في المنهج
إلامَ نحتاجُ كي نشيدَ بناءً؟ لا شك في كوننا بحاجة، إضافة إلى الأرض الصالحة للبناء، إلى موادِّ عمل (تتمثل في الحديد والرمل والأسمنت … إلخ) وأدواتِ عمل (كالروافع، والخلاطات … إلخ). ونحتاج كذلك إلى قوة عمل تتمكن بواسطة الأدوات من استعمال المواد في سبيلها إلى تشييد البناء. ومن المعلوم بالبديهة أنه كلَّما صلحت الأرض للغرض وقويت، كلَّما علا البناء ورسخ. ولا أنشغل ها هنا بالنظر في تهيئة الأرض غير الصالحة؛ إذ لذلك مجالٌ أرحب، وإن وددت أن تتعرف إلى خطوطه العريضة مما سنسيره معًا من خطواتٍ فكرية.
أما الأدوات، وهي التي تحتل، في مجمل مذهبنا، موقعًا حاسمًا، فتتبدى في ذلك الطريق الذي يسلكه الذهن في سبيله لإنتاج المعرفة. الأدوات هي المنهج، أما المواد فهي التراكُم المعرفي. الأدوات هي الكيف، والمواد هي الكم. وإن كان الوصول إلى هذا الكم المعرفي أمرًا ميسورًا؛ إذ يحصله الباحث بمجرد رجوعه إلى الموسوعات والملخصات والموجزات والفهارس والمعاجم المتخصصة … إلخ، وصار أكثر يسرًا مع التطور التقني؛ إذ يستطيع المرء بلوغ ما يريد من آلاف المعلومات والأفكار بمجرد استخدام محركِ بحثٍ جيد؛ فإن المشكلة تكمن في كيفية تصنيف هذا السيل من المعلومات وترتيب ذاك التدفُّق المائج من الأفكار ورد كل معلومة/فكرة إلى الكل الذي تنتمي إليه على نحوٍ يُنتج معرفة علمية. المشكلة تكمن في الأداة التي تُنتج بواسطتها المعرفة. تكمن في المنهج. والمنهج، على هذا النحو، كأداةٍ تُستخدم للبرهنة على صحة فرضيةٍ معيَّنة وصولًا لحقيقة ما؛ إنما يتجسد في التجريد الواعي بالتناقُض.
أولًا: التجريد
أ
حينما نتساءل عن عدد الألوان أو الألحان أو الأفكار، أو حتى كلمات اللغة؛ أي هل يمكن حصرهم أم يستحيل ذلك؟ فقبل أن نقدم إجابة يتعين أن نتعرف إلى بعض الأفكار الأساسية المتعلقة بالمنهج، الذي هو الطريق الذي يسلكه الذهن من أجل تقديم الإجابة؛ فحينما يُطرح سؤالٌ معرفي، أيُّ سؤالٍ معرفي، فليس مهمًّا في مذهبي تقديم إجابة إنما المهم هو الطريق الذي يسلكه الذهن كي ينتج هذه الإجابة؛ فالإجابة الصحيحة، دون ادعاء امتلاك الحقيقة، ستكون في التحليل النهائي نتيجة خطواتٍ فكرية سليمة.
فلنترك إذن، إنما مؤقتًا، أسئلتَنا المتعلقة بالألوان والألحان والأفكار وكلمات اللغة، ولنسألْ سؤالًا أوليًّا: كيف أنتج الذهن الإسلامي المعرفة في عصره الذهبي؟ الذهن الذي أصبح في لحظةٍ تاريخية حاسمة وريثًا معرفيًّا للعلم اليوناني (ذي الأصول الشرقية القديمة)، ومستكملًا لمسيرة الفقه الروماني الذي تجسد في الجدل الفقهي وعِلم صوغ الشرائع.
يقصد ابن المقفع، في النص أعلاه، بيان أهمية التزوُّد بقوة التجريد حين القيام بدراسة علم من العلوم؛ فنراه، وبوضوح، يوصي طالب العلم بأن يحرص على أن يراعي المبادئ الكليَّة والقواعد الأساسية، فإذا تحقَّق له ذلك كان له الإحاطة بالتفاصيل والإلمام بالمسائل الفرعية.
