توطئة
الحمد لله الذي جعل العرب، مجلى جلال الأدب، وأرسل منهم وفيهم نبيَّه الهادي الأمين من آل عبد المطلب، وأنزل الذكر بلغتهم فحفظها مدى الحقب، من دواعي العطب، وجعل موطنها مصدر الدين الحنيف، تسعى إليه رِكاب الطلب. والصلاة والسلام على المصطفى، وكلِّ من اختار من أنبيائه ورسله واصطفى، صلاةَ عربيٍّ صدَق لقومه الودَّ ووفى. وبعدُ، فإن خدماتي للعرب مشهورة، ومساعيَّ في سبيل تجديد مجدهم بالصحف مسطورة، وبين المنصفين مذكورة، فقد ناديت باسم العرب والناس نيام، وطالبت بحقهم الضائع برنين الخُطب وصرير الأقلام، وجُلْت في بلادهم بلدًا بلدًا، واتَّصلت بأمرائهم سيِّدًا فسيِّدًا، وشهدت فوق ما علمت من مجدٍ وسؤددٍ وجلال، ويسرٍ ورحابةِ صدر وإقبال؛ فقرَّت عيناي بمن عرفت، وانثلج صدري ممن تقرَّبت، وازددت طمعًا بنَيْل بعيد الآمال، وإصلاح الحال، بحول الله ذي الجلال، فهنالك الأمراء والأشراف والسراة والأعيان، وكلٌّ منهم مُظهِرٌ جلال العرب بالبرِّ والإحسان، والفضل المتلالي للعيان، على أني ما كِدت أبلغ العراق، بعد كثير المَشَاق، وعلى جناح الرغبة والاشتياق، حتى وجدت في ديار الأمين والمأمون، وعلى ضفاف الشط الذي تجتمع فيه مياه الدجلة والفرات وقارون، ديارًا عامرة، وإمارة باهرة، ورياضًا مزهرة زاهرة، وآثارًا فاخرة، حتى خِلْتُني في خلافة بني العباس، على ما عُهِدَ فيها من وسيع المجد ووافر الإيناس، وعلى رأسها ملك عظيم، قد استوى على عرشه الفخيم، بوجهه الوسيم، وثغره البسيم، وبره العميم، ورأيه القويم، حتى صحَّ فيه القول: إنْ هذا إلا ملَكٌ كريم، وقد آلى على نفسه أن يجدِّد دولة الرشيد، ويُحيي ما للعرب من كل أثرٍ مجيد، وعمرانٍ مَشِيد، وتمدُّنٍ فريد، وعيشٍ رغيد، وسؤددٍ وتأييد، بسلطانٍ واسع، وجاهٍ ناصع، وبرٍّ شائع، وحمدٍ ذائع، وفضلٍ جامع، ومآثر يتغنى بها المُنشِد والساجع. ولا جَرَمَ؛ فإن معزَّ السلطنة السردار أرفع؛ مولانا صاحب العظمة، الشيخ خزعل خان، أمير نويان، وسردار عربستان، هو صاحب هذه الصفات الحميدة، وجامع هاتيك الخلال الفريدة، وهو في العراق محطُّ الرحال، ومطمح الأبصار؛ تنتهي عنده الآمال، وتقصده العفاة من بعيد الأمصار، فلا غرو إذا عقدتُ في داره الحُبَى، ونزلتُ في إمارته الموطن الأرحبا، وقابلتني مكارمه بأهلًا وسهلًا ومرحبًا. وأمثالي كثيرون أناخوا ببابه، ومشوا بركابه، فأقال لهم العثار، وعمرت لهم في برِّه الديار، وبلغوا به منتهى الإعزاز والافتخار. ولقد حمدت الله على لياذي بجنابه، وحمدت الله سبحانه الذي سدَّد خطواتي إلى رحابه، فاعتصمت بحبل وده المتين، ولُذت بمجده الثمين، وبايعته أن أعيش ما عشت لخدمته، وإذا مت فأنا فداه؛ وأن أجاهد تحت رايته، وغايتي من الدنيا رضاء الله ورضاه.
وما شغفي بعظَمته لرفدٍ طوَّق به عنقَ العاجز؛ فالرفد شيمته، أو نعمةٍ عضضت عليها بالنواجز؛ فالإنعام عادته. وكثيرون مثلي عاشوا بخدمته، وعاشوا بنعمته، وإنما أشغفني به أنه عربيٌّ صحيح النسب، جمُّ الأدب، بعيد الطلب، أوقف نفسه على تجديد مجد العرب، وكنت أبحث عن مثله أميرًا أعتصم به في خدمة الأمة العربية، وأعتمد عليه في مراميَّ السياسية. وكنت قبله كذلك الفيلسوف ديوجينيس الذي كان والشمس في رابعة النهار يحمل مصباحًا مُفتِّشًا عن رجل يملأ الأسماع والأبصار، وكنت أوفر حظًّا من ذلك الفيلسوف إذ وجدت الضالة التي كان لأجلها بمصباحه يطوف.
فهذا هو الأمير الذي أنادي باسمه الكريم بُكرةً وعشية، وأدعو إلى حبِّه من معشر العرب كل ذي أريحية، وشئمة علية، وعلى مثل حبِّه تذوب حبَّات القلوب، وفي سبيل مرضاته تُبذل النفوس والنفائس ما دام هو المرتجى المحبوب، والمفرِّج الكروب. وها أنا ذا أزفُّ إلى العالم العربي شيئًا عن إمارته العلية، مع التنويه بآثاره الرضية، وإن كان القلم ليعجز عن استيعاب محامده، والتجوال في وسيع مقاصده، والله حسبي في منهج الصدق، وتوخِّي الحق، في تعداد مناقبه الزهراء، وصفاته الحسناء.