقى والسينما والتلفونات المحمولة — ونما تأثيره على صناعته الأصلية؛ صناعة الكمبيوتر»، وقالت: «لا عجب أن شهرته حلقت في آفاق العالم كله.»

كان في جعبته منتج آخر. مع ارتفاع مبيعات «الآيفون»، كان الوقت مناسبًا لتنفيذ فكرة «التابلت» التي كان قد نحَّاها جانبًا من قبل. بالعمل مع «جوني آيف»، استقر جوبز على مستطيل بزوايا مستديرة، خفيف ومغرٍ بما يكفي لالتقاطه بيدٍ واحدة، وكبير بما يكفي لقراءة كتاب عليه، وصغير بما يكفي لإلقائه في حقيبة.

في يناير ٢٠١٠م، وهو لا يزال يبدو نحيلًا، عاد إلى خشبة المسرح ليقدم «الآيباد تابلت» باللمس، بسعر يتراوح من ٤٩٩ دولارًا إلى ٨٢٩ دولارًا. لم تحدث الاستجابة الحماسية المعتادة لمنتج جديد لأبل. من دون لوحة مفاتيح، لم يحل «التابلت» حقًّا محل الكمبيوتر. يقوم بالكثير من الأشياء الرائعة التي يقوم بها «الآيفون»، لكنه لا يدخل جيبك. وجد بعض النقاد وحتى بعض الزبائن المحتملين صعوبة في أن يتوصلوا لفائدته.

خلال ساعات، تدفقت ثمانمائة رسالة بالبريد الإلكتروني إلى حساب جوبز، يشكو معظمها مما يفتقر إليه «التابلت». اعترف جوبز: «أصابني الاكتئاب. إنه أمر صادم.»

لكن لم يكن أحد من الشاكين قد رأى «التابلت» عن قرب أو أمسك به في يديه. بعد وصوله في أبريل، اختلفت النبرة. ربما لم يكن ﻟ «التابلت» استخدامات كثيرة واضحة تمامًا، لكن كان امتلاكه واللعب عليه أعجوبة. في تطوير «الآيبود» و«الآيفون» و«الآيباد»، لاحظ الكاتب «ستيفن فراي» أن جوبز و«آيف» وفريق أبل فهموا واكتشفوا كيف يلتقطون العلاقة الشخصية الحميمة التي يمكن أن تتطور مع الأشياء التي نمتلكها ونتعامل معها يوميًّا. كما قال له «آيف»: «بالنسبة إلينا، يتعلق الأمر كله بالتحسين، والتحسين من جديد، حتى يبدو كأنه لا يوجد ما يفصل بين المستخدمين والمحتوى الذي يتفاعلون معه.»

بالطريقة نفسها التي غير بها «الآيبود» عمليات شراء الموسيقى، صنع جوبز و«الآيباد» احتمالاتٍ جديدة للكتب الإلكترونية. فبالإضافة لكونه جهاز موسيقى، وآلة للعب، ومتصفحًا للإنترنت، فإن «الآيباد» أيضًا قارئ كتب. حتى ظهور «الآيباد»، كانت «أمازون» و«كيندل» التابعة لها مسيطرتين على الكتب. ولكن مع توفر جهاز آخر و«الآيبوك ستور»، قوي نفوذ الناشرين فيما يتعلق بأسعار كتبهم الإلكترونية، وزادت الاختيارات أمام القراء.

باعت أبل ٧٫٥ مليون «آيباد» بين أبريل ونهاية سبتمبر ٢٠١٠م. وإجمالًا، مع ذلك المنتج الجديد، و«الآيفون» سريع النمو، وأجهزة «ماك» المجددة، ارتفعت مبيعات أبل إلى ٦٥ مليار دولار في نهاية سنتها المالية ٢٠١٠م. ارتفعت ٥٠ في المائة في سنةٍ واحدة، ووصلت أرباحها إلى ١٤ مليار دولار، أو ٢١ سنتًا في كل دولار مبيعات؛ ثلاثة أضعاف الربح الذي تحققه الشركات العادية في كل دولار تقريبًا.

