الحملات المصرية المرسلة مساعدة لتركيا١
(١) حملة العسير
ما ارتقى (إسماعيل) العرش إلا وناداه منادٍ من الأستانة أن «أرسل قوة إلى بلاد العرب لمساعدة القوات العثمانية المقاتلة هناك على إخماد الثورة المنتشرة فيها.»
وبلاد العرب منذ أن امتد ظل سلطة الدولة العثمانية عليها في أيام سليمان القانوني الفخيم حتى الحرب العالمية الأخيرة، ما فتئت تثور على حكم بني عثمان، بين حين وحين، وتكلفهم عناء شديدًا في إعادتها إلى مظال السكينة والخضوع.
فكفى مجرد ظهور تلك الجنود بهيئتها المنظمة، وعدتها الهائلة بالعسير لحمل الثائرين على الإثابة إلى الرشد، والخضوع إلى الدولة.
إن الإقدام والمساعي المصروفة منكم؛ لبقاء توجهنا إليكم، واستمرار حسن ظننا القديم فيكم، إنما هو لحميتكم واستقامتكم الذاتية التي أنتم متصفون بها، ومجبولون عليها، وذلك هو المستحسن لدينا دائمًا. وهذه المرة قد أكد اعتمادنا عليكم ووثوقنا بكم بزيادة ما وقع منكم من الهمة والغيرة بخصوص اندفاع مسألة عشيرة العسير والهمة، من دون حرب، جعلنا جناب الحق، في سائر الأحوال، مظهرًا لتوفيقاته الإلهية آمين.
(٢) الحملة إلى كريت
وفي سنة ١٨٦٦ شبت ثورة عارمة في كريت — وكريت أيضًا ما فتئت منذ أن أخضعتها جنود محمد الرابع في سنة ١٦٦٠، قائمة على الدولة العثمانية، تثور المرة بعد الأخرى، لتتخلص من نيرها الأجنبي الثقيل — فلما أعيت الباب العالي الوسائل، تذكر أن جنود (محمد علي) في الحلقة الثالثة من القرن كانت قد تمكنت دون الجنود العثمانية من إخضاع ثوار تلك الجزيرة، مقابل تقليد أمير مصر زمام ولايتها، فأرسل يطلب من (إسماعيل) الاقتداء بجده العظيم، وإنجاد الدولة بفرقة من جنوده البواسل.
وكان (إسماعيل) قد أقبل يخابر السلطان في أمر تغيير مجرى الوراثة المصرية، فعز عليه أن يرفض الإجابة، خوفًا من تغيير الخواطر بالأستانة عليه، مع أن الفرمانات لم تكن لتلزمه على المساعدة، في مثل تلك الأحوال، ولا كان لمصر مصلحة في تضحية أولادها، وبذل أموالها في سبيل الدفاع عن تركيا بدون فائدة.
فجهز إذًا نيفًا وخمسة آلاف جندي تامي العدد تجهيزًا عظيمًا، وعقد لواءهم لشاهين باشا — وكان من رجال الحرب المشهود لهم — وأرسلهم لإنجاد الجنود العثمانية التي كان الثوار قد ضيقوا عليها المسالك والمنافذ، لا سيما بعد أن خابت مساعي مصطفى باشا الكردلي المرسل إليهم في أول أمرهم من لدن الدولة ليجاملهم، حقنًا للدماء. ومصطفى باشا هذا هو الذي عهد إليه (محمد علي) العظيم في سنة ١٨٢٢ أمر إطفاء الثورة في تلك الجزيرة عينها، ثم عاد بعد إحدى عشرة سنة، وانتدبه مرة أخرى للغرض عينه، وجعل عساكر مصر كلها هناك تحت إمرته، فأعاد السكينة إلى نصابها، وبقي واليًا على الجزيرة من قبل العاهل المصري لغاية سنة ١٨٤١، وهي السنة التي عادت الدولة العلية فيها إلى تولي أمر كريت بنفسها عقب الفرمانات المشهورة.
