النظريات المختلفة في العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي لكلمة «إسلام»
-
(١)
الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله النبي العربي المولود بمكة سنة ٥٧١م، المتوفى بالمدينة سنة ٦٣٢م؛ معروف باسم «الإسلام» منذ عهده الأول، وقد يسمى «السلم» (بكسر السين) و«السلم» (بفتحها) على ما ذكره «لسان العرب». وهذه الأسماء الثلاثة هي ألفاظ عربية المادة والصيغة، فلها عند العرب معانٍ هي حقائق لغوية، ولما استعملت النصوص المقدسة الإسلامية هذه الألفاظ في الدلالة على الدين الإسلامي كان ذلك بالضرورة تصرفًا في المعنى اللغوي الأصلي.
وقد جرى عرف العلماء على تسمية الألفاظ المستعملة في معانٍ وضعها لها الشرع «بالأسماء الشرعية» كالصلاة، والزكاة، والحج، وكالإيمان والكفر، وربما خص ما يتعلق بالعقائد، مثل الإيمان والكفر، بالأسماء الدينية، ويذكرون في كتب أصول الفقه خلافًا في الأسماء الشرعية نفيًا وإثباتًا في الوقوع، على معنى أن ما استعمله الشارع من أسماء أهل اللغة كالصوم والإيمان هل خرج به عن وضعهم إلى وضع مستحدث أو لم يخرج به عن وضعهم وإنما استعمله استعمالًا مجازيًّا جاريًا على أساليبهم؟
قال بالأول القاضي أبو بكر الباقلاني (المتوفى سنة ٤٠٤ﻫ / ١١٠٣م)، وقال بالثاني المعتزلة والخوارج والفقهاء. ويستفاد من البحث الذي فصله الآمدي بهذا الصدد أن علماء الإسلام يعتبرون المعاني الشرعية متفرعة عن المعاني اللغوية وثيقة الصلة بها.١ -
(٢)
وقد عني المفسرون والمتكلمون واللغويون وغيرهم من الباحثين برد المعنى الشرعي للفظ «إسلام» إلى أصله اللغوي.
وجمع الفخر الرازي (المتوفى سنة ٦٠٦ﻫ / ١٢٠٩م) في تفسيره لقوله — تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الْإِسْلَامُ جملة المذاهب في ذلك؛ فقال: «وأما الإسلام ففي معناه في أصل اللغة ثلاثة أوجه، الأول: أنه عبارة عن الدخول في السلم؛ أي في الانقياد والمتابعة، قال — تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا٢ … أي لمن صار منقادًا لكم ومتابعًا لكم، والثاني: من أسلم؛ أي دخل في السلم، كقولهم: أسنى وأقحط، وأصل السلم السلامة، والثالث: قال ابن الأنباري (المتوفى سنة ٣٢٨ﻫ / ٩٣٨م): المسلم معناه المخلص لله عبادته من قولهم سلم الشيء لفلان خلص له، فالإسلام معناه إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى.»٣ -
(٣)
أما المحدثون: فجمهرة المستشرقين منهم ترى أن اسم «إسلام» يرجع إلى معنى من الطاعة والخضوع غير إرادي؛ أي التسخير لإرادة قاهرة، يقول جولد صيهر Goldziher: «إسلام بمعنى خضوع؛ أي خضوع المؤمن لله، وهذه الكلمة، التي هي أوفى من كل كلمة غيرها في تعيين المنزلة التي جعلها محمد للمؤمن في علاقته بمعبوده، عليها طابع ظاهر من الشعور بالتبعية والقدوة لا تحيط بها حدود، ويجب على الإنسان أن يستسلم لها متبرئًا من كل حول له وقوة».٤
يرى إدوارد سل: أن اعتبار المؤلفين الأوروبيين أن لفظ «إسلام» يعبر عن الإذعان التام لإرادة الله في كل شئون العقائد والأحكام توسع في فهم معنى اللفظ؛ إذ هو إنما يدل على معنى أخص من الإذعان المطلق، فهو إنما يدل على الإذعان العملي، ويستشهد بقول سيد أمير علي أن الإسلام هو تحري الرشد.
ثم يحاول إدوارد سل أن يجعل جملة ما ورد في القرآن من لفظ «إسلام» ومشتقاته مؤديًا معنى الانقياد الظاهر والطاعة بالجوارح، ويزعم أن المفسرين يبدو أنهم مجمعون على استعمال اللفظ في معنى آلي، ويقول: إن هذا يتفق وعدم ورود كلمة «إسلام» في السور الأولى؛ إذا هي لم ترد إلا ثماني مرات منها ست في السور المدنية واثنتان في السور المكية الأخيرة، ويرجع ذلك إلى أن أركان اليد العملية لم تصر جزءًا منه على وجه قاطع حتى كون محمد دينه في المدينة، ويخلص من ذلك إلى: أن لفظ «إسلام» عندما ينظر إليه من وجهة النظر المحمدية يفقد كثيرًا من جماله الروحي الذي تجمع حول فكرة الخضوع التام لإرادة الله، ويصبح مؤيدًا للمبدأ اليهودي القائل بأن المهم ليس هو روح الشريعة، بل المهم هو مراعاة الأداء الصوري لواجبات ظاهرة خاصة.