وحينما ذهب المُعلِّم الثاني، أبو نصر الفارابي (٨٧٤–٩٥٠م) إلى إحصاء العلوم، بيَّن:
وقد بلغ التوحيدي (٩٢٢–١٠٢٣م) أعلى درجات التجريد حين حدَّد المسائل الأربع الواجب الإحاطة بها لمن أراد العلم، ورأى فيها الكفاية، فكتَب:
أما إخوان الصفاء (من علماء القرن العاشر) فنراهم في الرسالة الثامنة من القسم الرياضي في الصنائع العملية والغرض منها، يعالجون وعلى أعلى مُستوًى من التجريد طبيعةَ السلع والخدمات في المجتمع؛ فلم ينظروا إلى المصنوعات التي ينتجها الإنسان بأنواعها الكثيرة جدًّا وأشكالها المتعددة للغاية، وإنما نظروا إلى القواعد الكليَّة، وكشفوا عن أصول الصناعات، وحددوها بالعناصر الأربعة (الماء، والتراب، والنار، والهواء)، ثم بالمواد الثلاث (المعدن، والنبات، والحيوان)، ثم بالمقادير والقيم، ثم بنفوس الناس وأجسادهم؛ فما كان يشغل ذهنهم التجريدي هو الأصول الكليَّة لا الفرعيات:
ب
ولعل الأكثر سطحية، واستفزازًا في الوقت نفسه، تلك الدعاوى التي تأتي على غِرار الأمراض الموسمية التقليدية، كالأنفلونزا، فتظهر حالة «إحياء الفكر العربي»، أو «التواصل مع التراث الإسلامي»، أو «الأصالة والمعاصرة» … إلخ. وفي الاحتفالية لا نجد في الأغلب الأعم سوى الاجترار الممجوج لتفاصيل ومعلومات وأخبار التاريخ الإسلامي وصولًا، وعن قصد، لقولة، لا مقولة: «سبق الفكر المذكور للفكر الغربي في اكتشاف هذا الكم من المعارف أو ذاك القدر من العلوم.» وهو الأمر الذي لا يؤكد أبدًا أن القدماء أحياء بقدر ما يؤكد أننا الأحياء لَميتون!
«إن المسلمين في عصرهم الذهبي علَّموا العالم كيف يُفكِّر.» تلك هي الإجابة، التي أَفترِض صحتها، عن السؤال المطروح، والمَعنيِّ بما خلَّفه العلماء المسلمون للعالم.
ﺟ
وعلى ذلك، يمكننا القول، وبكل وضوح، إن أزمة التعليم في عالمنا العربي، بوجهٍ عام، ومصر بوجهٍ خاص، إنما ترجع إلى الإصرار على حَشْو عقول التلاميذ بكمٍّ هائل من التفاصيل والمعلومات (لا الأفكار حتَّى!) ويكون المطلوب من هؤلاء الضحايا لا الفهم وإنما الحفظ، دون وعي، ثم المرور بمأساة الامتحانات التي تقيس مدى تشرُّب الضحية بما هو كميٌّ وليس بما هو كيفي؛ فما يتعلمه الضحايا في مدارس وجامعات عالمنا العربي بوجهٍ عام، ومصر بوجهٍ خاص، يبتعد تمامًا عن كونه موجهًا لإعدادهم كي يصيروا أجيالًا قادرة على إنتاج الفكر كما فعل أسلافُهم حينما سادوا الأمم بفضل وصولهم إلى سر إنتاج المعرفة الإنسانية.
