الحكم على نتائج الثورة العربية
كان من نتائج الثورة العربية الميمونة أن استقلت الجزيرة العربية استقلالًا كاملًا، فاستراح الحجاز واليمن ونجد من الظلم التركي نهائيًّا، وعاش أبناء هاتيك البلاد في سكينة وهناء ينعمون بنعمة الاستقلال، وقد اعترف لهم الحلفاء بهذا الاستقلال التام.
وهذا قول حق؛ فإن الحركة الثورية التي قام بها الحسين وأحرار العرب كانت واجبًا قوميًّا؛ لأن الذين عاشوا تحت الحكم التركي وذاقوا مرارته ورأوا فلذات أكبادهم تموت في العراء، ولغتهم تُمتهن، وكرامتهم تداس، آمنوا بضرورة القيام بتلك الحركة، ولو لم تكن الضمانات التي أخذها الحسين من الحلفاء ضماناتٍ قاطعةً تعترف بالاستقلال العربي التام في دنيا العروبة كلها.
نحن نؤمن بأنَّ الموقف الذي وقفته الدول الغربية — وبخاصة بريطانية وفرنسة — من الحركة العربية، قد كان موقفًا شائنًا لئيمًا، ولكن!
إن الحلفاء كانوا قد ملئوا الدنيا ضجيجًا بأنهم قوم منصفون، وأنهم سيضمنون للدول التي تناضل معهم ضد الأتراك والألمان الظالمين، الحريةَ والاستقلالَ والسعادةَ والكرامةَ.
قال أرستيد بريان رئيس الوزارة الفرنسية في خطاب تاريخي ألقاه في مجلس النواب الفرنسي يوم ٣ تشرين الثاني سنة ١٩١٥: «إن فرنسة تقوم والسيف في يدها للدفاع عن المدنية واستقلال الشعوب، وعندما تعيد السيف إلى قرابه تكون قد ضمنت للعالم سلامًا موطدًا بعيد المدى، وليس وراء هذا السلام فكرة ما للتسلط الغاشم، بل وراءه فكرة تمتع الشعوب بحريتها، واستقلالها في شئونها الداخلية، وتقدمها في مضمار المدنية؛ هذا هو السلام الذي يسير إليه جنود فرنسة.»
وقال لورد غراي رئيس الوزارة البريطانية في خطاب له ألقاه في حفلة تكريم أقامتها له الجمعية الصحافية الأجنبية يوم ١٨ تشرين الأول سنة ١٩١٦: «سنناضل حتى يتغلب الحق على القوة، وحتى نضمن حرية دول العالم كله كبيرة كانت أو صغيرة، كما نضمن تساويها وتقدمها على حسب استعدادها.»
إذا كان هذان الوزيران المسئولان ينطقان بمثل هذه الأقوال ويمنِّيان الأمم المغلوبة بالحرية والسيادة، وهناك أقوال وتصريحات كثيرة لمسئولين بريطانيين وفرنسيين كلها تنطق بالعدل والحرية والمساواة، فما ذنب أحرار الأمم المغلوبة إن وثقوا بهذه الأقوال الصادرة عن رجال مسئولين، وظنوا أنهم قوم شرفاء يحرصون على سمعة بلادهم ويضنون بكرامتها أن تمتهن وتلطخ سمعتها بالعار وسمة الكذب والافتراء والتضليل.
يقول المرحوم الشيخ فؤاد الخطيب شاعر الثورة العربية من قصيدة له:
•••
•••
•••
إن هذه القصيدة تنطق بالحالة التي كان عليها أحرار العرب ومثقفوهم والجيل الصاعد آنئذٍ، فلا يلومنَّهم لائم لأنهم وثقوا بأقوال الغربيين وأعلنوها ثورة على دولة الخلافة، دون الاستيثاق منهم، فإنه: