قوانين الحركة
١
أ
-
التاجر الذي يتوقف دوره عند شراء السلعة وإعادة بيعها بقصد الربح النقدي، سيكون ربحه، وكما سنرى في الباب الثاني، مشتقًّا من ربح الرأسمالي الصناعي. ولا تُعد جميع المصاريف التي ينفقها هذا التاجر على الأجور والأدوات … إلخ، رأسمالًا، إنما هي محض تكاليف تداوُل يقتصر دورها على مجرد تحقيق، لا خلق، الربح المحدد سلفًا في حقل الإنتاج.
-
أما التاجر الذي يقوم، بالإضافة إلى دوره كمنفذ لبيع منتجات الرأسمال الصناعي، بأعمال أخرى كالتعبئة والتغليف … إلخ (كصناعة مستقلة)، فهو ينتج قيمة وقيمةً زائدة في حقل هذا النشاط تُضاف حسابيًّا إلى قيمة السلعة.
والأصل العام لربح التاجر على هذا النحو لا يعني أن القيمة الزائدة لا يمكن أن تنشأ، وفقًا لقانون القيمة، في حقل التجارة، بل يمكن أن تنشأ عن تخزين السلع وشحنها ونقلها … إلخ. ولكن عملية النقل، مثلًا، لن تزيد في قيمة السلعة نفسها، هي فقط تزيد القيمة في حقل خدمة النقل. وبالتالي يمكن (حسابيًّا) ضم القيمتَين عند حساب القيمة الإجمالية للسلعة حينما تُطرح في السوق.
ب
ﺟ
د
-
قانون حركة الرأسمال التجاري «ن − س − ن + Δ ن».
-
قانون حركة الرأسمال الصناعي «ن − [ق ع + و إ] − س − ن + Δ ن».
-
قانون حركة الرأسمال النقدي/المالي «ن − ن − ن + Δ ن».
٢
وفي إطار قوانين الحركة تبرز علاقات التناقُض على عدة مستويات؛ فهي، مثلًا، تبرز أولًا، على مستوى عملية الإنتاج؛ فالطابع الاجتماعي للإنتاج يتناقض مع الملكية الفردية لوسائل الإنتاج. كما تبرز، ثانيًا، على مستوى علاقات الإنتاج؛ فليس الصراع بين العامل، مالك قوة العمل، والرأسمالي، مالك وسائل الإنتاج، بل أيضًا بين العامل والآلة؛ فهما في صراعٍ دائم وينفي أحدهما الآخر. وتبرز، ثالثًا، على مستوى توزيع المنتوج الاجتماعي؛ إذ تسعى كل طبقةٍ مشاركة كانت أم غير مشاركة في عملية الإنتاج إلى الاستحواذ على أكبر نصيب من هذا المنتوج. كما تبرز، رابعًا، حين تجديد الإنتاج؛ فإنفاق الربح في تجديد الإنتاج البسيط أو على نطاق موسَّع، يتناقض مع إنفاق الربح استهلاكيًّا. كما تبرز، خامسًا، على مستوى أدق وحدة في عملية الإنتاج وهي السلعة؛ فمبادلة السلع بالسلع أو بالنقود، يتناقض مع استعمالها أو استهلاكها … إلخ. وهكذا تبرز دومًا علاقات التناقُض ولا تكف عن دفع التطور وتشكيله على الصعيد الاجتماعي، حتى تطيش الأرض بعيدًا عن مدارها.
٣
-
فالتبادل، حقوقيًّا، هو «معاوضة» يأخذ من خلالها كل متبادل مقابلًا لما أعطاه، وذلك بغض النظر عن الحكم التشريعي أو الموقف الأخلاقي؛ فقانون حركة الرأسمال الحاكم للتبادل على صعيد النشاط الاقتصادي، لا يعنيه، بحال أو بآخر، هل المبادلة بين «ن» و«ق ع»، أو بين «ن» و«و إ» تمت على نحوٍ عادل وقانوني أم لا؛ فقانون الحركة لا ينشغل حين انطباقه لحكم علاقة التبادل بأي عيب قد يشوب الإرادة؛ فقد يستغل، أو يكره، أحد الأطراف الطرف الآخر، وقد يدلس عليه، أو يغشه، ومع ذلك لا يتأثر أداء قانون الحركة ويظل يحكم العلاقة؛ لأن الحكم التشريعي أو حتى الموقف الأخلاقي، لا يعني قانون الحركة؛ فبطلان التبادل أو فساده للإكراه أو للغش … إلخ، لا يعطل قانون الحركة ولا يؤثِّر في طريقة عمله.
