من النص إلى الواقع: محاولة لإعادة بناء علم أصول الفقه (الجزء الثاني): بنية النص

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي
الفصل الرابع

أحكام التكليف

أولًا: معنى التكليف وأساسه وأقسامه

(١) معنى التكليف؟

التكليف لغةً: من الكلفة، وتعني المشقة.١ وشرط الفعل أن يكون ممكنًا. والقدرة شرط التكليف، وبالتالي لا يجوز تكليفُ ما لا يُطاق. وأفعال العباد التي لا تتوقف على البقاء اختيارية؛ لأن أفعال البقاء ضرورية مثل الوجود والحياة.
والتكليف بالفعل ثابت قبل حدوثه اتفاقًا.٢ وبالرغم من أن لفظ التكليف يوحي بالإلزام، إلا أنه قد يكون إلزامًا ذاتيًّا طبقًا للفطرة والطبيعة. والإيجاب والحظر لا يعنيان الفرض من الخارج، بل التحرر من الداخل.٣ وحصول الشرط الشرعي ليس شرطًا في التكليف؛ لأن الشرع تأكيد لا تشريع. ومع ذلك لا تكليف شرعيًّا إلا بفعل، ويبقى التكليف حال الفعل. شرطه فقط أن يكون معلومًا.٤
ومن شروط المكلف الأصلية، أولًا الحياة. أما تكليف من أُحيي بعد موته، وتكليف الثقلين الإنس والجن والملائكة، فهو أدخل في علم أصول الدين. التكليف لا يكون إلا للبشر في هذه الدنيا. ثانيًا البلوغ؛ إذ لا يخاطَب الصبي بالإيجاب والتحريم. ثالثًا العقل، فهو مناط التكليف والثواب والعقاب. شرط التكليف العقل وفهم الخطاب، مع استبعاد المكره والسكران. والسكران ليس بمكلف ولا المكره أو المضطر.٥ رابعًا الفهم، فقد وُضِعت الشريعة للإفهام. ولا يجوز تطبيق الشريعة لمن لا لم يفهم مقاصدها أو عليه قسرًا.
وقد يدخل التكليف ضمن المقدمات العامة للعلم، بعد حد العلم والنظر، والدليل وأنواع الأدلة، والتحول من النظر إلى العمل في أخبار الآحاد والأقيسة. فما زال التكليف لم يتخلق بعدُ في موضوع مستقل. وهو «الثمرة» في «المستصفى»، أي الحكم. ثم استقر في المتون على أنه «أحكام التكليف». وينقسم قسمةً رباعية: حقيقة الحكم، أقسامه، أركانه، وما يظهره.٦ وتصبح أركانه الأربعة خماسية، وهي: الحكم نفسه، أي خطاب الشرع، وأقسامه، وتعلقه بالحكم، وهو الشارع، والمحكوم عليه، وهو المكلف، والمحكوم فيه، وهو الفعل. أما العلة فهي أدخل في أحكام الوضع، وهي السبب.٧ و«الحاكم» بين قوسين نظرًا للتمييز بين علم أصول الدين وعلم أصول الفقه. وهو الشارع دون تعيين أي واضع الشريعة. فالشريعة لها مشرِّع وإن كانت تقوم على الفطرة.٨ وخطورة «لا حاكم إلا الله»، هو الوقوع في «الحاكمية»، منذ التحكيم الأول «لا حكم إلا لله»، حتى الحركات الإسلامية المعاصرة. كما لا يتدخل العلم الإلهي أو الحق الإلهي في تحديد الواجب؛ نظرًا للتمييز بين العلمين؛ علم أصول الدين وعلم أصول الفقه. ولا يدخل الكفر والإيمان تحت التكليف في علم أصول الفقه؛ لأنهما أدخل في علم أصول الدين في مبحث العدل.٩ والمخاطِب بلا مخاطَب تناقض؛ لأن الخطاب هو علاقة بين مرسِل ومرسل. المخاطِب في الأزل قبل المخاطَب لا يكون مخاطِبًا؛ لأنه لا يوجد الطرف الثاني، وهو المخاطَب. المخاطِب بمفرده موضوع لعلم أصول الدين وليس لعلم أصول الفقه.١٠ والمعدوم لا يكون مخاطَبًا، وذلك مثل البائع والمشتري أو الأب والابن، فهما لفظان إضافيان، لا يوجد بائعٌ بلا مشترٍ، ولا أب دون ابن. ومن ثم لا يحلَّل حكم التكليف إلا كخطاب موجه إلى الفعل، من جهة المخاطَب وليس من جهة المخاطِب على اختلاف مستوياته.

(٢) حُسن الأفعال وقُبحها قبل ورود الشرع

والأفعال قبل ورود الشرع أفعالٌ طبيعية بديهية تلقائية، والشرع مجرد مؤكِّد لها. الحظر والوجوب طرفان، كما أن الكراهية والندب طرفان، وأحيانًا يكون الحظر والإباحة طرفين.١١ فلا فرق بين حكم الشرع وحكم العقل. والحكم إما إثبات أو نفي، عن يقين أو شك. فالحكم اليقيني هو الواجب والمحظور للإثبات والنفي، والحكم الظني للإثبات والنفي هو المندوب والمكروه.١٢
وقد تكون الأعيان المنتفَع بها قبل أن يَرِد الشرع على الوقف لا مباحةً ولا محظورة.١٣ وقد تكون على الإباحة؛ لأن المصلحة أساس التشريع، وتحقيق منافع الناس مقصد له.١٤ ولا مكان للوقف؛ لأن العقل والمصلحة أساسا الشرع. وقد بلغ الموضوع من الأهمية بحيث إنه تصدَّر المقدمة أيضًا، بعد تحديد علم أصول الفقه موضوعًا وهدفًا.١٥
وتبلغ القضية من الأهمية بحيث إنها تدخل في مقدمة العلم، بعد تعريفه وتحديد موضوعه ومقصده، مع هجوم شديد على المعتزلة والرد على شبههم.١٦ فهي المسألة الأولى في العلم مع «شكر المنعم»، ضمن رفض الواجبات العقلية. وهي ليست تبعية للبراهمة، فكل حضارة لها نزعاتها العقلية.١٧

ولا يمكن أن تكون الأشياء قبل ورود الشرع على الحظر. فهذه سوداوية وتشاؤمية وكراهية للحياة. أما القول بالحظر فهي نظرة تشاؤمية، وكأن الطبيعة شر، والإنسان شرير بطبعه.

ولا يمكن أن تكون كلها على الإباحة؛ لأن القتل والسرقة والإيذاء تمجُّها الفطرة وتعافُها النفس. فهي على الإباحة باستثناء الكفر والظلم وجحد النعم. وهي ليست مباحة، بل لقد تتنازعها الأحكام الأربعة الأخرى؛ لأنها اتجاهات طبيعية في سلوك البشر.

والتوقف في ذلك حياد يأباه الموقف الطبيعي للإنسان. ونفْي حكم العقل وانتظار حكم الشرع عجز عن الحكم، وضعف ثقة بالنفس، ومزايدة على الشرع. والتوقف إقلال من قدرة العقل البديهي والإحساس الفطري. الشرع مخبر لما دل عليه العقل؛ خوفًا من تغلُّب الهوى على الفعل.

وقد تكون الأشياء قبل ورود الشرع على البراءة الأصلية. فليس في العقل حظر ولا إباحة.١٨ وهو نوع من الاستصحاب، استصحاب الأشياء على الطبيعة، فشرعيتها في وجودها. مجرد السكوت لا يدل على ما عدا المذكور.١٩
ولا تعني «لا حاكم إلا الله» أن الله يحكم مباشرة دون التوسط الإنساني والفعل الإنساني. وفعل الله لحكمةٍ وعلة يعني أن الحكمة في العقل والعلة في الفعل.٢٠ ولا مجال لتغييرهما لأن أفعال الشرع ثابتة إلى يوم القيامة. فقد اكتملت الشريعة باكتمال الوحي والتاريخ.٢١
وهي أحكام يمكن للعقل إدراكها حتى قبل ورود الشرع؛ لأنها أفعال طبيعية تلقائية بين الإقدام والإحجام، بين الضرورة والاختيار، بين حكم العقل وتلقائية الطبيعة. وجعلها مرهونة بالشرع، كما تريد الأشعرية إنكار الحُسن والقبح العقليَّين، وبقدرة العقل البديهي على الحكم والتصرف.٢٢ العقل قادر على الوصول إلى أحكام الشرع حتى قبل ورودها. فالعقل البديهي قادر على التحسين والتقبيح، والشرع مخبِر عنهما، مؤكِّد عليهما.٢٣ العقل قادر على التحسين والتقبيح العقليَّين. الحسن مثل العدل، والقبح مثل الظلم. والجواز بين الندب والكراهة طبقًا للمنفعة والمضرة. فالندب ما منفعتُه أكثرُ من ضرره. والكراهة ما ضررُه أكثرُ من منفعته. والإباحة الفعل الطبيعي التلقائي تعبيرًا عن الوجود الإنساني. فالأحكام الخمسة طبيعيةٌ قبل الشرع وشرعيةٌ بعده. فالشرع يؤكد حكم العقل.٢٤ ومن لم يبلغه الأمر من الشريعة لا يكون مكلفًا شرعًا، وإن كان يمكن للخاصة اتباعُ حكم العقل.٢٥
والمحكوم فيه، وهو الفعل، يحتوي على صفات الحسن والقبح في ذاته؛ طبقًا للاعتزال، وليست خارجًا عنه كما تريد الأشاعرة، وإلا امَّحت الفطرة وضاع استقلال الأفعال، وأصبح المكلف كالآلة الصماء لا تعقل ولا تختار.٢٦ قد يعني الحسن والقبح الملاءمة أو عدم الملاءمة لغرض الفاعل، ميل الطبع أو نفوره، وهو المشهور عند العامة. وقد يعنيان المدح والذم لفاعلهما، وقد يعنيان رضاء النفس أو تأنيب الضمير في كل أفعال الإنسان. ولا يعني ذلك الإنسان النسبي، بل الإنسان من حيث هو إنسان. كما لا يعني وقوع الاستثناءات طبقًا لعدم جواز تكليفِ ما لا يطاق. ولا يتدخل الوهم في الحكم؛ لأن العقل البديهي يسبقه. وقد يعني الحسن والقبح المنفعة والضرر أو المصلحة والمفسدة. فالعقل والواقع واجهتان لشيء واحد. وهي قضية بين علمَي الأصول؛ علم أصول الدين في الحسن والقبح العقليين في مسائل العدل، وعلم أصول الفقه في التعبد بالعقل، قبل ورود الشرع في الدليل الرابع في الوعي التاريخي، وفي الأمر والنهي من مباحث الألفاظ في الوعي النظري، وفي أحكام التكليف في الوعي العملي.٢٧
وفي النهي تعود مسألة الحسن والقبح العقليين في أحكام التكليف.٢٨ فكما يقتضي الأمر حُسن المأمور به، كذلك يقتضي النهي قُبحَ المنهي عنه. وليس الأمر مرتبطًا بالثواب والعقاب في تحديد أحكام التكليف؛ لأنهما خارجَ موضوع أصول الفقه وأدخلُ في علم أصول الدين. وإن القضاء على حسن الأفعال وقبحها وربطهما بإرادة الأمر؛ لهو أحد أسباب انهيار العقلانية وموضوعية الأشياء، بل ونشأة التسلط والقهر، ورهن العالم كله بإرادة السلطان. المنهي عنه قبيح، ولا يتحول إلى حَسن بإرادة الشارع. ولا تتعادل الأمثلة في القبح، صلاة الحائض والصلاة في الدار المغصوبة.
ويستحيل وقوع حكمين متضادين على فعل واحد، مثل الوجوب والحظر؛ لأن الفعل حسن أو قبيح في ذاته. ولا يجتمع حكمان بالحسن والقبح على نفس الفعل.٢٩ والواجب واجب بالنوع أو بالتعيين، كفعل واحد أو كأفعال متعددة؛٣٠ لذلك لا تجوز الصلاة في الدار المغصوبة؛ لأن الصلاة فعلٌ حسن، واغتصاب الأرض فعل قبيح. ولا يجتمع الحسن والقبح على فعل واحد؛ لذلك كانت الصلاة في القدس المحتلة فعلًا غير شرعي.٣١ الفعل نوعي، ولذلك لا تجتمع الصلاة مع الاغتصاب. أما تجزئة الفعل النوعي إلى أفعال متعينة، السجود لله غير السجود للاحتلال، فإنه يؤدي إلى الجواز. ولا إجماع على صحة الصلاة في الدار المغصوبة لمعارضة المعتزلة والأحناف والحنابلة. ولا تصح الصلاة حتى للتقرب والزُّلفى، فمقاومة الاحتلال أولى كطريق إلى الرضا. وهي مسألة قطعية وليست اجتهادية، حكمها التحريم وليس الجواز. بل إن المصلي يكون عاصيًا؛ لأنه ترك رد الظلم ومقاومة العدوان. والجواز ناشئ عن إنكار حسن الأشياء وقبحها، وجعل الفعل متوقفًا فقط على الأمر والنهي به. ولا تقاس المسألة على الصلاة في الأوقات المكروهة؛ لأن احتلال الأرض لا يقاس على زمن الصلاة؛ إذ لا يقاس أصلٌ على فرع، بل فرع على أصل. وإذا كانت الصلاة لا تجوز يوم النحر، فالأولى عدم جواز الصلاة وقت الاحتلال في الأرض المحتلة.

