نقد موضوعات دافيد ريكاردو
١
يتقدم ريكاردو بالاقتصاد السياسي خطوةً إلى الأمام على صعيد موضوع العلم محل انشغاله، أو على الأقل يُعيد النظر في موضوع الاقتصاد السياسي عند سميث ويتجاوزه؛ فلقد رفض ريكاردو اعتبار الاقتصاد السياسي علمًا منشغلًا بالبحث في طبيعة وأسباب الثروة، كما كان يرى سميث، معتبرًا أن الإشكالية الأساسية في علم الاقتصاد السياسي تتركَّز في تحديد القوانين التي تُنظِّم عملية توزيع القيمة التي يخلقها العمل؛ أي الكشف عن القوانين الموضوعية التي تحكم توزيع القيمة بين الطبقات الاجتماعية المشاركة، وربما غير المشاركة، في عملية الإنتاج، وهي طبقة الملَّاك العقاريين وطبقة الرأسماليين وطبقة العمال:
٢
٣
- (١) في حين انتهى سميث إلى أن قيمة السلعة تتحدد بكمية العمل المبذول في سبيل إنتاج السلعة الأخرى المتبادل بها، وبالتالي تصبح السلعة ذات قيمتَين؛ الأولى طبقًا لكمية العمل الضروري المنفَق في إنتاجها، والثانية وفقًا لكمية العمل الضروري المبذول في إنتاج السلعة الأخرى، فقد أراد ريكاردو تجاوز هذه الثنائية، مقررًا، على الأقل في المراحل الأولى من تفكيره في «المبادئ»، أن القيمة٤ تتحدد بكمية العمل النسبي؛ أي تتحدد بكمية العمل الضروري المبذول في السلعة المعنية مقارنةً بكمية العمل الضروري المبذول في سبيل إنتاج السلعة الأخرى المتبادل بها. وهو يصر على إبراز موقفه في هذا الصدد، رافضًا أن يُنسب إليه غير ذلك، فيقول:
«من الضروري الانتباه إلى أنني لم أقل إن سلعة أُنفق في سبيل إنتاجها ١٠٠٠ جنيه، وأخرى ٢٠٠٠ جنيه، تصبح قيمة إحداهما ١٠٠٠ والثانية ٢٠٠٠، إنما قلت بأن قيمتهما إلى بعضهما البعض هي اثنان إلى واحد، وبهذا التناسب تتم المبادلة بينهما.» («المبادئ»، الفصل الأول، القسم السادس).
الظاهر من نص ريكاردو أنه يراجع سميث وينتقد نظريته في القيمة، ولكن الحقيقة أن نقد سميث لم يكن يشغل ذهن ريكاردو؛ إنما الذي كان يشغله هو السؤال الذي لم يجد له إجابة أبدًا، وهو: لماذا يكون الأجر أقلَّ من القيمة التي يخلقها العمل؟ وبالتالي حرص على عدم الاهتمام بالقيمة المطلقة والانشغال بالقيمة النسبية، والسبب: أن العامل يخلق سلعة قيمتها ٨ ساعات مثلًا، ولتكن كيلوجرام من القمح، ولكنه يتلقَّى في مقابل ذلك، كأجر، سلعة لا تزيد قيمتها مثلًا عن ٤ ساعات من العمل، ولتكن كيلوجرام من الأرز.٥ فلو طبق ريكاردو قانون القيمة فسيجد خللًا؛ لأننا في هذه الحالة سنعطي العامل ٤ ساعات عمل (كيلو أرز) في مقابل ٨ ساعات عمل (كيلو قمح)! أي إننا سنكون أمام ٨ ساعات = ٤ ساعات، وهو ما يخالف قانون القيمة؛ ولذا، لجأ ريكاردو إلى تحديد قيمة مبادلة السلعة، ودائمًا، مقارنةً بالسلعة الأخرى؛ وعليه، تصبح قيمة الكيلوجرام من القمح مقدرة بكمية العمل النسبي المبذول في إنتاجها. أي تصبح قيمة القمح بالنسبة للأرز تساوي ١:٢. وعلى ما يبدو أن هذا المخرَج النظري كان مريحًا لريكاردو، على الرغم من أنه لم يحل له أبدًا مشكلة عدم التكافؤ بين الرأسمال والعمل. - (٢)
