إلى أي حدٍّ ينبغي أن نضع فكرة الجنس في هذا العرض موضع النظر؟
هذا إلى أننا لم نسطِّر حتى الآن فقرة واحدة عن ذلك النشاط الإنساني الخالص، وأعني به علائق الجنسين، وهو ما سنتناوله الآن بالبحث.
إننا حين أشرنا إلى التحوُّل الدائب الذي يطرأ على استقلال المنزل فيبدِّل به اشتراك الناس في أداء المرافق، تحاشينا أن نبحث كيف أثَّر ذلك في تغير العلاقة المتبادلة بين المرأة والرجل في شئون الدار؛ بل إننا في الباب الثامن الذي عرضنا فيه صنوف الإنسان عرضًا شاملًا لنتخذه أساسًا لدراسة حياة الناس الاجتماعية وتأثيرهم بعضهم في بعض، لم نعقِّد على أنفسنا سبيل البحث بفكرة أنَّ بين فصائل المزارعين والرعاة فريقًا من الإناث، بل إننا كذلك لم نفرِّق في طبقة المتعلمين بين الذكور والإناث، ولقد كان في مُكْنتنا حينئذٍ أن نبرِّر ذلك التبسيط في طريقة البحث بقولنا إن المرأة على وجه العموم، فيما يتعلق بالغايات الاجتماعية العامة التي قَصَدْنا إليها من ذلك الباب، تلازم الرجل من طبقتها؛ فزوجة الزارع تقاسمه وجهة نظره إلى العالم ولها ما له من حقوق في حدود طبقتهما الاجتماعية، وبقدر ما تسمح لها أنوثتها بذلك؛ والمرأة المسيطرة في طبقة الرعاة تتفق كذلك في كل الأمور الهامة مع ما يختلج في نفس زوجها من أفكار.
ونحن كما ترى نتحوط في التعبير فنقول «قد وربما» ولا نقطع بوجود التباين بين الفريقين؛ فنحن نسائل أنفسنا ثم نرجِّح في الإجابة عن السؤال أن يكون بين الجنسين حقًّا بعض أوجه الخلاف في الميول والغايات، ولكنها على كل حال فروق طفيفة بين كائنات أشد ما تكون شبهًا وقرابة؛ فهي اختلافات يكمل بعضها بعضًا وليست مما يباعد بالنفور فريقًا عن فريق، وهي تشير إلى ما بين الجنسين من نهاية مشتركة؛ فلست أشك في أننا سنظل إلى آخر الدهر نرى أشياء تتقنها المرأة دون الرجل، ونشهد أعمالًا تحسن المرأة أداءها أكثر مما يحسن الرجل، وأن النساء سيلبثن إلى آخر الدهر أشد من الرجال رغبة في أشياء معينة، كما سيظل الرجال أشد رغبة منهن في أشياء أخرى؛ ولست أشك في أن شطرًا عظيمًا، إن لم أقل الشطر الأعظم من أعمال الإنسان، ينقسم اليوم وسيبقى مقسومًا إلى الأبد قسمين: أعمال يختص بها الرجال، وأخرى ينفرد بها النساء.
ولكن دعني أسائل أولًا: إلى أي حدٍّ يؤثر اختلاف الجنس في كيان الرجل أو المرأة؟ تُرى هل يكون الذكر ذكرًا والأنثى أنثى حتى أطراف الأنامل؟ إن مخلوقات كثيرة لا يذهب فيها اختلاف الجنس إلى أبعد من التناسل وما يتصل به؛ فسمكة الرنكة يلين «بطروخها» أو يتصلب وذلك بمقدار ما فيها من الصفات الجنسية؛ كذلك ليس في ذكر النعام ما يدل على ذكورته دلالة بينة، ولا في أنثاه ما يشير إلى أنوثتها إشارة واضحة، ولسنا نستطيع أن نفرِّق بينهما من حيث تركيب الجسم أو اختلاف النزعة إلا حين يحين دور الحضانة أو الرضاعة ورعاية الصغار، ومع ذلك فكل ما بين ذكر النعام وأنثاه من ضروب الخلاف إنما تكون في تخصص الأنثى دون الذكر بما يتصل بشئون النسل؛ وليس يبدو في فصيلة البشر من علائم التباين الجنسي بقدر ما يبدو منها في كثير من ضروب الماشية، ولم ينحدر كل من جنسي البشر من سلفٍ يختلف عن سلف الآخر كل الخلاف عقلًا أو جسمًا؛ فإن كان الرجل مثلًا أقدر من المرأة في الضرب والجري، وأشد منها احتمالًا للعمل الشاق؛ فالمرأة فيما يلوح أقدر من الرجل في السباحة وأسرع منه حفظًا للتوازن في ركوب الدراجة، وأطول منه صبرًا على مواصلة العمل الخفيف، وما نظن أن هنالك كثيرًا مما يُؤخذ عليها إذا كان الأمر قيادة سيارة أو طيارة؛ وها هو ذا غزو الإنسان لمصادر القوة وتغلُّبه على شقاء العمل يزيحان عن عاتق المرأة كثيرًا مما كان يعترض طريقها في الحياة الاقتصادية؛ فاصطناع الآلة الذلول قد هيأ للمرأة أن تقف مع الرجل موقف الند المنافس في كثير من الصناعات التي كان ينفرد بها الرجل من قبل؛ وما يطرأ على الشئون المنزلية من تحوُّل مطرد نحو الاشتراكية يزيد في انتزاع المرأة شيئًا فشيئًا مما كانت ترزح تحته من خضوع موروث منشؤه عكوفها على الأعمال المنزلية؛ وضبط النسل يحصر دائرة تخصصها القديم الذي كان يميز بين جنسها وجنس الرجل، وهكذا نرى الجنس البشري الذي لم تكن تفرِّق بين جنسيه فروق جنسية عميقة، لا يزال ماضيًا — فيما يلوح لنا — نحو الإمعان في حصر دائرة الخلاف الجنسي بين الفريقين.