نقد موضوعات كارل ماركس
١
وابتداءً من تحديده الاقتصاد السياسي الكلاسيكي بأنه العلم المنشغل بدراسة:
وباستخدام أعلى درجات التجريد:
«لا يمكن لتحليل الأشكال الاقتصادية استخدام المجهر أو الكواشف الكيمياوية، بل يجب على قوة التجريد أن تحل محل هذا وتلك» («رأس المال»، مقدمة الطبعة الألمانية الأولى، ١٨٦٧م).
انشغل ماركس بظاهرة القيمة التي تدور في فلكها علاقات نمط الإنتاج الرأسمالي؛ الأمر الذي جعله يبدأ من تحليل السلعة؛ لأنها التي تتجسد فيها القيمة:
«في المجتمعات التي يهيمن عليها نمط الإنتاج الرأسمالي تتبدى الثروة بوصفها تكديسًا هائلًا من السلع، بينما تتبدى كل سلعة كشكلٍ أوَّلي لهذه الثروة؛ لذلك يتعين البدء بتحليل السلعة» («رأس المال»، الفصل الأول).
وفي أثناء تحليله يسير على نفس خُطى سميث وريكاردو؛ حيث يفرق بين قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة، والأُولى لديه هي التي تشكل المضمون المادي للثروة في المجتمع، وتبرز الثانية كعلاقةٍ كمية، أي كنسبة يجري بموجبها تبادل قيمٍ استعمالية من نوعِ ما بقيمٍ استعمالية من نوعٍ آخر. ويستخدم ماركس، كما أسلافه، القيمة النسبية بنفس معنى القيمة التبادلية.
«إنني أقصد بقوة العمل أو القدرة على العمل، مجموع القدرات الجسدية والمعنوية التي تمتلكها أعضاء الإنسان؛ أي شخصيته الحية التي يستخدمها في كل مرة ينتج فيها قيمًا استعمالية. إن قيمة قوة العمل تتحدد مثل أي سلعةٍ أخرى بوقت العمل الضروري لإنتاجها وبالتالي لتجديد إنتاجها. إن قيمة قوة العمل هي قيمة وسائل المعيشة الضرورية للحفاظ على بقاء صاحبها. ويتضمن مجموع وسائل المعيشة الضرورية لإنتاج قوة العمل وسائل المعيشة لأولئك البدلاء، أي أطفال العمال» («رأس المال»، الكتاب الأول، الفصل الرابع).
٢
وحينما ينتقل ماركس لمقياس القيمة، يكرر، وبمنتهى الدقة، عدم دقة أسلافه! ولكي يخرج من متاهة «المقياس/المقدار» الذي أدخل سميث فيها الاقتصاد السياسي، يطرح، وكما ذكرنا، السؤال: كيف سنقيس مقدار القيمة؟ ويجيب: من الواضح أن ذلك سيكون بكميةِ ما تتضمنه من العمل الذي هو الماهية الخالقة للقيمة. العمل إذن عند ماركس، كما سميث وريكاردو، هو مقياس القيمة.
ولكن، كيف نقيس كمية العمل ذاتها؟ يجيب ماركس أيضًا: نقيسها بطوله، بوقت العمل. بينما يجد وقت العمل، بدوره، معاييره في أجزاءٍ محددة من الزمن كالساعة واليوم. اعتدَّ ماركس إذن بكمية العمل، وإنما ابتداءً من اعتبارها «مقياس مقدار!» القيمة، ثم يُضطر، نتيجة عدم وضوح المقياس، إلى قياس المقياس نفسه! وحينئذٍ ينتهي إلى أن القيمة تُقاس بكمية العمل، وكمية العمل تُقاس بوقت العمل؛ أي إنه يخلص إلى أن القيمة تُقاس بالوقت، بالزمن، خالطًا كذلك بين المقياس (كمية العمل) ووحدة القياس (اليوم، الدقيقة، … إلخ)!
حتى لو سايرنا ماركس، وقلنا معه أن كمية العمل تُقاس بالزمن الذي يُبذل (خلاله) ذلك المجهود الإنساني، والزمن يُقاس بطول يوم العمل، وطول يوم العمل يُقاس بأجزاءٍ محددة من الزمن كالساعة واليوم، فذلك أيضًا غير دقيق، بل غير صحيح علميًّا؛ لأن كمية العمل ليست مقياسًا، وليست آلة، وليست أداة. وينبغي حينئذٍ أن نستعمل آلة/أداة القياس المناسبة لقياس الزمن، وآلة قياس الزمن ليست كمية العمل، كما يقول الاقتصاد السياسي، إنما هي الساعة (التي هي آلة يُعرَف بها الوقت) والتي يعلقها الرأسمالي على الحائط في مكتبه! أما وحدة القياس فهي الدقيقة (التي هي جزءٌ من ستين جزءًا).
إن الاقتصاد السياسي ابتداءً من عدم استخدامه للمقياس الصحيح، وابتعاده عن وحدة القياس المناسبة، كما أوضحنا في الباب الأول، يصل إلى ذروة ارتباكه حينما يقيس المقياس نفسه! ثم يخلط بين هذا المقياس ووحدة القياس!
٣
- القسم «الأول»: الرأسمال ذو القيمة الثابتة «ث»، ويتكون ذلك القسم من: جزءٍ أساسي مثل المباني والآلات، وجزءٍ دائر مثل المواد الوسيطة والمواد الأولية. وهذا القسم من الرأسمال بجُزأَيه لا يُغيِّر من قيمته أثناء عملية الإنتاج. والجوهري عند ماركس هو كيف تنتقل قيمةٌ معينة منفَقة في عملية الإنتاج، سواء كانت أجورًا أم ثمن موادَّ أولية أو ثمن وسائلِ إنتاج، كيف تنتقل إلى المنتوج؟ وبالتالي تئوب إلى نقطة الانطلاق أي تُعوَّض بواسطة بيع المنتوج؟ ويصل ماركس إلى أن الفارق الوحيد بين الرأسمال الأساسي والرأسمالي الدائر يكمن في النمط الخاص لانتقال وتداوُل هذه القيمة؛ يكمن في نمط الدوران؛ فالمباني والآلات تواصل القيام بوظيفتها في عمليات الإنتاج دون أن تتجدد خلال فترة استخدامها؛ وبالتالي فإن الجزء الذي يُنفَق على الرأسمال الأساسي يُنفَق دفعةً واحدة ولا يعود إلى الرأسمالي إلا على دفعات بقدرِ ما تبلى الآلة أو يهلك المبنى أي بقدر قيمة الجزء المستهلَك من الرأسمال والمتجسد في المنتوج (إذ لا ينقل الرأسمال الأساسي كامل قيمته دفعةً واحدة إلى المنتوج) بينما يقوم الرأسمال الدائر، كمواد العمل، وكذا قوة العمل، بالدوران مرارًا وتكرارًا؛ فمواد العمل، يلزم تجديدها بقدرِ ما يتم استهلاك القديم منها في تكوين المنتوج. كذلك قوة العمل؛ فهي حاضرة دائمًا في عملية الإنتاج ولكن عن طريق التجديد المستمر لفعل شرائها؛ ومن ثَمَّ فإن ما يُنفَق على الرأسمال الدائر (الذي ينقل كامل قيمته إلى المنتوج دفعةً واحدة) يُنفَق دفعةً واحدة ويعود أيضًا إلى الرأسمالي دفعةً واحدة.