ويمكننا أن نقرأ آلاف الأوراق التي ترصُد طبيعة التردِّي الفكري الذي أمسى فيه عالمنا العربي، فنقرأ، على سبيل المثال:
كما نقرأ لدى كاتبٍ آخر:
د
يمكننا الآن العودة إلى أسئلتنا المتعلقة بمدى محدودية كلٍّ من الألوان والألحان والأفكار وكلمات اللغة، فإذا استخدمنا التجريد؛ أيْ إذا استعملنا الطريقة التي أُنتجت بها المعرفة العلمية عَبْر تاريخ البشر، الطريقة التي اعتَمدَت عليها الحضارة الإسلامية، واستَندَت إليها كل الحضارات العظيمة في إنتاج تاريخها الخالد، يمكننا أن نقول إن الألوان محدودة والألحان محدودة والأفكار محدودة وكلمات اللغة محدودة. إن مَن ينظر إلى الألوان والألحان والأفكار وكلمات اللغة، نظرة أدائية/تفصيلية؛ وبالتالي ينشغل ذهنه، كميًّا، بالتفاصيل والفرعيات، حتمًا سيقول إنها غير محدودة؛ لأن عدد البشر في ازديادٍ مطرد، وكلَّ يومٍ من الممكن أن يُنتج هؤلاء البشر ملايين الملايين من الألوان والألحان والأفكار والكلمات! ولكن مَن اتخذ التجريد منهجًا سيقول إنها محدودة؛ إذ عند لونٍ معين سوف تكتمل الألوان، وكذا الألحان. ولن تكون أي عملية خلطٍ جديدة سوى التكرار للون أو لحنٍ سابق؛ فالذهن الأول انشغل بالكم وفهم، خطأ، أن ذلك هو المقصود، أما الثاني فقد انشغل، عن صواب، بالكيف وعرف أنه عين المطلوب.
إن الفارق بين محدودية الألوان والألحان وكلمات اللغة وبين محدودية الأفكار يتبدى في حدود كل طائفة؛ فالألوان والألحان وكلمات اللغة تمثل بمفردات علم الهندسة على هيئة قطعةٍ مستقيمة. الألوان محصورة بين حدَّيها: الحد الأول هو اللون الأبيض والحد الثاني هو اللون الأسود، وأيًّا ما كان عدد عمليات الخلط بين الألوان فلا يمكن أن يأتي أحدنا بلون يخرج عن حدود هذه القطعة المستقيمة التي تبدأ باللون الأبيض وتنتهي باللون الأسود أو العكس.
وبطريقة أخرى، فأيًّا ما كان عدد عمليات خلط الألوان لا يمكن الخروج عن ألوان الطيف السبعة؛ فكل عمليات الخلط لا تخرج عن الألوان السبعة الأساسية. وكذا الألحان، لا يمكننا أن نأتي بلحنٍ خارج القطعة المستقيمة التي تبدأ وفقًا للسلم الموسيقي ﺑ «الدو» وتنتهي ﺑ «السي». فأيًّا ما كان عدد الألحان الشجية والمنفرة لا يمكن الإتيان بلحنٍ خارج حدود السلم الموسيقي.
أما كلمات اللغة، ولتكن كلمات اللغة العربية، فهي أيضًا محصورة وفقًا للحروف الأبجدية التي تبدأ بحرف الألف وتنتهي بحرف الياء. الأَمرُ الذي يجب التأكيد عليه، قبل أن نستكمل فكرتنا، هو أن عدم إدراكنا لمحدودية الألوان مثلًا، أو عدم قدرتنا على الإحاطة بها، لا ينفي عنها محدوديتها؛ فليست الألوان فقط محدودة، إنما قدرتنا البشرية كذلك محدودة.
هذا عن الألوان والألحان وكلمات اللغة، فماذا عن الأفكار، هل محدودة هي الأخرى؟ نعم محدودة، ولكن حدودها، بمفردات علم الهندسة أيضًا، تأتي على هيئة مُربَّع حدوده العلاقات الأربع التي يعيشها الإنسان؛ فكلٌّ منا يعيش الحياة، بجسده وروحه وعقله، وهذا تجريدٌ أيضًا، عَبْر أربع علاقات: علاقة مع الذات، وعلاقة مع الآخر، وعلاقة مع الطبيعة، وعلاقة مع إله، حتى لو كان ينفي وجود هذا الإله! ولا يمكن للذهن أن ينتج معرفةً علمية خارج حدود هذا المربع. الأفكار إذن محدودة، ولم يكن من الممكن الوصول إلى هذه الإجابة إلا بالتجريد.