-
ولأن قانون حركة الرأسمال يحكم علاقات التبادل، ذات الطبيعة التعاوضية، بغض النظر عن الحكم التشريعي أو الموقف الأخلاقي، ويمثل على هذا النحو القاعدة التي تعمل عليها جميع النظم الاجتماعية؛ فهو لا يعنيه، بحال أو بآخر، هل عبدٌ «يعاوض» سيدًا، في مقابل شربةِ ماءٍ وكِسرة خُبز؟ أم قنٌّ «يعاوض» إقطاعيًّا لقاء جزء من المحصول؟ أم عاملٌ مأجور يعاوض رأسماليًّا مقابل الأجر؟ إن الوعي بهذه الطبيعة الحقوقية سيكون حاسمًا في إعادة طرح وتصحيح نظرية نمط الإنتاج؛ وبالتالي إعادة طرح مفهوم الرأسمالية (التي هي خضوع الإنتاج والتوزيع في المجتمع لقوانين حركة الرأسمال)، كما سنرى ذلك تفصيلًا في الفصل الخامس من الباب الثالث.
•••
والآن، وبعد أن تَوافَرَت لدينا الخطوط العريضة للمادة الخام لعلمنا، يمكننا الانتقال إلى النقد الداخلي للعلم؛ بنقد مبادئ علم الاقتصاد السياسي كما تَبلْوَرَت من خلال مساهمات الآباء المؤسسين.
“The expression Capitalist Production is generally used in one of two senses. It designates either a production which avails itself of the assistance of concrete capital (raw materials, tools, machinery …), or a production carried on for the behoof and under the control of private capitalist undertakers. The one is not by any means coincident with the other. I always use the expression in the former of these two meanings”. E. Böhm-Bawerk, “The Positive Theory of Capital” (London: Macmillan. 1888), p. 236.
أي إن مستوى ظهور الكلمة حتى هذه الفترة التاريخية المبكرة كان مستوى حقل التداوُل؛ إذ لم يكن يُوجد أيُّ ارتباطٍ بين كلمة الرأسمال وأي كلمة بشأن عملية الإنتاج. ويتعين أن ننتظر مجيء الآباء المؤسِّسِين لعلم الاقتصاد السياسي حتى ينتقل مستوى ظهور الكلمة من مستوى حقل التداوُل إلى مستوى حقل الإنتاج؛ حينما تأخذ الكلمة في التبلور على يد مُفكِّري القرن الثامن عشر؛ فروبرت ترجو (١٧٢٧–١٧٨١م)، وهو من عظماء الطبيعيِّين، يُعرِّف الرأسمال بأنه: «قيمٌ متراكمة». انظر: “These accumulated values are what we name a capital”. R. Jacques Turgot, “Reflections on the Formation and Distribution of Wealth” (London: E. Sprag, 1898), p. 56.
ومع جيمس مِلْ (١٧٧٣–١٨٣٦م) تأخذ الكلمة في الابتعاد عن كونها مجرد لفظٍ يُعبِّر عن مبلغ من النقود، إلى اعتبارها مصطلحًا يُعبِّر عن عملية إنتاجٍ كاملة تعني إنتاج السلع بالسلع من أجل السوق؛ فلقد رأى جيمس مِلْ أن الرأسمال: «سلعة معدَّة لإنتاج سلعة». أما ريكاردو فقد رأى أن الرأسمال: «هو ذلك الجزء المستثمر من ثروة الدولة في الإنتاج والذي يتألف من الغذاء والكساء والأدوات والمواد الخام والآلات.» ويُعرِّفه مالتس (١٧٦٦–١٨٣٤م) بأنه: «رصيد الأمة الموظف في الإنتاج وتوزيع الثروة أو هو ثروة متراكمة تجني الأرباح بالإنتاج.» انظر: Malthus, “Definitions in Political Economy” (London: John Murray, 1827), p. 92.