- أما القسم «الثاني»: فهو: الرأسمال ذو القيمة المتغيرة «م»، ويتكون من قوة العمل، وهو الذي يُغيِّر قيمته أثناء عملية الإنتاج. وهذا القسم يحقق أربعة أمور: (أولًا) ينقل قيمته إلى المنتوج. (ثانيًا) يزيد من قيمة المنتوج. (ثالثًا) يسمح بنقل قيمة الرأسمال الثابت إلى المنتوج. (رابعًا) يخلق قيمةً جديدةً غير مدفوعة الأجر؛ ولذلك سُمي هذا القسم من الرأسمال بالرأسمال المتغير؛ بعبارة أدق (الرأسمال ذو القيمة المتغيرة).٦
٤
«إن القيمة الزائدة لا تكلف الرأسمالي شيئًا، وبإمكانه أن يستهلكها كلها كإيراد، ما لم يُضطر إلى التنازل عن جزءٍ منها لشركاءَ آخرين مثل الريع العقاري للمالك العقاري. وتؤلِّف الأقسام المعنية في مثل هذه الحالة إيرادًا لطرفٍ ثالث كهذا» («رأس المال»، الكتاب الثاني، الفصل التاسع عشر). «إن القيمة الزائدة تنقسم إلى الفائدة المحسوبة على الرأسمال، والريع العقاري، والضرائب» («رأس المال»، الكتاب الثالث، الفصل الثالث).
- الفرضية الأولى: أن الكميات الموظَّفة من الرأسمال متغيرة، والكميات المنتَجة ثابتة؛ فلو افترضنا، كما افترضنا سلفًا، وجود أربع قطع من الأرض: «أ»، و«ب»، و«ﺟ»، و«د»، توظف كمياتٍ مختلفة من الرأسمال، في سبيل إنتاج ٢٥٠ إردبًا من القمح، على حسب خصوبة التربة في كل أرض، فالأرض «أ» توظف «٢م + ٣ث» والأرض «ب» توظف «٤م + ٦ث» والأرض «ﺟ» توظف «٦م + ٩ث» والأرض «د»، وهي الأقل خصوبة، توظف «٨م + ١٢ث». ولو افترضنا كذلك أن معدَّل القيمة الزائدة ١٠٠٪، فسيُباع القمح بقيمة قدرها ٢٨ وحدة «٨م + ١٢ث + ٨ق ز»، وهي القيمة الاجتماعية للقمح الذي تنتجه الأرض الحدِّية «د». وسيقوم الرأسماليون في الأرض «أ» و«ب» و«ﺟ» ببيع قمحهم ﺑ ٢٨ وحدة؛ ناقلين عبء الريع (الذي يتدفق إلى جيب المالك العقاري) إلى المستهلك، وينتظم الريع هنا بالقيمة الاجتماعية في الأرض الأقل خصوبة.
- الفرضية الثانية: وهي ثبات كمية الرأسمال مع تغيُّر الكمية المنتجة؛ إذ تظل كمية الرأسمال ثابتة، وليكن عند ١٠ وحدات، في الأرض «أ»، و«ب»، و«ﺟ» مع تغيُّر غلة الأرض؛ فتنتج الأرض «أ» ٣٠٠ إردب، وتنتج الأرض «ب» ٢٠٠ إردب، أما الأرض «ﺟ» فتنتج ١٠٠ إردب فقط؛ حينئذٍ سيحصل الرأسمالي المستثمر في الأرض «أ» على ربح، لا ريع، فرقي قدره ٢٠٠ إردب، ويحصل الرأسمالي من الأرض «ب» على ربح، لا ريع، فرقي قدره ١٠٠ إردب، ولا يحصل الرأسمالي المستثمر في الأرض «ﺟ» على أي ربحٍ فرقي، مع استئثاره، مثل باقي الرأسماليِّين، بالقيمة الزائدة التي ينتجها العمال الأجراء. هذا الربح الفرقي، الإضافي، يمكن أن يتحول إلى ريعٍ فرقي للمالك العقاري، أو للرأسمالي إذا كان هو صاحب الأرض المستثمر فيها؛ فسبب حصول الرأسمالي على الربح الفرقي هو أنه استخدم وسيلة إنتاج، هي الأرض الأخصب، أكثر إنتاجية. أما سبب حصول المالك العقاري على الريع الفرقي فهو مجرد ملكيته للأرض الأكثر خصوبة. وينتظم الريع هنا أيضًا بالقيمة الاجتماعية للمنتوج في الأرض الأقل إنتاجية.
٥
- فهو يميز، أولًا: بين إنتاج القيمة الزائدة المطلقة وإنتاج القيمة الزائدة النسبية. ويرى أن إنتاج القيمة الزائدة المطلقة يكمُن في إطالة يوم العمل إلى ما بعد الحدود التي يستطيع العامل ضمنها أن ينتج معادل قيمة قوة عمله وحسب، ويقوم الرأسمالي بالاستيلاء على هذا العمل الزائد. ويؤلِّف إنتاج القيمة الزائدة المطلقة القاعدة العامة التي يرتكز عليها النظام الرأسمالي. أما إنتاج القيمة الزائدة النسبية فهو يفترض أن يوم العمل مقسَّم إلى قسمَين، هما العمل الضروري والعمل الزائد. وبُغيَةَ إطالة العمل الزائد يُقلَّص العمل الضروري بأساليب تتيح إنتاج معادل قيمة قوة العمل في أقصر وقت. وإذا ما كان إنتاج القيمة الزائدة المطلقة يتوقف على طول يوم العمل، فإن إنتاج القيمة الزائدة النسبية يعتمد على التطور التقني.
- ويقارن ماركس، ثانيًا: بين عملية تكوين القيمة وعملية ازدياد القيمة؛ فعملية ازدياد القيمة ما هي سوى عملية تكوين القيمة التي تستمر لأَبعدَ من نقطةٍ محددة، فإذا كانت عملية تكوين القيمة لا تستمر إلا إلى تلك النقطة التي يُستعاض فيها عن قيمة قوة العمل التي دفع الرأسمالي مقابلها بمعادلٍ جديد؛ فهذه عمليةٌ بسيطة لتكوين القيمة. أما إذا استمرت عملية تكوين القيمة إلى أَبعدَ من هذه النقطة؛ فإنها تصبح عملية لازدياد القيمة فحسب.