بالتجريد إذن، وبالتجريد فقط، تَمكنَّا من تقديم إجابة عن السؤال عن طبيعة الألوان والألحان والأفكار وكلمات اللغة، هل هي محدودة أم غير محدودة؟ والواقع أن أي إجابةٍ عن أي سؤالٍ تثيره ظاهرةٌ اجتماعيةٌ ما، لا تستند، بحالٍ أو بآخر، إلى التجريد كطريقة في التفكير لن يمكنها الوصول إلى أي شيء، بل ولسوف تغرق في التفاصيل والثانويات، ولن يمكنها الخروج بأي نتيجةٍ سوى المزيد من التفاصيل الضبابية والثانويات المشوَّشة.
ثانيًا: التناقض١٥
-
فهو، أولًا: لا يكون على الدوام بين أضدادٍ ثابتة؛ أي لا
يكون دائمًا بين أقصى مستويات النور وأقصى
مستويات الظلام، إنما يكون بين درجاتٍ من
النور ودرجاتٍ من الظلام. لا يكون بين أقصى
مستويات الانتصار وأقصى مستويات الهزيمة، إنما
يكون بين درجاتٍ من الانتصار ودرجاتٍ من
الهزيمة. كما لا يكون دائمًا بين الطبقة
الرأسمالية في قمة هيمنتها وعُنفوانها وبين
الطبقة العاملة في أعلى درجات نُضجها الثوري
فكرًا وتنظيمًا، إنما يكون بين مستوياتٍ
مختلفة من هذا وذاك. وفي إطار هذا المبدأ يصبح ممكنًا:
- بروز التحالفات بين الأضداد المختلفة؛ فيتحالف الرأسمال مع قوة العمل، على الرغم مما بينهما من تناقُض، في مواجهة السلطة.
- تحوُّل أحد أطراف التناقُض إلى نقيضه، فالعدلُ المطلق ظلمٌ مطلق، والنور المطلق ظلامٌ مُطلَق، والقَويُّ الذي تشتد سَطوتُه حتى تتوارى من أمامه أي قوةٍ مضادة، يتهاوى في الضعف، ويحلُّ عليه الموت، والرأسمالية كلما اشتدت قبضتها تحوَّل بعض الرأسماليين أنفسهم إلى عمالٍ أُجراء!
- وهو، ثانيًا: لا يكون دائمًا بين أضدادٍ تتمتع بنفس القدر من القوة وعين المدى من الهيمنة؛ فعلاقات التناقُض، مثلًا، بين الرأسمال وقوة العمل ليست دائمًا متكافئة أو دومًا متوازنة، بل قد يفرض الرأسمال سيطرتَه تارة، وقد تَبسُط، ولو ظاهريًّا، قوة العمل سيطرتها تارةً أخرى.
- وهو، ثالثًا: لا يكون دائمًا بنفس الحدَّة؛ فقد يهادن الرأسمال قوة العمل، أو، في ظروفٍ معينة، يُفعل العكس. وقد يتعادى الطرفان ويقتتلان في ظروفٍ أخرى.