(٣) أحكام التكليف

النسق والترتيب. والحكم الشرعي يختص بأفعال المكلفين مثل الأحكام الخمسة. وهي أحكام عقلية أيضًا قبل ورود السمع، والسمع مثبِت لها ومؤكِّد عليها. وهو القصد الرئيسي من علم الأصول، وليس ذات الفعل، بل أداءه. فالأصول توجُّه عملي وليس بحثًا نظريًّا في أصل الفعل، وهي متمايزة فيما بينها، لا أكثر ولا أقل.٣٢
وأفعال المكلف نوعان: حسن وقبيح. والحسن ضربان: يترجح فعلُه على تركه كالإحسان والتفضل. والآخر يترجح ترْكُه على فعله. والقبح مثل الظلم والجهل والكذب وكفر النعمة. والواجب هو ما لا بد من فعله، كالإنصاف وشكر المنعم. وما لا يترجح فعله على تركه أو تركه على فعله، فهو المباح، وهي الأفعال الطبيعية كالطعام والشراب.٣٣ شكر المنعم هو أحد الواجبات العقلية مع التكليف والصلاح والأصلح والاستحقاق والتعويض، وهي موضوعات في علم أصول الدين وليست في علم أصول الفقه.٣٤
ولا تكون القسمة رباعية: فرض وواجب وسنة ونفل. وهي أقسام للفعل الضروري والاختياري دون الترك. الفرض والواجب شيء واحد، والسنة والنفل شيء واحد، وهو المندوب. الواجب هو اللازم فعلًا أو تركًا. والسنة الطريق، والنافلة الزيادة. ويغيب المباح، وهو السلوك الطبيعي الذي تكمن شرعيته في وجوده.٣٥ ولا تكون ثلاثية باستثناء الإباحة والحظر. فذلك نفي لبراءة الذمة وكَيلٌ بمكيالين. قبول الواجب ونفي الحظر كفعلين ضروريَّين.٣٦
والأحكام الخمسة من وضع الشرع والعقل في آنٍ واحد. والخلاف فيها لفظي. فالواجب والمحرم هما الكمال والنقص، أو ملاءمة الغرض ومنافرته، أو المصلحة والمضرة. قضاء الدين واجب، والظلم محرَّم، والإحسان مندوب، وسوء الأخلاق مكروه، وتصرف المالك في ملكه مباح.٣٧
وتخضع قسمة الحكم إلى خمسة إلى بنية عقلية محكمة بين «افعل» و«لا تفعل»، أي بين قطبَي الفعل الإنساني الموجب والسالب ضرورة، وهما الواجب والمحرَّم، وبين الموجب والسالب اختيارًا، وهما المندوب، أي ترجيح الفعل على عدم الفعل، والمكروه، أي ترجيح عدم الفعل على الفعل، ثم الفعل الذي تكمن شرعيته في داخله، دون ما حاجة إلى خطاب شرعي يحكم عليه. هو فعل الفطرة والبراءة الأصلية، وهو المباح.٣٨ وأحكام التكليف في حاجة إلى نسق، بعد أن تركها الأصوليون مجزَّأة ومبعثرة.٣٩ والتكليف أساسًا بالإقدام أو الإحجام، مع أنهما أيضًا يكونان عن طبيعة، مثل المندوب والمكروه.٤٠
وأحكام التكليف لها ترتيبها النسقي أيضًا، البداية بالفعل لا بالترك. فالواجب قبل المحظور؛ لأن الإقدام في السلوك البشري يسبق الإحجام، والمندوب قبل المكروه؛ لأن فعل الحسن مقدَّم على تجنُّب القبيح. والمباح يأتي خامسًا بمفرده؛ لأنه الفعل التلقائي الطبيعي، حتى لا يكون العقل وحده هو المعيار، دون الفطرة والطبيعة وحب الخير.٤١

وقد يكون الترتيب تنازليًّا: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور، مع أن الترتيب التقابلي بين القطبين، الموجب والسالب، والاختياري، الموجب والسالب أيضًا، ثم الفعل الطبيعي الذي يحتوي على شرعيته في ذاته؛ أقرب إلى النسق. وقد يأتي المباح ثانيًا وسط القطبين الضروريين والاختياريَّين، وليس ثالثًا.

وقد يبدأ الترتيب بالمباح، أي بالمحايد، عندما تكون الشرعية في الوجود وليست خارجًا عنه. ثم يأتي الفعل الاختياري، وهو المندوب والضروري في الواجب، ثم ترك الفعل الاختياري، وهو المكروه والضروري، وهو المحظور أو المحرم. فالترتيب تدريجي من الوجود إلى الشرعية، ومن الاختياري إلى الضروري، ومن الفعل إلى الترك.٤٢ والترتيب الأفضل هو قصد الإنسان على الفعل أو الترك، الإقدام أو الإحجام. ويكون ذلك ضرورة أو اختيارًا. ثم تأتي شرعية الوجود في المباح في سلوك الإنسان الطبيعي.
وقد توضع بعض مباحث الأمر والنهي، ويفيدان القطبين الموجب والسالب، ضرورةً أو اختيارًا، وربما أيضًا فعل البراءة الأولى، مثل القضاء والأداء، وهو توقيت الفعل في الزمان على الفور أو على التراخي.٤٣ فالحديث عن الواجب الضيق والواجب الموسع، هو أقرب إلى تحليل الأمر في الزمان، وأحيانًا يسمى الواجب المعين والواجب المبهم، وهو لا يتناقض مع الوجوب؛ لأن الزمان هو ميدان التحقق، ولا يتحقق الواجب إلا في الزمان.

وقد تتحول بعض المسائل إلى فقه افتراضي خالص، مثل موت الإنسان في بداية الصلاة، بعد أن عقد العزم عليها هل تُكتب له أم لا؟ فهو مثَلٌ نادر الوقوع. ولا يتعلق علم الأصول إلا بما تعم به البلوى. والأعمال بالنيات، ومن همَّ بحسنة فهو فعل، ومن همَّ بسيئة فهي ليست فعلًا؛ لأن نية الحسن أصيلة، ونية القبح طارئة.

ولا تُعرف أحكام التكليف الخمسة بأمور خارجية عنها في أصول الدين؛ خاصة السمعيات دون العقليات.٤٤ فالثواب والعقاب من السمعيات. ومن ثم يكون التعريف التقليدي لأحكام التكليف الخمسة بالمدح والذم، وما يترتب عليها من ثواب وعقاب خارج مستوى تحليل علم الأصول؛ لأن الأفعال حسنة وقبيحة في ذاتها، بصرف النظر عن النتائج المترتبة عليها، خارجها في زمان آخر أو خارج الزمان كلية. ولا يمكن تعريف عالم الشهادة بعالم الغيب، ولا الشاهد بالغائب، بل العكس. يمكن معرفة الغائب بالشاهد بناءً على قياس الغائب على الشاهد. ومن ثم تكون التعريفات التقليدية لأحكام التكليف الخمسة، في حاجة إلى إعادة بناء داخل الحكم ذاته وليس خارجه، وهي: الواجب ما يثاب فاعله ويعاقَب تاركه، والمحظور على النقيض؛ ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه، والمندوب ما يثاب فاعله ولا يعاقَب تاركه؛ لأنه اختيار، والمكروه على النقيض؛ ما يثاب تاركه ولا يعاقَب فاعله؛ لأنه أيضًا اختيار، والمكروه على النقيض؛ ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله؛ لأنه أيضًا اختيار، والمباح لا يثاب أو يعاقَب فاعله أو تاركه؛ لأنه فعل طبيعي خارج الحكم الشرعي، يُدرَك بالبداهة ويتم تلقائيًّا دون توجيه أو تنبيه أو تحذير من الشرع.٤٥ ويمكن أن يتم ذلك على نحو «لغوي» خالص، دون إدخال عامل الثواب والعقاب ووضعهما «بين قوسين».٤٦
ويعبر عن الأحكام الخمسة في صيغ الحكم: الوجوب، الحظر، الندب، الكراهة، الإباحة، أو في صيغ المحكوم عليه، أي الفعل: الواجب، المحظور، المندوب، المكروه، المباح. وهي أحكام خلقية تعبر عن الذوق الخلقي أكثر منها أحكامًا شرعية. وألفاظ: حسن، مُرضي، حق، صواب، عدل، حكمة، وما يقابلها من: قبيح، باطل، خطأ، ظلم، جور، سفه. تجمع بين الشريعة والأخلاق، فالأخلاق أساس الشرع.٤٧