- كما يفرق، ثالثًا: بين العائد الكلي والإيراد الكلي والإيراد الصافي؛ فالعائد الكلي يساوي العناصر المادية التي تؤلف الرأسمال الثابت والرأسمال المتغير، زائدًا العناصر المادية للمنتوج الفائض الذي ينحل إلى ربح وريع، في حين أن الإيراد الكلي يتكون من الأجور والربح والريع. أما الإيراد الصافي فهو القيمة الزائدة؛ أي المنتوج الفائض المتبقي بعد اقتطاع الأجور.١٣
- ويفرق ماركس، رابعًا: بين يوم العمل وفترة العمل؛ فيوم العمل هو
المدة الزمنية التي يتعين على العامل خلالها
أن ينفق قوة عمله يوميًّا. أما فترة العمل فهي
تعني عددًا معينًا من أيام العمل المتصلة
اللازمة لإخراج المنتوج الناجز في فرعِ إنتاجٍ
محدد. وهذه التفرقة؛ أي التفرقة بين يوم العمل
وفترة العمل، ترتبط بالتفرقة بين زمن العمل
وزمن الإنتاج؛ فزمن العمل دائمًا هو زمن
إنتاج، وليس كل زمن إنتاج بالضرورة هو زمن
عمل؛ فزمن العمل هو الوقت الذي يُستخدم فيه
فعليًّا الرأسمال على نحوٍ منتج، أما زمن
الإنتاج فهو مجمل الفترة الزمنية اللازمة
لإنجاز منتوجٍ معين، وهو ما يعني إمكانية،
وربما وجوب، بقاء الرأسمال مقيدًا في مجال
عملية الإنتاج دون استخدامٍ فعلي؛ أي يظل
هاجعًا دون عمل:
«وثَمَّةَ مثالٌ طريف (التشديد من عندي م.ع.ز) على التباعد بين زمن الإنتاج وزمن العمل تُقدِّمه لنا الصناعة الأمريكية لقوالب الأحذية. إن قدرًا كبيرًا من التكاليف غير المنتجة ينشأ هنا من أن الخشب يتعين تركه حتى يجف لفترة قد تصل إلى ١٨ شهرًا؛ منعًا لتمدُّد القالب وتغيُّر شكله، ولا يتعرض الخشب خلال هذا الوقت إلى أي عملية عمل، ويظل الرأسمال الموظف عاطلًا طوال ١٨ شهرًا قبل أن يدخل عملية العمل الحقيقية» («رأس المال»، الكتاب الثاني، الفصل الثالث عشر).
٦
ولكن مضمون هذا المثال الطريف المذكور أعلاه، يمثل في ذاته أزمة، تستدعي مباشرة نفس أزمة الزمن عند ريكاردو؛ فكيف يمكن قياس القيمة هنا؟ وما هو منظمها بالأساس؟ فكيف يمكن لصاحب القوالب الخشبية الذي أنفق ١٢٠ ساعة عمل في ١٨ شهرًا أن يبادل قوالبه الخشبية بالقمح الذي تكلف ١٢٠ ساعة عمل أيضًا وإنما على مدار ١٢ شهرًا فقط؟
-
أليس للرأسمال، الهاجع دون عمل، من نصيب في ربحٍ إضافي؟
-
أليس من حق صاحب القوالب المطالبة بربح عن تعطل رأسماله دون أن يعود إليه كما عاد إلى صاحب القمح؛ أي ألا يُكافأ صاحب القوالب عن طول فترة الدوران؟
فصديقنا صاحب القوالب الخشبية (ولنفترض أنه تكلَّف ١٢٠ ساعة عمل، ولكن عليه الانتظار ٢٤٠ يومًا حتى تجف قوالبه قبل طرحها في السوق) يتطابق موقفه مع موقف صديقنا صاحب النبيذ (الذي تكلَّف، عند ريكاردو، نفس اﻟ ١٢٠ ساعة عمل، ولكن ظلَّت سلعته في القبو لمدة ١٢٠ يومًا فقط قبل أن ينتقل بها إلى السوق) وصديقنا الآخر صاحب الفخار (الذي تكلَّف كذلك ١٢٠ ساعة عمل، ولكن ظلَّت سلعته في التجفيف لمدة ٦٠ يومًا قبل أن ينتقل بها كذلك إلى السوق)؛ فجميعهم يتعين عليهم الانتظار فترةً معينة قبل أن يقوموا بطرح سلعهم في السوق، فكيف يمكن التبادل هنا وفقًا لقانون القيمة؟ المشكلة إذن أمام الكلاسيك، وبالتالي أمام ماركس، بل أمام الاقتصاد السياسي بأسره، هي دور الزمن في تكوين القيمة؛ ولكي نتعرف إلى الطريقة التي ظن ماركس أن بها حل المشكلة، يتعين أن نتعرف، أولًا، إلى منهجه في تحليل الأداء اليومي للمشروع الرأسمالي.
٧
-
مجموع الرساميل الموظَّفة في حقل الإنتاج = ٥٠٠ وحدة؛
-
وأن عدد المشروعات = ٥ مشروعات؛ رأسمال كل مشروع = ١٠٠ وحدة؛
-
وأن «كمية/كتلة» النقود التي تُوزَّع كأرباح = ١١٠ وحدة.
الرأسمال الثابت | الجزء المستهلك من الرأسمال الثابت | الرأسمال المتغير | القيمة الزائدة | قيمة السلعة | ثمن التكلفة | معدَّل الربح الوسطي | ثمن الإنتاج | انحراف الثمن عن القيمة |
---|---|---|---|---|---|---|---|---|
٨٠ | ٥٠ | ٢٠ | ٢٠ | ٩٠ | ٧٠ | ٢٢ | ٩٢ | + ٢ |
٧٠ | ٥١ | ٣٠ | ٣٠ | ١١١ | ٨١ | ٢٢ | ١٠٣ | − ٨ |
٦٠ | ٥١ | ٤٠ | ٤٠ | ١٣١ | ٩١ | ٢٢ | ١١٣ | − ١٨ |
٨٥ | ٤٠ | ١٥ | ١٥ | ٧٠ | ٥٥ | ٢٢ | ٧٧ | + ٧ |
٩٥ | ١٠ | ٥ | ٥ | ٢٠ | ١٥ | ٢٢ | ٣٧ | + ١٧ |
-
مجموع القيمة الزائدة = ٢٠ + ٣٠ + ٤٠ + ١٥ + ٥ = ١١٠ وحدة.
-
مجموع الرساميل = ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ = ٥٠٠ وحدة.
-
معدَّل الربح = القيمة الزائدة ÷ الرأسمال الكلي.
-
معدَّل القيمة الزائدة = القيمة الزائدة ÷ الرأسمال المتغير.
-
معدَّل الربح الوسطي = مجموع القيمة الزائدة (١١٠) ÷ مجموع الرساميل (٥٠٠) × ١٠٠ = ٢٢٪.
-
التركيب المتوسط للرأسمال = ٧٨ + ٢٢ وحدة، الذي هو «حاصل قسمة الرساميل الثابتة، ومجموعها ٣٩٠ وحدة ÷ عدد المشروعات» + «حاصل قسمة الرساميل المتغيرة، ومجموعها ١١٠ وحدة ÷ عدد المشروعات».
-
سوف تقوم المشروعات المختلفة (وفقًا لقوى السوق، اليد الخفية عند آدم سميث) بإدخال التعديلات النسبية في التركيب العضوي للرساميل؛ حتى تتلاءم مع التركيب المتوسط للرأسمال على الصعيد الاجتماعي، وكذلك مع الربح الوسطي.
-
ثمن التكلفة = الجزء المستهلك من الرأسمال الثابت + الرأسمال المتغير.
-
قيمة السلعة = الجزء المستهلك من الرأسمال الثابت + الرأسمال المتغير + القيمة الزائدة.
-
أما ثمن الإنتاج فيتكون من: ثمن التكلفة + معدَّل الربح الوسطي.
«الرأسمال ينجح في بلوغ هذه المساواة بصورةٍ أكمل بمقدارِ ما تكون الأوضاع في البلد المَعنيِّ مُتكيِّفةً أكثر للأسلوب الرأسمالي للإنتاج؛ فمع تقدُّم الإنتاج الرأسمالي تتطور شروطه، وتخضع سائر المقدمات الاجتماعية التي تتحقَّق في ظلها عملية الإنتاج لطابعه المُميَّز والقوانين الملازمة له» («رأس المال»، الكتاب الثالث، القسم الثاني، الفصل العاشر).
