سادسًا: المخالفة للحوادث
(١) رابع وصف للذات
وهي أهم الصفات الست، وتكاد تبتلعها جميعًا. فواجب الوجود مخالف للحوادث لأنها جميعًا ممكنة الوجود. القديم مخالف للحوادث لأن الحوادث حادثة، والبقاء مخالفة للحوادث لأنها فانية، والقياس بالنفس مخالفة للتحيز والوجود في محل، والواحد مخالف للحوادث الكثيرة المتعددة. هذه الصفة هي التي تعبر بالأصالة عن التنزيه، وبالتالي فهي موجهة ضد كل صنوف التشبيه.
(٢) التأليه
ويتنازع هذا الوصف الرابع، المخالفة للحوادث، تياران: التشبيه والتنزيه. الأوَّل يعطي صفات المخلوق للخالق، والثاني ينفي صفات المخلوق عن الخالق وينتهي بإعطاء صفات الخالق للمخلوق. والتشبيه على درجات. يبدأ من التأليه، تأليه الإمام وإعطائه وظائف كونية، وحلول الله في الأئمة ثم الحلول والاتحاد، حلوله في الصوفية واتحاده عند النصارى، ثم التجسيم، تجسيم الله في الإنسان الكلي أو في أبعاضه حتى تأليه الجسم واشكال الجسم ومادة الجسم وتأليه الجواهر وأنواع الجواهر، ثم التشبيه خضوعًا للغة الحرفية مع نفي الكيفية، وأخيرًا التنزيه ونفي الصفات إلى آخر ما هو معروف في عقائد الفِرَق ابتداءً من الحس إلى العقل، من العياني إلى المجرد، من الخاص إلى العام، من الشخص إلى اللاشخص. وقد يعبر ذلك عن بعدي الشعور وتوتره بين هذين القطبين المادي الحسي والخالص العقلي في قالب ديني هو في الحقيقة وصف للوعي الخالص كمعرفة وكوجود.
(٢-١) تأليه الأئمة
- (١) الكمال الخلقي قولًا وعملًا: وذلك أنه من السهل الانتقال من الكمال الإنساني إلى الكمال المطلق. فغالبًا ما كان الشخص المؤله متمتعًا بصفات الكمال المادية والمعنوية، مثل الشجاعة والشهامة والقوة أو الحكمة والعلم والتقوى وحب الخير. وقد اجتمعت هذه الصفات في «علي» كما تروي النصوص وكما حفظ التراث المدون والشفاهي على السواء. بل إن هذه الصورة الكاملة للشخص التاريخي كانت باعثًا على وضع كثير من النصوص المشابهة التي تذكر فضائله وآثاره وعلمه وحكمته. كما أن الكتب تُؤلَّف باسمه وتُنسَب إليه.٣٥ ويساهم الخيال الشعبي في إحكام الصورة حتى تتحول إلى أسطورة خالصة.٣٦ والآثار المروية في فضائل «علي» لا تُعد ولا تُحصى. ويمكن تتبع نشأتها وتطورها ووصف عملية الخلق التي قام بها الخيال الشعبي. وتقوى الأسطورة وتتأصل إذا كان بعض هذه الآثار مذكورًا في النصوص الدينية التي تؤمن بها الجماعة. تتأكد هذه الصفات وتتحقق في حياة الشخص كما يرويها التاريخ، ثم تتضخم في الأساطير الشعبية التي تحيل الشخص إلى بطل أسطوري يقوم بالمعجزات، ويقرأ الغيب، وينصر المظلوم، ويأتي في المنام متوشِّحًا بالبياض.
- (٢) الحق الضائع: لما كان هذا الكمال الخلقي يعطي صاحبه نظرًا وعملًا الحق في الزعامة والأولوية في أخذ مكان الصدارة، فإن الذي يحدث بالفعل هو العكس، زحزحة هذا الشخص عن مكان الريادة فيصبح صاحب حق مهضوم. وبدافع إنساني خالص من نصرة المظلوم ورغبةً في الحصول على الحق الضائع واسترداد الزعامة أو بدافع الرثاء والتعاطف والمشاركة الوجدانية يظهرها الأتقياء أو تعبر عنها العامة تنشأ حركة مناصرة واعية أو غير واعية للشخص صاحب الحق المهضوم، وتكون تيارًا للمعارضة لها الحق نظرًا وإن لم يكن لها الحكم عملًا. وتأتي الصور والصيغ من التجارب المشابهة في البيئات الحضارية المجاورة، إمَّا بطريق الأثر والتأثر أو بطريق الاستعارة اللاشعورية. وأحيانًا تفرض التجارب الشعورية صورًا وصيغًا متشابهةً دونما أثر أو تأثر أو استعارة.٣٧
- (٣)
الهزيمة: فإذا ما تشعبت المعركة بين دعاة الأمر الواقع وأصحاب الحق الضائع، ودارت الدائرة على المظلوم، واشتدت قوى الظلم، أصبح صاحب الحق المهضوم شهيدًا لا يمكن مناصرته إلا بالانفعالات والنيات الحسنة أو باستمرار النضال مع بنيه وباقي الأئمة. فإذا ما توالت الهزائم على الأئمة ولم يحدث أن عاد الحق الضائع، ويئست الجماعة الناصرة له، واستحال النضال، تحولت المعركة إلى مجرد أماني وبكاء على الشهداء وتعظيمًا للأئمة وإكبارًا للزعماء. وكلما ازداد الظلم اشتد التعظيم، وتحول الشخص التاريخي إلى شخص معنوي ثم تحول الشخص المعنوي إلى فكرة وحقيقة خالدة، فصار الشخص إلهًا، والأمير ربًّا. وهذا ما حدث لعلي وبنيه والأئمة من بعدهم.
- (٤)
الاضطهاد: وبعد الهزيمة يتوالى الاضطهاد على أصحاب الحق الضائع. وتنشأ معظم الأفكار التي تنشأ غالبًا من سيكلوجية الاضطهاد مثل الخلود والخلاص والعودة والاتجاهات الباطنية كما هو معروف من تاريخ اليهود القدماء أيام الأسر البابلي. وفي المسيحية نشأت عبادة القديسين واحترام رفات الأولياء والشهداء من اضطهاد المسالمين وقتل الأبرياء وظلم أصحاب الحقوق في عصر الشهداء. وقد عبرت رؤيا يوحنا عن هذا البناء النفسي القائم على الشعور بالاضطهاد، الصراع بين الخير والشر، وانتصار الخير بالخيال في النهاية. فاضطهاد الأمويين للشيعة كاضطهاد الرومان للمسيحيين، وأسر نبوخذ نصر للعبرانيين.