ثانيًا: أحكام التكليف الخمسة

(١) الواجب

ولا يوجد حد واحد للواجب. وحدُّه من خلال نسق أحكام التكليف الخمسة؛ نظرًا لترابطها في نسق واحد. لذلك قد يكون الحد بالإضافة والنفي، مثل أن الواجب ليس هو المباح أو الجائز. وبهذا الطريق يمكن حد أي شيء بكل شيء عن طريق النفي.٤٨ فالوجوب ليس المندوب ولا المباح ولا المكروه، ولا المحظور أو المحرم على التوالي. ويعيش الفكر على ذاته دون أن يخرج إلى العالم. وبالتالي يمكن حد كل حكم من أحكام التكليف بنفي الأحكام الأربعة الأخرى. وفي هذه الحالة يكون لدينا عشرون حدًّا للأحكام الخمسة، لكل حكمٍ أربعة حدود نافية.٤٩
والواجب هو الفرض تجاه النفس وتجاه الغير.٥٠ وهو المحتوم والمكتوب، والذنب هو التأخر عن الواجب، ونظائره الجرم والمعصية والخطيئة.٥١ فالواجب ما لا يجوز تركه، إذ يترتب الذنب أو العقاب على الترك، فيتحقق به الوجوب، والحقيقة أن الواجب واجب في ذاته كواجب ذاتي، وليس بالضرورة بالنسبة للمدح والذم لفاعله، أو ما ينتج عنه من ثواب وعقاب، في الحياة الممتدة في التاريخ وفي الحضارة الإنسانية إذن، ليس من شرط الوجوب تحقق الثواب على الفعل والعقاب على الترك.٥٢
ولا يسقط فرض الكفاية «بفعل الملائكة»، ولا يتعين بتعيين الإمام، إذ يتعلق علم أصول الفقه بأفعال المكلفين في الدنيا، وأحكامه عامةً على الجمهور، والملائكة موضوع في علم أصول الدين، والإمام موضوع للفقه.٥٣ الواجب فعل ذاتي إنساني يتعلق بالفعل نفسه، وليس بما يسبقه أو يتلوه أو يتجاوزه.
والواجب المخير هو تداخل بين الواجب والمندوب.٥٤ وهي قضية فرض العين وفرض الكفاية. وليس جائز الترك. فالواجب ينقسم إلى واجب على العين وواجب على الكفاية. والواجب المخير يصبح ندبًا. ويمنع التخيير بين الشيء وبعضه. وجوب الأشياء قد يكون على التخيير. والواجب غير المحدد إذا زاد فإنه يصبح ندبًا.٥٥ والأبدال تقوم مقام المبدلات. وقد يكون الشروع بخصلة وليس بعينها، حتى يتم التخيير بين الذات والغير. وبهذا المعنى معظم العبادات على التخيير. ويجوز الجمع بين ما وُضِع فيه التخيير لأداء الواجب. وفرض الكفاية لا يباين فرض العين. يتعلق بالكل أو بالبعض. ويأثم الجميع إذا تركوا فرض الكفاية. والتكليف بفرض الكفاية مَنوط بالظن لا بالتحقيق. ويسقط فرض الكفاية بفعل الجميع دفعةً واحدة وبمن فعله أولًا. ويلزم فرض الكفاية بالشروع. والقيام بفرض الكفاية أَولى من القيام بفرض العين. ويتصدر المخير في الواجب الكفائي. والسنة أيضًا سنة عين وسنة كفاية، ولا تعدل الواجب.٥٦
والواجب ليس كمًّا، بل هو كيف، أي أداء الواجب من حيث الذات، وليس قدره من حيث الموضوع. أداء الصلاة واجب بصرف النظر عن عددها. والوضوء واجب بصرف النظر عن قدر مسح المرفقين. الكيف شرط وجود، والكم شرط كمال. وأولوية الكم على الكيف توقِع في الحرفية. كما أن تكرار الفعل يوقِع في الرتابة والآلية. والجهاد نية بصرف النظر عن أشكاله ومقاديره. وهو ما يسمى «الطمأنينة».٥٧ والزيادة على أقلِّ ما ينطبق عليه الاسم لا توصف بالوجوب.٥٨
ولا يكون الوجوب فقط في الفعل، بل أيضًا في الشرط وفي الصفة. فوجوب الشرط سمعي. والأمر بالصفة لا يدل على كون الموصوف واجبًا لا ندبًا.٥٩ ولا يتعلق نسخ الوجوب بالوجوب، بل بالنسخ، أي أداء الفعل في الزمان المتغير. إذا نُسخ الواجب أخذ حكم الناسخ، بصرف النظر عن نمطه.٦٠
ومن الأمور الافتراضية في حد الواجب اختلاطُ الزوجة بالأجنبية، وكأن الرجل عند المعاشرة لا يتعرف على زوجه، وهو ينكحها وتختلط عليه بالأجنبية. والنكاح فعل خاص وليس فعلًا عامًّا، تختلط فيه المنكوحات، وأن الرجل ما هو إلا آلة للنكاح، وكما هو الحال في نكاح العاهرات.٦١
وما يتم به الواجب فهو واجبٌ أقرب إلى موضوع الشرط منه إلى الواجب في أحكام الوضع.٦٢ فلو ظل في أحكام التكليف لأصبح بحثًا نظريًّا خالصًا لا توجيه فيه على الفعل، ولَتَكرَّر ذلك على نحو تراجعي، من الواجب إلى شرطه، إلى شرط الشرط، إلى ما لا نهاية، دون تقدم إلى الأمام نحو الفعل في العالم وتحققه فيه. والقدرة على الفعل شرط إتيان الفعل أمر بديهي ليس في حاجة إلى برهان. وبعض الواجبات أوجب من بعض. فالواجب الأول أوجب من الواجب الثاني.٦٣
ويدخل الوقت في الواجب كما يدخل في الأمر.٦٤ فالواجب باعتبار تقييده بوقت يفوت بفواته ويدخل في الأمر والنهي. فالفعل إما أن يَزيد عن وقته، وإما أن يساوي، وهو الفرق بين الواجب الموسع والواجب المضيق، بعد العزم على الفعل. الواجب الموسع قد يكون محدودًا بالعمر، وقد يكون التوسيع في السنة كالواجب. ويستقر الوجوب بمجرد دخول الوقت. وللقضاء درجات متوسطة، وقد يصير الواجب على التراخي واجبًا على الفور.
وينقسم الواجب إلى ما يثبت في الذمة ويطالَب بأدائه، وما يثبت في الذمة ولا يطالَب بأدائه، وما لا يثبت في الذمة ويطالَب بأدائه. فأداء الذمة هو نداء الواجب في مقابل ذمةٍ دونَ واجب أو واجبٍ دون ذمة. ومنها سُمي أهل الذمة نظرًا للعهد والأمان بين المعاهدين.٦٥ ولا فرق بين الوجوب ووجوب الأداء. فالمعنى هو الإتيان بالفعل المتناول للأداء والقضاء والإعادة. الواجب واجب حتى بحضور الموانع والأعذار.٦٦

والواجب في الذمة حق «الله»، وهي أربعة: معرفة النفس، ومعرفة «الله»، ومعرفة الابتلاء في الحياة، ومعرفة الدنيا. ومعرفة النفس بالحرية وليس بالعبودية. ومعرفة الله بالألوهية «تعني وضع مبدأ عام واحد شامل يتساوى أمامه الناس جميعًا»، ومعرفة الابتلاء تتعلق بالأمانة والقضية. ومعرفة الدنيا تتوجه بالواقع والعصر والزمان والتاريخ.

(٢) المحظور

والمحظور له لفظ آخر، هو الحرام أو المحرم والمنهي عنه. أما باقي الأحكام فلها لفظ واحد. هو تعدِّي ما أُبيحَ له. وليست الأشياء في الأصل على التحريم والمنع والحظر، وإلا فقد الإنسان قدرته على الفعل وثقته بالعالم، بل على الإباحة. فالطبيعة خيِّرة. والإنسان واقع.٦٧
ويستحيل أن يكون الشيء الواحد حلالًا وحرامًا من جهة واحدة، على عكس الواحد بالجنس، مثل الصلاة في الدار المغصوبة. والحرام والواجب نقيضان، وليس الواجب والمكروه. وقد يكون الواحد واجبًا وحرامًا باعتبارين، ولا ينقل الحرام إلى نقيضه في حالة النسخ أو إلى شبيهه. فلا ينقلب المحظور إلى واجب أو إلى مكروه. ويظل لكل فعل حُكمه وفرديته، دون الصور العقلية والأشكال اللغوية.٦٨ وترك الواجب أعظم مِن فِعل الحرام، فالفعل له الأولوية على الترك.٦٩
والحرية ليست ملازِمة للذم، بل ملازمة للفساد.٧٠ كما أن الواجب ليس ملازمًا للمدح، بل للصلاح. وفساد المحظور في ذاته وليس بالضرورة بسبب النتائج المترتبة عليه من عقاب. فالأشياء حسنة وقبيحة في ذاتها.
وقد يكون التحريم لواحد بعينه أو لا بعينه، مثل الواجب المخير.٧١ وما لا يتم الحرام إلا به، أو ما كان من أجزائه أو شروطه وأسبابه أو ضروراته، فهو كذلك.٧٢ وإذا كان الفعل أوجب من فعل، فلماذا لا يكون الفعل أحرم من فعل طبقًا للنسق؟٧٣
والمحرم أربعة: الجهل والظلم والعبث والسفه. الجهل ترك الاستدلال بنور العقل. والظلم وضْع الشيء في غير محله. والعبث خلوٌ من الفائدة. والسفه ما يوجب مضرة. ومحرمات العقل قطعًا للدين. وهي أربعة: الإيمان بالطاغوت، الخلق للحياة الدنيا وقضاء الشهوات فيها، إنكار الصانع، إنكار البعث والجزاء.٧٤

(٣) المندوب

والندب لغةً الدعاءُ إلى الفعل. والمندوب هو الفعل الاختياري بدافع ترجيح الحسَن على القبح. هو الفعل الذي تظهر فيه حرية الاختيار وممارسة حرية الإرادة، وحكم العقل وإدراكه لحسن الأفعال وقبحها، هو الفعل الذي نتائجه إيجابية أكثر منها سلبية، وفائدته أكثر من ضرره، ومدح الناس له أكثر من ذمه، مثل العلم وما يترتب من جهد وسهر ومشقة وتضحية.٧٥ ويسمى الجائز.٧٦ ولا يخرج من التكاليف؛ لأن حرية الاختيار تكليف عام، ويسمى السنة والنقل والتطوع، والعبادة والقربة والطاعة.
وهو ليس مأمورًا وإلا كان واجبًا.٧٧ وهو خادم له مؤدٍّ إليه، مقدمة أو تكميل. وهو تكليف. ولا يترك المندوب لخوف اعتقاد العامة وجوبه.٧٨

(٤) المكروه

والمكروه هو الأقرب إلى الترك منه إلى الفعل؛ لأنه أقرب إلى القبح منه إلى الحُسن، وإلى الذم أكثر منه إلى المدح، وإلى النتائج السلبية أكثر من النتائج الإيجابية، مثل التدخين، فهو أقرب إلى الكراهية منه إلى التحريم. لا يدخل في أولويات الفعل، مثل الطعام والشراب. وهو ما يقع تحت الشبهة، ويثير الشك والريبة، ويدفع إلى التردد، دون الإحجام عن الفعل أو الإقدام عليه. هو ما يقع في دائرة الاشتباه.٧٩
والمكروه مقدمة للمحظور أو الممنوع، كما أن المندوب مقدمة للواجب وخطوة نحوه. ولا توجد وساطة بين الكراهة والإباحة.٨٠
والكراهة حكم شرعي تكليفي. يدخل تحت الأمر. والأمر المطلق لا يتناول المكروه.٨١ وهو فعلٌ قبيح في ذاته، وليس لأن فاعله معاقَب وأن تاركه مُثاب.

(٥) المباح

(أ) الفعل الطبيعي

والمباح هو الفعل الطبيعي الذي يتضمن شرعيته في داخله، دون ما حاجة إلى معيار آخر أو شرعية خارجية. يستوي فيه الفعل والترك؛ لأنه متروك للتلقائية والطبيعة. ويستوي فيه المدح والذم؛ لأنه خارج الحكم عليه من الآخر. يستوي فيه الثواب والعقاب؛ لأنه جزءٌ من الحرية الطبيعية للإنسان.٨٢ والمباح ليس مأمورًا به، بل هو فعل طبيعي تلقائي.٨٣ الإباحة ليست بتكليف ولا هي حكم شرعي. فالإنسان في الأصل على الإباحة.٨٤ والمسكوت عنه مباح. والدليل إضافي إذا ما تغير الحكم. والحكم بالإباحة زيادة للتأكد؛ خوفًا من الاشتباه، ودفعًا للريبة والظن.
المباح فعل طبيعي مثل التنفس والاستمرار في الحياة. هو فعلٌ يدفع عنها أسباب التلف من الآفات، وبقاء النسل فعل ما تقوم به التريبة بعد الوجود، وفعل بعد موته سعيًا للبقاء.٨٥
ومباحات العقول الجائزة للدنيا أربعة. ولا تحرم إلا بدليل، وهي: مباشرة أسباب البقاء فوق ما تندفع به الضرورة، وجمع المال لقضاء الحاجات، والتزين، والنكاح. وحكمها الإباحة حتى تظهر الحرمة، وليس التوقف أو الإباحة بدليل شرعي.٨٦

ومن ثم ما غاب عنه الحكم لا يجوز القياس فيه لأنه مباح، إلا إذا كان فعلًا جديدًا ظهر فساده وضرره، خاصة وأن السؤال عما سكت عنه الشرع يتضمن لا شعوريًّا نيةَ التحريم بناءً على الخوف من الجديد، والدفاع عن النص حتى لو تبدل الواقع، وتبدلت الظروف، وتغيرت روح العصر.