يقيس ريكاردو، مثل سميث، القيمة بكمية العمل. بيد أنه يرى أن القيمة لا تُقاس بكمية العمل المنفَق في سبيل إنتاج السلعة المعنية، ولا بكمية العمل المنفَق في سبيل إنتاج السلعة الأخرى المتبادل بها، إنما تقاس، وكما ذكرنا، بكمية العمل النسبي؛ أي مقارنةً بكميات العمل المبذول في سبيل إنتاج السلعتَين محل التبادل. وهو يعتد، وكما ذكرنا أيضًا، بكمية العمل المبذول في سبيل إنتاج الذهب كمقياسٍ عام:
«حيث يمكن للذهب أن يُعتبر سلعةً تُنتج بأجزاء من الرأسمال الأساسي والدائر الأقرب للكمية الوسطى الموظفة في إنتاج جُل السلع فيمكن أن تكون هذه الأجزاء بعيدة بنفس المسافة من الحد الأقصى لكل من الرأسمال الأساسي والدائر بحيث تشكل معدَّلًا وسطيًّا» («المبادئ»، الفصل الأول، القسم السادس).
وإذا كان هذا هو رأي ريكاردو في الفصل الأول، وعلى أفضل تقدير في الفصول الأولى من كتاب «المبادئ»، فإن هذا الرأي سوف يكون محل شك من قِبل ريكاردو نفسه، في الفصل العشرين، حين يجد نفسه مضطرًّا إلى الاعتراف بأن الذهب، أو الذرة، أو العمل، مثلهم مثل الفحم الحجري أو الصابون … إلخ، لا يمكن اعتبارهم مقياسًا ثابتًا للقيمة. ويقرر أن العلم، حينما يتطور، ربما يقدم لنا هذا المقياس الثابت. ولقد رأينا، في الفصل السادس من الباب الأول، أن العلم قد تطور الآن فعلًا وتمكَّن من تقديم المقياس ووحدة القياس الثابتَين في الكالوريميتر والسُّعر الحراري.
- (٣) يفرق ريكاردو، مثل سميث، بين أنواع الأثمان، وبصفةٍ خاصة بين الثمن الطبيعي وثمن السوق، وهو يُعمِّم هذه التفرقة على جميعِ ما يُباع ويُشترى في السوق من سِلع. وطالما أن «قوة العمل»٦ سلعة تُباع في سوق العمل لمن يشتريها في مقابل الأجرة، فإن الثمن الطبيعي لقوة العمل هو الذي يكون ضروريًّا لتمكين العمال من العيش وإدامة عرقهم، دون زيادة أو نقصان، إنما يعني حدَّ الكفاف. وحينما تطرح قوة العمل كسلعة في السوق نكون أمام ثمن قوة العمل في السوق. وثمن السوق عند ريكاردو، مثل سميث، يخضع في تقلُّباته لقوى السوق، ولكن هذه التقلبات ارتفاعًا وانخفاضًا إنما تتم حول الثمن الطبيعي. والحد الضروري من وسائل المعيشة عند ريكاردو، كما سيكون عند ماركس، ليس ثابتًا وإنما يتأثر بشروطٍ اجتماعية وتاريخيةٍ تُحدِّد مُكوِّناته.
«العمل مثل جميع الأشياء التي تباع وتشترى، يكون له ثمنٌ طبيعي وثمن في السوق، أما الثمن الطبيعي فهو الذي يكون ضروريًّا لتمكينِ العمال من العيش وإدامة عرقهم دون زيادة أو نقصان، وإن قوة العمل اللازمة لإعالة العامل وأُسرته وإنجاب المزيد من العمال لا تعتمد على كمية المال الذي يدفع كأجور، إنما تعتمد على كمية المواد الغذائية والضرورية والراحة المعتادة التي يمكن شرائها بتلك النقود، والثمن الطبيعي للعمل يعتمد على عادات وتقاليد البشر» («المبادئ»، الفصل الخامس).
