تصدير وتحقيق لغوي
تصدير
ليس في عالم العلم من شيء هو أجدر بالدرس من «الحياة». وقديمًا قيل: «اعرف نفسك. وما يعرِّفك بنفسك من شيء إلا درسك الحياة في غيرك من الأحياء.»
والحيتان من أعجب صور الحياة. فهي ثدييات بحرية وبعضها نهري، تتنفس برئاتها وتلد وترضع صغارها في الماء، ومنها ما يقرب من مائة قدم طولًا، ومنها ما لا يتجاوز أربع أقدام. منها الهادئ الوديع وإن ضخم، ومنها المفترس السفاح وإن صغر حجمه.
وهذا الكتاب يقفك على حياتها الطبيعية. وبه معاجم مختلفة الأغراض، تعتز بها العربية معلنة أنها لا تعجز عن مجاراة اللغات الأخرى في التعبير العلمي، فدرسه توسيع لأفقين عظيمين: أفق الحياة، وأفق العربية، التي نشمخ اليوم بأنها جارت لغات الأرض إن لم تكن قد فاقتها في التعبير عن أغراض الحياة العلمية.
تحقيق لغوي
لم يفرق العرب في تعريفاتهم اللغوية بين الحوت والسمكة، أو بالحري بين الحيتان والسمك. فالحوت عندهم من السمك، والسمك الكبير من الحيتان. وأول شاهد لنا على ذلك القرآن الكريم. فقد ورد في سورة الكهف (آيات ٥٩–٦٢): وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا.
وفي القاموس المحيط: الحوت السمك، ج أحوات وحِوَتَة وحيتان (١٤٦: ١)، وفي لسان العرب (٣٣١: ٢): الحوت السمكة. وفي المحكم: الحوت السمكة معروف. وقيل هو ما عظم منه، والجمع أحوات وحيتان. ا.ﻫ.