وإذا قيل إن المباح ليس حكمًا شرعيًّا؛ فلأن شرعية المباح تكمن في داخله، في طبيعة الفعل وليست من خارجه كتنبيه عليه.٨٧ المباح هو إتيان الفعل الطبيعي بلا حرج من وجوب أو حظر. هو أقرب إلى البراءة الأصلية وإتيان الأفعال قبل وورد الشرع بأحكامها، أو حتى حكم العقل بها. وإذا ورد الشرع به فإنه تقرير، لا تغيير، وإثباتٌ، لا نفي، وتأكيد، لا تشريع. وهو الحلال والمحلل والمأذون والمطلق والمشروع. ومن أسمائه الحلال والمطلق والجائز. الإباحة حكم شرعي، تثبت بالشرع مثل باقي الأحكام. فالأطعمة والأشربة على الإباحة في الأصل، لا على الحظر ولا على الوقف؛ نظرًا لمنفعتها. وقد يشمل المباح المندوب والمكروه، أي ما يجوز فعله أو تركه اختيارًا.٨٨ وكلها تدل على معنًى واحد؛ هو الثقة بالفعل الطبيعي للنفس وبالفعل في العالم. فالطبيعة خيِّرة.

(ب) الفعل الشرعي

ليس المباح فقط فعلًا طبيعيًّا، بل هو أيضًا فعل شرعي، فالشرع تأكيد للطبيعة. لذلك لا يمكن إنكار المباح بدعوى أن المباح هو ترك الحرام، وبالتالي فهو واجب؛ لأن الأحكام الخمسة ليست موضوعًا للاستدلالات العقلية وأشكال القضايا، بل هي أنماط للسلوك الطبيعي. المباح له شرعيته الخاصة، لا يُرَدُّ إلى ما هو أعلى منه، مثل المندوب أو الواجب، ولا إلى ما هو أقل منه، مثل المكروه والمحظور. هو حكم شرعي وليس وسيلةً لحكم شرعي آخر، يكون إطارًا مرجعيًّا له. لا يوجد في فعل عيني، بل هو اتجاه إيجابي من العالم، وثقة بسلوك الإنسان الطبيعي فيه.٨٩
ليس المباح مطلوبًا للفعل أو للترك؛ لأنه مخير بينهما، وهو مثل الواجب والمندوب في أن كل واحد منهما ليس مطلوب الترك. فليس تارك المباح أو فاعله مطيعًا بتركه أو فعله. لذلك لا يلزم ناذرَ المباح الوفاءُ بنذره، ولو كان مطيعًا لكان مثابًا، ولَلَزم رفعُه من الشرع كنمط للسلوك، وإدخالُه في درجات الواجب. وترك المباح طاعة فعل، والمباح ليس بفعل.٩٠
ولا يمكن إنكار المباح؛ لأنه قد يؤدي إلى مَضارَّ كثيرة، مثل الاشتغال به عما هو أهم في الدنيا، وعن الواجبات، وذم الشرع للدنيا، والتعرض لطول الحساب في الآخرة. وفي المباح لا يستوي الطرفان، ولا يمكن دفعه إلى احتمال جلب الضرر. وإن كان وسيلة للضرر فليس تركه أفضل بإطلاق، إلا إذا كان ذريعةً إلى منهيٍّ عنه؛ فيترك، أو ذريعةً إلى مأمور به؛ فيُفعَل. ويتساوى فيه القول بالترك بإطلاق مع القول بالفعل بإطلاق، بل يُطلق المباح على ما صرَّح به الشرع في التسوية بين الفعل والترك، أو على ما سكت عنه الشرع أو على المطلوب.٩١

وفِعله ليس سببًا في طول الحساب؛ لأن الفعل فيه يتساوى مع الترك. وإذا كان الحساب سببًا للترك، فالأَولى ترك الطاعات كلها. كما أن الحساب خارجٌ عن أمر المباح، ولا يعني أن الفعل كثير الشروط والموانع ومفتقر إلى أركان ترجيح الترك؛ لأن الفعل والترك قصدان متساويان بصرف النظر عن الشروط والموانع وميدان الفعل. كل ذلك جدل وسجال نظري، إذ يدرَك المباح بالحدس. وهو جزء من سلوك الناس الطبيعي في الحياة اليومية، بعيدًا عن التفيقُه والتنطع في الدين.

وكما أن المباح ليس مطلوب الترك، فإنه أيضًا ليس مطلوب الفعل؛ لاستواء الطرفين.٩٢ والقول بأن ترك المباح حرام، وترك الحرام واجب، إذن كلُّ مباحٍ واجبٌ منطقٌ صوري خالص. المباح على التخيير، لا قصد الشرع تركه أو فعله، ولو كان واجبًا لارتفعت الإباحة عن الشريعة، وكان وضْعُها فيها عبثًا. ولو وجب المباح لوجبت جميع الأحكام الأخرى كالمندوب والمكروه. صحيح أن الشرع يوحي بفعل المباح مثل التمتع بالطيبات، وإنكارِ من حرم شيئًا منه، وأن المباح نعمة على العبد، ولكن المباح هنا يكون وسيلةً لأداء شيء آخر هو أصل، مثل الطعام المباح للحفاظ على الحياة. وما لم يتم الفعل به فهو فعل. فالشرع يأتي مؤكدًا للطبيعة، وليس مشرعًا لها أو نافيًا لحكمها.
ليس المباح مخالفًا لما كان عليه السلف، وتورُّعُهم عنه لأن هذه حكايات أحوال وليس برهانًا. وهي معارضة بمثلها، حب السلف للطعام والشراب والنكاح. وإذا تركوا شيئًا منها فلأسباب أخرى غير الطاعة بترك المباح، مثل أنه مانعٌ من عبادات أخرى، أو أنه تنازل عنه طوعًا واختيارًا وليس طاعة، أو لأن به شبهةً، أو لعدم توافر النية لإتيانه، أو لانشغال الناس بغيره من عبادات لاعتباره إسرافًا. والزهد في الدنيا، الذي يُمدَح صاحبه ويُذَمُّ تاركه، لا يدخل المباح فيه، فالمباح حكم شرعي، والزهد مقام صوفي، وإن أزهد البشر، وهو الرسول، لم يترك المباح. وإن كان ترك المباح بغير قصد فلا اعتبار له، وإن كان بقصد المباح فهو وسيلة لمطلوب آخر.٩٣ صحيح أن الشرع قصد بعض الأفعال المباحة إلى الترك، مثل الطلاق فهو أبغض الحلال، ولكن كل ما ترجح عدم فعله لم يعُدْ مباحًا؛ لأن المباح هو استواء الطرفين، وإن كان وسيلة لنقض أصل فتركه واجب.

وليست الإباحة بحسب الكلية والجزئية، تتجاذبها الأحكام الباقية، فالمباح بالجزء قد يكون مندوبًا أو واجبًا بالكل، أو مكروهًا أو منهيًّا عنه بالكل، الفعل مندوبٌ بالجزء واجبٌ بالكل، ومكروهٌ بالجزء ممنوعٌ بالكل، والواجب وهو مرادف للفرض واجبٌ بالكل وبالجزء، إذ تتفق الأحكام مثل المباح حتى إذا اختلفت بالكلية والجزئية، المباح حكمٌ شرعي مستقل عما فوقه وعما تحته، هو المستوى الطبيعي لسلوك الإنسان.

وقد يختلف الكلي والجزئي بحسب الأشخاص والأحوال والمكلفين في المباح. أما في الواجب والمحرم فإن الأحكام أوضح؛ طبقًا لمدى ثقتهم بالنفس وإحساسهم بالعالم. صحيح أن الدليل على صحة الكلية والجزئية في الأحكام من استقراء الشريعة وتجارب الإنسان ودوامه عليها، واعتبار المصالح واتفاقها مع مجاري العادات، وجريانها على حكم الاطراد، والحذر من زَلَّة العالِم في العلم والعمل، ولكن الشريعة أيضًا ليست ترتيبًا منطقيًّا لمستويات السلوك، وإلا تحوَّل الإنسان إلى آلة، وطغى العقل على الشرع والواقع على حدٍّ سواء.٩٤

(ﺟ) أقسام المباح

والمباح أربعة أقسام: أن يكون خادمًا لفعل أو لترك أو لمخير فيه أو لا يكون خادمًا لشيء. الخادم للفعل هو المباح بالجزء المطلوب بالكل، والخادم للترك هو المباح بالجزء المطلوب الترك بالكل، بمعنى النهي عن المداومة.٩٥ فالمباح ليس مباحًا بإطلاق، بل هو مباح بالجزء. أما الكل فهو إما مطلوب الفعل أو الترك. ولا يعتبر ذلك نقضًا للمساواة بين الطرفين. فالمباح إذا نُظِر إليه في نفسه، فيكون المساواة بين الطرفين، وإذا نُظِر إليه بالنسبة إلى غيره، فإنه يكون وسيلةً لغيره بالجزء أو بالكل.
لذلك يطلق المباح بمعنيين: الأول التخيير بين الفعل والترك، والثاني رفع الحرج. فإن كان المباح هو ما لا حرج فيه، فإنه لا يدخل تحت التخيير بين الفعل والترك. وقد قصدت الشريعة التفرقة بينهما. أما المطلوبُ التركِ بالكل فلا تخيير فيه، بل هو مسكوت عنه أو مشار إلى بعضه بمعنى رفع الحرج.٩٦ وهو ما يتفق مع العادة. وهو صريح في رفع الإثم والجُناح، ومن بابِ ما لا يتم الواجب إلا به، وصريح في نفس التخيير. فلو كان رفع الجناح يستلزم التخيير في الفعل والترك، لم يصحَّ مع الواجب، ولا مع مخالفة المندوب. ويعني التخيير الإذن في الفعل والترك، وأنهما على التساوي في القصد. ورفع الحرج سكوت عنه. ويعني رفع الجناح رفعَ الحرج أيضًا. وما لا حرج فيه غير مخيَّر فيه على الإطلاق، ويكون شبيهًا باتباع الهوى المذموم.

(د) حظ المكلف

والمباح هو ما اعتُبِر فيه حظُّ المكلف فقط، فإن خرج عنه كان له حكمٌ آخر. صحيح أن الأمر والنهي راجعان إلى حق الله وليس إلى حظ المكلف، ومع ذلك فقاعدة الشرائع أنها أتت لمصالح العباد. فالأمر والنهي والتخيير جميعًا راجعة إلى حظ المكلف ومصالحه. والحظ ضربان: الأول ما يدخل تحت الطلب، يأخذه العبد من جهة الطلب ولا يسعى إليه. والثاني لا يدخل تحت الطلب، بل من جهة الإرادة والاختيار؛ لهذا كان المباح العمل المأذون فيه المقصود به مجرد الحظ الدنيوي.٩٧
وإذا تعارض الحظر والإباحة فالإباحة أولى؛ طبقًا للبراءة الأصلية، وقواعد التيسير، ورفع الحرج، وعدم تكليف ما لا يُطاق.٩٨ وإذا تعارض الإثبات والنفي فالإثبات أولى؛ لأن الأشياء في الأصل على الإباحة.٩٩ وحكم الطبيعة سابقٌ على حكم العقل والشرع. الطبيعة تؤسس، والعقل يرشد ويهذب، والشرع يكمل.
والمباح ليس مأمورًا به، وإلا كان واجبًا أو ندبًا، محظورًا أو مكروهًا، بل هو الفعل الطبيعي الذي تكمن شرعيته في داخله.١٠٠ فلا تحتاج الطبيعة دائمًا إلى حكم شرعي خارجي، فهي مرشد ذاتها. العيش وفقًا للطبيعة هو عيش وفقًا للعقل. والعيش وفقًا للطبيعة والعقل هو عيش طبقًا للشرع.