(٢-٢) درجات التأليه وطرقه
(٢-٣) وظائف الإمام الكونية
- (١)
يتم الخلق بطريقة كونية خالصة دون أي تمييز بين خالق ومخلوق. فالإمام الإله والكون شيء واحد، خالق ومخلوق معًا. الله لا ينفصل عن الأكوان والأشخاص، بل يتجلى فيها كما هو معروف في الديانات البدائية في أساطير الخلق وتفسير نشأة الطبيعة من ذاتها ما دامت الطبيعة هي الله. يبدأ العالم من وحدة واحدة هو الله. كان الله ولا شيء معه، وحدة مجردة خالصة لا انفصام فيها ولا تعدد أو تكثر، خالصة بلا مادة أو تعين. ولما كان على صورة بدن له رأس، يطير ويحط، له ملبس وعلى رأسه تاج، فإن الخلق يحدث بانفصال جزء خارجي عنه وهو التاج، ولكنه جزء فاضل عزيز طبقًا لتفاضل الأعضاء، فالوجه أفضل من اليدين، واليدان أفضل من الأرجل، يبصر ظله في البحر فهو والعالم وجهان لشيء واحد، يخرج الكون من بدنه طبقًا للصلة الكونية بين بدن الله وبدن الطبيعة. البحران من عرق الله، ومعروف في تاريخ الأديان أن النيل من دموع إيزيس، والعالم جسد المسيح، والكنيسة رأسه. الشمس من ظل بدن الله في البحر، والعالم كله صورة لله أو انعكاس له في الماء. وقد تم الخلق بالكلام لا بالإرادة بمجرد أن تحدث الله باسمه. فالعالم صدى لكلامه ورنين لصوته. وعلى هذا النحو يفسر التجسيم نشأة الطبيعة نشأة أسطورية عندما يتم الخلط بين النفس والبدن، بين الروح والطبيعة، وتتوحد الثنائيات من خلال الإشراقيات، وفي هذه الأحوال تسبق الطبيعة الإنسان، ويخرج الإنسان من الطبيعة، وتكون الطبيعة هي الكون كله علوه وسفليه، ويخرج الجماد من السائل، والسائل من الجماد، الحي من الميت والميت من الحي. الدورة أساس الطبيعة. تتشخص الطبيعة، ويحيا الجماد، وتظهر للأشياء إرادة وعقل، وتتحدث الموجودات، تأبى وترفض، تجادل وتقترح حتى يمحى الفَرْق بين «الله» والطبيعة والإنسان.
- (٢) يكشف الخلق الكوني في حقيقة الأمر عن سيكلوجية الاضطهاد. فقد كان الله وحده أي تدمير العالم الظالم باستثناء الله العادل. وتم الخلق بالكلمة، فالكلمة سبب الشهادة. وقد ركز شعراء الجماعات المضطهدة على أهمية الكلمة، وكذلك في تاريخ الأديان، في البدء كانت الكلمة. ويرمز التاج الواقع إلى السلطة السياسية المنهارة، واقعًا أو بالتمني، كرغبة مكبوتة، كما تعبر الأسطورة عن قدرية الأفعال، وجبرية المصائر، والقدر المحتوم في مسار التاريخ ليس فقط في الظلم بل أيضًا في العدل، أو في الهزيمة وحدها بل أيضًا في الانتصار. وقد كانت كثير من الحركات الثورية جبرية بمعنى اتحادها مع حتمية قوانين التاريخ، طبقًا لجدل السيد والعبد. كما تبين الأسطورة رفض المعاصي والظلم والغضب من الشرور والآثام، فالوعي ما زال خالصًا لم يتزيَّف بعد بفعل الدولة والنظام القائم. ويشير التعارض بين العذب والمالح، بين النور والظلمة، إلى الصراع بين الحق والباطل، بين العدل والظلم على ما هو معروف في الجماعات الإسلامية المعاصرة التي تمثل جماعات الاضطهاد اليوم.٤٧ وتكشف الأسطورة في ظل «الله» عن التمايز بين الوجود والظهر، بين الباطن والظاهر، بين الحق والباطل. بين الحقيقة والوهم. أمَّا فردية الإله ووجوده ولا شيء معه فإنها تعبر عن الحكم المطلق والرغبة في التسلط: «لا ينبغي أن يكون معي إله غيري». أمَّا عدم تحمل الأمانة وتخلي الناس عن مناصرة الحق، فإنه وصف لواقع جماعات الاضطهاد. ومِنْ ثَمَّ تعبر الأسطورة مرة عن الواقع ومرة عن الحلم، مرة عن مرارة الألم والاضطهاد والهزيمة، ومرة أخرى عن قرب الفرج والفرح والانتصار. وبالرغم من هذه الوحدة الأولى في الخلق، فإنه يمكن التمييز في عملية الانفصال بين طرفين يمثلان الثنائية الخالدة المعروفة في تاريخ الأديان بين الخير والشر، وتشخيصهما في الطبيعة أو في الألوهية. هناك بحر مظلم، والآخر نير عذب، الأوَّل يمثل الشر والثاني يمثل الخير، الأوَّل خُلق منه الكفار والثاني خُلق منه المؤمنين.٤٨ وبالتالي يتحول البشر الفانون إلى أنماط أبدية للسلوك البشري تجسيدًا للخير المطلق والشر المطلق.
- (٣) بعد الخلق الكوني يأتي الخلق الشخصي، ويبرز من الكون الشخص الأوَّل كما هو الحال في حكايات الخلق والنصوص الدينية من خلق آدم بعد خلق الكون. ولكن الشخص الأوَّل هنا هو محمد، وهو ظل، أي وهو صورة مجردة قبل أن تتمثل في مادة، وحقيقة خالصة أبدية قبل أن تتعين وتتزمن ثم إرسال هذا الظل إلى الناس قبل إرساله وهو رسول بشري. وهو ما قاله الصوفية فيما بعد عن «الحقيقة المحمدية» التي تشارك في صفاته ووظائفه، محمد الخالد الأزلي السابق على الخلق والتكوين الذي يوجِّه ظواهر الطبيعة، والذي تنبع منه العلوم والمعارف.٤٩ وفي أسطورة أخرى يأخذ على الدرجة الثانية بعد آدم. وفي أسطورة ثالثة أن الله لم يخلق شيئًا، بل فوض كل ما فعله إلى محمد أو إلى علي، وهو الذي قام بهذه الوظيفة الكونية.٥٠ ويُلاحَظ في أسطورة التدبير عن طريق التفويض تضخم محمد وتحوله إلى كون ومدبر أول للعالم وواسطة بين الله والخلق. والإمام وريث لمحمد، لإرادته وتفويضه، مما يعطي إمام الجماعة المضطهدة قدرة إلهية، وتمثيلًا للحق من خلال النبي. تضخم النبي ناتج من أنه في علاقة قرابة مع إمام الجماعة المضطهدة فقرابة الدم حامل لتفويض الرسالة. ومعروف في تاريخ الأديان أن بولص قال مثل ذلك في المسيح الأزلي الخالد السابق على الكون والخليقة المتحد بالله قبل المسيح عيسى ابن مريم.٥١ وهو ما يحدث في كل بيئة يقع الاضطهاد على قائدها، فترفعه وتجعله يند عن كل اضطهاد ويتجاوز كل هزيمة، ويتغلب على كل ظلم. وأقصى درجات الرفع هي الألوهية بما تتصف به من خلود وأولوية على كل شيء، وعزاء وتعويض من كل شيء. ويتضخم الإمام حتى يبتلع الكون كله فيكون الكون هو الشخص، والشخص هو الكون، ويصبح الرسول وأهله السماء، وعلي وأهله الأرض.٥٢ وكأن التأليه الذاتي للعقائد وحده لا يكفي للتعبير عن العظمة والجلال، فيتحول إلى تأليه موضوعي ولأهله وللكون. وتتضخم ذات العقائد، إمامًا أو رسولًا، وتتجه نحو الموضوع وتتحد به وتتمثله وتحتويه في باطنها. وكلما قوي الإحساس بالهزيمة والضياع اشتد التأليه للشخص حتى يحوي الكون كله. وقد يحدث هذا التشخيص للطبيعة كنوع من إسقاط العواطف الإنسانية على الطبيعة في حالات الهستيريا. فالمجنون يخاطب الأشياء، ويتحدث مع الموضوعات، ويوجه الحديث إلى الكون. قد يكون تشخيص الطبيعة نوعًا من آثار الصدمة الأولى التي تلقاها الشعور الجماعي فأفقدته صوابه وأصبح لا يتحدث إلا مع الأشياء كما هو الحال في الديانات البدائية وفي المسرح اليوناني القديم عندما يخاطب البطل الموتور أو الكورس أو الأشياء المحيطة به.