- (٤)
يقارن ريكاردو، مثل سميث، بين العمل البسيط والعمل المركب: ولم تعد مشكلة الاختلاف في الشدة والبراعة تقف أمامه عائقًا حين المبادلة، إنما صار يمكن المقارنة، وفقًا للسوق، بين الكمية «س» من العمل البسيط والكمية «ص» من العمل المركب. ولكن دون أن يصل، كما لم يصل سميث، إلى القانون الموضوعي الذي يحكم المقارنة بين نوعَي العمل.
- (٥) يؤمن ريكاردو، كما سميث، بأن قيمة السلعة تنظمها كمية العمل المبذول في سبيل إنتاجها، وإن أي تغيُّر في كمية العمل الذي تحتوي عليه السلعة يستصحب، مباشرة، التغيُّر في قيمة السلعة. ولكن، أي نوع من العمل؟ الإجابة عن هذا السؤال ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالوعي بتطور أفكار ريكاردو نفسه بوجهٍ عام٧ وتطور الأفكار في كتاب «المبادئ» بوجه خاص؛ فبعدما انتهى ريكاردو إلى تحديد قيمة السلعة بكمية العمل الضروري النسبي المبذول في إنتاجها، رأى أن تلك القيمة لا تتوقف فقط على العمل الضروري النسبي المنفَق مباشرة في إنتاجها، إنما يأخذ في الاعتبار أيضًا العمل الضروري النسبي المنفَق في سبيل إنتاج المباني والأدوات الضرورية لتحقيق هذا العمل؛ ومن ثَم، تتساوى قيمة السلعة التي تحتوي على ٤ ساعات من العمل الحي، و٦ ساعات من العمل المختزن، مع قيمة السلعة التي تحتوي على ساعتَين من العمل الحي، و٨ ساعات من العمل المختزن. القيمة عند ريكاردو، تتكون إذن من (العمل الحي + العمل المختزن) وتنتظم، في مرحلةٍ أولى من تفكيره، على أساس كمية العمل الضروري المبذول في الإنتاج.
«القاعدة العامة التي تنظم قيمة المادة الخام والسلع المصنعة تنطبق ذاتها على المعادن؛ فقيمتها لا تعتمد على معدل الأرباح أو الأجور أو الريع المستحق للمالك، بل على الكمية الكلية للعمل اللازم لاستخراج المعدن وإيصاله إلى السوق» («المبادئ»، الفصل الثالث).
وفي مرحلةٍ ثالثة من مراحل تطوره الفكري، يخالف ريكاردو مذهبه ومنهجه، وينتهي إلى أن القيمة لا تنتظم بالعمل والربح، بل أن:
«نفقة إنتاج الذرة تُنظِّم ثمنها، وهذا يعني أن ما يرفع من نفقة إنتاجها سوف يرفع من الثمن وما يخفضه سوف يخفض الثمن كذلك» («المبادئ»، الفصل التاسع).
«نفقة الإنتاج هي التي يجب أن تنظم ثمن السلعة في النهاية. خفض نفقة إنتاج القبعات ينخفض ثمنها في نهاية المطاف إلى الثمن الطبيعي الجديد» («المبادئ»، الفصل الثلاثون).
«أن ضريبة الذرة ترفع قيمتها بما يتناسب مع الضريبة.» («المبادئ»، الفصل التاسع).