- (١) أن القيمة الزائدة المتوسطة، والتي سوف يُضطر الرأسمالي إلى قبولها عندما يُجبَر على تركيب رأسماله وفقًا للمتوسط الحسابي المعطى، والتي هي نتيجة قسمة القيم الزائدة للمصانع المنفردة على مجموع الرساميل في فرع الإنتاج على الصعيد الاجتماعي، تظهر وكأنها هبطت على ثمن التكلفة من السماء.١٧ ولم تكن كمية عمل متجسدًا فعلًا في المنتوج، وهو ما يخالف قانون القيمة الذي يقضي بكون القيمة هي كمية عمل (حي ومختَزن وزائد) متجسدٍ في المنتوج ذاته.
- (٢)
إن ما انتهى إليه ماركس من توقُّف التركيب المتوسط للرأسمال على المتوسط الحسابي لكلٍّ من الرأسمال الثابت والرأسمال المتغير يتصادم مع الواقع وبالتالي لا يمكن الاعتداد به علميًّا؛ لأن التركيب العضوي للرأسمال في المصنع يعتمد في المقام الأول على الفن الإنتاجي السائد على الصعيد الاجتماعي، لا على المتوسطات الحسابية.
- (٣)
وحتى إذا سلمنا جدلًا بصحة منطق ماركس، فلن يمكننا التسليم بأن المشروعات سوف تعدل توليفاتها إلى «٧٨ث + ٢٢م»، لمخالفة ذلك لقانون القيمة الذي يقضي بهيمنة توليفة الفن الإنتاجي السائد؛ وبالتالي فلن تعدل المشروعات المتنافسة توليفتها إلى «٧٨ث + ٢٢م»، كما ذهب ماركس، إنما سوف تعدلها إلى «١٠ث + ٥م» لأن الأخيرة هي التوليفة التي يفرضها قانون القيمة.
- (٤) وبالترتيب على ما سبق؛ لا يمكن اعتبار ثمن الإنتاج، بمفهوم ماركس، المعتمد على المتوسطات الحسابية، إلا أحد مستويات ثمن السوق.١٨ ثمن من أثمان السلعة عَبْر حركة التأرجحات حول القيمة الاجتماعية التي تمثل مركز الجذب لأثمان السوق.
ماركس إذن، على هذا النحو، يبدأ من القيمة وينتهي إلى نظرية في ثمن السوق، مستندة إلى قانون القيمة، وعلى ما يبدو أنه وقع في ذلك تحت تأثير فكرة المتوسط عند ريكاردو والتي كانت تتردد بشكلٍ واضح في «المبادئ».
٨
على كل حال، فابتداءً من نظريته على هذا النحو في ثمن الإنتاج، سوف يستكمل ماركس فكرته بصدد تحديد الربح الوسطي حينما يدخل في التحليل رأسمال التاجر؛ فالقانون العام هو أن الرساميل الناشطة في عملية التداول بصورةٍ مستقلة، لا بد من أن تدر متوسط ربحٍ سنوي كما الرساميل الناشطة في مختلف فروع الإنتاج، فإذا ما درَّ رأسمال تاجر متوسطَ ربحٍ أعلى من رأسمال صناعي، فإن جزءًا من الرأسمال الصناعي يتحول إلى رأسمال تاجر. وإذا درَّ رأسمال التاجر متوسط ربح أدنى فإن جزءًا من رأسمال التاجر يتحول إلى رأسمال صناعي؛ وبناءً عليه؛ فإن التاجر يتلقى السلعة من المنتِج محملة بالقيمة الزائدة، وما عليه إلا أن يحقق، لا يخلق، الجزء الذي يكون ربحه من هذه القيمة الزائدة.
٩
دعونا الآن، بعدما تعرفنا إلى منهجية ماركس في تحليل الأداء اليومي للمشروع الرأسمالي، نرجع إلى «المثال الطريف»؛ فوفقًا لما انتهى إليه ماركس، على نحوِ ما ذكرنا أعلاه، سيكون على المحاسب الذي استأجره أصدقاؤنا الثلاثة، صاحب القوالب الخشبية وصاحب النبيذ وصاحب الفخار، أن يقوم بحساب ثمن إنتاج سلعة كل واحد من عملائه، على أساس من العمل الحي الضروري + العمل المختزن في المباني والآلات والمواد + معدَّل الربح الوسطي، الذي هو في جوهره متوسط العمل الزائد في الفرع، ولكن كيف حسب المحاسب قيمة الرأسمال الهاجع خلال فترة الجفاف والتعتيق والتجفيف؟ صديقنا المحاسب يمسك ﺑ رأس مال ماركس ويتلو:
«أما بالنسبة لوسائل العمل، فإن عدم استعمالها يؤدي أيضًا إلى فقدان مقدارٍ مُعيَّن من قيمتها. وهكذا فإن ثمن المنتوج يرتفع بوجهٍ عام؛ لأن انتقال القيمة إلى المنتوج لا يحتسب طبقًا للزمن الذي يؤدي الرأسمال الأساسي خلاله وظائفه، بل وفقًا للزمن الذي يفقد خلاله قيمته» («رأس المال»، الكتاب الثاني، الفصل الثالث عشر).
فإذ ما قام المحاسب بحساب ثمن الإنتاج، آخذًا في اعتباره زمن الإنتاج؛ أي قام بحساب قيمة العمل الحي + قيمة العمل المختزن + معدَّل الربح الوَسَطي، ثم قارن المدة التي يهجع فيها الرأسمال دون أن يُدِر الربح المرتقب بفارغ الصبر، ووجد أن حساباته تلك لن تحقق لسلعة عميله قيمة مبادلة متكافئة، فلن يكون أمامه إلا أن ينصح عميله هذا بمغادرة الفرع، والاتجاه إلى الفرع الذي يحقق نفس معدَّل الربح في أقصر فترة دوران. وفي مَثَلنا سنجد أن أقصر فترة دوران هي الموجودة في فرع إنتاج الفخار؛ وبالتالي يفترض الأمر قيام صاحب قوالب الأحذية وصاحب النبيذ بمغادرة فرعَيهما والاتجاه صوب فرع الفَخَّار؛ لأن كل واحد منهم ينفق ١٢٠ ساعة من العمل ولكن لا يعود الرأسمال محملًا بالربح، بغض النظر عن زمن التداول، إلا بعد ٢٤٠ يومًا في فرع إنتاج القوالب الخشبية، و١٢٠ يومًا في فرع إنتاج النبيذ، و٦٠ يومًا فقط في فرع إنتاج الفخَّار. وستكون بالتالي النصيحة التي يتقدم بها المحاسب لكلٍّ من صاحب القوالب وصاحب النبيذ هي تسريح عمالهما، والتحول صوب فرع الفخَّار.
-
إما أن نُقدِّم إجابةً تبدأ من إهدار قانون القيمة! إجابةً ترى أن صاحب القوالب الخشبية والآخر صاحب النبيذ سوف يضيفان ربحًا إضافيًّا لقاء رأسمالهما المتعطل عن العمل؛ أي يضيف كلٌّ منهما معدَّل ربحٍ وسطي إضافي مكافأة لرأسمالهما! ومن ثم يصبح منظم القيمة هو كمية العمل بالإضافة إلى الرأسمال؛ وبالتالي سوف تُقاس القيمة حينئذٍ بالعمل وعائد الرأسمال؛ أي بالعمل والربح! ليس فقط الربح المعطى كمعدَّل ربحٍ وسطي في الفرع، إنما أيضًا الربح المعطى كمعدَّل ربحٍ سائد اجتماعيًّا! وهو ما يخالف قانون القيمة.