وقد يتجاذب أصل الإباحة للحاجة أو للضرورة العوارض المضادة له وقوعًا أو توقعًا؛ مما قد يقوِّضه. فإذا اضطر إلى فعل المباح يُرجع إلى الأصل وعدم اعتبار العارض؛ لأن المباح صار واجبًا، ولم يبقَ على أصله من الإباحة؛ ولأن مَحالَّ الاضطرار مفتقرة في الشرع؛ ولأن عدم انتفاء العوارض يؤدي إلى رفع الإباحة. وإن لم يضطر، بل يلحقه حرجٌ بترك المباح، فذلك يقتضي الرجوع إلى أصل الإباحة وترك اعتبار الطوارئ. وإن لم يضطر إلى أصل المباح، ولا يلحق بتركه حرج، فهو محل اجتهاد، تدخل فيه قاعدة الذرائع.

ولا يخلو أن يكون فقْد العوارض بالنسبة إلى هذا الأصل، من باب المكمل أو من باب آخر، هو أصلٌ في نفسه واقعًا أو متوقعًا. والمتوقَّع لا أثر له مع وجود الحرج. والواقع هو محل الاجتهاد حين تكون مفسدة العوارض أتم من مفسدة ترك المباح. فالمكمل مع مكمله كالصفة مع الموصوف، والأصل مع مكملاته كالكلي مع الجزئي، والمكمل من حيث هو مكمل مقوٍّ لأصل المصلحة.١٠١
ومقياس المنفعة والضرر قائمٌ في الأحكام الأربعة الأخرى، الوجوب والتحريم والندب والكراهة. والامتناع عن المباح يسبب ضررًا، وإتيانه بسبب منفعة كنتيجة وليس كمقدمة، كحصيلة وليس كباعث. الباعث هو الفعل الطبيعي التلقائي الحر، حتى دون تدخُّل العقل؛ لأن العقل والطبيعة واحدٌ.١٠٢ ليس المباح قبيحًا، بل فعلٌ حسن يحقق مصلحة الفرد.١٠٣ والفعل الحر التلقائي لا عبث فيه؛ نظرًا للقصدية في السلوك وفي العالم. والحكمة في الفعل قصده. بل إن المباح لا يحتاج إلى قول ينبه عليه، أو إلى فعل يُتأسَّى به أو إلى إقرار للتأكيد عليه.١٠٤ بل إن الحلال والحرام يُبنيان على حكم العقل، ووظيفة الشرع رفع الاشتباه.١٠٥

(ﻫ) مرتبة العفو

وقد تكون هناك مرتبة متوسطة بين الحلال والحرام، هي مرتبة العفو، مثل أحكام التكليف الأخرى وارتباطها بالذمة والقصد إلى الفعل.١٠٦ وتقع في نفس مستوى المباح. ويشارك المباح في عدم السؤال عن المسكوت عنه، وهو ما يضاد منطق القياس. وما يثبت ذلك ما تقره الشريعة مثل الخطأ والنسيان، والإكراه، والرخص، والترجيح بين الدليلين، والعمل على مخالفة دليل لم يبلغه أو موافقة دليل بلغه، منسوخًا أو غير صحيح؛ لعدم قيام الحجة عليه، والترجيح بين الخطابَين لا يمكن الجمع بينهما، والمسكوت عنه.١٠٧
والعفو مرتبة قد يصعب إدخالها في النسق الخماسي لأحكام التكليف كمستوًى مستقلٍّ للسلوك، ولكنها تدخل في دائرة المباح. هو مرتبة متوسطة بين أحكام الشرع للتخفيف من حدة التقنين في السلوك البشري، وهي مرتبطة بأصل شرعي، وهو جواز خلو الواقع وأفعال الناس من الأحكام الشرعية؛ لذلك يمكن التوقف إنْ قويَ الدليل المعارض؛ عملًا بالعزيمة دون الرخصة، وبالعموم دون الخصوص. وكلاهما شرعي. ويمكن الخروج عن مقتضاه من غير قصد أو بقصد مع التأويل. والتأويل بطبيعته متشابه ومتعدد. ويتأرجح بين القبول والرفض أو العمل بما هو مسكوت عنه أصلًا، وهو موضع خلاف بين القبول والرفض. إنما يدل على أن شعار أن الشريعة سمحاء يجد له ما يؤكده في المباح وصياغاته المختلفة مثل رفع الحرج والعفو، فالشريعة لم تأتِ للتضييق على الطبيعة، بل لإكمالها، وتحويل نسق الضرورة إلى نسق للحرية.١٠٨

ثالثًا: خاتمة

(١) علم أصول الفقه بين القديم والجديد

  • (أ)

    تبدو من «بنية النص» ظاهرة «انبعاج» علم أصول الفقه، وانتفاخ «الوعي النظري» على حساب «الوعي العملي»، كما تبدو أولوية النص على الواقع، واللفظ على المعنى، والمنظوم على المفهوم في الوعي النظري. أما المعقول فقد تم تقنينه بعدة طرق ومسالك ومجارٍ في الاستنباط والاستقراء، لاقتناص العلة ومدى حضورها في الأصل والفرع، حتى يمكن تعدية الحكم. ففقد العقل بديهته وحدسه، ورؤيته المباشرة للواقع، واتحاده بالأشياء والقرب من المصالح العامة للناس. وفي الوعي العملي كانت الأولوية لمقاصد الشارع على مقاصد المكلف، وللشارع على المشرَّع له، وللمخاطِب على المخاطَب، وهي نفس البنية في أولوية النص على الواقع، والأعلى على الأدنى، ومن ثم كانت أضعف أجزاء علم أصول الفقه القديم «المفهوم» في الوعي النظري، و«النية» في الوعي العملي.

  • (ب)
    ومع ذلك أتت هذه المحاولة لإعادة بناء علم أصول الفقه القديم «من النص إلى الواقع»، أقرب إلى القديم منها إلى الجديد؛ أسوةً بالمحاولات السابقة «من العقيدة إلى الثورة»، لإعادة بناء علم أصول الدين، و«من النقل إلى الإبداع» لإعادة بناء علوم الحكمة. فما زال الهمُّ هو تحريك القديم، وإزاحة الغبار من فوقه، وإجلاء الصدأ من فوق تكوينه وبنيته. ما زال الهدف هو تجديد القديم أكثر من إبداع الجديد؛ خشيةَ أن يُترك القديم كما هو دون تحريك وتطوير؛ فيظل عنصر جذب للمحدثين وشدهم نحوه، وخشيةَ أن يأتي جديد مجتثُّ الجذور، كبديل عن القديم لا يلتف إليه إلا المحدثون، وتظل المسافة شاسعة بين قِدَم القدماء وحداثة المحدثين. من السهل اعتماد الحداثة كوصفة جاهزة ونقل للنموذج، ومن الصعب التمهيد لها بتحريك القديم وإعادة بنائه، طبقًا لمقتضيات حداثة كل عصر. طغى القديم على الجديد من أجل الحفر ونزع الجذور من التربة القديمة وإعادة غرسها في التربة الجديدة. ويترك الجديد للدراسات الجزئية والمقالات التحديثية على الأمد القصير لإثارة الأذهان.١٠٩ أما القديم ففي حاجة إلى زعزعة الأركان؛ مما يتطلب «بولدوزر» الجرافين أكثر مما يتطلب «ديكور» المحدثين. والحفر من أجل التأسيس هو التجديد على الأمد الطويل، وليس طلاء المحدثين. وقد يكون اتساع التحليلات القديمة ووفرتها إحدى آليات التخفي، حتى يتناثر الجديد ما بين السطور، كمياه جوفية تجرف البنيان القديم، بدلًا من التفجير من الخارج، حتى يقع البناء على رءوس القاطنين فيه، فيموت الجميع. أمام الهلع من القديم والحكم المتسرع برصده، قد يهرب الباحثون عن المتاعب والمتصيدون للأخطاء.
  • (جـ)

    كان التحدي أمام إعادة بناء علم أصول الفقه القديم هو كيفية تحويله من علم فقهي استدلالي استنباطي منطقي، إلى علم فلسفي إنساني سلوكي عام. ويبدو ذلك في البناء الثلاثي للعلم: الوعي التاريخي (المصادر الأربعة)، والوعي النظري (مباحث الألفاظ)، والوعي العملي (المقاصد والأحكام). كما يبدو في إيجاد مصطلحات تتعلق بالمضمون، مثل «التجربة العامة» للقرآن، و«التجربة النموذجية» للحديث، و«التجربة المشتركة» للإجماع، و«التجربة الفردية» للاجتهاد. وربما أمكن إيجاد بعض الدلالات الجزئية المتناثرة داخل العلم، سواءٌ فيما يتعلق بالمكان في «أسباب النزول»، والزمان في «الناسخ والمنسوخ» في المصدر الأول، ونقد المتن بالإضافة إلى نقد السند في المصدر الثاني، وإعطاء الأولوية لأشكال الاستدلال الحر؛ من استحسان واستصلاح واستصحاب في المصدر الرابع. وفي الوعي العملي تم تطوير مقاصد المكلف والنية والفعل؛ نظرًا لتآكلها عند القدماء، وإبراز أهمية المباح، وتضمن الطبيعة شرعيتها في ذاتها. وهناك دلالات أخرى متناثرة بين السطور، مهمتها المقارنة المستمرة بين تحليلات القدماء ودلالات المحدثين. ربما نقَصه المزيد من تحليل التجارب الإنسانية الفردية والجماعية، ولكن ما ظهر منها يكفي لتطوير العلم من «الموافقات» للشاطبي إلى مرحلة أبعد.

  • (د)
    بطبيعة الحال هناك متون أصولية أخرى لم يتم تحليلها؛ سواء المخطوطة منها أو المطبوعة، ومع ذلك ما تم تحليله منها يكفي لوصف العلم تكوينًا وبنية. وبالمقارنة بالصيغة الفرنسية الأولى في «مناهج التفسير»، التي تم الاعتماد فيها على ما لا يزيد عن الأربعين نصًّا بهذه الصيغة، التي تم الاعتماد فيها على ما يزيد عن المائة نص سُني وشيعي، فإنه يمكن الاعتماد على ما تم استعماله منها، دون أن يقلل ذلك من شأن صورة العلم، تكوينًا أو بنية، خاصةً وأن المتون يكرر بعضها بعضًا. هناك المتون الرئيسية التي تمثل «التمفصلات» الرئيسية للعلم في مساره التاريخي، وهناك أيضًا تحليلات وتفريعات جزئية، تتعلق بالفَرق بين المذاهب أو داخل المذاهب الواحد. ليس المقصود منها التاريخ، تاريخ المذاهب، بل الموضوعات والدلالات، بصرف النظر عمن قال ماذا. فبنية الموضوع لها الأولوية على القائلين به.١١٠
  • (هـ)

    يكفي أن يراجع «من النص إلى الواقع» الأصوليون القدماء؛ لبيان إلى أي حد يرتبط المتن الجديد بالمتون القديمة، وهل قطع معها أم استمر فيها مع اختلاف في الدرجات وليس في النوع، تخصصًا بتخصص، وشيخًا لشيخ، وأصوليًّا قديمًا لأصولي قديم، كما يراجعه المحدثون والحداثيون، علماء اللسانيات والمتخصصون في علوم النص؛ لبيان إلى أي حدٍّ «من النص إلى الواقع» يمثل إسهامًا في علوم النص الحديثة، دون تكرار للقدماء أو نقل للمحدثين، ومن أجل الاستفادة منهم في مزيد من الحداثة، والارتباط أكثر بالمحدثين؛ للإقلال من غلبة تحليل القديم وتواري الجديد. ويراجعه أيضًا المجددون الذين ساروا على هذا المنهج منذ حركة الإصلاح الحديثة، خاصةً في النصف الثاني من القرن العشرين عند علال الفاسي، ومحمد باقر الصدر، وجمال الدين عطية ومجلة «المسلم المعاصر». إنها خطوة على طريق تجديد علم الأصول، سبقتها خطوات حثيثة وربما تتلوها خطوات أكثر جرأة.