ويُحرِز جان باتست ساي (١٧٦٧–١٨٣٢م)، في إطار التصور العام للكلاسيك، تقدمًا حينما يعتبر أن الرأسمال، المنتج، يتضمن المباني والآلات والمواد الخام ووسائل معيشة المنتِج، بالإضافة إلى النقود نفسها. انظر: J.B.Say, “A Treatise on Political Economy” (Philadelphia: Lippincott, Grambo & Co, 1855), p. 59.
أما جون ستيوارت مل (١٨٠٦–١٨٧٣م) فقد ذهب إلى تعريف مصطلح الرأسمال بأنه: «المخزون المتراكم من إنتاج العمل.»
J. S. Mill, “Principles”, cit, op, p. 328.
ورأى سيسموندي (١٧٧٣–١٨٤٢م) أن الرأسمال هو: «قيمة تضاعف نفسها باستمرار بواسطة الإنتاج.» وهكذا نقترب من الصياغة النهائية التي سوف يعلنها ماركس للكلمة على أساسٍ من أن الرأسمال ليس مبلغًا من المال أو النقود، إنما هو علاقةٌ اجتماعية من جهة، ووسيلةُ إنتاجٍ من جهةٍ أخرى؛ حيث تتحول وسائل الإنتاج مع المجتمع البرجوازي إلى رأسمالٍ يُستخدم في إنتاج السلع من أجل السوق بقصد الربح. وسوف يعتبر ماركس هذه الصفة حاسمةً في تحديد أسلوب الإنتاج في المجتمع المعاصر. ولعل التطور الذي لحق استخدام كلمة الرأسمال، لغةً ومصطلحًا، وانتقال استخدام الكلمة من مستوى حقل التداول إلى مستوى حقل الإنتاج، قد جاء نتيجة عدةِ عواملَ تضافَرت على صعيد الواقع، منها تبلور الصناعات الحديثة وهيمنتها في غرب أوروبا؛ وبالتالي سيادة الإنتاج المتزايد من خلال الآلة من أجل السوق بقصد الربح، بالإضافة إلى تأزم الصراع الطبقي في حقل اقتسام المنتوج الاجتماعي بين كبار ملَّاك الأراضي (الريع) والرأسماليين (الربح) والعمال (الأجر) كصراع بين طبقاتٍ اجتماعيةٍ متناقضة في حقل التوزيع. وعلى صعيد الفكر صار الانشغال الجوهري متركزًا في حقل الإنتاج المادي للسلع، في محاولة لتقديم إجابة عن سؤالَين محددَين بدقة: السؤال الأول: كيف تزيد ثروات الأمم؟ وهو سؤال يتعلق بالإنتاج، وليس التداول. والسؤال الثاني: ما هي القوانين الموضوعية التي تحكم اقتسام هذه الثروات بين أعضاء المجتمع المنتج لها؟ وهو سؤال منشغل بالتوزيع. وعليه، سيصبح من المستقر في اللغتين الإنجليزية والفرنسية اعتبار كلمة الرأسمال، كمصطلح، معبرةً عن الثروة أو وسائل الإنتاج الموظَّفة في الإنتاج من أجل الربح أو العائد. نخلص إلى أن المعنى الذي سوف يُقدِّمه الاقتصاد السياسي للرأسمال، وفقًا لاعتبارات واقع فرض هيمنته، هو المعنى الذي سوف تعتمده اللغة الإنجليزية وكذا الفرنسية، انظر: Henry Higgs, “Palgrave’s Dictionary of Political Economy” (London: Macmillan and Co., Ltd, 1929), p. 217–23. “Petit Larousse” (Paris: Librairie Larousse, 1977), p. 165-6.