-
وإمَّا أن نُقدِّم إجابةً تبدأ من تحقيق قانون القيمة، إجابة تنطلق من إعادة استخدام الأدوات الفكرية التي يقدمها علم الاقتصاد السياسي على نحوٍ يطور العلم ويستكمله.
وحين إعمال هذا القانون نقابل ثلاث فرضيات: إما أن تختلف أزمنة الإنتاج وتتساوى القيم الاجتماعية، أو تختلف القيم الاجتماعية وتتساوى أزمنة الإنتاج، أو تختلف أزمنة الإنتاج وكذلك القيم الاجتماعية. في جميع الأحوال ينطبق قانون القيمة الاجتماعية النسبية؛ أي القيمة الاجتماعية للسلعة مقسومة على زمن إنتاجها.
١٠
-
قطاع إنتاج وسائل الإنتاج:
الرأسمال الإنتاجي: «٤٠٠٠ث + ١٠٠٠م» = ٥٠٠٠.
وبافتراض أن القيمة الزائدة ١٠٠٪، فإن المنتوج السلعي = ٦٠٠٠ في هيئة وسائل إنتاج.
-
قطاع إنتاج مواد الاستهلاك:
الرأسمال الإنتاجي: «٢٠٠٠ث + ٥٠٠م» = ٢٥٠٠.
وبافتراض أن القيمة الزائدة ١٠٠٪، فإن المنتوج السلعي = ٣٠٠٠ في هيئة مواد استهلاك.
-
سوف يستهلك رأسماليو القطاع الأول «١٠٠٠ق ز»، كما سوف يستهلك العمال المأجورون في القطاع الأول «١٠٠٠م» في صورة جزء من مواد الاستهلاك التي أنتجها القطاع الثاني.
-
ولكن الرأسماليِّين والعمال المأجورين في القطاع الثاني يحتاجون أيضًا إلى مواد الاستهلاك التي ينتجونها ومن ثَمَّ سوف يستهلك رأسماليو هذا القطاع «٥٠٠ق ز»، كما سوف يستهلك العمال المأجورون في القطاع نفسه «٥٠٠م» من أجل شراء جزء من مواد الاستهلاك التي ينتجونها.
-
ولأن القطاع الثاني يحتاج إلى وسائل الإنتاج التي ينتجها القطاع الأول فسوف يستهلك رأسماليو القطاع الثاني «٢٠٠٠ث» في صورة شراء لجزءٍ من تلك الوسائل التي ينتجها رأسماليو القطاع الأول.
-
ولأن القطاع الأول يحتاج إلى وسائل الإنتاج التي ينتجها، فسوف يستهلك رأسماليو القطاع الأول «٤٠٠٠ث» في صورة شراء لجزء، في الواقع الجزء الباقي، من تلك المواد التي ينتجونها. وعلى هذا النحو يتم تجديد الإنتاج البسيط.
-
المخطط الأول:
القطاع (I) «٤٠٠٠ث + ١٠٠٠م + ١٠٠٠ق ز» = ٦٠٠٠ في هيئة وسائل إنتاج.القطاع (II) «١٥٠٠ث + ٧٥٠م + ٧٥٠ق ز» = ٣٠٠٠ في هيئة مواد استهلاك. -
المخطط الثاني:
القطاع (I) «٥٠٠٠ث + ١٠٠٠م + ١٠٠٠ق ز» = ٧٠٠٠ في هيئة وسائل إنتاج.القطاع (II) «١٤٣٠ث + ٢٨٥م + ٢٨٥ق ز» = ٢٠٠٠ في هيئة مواد استهلاك.
١١
وفي إطار انشغاله بتحليل نمط الإنتاج الرأسمالي، يقرر ماركس أن الرأسماليين الذين يكثرون من استخدام القسم الثابت من الرأسمال على حساب القسم المتغير (مع افتراض ثبات معدَّل القيمة الزائدة) سوف يتعرضون للإفلاس! لأن القيمة الزائدة التي يتحصلون عليها إنما هي نتيجة الاعتصار من الرأسمال المتغير وليس من الرأسمال الثابت؛ فالآلات والمواد، وكما ذكرنا، لا تغير من قيمتها أثناء عملية الإنتاج، والرأسمال المتغير؛ أي قوة العمل، هو فقط الذي بإمكانه خلق قيمةٍ زائدة، وهي التي يستحوذ عليها الرأسمالي. مع تطور التقنية؛ لن يصبح التوسع في استخدام الرأسمال الثابت ومن ثم إحلال الآلة محل العمل، أمرًا اختياريًّا؛ بل سيكون حتميًّا، وحينئذٍ سيحدث التدهور المستمر في معدَّلات الأرباح، لأن الرأسمالي لا يستطيع أن يعتصر قيمةً زائدة من الآلة التي لا تعطي المنتوج أكبر، ولا أقل، من قيمتها.
ليس بالضرورة إذن أن تؤدي الزيادة في الرساميل إلى الزيادة في معدَّلات الأرباح «ح»، بل على العكس قد تؤدي هذه الزيادة (في الرأسمال ذي القيمة الثابتة) إلى الانخفاض في هذه المعدَّلات، وذلك على النحو التالي:
١٢
وفي التجارة الخارجية، ستجد نظرية ريكاردو، لدى ماركس، التبرير المُستنِد إلى قانون القيمة؛ فلقد رأينا أن ريكاردو شيَّد نظريته في انعدام التكافؤ في التبادل الدولي على افتراض أن عمل ١٠٠ إنجليزي يمكن أن يُبادَل بعمل ٨٠ برتغاليًّا أو ٦٠ روسيًّا أو ١٢٠ هنديًّا، بسبب الصعوبة التي تواجه تحرك الرأسمال بين بلد وآخر؛ ولذلك حاول ماركس، ابتداءً من قانون القيمة، تعميق التبرير لهذا الافتراض الريكاردي، مستندًا إلى أن رساميل البلدان الأكثر تطورًا والموظَّفة في التجارة الخارجية يمكن أن تُدرَّ معدَّلات ربح أعلى لأنها تتنافس مع سلع تنتجها بلدانٌ أخرى أقل تطورًا، وفي ظروفٍ أدنى ملائمة؛ فالأُولى تنتج سلعتها بقيمةٍ أقل من الثانية؛ وبالتالي يمكنها أن تطرح سلعتها في السوق الدولية بقيمةٍ أعلى من قيمتها داخليًّا وأقل من قيمتها لدى البلدان الأقل تطورًا؛ وبالتالي تجني معدَّلات ربح أعلى نسبيًّا (ربح فرقي). ويُدلِّل ماركس على ذلك بمن يستخدم اختراعًا جديدًا قبل انتشاره في فرع الإنتاج؛ فهو يبيع بقيمةٍ أقل من جميع منافسيه، وفي الوقت نفسه يبيع بما هو أعلى من القيمة الفردية لسلعته. وينتهي ماركس على هذا النحو إلى أن:
«البلد ذو الوضع الملائم يأخذ في التبادل عملًا أكثر لقاء عملٍ أقل» («رأس المال»، الكتاب الثالث، الفصل الرابع عشر).