(٢) علم الأصول والحضارات المقارنة

  • (أ)

    علم أصول الفقه ليس علمًا خاصًّا بالحضارة الإسلامية وحدها، بل هو علم شائع وموجود في كل حضارة نصية، تبدأ من النص وتحل قضية تعارض النصوص، أو حتى غير نصية لنقد النص والتخلص منه، لقيد من الماضي على الحاضر. ومثال الحضارة النصية الحضارة اليهودية والحضارة المسيحية، وحضارات الكتاب، بل والحضارات الشرقية القديمة في الصين والهند.

    ففي الحضارة اليهودية نشأ علم أصول الفقه، تحت تأثير علم أصول الفقه الإسلامي، فيما يسمى ﺑ «الحلقة» وطريق الاستدلال، واستنباط الأحكام الشرعية التي يقوم بها الأحبار، في مقابل «الهجداه» حلقات الذكر الصوفية. وكما نشأ الصراع في الحضارة الإسلامية بين «التنزيل» و«التأويل»، بين علوم الظاهر وعلوم الباطن، بين أفعال الجوارح وأفعال القلوب، نشأ نفس الصراع في اليهودية. نشأ الصراع داخل أصول الفقه اليهودي، بين أولوية النص على الواقع عند الربانيين، وأولوية الواقع على النص عند الإصلاحيين. وفي الحضارة المسيحية أسس القديس أوغسطين علم أصول الفقه في «القاضي المسيحي»، واضعًا قواعد التفسير ومُحللًا اللغة في محاورة «العلم».١١١ وكان تاسيان في «الدياتصرون» قد وضع من قبلُ قواعد النقد التاريخي للكتب المقدسة، بمقارنة الأناجيل الأربعة لمعرفة مدى اتفاقها واختلافها، واكتشاف «إنجيل» السيد المسيح وأقواله المباشرة.١١٢ واستمر هذا الدافع حتى بلورة هذا العلم في العصور الحديثة عند ريتشارد سيمون، وجان أوستريك، واسبينوزا، ولسنج، وفولتير. ثم أتى كبار النقاد في القرن التاسع عشر، ومدرسة «تاريخ الإشكال الأدبية» في القرن العشرين، والتحول من نقد السند إلى نقد التن، ومن نقد المصادر إلى نقد النص.١١٣
  • (ب)
    ولم تخلُ حضارات الشرق القديم في الصين والهند من علم أصول الفقه في إعادة كونفوشيوس قراءة «كتاب التغيرات» في الدين الصيني القديم؛ لإعادة بنائه، ثم قراءة منشيوس لكونفوشيوس، ثم قراءة المحدثين للقدماء بتأويل جديد، يغلب عليه فن القراءة أكثر من نقد النص. وفي الهند نشأ علم أصول الفقه لحل التعارض بين النصوص الهندية المقدسة وتراكمها عبر الأجيال، وتأسيس أصول الفقه الفيدانتي.١١٤ لا يكفي وضع الفقه الإسلامي فقط في إطار مقارن، كما يفعل الحقوقيون والأزهريون، بل أيضًا ضرورة وضع علم أصول الفقه في إطار مقارن.
  • (جـ)
    وقد اكتشف التراث الغربي الحديث علم أصول الفقه تلقائيًّا، من خلال علوم التفسير أو التأويل الحديث، منذ شيلرماخر حتى ريكور، بالإضافة إلى «النقد التاريخي للكتب المقدسة». فوضعت قواعد المنهج التاريخي في نقد المصادر وإعادة تركيب النصوص.١١٥ ثم أضافت اللسانيات وعلوم النص ومناهج تحليل الخطاب عنصرًا جديدًا في علم أصول الفقه فيما يتعلق بالمنظوم، كما أضاف علم المنطق فرعًا جديدًا لعلومه، وهو «منطق الواجبات»، وهو ما يعادل أحكام التكليف.١١٦ وكان المحدثون من قبلُ قد توصلوا إلى مناهج الاستنباط والاستقراء، والسير والتقسيم وحصر العلل، مثل «المنطق الاستنباطي-الاستقرائي» عند جون استيوارت مل. كما ساهم القانونيون في وضع أسس «منطق القانون» للتعرف على مناهج الاستدلال، وطرق الحِجاج، وإثبات التهم أو نفيها اعتمادًا على القرائن، ووضعوا لذلك «الأنساق القانونية».١١٧
  • (د)

    يهدف علم أصول الفقه المقارن إلى التعرف على ما هو خاص داخل علم الأصول في كل حضارة، وما يتميز به عن غيره من العلوم المشابهة في الحضارات الأخرى، إذ يجمع علم أصول الفقه الإسلامي، في توازن متكامل، بين الوعي التاريخي والوعي النظري والوعي العملي، بالرغم من الميل نحو الوعي النظري على حساب الوعي العملي. بينما يتجه علم أصول الفقه اليهودي نحو الوعي النظري أيضًا، على حساب الوعي التاريخي والوعي العملي، لدرجة طغيان النص على الواقع، والوقوع في الصورية القانونية التي نقدها السيد المسيح في «الموعظة على الجبل». ويتميز علم أصول الفقه المسيحي الحديث بسيطرة الوعي التاريخي، والنقد التاريخي للكتب المقدسة، على الوعي النظري في علوم التأويل، ثم سيطرة كليهما على الوعي العملي. ويتميز علم أصول الفقه في الهند والصين على سيطرة الوعي العملي على الوعي التاريخي والوعي النظري، لغياب النقد التاريخي للنصوص أو مباحث اللغة والقياس في الوعي النظري. كان يهدف فقط إلى استمرار العمل عبر الأجيال وفي مسار التاريخ.