ولكن، الضريبة ليست عملًا حيًّا ولا مختزنًا، ولا زائدًا، ولا تتجسد بالتالي في المنتوج؛ ومن ثَم لا علاقة لها بالقيمة. إنما هي، ظاهريًّا، محض اقتطاعٍ نقدي من الربح وربما أُضيفت أحيانًا إلى نفقة إنتاج السلعة، ولكنها لا تدخل في قيمتها. والذي يتحملها على «مستوى تحقيق الربح» على صعيد تحليل الكل الاقتصادي هو الرأسمالي.
نلاحظ هنا أن ريكاردو وعلى الرغم من تقدمه خطوةً مهمة في سبيل الكشف عن العمل المختزن، ومن ثَم صارت مُكوِّنات القيمة، وبالتالي منظمها، في طريقهما للاكتمال؛ إذ أضحت مكونة من «العمل الحي» + «العمل المختزن»، إلا أنه لم يستطع استكمال مُكوِّنات القيمة بعدم وصوله إلى «العمل الزائد»، الذي سيصل إليه ماركس عند أعلى مستويات التجريد الذي تعلمه من ريكاردو نفسه.
٤
«هناك قيمةٌ إضافية بجب إضافتها للتعويض عن الوقت المستلزم حتى تصل السلعة إلى السوق» («المبادئ»، الفصل الأول، القسم الرابع).
فنحن نعرف أن ريكاردو انتهى، على الأقل في الفصل الأول من «المبادئ»، إلى أن قيمة السلعة تنتظم بكمية العمل، وحين مبادلة تلك السلعة بسلعةٍ أخرى فإن التبادل يتم على أساس عدد ساعات العمل النسبي الضروري المبذول في سبيل إنتاجها (العمل الحي) بالإضافة إلى عدد ساعات العمل النسبي الضروري المبذول في سبيل إنتاج الرأسمال الموظف في سبيل هذا الإنتاج (العمل المختزن)؛ ومن ثم يصبح السؤال الذي يتعين إثارته هنا، واتصور أنه ثار في ذهن ريكاردو، وجُل مفكري الكلاسيك، هو: كيف يمكن المبادلة، ووفقًا لقانون القيمة، بين النبيذ الذي استغرق صنعه ٦٠ ساعة من العمل الحي و٦٠ ساعة من العمل المختزن، وظل في القبو لمدة ١٢٠ يومًا قبل أن ينتقل إلى السوق، وبين الفخار الذي استغرق صنعه ٦٠ ساعة من العمل الحي و٦٠ ساعة من العمل المختزن، وظل في التجفيف لمدة ٦٠ يومًا فقط قبل أن ينتقل إلى السوق؟
فالسلعتان، النبيذ والفخار، وليكن ٦٠ لترًا من النبيذ، و٦٠ إناءً من الفخار، استغرق إنتاج كلٍّ منهما ١٢٠ ساعة عمل؛ أي نفس كمية العمل؛ ومن ثَم يكون من المتعيَّن مبادلتهما، وفقًا لقانون القيمة، بنسبة ١:١، أي: نبادل لترًا واحدًا من النبيذ بإناءٍ واحد من الفخار. ولكن، أليس للزمن هنا اعتبار؟ فما الذي يجعل صاحب النبيذ يستمر في الإنتاج إذا لم يحصل على مكافأة الانتظار مدةً إضافية حتى نضج منتجه؟ وما الذي، كذلك، يجعله ينتظر ٦ أشهرٍ إضافية، دون الحصول على دخلٍ إضافي في صورة فائدة أو ربحٍ إضافي؟
ولذلك، وجد ريكاردو أهمية في إدخال عنصر الزمن:
«أن السلع التي تتساوى كميات العمل الداخل فيها ستختلف قيمتها التبادلية إذا لم تصل في الوقت نفسه إلى السوق. ثَمَّة قيمةٌ إضافية للتعويض عن الوقت الذي يستلزم حتى تصل السلعة إلى السوق وقيمة هذا الوقت طويلًا كان أم قصيرًا» («المبادئ»، الفصل الأول، القسم الرابع).