- وهو، أخيرًا: لا يعرف التوقُّف؛ هو في صيرورةٍ دائمةٍ؛ فحينما يتوقَّف التناقُض تتوقف الحياة ويسود الموت؛ إذ حينما ينتهي الضعف في مواجهة القوة، حينما تختفي مؤسسة الحكم في مواجهة المحكومين، حينما يتلاشى مَن يملكون في مواجهة مَن لا يملكون، حينما يختفي النور في مواجهة الظلام … إلخ، حينما يحدث ذلك فسوف تكُفُّ الحياة عن متابعة دورتها الملحمية الخالدة؛ وعليه، يُعلِّمنا التناقُض التحليل الجدلي للظواهر ومن ثم يُجنِّبنا النظراتِ الخطِّية والتفسيراتِ الميكانيكية للأشياء والأفكار؛ وبالتالي يُمكنَّا من فهم الظاهرة، التي بَرزَت نتيجة هذا التناقُض، بغية التعامل معها بذكاء وفعالية ابتداءً من التعرُّف، ولو الأوَّلي، إلى مآل التناقُض من جهة، والكشف عن القانون الموضوعي الذي يحكم حركة الظاهرة من جهةٍ أخرى.١٧ وعلى ذلك، سيكون التجريد١٨ الواعي بالتناقُض، هو المنهج الذي سوف نلتزم به في نَقدِنا لعلم الاقتصاد السياسي. ربما جنَحنا، تيسيرًا، للوصف والرصد تارة، وذهبنا للتفاصيل العامة والدقيقة تارةً أخرى، ولكن يظل التجريد هو منهجنا الأساسي، على أقل تقدير في المواقع المركزية في البناء الفكري لمؤلَّفنا.
والآن، وبعد أن تَعرَّفنا إلى مُكوِّنات الحضارة المنتجة لعلم الاقتصاد السياسي، وموضوعه، والمنهج الذي سوف نستخدمه في أبحاثنا، وهو بطبيعة الحال منهج الاقتصاد السياسي نفسه، فيتعين أن ننتقل لدراسة المادة الخام التي يتكون منها الجسم النظري للاقتصاد السياسي بدراستنا لمنهجية طرح ظاهرتَي الإنتاج والتبادُل، ثم النظرية العامة لقانون القيمة، فقوانين حركة الرأسمال، وذلك في ثلاثةِ فصول تباعًا.
ولقد عبَّر ابن خلدون، وباقتدارٍ شديد، عن التناقُض والتطوُّر الجدلي بقوله: «ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدُّل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدُّل الأعصار ومرور الأيام، وهو داءٌ شديد الخفاء؛ إذ لا يقع إلا بعد أحقابٍ متطاولة فلا يكاد يَتفَطَّن له إلا الآحاد من أهل الخليقة. والسبب الشائع في تبدُّل الأحوال والعوائد أن عوائد كل جيلٍ تابعةٌ لعوائد سلطانه، كما يُقال في الأمثال الحِكَمية: الناسُ على دين المَلِك. وأهل الملك أو السلطان إذا استولَوا على الدولة والأمر فلا بد من أن يَفزَعوا إلى عوائدِ مَن قَبلَهم ويأخذوا الكثير منها ولا يُغفِلوا عوائد جيلهم مع ذلك، فيقع في عوائد الدولة بعض المخالفة لعوائد الجيل الأول، فإذا جاءت دولةٌ أخرى من بعدهم مَزجَت من عوائدهم وعوائدها وخالفَت أيضًا بعض الشيء وكانت للأُولى أشد مخالفة، ثم لا يزال التدريج في المخالفة حتى ينتهي إلى المباينة بالجملة؛ فما دامت الأمم والأجيال تتعاقب في الملك والسلطان لا تزال المخالفة في العوائد والأحوال واقعة. والقياس والمحاكاة للإنسان طبيعة معروفة ومن الغلط غير مأمونة، تخرجه مع الذهول والغفلة عن قصده، وتعوَجُّ به عن مرامه؛ فلربما يسمع السامع كثيرًا من أخبار الماضين ولا يتفطن لما وقع من تغير الأحوال وانقلابها فيجريها لأول وهلة على ما عرف ويقيسها بما شهد، وقد يكون الفرق بينهما كثيرًا فيقع في مهواة من الغلط.» للمزيد من التفصيل، انظر: ابن خلدون، «المقدمة»، ص٢٥٨. وفي مفهوم التاريخ لدى ابن خلدون، كعلم، انظر البحث المهم لمهدي عامل، «في علمية الفكر الخلدوني» (بيروت: دار الفارابي، ١٩٨٥م)، وفي طرحٍ متقن ومتجاوز للنقد السائد، انظر: أطروحة محمد محمد أمزيان، «منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية» (هيرندن، فيرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ١٩٩١م)، بصفةٍ خاصة الفصل الثاني من الباب الرابع.