فما نزل الجنود المصريون إلى سواحل الجزيرة الثائرة إلا وجعلوا ثوارها يشعرون بشدة وطأتهم عليهم، ويدركون الفرق ما بين أولاد النيل البواسل، حينما تكون كتائبهم وجحافلهم منظمة، تامة المهمات، وبين شراذم الباشبوزق المجموعة بدون نظام من كل فج عميق، فساقوا طوائف الثائرين أمامهم، وتوغلوا في داخلية الجزيرة، حتى تمكنوا من فصل بعض فرق الأعداء عن خميسهم المهم، وأوقعوا بهذا الجيش عينه، بالقرب من أرقاذي، وضربوه ضربة تزلزلت لها أركان كريت بأسرها، وخيل معها للملأ أن الثورة قد قضي عليها.
فأرسل (إسماعيل) إلى جنوده البواسل تهانئه الخالصة محررة بقلم عبد الله بك فكري (الذي أنعم عليه فيما بعد برتبة الميرميران، وعرف باسم «عبد الله باشا فكري»، صاحب كتاب «الفوائد الفكرية») — وكان حينذاك ناظر قلمي التحريرات والعرضحالات. وإنا لا نرى بأسًا من إيرادها هنا، للدلالة على ما كان لفوز المصريين من رنة طرب وإعجاب في القطر، وعلى الفرق بين إنشاء المراسلات في مصر، وإنشائها في الأستانة «إلى من باشروا وقعة أرقاذي من الضباط الجهادية، وأفراد العساكر المصرية، سلام من الله وتسليم، ورضوان كريم، يُهدَى لأولكم وآخركم، ويُسدَى لمأموركم وآمركم. لا زلتم محفوفين من الله بنصره، محفوظين بأمره، غالبين على عدوكم بقهره، متقلبين في نعمته وبره، ولا انفكت عزائمكم في كروب الحرب عزائم، وصوارمكم في قطوب الخطوب بواسم، وأعلامكم للنجح، ولتمكين علائم، وأيامكم للفتح المبين مواسم، ورياح القهر والدمار على عدوكم سمائم، ونسمات النصر والفخار في رواحكم وغدوكم نواسم وبعد فما زلت أتشوق من أخبار شجاعتكم ما يسر الخواطر، وأتشوف من آثار براعتكم ما يقر النواظر، واثقًا بعزمكم وحزمكم في المضايق، مبتهجًا بما أبديتموه من حسن السوابق، حتى ورد «خابور الشرقية» من طرف حضرة الباشا ناظر الجهادية بيوميات الوقائع العسكرية، مشتملة على وقعة أرقاذي وتفصيلاتها، وما كان من رسوخ أقدامكم وثباتها، وإقدامكم في جهاتها، واقتحامكم مضايق حصونها واستحكاماتها، وتسخير مستعصماتها، وتدمير أشقياء العصاة وكماتها، حتى زلزلت صياصيها، وذللت نواصيها، ودنا لكم قاصيها، ودان عاصيها. فهكذا تكون رجال الجهاد، وأبطال الجدال والجلاد، وهكذا تفتتح الحصون، ويبرز سر النصر المصون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، فقد أسفر لكم بحمد الله وجه التهاني، وأثمر فيكم بعون الله غرس الأماني، وأيدتم ما ثبت للعساكر المصرية، من حسن الشهرة في الأمور العسكرية، فحصل لي من الأنس والسرور بهذه البشارة ما لا تقدر الألسن أن تصف مقداره، ولا يتسع له مجال الإشارة، وتأيد فيكم حسن أنظاري، وظهرت ثمرات أفكاري، وتحققت أنكم بعد الآن — بعون الله الكريم — لا تزلون عن هذا الطريق القويم، ولا تزالون في تأييد مالكم من المجد القديم. وقد شاع حديث نصرتكم بين الأهل والديار، وسارت الركبان بمحاسن هذه الأخبار، كما نقلته صحائف الوقائع إلى جميع الأقطار، فانشرحت صدور أهلكم وإخوانكم، وفرحت بكم جميع أهل