- (١) «ترتفع أثمان السلع في الأجزاء المتقدمة، وتنخفض في الأجزاء المتخلفة»؛ لأن أوروبا حينما غزت قارات العالم الحديث واستعمرتها، وأبادت شعوبها، واستولت على ثرواتها من الذهب والفضة، ضخَّت داخل حدودها نقودًا، ذهبًا وفضة،٢٨ أدت كثرتها إلى انخفاض قيمة المعدن النفيس مع ارتفاع أثمان منتجاتها؛ أي الارتفاع في التعبير النقدي عن القيمة؛ الارتفاع المتزايد في الأثمان، فلم تصبح الوحدة الواحدة من السلعة «س» يُعبَّر عنها مثلًا ﺑ ٥ وحدات من الذهب، بل صار يُعبَّر عنها ﺑ ٧ وحدات، ثم ﺑ ٢٥ وحدة، ثم ﺑ ٥٠ وحدة … إلخ، وهكذا أخذت أثمان المنتجات في الارتفاع المتواصل.
وظل المعدن النفيس — على كثرته وتدفقه بلا انقطاع تقريبًا — يتم تداوله داخل القارة الأوروبية، حتى خرج منها إلى الولايات المتحدة مع الحرب العالمية الثانية، ثم قام الدولار الأمريكي المنتصر بلعب نفس الدور الذي كان يؤديه المعدن النفيس.
وما حدث داخل بلدان القارة الأوروبية حدث عكسه داخل أمريكا اللاتينية وأفريقيا؛ فقد خرج منهما المعدن النفيس ولم يعُد يُعبِّر عن منتجاتهما، الأوليَّة في مجملها، إلا من خلال وحداتٍ معدودة من الذهب كتعبيرٍ نقدي عن القيمة؛ فلم تصبح الوحدة الواحدة من السلعة «س» يُعبَّر عنها ﺑ ١٠ وحدات من الذهب، إنما صار يُعبَّر عنها ﺑ ٨ وحدات، ثم ﺑ ٥ وحدات، ثم ﺑ ٣ وحدات … إلخ.
فلنفترض الآن، أن ١٠٠٠ سُعرٍ حراري في مصر يُعبَّر عنها ﺑ ١٠٠ جرام من الذهب، أو ﺑ ١٠٠ متر من النسيج، أو ﺑ ١٠٠ زوج من الأحذية. وفي فرنسا، وبفعل الأثر التاريخي لتدفق المعدن النفيس، أصبح يعبَّر عن اﻟ ١٠٠٠ سُعرٍ حراري ﺑ ١٠٠٠ جرام من الذهب، أو ﺑ ١٠٠ متر من النسيج، أو ﺑ ١٠٠ زوج من الأحذية؛ فوفقًا لأحد تطبيقات قانون القيمة، والذي يقضي بالاعتداد بالفن الإنتاجي السائد، سوف تصبح القيمة التبادلية للسُّعر الحراري في فرنسا، وفي مصر أيضًا، هي ١ جرام من الذهب؛ وذلك لأن فرنسا، وفقًا للفن الإنتاجي المهيمن تنتج أكبر كمية منه (١٠٠٠ جرام) بنفس القيمة (١٠٠٠ سُعر)، وهو ما سوف ينعكس على قيم مبادلة النسيج والأحذية في مصر؛ فلن يُبادَل المتر من النسيج بجرام من الذهب، كما كان في السابق؛ أي قبل هيمنة الفن الإنتاجي الجديد، إنما سوف يُبادَل ﺑ ١٠ جرامات من الذهب، وكذلك الأحذية؛ فلم تعُدِ القيمة التبادلية لزوج من الأحذية هي ١ جرام من الذهب، بل ستصبح ١٠ جرامات. ولو أرادت مصر استيراد ١٠٠ متر من النسيج من فرنسا، فعليها أن تحول لها ١٠٠٠ جرام من الذهب. تمامًا كما لو أراد شخصٌ في مصر الحصول على النسيج المنتَج في مصر؛ فعلى هذا الشخص أن يعطي لمنتج النسيج ١٠٠٠ جرام من الذهب في مقابل الحصول على ١٠٠ متر من النسيج. والتبادُل على هذا النحو، طبقًا لقانون القيمة، سيكون متكافئًا.
ولو أرادت فرنسا الحصول على الأحذية المصرية فعليها أن تُحوِّل لها ١٠٠٠ جرام من الذهب، تمامًا كما لو أراد شخص في فرنسا الحصول على الأحذية المنتجة في فرنسا، فعلى هذا الشخص أن يعطي لمنتج الأحذية ١٠٠٠ جرام من الذهب في مقابل ١٠٠ زوج من الأحذية.
والتبادل هنا أيضًا، طبقًا لقانون القيمة، لا شك سيكون كذلك متكافئًا. أما لو أبقت مصر، تبعًا لسياسةٍ اقتصاديةٍ ما، على النسب الداخلية للتبادل؛ معطِّلة (جزئيًّا) لعمل قانون القيمة؛ فسوف تكون النتيجة كالآتي:-
في مصر: ١ متر من النسيج = ١ جرام من الذهب.
-
في فرنسا: ١ متر من النسيج = ١٠ جرامات من الذهب.
وهذه النتيجة تعني أن مصر متفوقة على فرنسا؛ وبالتالي سوف يكتسح نسيجها السوق الدولية. وليس أمام فرنسا إلا أن ترفع إنتاجيتها، بحيث تنتج ﺑ ١٠٠٠ سعر حراري ٢٠٠٠ متر من النسيج، وحينئذٍ سوف تصبح قيمة مبادلة المتر الواحد من النسيج ٠٫٥ جرامًا من الذهب، متفوقة على ثمن متر النسيج المصري ﺑ ٠٫٥ جرامًا. وهي على هذا النحو تستطيع أن تجني أرباحًا إضافية، قدرها مثلًا ٠٫٤ جرامًا، إذا باعت نسيجها بأعلى من ثمنه لديها وبأعلى من ثمن النسيج المصري؛ أي إذا باعت نسيجها ﺑ ٠٫٩ جرام من الذهب. وكل ذلك ليس إلا محض تطبيق لقانون القيمة.
وما إن تنتقل طريقة الإنتاج الجديدة إلى مصر، حتى تتفوق تارةً أخرى؛ لأنها سوف تنتج ٢٠٠٠ متر من النسيج ﺑ ١٠٠٠ سُعرٍ حراري، ولكن متر النسيج لن يباع ﺑ ٠٫٥ جرام من الذهب بل ﺑ ٠٫٠٥ جرام منه فقط، وعلى فرنسا المضي قدمًا في سبيل الحصول، ودومًا، على الجديد في حقل التقنية كي ترفع من إنتاجية العامل الفرنسي لتتمكَّن من تجاوز انخفاض الأثمان في مصر.