- (٤)
هذه الأولوية للشخص، سواء كان آدمًا أو محمدًا أو عليًّا أو عيسى، ليست أولوية مادية كونية فحسب، بل هي أيضًا أولوية معنوية خلقية. فالشخص هو الإنسان الذي رضي بحمل الأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض والجبال وعلى الناس كلهم أن يمنعن عليًّا فأبين جميعًا ولم يقبل إلا أبو بكره فأمره أن يتحمل منعه. وأعانه عمر غدرًا كي يأخذ الخلافة من بعده. وهنا نجد تحويرًا للأفكار الدينية وتوفيقًا لها مع الظروف النفسية للجماعة. أوَّلًا، لم تعد الأمانة كما هو الحال في النصوص الدينية تطبيق الوحي، أي الإيمان بالله وفعل الخير، بل منع علي من القيام بالرسالة. وقد حدث هذا التحوير بالقلب من الضد إلى الضد، من القيام بالرسالة إلى منع القيام بها. ثانيًا، بدل أن تعرض الأمانة على الطبيعة وحدها، كما هو الحال في أصل الوحي، عُرضت على الطبيعة والبشر معًا. فالبشر جزء من الطبيعة، والطبيعة مشخصة. ثالثًا، بدل أن يكون الإنسان العام هو الذي يقبل الأمانة أصبح الإنسان الخاص هو الذي يقبلها وهو أبو بكر. فالظروف النفسية للجماعة حولت الأفكار الدينية إلى أسطورة بطريق القلب والتخصيص.
- (٥)
هذا الإمام الكوني تسوده الأهواء والانفعالات، يسر ويغضب، ينافس ويصارع، يمحق ظله في البحر لأنه لا يريد إلهًا غيره، فهو ليس إلهًا عاقلًا حكيمًا خلق الكون بناءً على نظام وقانون، بل إله منفعل، وكل شيء خاضع لهواه. بل إن انفعالاته النفسية يصاحبها ظواهر جسمية. فهو يغضب ومن شدة غضبه يعرق بدنه. وهذا طبيعي بما أن هذه الصورة من خلق الشعور الانفعالي الذي هزته الصدمة وأفقدته الهزيمة التوازن النفسي. غاضب لما ألم به من ظلم وعدوان، يصارع الأعداء، ولا يقبل أحدًا بجواره؛ لأنه لم يعد يثق بأحد، وهي الصورة التي أصبحت فيما بعد صورة المتسلط القاهر.
- (٦) والإمام المؤله لا يموت. فكما أنه أزلي لا أول له فهو أيضًا أبدي لا نهاية له. وهو ليس وحده خالد، بل يكون أيضًا كل من اتصل به أو عبده أو على الأقل البعض منهم، فالخلود يسري بالاتصال وينتشر بالتبعية. كل من اتصل بالخلد فهو خالد، وكأن الإمام يشع خلوده على الآخرين، وتسري عدوى خلوده في جماعته. ليس الخلود صفة خاصة ثابتة، بل هي صفة مشعة. وقد يكون الخلود لأبدان الآلهة، ففي لحظة الموت يرفع الإمام ببدنه إلى السماء، وتحل روحه في بدن إمام آخر. فالإمام خالد بدنًا وروحًا.٥٣
- (٧) والإمام المؤله قادر على إحياء الأموات وإجراء المعجزات، سواء بفعله أو باسم الإله الأعظم تبعًا لدرجة التأليه، فهو يفعل باسمه لو وصل إلى أقصى درجات الألوهية. ويفعل باسم الله الأعظم لو كان يحفظ بينه وبين الله درجة. وإجراء المعجزات رد فعل على العجز في الطبيعة، والسيطرة المطلقة عليها رد فعل فقدان السيطرة الكلية عليها. ويتدخل الخيال للتعبير عن طريق إجراء المعجزات مستعينًا بالصور الدينية مثل انشقاق الأرض. فبدل أن تنشق الأرض في نهاية الزمان تنشق الآن، ويرجع الموتى أحياءً إلى الدنيا. وهو قادر على إحياء الموتى وإعطاء الخلود كقدرة عيسى، وكأن قدرة الإنسان الإله على السيطرة على الطبيعة العلوية تعوضه عن خسائره في الدنيا في عالم البشر، وتعطيه من جديد الثقة بالنفس والأمل بالانتصار.٥٤
- (٨) ويأخذ الإمام المؤله وظائف الإله في حساب وعقاب المؤمنين. فهو الذي يحاسب ويعاقب، يرحم ويشفع، يقف الجميع بين يديه كما هو معروف في تاريخ الأديان من معاقبة المسيح وإثابته للناس.٥٥ ويكون الحساب هذه المرة أكثر عدلًا من حساب البشر الذي يقوم على الظلم، والعدل الإلهي في النهاية هو القاضي على الظلم الإنساني في البداية.
- (١)
الإنسان إله، أو على الأقل يمكن أن يؤله. فهو الموجود الوحيد الذي يمكن أن تبدأ منه عملية التأليه، ويكون الإنسان إلهًا ليس فقط عن طريق الاتحاد بالمؤله كما هو الحال عند الصوفية، بل كبديل عن المؤله ذاته. الإنسان ليس نبيًّا ملهمًا كما هو الحال عند الفلاسفة وليس وليًّا ملهمًا كما هو الحال عند الصوفية، بل هو نفسه إله. وهذا يجعل الإنسان في أعلى مستوى من الشرف بالنسبة للموجودات الطبيعية.