بلدانكم، وابتسمت ثغور أوطانكم، وافتخرت بأحاديث شجعانكم، وارتاحت أرواح الشهداء من أقرانكم. والمأمول في ألطاف الله العلية، وبركات السلطنة السنية، ثم في حميتكم الملية، وغيرتكم الوطنية أن يزول حال الاختلال عن قريب، وينتهي أمر القتال والحرب ويطيع الجميع، ويسهل كل صعب منيع، وتعودوا لوطننا العزيز، ظافرين بالنصر والتعزيز، وقد قرب حصول الأمل، ونجاح العمل، ومضى الأكثر وبقي الأقل، والحرب للرجل العسكري، والبطل الجري، سوق عظيم، وموسم كريم، تُشترَى فيه غوالي المعالي بأعالي العوالي، وتنال فيه منازل الأكارم في ظلام السيوف الصوارم، ويدرك الفخر الصادق بمرامي المدافع والبنادق. وقد علمتم أن الشجاعة تبلغ الآمال، ولا تقصر الآجال، كما أن الجبن يورث العار، ولا يؤخر الأعمار، وإنما هي آجال محدودة، وأنفاس معدودة، ولا تقبل التغيير، ولا التقديم ولا التأخير. والشجاعة صبر ساعة، ثم ينكشف الغبار، وتسفر الأخبار، ويتناقل حديث الشجعان، ويخلد في تواريخ الزمان، فدوموا على إبداء الاجتهاد، وقوموا بأداء حقوق الجهاد، واثبتوا على الشجاعة والإقدام، وثبات القلوب والأقدام، وأنجزوا — بمعونة الله — تمام هذا المرام، وكما جودتم براعة المطلع فأحسنوا براعة الختام.»
وبما أنهم إنما كانوا يقاتلون ابتغاء الحرية الثمينة، ورغبة في تخليص بلادهم من نير أجنبي لم يكن ثقيلًا فحسب، بل كان ظالمًا، ومدمرًا مخربًا، وأما المصريون فإنما كانوا يقاتلون للفخر والشرف ليس إلا، وبما أنه لا بد لمن قاتل في سبيل الحرية والوطن أن ينتصر في نهاية أمره على المقاتل لمحض الفخار أو لتوطيد دعائم الظلم، فإن الكريتيين ما لبثوا أن اغتصبوا الفوز من أيدي جنودنا، وقهروهم، ودحروهم، وما فتئوا يزحزحونهم عن المعقل تلو المعقل، والموقع تلو الموقع حتى أجلوهم إلى الساحل، وهددوهم بطرحهم بحرًا.
ولم يكن (إسماعيل)، في صميم قلبه، راضيًا عن موت بنيه المصريين في تلك الجزيرة، إكرامًا لعيون الأتراك، لا سيما وأنه كان يكره — وهو الساعي إلى الاستقلال عن تركيا، والعامل على تحقيق ذلك المسعى، بما في وسعه من الجهود — أن يكون آلة للبطش بقوم يسعون سعيه، ويعملون عمله. ولما كان من جهة أخرى قد قضى لبانته من الأستانة، ونال فرمان تغيير مجاري الوراثة، وفرمان منحه لقب خديو السلطاني، فإنه أصدر أوامره إلى شاهين باشا بالعود بالحملة المصرية إلى ديارها، ولم يبال بمطالب عالي باشا، الراغب في بقاء أولئك الجنود في الجزيرة، ريثما يرسل إليهم مددًا عثمانيًّا يمكنهم ويتمكن معهم من إعادة الكرة على الثوار، وإخماد أنفاسهم. ولا عني بالعداء الذي أثاره رفضه تلك المطالب في صدر مبديها.
على أن ثورة كريت دامت بضع سنوات، وشعر (إسماعيل) فيما بعد، لا سيما عقب انخذال فرنسا في حرب السبعين أمام ألمانيا، بوجوب العود إلى مجاملة تركية فأرجع جزءًا من تلك الحملة إلى كريت إرضاء لعالي باشا عينه، ليحمله على تجنب معاكسة مشروع الإصلاح القضائي، وعلى التساهل في منحه الامتيازات الملكية الجديدة التي أقبل يطلبها.