ولذا سنجد موسوعة كولومبيا تذكر: «في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي يُعد الرأسمال العنصر الثالث من عناصر الإنتاج مع العمل والأرض.» “The Columbia Encyclopedia” (Columbia University Press, 1959), p. 347. ولكن فات الموسوعة الشهيرة أن توضح، لأن هذا مهم، أن اعتبار الرأسمال عنصرًا من عناصر الإنتاج إنما جاء بعد جهودٍ كبيرة من قِبل مُفكِّرِي الاقتصاد السياسي بشأن «العمل المنتج» و«الثروة»؛ فالاقتصاد السياسي، كما علمنا، يُعرِّف العمل المنتج بأنه: «العمل الذي ينتج الثروة»؛ ومن ثَمَّ يُعد العمل غير المنتج للثروة عملًا غير منتج على الإطلاق. وتجد الثروة مصدرها، في التصورات الأولى لرواد علم الاقتصاد السياسي، مثل وليم بتي وريتشارد كانتيون، في أمرَين؛ أولهما: الأرض (كمصدر لجميع الثروات)، وثانيهما: العمل، الذي «ينتج هذه الثروة»، أو وفقًا لعبارة وليم بتي المعروفة: «العمل أبو الثروة والأرض أمها». ويصبح من الضروري الانتظار مائة عام تقريبًا حتى يتم اعتبار الرأسمال مصدرًا ثالثًا على يد مالتس؛ إذ اعتنق مالتس التصور الكلاسيكي الذي يرى مصدر الثروة في الأرض والعمل كمصدرَين أساسيَّين، وأضاف الرأسمال على أساس أن العمل والأرض في حاجة إلى الرأسمال، لأنه كما يقول: «ضروري من أجل إنتاج الثروة؛ فيمكن من ثَمَّ اعتبار الرأسمال مصدرًا ثالثًا للثروة!» ولقد أضاف البعض من رجال المعاجم، إلى أشكال الرأسمال، المعرفة المنتَجة من خلال البحث العلمي، انظر: D. Greenwald, “Encyclopedia of Economics” (N.Y: McGraw-Hill Co., 1982), p. 112.
ولقد صار من المستقر، لدى فقهاء القانون المدني، أن الرأسمال لم يعُد مُعبِّرًا عن مبلغ من النقود وإنما صار: «يشمل الأشياء المادية، منقولةً أو عقارية، والأشياء المعنوية، كالحقوق الشخصية، ومحالِّ التجارة، والملكية الأدبية، وحقوق المؤلفِين، وشهادات الاختراع.» انظر: محمد كامل مرسي، «شرح القانون المدني»، تنقيح محمد علي سكيكر، ومعتز كامل مرسي (الإسكندرية: منشأة المعارف، ٢٠٠٥م)، ج٢، ص٥١٠. ولدى الأستاذ السنهوري ما يطابق ذلك تقريبًا؛ فنجد في الوسيط: «أن الرأسمال قد يكون نقودًا أو أوراقًا مالية أو منقولات أو عقارات أو حق انتفاعٍ أو دَينًا في ذمة الغَير أو اسمًا تجاريًّا أو شهادة اختراع أو عملًا أو غير ذلك مما يصلح أن يكون محلًّا للالتزام.» انظر: عبد الرزاق السنهوري، «الوسيط في شرح القانون المدني»، تنقيح أحمد مدحت المراغي (الإسكندرية: منشأة المعارف، ٢٠٠٤م)، الجزء الخامس، ص١٩٥. وقارب: «… الرأسمال هو كل ثروة تعود على صاحبها بفائدة أو من شأنها العودة بدخل أو ريعٍ على مالكها، أو كل ثروة لا تُستعمل في الاستهلاك المباشر، وإنما تُستخدم من أجل جعل إنتاج الثروات أكثر وفرةً أو أيسر.» انظر: A. Lalande, “Vocabulaire Technique et Critique De la Philosophie”, Vol. 1, p. 65.