بقي أن نناقش المسألة الأكثر تضليلًا، والتي تتبلور في السؤال الآتي: كيف يتم التبادل بين مصر وفرنسا في إطار إبقاء كل بلدٍ منهما على النِّسَب الداخلية للتبادل مع التعطيل (الكلي) لقانون القيمة؟ أي إن مصر تَحول دون انتقال الفن الإنتاجي، أو تُبقي، حتى مع انتقال الفن الإنتاجي، على المستوى المنخفض في الأثمان، أو تخفض هي قيمة عملتها … إلخ، وهي أمور تتم تقريبًا بشكلٍ معتاد على مستوى السياسات الاقتصادية للدول. إن أول ما يجب أن ننتبه إليه جيدًا في طرح السؤال؛ وبالتالي حين الإجابة عنه، أن المناقشة الآن قد انتقلت من حقل القيمة إلى حقل الثمن، تحديدًا الثمن العالمي؛ فلو افترضنا أن فرنسا تريد الحصول على النسيج المصري، فعليها أن تحول إلى مصر ١٠٠ جرام من الذهب كي تحصل على ١٠٠ متر من النسيج. ولكن ١٠٠ جرام من الذهب في فرنسا تساوي ١٠٠ سُعرٍ حراري؛ أي إن فرنسا تلقت قيمةً أكبر في التبادل الدولي! لأنها أخذت سلعة بُذل في سبيل إنتاجها ١٠٠٠ سُعرٍ حراري وأعطت ١٠٠ سُعرٍ حراري. ولو افترضنا أن مصر تريد الحصول على الأحذية الفرنسية، فعليها أن تحول إلى فرنسا ١٠٠٠ جرام من الذهب كي تحصل على ١٠٠ زوج من الأحذية، ولكن ١٠٠٠ جرام من الذهب في مصر تساوي ١٠٠٠٠ سُعرٍ حراري؛ أي إن مصر تلقَّت قيمةً أقل في التبادل الدولي! لأنها أَخذَت سلعة بُذل في سبيل إنتاجها ١٠٠٠ سُعرٍ حراري وأعطت ١٠٠٠٠ سُعرٍ حراري. ومن البيِّن أن التبادُلَين، بشرط التعطيل الكلي لقانون القيمة وتطبيقاته، غير متكافئَين! هنا تم ابتكار نظرية «التبادل غير المتكافئ»٢٩ كنظرية في ثمن السوق. وتكمن أبرز مشكلات هذه النظرية في الآتي:- أولًا: أنها تقدم نفسها على أساسٍ من كونها نظرية في القيمة على الصعيد العالمي، وهي في الواقع نظرية في ثمن السوق الدولية، مبنية على افتراض التعطيل الكلي لقانون القيمة. وحينما تَكتَشِف النظرية، بعد تعطيل قانون القيمة، أنها لا تُقدِّم جديدًا، تُصرِّح بأن التبادل الدولي لا يخضع لأي نظريةٍ اقتصادية!٣٠ وهي في الواقع أيضًا محقة لأن نظرية الأثمان قائمة فعلًا على أن كل شيء متوقف على كل شيء!
- ثانيًا: تتجاهل النظرية أن تأرجُحات ثمن السوق، حول القيمة الاجتماعية، تقتضي بطبيعتها التبادل غير المتكافئ؛ وبالتالي يبرز التبادل غير المتكافئ كاحتمالية، ممكنة دائمًا، حتى بين الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي.
- ثالثًا: تتجاهل النظرية أيضًا حقيقة أن السلعة الواحدة في البلد الواحد يمكن أن يكون لها أكثر من ثمن، يمكن أن يكون لها أكثر من قيمةٍ تبادلية، ولكن لا يمكن أن يكون لها سوى قيمةٍ واحدة. ولقد ذكرنا قبل ذلك أن الثمن هو المظهر النقدي للقيمة ولا يُشترط أبدًا أن يأتي مُعبِّرًا عنها بدقة. وربما يكون لعدم انشغال الاقتصاد السياسي بالقيمة نفسها، والخلط بينها وبين القيمة التبادلية، الدور الأكثر أهمية في اهتزاز أُسُس نظرية التبادل غير المتكافئ.
- رابعًا: لا تنشغل النظرية بإثارة البحث في الظرف التاريخي الذي أدَّى إلى ارتفاع أثمان السلع في الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر، وانخفاضها في الأجزاء المتخلِّفة. وتنطلق من سطح الظاهرة، دون مناقشتها، متَّخذة منها دليل إدانة على قبح الرأسمالية التي ترفع أثمان منتجاتها من السلع والخدمات أمام المشترين الفقراء من أبناء الجنوب التعساء!
- خامسًا: تَحول النظرية بحالتها الراهنة — كنظرية في الثمن على الصعيد العالمي، لا تقول لنا سوى أن أثمان السلع الدولية تتأرجح ارتفاعًا وانخفاضًا بما يتضمن ذلك من عدم تكافؤ في التبادل — دون الولوج مباشرة في المشكلة المركزية لدى الأجزاء المتخلِّفة من النظام الرأسمالي الكامنة في تسرُّب القيمة الزائدة صوب الأجزاء المتقدمة، اكتفاءً بالموقف الدعائي ضد الرأسمالية التي تنهب الجنوب من خلال تبادل غير متكافئ!
- سادسًا: تتخذ النظرية من الأيديولوجية نقطة بدءٍ وانتهاء. وحينما تتصدر الأيديولوجية الطرح يجب أن نتوقع الإعراض عن كل ما هو علمي في سبيل الانتصار الضبابي للمذهب الأجوف.٣١
-
- (٢) «يحصل الفلاح الأفريقي، في السنة، لقاء مائة يومٍ من العمل الشاقِّ جدًّا على منتجاتٍ مستوردة لا تكاد تعادل قيمتها قيمة عشرين يومًا من العمل العادي يقوم به عاملٌ أوروبي ماهر.» لأن ما ينطبق على العمل الحي والعمل المختزن في وسائل الإنتاج، يصدق بكامل أوصافه على العامل.٣٢ مع اختلاف بسيط، هو أن العمل المختَزن في العامل يُعد محددًا لقيمة ذلك الجزء من الأجر الذي سوف يُخصَّص لإنتاج مثله؛ ولذا يشمل الأجر قيمة وسائل المعيشة التي تضمن للعامل البقاء على قيد الحياة كي يعمل ويعيش كعامل ويُجدِّد إنتاج طبقته؛ ولذا، نجد أن العامل الأوروبي أفضل من الفلاح الأفريقي، لا لأن إنتاجيته أعلى فحسب، إنما أيضًا لأن العامل الأوروبي الذي يحتوي على مجهودٍ إنساني مختزَن: تعليم، وتدريب، وتغذية، وترفيه … إلخ، يمكن التعبير عنه بعدد من السُّعرات الحرارية يفوق عدد السُّعرات الحرارية الذي يُعبِّر عن المجهود الإنساني المختزَن في الفلاح الأفريقي، وهو مطلوب منه أن ينتج مثله بأحد أجزاء الأجر الذي يتلقاه من الرأسمالي؛ وبالتالي ترتفع قيمة السلع المنتَجة في البلدان الأكثر تطورًا، ولكن حين التبادل سوف يجري التساوي بين كميات الطاقة الضرورية الحية والمختزَنة، فإذا كان أجر الفلاح الأفريقي في يوم عمل (وفقًا للمصطلح السائد في علم الاقتصاد السياسي) يتضمن ٣٠ وحدة عن العمل الحي، و١٧٠ وحدة عن العمل المختزن،٣٣ وأجر العامل الأوروبي (في يوم عمل أيضًا) يتضمن ٣٠ وحدة عن العمل الحي، و١٩٧٠ وحدة عن العمل المختَزن؛ فمن الطبيعي: تقاضي الفلاح الأفريقي عُشر أجر العامل الأوروبي، مع ارتفاع قيمة المنتجات الصناعية التي تُصدِّرها أوروبا إلى أفريقيا، وانخفاض قيمة المنتجات الزراعية التي تُصدِّرها أفريقيا إلى أوروبا. وهو الوضع الذي تعمل الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي على الإبقاء عليه؛ إذ تسعى الأجزاء المتقدمة جاهدة، وبكل الوسائل، على تثبيت نمط تقسيم العمل على الصعيد العالمي، والذي يضمن انسياب منتجات الأجزاء المتخلِّفة، منخفضة القيمة، إلى مصانعها ثم إعادة تصديرها مصنَّعة، بقيمٍ مرتفعة، لنفس الأجزاء المتخلفة.لا تعني إذن عملية التبادل (تصدير/استيراد، وبالعكس) بين الأجزاء المتقدمة والأجزاء المتخلفة، أن الفلاح الأفريقي يقوم بعملية مبادلة غير متكافئة حينما يبذل مجهود ١٠ أيام كي يحصل على سلعة أنفق العامل الأوروبي يوم عمل في سبيل إنتاجها، بل على العكس يأتي التبادل متكافئًا ابتداءً من الاعتداد بالعمل الحي والعمل المختزن في كل من الفلاح الأفريقي والعامل الأوروبي. ولنضرب مثلًا: فطبقًا لقانون القيمة، ومن أجل إنتاج معطف في مصر، وآخر في إنجلترا، يتم استخدام كميةٍ معينة من الرأسمال الأساسي «أ» وكميةٍ معينة من الرأسمال الدائر «د»، كما يتم استخدام قوة العمل، كرأسمالٍ متغير «م»، وبالتالي يمكننا تصور المخطط التالي:
-
من أجل إنتاج معطفٍ مصري، بأيدٍ مصرية (اقتصاد رأسمالي متخلِّف)، وبافتراض أن «ق ز» = ١٠٠٪.