- (٢)
لا يسقط الإنسان من ذاته تصوراته وصوره وعباراته على المؤله فحسب، ولا يسقط عليه آماله وأحلامه ورغباته وأشواقه فحسب، بل يؤله ذاته مشخصًا، أي يتجاوز الإسقاط النفسي واللغوي إلى الاعتقاد الشخصي. فالإنسان يؤله ذاته، ويعبد نفسه، ويقدس شخصه، وهو موقف نرجسي خالص، تتضخم فيه الذات حتى تمحى من أمامه كل الموضوعات.
- (٣)
الله هو في الحقيقة عملية تأليه، ابتداءً من شخص فاضل يتم تعظيمه وهو الله. وهو في الحقيقة في نشأته إنسان فاضل. وهذا ما حدث في عديد من الديانات الأخرى، فقد كان بوذا معلِّمًا فاضلًا في مدينته، وكان تاو شيخًا فاضلًا في قريته كذلك.
- (٤)
تحدث عملية التأليه هذه في جماعة وقع على قائدها الظلم، وعجزت عن الانتصار له بعد أن حاولت مرات عديدة. ومِنْ ثَمَّ تتحول الهزيمة في الواقع إلى انتصار في الخيال، ويتحول الموت في الواقع إلى خلود في الخيال، ويصير عجز البطل في الواقع تأليهًا في الخيال، وإعطاءه قوة خارقة للعادة تجعله قادرًا على إجراء المعجزات.
(٣) الحلول والاتحاد: الحلول في الأئمة والصوفية والاتحاد عند النصارى
(٣-١) الحلول في الأئمة
(٣-٢) الحلول في الصوفية
(٣-٣) الاتحاد عند النصارى
وقد يُقال إن النظرة الحلولية كانت باستمرار حركة تقدم في التاريخ أدت إلى ثورات شعوب وحركات نهضة، واستعادت فعالية الله، وأنهت عزلة العالم وسكونه. وهذا صحيح. ولكن هناك فرق بين حلول الإله أو روحه في الأئمة أو الصوفية وبين الحلول العام للفكر في التاريخ. فحلول الأئمة حلول شيئي، حلول شيء في شيء، في حين أن الحلول العام في التاريخ حلول معنوي، وأقرب إلى الصورة الفنية منها إلى الاتحاد الفعلي للروح في المادة. حلول الأئمة حلول حقيقي في حين أن الحلول العام في التاريخ حلول مجازي لا يعني أكثر من توجيه الفكر للتاريخ، وفاعلية الروح في الطبيعة. فالفكر لا وجود له إلا بفعل التوجيه والروح لا وجود لها إلا في فاعليتها. حلول الأئمة حلول فردي شخصي، حلول فرد في فرد أو شخص في شخص، في حين أن الحلول العام في التاريخ حلول عام، وتوجيه عام للفكر لمجرى التاريخ، وأنظمة لحكم، وأبنية المجتمعات، وعلاقات الأفراد بما في ذلك بناء الأفراد. حلول الأئمة حلول أسطوري يتم في شعور الأئمة بالخيال، في حين أن الحلول العام في التاريخ حلول ملحمي، عملي علمي، يتم في التاريخ بفعل الجماهير. فهو ليس مجرد افتراض حلول نظري، بل تحقيق الحلول العملي بالفعل. حلول الأئمة عجز عن تغيير الواقع، ورغبةً في الحصول على نصر بأي ثمن، وعلى أي نحو، في حين أن الحلول العام في التاريخ تعبير عن قدرة الجماهير على التغيير والحركة، وليس تعويضًا عن عجز أو رد فعل على هزيمة. فهو ليس عكوفًا على الذات، بل انفتاح للذات على الخارج والاتحاد به. وبهذا المعنى قد يؤدي التنزيه من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نفس الدور الذي يقوم به الحلول في تثوير الجماهير وفي تحقيق الثورات في التاريخ.
(٤) التجسيم
والحقيقة أن تأليه الأئمة والصوفية والحلول والاتحاد عند النصارى، وكذلك التجسيم، كل ذلك استطراد للوصف الرابع، وهو المخالفة للحوادث، الذي يبدأ بنفي هذه النظريات التي امتلأت بها كتب الفِرَق، وإن لم تذكر بهذا التفصيل في كتب العقائد.
(٤-١) البدن
(٤-٢) الجسم
(٤-٣) الجوهر
(٥) التشبيه
ولا يوجد ترتيب معين لصفات التشبيه. ولكن إبقاءً على بناء الصورة تشمل كل جوانب الإنسان: الرأس والجسم والأطراف. وفي الرأس الوجه والعينان، وفي الجسم الجنب، وفي الأطراف اليد واليمين والأصبع والساق والقَدم. لذلك يمكن تقسيم آيات التشبيه إلى أربع مجموعات رئيسية:
(٥-١) آيات الرأس والوجه والعينين
ويرجع إثبات صفاتها إلى التفسير الحرفي للآيات ورفض نفيها خوفًا من التعطيل. والقول بصفة بلا كيف هو مثل القول بجسم لا كالأجسام، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء، إقدام ثم إحجام، تشبيه ثم تنزيه، فالصفة لا يدركها الإنسان إلا على نحو معين، ولا توجد صفة تشبيه بلا إحالة إلى شيء.
(٥-٢) آيات اليد واليمين والأصبع
(٥-٣) آيات الجنب والساق والقَدم
(٥-٤) آيات النفس
(٥-٥) إيجابيات التشبيه
- (١)
يستحيل التعبير عن عواطف التأليه إلا باللغة الإنسانية. ولما كانت اللغة الإنسانية بطبيعتها مستقاة من حياة الإنسان، فاستعمالها يؤدي حتمًا إلى التشبيه، والتعبير عن كل شيء بلغة الإنسان. ومِنْ ثَمَّ لا يمكن الحديث عن المؤلَّه إلا بالحديث عن الإنسان المؤلِّه المدفوع إلى أقصى حد له، وكأنه لا يمكن الحديث عن الموضوع دون الحديث عن الذات، فموضوع التأليه والذات المؤلهة واحد.
- (٢)
لا يمكن التعبير عن المؤلَّه بأسلوب مجرد خالص كما هو الحال في الرياضيات، بل بأسلوب التشبيه والاستعارة والكناية، أي بلغة الصورة الفنية. وبالرغم من تجاوز التشبيه، خاصة في التجسيم، من اللغة إلى الشيء، إلا أن الصورة هي الأسلوب المعبر عن عواطف التأليه، لا لأن الصورة أقرب إلى العامة وأسهل على فهمها بل لأنها حقيقة تعبر عن وجود حقيقي، فاللغة تحيل إلى الشيء، والتصور إلى الوجود، وهو نوع من الأنطولوجيا الشعبية البدائية قبل الإحكام النظري المتقدم لحضارات الذهن.