وقد قرأت في كتاب الإنجليز والفرنساويين بمصر للمسيو إشيل بيوڨيس، طبعة باريس سنة ١٩١٠، أن محمود سامي البارودي باشا — وكان (إسماعيل) قد زوجه من إحدى غادات قصوره الألطف جمالًا — خنق في سنة ١٨٧٢ زوجته ورجلًا من أرباب الموسيقى، لأن هذا الآلاتي كان مغرمًا بالزوجة، فاستولت حمى الغيرة على البارودي فخنق الزوجة، وخنق محبها معها، فأثار بذلك غضب (إسماعيل) عليه وأراد نفي المجرم إلى السودان، أي إلى القطر الذي لم يكن أحد يعود منه، ولكن أصدقاء البارودي توسطوا له، فاكتفى (إسماعيل) بإرساله إلى كريت، حيث كانت الكتائب المصرية تقاتل الثوار، وأوصى بأن لا يُعفى من المأموريات الخطرة، ولكن محمودًا — بالرغم من ذلك — عاد سليمًا من تلك الحملة، ثم تمكن من استعادة رضى مولاه، والتزوج بإحدى غانيات البيت اليكني الرفيع العماد، فهل كانت كريت في فكر (إسماعيل) منذ لم يعد في الإمكان التخلي عن مساعدة السلطان عليها، قد أصبحت «فازوغلي» ثانية؟
(٣) الحملة إلى البلقان
- أولًا: لاختلاف الدين.
- ثانيًا: لاختلاف العقلية بينها وبين حاكميها.
- ثالثًا: رغبة منها في الاستقلال، وما فتئت روسيا تساعد كل حركة وثورة فيها، تارة في السر وبدسائس خفية، وطورًا جهارًا وبحرب عوان.
فلما كانت سنة ١٨٧٥، دفعت بالصرب والجبل الأسود إلى مقاتلة دولة بني عثمان لأسباب لا محل لذكرها هنا، وكانت الدولة العثمانية قد رأت من انصياع مصر لمساعدتها في العسير وكريت مسوغًا لمطالبتها بأولادها، ليقوموا في ميادين القتال مقام بعض أولاد تركيا أنفسهم، ويضحوا بأموالهم وأعمارهم في سبيل خدمتها، فبعثت إلى (إسماعيل) تطلب منه المساعدة والإنجاد.
ولكن (إسماعيل) كان منشغلًا في تجهيز الحملة إلى الحبشة للأخذ بثأر أرندروپ ورجاله، وغسل عار الكسرة التي أصيب بها، فاتخذ من ذلك مسوغًا ومبررًا للاعتذار عن إجابة طلب الباب العالي — ولم يكن يميل في صميمه إلى إجابته، لا سيما وأنه لم يعد له لبانة لديه، وكان قد سحب جنوده من كريت عقب أن هدأت الثورة فيها، على أن أعداءه والراغبين في تعكير ماء الصداقة بينه وبين تركيا أخذوا يذيعون أنه إنما يدير حملته على الحبشة، ليتذرع بها إلى التنصل من تلبية طلب السلطان.
ولكن روسيا ما فتئت أن خاضت بنفسها غمار الحرب مع تركيا، بعد إخلاد الصرب والجبل الأسود إلى المسالمة والسكينة، وتدفقت جنودها إلى الحدود، وتعدتها في سنة ١٨٧٧، وكانت ثورتان تركيتان متتابعتان قد ثلتا عرش (عبد العزيز)، فعرش (مراد الخامس) ابن أخيه، وخليفته، وأجلستا مكانهما (عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد).
فبعث هذا من فوره إلى (إسماعيل) يطلب منه إرسال القوة المصرية التي تقتضيها نصوص الفرمانات إلى محاربة العدو الوراثي بجانب الجنود العثمانية، ولكن تلك الأيام كانت بدء الأعاصير المالية على القطر، فاعتذر الخديو عن تلبية الطلب بعجزه عن القيام بمصاريف تعبئة الحملة، وإقامتها بميادين القتال، ودخولها الفعلي في المعمعان، فأبى الباب العالي قبول عذره، وتشدد في طلبه.