ثم صارت أبل، في مايو ٢٠١٠م، شركة التكنولوجيا الأكثر قيمة في العالم. اعتمادا على سعر أسهمها، قدرها المستثمرون بقيمة ٢٢٢ مليار دولار، وتليها مباشرة مايكروسوفت بقيمة ٢١٩ مليار دولار. بقيت قيمة مايكروسوفت كما هي إلى حد كبير في ٢٠١١م، وواصلت أبل الصعود، ووصلت في نهاية ٢٠١١م إلى ٣٧٦ مليار دولار.

ولكن جوبز كان يركز على أشياء أخرى، وهي الأهداف الشخصية التي وضعها ليحققها في أثناء فترة مرضه. كان يشيد يختًا أنيقًا على أمل أن يسافر به ذات يوم مع أسرته. وكما غنى «ديلان» «من لا ينشغل بحياته سينشغل بمماته»، أدرك جوبز أنه إن لم يخطط للمستقبل فلن يكون له مستقبل.

كان بينه وبين ابنه «ريد» هيام متبادل، وكان يريد بشغف أن يرى «ريد» ينهي دراسته الثانوية. تاه فخرًا بهذه اللحظة عندما أتت في يونيو ٢٠١٠م، وأرسل رسالة إلكترونية من حفل التخرج: «اليوم من أسعد أيام حياتي.» وفي الحفل في تلك الليلة، رقص «ريد» مع كل أفراد الأسرة، ومع والده على الأخص.

كانت علاقة جوبز مع بناته أكثر تعقيدًا. جاءت «ليزا»، وكانت في أوائل الثلاثينيات من عمرها، لزيارته مرتين في ممفيس، ثم قضت هي ووالدها شهورًا أخرى من دون حتى مكالمة تلفونية. وفي ٢٠١١م، عادت إلى بالو ألتو لزيارته.

وكانت الصغرى، «إيف»، على مشارف المراهقة، عنيدة، وورثت الإصرار عن أبيها، وكانت الأكثر تأثيرًا عليه حين تخبره بتوقعاتها.

أما «إيرين»، وكانت في منتصف العقد الثاني، فقد كانت ترغب بشدة في الذهاب إلى حفل جوائز الأوسكار مع أبيها في ٢٠١٠م، لكنه لم يستجب لها. لكن جوبز وفى بوعده باصطحابها إلى كيوتوفي اليابان. وكانا قد خططا للرحلة في ٢٠٠٨م، لكن اضطُرَّا إلى إلغائها بسبب اشتداد مرضه. في ٢٠١٠م، ألغاها مرة أخرى مبدئيًّا، لكنه قام بها في يوليو. مثل «ليزا»، سنحت الفرصة ﻟ «إيرين» بتناول «السوشي» و«شعيرية السوبا» مع أبيها وزيارة معابد «الزن» البوذية. كانت تجربة خاصة زادت من ارتباطها بأبيها، واعترفت لآيزاكسون بأن أباها لم يكن دائم الاهتمام، لكنها قالت إنه لم توجد مشكلة في ذلك. قالت: «أعرف أن ما يفعله مهم جدًّا. لم أكن حقًّا في حاجة إلى مزيد من الاهتمام.»

بحلول أواخر ٢٠١٠م، كان السرطان قد انتشر مرة أخرى. لبعض الوقت لم يكن جوبز يستطيع حتى تناول الطعام، وكان يتعاطى محاليل عن طريق الوريد، وكان يشعر بضعف وألم متزايدين، وانخفض وزنه ليصل إلى ١١٥ رطلًا؛ أقل من الوزن الطبيعي بأكثر من خمسين رطلًا. سعت «باول» إلى اختصاصيين في اضطرابات الأكل، لكن الأمر لم يُجدِ نفعًا.

في يناير ٢٠١١م، أخذ جوبز إجازة مرضية أخرى، «حتى أركز على صحتي». لكن حالته في الأشهر القليلة التالية كانت متقلبة وكان الأطباء يجربون علاجات جديدة. كان يتحسن ثم ينتكس. وصل إلى سن السادسة والخمسين في فبراير، وفي مارس عاد إلى تناول الطعام مرة أخرى وشعر أنه أكثر نشاطًا. استجمع قواه بما يكفي للكشف عن «الآيباد ٢»، الأخف قليلًا والأكثر رشاقة، بغطائه المغناطيسي الرائع. هتفت الحشود حين صعد خشبة المسرح، وحيته بعاصفة من التصفيق واقفة له احترامًا. وظهر مرة أخرى في ٦ يونيو ليقدم خدمة «آيكلاود أبل»، التي تسمح للمستخدمين بتنسيق أغانيهم وصورهم وما لديهم من ممتلكات إلكترونية أخرى وتخزينها في مخزون إلكتروني واحد ومركز تنظيم.