  • (هـ)
    وبعد ذلك ربما يمكن تأسيس «علم أصول الفقه المطلق»، الذي يجمع ما هو مشترك وعام، بين علوم أصول الفقه في الحضارات الإسلامية المختلفة في الشرق والغرب، كما حاول ابن سينا من قبلُ تأسيسَ «علم الشعر المطلق»، الذي يتجاوز الشعر اليوناني والشعر العربي. فيوضع علم جديد يحدد العلاقة بين الوحي والعقل والواقع، بين اللفظ والمعنى والشيء. ويضع علومًا جديدة للنص خارج النص، حتى لا يقع في صورية تحليل الخطاب، عندما يصبح الخطاب عالمًا مستقلًّا بذاته، لا يحيل إلا إلى نفسه، وكأنه لا يوجد عالم من المعاني يتحكم فيه، أو عالم من الأشياء يحيل إليها، وبعيدًا عن التأملات النظرية الخالصة، وكأن علوم التأويل لا تخرج عن الذهن، وتظل أسيرة له ولتحليلاته المتناهية في الصغر، مثل بول ريكور، كما يبتعد عن الممارسات العملية المباشرة التي تعطي الأولوية المطلقة لتغيير العالم على فهمه، وتعتبِر النص أيديولوجية تُناقض العلم، ونتاجًا للبنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مثل الأدب والفن، حينئذٍ يصبح علم أصول الفقه المطلق هو العلم المتكامل، الذي يجمع بين التاريخ واللغة والفعل، بين الأخذ بالوعي التاريخي والفهم بالوعي النظري، والعطاء بالوعي العملي، بين الماضي والحاضر والمستقبل، بين الرسالة والمرسَل إليه والمرسل إليهم، فتنتهي القطعية باسم النص، والحداثة باسم اللغة، ويتوجه الجميع نحو الفعل.١١٨
١  المنخول، ص٢١؛ معنى التكليف وقصد الفقهاء بوصف الشخص أنه مكلف، الواضح، ج١، ٦٨-٨٩؛ روضة الناظر، ج١، ١٥٣؛ البحر المحيط، ج١، ٢٧٤-٢٧٥؛ التحرير، ج٢، ٣٠٧–٣٢٧، ٢٧٠–٢٧٤؛ إرشاد الفحول، ص٩؛ المختصر لابن اللحام، ص٦٦.
٢  إرشاد الفحول، ص١٠-١١.
٣  «ويندرج تحته الإيجاب والحظر لا وفق ما يتشوف إليه الطبع أو ينبو عنها»، المنخول، ص٢١؛ التحرير، ج٢، ٢٨٣–٢٨٥؛ إرشاد الفحول، ص١٠.
٤  المختصر لابن اللحام، ص٦٧-٦٨؛ التحرير، ج٢، ٢٦٨-٢٦٩، ٢٧٥–٢٨٢.
٥  البحر المحيط، ج١، ٢٧٦–٢٩٤؛ المختصر لابن اللحام، ص٦٨-٦٩.
٦  كتاب التلخيص، ج١، ١٣٤–١٥٣؛ البرهان، ج١، ١٠١–١١٠؛ الوصول إلى الأصول، ج١، ٧٥–٩٦؛ المحصول، ج١، ١٨–٨٢؛ المستصفى، ج١، ٨، ٥٥–١٠٠.
٧  المستصفى، ج١، ٨، ٨٣.
٨  السابق، ج١، ٨، ٦٨، ٧١، ٧٣، ٧٥، ٧٩، ٨١، ٨٣، ٨٦.
٩  كشف الأسرار، ج٤، ٤١٤–٤١٨.
١٠  المستصفى، ج١، ٨٥.
١١  في الأشياء قبل الشرع على الحظر أو على الإباحة؟ المعتمد، ج٢، ٨٦٨–٨٧٩؛ الحظر والإباحة قبل ورود السمع، كتاب التلخيص، ج٣، ٤٦٩–٤٨٠؛ روضة الناظر، ج١، ١٣٢–١٣٦؛ الإحكام للآمدي، ج١، ٤٧–٤٩؛ ألفية الوصول، ص٤-٥.
١٢  طرق الأحكام الشرعية، المعتمد، ج٢، ٨٧٩-٨٨٠؛ في أن الأحكام الشرعية لا يجوز إثباتها إلا بطريق، السابق، ص٨٨٠–٩٩٥؛ فيما يُعلَم بأدلة العقل وما يُعلَم بأدلة الشرع، السابق، ص٨٨٦–٨٨٩؛ الورقات، ص٢١؛ المنخول، ص١٩-٢٠؛ الواضح، ج٢، ٣١٧-٣١٨، ج٥، ٢٥٩–٢٦٢؛ بذل النظر، ص٦٦٣–٦٧٨؛ منتهى الوصول، ص٢٠–٢٣؛ منهاج الوصول، ص٩؛ البحر المحيط، ج١، ١١٩–١٢٤؛ تصحيح الوقف هل يستقيم؟، السابق، ج١، ١٢٨-١٢٩؛ تقدير خلو واقعة عن حكم الله، السابق، ج١، ١٢٩.
١٣  التبصرة، ص٥٣٢–٥٣٧؛ ميزان الأصول، ص١٩٨–٢٠٤؛ المحصول، ج١، ٧٤–٧٩.
١٤  البرهان، ج١، ٩٩-١٠٠.
١٥  التمهيد، ج٤، ٢٦٩–٢٩٤؛ المختصر لابن اللحام، ص٥١.
١٦  البرهان، ج١، ٨٧-٩٨؛ الوصول إلى الأصول، ج١، ٥٦–٧٤؛ إيضاح المحصول، ص٥٥–٦١.
١٧  البحر المحيط، ج١، ٢٧٥-٢٧٦.
١٨  الإشارة، ص٤٢٣؛ المسودة، ص٤٧٣–٤٨٨.
١٩  البحر المحيط، ج١، ١٣٢-١٣٣.
٢٠  المختصر لابن اللحام، ص٤٩-٥٠.
٢١  البحر المحيط، ج١، ١٣٠-١٣١.
٢٢  المستصفى، ج١، ٥٥، ٦٣–٦٥.
٢٣  وذلك على عكس موقف الغزالي، المستصفى، ج٢، ١٠٠؛ هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على الإباحة؟، الإحكام لابن حزم، ج١، ٤٧–٥٤؛ في حكم الأشياء قبل ورود الشرع، الفقيه والمتفقه، ج١، ٢١٧–٢١٩.
٢٤  أحكام الأشياء قبل مجيء السمع في الحظر والإباحة، الفصول في الأصول، ج٣، ٢٤٧–٢٥٤.
٢٥  فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة، الإحكام لابن حزم، ج١، ٥٥–٥٩.
٢٦  المستصفى، ج١، ٨، ٥٥–٦١؛ كتاب التلخيص، ج١، ١٥٣–١٦٠؛ المنخول، ص٨–١١؛ الحسن والقبيح من فعل المكلف وطريق العلم بذلك، والقول حسن أحسن من حسن وقبيح أقبح من قبيح، التقريب والإرشاد، ج١، ٢٧٨–٢٨٥؛ أقسام ذكر الحسن والقبيح من الأفعال، وما للفاعل فعله منها وما ليس له فعله، السابق، ص٢٨٦-٢٨٧؛ تقريب الوصول، ص٩٢–٩٤.
٢٧  كتاب الحدود، ص٥٨-٥٩؛ الحسن ما أمرنا بمدح فاعله، والظلم هو التعدي، التمهيد، ج٤، ٢٩٤–٣٠٦؛ الواضح، ج١، ٢٦-٢٧، ١٩٩–٢٠٤؛ ج٥، ٤٣٢–٤٤٧؛ المحصول، ج١، ٣٣–٣٥، ٤٨–٦٦؛ لا حاكم إلا بشرع، البحر المحيط، ج١، ١٠٣–١١٠؛ الحسن والقبح يطلقان على معانٍ ثلاثة، السابق، ج١، ١١١–١١٥؛ العقل مدرك للحكم لا حاكم، السابق، ج١، ١١٥-١١٦؛ تعريف الحسن والقبح، السابق، ج١، ١٣٤–١٣٧؛ الأمر لا يقتضي حسن المأمور به، السابق، ج١، ١٣٨.
٢٨  المستصفى، ج٢، ٢٤–٣١؛ الإحكام للآمدي، ج١، ٤١–٤٥؛ جمع الجوامع، ج١، ٩٩-١٠٠؛ منهاج الوصول، ص٨.
٢٩  المستصفى، ج١، ٧٦–٨١.
٣٠  هذا هو موقف المعتزلة عند أبي هاشم وأبي علي الذي يفنِّده الغزالي.
٣١  وهي زيارة رئيس الجمهورية الثانية في مصر للقدس، وهي تحت الاحتلال في نوفمبر ١٩٧٧م؛ انظر أيضًا: الدين والثورة في مصر ١٩٥٢–١٩٨١؛ ج٧، اليمين واليسار في الفكر الديني، ص٢٧٠-٢٧١؛ مكتبة مدبولي، القاهرة، ١٩٧٩م؛ وهو موقف المعتزلة والباقلاني ويفنِّده الغزالي.
٣٢  البحر المحيط، ج١، ١٨٦–١٩٠.
٣٣  الكلام في الحظر والإباحة، المعتمد، ج٢، ٨٦٨–٩٢٨.
٣٤  المستصفى، ج١، ٥٥، ٦١–٦٣؛ المنخول، ص١٤–١٨؛ المحصول، ج١، ٦٦–٧٤؛ الإحكام للآمدي، ج١، ٤٥–٤٧؛ البحر المحيط، ج١، ١١٦–١١٩، ١٢٥–١٢٨؛ المختصر لابن اللحام، ص٥٠-٥١؛ التحرير، ج٢، ٣٠٥-٣٠٦؛ إرشاد الفحول، ص٢٨٦-٢٨٧.
٣٥  أصول السرخسي، ج١، ١١٠–١١٦.
٣٦  الواضح، ج٥، ٢٦٣–٢٦٩.
٣٧  «لا خلاف في أن بعض الأشياء يدركها العقل ويحكم فيها، كصفات الكمال والنقص، وملاءمة الغرض ومنافرته. وأحكام العقل باعتبار مدركاته تنقسم إلى خمسة أحكام، كما انقسمت الأحكام الشرعية إلى خمسة أقسام. الأول الوجوب كقضاء الدين. والثاني التحريم كالظلم. والثالث الندب كالإحسان. والرابع الكراهة كسوء الأخلاق. والخامس الإباحة كتصرف المالك في ملكه» إرشاد الفحول، ص٢٨٤.
٣٨  المستصفى، ج١، ٥٥، ٥٧، ٦٥؛ أصول الفقه للسيوطي، ص٧٢؛ أصول الشاشي، ص٢٦٠–٢٦٢.
٣٩  «فيتناول هذا القطب جملةً من تفاريق فصول الأصول، أوردها الأصوليون مبدَّدة في مواضع شتى، لا تتناسب ولا تجمعها رابطة، فلا يهتدي الطالب إلى مقاصدها، ووجه الحاجة إلى معرفتها، وكيفية تعلقها بأصول الفقه» المستصفى، ج١، ٨؛ الواضح، ج١، ٢٨–٣١؛ إيضاح المحصول، ص٢٣٦–٢٤٠؛ ميزان الأصول، ص٢٥–٣٤؛ بذل النظر، ص٥٩٥–٦٠١.
٤٠  المستصفى، ج١، ٩٠؛ كتاب الحجاج، ص١٢-١٣؛ النبذ، ص٥٠–٥٢؛ كتاب التلخيص، ج١، ١٦٠–١٦٢؛ في تقسيم الأحكام الشرعية، المحصول، ج١، ٢٣–٣٣؛ روضة الناظر، ج١، ٩٧–١٠١، ج٢، ٢١٣-٢١٤؛ المسودة، ص٦٥-٦٦؛ تقريب الوصول، ص٨٥-٨٦؛ المختصر لابن اللحام، ص٥٢–٥٦.
٤١  المستصفى، ج١، ٥٥، ٦٣، ٦٥.
٤٢  الموافقات، ج١، ١٣٠–١٣٣.
٤٣  المستصفى، ج١، ٨، ٦٦–٧٠، «مسألة: إذا مات في أثناء وقت الصلاة فجأة بعد العزم على الامتثال» المستصفى، ج١، ٧٠-٧١.
٤٤  من العقيدة إلى الثورة، ج٤ النبوة، المعاد، ص٣٢١–٦٠٧.
٤٥  المستصفى، ج١، ٢٧-٢٨، ٦٥-٦٦.
٤٦  «فالحرام هو المَقول فيه اتركوه ولا تفعلوه. والواجب هو المقول فيه افعلوه ولا تتركوه. والمباح هو المَقول فيه: إن شئتم فافعلوه، وإن شئتم فاتركوه» المستصفى، ج١، ٥٥. «ووجه هذه القسمة أن خطاب الشرع إما أن يرِدَ باقتضاء الفعل أو اقتضاء الترك أو التخيير بين الفعل والترك، فإن ورد باقتضاء الفعل، فهو أمر …» السابق، ج١، ٦٥. وهو موقف الباقلاني أيضًا بقوله: «لو أوجب الله علينا شيئًا ولم يتوعد بعقاب على تركه لوجب. فالوجوب إنما هو بإيجابه لا بالعقاب» ويرفضه الغزالي، المستصفى، ج١، ٦٦، ٨٣؛ كتاب الحدود، ص٥٣.
٤٧  ميزان الأصول، ص٤٥–٥٤.
٤٨  المستصفى، ج١، ٢٧-٢٨؛ روضة الناظر، ج١، ١٠٢–١٠٧؛ الإحكام للآمدي، ج١، ٥٠.
٤٩  مسألة: «كما فهمت أن الواجب لا يتضمن الجواز، فافهم أن الجائز لا يتضمن الأمر، وأن المباح غير مأمور به» المستصفى، ج١، ٧٤؛ حد الواجب ومعناه، التقريب والإرشاد، ج١، ٢٩٣-٢٩٤؛ كتاب التلخيص، ج١، ١٦٣–١٦٨؛ البرهان، ج١، ٣٠٨–٣١٠؛ منتهى الوصول، ص٢٣؛ تقريب الوصول، ص٨٦-٨٧؛ منهاج الوصول، ص٥؛ البحر المحيط، ج١، ١٤٠–١٤٢.