- (٣)
ليس التأليه موضوعًا مجرَّدًا خالصًا، بل هو شيء يُوصَف ويُلمَس، شيء موجود بالفعل وليس مجرد موضوع عقلي. لا يوجد في التشبيه مشكلة كيفية الخروج من عالم الأذهان إلى عالم الأعيان كما هو الحال في التنزيه؛ لأن المؤلَّه موجود من قبل في العالم في صورة حسية مرئية. لا يوجد المؤلَّه كلما بعدنا عن العالم، بل يوجد كلما قربنا منه. فالمؤلَّه هو العالم الضائع والتعويض عنه بالعالم الممسوك.
(٥-٦) مخاطر التشبيه
- (١)
التشبيه إسقاط من الذات على الموضوع، ولكنه إسقاط من أسفل إلى أعلى. يرى الإنسان في موضوعه التأليه ذاتًا تشبه ذاته، ويرى فيها صورته الخالصة، ظانًّا أنها صورة موضوعية لوجود موضوعي. يرى فيها مشاكله الخاصة ظانًّا أنها مشاكل موضوعية كمن ينظر إلى السحب فيجد فيها صورًا وأشكالًا لما تعوَّد أن يراه في حياته على ما هو معروف في التجارب النفسية للكشف عن مكونات الشخصية وسماتها. وبالتالي يمكن القول: «إن الذات خلق الموضوع على صورته ومثاله.» التشبيه إعدام للموضوع وتحويل الذات نفسها وقسمتها إلى ذات وموضوع، وبالتالي خروج الموضوع من الذات.
- (٢)
في التشبيه يتحول الكلام إلى شخص، وتتحول اللغة من نطاق الفكر إلى نطاق الشخص، في حين أن اللغة حامل للفكر، والفكر مستقل عن الأشخاص. التشبيه خطأ في استعمال اللغة وفي معرفة وظيفتها، وخلط بين مستويات اللفظ والمعنى والشيء. وبالرغم من أهمية ظهور المادة في التشبيه إلا أنها تظهر في غير موضعها. فموضع المادة في اللغة وفي الصورة وفي الشخص وفي الشعور وفي الفكر مع أن المادة صورة مصغرة ومحدودة للواقع العريض، مادة من خلال تجربة معاشة تكشف عن العالم وتحيل إليه. التشبيه خطأ في نظرية اللغة وعدم دراية بوظيفتها في التعبير، وخلط بين أنواع الخطاب التقريري منه والإنشائي، فأسلوب الوحي لا يهدف إلى إثبات شيء مادي، بل يستعمل الصورة الفنية للتأثير النفسي من أجل إعطاء تصورات للعالم وبواعث للسلوك.
- (٣) يؤدي التشبيه إلى الوقوع في الخرافة بعد زحزحة العقل وفقدان سلطانه، والاعتماد على الخيال، وتحويل الموضوعات من الوضوح والبداهة إلى نطاق السر والمجهول. وأسلوب التشبيه ليس أسلوبًا علميًّا للتعبير عن مضمون العلم. استعمله القدماء لأنه متفق مع منهج العلم في عصرهم، وهو التأمل أو السحر، ومع موضوعات العلم حينذاك مثل العالم والكون وغيرها من الموضوعات الكونية العامة. ويمكن وصف أسلوب التشبيه على النحو الآتي:
- (أ)
يُستَبدل التشبيه بالشيء غيره. فبدلًا من الحديث عن الشيء يتحدث عن الصورة، ويغرق في وصف الصورة، ويناضل من أجل الصورة. والصورة شيء، والشيء شيء آخر. التشبيه معركة في الهواء تحدث في الخيال مع طواحين الهواء.
- (ب)
التشبيه فكر وصفي خالص، يصف الشيء من الخارج، وليس فكرًا تحليليًّا أو يقوم على التجريب لكشف جديد. هو أقرب إلى تحصيل الحاصل وتكرار الذات لما تعرف على نحو آخر، من الإحساس الذاتي إلى الرؤية الموضوعية للذات.
- (جـ)
التشبيه يتناول الشيء ككل، ويعطي أحكامًا كليةً عليه، ولا يقوم بتحليل الأجزاء بغية الدقة والموضوعية من أجل إصدار حكم.
- (د)
أقصى ما يصل إليه التشبيه هي النتائج العامة التقريبية وليست النتائج المحددة التي يصل إليها الباحث عن طريق التعريف الجامع المانع أو القياس الدقيق. يقينه ذاتي يعتمد على دقة الصور والقياس بين الدلالة والشيء، وهو ما يستحيل عملًا نظرًا للفَرق بين الدلالة والدال في الرؤية والإيحاءات.
- (هـ)
يقوم التشبيه على الخيال دون العقل، وهو أقرب إلى أسلوب الفن منه إلى أسلوب العلم. غايته التأثير في النفس كالخطابة وليس إعطاء وصف علمي للواقع بالبرهان. فالتشبيه أقرب إلى تاريخ الفن منه إلى تاريخ العلم، والمشبهة فنانون دون أعمال فنية، شعراء دون نظم، ورسامون دون لوحات.
- (و)
يعبر التشبيه عن انفعالات نفسية نحو الشيء، ولا يعطي قوانين عقلية لضبط الواقع والتحكم في مساره. يعطي وسيلة لضبط النفس وإعادة تصحيح موقفها، ولكن ليس للسيطرة على قوانين الطبيعة. التشبيه ليس فكرًا، بل مجرد التعبير عن عواطف الإجلال والتعظيم بصورة فنية. لا يصدر أحكام واقع بل أحكام قيمة تعبر عن مزاج قائلها ودرجة حدة الانفعالات. يمكن إرجاعها إلى أسسها النفسية التي ترجع بدورها إلى الظروف الاجتماعية التي نشأ فيها الموقف كله.
- (أ)
- (٤)
التشبيه، بالرغم من تميزه عن التجسيم، إلا أنه عود إلى الوثنية القديمة التي طالما حاربها الوحي، وخلق وثنية جديدة أخطر وأعظم؛ لأنها وثنية يدعمها الوحي ذاته بالتفسير الحرفي لنصوصه، وبالتالي بوجودها الشرعي منه. التشبيه تجريد للوحي وتفريغ له من مضمونه الاجتماعي ثم تجسيد له وغلقه على ذاته وخلق جسم من داخله، ونقله من مستوى الفكر والنظام إلى مستوى الشيء والمادة. التشبيه خطأ في اتجاه الوحي ومقصده، تجسيم له من ذاته وتفريغ العالم منه. وقد أدى ذلك إلى السماح بدخول كثير من الأبنية الأسطورية القديمة من البيئات الثقافية المجاورة نظرًا لتشابه المواقف النفسية والاجتماعية مما أفقد الفكر الديني أصالته وهويته واستقلاله عن الفكر الديني القديم في الحضارات والبيئات الثقافية المعاصرة له، وأصبح جزءًا من تاريخ الأديان.
