ثانيًا: الإبداع المنطقي
(١) يحيى بن عدي
- (أ) مثال ذلك مقالة «في تبيين الفصل بين صناعتي المنطق الفلسفي والنحو العربي» ليحيى بن عدي (٣٦٤ﻫ)، تخلو من الوافد والموروث على حد سواء.١ ويهدف المقال إلى تحقيق غرض وقصد وليس مجرد تجميع مادة كما هو الحال في العرض. والغرض هو الموضوع، التمييز بين المنطق الفلسفي والنحو العربي، وهو نفس موضوع المناظرة الشهيرة بين متى بن يونس وأبي سعيد السيرافي عن الصلة بين المنطق اليوناني والنحو العربي.٢
ويشير يحيى بن عدي إلى نحو العرب وليس إلى منطق اليونان. ويغلب عليه مشكلة «اللفظ والمعنى». فالمنطق دلالة الألفاظ على الأمور الكلية. والنحو صناعة الألفاظ لتحريكها وتسكينها سواء كانت دالة أو غير دالة. والمنهج معرفة الحدود أي التعريفات وهي الخطوة المنطقية الأولى. ويبين تحليل أفعال البيان مسار الفكر الاستنباطي البرهان، والانتقال من المقدمات إلى النتائج. ويبدأ المقال بالبسملة ولا ينتهي بتعبيرات إيمانية. يكفي الإعلان الأول عن الجو الثقافي العام للحضارة التي ينتمي إليها بصرف النظر عن طائفته.
- (ب)
وفي «مقالة أن العرض ليس جنسًا للتسع المقولات العرضية» له أيضًا يغيب الوافد والموروث كلية، ويتم الاعتماد على العقل الخالص وحده. والموضوع مشترك بين المنطق والطبيعيات وما بعد الطبيعة، بين المقولات العشر، والجوهر والأعراض، والجوهر الأول. والمقالة أقرب إلى المنطق منها إلى الطبيعة وما بعد الطبيعة. والغاية إثبات أن العرض ليس جنسًا للمقولات التسع حتى لا يقع في التصور الهرمي للأسماء الخمس مفضلًا تصور المركز والمحيط، التصور الشمسي. أو التصور الدائري المركزي.
يعتمد يحيى بن عدي على العقل الخالص وعلى منطق البرهان. لذلك يكثر استعمال أفعال البيان «ومن البيِّن»، والاستدلال «إذا كان ذلك كذلك»، والانتهاء إلى «وذلك ما أردنا أن نبيِّن». ولا تزيد العبارات الإيمانية عن البسملة الأولى.٣ - (جـ) وفي «الحاجة إلى معرفة ماهيات الجنس والفصل والنوع والخاصة والعرض في معرفة البرهان» له أيضًا؛ إجابةً على سؤال من أبي حاتم السجستاني عن الصلة بين الأسماء الخمسة والبرهان، وهي الأسماء التي وضعها فرفوريوس وأعجب بها المسلمون لنسقها الرياضي المنطقي. القياس يحتاج إلى حد أوسط، اشتراك المحمول في المقدمتين الكبرى والصغرى. في حين أن الأسماء الخمسة أيضًا متداخلة فيما بينها ومشتركة في مركز واحد. القياس يحتاج إلى مقدمتين فقط وليس إلى أسماء خمسة. البرهان في حاجة إلى طبقتين لا أكثر. ويتكلم يحيى بن عدي بضمير المتكلم المفرد. والبداية البسملة والنهاية بالحمدلة مع الدعوات للسائل وطلب التوفيق له. ويتصف الله بصفات الحكمة مثل: ذو الحكمة والجود والحول، ولي العدل، وواهب العقل.٤
(٢) عمر بن سهلان الساوي
وبالرغم من عدم وجود الوافد أو الموروث صراحة في صيغة أسماء أعلام إلا أن الوافد يبدو في بعض الألفاظ المعربة مثل قاطيغورياس، باريرمنياس دون إشارة صريحة إلى اليونان.
(٣) ابن رشد
(٤) أفضل الدين الخونجي
وفي العصور المتأخرة بعد القرن السادس بدأ الإبداع الخالص الذي لا يعتمد لا على الوافد ولا على الموروث قائمًا على صورية خالصة ودرجة عالية من التجريد لدرجة غياب الهدف والقصد والاتجاه والإشكال وكأن البناء النظري المستقل يحتوي على عناصر فنائه ومؤشرات نهايته وهي الصورية الفارغة، وكأن الوافد والموروث كانا يمدان التأليف بمادة حية خصبة ومتجددة. فلما انقطع الرافدان جف المصب مهما حاولت الشروح والملخصات على المتون من إعادة الحياة لها بإدخال العلوم النقلية، اللغوية والفقهية أو النقلية العقلية، الكلام والتصوف، كمادة للشرح.
(٥) ابن العسال
(٦) الكاتبي
ولما عاشت الحضارة الإسلامية على ذاتها، تجتر ما أبدعته أولًا بالعقل كي تدونه ثانيًا من الذاكرة ظهرت الشروح والملخصات والحواشي والتخريجات على نص قديم تقلل من تجريده وتضيف إليه مواد من العلوم النقلية السائدة خاصة الفقهية أو العقلية النقلية خاصة الكلام والفلسفة بعد أن اتحدا معًا في هذه العصور المتأخرة. فشرح قطب الدين محمود بن محمد الرازي (٧٦٦ﻫ) «الرسالة الشمسية» في «تحرير القواعد المنطقية» ثم أضاف إليه السيد الشريف الجرجاني (٨١٦ﻫ) «حاشية على تحرير القواعد المنطقية» على النحو الآتي:
(٧) الجرجاني
(٨) السنوسي
الإنسان ليس في خسر (السابق، ص٨٩، ١٧٠).