٥٠  الواجب هو الفرض، التقريب والإرشاد، ج١، ٢٩٤–٢٩٨؛ الحدود في الأصول، ص١٣٦؛ المنخول، ص٧٦-٧٧، ١٣٦، ١٣٧؛ المنار، ص٤٩٩-٥٠٠؛ جمع الجوامع، ج١، ٦١؛ إن المخِلَّ بالكفارات الثلاث إذا استحق العقاب على الإخلال بأجمعها، فإنه لا يكون ذلك العقاب هو عقابًا واحدًا منها، المعتمد، ج٢، ٩٩٧؛ الوصول إلى الأصول، ج١، ٧٨–٨٠؛ البحر المحيط، ج١، ١٤٢، ١٤٤–١٤٦؛ الفرض والواجب مترادفان عند الشافعي، وعندنا متنافيان، الوصول إلى قواعد الأصول، ص١٢٥–١٢٧.
٥١  الواضح، ج١، ٢٠٩؛ منهاج الوصول، ص٨؛ البحر المحيط، ج١، ١٤٧-١٤٨.
٥٢  المحصول، ج٢، ٣٨٢؛ وهذا هو موقف القاضي أبي بكر؛ خلافًا للغزالي، «وهذه الحدود أصح من تحديدها بالثواب والعقاب، كقولهم للواجب ما في فعله ثواب وتركه عقاب لوجهين، أحدهما أن الثواب والعقاب ليس أحدهما وصفًا ذاتيًّا للأحكام، وإنما هما جزاء عليهما، فلا يجوز الحد بهما، والثاني أن العقاب قد يُعدَم إذا عفا الله تعالى، والثواب قد يُعدَم إذا عُدِمت النية، وبمثل ذلك يُرَدُّ على من قال: الواجب ما ذُمَّ ترْكُه، والحرام ما ذُمَّ فِعله» تقريب الوصول، ص٨٥-٨٦.
٥٣  البحر المحيط، ج١، ٢٠٠-٢٠١.
٥٤  المستصفى، ج١، ٦٦؛ الإحكام للآمدي، ج١، ٥١، «عند المعتزلة لا يجتمع الإيجاب والتخيير، وعند الغزالي أنه جائز عقلًا، وواقع شرعًا» المستصفى، ج، ٦٧-٦٨؛ الوصول إلى الأصول، ج١، ٨٠-٨١؛ منتهى الوصول، ص٢٤-٢٥؛ تقريب الوصول، ص٨٦-٨٧؛ جمع الجوامع، ج١، ١٠١-١٠٢؛ منهاج الوصول، ص٧؛ البحر المحيط، ج١، ١٤٨–١٦٦؛ التحرير، ج٢، ٣٦١–٣٦٨.
٥٥  روضة الناظر، ج١، ١٢١–١٢٣.
٥٦  البحر المحيط، ج١، ١٩٤–٢٠٢، ٢٣٥–٢٣٨.
٥٧  مسألة: اختلفوا في الواجب الذي لا يتقدر بحد محدود، المستصفى، ج١، ٧٣.
٥٨  البحر المحيط، ج١، ١٩٠–١٩٢.
٥٩  السابق، ج١، ١٨٤–١٩٢.
٦٠  مسألة: الوجوب بين الجواز والإباحة، المستصفى، ج١، ٧٣-٧٤، «وذكر المسألة هنا أولى من ذكرها في كتاب النسخ فإنه نظرٌ في حقيقة الوجوب والجواز لا في حقيقة النسخ» السابق، ج١، ٧٤؛ جمع الجوامع، ج١، ١٠٥–١٠٧.
٦١  مسألة: قال قائلون إذا اختلطت منكوحة بأجنبية، المستصفى، ج١، ٧٢-٧٣؛ روضة الناظر، ج١، ٢٠؛ منهاج الوصول، ص٧.
٦٢  المستصفى، ج١، ٧١-٧٢؛ إذا ناب أحد الفعلين مناب الآخر، لم يجُزْ أن يوجب الحكيم أحدهما بعينه، المعتمد، ج٢، ٩٩٧؛ روضة الناظر، ج١، ١١٨-١١٩؛ الإحكام للآمدي، ج١، ٥٧-٥٨؛ منتهى الوصول، ص٢٦؛ منهاج الوصول، ص٧؛ البحر المحيط، ج١، ١٧٩.
٦٣  البحر المحيط، ج١، ١٤٧.
٦٤  السابق، ج١، ١٦٦–١٧٨؛ التحرير، ج٢، ٣٣٢–٣٣٦، ٣٤٥–٣٥٤، ٣٥٩-٣٦٠.
٦٥  موجبات العقول الواجبة دينًا، تقويم الأدلة، ص٤٥١–٤٥٤؛ الواضح، ج١، ١٩١.
٦٦  البحر المحيط، ج١، ١٤٢–١٤٤، ١٩٢–١٩٤.
٦٧  المستصفى، ج١، ٨؛ الحدود في الأصول، ص١٣٨؛ الحظر والإباحة، الإشارة، ص٢٩٨–٣٠٠؛ إيضاح المحصول، ص٢٤٣؛ ميزان الأصول، ص٤٠-٤١؛ روضة الناظر، ج١، ١٣٩–١٤٣؛ الإحكام للآمدي، ج١، ٥٨.
٦٨  منتهى الوصول، ص٢٧-٢٨؛ تقريب الوصول، ص٨٧؛ البحر المحيط، ج١، ٢٠٤–٢٠٩؛ التحرير، ج٢، ٣٦٩–٣٧٤؛ الأصل في الإيضاح والتحريم، الوصول إلى قواعد الأصول، ص٣٢١.
٦٩  البحر المحيط، ج١، ٢٠٩–٢١٨.
٧٠  السابق، ج١، ٢٢٠.
٧١  السابق، ج١، ٢٠٤، ٢٠٦، ٢١٨؛ المختصر لابن اللحام، ص٦١.
٧٢  البحر المحيط، ج١، ٢٠٦–٢٠٩.
٧٣  السابق، ج١، ٢٢٠.
٧٤  محرمات العقل قطعًا للدنيا، تقويم الأدلة، ص٤٥٥؛ محرمات العقل قطعًا للدين، السابق، ص٤٥٦-٤٥٧؛ المنار، ص٥٠٠-٥٠١.
٧٥  المستصفى، ج١، ٦٦، ٧٥-٧٦؛ حد الندب، التقريب والإرشاد ج٢٩١،١-٢٩٢؛ الحدود في الأصول، ص١٣٦–١٣٨؛ كتاب الحدود، ص٥٥؛ كتاب التلخيص، ج١، ١٦٢-١٦٣؛ إيضاح المحصول، ص٢٤٠–٢٤٣؛ روضة الناظر، ج١، ١٢٤–١٢٨؛ الإحكام للآمدي، ج١، ٦١–٦٣؛ منتهى الوصول، ص٢٨؛ تقريب الوصول، ص٨٧؛ جمع الجوامع، ج١، ٦٢–٦٦؛ البحر المحيط، ج١، ٢٢٩-٢٣٠؛ المختصر لابن اللحام، ص٦١-٦٢.
٧٦  كتاب الحدود، ص٥٩-٦٠؛ الوصول إلى الأصول، ج١، ٧٥–٧٧؛ ميزان الأصول، ص٢٦–٣٢، ٣٥-٣٦.
٧٧  جمع الجوامع، ص١٠٢-١٠٣؛ الموافقات، ج١، ١٥١؛ البحر المحيط، ج١، ٢٣٠؛ التحرير، ج٢، ٣٧٥–٣٧٨.
٧٨  البحر المحيط، ج١، ٢٣٥.
٧٩  المستصفى، ج١، ٦٦-٦٧؛ معنى وصف الفاعل بأنه مكروه، التقريب والإرشاد، ج١، ٢٩٩–٣٠٢؛ كتاب التلخيص، ج١، ١٦٨–١٧١؛ البرهان، ج١، ٢٩٥–٢٩٨، ٣١٠–٣١٣؛ إيضاح المحصول، ص٢٤٣–٢٤٥؛ روضة الناظر، ج١، ١٣٧-١٣٨؛ الإحكام للآمدي، ج١، ٦٣؛ منتهى الوصول، ص٢٨؛ تقريب الوصول، ص٨٧؛ البحر المحيط، ج١، ٢٣٩–٢٤٣؛ المختصر لابن اللحام، ص٦٢-٦٣.
٨٠  البحر المحيط، ج١، ٢٤٤.
٨١  الموافقات، ج١، ١٥٢.
٨٢  المستصفى، ج١، ٦٦؛ قول الرسول في العنب: «لا أحله ولا أحرمه» الإحكام لابن حزم، ج٥، ٦٥٥.
٨٣  منتهى الوصول، ص٢٩-٣٠؛ جمع الجوامع، ج١، ١٠٣–١٠٥؛ البحر المحيط، ج١، ١٩٤، ٢٢٣–٢٢٨؛ التحرير، ج٢، ٣٨١.
٨٤  أصول الفقه لابن عربي، ص٣٢؛ الوصول إلى قواعد الأصول، ص٣١٩-٣٢٠؛ إرشاد الفحول، ص٢٨٤–٢٨٦.
٨٥  مباحات العقول للحياة الدنيا لا للدين قطعًا، واجب القول بالإباحة، تقويم الأدلة، ص٤٤٩-٤٥٠؛ روضة الناظر، ج١، ١٢٨–١٣١.
٨٦  مباحات العقول الجائزة للدنيا، تقويم الأدلة، ص٤٥٨–٤٦١.
٨٧  هذا هو موقف المعتزلة من أن المباح ليس من الشرع، بل مجرد رفع الحرج عن الفعل والترك، المستصفى، ج١، ٧٥؛ الوصول إلى الأصول، ج١، ٧٧-٧٨؛ في الحظر والإباحة، المقدمة في الأصول، ص١٥٣–١٥٦؛ حد المباح من الأفعال وهل هو داخلٌ تحت التكليف أم لا؟، التقريب والإرشاد، ج١، ٢٨٨–٢٩٠؛ الحدود في الأصول، ص١٣٧-١٣٨؛ كتاب الحدود، ص٥٥؛ إيضاح المحصول، ص٢٤٥-٢٤٦؛ ميزان الأصول، ص٤٠–٤٥؛ الإحكام للآمدي، ج١، ٦٣–٦٥؛ منتهى الوصول، ص٢٨؛ تقريب الوصول، ص٨٧؛ البحر المحيط، ج١، ٢٢١؛ الإشارات، ص١٠٥.
٨٨  النبذ، ص٢٩.
٨٩  هذا هو موقف الكعبي من المعتزلة، المستصفى، ج١، ٨٢؛ البرهان، ج١، ٢٩٤-٢٩٥؛ التحرير، ج٢، ٣٧٩.
٩٠  الموافقات، ج١، ١٠٩–١١٧.
٩١  البحر المحيط، ج١، ٢٢٢.
٩٢  الموافقات، ج١، ١٢٤–١٣٠.
٩٣  السابق، ج١، ١١٧–١٢٣، ١٢٧–١٣٠.
٩٤  السابق، ج١، ١٣٠–١٤٠.
٩٥  السابق، ج١، ١٤٠.
٩٦  السابق، ج١، ١٤٠–١٤٧؛ البحر المحيط، ج١، ٢٢٢-٢٢٣.
٩٧  السابق، ج١، ١٤٧-١٤٨.
٩٨  كشف الأسرار، ج٣، ١٩١–١٩٧.
٩٩  السابق، ج٣، ١٩٨–٢٠٠.
١٠٠  روضة الناظر، ج١، ١٣٦-١٣٧.
١٠١  الموافقات، ج١، ١٨١–١٨٧.
١٠٢  إرشاد الفحول، ص٢٨٤–٢٨٦.
١٠٣  البحر المحيط، ج١، ٢٢٤.
١٠٤  وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ.
١٠٥  «الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمورٌ متشابهات.»
١٠٦  وذلك في آية عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ، وحديث: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء رحمةً بكم، لا عن نسيان، فلا تبحثوا عنها.» وأيضًا حديث: «وما سكت عنه فهو عفو.»
١٠٧  الموافقات، ج١، ١٦١–١٦٦.
١٠٨  السابق، ج١، ١٦٦–١٧٦.
١٠٩  علم أصول الفقه، دراسات إسلامية، الأنجلو المصرية، القاهرة ١٩٨٢م؛ ص٦٥–١٠٣؛ وأيضًا «الوحي والواقع، دراسة في أسباب النزول»، هموم الفكر والوطن، ج١، التراث والعصر والحداثة، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨م، ص١٧–٥٦؛ وأيضًا «من نقد السند إلى نقد المتن»، مجلة الجمعية الفلسفية المصرية، العدد الخامس، ١٩٩٦م، ص١٣١–٢٤٣.
١١٠  من النص إلى الواقع، ج١، تكوين النص، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، ٢٠٠٤م، المقدمة، ثالثًا: أنواع المصنفات (١) المتون الأصلية، ص٣٠–٣٣.
١١١  Saint Augustin: Le Majistère Chrétien.
١١٢  نماذج من الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط (أوغسطين، أنسيلم، توما الإكويني)، الأنجلو المصرية، الطبعة الثانية، القاهرة، ١٩٧٨م، ص٣١–٩٩.
١١٣  «مدرسة تاريخ الإشكال الأدبية» Formgeschicte Schule، دراسات فلسفية، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨٧م، ص٤٨٧–٥٢٢.
١١٤  Vedantic Jurisprudence.
١١٥  مثل لانجلوا وسيجنوبوس في قواعد المنهج التاريخي الذي عرضه عبد الرحمن بدوي في كتاب النقد التاريخي، مكتبة النهضة، القاهرة، ١٩٦٣م، نقد المصادر Critique de provenance، إعادة تركيب النصوص Critique de restitution.
١١٦  منطق الواجبات Deontic Logic.
١١٧  الأنساق القانونية Legal Systems.
١١٨  Hermeneutics as Axiomatics, Religious Dialogue and Revolution, Anglo Egyptian bookshop, Cairo 1977, pp. 1–20.