- (٥)
وللتشبيه كما للتأليه وللتجسيم وللتنزيه استخدام سياسي، عن طريق تصوير الله الحاضر الذي يرى بالعين ويسمع بالأذن ويتكلم باللسان ويبطش باليد ويحرك بالأصبع ويدوس بالأقدام. يتحول الشخص باعتباره قمة عواطف التأليه المشخصة إلى سلطة مركزية تجمع في يديها كل مظاهر السلطة من قوة وسيطرة، تجب لها الطاعة المطلقة وتستحيل معارضة أوامرها. فالتشبيه أساس السلطة، وركيزة التسلط، وقوام القهر والطغيان، تستعمله الدولة لإبراز حضورها في كل مكان. لذلك قام التأليه بدور المعارضة السرية النشطة، تأليه الإمام الغائب الذي سيملأ الأرض عدلًا كما مُلئت جورًا. كما قام التجسيم بدور المعارضة السرية الكامنة غير المنظمة في حزب. وكما سيقوم التنزيه بدور المعارضة العلنية من الداخل (المعتزلة) أو من الخارج (الخوارج) باسم المبدأ غير المشخص، وتمثل الذات له، والتوحيد بين المبدأ والذات. فالتأليه والحلول والاتحاد والتجسيم والتشبيه ليست فقط تصورات للألوهية، بل هي أنظمة دفاعية للذات عن نفسها، إمَّا في موقع السلطة كالتشبيه، أو في موقع المعارضة كالتأليه والتجسيم والتنزيه. وأن تصورات الألوهية لتكشف عن أوضاع اجتماعية من خلال أبنية نفسية دون أن تكون وصفًا لأي موضوع إلهي. وهي في واقع الأمر أيديولوجيات سياسية في مجتمعات دينية.
(٦) التنزيه
لم يبقَ إذن بعد تأليه الأئمة وحلول الصوفية واتحاد النصارى وتجسيم الكرامية وتشبيه أهل السنة إلا التنزيه عند المعتزلة، أي محاولة الحديث عن الذات بأقصى درجة ممكنة من التجريد دون الوقوع في التجسيم أو في التشبيه.
(٦-١) أدلة التنزيه
(٦-٢) إيجابيات التنزيه
- (١) التنزيه أكبر معبر عن التوحيد؛ لأنه ينفي أي تشابه بين الله والإنسان. فالله في التنزيه يند عن كل تصور أو تصوير إنساني. وهو بهذا يتفق مع المعنى التقليدي للتوحيد. وبهذا يمتاز التنزيه عن التشبيه الذي يقترب من الوثنية الحسية المباشرة.٢١٩ كما أنه يحمي من الوقوع في التشخيص، والحديث عن المؤلَّه كمشجب تعلق عليه الصفات كما حدث بعد ذلك في التشبيه. فالمؤلَّه حالة شعورية خالصة يعبر عنها العقل بأكثر الوسائل إمعانًا في التجريد.
- (٢) لما كان التنزيه مجرد حالة شعورية، فإنه يعني التعالي المستمر ورفض التشبيه والمماثلة، ويعني التعالي إمكانية التقدم المستمر ورفض أي تحول للذات إلى موضوع، والاستبعاد المستمر للصيغ الجاهزة التي تريد إيقاف العلم إلى الأبد في صيغ ثابتة دون البحث عن صيغ أخرى. التعالي صورة للتقدم البشري، وهو بناء نفسي وحركة شعورية أكثر منه عقيدة.٢٢٠ والعجب أن أحدًا من القدماء لم يذكر صفة «التعالي»، في حين أنها مذكورة كمديح وثناء. ففي كل مرة يُذكر فيها اسم الله يُردف بعبارة «سبحانه وتعالى» أو «تعالى عما يصفون» أو «سبحان ربك رب العزة عما يصفون».٢٢١ فالتسبيح علاقة الإنسان به، وهو موقف ذاتي تعبيري. التعالي وصف من أوصاف الذات أو وظيفة الذات في الشعور بها يتم نقد الصياغات القائمة لبيان المسافة بينها وبين الماهية، ورفض القطعية والمذهبية والتوقف والخلط بين الصياغة والموضوع. وبها يتجه الشعور باستمرار نحو المجرد والصوري والخالص حفاظًا على الشعور من المادية والشيئية وحفظًا له من الوقوع في الثقل الطبيعي للبدن. يعني التعالي كسر نطاق الوضعية والثقة بنطقية الإنسان وروح النقد لما هو موجود والتقدم المستمر، وهو روح العلم.
- (٣) يعني التنزيه أيضًا الرغبة في الحصول على الخالص Le Pure دون الوقوع في التطهر، أي الخالص المنفصل عن المادي المعارض له كما هو الحال في كل العقائد الثنوية. الحقيقة في التنزيه من جانب الصورة التي يقوم التنظير بالبحث عنها. التنزيه هو عالم الصورة الخالصة أو الأنطولوجيا العامة أو الرياضيات الشاملة.٢٢٢ هو اتجاه نحو الصوري الخالص، وتأسيس للعلم تأسيسًا صوريًّا خالصًا. والصورية مقياس لتقدم العلم، ومصير كل فكر ينمو باطراد. لذلك اقترب تشبيه كثير من المتأخرين من التنزيه بعد أن اختفت الظروف النفسية والاجتماعية التي أدت إليه. بل لقد استعمل المشبهة نفس الخطاب الذي يستعمله المنزهة والفلاسفة في نفي الصفات الحسية بحرف النفي لا.٢٢٣ ثم عاد التشبيه في عصرنا الحالي لعودة نفس الظروف النفسية والاجتماعية القديمة كالاضطهاد، والهزيمة، والضعف، والتعويض … إلخ. التنزيه كعملية شعورية مهمتها البحث المستمر عن الحقيقة، وتقدم العلم. ومع ذلك «الله» كفكرة محددة مهمتها المحافظة على المستويات وعدم الخلط بين الصوري والمادي، بين الدلالة والدال، بين المعنى والشيء؛ لأنه يجعل الشعور توترًا بين قطبي الحس والعقل.
- (٤)
استطاع التنزيه التعبير عن العواطف البشرية وعلى رأسها التأليه في صورة عقلية خالصة، وبالتالي أمكن إخضاع التجارب الشعورية إلى التحليل العقلي الخالص، وهو ما لم يحدث في التأليه والتجسيم والتشبيه. فالتنزيه يعبر عن سلطة العقل المطلقة على الانفعالات والأهواء، بينما يعبر التشبيه عن الإدراك الحسي، وكما يعبر التجسيم عن الرؤية الموضوعية. هذا التنزيه العقلي الخالص هو السبب في تحريم التصوير في الشرع من أجل إبعاد أي احتمال للوقوع في التشبيه أو التجسيم. ولذلك خرج الفن صوريًّا خالصًا يقوم على الأشكال الهندسية وتكرارها في كل الاتجاهات المتقابلة والمتماثلة من أجل خلق الجمال الصوري الخالص.
