حكومة البيزانطيين
ويقضي المرسوم السالف على ما يظهر بتغريم مَن يتأخر في تحصيل الغلال بسبب الإهمال غرامةً قدرها صوليد ذهب (جنيه مصري) عن كل ثلاثة أرادب يتأخر في تحصيلها. ا.ﻫ.
كانت الضرائب في مصر تقل وتكثر تبعًا لانخفاض النيل وارتفاعه؛ ولذلك كانت لا تستقر فيها على حال واحدة، ومن هنا كان من الجائز أن يحدث نقص في كمية الغلال المقرَّرة على مصر للقسطنطينية وهي ٨٠٠٠٠٠ إردب، وكذلك في الكمية المقرَّرة للإسكندرية، وكان على الحاكم عند ذاك أن يسد النقص بإعانات يطلبها من الأهالي، ثم يخصم قيمها من ضريبة النقد فيما بعدُ.
وكان يوجد هنالك تدابير لا مفر منها قد بلغت من الصرامة مبلغًا كبيرًا، ومنشؤها ما كانت تبديه الحكومة البيزانطية من الاهتمام بمسألة توزيع المؤن في العاصمة، ولم تتناول هذه التدابير الضريبة الأخرى، أيْ ضريبة النقد التي كان الحاكم يتحمل وحده عبء مسئولية التأجيلات التي كان يمنحها في أوقات تحصيلها، حيث لم يكن هناك وقت محدَّد يتعين عند انقضائه حجز ما تأخَّر منها من ماله، وهذا التساهل في ضريبة النقد خفَّف عن الحاكم وطأة الشدة المتناهية في ضريبة الغلال، وجعله يستطيع سد نقص الغلال بلا عناء كبير، وذلك باستيلائه على إعانات من الأهالي، وبهذه الطريقة كان يدبِّر الوقت اللازم للاستيلاء على جميع المتأخرات، ولو حتمت عليه الحكومة تحصيل ضريبتي النقد والغلال في آنٍ واحدٍ لاستحال عليه القيام بذلك، بل كانت عندئذٍ لا تجد مَن يُقدِم على الاضطلاع بأعباء الحكم في مصر، وكان الغرض من اتخاذ هذه الاحتياطات المتباينة كفالة تموين القسطنطينية، وقد مُنِح لهذا السبب أيضًا ملتزم جمارك الإسكندرية الذي كان مكلَّفًا بدفع رسوم الشحن مبلغ ٨٠٠٠ صوليد ذهب؛ حتى لا يكون له أي عذر في تأخير ما يرسل من الغلال، ومع أن هذا المبلغ لم يخرج من خزانة جوستنيان، بل فرضه على مصر فرضًا فقد كان يقول عنه: إنه منحة عظيمة. ا.ﻫ.
لقد حدَّد قسطنطين في لائحة الحنطة كمية الغلال المقرَّرة على مصر للقسطنطينية، وتولَّى خلفاؤه في الحكم تنظيم إرسالها من بعده، والمرسوم رقم ١٣ وإنْ كان في الحقيقة لم يُحدِث تغييرًا يُذكَر في إدارة التموين السنوي، إلا أنه يُفهَم منه أن الضريبة المسماة «رسوم الشحن» وقدرها ٨٠٠٠٠ سو ذهب كانت مخصَّصة لشحن كمية من القمح قدرها ٨٠٠٠٠٠٠، دون إيضاح نوع المكيال الذي قُدِّرَ به هذا العدد، فهل هو إرتب أو مدي؟
إن ذلك لَمِن المحتمل، ومع هذا فإن حسابات وكيل أمونيوس لا تكفي وحدها مطلَقًا أن تُتَّخَذ حجة على أن المدي كان الوحدة الرسمية المقرَّرة في مصر، لا سيما بعد أن عُلِم من نصوص أخرى أن الموظفين أنفسهم كانوا يستعملون الإرتب، وأن الكيل المقصود في المرسوم رقم ١٣ هو بلا ريب الإرتب دون غيره.
وعلاوة على ما ذُكِر فإن ثمانية ملايين الأراتب، أو بعبارة أخرى الأربعة والعشرين مليون مدي أقرب إلى الصواب من ثمانية ملايين من المدي، والدليل على صحة هذه النظرية هو أن مصر كانت في عهد الإمبراطورية الأولى ترسل إلى روما عشرين مليون مدي سنويًّا.
ومن المستبعد كثيرًا أن يكون عواهل بيزانطة قد خفَّفوا أعباء مصر عما كانت عليه أيام تبعيتها لروما، وبالأخص منهم جوستنيان الذي كان شغله الشاغل وهمُّه الوحيد جر كل ما استطاع من الفوائد من الولايات التابعة لإمبراطوريته.
وكانت إعانة الغلال التي فُرِضت على مصر وأُلزِمت بتقديمها إلى إدارة التموين السنوي مقسَّمة بين مصر العليا والسفلى وطيبة وأركاديا وأغسطانيك، أما لوبية فكانت معفاة من هذه الإعانة. ا.ﻫ.
ونحن نرى أن رأي هذه المؤرخة صائب وسديد، وأن رقم ثمانية الملايين يُقصَد به الإرتب بلا نزاع، وهذه الكمية تساوي أربعة وعشرين مليون مُدْي، وتعادِل ١٦٠٠٠٠٠ إردب، أيْ ضعف ما ذكره رينيه، وبضرب هذا العدد في ٣٥ قرشًا ما يساويه الإردب ينتج ٥٦٠٠٠٠ج.م.
ويكون لدينا إذن مبلغان متعلقان بهذا العصر وهما:
بناء على قول رينيه ٢٨٠٠٠٠ج.م.
وبناء على قول الآنسة رويارد ٥٦٠٠٠٠ج.م.