ولسنا نرى لوصف تلك الحملة خيرًا من إيراد ما كتبه عنها مراسلا جريدتي «الچورنال دي ديباه»، و«الرپبليك فرنسيز» (جريدة المرافعات، وجريدة الجمهورية الفرنساوية) المرافقان لجيوش تركيا في تلك الحرب.
قال المراسل الأول، مراسل «الچورنال دي ديباه»: «إن العساكر المصرية تامة الملبس والهندام والتجهيز، طرابيشهم حمراء، وسترهم زرقاء كلون السماء، وبنطلوناتهم كذلك، إلا أنها ملفوفة من الأسفل داخل «تزالك» بيضاء، وكلهم مسلحون ببنادق رمنجتن، ولا شك في أن ضباطهم أرقى في معلوماتهم من الضباط الأتراك، وأما جنودهم فلا سبيل إلى قياسهم بجنود الترك، فالطابع الفلاحي بأنفه الأقنى عند قمته والمفطوس عند قاعدته سائد على مجموعهم، ومعظمهم ذوو قامات مرتفعة، ومع ذلك فهم لطاف المعشر، ضاحكو السن، وسيماء الأطفال على وجوههم ومشيتهم. وهم في الواقع أحداث في مقتبل اليفاعة، لم تنبت بعد شواربهم ولحاهم، ولا ينتظر من ضآلة صدورهم أن يكونوا أبطال هيجاء يستطيعون احتمال مصاعب الحروب.»
ولكن الجند المصري — بخلاف ما كان يتوقعه ذانك المراسلان — خاض غمرات الحروب، وشاطر العثمانيين سعيرها ولهيبها، لا سيما في وقعة (پوپ كوي).
فقد كان قصد القيادة العثمانية من قذفها بجناح الجيش التركي الأيسر إلى مهاجمة الروس في تلك الوقعة؛ جعل رجوع هؤلاء من الطريق الماضية من (پوپ كوي) إلى (بييلا) عن سبيل (أوپاكا) و(كرپتسي أورنچيك) و(سنان كوي)، متعذرًا، بل محالًا، ومنعهم بذلك من اللحوق بالفيلق الروسي الثاني.
ولما كان الأمير حسن حائزًا «محظوظية» السلطان الكبرى، علاوة على كونه ابن أمير مصر، ومن ضباط الجيش الألماني، فإن محمد علي باشا قائد عموم القوات العثمانية لم يتردد لحظة في تسليمه قيادة ذلك الجناح، على أنه كان يأمل أن يتخلى الأمير الشاب، الغير زائد عمره على ثلاثة وعشرين عامًا عن الإمرة الفعلية للقائد المحنك الجنرال صالح باشا.
وكان غرض صالح باشا هذا دحر الروس من (پوپ كوي)، بينما تقوم فرقة الجنرال ثابت باشا، المعسكرة على الأعالي، (بين بكيرين يني كوي)، (وقره حسن كوي)، بتهديد خط الرجعة عليهم من (بييلا)، وقذفهم على طريق (ترنوڨا).
ففي الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم السادس من سبتمبر هاجم صالح باشا (پوپ كوي) بعنف، وسلط بطارياته على القرية، فتناولت مقذوفاتها صفوف البيادة الروسية، وفتكت بها فتكًا ذريعًا، وزحفت البيادة التركية في الوقت عينه تحت حمى المدفعية بنظام حسن إلى (پوپ كوي) من اليمين ومن الشمال، فاضطر العدو أن يتقهقر إلى وراء القرية، وأخذ ينسحب من (پوپ كوي)، كما انسحب من (قره حسن)، ولولا أن الأمير حسن أوقف القتال في ذلك الوقت لأسباب لا نعرفها لحل بالروس مصاب جلل.
وقد كلفت هذه الحملات المصرية الثلاث المرسلة إلى الخارج، بناء على دعوة الباب العالي، نيفًا وثلاثة ملايين من الجنيهات على الخزينة المصرية، في وقت كانت البلاد في أشد الاحتياج إلى تلك النقود.