- (٥) يؤدي التنزيه إلى القضاء على أية فاعلية متوهمة للمؤلَّه المشخص، ويعطي الاستقلال التام للعالم. فشبهة التعطيل إذن لا تمثل نقدًا للفكر، بل هي ضرورة تمليها الروح العلمية واستقلال ظواهر الطبيعة. يمنع التنزيه كل مظاهر التسلط والقهر والطغيان باسم الإله المشبَّه الذي يسمع ويرى كل شيء، ولا تخفى عليه خائنة الأعين وما تكنُّ الصدور، كما هو الحال في أجهزة المخابرات في نظم القهر والتسلط، فعين الله الساهرة هي عين المباحث الساهرة.٢٢٤ بل يجعل التنزيه العقل قادرًا على تمثل الصفات كمبادئ عامة مطلقة وشاملة غير مشخصة في إرادة والجميع قادر على إدراكها وتمثلها، وهي المبادئ الإنسانية العامة التي طالما ضحى الأفراد والشعوب في سبيلها.
(٦-٣) سلبيات التنزيه
- (١)
بالرغم من كل ما حاوله التنزيه من بُعد عن التشبيه وتخليص المؤلَّه من كل شبهة إنسانية، إلا أنه ما زال أيضًا مُشابًا بالتماثل من مجرد استعمال اللغة بألفاظها وتصوراتها. وبالرغم من استعمال أسلوب النفي وهو أسلوب التطهير، إلا أنه يستعمل أيضًا اللغة حتى ولو كانت تنفي ألفاظها وتصوراتها. فما دامت عواطف التنزيه قد تمت صياغتها في لغة، فإنها لم تعد تنزيهًا. لذلك فضَّل الصوفية الصمت أو على أكثر تقدير استعمال الرمز الذي يتجاوز حدود اللغة الإنسانية. فالتنزيه مهما بلغت درجة صوريته وتجريده مرتبط باللغة والتصورات الإنسانية لأنه يستحيل تجريد الإنسان من مواقفه الحياتية وتجاربه الاجتماعية، وضعًا وهدفًا. ولما كانت الناس مختلفة فيما بينها في المجتمعات والعصور والبيئات الثقافية واللغات، فقد اختلفت بينها في درجات التنزيه. وزيادةً في التنزيه يمكن أن يُقال إنه لا يمكن التعبير عنه على الإطلاق بالمقولات الإنسانية حتى تلك التي تقوم على أقصى درجة في التجريد مثل الجوهر والعرض أو الممكن والواجب؛ لأن هذه التصورات الثقافية لا تتعدى كونها في الحقيقة تعبيرًا عن عواطف التأليه التي هي أيضًا تعبير عن عواطف التطهر والتقوى والترفع والعلو. ويكون الخطاب حينئذٍ نوعًا من التمرينات الذهنية التي تعبر عن مضمون الشعور وتحليل العقل لها. فإذا كان في التجسيم قد أُضيف المكان كبُعد للتأليه يتحدد فيه المؤلَّه ففي التنزيه يُضاف الزمان ويُطلَق. وإذا كان التجسيم تصوُّرًا للتأليه في المكان، فإن التنزيه تصور التأليه مثل باقي القسمات كالجوهر والعرض، والواحد والكثير، والنفس يقوم بها الذهن البشري للتعبير بها عن عاطفة الطهارة التي هي أساس التأليه مثل باقي القسمات كالجوهر والعرض، والواحد والكثير، والنفس والبدن، وهي القسمة التي فضَّلها الحكماء فيما بعد للتعبير بها عن التأليه في الوجود. فكما أن الجوهر أشرف من العرض، والكيف أشرف من الكم، والصورة أشرف من المادة، والنفس أشرف من البدن، فإن القديم أشرف من الحادث. وبإضافة التشخيص للتأليه يكون الله هو القديم وما سواه هو الحادث. إن كل صور التوحيد القديمة ظواهر إنسانية خالصة، نجد نظائرها في العلوم الإنسانية كعلوم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد. فقد ظهر التأليه على أنه تعويض مطلق عن العجز والضياع والهزيمة، ونتيجة للرغبة في الحصول على انتصار كامل ودائم تعويضًا عن الهزيمة الشاملة. ونشأ التجسيم أيضًا لنفس السبب، وهي الرغبة في الحصول على انتصار واسترداد للحق الضائع. فبدل رفع المظلوم إلى العدل المطلق كما هو الحال في التأليه، يأتي العدل المطلق في الظلم ويتجسم الحق ويصبح البعيد قريب المنال.
- (٢)
بالرغم من استطاعة التنزيه القضاء على كل وثنية حسية، إلا أنه انتهى إلى نوع من وثنية مضادة هي الوثنية العقلية. يتحول التأليه إلى موضوع عقلي خالص، وتتوقف حركة الشعور لديه، ويصبح مشجبًا سهلًا تعلق عليه الأماني الإنسانية مدفوعة إلى حد الإطلاق، ومن هذه الناحية قد لا يكون هناك فرق بين التنزيه والتشبيه، وأن الفرق هو في الدرجة لا في النوع. كلاهما إثبات لمؤلَّه مشخص، ولكن التشخيص في التنزيه عقلي خالص، مجرد صوري، وفي التشبيه حسي مادي، عياني شيئي، كلاهما وثنية. الأوَّل عقلي غير مرئي والثاني حسي مرئي. كلاهما تجسيم، الأوَّل تجسيم ناعم مرهف، والثاني تجسيم فظ غليظ. فاتهام أهل السنة المعتزلة بأنهم مشبهة الصفات عندما جعلوها حادثة لا يدل على التشبيه لأن إثبات حدوث الصفات تنزيه للذات عن كل تشبيه. وقد يكون الاتهام موجَّهًا لأهل السنة أصدق لرفضهم التأويل والمجاز. ومع ذلك فقد وقع كلا الفريقين في التشبيه إمَّا الحسي أو المعنوي، والخلاف بينهما فقط في درجة التجريد. التنزيه والتشبيه كلاهما من خلق الذات، وإسقاط من الشعور إلى أعلى، وتأليه صور إنسانية خالصة مهما تفاوتت مستويات التجريد. وفي كلتا الحالتين يؤله الإنسان ذاته دون أن يدري، يؤله الأنا ثم يعزو إليها الآخرية كما حدث من قبل في التأليه والتجسيم عندما ألَّه الآخر ثم نُسبت إليه الأنية.
- (٣)
يوحي التنزيه بالخارجية، وبأن قمة عواطف التأليه خارج العالم وليست بداخله، وأنه كلما بعدنا عن العالم وصلنا إلى تنزيه أعظم، وكلما أغرقنا في الصورية والنظر استُل مِنَّا الواقع والعمل. ومِنْ ثَمَّ يوحي التنزيه بأن المؤلَّه المنزه في جانب وأن العالم الإنساني في جانب آخر، وبأنه لا صلة له بهذا العالم على الإطلاق، وهو ما ظهر فيما بعد في إعلان الحرية الإنسانية والإرادة الإنسانية المستقلة وفي حتمية قوانين الطبيعة واطرادها. وكلما تم الإيغال في الصورية ظهر العالم بعيدًا عن الذات، ماديًّا طبيعيًّا، لا تشخيص فيه ولا ألوهية، ونشأ العلم العقلي التحليلي الطبيعي الصرف. وكأن التنزيه قد دعا إلى حركتين متناقضتين، أقصى درجة في التعالي بالنسبة للذات وأقصى درجة في المادية بالنسبة للعالم. فإذا كان التنزيه قد استطاع إلى حد كبير إنقاذ عواطف التأليه من كل أثر للتشبيه، فإنه ترك العالم المادي ذاته دون أي أساس تصوري أو تبرير أنطولوجي، ولم يبقَ إلا تحليل العقل للطبيعة، وبالتالي نشأ العلم.