٥
فعلى صعيد التوزيع، يعتنق ريكاردو نفس نظرية سميث، لكنه يستبعد الريع؛ فالقيمة التي يخلقها العمل تنحل لديه إلى ربح العمل المختزن، وأجر العمل الحي:
٦
٧
وعلى هذا النحو يصل ريكاردو إلى نتيجةٍ جوهرية، سوف يؤمن بها الاقتصاد السياسي من بعده أو على الأقل سوف يعتد بإطارها العام مع اختلاف التفسيرات والأسانيد؛ هذه النتيجة هي أن التبادل الدولي محكوم بقوانين تختلف عن تلك التي تحكم التبادل الداخلي من جهتَي منظم القيمة ومحددها:
«القيمة النسبية للسلع التي يتم تبادلها بين بلدَين أو أكثر لا تنظمها نفس القاعدة التي تنظم القيمة النسبية للسلع في البلد الواحد. إن كمية النبيذ التي ستقدمها البرتغال مقابل نسيج إنجلترا لن تتحدد بكمية العمل الكائنة في كلٍّ من السلعتَين كما لو أن السلعتَين أُنتجتا في إنجلترا أو في البرتغال» («المبادئ»، الفصل السابع).
فلنرجع إلى مثال ريكاردو، ونبحث العلاقة بين السلعتَين في البلد الواحد؛ أي العلاقة بين النبيذ والنسيج البرتغاليَّين، والعلاقة بين النبيذ والنسيج الإنجليزيَّين، ثم العلاقة بين كل سلعة من السلعتَين في كل بلد من البلدَين. وفقًا لريكاردو لدينا قاعدة ذات ثلاثة أجزاء، يقول الجزء الأول منها إن:
«عمل ١٠٠ إنجليزي لا يُبادل بعمل ٨٠ إنجليزيًّا» («المبادئ»، الفصل السابع).
وإعمالًا لهذا الجزء الأول من القاعدة، والذي يتطابق مع قانون القيمة، فلن تُبادل وحدةٌ واحدة من النبيذ البرتغالي الذي يتكلف ٨٠ وحدة عمل، بوحدةٍ واحدة من النسيج البرتغالي الذي يتكلف ٩٠ وحدة عمل، وإنما سيتم التبادل وفقًا لقانون القيمة بنسبة ٨٠ : ٩٠ أي إن وحدةً واحدة من النبيذ البرتغالي سوف تُبادل ﺑ ٠٫٨٨ وحدة تقريبًا من النسيج البرتغالي، وهذا تبادلٌ متكافئ.
كذلك الأمر بصدد النبيذ والنسيج الإنجليزيَّين؛ فلن تُبادل وحدةٌ واحدة من النبيذ الإنجليزي الذي يتكلف ١٢٠ وحدة عمل بوحدةٍ واحدة من النسيج الإنجليزي الذي يتكلف ١٠٠ وحدة عمل، وإنما سيجري التبادل، وفقًا لقانون القيمة أيضًا، بنسبة ١٢٠ : ١٠٠ أي أن وحدةً واحدة من النبيذ الإنجليزي ستُبادل ﺑ ١٫٢٠ وحدة من النسيج الإنجليزي. وهذا أيضًا تبادلٌ متكافئ. فأين إذن التبادل غير المتكافئ؟ الواقع أن التبادل غير المتكافئ يبدأ وينتهي مع الجزء الثاني من القاعدة الذي يقول:
«يمكن أن يبادل عمل ١٠٠ إنجليزي بعمل ٨٠ برتغاليًّا أو ٦٠ روسيًّا أو ١٢٠ هنديًّا» («المبادئ»، الفصل السابع).
وفقًا لهذا الجزء الثاني من القاعدة، والذي لا يستند إلى أي سببٍ معقول، يتقرر مبدأ التبادل غير المتكافئ كإمكانية، ولكن لِمَ عمل ١٠٠ إنجليزي لا يُبادل بعمل ٨٠ إنجليزيًّا، ويُبادل بعمل ٨٠ برتغاليًّا أو ٦٠ روسيًّا أو ١٢٠ هنديًّا؟ يجيب ريكاردو بالجزء الثالث والأخير من القاعدة:
«يمكن شرح ذلك بسهولة من خلال تحديد الصعوبة التي تواجه تحرك الرأسمال بين بلد وآخر» («المبادئ»، الفصل السابع).