واحدًا تلو الآخر، جاء الناس الذين عمل معهم، وتشابك معهم، ووبخهم، وأحبهم؛ ليودعوه. دخل «بيل جيتس» من الباب الخلفي الذي لم يكن يغلق غالبًا وقضى مع جوبز ثلاث ساعات، يستعيدان الذكريات ويتحدثان عن التكنولوجيا والتعليم وأسرتيهما. واتفق مع جوبز في أنهما كانا محظوظين لأنهما تزوجا امرأتين مناسبتين وأنجبا أطفالًا رائعين.

لكن لم يتفقا بشكل كامل قط، هنأ «جيتس» جوبز على إنقاذه لأبل وعلى «الأشياء المذهلة» التي أنتجها، واعترف بأن مقاربة «الكل في واحد» التي اتبعها جوبز في صناعة البرمجيات والأجهزة، كانت ناجحة. «وكان نموذجك ناجحًا أيضًا»، قال جوبز عن مقاربة البرمجيات فقط التي اتبعتها مايكروسوفت.

وبالطبع كان كل منهما لا يزال يؤمن بأن مقاربته هي الأفضل.

اقترب جوبز من الموت مرتين في الصيف، لكنه استعاد قوته. وتكرر الأمر كثيرًا حتى إنه أصبح من الصعب تخيل أنه لن يستمر في العيش. زار آيزاكسون جوبز ليفحص الصور من أجل الكتاب، وتكوَّم جوبز في السرير لأنه كان أضعف من أن يجلس.

تحدثا عن عمله، ما يحب وما لا يحب، وعن الرب. قال: أحب أن أعتقد بأن هناك شيئًا ما يبقى بعد الموت.

بعد التأمل في ذلك، أضاف: لكن من الناحية الأخرى، ربما يكون الأمر مثل زر التشغيل والإيقاف.

وعلَت وجهه ابتسامة صغيرة، وقال: ربما كان ذلك هو سبب كرهي لاستخدام هذه الأزرار في أجهزة أبل.

في تلك الزيارة الأخيرة، سأله آيزاكسون عن سبب موافقته على الكتاب بالنظر إلى تقديره الهائل لخصوصياته, فقال: أردت لأبنائي أن يعرفوني. لم أكن متواجدًا دائمًا من أجلهم، وأريد أن يعرفوا السبب ويفهموا ما فعلتُ.

وقال جوبز لآيزاكسون إنه لم يخطط لقراءة الكتاب قبل انقضاء بعض الوقت، ربما سنة. وربما استسلم آيزاكسون لمجال تشويش الرؤية، فرحل وهو يشعر أن جوبز قد يبقى على قيد الحياة لبعض الوقت.

استقال جوبز في ٢٤ أغسطس من منصبه مديرًا لأبل. أراد أن يفعل ذلك شخصيًّا، على الرغم من حاجته إلى كرسي متحرك ليفعل ذلك. أمام المديرين الذين دعموه وقتًا طويلًا، قرأ الخطاب الذي كتبه: قلتُ دائمًا إذا أتى يومٌ لم أعُد قادرًا فيه على تلبية مهامي والمتوقع مني كمديرٍ لأبل، فسوف تكونون أول من أخبرهم. وللأسف، لقد جاء ذلك اليوم.

وأوصى بأن يكون «تيم كوك» مديرًا، وأضاف: أؤمن بأن أفضل أيام أبل وأكثرها ابتكارًا لم تأتِ بعد. وأنا أتطلع إلى مشاهدة نجاحها والمساهمة فيه في دور جديد.

وكان لا يزال يخطط للعمل في منتجات جديدة ولتقديم مشورة للتسويق، طالما استطاع القيام بذلك.

في ٥ أكتوبر ٢٠١١م، وبحضور زوجته وأطفاله وأختيه، رحل ستيف جوبز.

منذ شبابه كان يقول للناس: «الحياة قصيرة وسنموت جميعًا قريبًا جدًّا.» كان ذلك قولًا دراميًّا وحقيقيًّا أيضًا. فقد كانت هذه الحياة، بشكلٍ خاص، قصيرةً جدًّا.