مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
فرأينا أن نعمل بإشارة الصديق الأديب على ما في العمل بها من حرج ومشقة، فإننا، من جهة، نكاد نكون معاصرين لعهد (إسماعيل) — والحقائق التاريخية إنما يظهرها البُعد، فقط، في حلتها أو صبغتها الحقيقية — ومن جهة أخرى، فإنا على ما أوجدته فينا معرفتنا بتاريخ (إسماعيل) السطحية السابقة من ميل فطري إلى الرجل وإعجاب به، كنا لتأثرنا بالأحاديث والروايات المتناقلة عنه، نعتقد — ولو اعتقادا غير راسخ ومصبوغًا بصبغة مجرد الأخذ برأي الغير أخذا لا يبرره تحكيم عقل — أنه ربنا استفادت سمعة (إسماعيل) من عدم تعرُّض أحد لإزالة السدول عنها، ومن إبقائها ما بين النور والغسق، حيث أجمع على ذلك كتاب العربية، بدلًا من إبرازها إلى نور النهار الساطع.
ولكننا فيما يختص بقرب معاصرتنا للأيام التي دعينا للتلكم عنها، قلنا في نفسنا: «إننا، إذا توخينا الحقيقة بإخلاص، وبحثنا عنها باعتناء، وقررناها بشجاعة وبدون هوى، قد لا نجد بأسا في إقدامنا على كتابة تاريخ (إسماعيل)، ولئن لم نستطع إيفاءه حقه — لأن المصادر التي سوف يستقي منها مؤرخو المستقبل غير موجودة الآن تحت تصرفنا — فإن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله، وربما قدَّمت كتابتنا بعض المادة المفيدة لمن سوف يتلونا في هذا المضمار».
وفيما يختص بما لدينا من فكرة غير مبنية على تحكيم عقل في شخصية (إسماعيل)، فإنا قلنا في نفسنا: «فوق أنه يعار علينا، بصفتنا من المفكرين، أن نقيم بناء اعتقادنا في الأشخاص التاريخيين على محض التعرُّف السطحي بهم، أو على مجرَّد آراء الغير فيهم، فإن إقدامنا على كتابة تاريخ الرجل يلزمنا، حتمًا، درس شخصيته وأعماله درسًا تامًّا، فيغمر، في معارفنا، فراغًا شائنًا، وقد يؤدِّي بنا إلى تعديل فكرنا وفكر قرَّائنا الكرام في الخديو الأول تعديلًا يوجبه تعرُّفنا بأخلاقه وخصاله تعرُّفًا صحيحًا، ووقوفنا على جميع أعماله وقوفًا حقًّا».
فأقدمنا، إذًا، على العمل، وأخذنا في مطالعة كل ما كتب عن (إسماعيل) وعصره، بل معظم ما كتب عن أسرته في العربية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية وما ترجم إلى هذه اللغات من اللغات الأجنبية الأخرى التي لا نعرفها، ودرس ذلك جميعه درسًا تامًّا.
•••
وإذا بنا كلما زادنا تعرُّفًا بعمل (إسماعيل) المتنوع، وإدراكًا لنتائجه الاجتماعية في القطر، زاد إعجابنا به وعلا قدره في نفسنا، وما فرغنا من البحث والتنقيب، والمطالعة والدرس، إلا وقد رسخ فينا الاعتقاد الثابت بأن (إسماعيل) كان رجلًا عظيما ومصريًّا صميمًا، وأنه عمل لمصلحة مصر ورقيها وتقدُّمها ما لم يعمله عاهل تولى عرشها منذ قرون؛ وأنه — وإن لم يخلُ من نقائص: فكثر عليه، لذلك، عدد الطاعنين — قد كان أميرًا شرقيًّا، جديرًا بأن يوضع في مصافِّ عظماء الشرق، وجديرا بأن يقرن اسمه، بعد مماته، بصفات التمجيد والتبجيل التي كان يقرن بها وهو مستوٍ على عرشه الساطع سنى.
•••
على أنه إذا كانت الأعمال إنما توزن بالنيات، فإنَّا نقدِّم عملنا هذا إلى الجمهور ونحن واثقون من أنه سيغتفر لنا كثيرًا، لأن نيتنا في الحقيقة صالحة، ولم نبتغِ سوى تقرير الأمور كما خيل إلينا أنها هي هي في الواقع، فإن أخطأنا النظر إليها، فلقصر طبيعي في العين، لا لأنَّا وضعنا عليها نظارة الغرض والتحيز.