- (١) فهو غير واقعي لأن الرساميل، ربما، لن تنتقل من إنجلترا إلى البرتغال لإنتاج النبيذ والنسيج، وهذا هو السند الذي يشيد عليه ريكاردو نظريته بأسرها، ولكن النبيذ والنسيج البرتغاليَّين نفسهما سوف ينتقلان إلى إنجلترا لجني المزيد من الأرباح الناشئة عن اختلاف القيمة الاجتماعية في كلٍّ من البلدين.١٩ فتاجر النبيذ البرتغالي يستطيع أن يبيع نبيذه في إنجلترا ﺑ ٨٥ وحدة ويجنى ٥ وحدات ربحًا إضافيًّا. كما يمكن لتاجر النسيج البرتغالي أن يبيع نسيجه في إنجلترا ﺑ ٩٥ وحدة ويجني بالتالي ربحًا إضافيًّا قدره ٥ وحدات كذلك. وذلك كله دون انتقال الرساميل من إنجلترا إلى البرتغال.٢٠
- (٢)
وفقًا لقانون القيمة يجب أن يأتي التبادل بين السلعتَين؛ أي بين النبيذ البرتغالي والنسيج الإنجليزي بنسبة ٨٠ : ١٠٠ أي ٠٫٨ : ١، وليس ١ : ١، وتُؤخذ في الاعتبار، وطبقًا لقانون القيمة أيضًا، جميع الصعوبات المشار إليها كنفقات الشحن والنقل ومصاريف انتقال الرساميل عَبْر الحدود وتغيُّر التكاليف … إلخ، ولا يُوجد أي مبررٍ مفهوم، أو حتى غير مفهوم، لجعل التبادل يتم بين النبيذ البرتغالي (٨٠ وحدة عمل) والنسيج الإنجليزي (١٠٠ وحدة عمل) بنسبة ١ : ١ أي على نحوٍ غير متكافئ! إلا أن يتم افتراض، وبطريقةٍ تحكمية دون سند من واقع، أن التبادل بين النبيذ البرتغالي والنسيج الإنجليزي يجري، وعلى نحوٍ غير متكافئ، بنسبة ١ : ١. وهذا بالتحديد ما فعله ريكاردو، وسار خلفه علم الاقتصاد السياسي خلال مائتي عام. ولسوف نعود لمناقشة موضوع التبادل غير المتكافئ حينما نناقش موضوعات كارل ماركس.
والتصور الذي نفترض سلامته هو الذي يفحص طريقة ريكاردو بالاقتراب أكثر من روح الاقتصاد السياسي عند ريكاردو نفسه. الاقتصاد السياسي كعلم يهدف إلى الكشف عن «القوانين الموضوعية» التي تحكم التوزيع، وهو الأمر العسير علميًّا بدون التجريد. بدون العلو بالظاهرة، محل البحث، عن كل ما هو ثانوي؛ ﻓ «ريكاردو هو رجل المنطق والمفكر النظري الذي يجرد من كل العوامل الثانوية التي تنحرف بالذهن عما هو جوهري في الظاهرة، وذلك بقصد التوصل إلى الأفكار الرئيسية، مستخدمًا أساسًا الاستنباط كطريقة للاستخلاص المنطقي، أما طريقة سميث في التحليل فهي طريقة نيوتن؛ أي التوصل إلى حقائق بسيطة عن طريق التعميم الذي يؤدي به إلى الفكرة المركبة؛ باختصار يستخدم سميث الاستقراء.» بتصرفٍ يسير عن: بارتولي، «تاريخ الفكر الاقتصادي»، مذكور في: دويدار، «المبادئ»، ص١٩٦.