رفيف الأقحوان

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

زيارة من غير موعد

شعر طليق
مَرْحَبًا بِالشِّتَاءِ إِنْ كَانَ غَيْرِي
لَا يَرَى فِي الشِّتَاءِ إِلَّا حِدَادًا
مَرْحَبًا بِالشِّتَاءِ وَالقَلْبُ خَالٍ
أَعْبُدُ النَّارَ فِي سُكُونِ اللَّيَالِي
مُسْتَرِيحًا مِنَ الهَوَى وَهُمُومِهْ
هَذِهِ عُزْلَتِي فَنَمْ يَا فُؤَادِي
لَيْسَ مِنْ زَيْنَبٍ هُنَا أَوْ سُعَادِ
وَإِلَى الطُّرْسِ يَا يَرَاعُ فَعِنْدِي
فِي زَوَايَا الفِكْرِ العَمِيقِ مَعَانِ
آنَ أَنْ يَطْلَعَ النَّهَارُ عَلَيْهَا
قُلْتُ هَذَا وَمَا حَسِبْتُ حِسَابًا
لِلَّذِي خَبَّأَتْ يَدُ الأَقْدَارِ
قُرِعَ البَابُ مَنْ تُرَى يَقْرَعُ البَا
بَ وَلَيْسَتْ بِسَاعَةِ الزُّوَّارِ
وَدَبِيبُ النُّعَاسِ فِي الأَجْفَانِ؟
قَالَ لِي افْتَحْ، أَنَا هُوَ الحُبُّ قُلْتُ اذْ
هَبْ، فَمَالِي بِالحُبِّ يَا حُبُّ شَانُ
قَالَ بَرْدُ الشِّتَاءِ يَقْرُصُ عَظْمِي
وَدُمُوعُ السَّمَاءِ تُمْطِرُ جِسْمِي
وَجَنَاحِي مُهَدَّمٌ مَكْسُورُ
عَبَثًا تَطْلُبُ الدُّخُولَ فَنَفْسِي
أَيُّهَا الحُبُّ قَدْ سَلَتْكَ طَوِيلًا
نَسِيَتْ عَادَةَ الصَّبَابَةِ وَالشَّكـْ
ـوَى وَذِكْرَ العُهُودِ وَالتَّقْبِيلَا
نَسِيَتْ فِعْلَ قَوْسِكَ المَرْهُوبِ
قَالَ مَا لِي فِي غَيْرِ نَارِكَ مَطْمَع
فَافْتَحِ البَابَ لَا يُفِيدُ الجِدَالُ
افْتَحِ البَابَ إِنَّ قَلْبِي تَقَطَّع
وَإِذَا مُتُّ عِنْدَ بَابِكَ قَالُوا
عَنْ دَمِي أَنْتَ وَحْدَكَ المَسْئُولُ
هَكَذَا كَانَ يَسْتَغِيثُ وَيَبْكِي
وَلِهَوجِ الرِّيَاحِ عَصْفٌ شَدِيدُ
رَقَّ قَلْبِي لَهُ فَقُلْتُ أَلَا ادْخُلْ
أَيُّهَا الحُبُّ وَلْيَكُنْ مَا تُرِيدُ
وَرَجَائِي أَنْ لَا تُطِيلَ المُقَامَا
دَخَلَ الحُبُّ مُسْرِعًا نَحْوَ نَارِي
ثُمَّ حَيَّا وَثَغْرُهُ يَبْتَسِم
وَمَضَى بِالَحدِيثِ غَيْرَ خَجُولٍ
يَتَبَاهَى بِغُرَّةٍ وَحُجُولِ
وَبِمَا نَالَ مِنْ دُمُوعٍ وَمِنْ دَمْ
عَمْرَكَ اللَّهُ هَلْ رَأَيْتَ كَشَعْرِي
أَشْقَرَ اللَّوْنِ صَافِيًا كَالشُّعَاعِ
أَوْ كَخَدِّي الأَسِيلِ أَوْ كَلِحَاظِي
حِينَ أَرْمِي بِهَا الفُؤَادَ الخَلِيَّا
عَمْرَكَ اللَّهُ هَلْ تَفَرَّسْتَ فِيَّا
قُضِيَ الأَمْرُ بَيْنَنَا، وَبِدَارِي
أَصْبَحَ الحُبُّ حَاكِمًا مَا شَاءَ
أَقْفَلَ البَابَ، آمِنًا فِي جِوَارِي
نَاسِيًا أَنْ يَعُودَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ
وَأَنَا … قَدْ نَسِيتُ فَتْحَ البَابِ
باريس ١٩٠٦