أولًا: جابر بن حيان، القوهي، ابن سهل، بازبار الفاطمي
بعد أن بدأ التأليف في ثلاثة أنواع أدبية ابتداءً من «تمثل الوافد» حيث كان التعامل مع الخارج وحده وانتقالًا إلى «تمثل الوافد قبل تنظير الموروث» حيث كان التعامل مع الخارج والداخل ولكن ما زالت الأولوية للخارج، ونهاية في «تمثل الوافد مع تنظير الموروث» حيث تساوى الخارج والداخل؛ بدأ التأليف نفسه يتحول إلى تراكم فلسفي عندما ينتهي المكونان الرئيسيان للتأليف الوافد والموروث، الخارج والداخل كمصدرين خارجيين للوعي الفلسفي ويصبحان مصدرين داخليين. فيصبح الوافد موروثًا في نهايته بعد أن كان وافدًا في بدايته، ويحدث الموروث تراكمًا داخليًّا بنقد الداخل بعضه لبعض. الفرق بين التأليف والتراكم أن التأليف يتعامل مع مكونين خارجيين عن الوعي الفلسفي، الموروث والوافد أي الخارج والداخل في حين أن التراكم يتعامل مع مكونين داخليين في الوعي الفلسفي بعد أن أصبح الوافد موروثًا عبر الأجيال، وأصبح الموروث ناقدًا نفسه بنفسه ومتعاليًا بذاته على ذاته بعد خبرة فلسفية طويلة من الكلام إلى الفلسفة، من الفكر الديني إلى الفكر الفلسفي، من الجدل إلى البرهان. يعني هذا النوع الأدبي الرابع «تنظير الموروث قبل تمثل الوافد» بداية التحول من الوافد إلى الموروث بعد أن تم تمثل الوافد واحتواؤه داخل الموروث، في مقابل النوع الثاني «تمثل الوافد قبل تنظير الموروث». وما النوع الثالث «تمثل الوافد مع تنظير الموروث» إلا حلقة متوسطة بين النوعين، وممر من النوع الثاني إلى النوع الرابع. الوافد هو المؤقت والموروث هو الدائم. الوافد هو الوسيلة والموروث هو الغاية. الوافد هو المحوي والموروث هو الحاوي. وقد بدأ هذا النوع في مرحلة متقدمة للغاية، منذ القرن الثاني في عصر الترجمة، واستمر حتى القرن الحادي عشر. ومن الطبيعي أن يظهر مبكرًا نظرًا لقلة الموروث وانتشاره وضعف جذبه وحضوره. يبدأ التراكم الفلسفي بهذا النوع الأدبي الرابع «تنظير الموروث قبل تمثل الوافد» حيث تبدأ الأولوية للداخل على الخارج، وللذات على الغير، وللأنا على الآخر بعد أن اكتسب الوعي خبرات فلسفية كافية وامتلك من علوم الوسائل ما تجعله قادرًا على التوجه أكثر فأكثر نحو علوم الغايات. ثم يزداد التراكم شيئًا فشيئًا فيظهر النوع الأدبي الخامس «تنظير الموروث» حيث يختفي الوافد كلية ويعتمد التأليف الفلسفي على الداخل وحده، انتهى دور الوسيلة وظهرت الغاية تنظِّر نفسها بنفسها، وفي النهاية يظهر النوع الأدبي السادس «الإبداع الخالص» بفعل التأمل الذاتي واعتماد العقل على ذاته متحدًا بموضوعه واستغناء عن المكونات الخارجية نهائيًّا، الوافد والموروث، والموروث التراكمي بعد تحولها عضويًّا وذوبانها نهائيًّا في الوعي الفلسفي التاريخي.