- (٤)
يؤدي التنزيه بالرغم من كل محاولاته من أجل الحصول على الوحدة إلى التصور الثنائي للعالم. فهناك عالمان، عالم الصورة الخالصة الذي يعبر بصدق عن عواطف التأليه، وعالم مادي يمثل خطورة التشبيه والتجسيم. فالتنزيه تبرير أنطولوجي لوجود الصورة على حساب المادة. وتكون علاقة العالمين، عالم الصورة وعالم المادة، علاقة تعارض مستمر. كلما أعطينا الأوَّل شيئًا سلبناه عن الثاني. وهو ما ظهر بوضوح أكثر عند الحكماء عندما تحول التنزيه لديهم إلى تصور عام للوجود وقسمته إلى وجودين، الوجود الصوري والوجود المادي. وقد تتعدد هذه القسمة وتتداخل وبالتالي تتحول إلى طبقات متعددة وإلى مستويات عديدة متداخلة. عندئذٍ يوحي التنزيه بأن الكمال في البعد الرأسي وليس في البعد الأفقي، وبأن السماء أشرف من الأرض، مما قد يؤدي إلى نوع من الرضا الذاتي عن النفس ما دام الشعور قد وصل إلى قبة السماء «فكان قاب قوسين أو أدنى» في عملية التنزيه. ثم يؤدي الرضا إلى الاكتفاء الذاتي بالتنزيه ورغبة في التأمل، مما يؤدي بدوره إلى ضمور في الفعل وقصور في التوجه نحو العالم.
- (٥)
وهنا تبدأ المشكلة الحقيقية في التنزيه، وهو كيف يتم الخروج من هذا التصور العقلي الخالص إلى الواقع؟ كيف يتم الانتقال من الفكر إلى الوجود؟ ومِنْ ثَمَّ يحتاج التنزيه إلى دليل أنطولوجي يجعل المؤلَّه هو الوحيد الذي يجمع بين الفكر والوجود، يحتوي تصوره على وجوده. ولكن حتى هذا الدليل الأنطولوجي افتراض عقلي خالص يعبر عن أماني الذات في الحصول على الوجود من مجرد الحصول على فكرته بلا حركة أو جهد أو مقاومة. ولما كان التنزيه صوريًّا فارغًا، فقد استطاعت السلطة أن تكون مضمونًا له، وبالتالي لعبت دوره، ومارست وظائفه في العالم بكل شيء (أجهزة الأمن) والسيطرة على كل شيء (أجهزة القمع)، وأصبح التعالي رمزًا للجبروت السياسي بالنسبة للحاكم الذي لا يجوز الاقتراب منه. ولكنه في نفس الوقت قد يتحول في وعي المعارضة إلى أمر بالمعروف ونهي عن المنكر في صيغة «الله أكبر» ضد الحاكم المتعالي ردًّا له إلى وضعه الإنساني حتى يظل الوعي الخالص متفرِّدًا بصفاته المجردة.
أمَّا بالنسبة للعين، فقد لحظ الآمدي أنها هي عين الماء. وعند القاضي عبد الجبار العين هو العلم (شرح الأصول، ص٢٢٧؛ مقالات، ج١، ص٢٤٨، ص٢٦٥-٢٦٦؛ الحصون الحميدية، ص٢٨-٢٩). وعند الجويني: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا أي الحفظ والرقابة (الإرشاد، ص١٥٧)، كما تعني العيون التي جرت فيها السفينة (النظامية. ص٢٣–٢٥). وعند البغدادي: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي أي على رؤية مني. أصول الدِّين (ص١٠٩–١١١). وقد ورد اللفظ ومشتقاته في القرآن ٦٥ مرة، منها ٢٨ مرة بمعنى عين الماء، ٤ مرات «معين» صفة للماء وهو ليس المعنى المقصود، ٤ مرات بمعنى حور عين وهو ليس المعنى المقصود كذلك، أي أكثر من النصف. وذكر اللفظ ٣٣ مرة بمعنى العين أي البصر منها فقط مرتان لله، ٢٩ مرة للإنسان مما يدل على أن استعمالها إنساني خالص. والمرتان هما: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (٢٠: ٣٩)، وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا (٥٢: ٤٨)، وهما معنيان مجازيان يدلان على مدى القرب والمحبة والمودة كما هو الحال في الأمثال العامية: «على عيني»، «في عيني»، فالعين أغلى قيمة عند الإنسان للقسم بها. أمَّا الاستعمالات الإنسانية فليس كلها بمعنى الإبصار بل منها بمعنى الرضا في قرة العين (٧ مرات)، مثل: وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ (٢٨: ٩)، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا (١٩: ٢٦)، فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ (٢٠: ٤٠)، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ (٢٨: ١٣)، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ (٢٥: ٧٤)، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ (٣٢: ١٧)، ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ (٣٣: ٥١)، كما تكشف العين عن حزن النفس وانفعالاتها (٣ مرات)، مثل: تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ (٥: ٨٣)، تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩: ٩٢)، وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (١٢: ٨٤)، كما تعني العين القصد والتطلع (٣ مرات)، مثل: وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (١٨: ٢٨)، وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ (١٥: ٨٨)، (٢٠: ١٣١)، كما يرتبط إدراك البصر بالحالة النفسية إقلالًا أو تعظيمًا مثل: وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا (٨: ٤٤)، وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا (١١: ٣١)، وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا (٨: ٤٤)، وقد تكون معرفة صائبة: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ (٣: ١٣)، ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (١٠٢: ٧). قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٢١: ٦١)، أو نعمة أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (٩٠: ٨-٩)، أو لذة رؤية وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ (٤٣: ٧١)، أو جزاء وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ (٥: ٤٥)، وإذا كانت بعض المعاني إيجابية فإن كثيرًا منها سلبية (٨ مرات) مثل عدم القدرة على الرؤية والوقوع فريسة للسحر: فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ (٧: ١١٦)، أو عدم الإبصار بها والعمى: وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا (٧: ١٧٩)، (٧: ١٩٥)، أو أنها تخفي الحق: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ (٣٢: ١٧)، أو العمى التام: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي (١٨: ١٠١)، أو تكشف عن غشية الموت: تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ (٣٣: ١٩)، وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ (٣٦: ٦٦)، فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ (٥٤: ٣٧)، ولم يكن المعنى المجازى غائبًا مثل عين الشمس: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ (١٨: ٨٦)، فأين هذا كله من عين الله؟