٤ «أ» + ٢ «د» + ٣ «م» (١ حي + ٢ مختزن) + ٣ «ق ز» = ١٢ [بالسعر الحراري الضروري].
-
من أجل إنتاج معطفٍ إنجليزي، بأيدٍ إنجليزية (اقتصاد رأسمالي متقدم)، وبافتراض أن «ق ز» = ١٠٠٪.
٤ «أ» + ٢ «د» + ٩ «م» (١ حي + ٨ مختزن) + ٩ «ق ز» = ٢٤ [بالسعر الحراري الضروري].
وبغض النظر عن أن الرأسمالي سوف يسارع بالتحرك (برأسماله وبتقنيته) صوب مصر للاستفادة من العمالة الرخيصة، ومع التقيد بجميع شروط الإنتاج الرأسمالي، وحيثُ يُنتَج المعطف في إنجلترا بكمية طاقةٍ ضرورية ضِعف كمية الطاقة الضرورية لصنع المعطف في مصر، فلو افترضنا أن المعطف المصري يُبادَل ﺑ ١٠ جرامات من الفضة؛ فإن المعطف الإنجليزي سيُبادل ﺑ ٢٠ جرامًا منها. ومَردُّ ذلك، وبافتراض تساوي قيمة الرأسمال الثابت في البلدَين، هو اختلاف قيمة الرأسمال المتغير، الأجر، ولكن الأجر، وكما ذكرنا، لا يتضمن ما يؤمن للعامل الحياة فحسب، إنما يتضمن أيضًا قيمة إعادة إنتاجه كطبقة. وما يجعل قيمة إعادة إنتاج العامل الإنجليزي أكبر، ليس ارتفاع إنتاجيته فحسب، أو ارتفاع قيمة ما يؤمن له الحياة فقط، إنما، وربما هذا هو الأكثر حسمًا، ارتفاع قيمة العمل المختزن داخله؛ وبالتالي ارتفاع قيمة تجديد إنتاج الطبقة نفسها.
-
- (٣)
الواقع أن عدم سيطرة الأجزاء المتخلِّفة على شروط تجديد إنتاجها الاجتماعي، وتحكُّم الأجزاء المتقدمة في تلك الشروط، ابتداءً من احتكارها للتقنية المتقدمة هو الذي جعل الأجزاء المتخلِّفة في وضع المضطر دائمًا إلى شراء (مبادلة بالنقود) منتجات الأجزاء المتقدمة؛ كي يمكنها تجديد إنتاجها الاجتماعي؛ فعلى الأجزاء المتخلِّفة، وعلى الرغم من ارتفاع أثمان سلع الأجزاء المتقدمة، أن تستمر، بلا هوادة أو محاولة تراجع، أو حتى تأمُّل، في شراء تلك السلع. هذا الشراء يتم من خلال تسرُّب في القيمة الزائدة التي تُنتَج داخل الأجزاء المتخلِّفة صوب الأجزاء المتقدمة من أجل شراء السلع والخدمات التي تحتكر إنتاجها، مع إنتاجيةٍ مرتفعة، الأجزاء المتقدمة وتعتمد عليها الأجزاء المتخلِّفة في سبيلها لتجديد إنتاجها الاجتماعي؛ ومن ثَمَّ يصبح التسرب في القيمة الزائدة، عبْر تأرجُحات ثمن السوق الدولية، هو السبب في تدفُّق القيمة الزائدة إلى خزائن الرأسماليين في الأجزاء المتقدمة، بدلًا من إعادة ضخها في عروق الاقتصاد المنتِج لها. تسرُّب القيمة يثير بدوره إشكاليات التبعية (مفهومها، وطبيعتها، ومقياسها) وهو ما سوف يقودنا، بعد قليل، لدراسة نموذجَين لظاهرة التسرب في القيمة؛ أولهما: الاقتصاد المصري، وثانيهما: الاقتصادات العربية. وبالتبع سندرس ما يرتبط بهذه الظاهرة من إشكاليات التبعية.
•••
والآن، وبعد أن تعرَّفنا إلى مبادئ العلم كما تبلورت عَبْر مساهمات الآباء المؤسسين، وقمنا بتكوين لغةٍ مصطلحية لا بأس بها تساعدنا على التقدم في البحث، فيتعين أن نستكمل أهم الأفكار المتعلقة بالقيمة الزائدة، ودور التغيُّر والثبات في معدَّلها في أداء النظام الرأسمالي؛ فلقد طُرحت إشكاليات القيمة في الباب الأول بمعزل عن الهيكل الاقتصادي، كما جرت المعالجة لقوانين الحركة دون انشغال بتجديد الإنتاج الاجتماعي؛ ولذلك يتعين أن نمضي إلى الأمام كي نتعرف، في خطوةٍ فكرية أولى، إلى طرح القيمة الزائدة في إطار الهيكل الاقتصادي بما يتضمنه من قطاعات، ثم نتعرف، في خطوةٍ فكرية ثانية، إلى الدور الذي يؤديه التغيُّر والثبات في معدَّلها في تشكيل الأرباح ومن ثَمَّ تشكيل النظام الرأسمالي نفسه. على أن نتعرف في خطوةٍ فكرية ثالثة إلى خط سير القيمة الزائدة المنتَجة بصفةٍ خاصة في الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر متخذين، كما أشرنا، من مصر والعالم العربي نموذجَين.
وفي كتابه «تاريخ التحليل الاقتصادي»، كتب كذلك شومبيتر: «إن الاقتصادي الوحيد الذي عامله ماركس كأستاذ هو ريكاردو والأهم، أن ماركس، وتلك حقيقةٌ موضوعية، قام باستخدام أدوات التحليل الريكاردية، بل إن الإشكاليات التي كانت مطروحة أمام ماركس كانت نفسها مطروحة بنفس الشكل الذي طرحه ريكاردو. من المؤكد أن ماركس عالج تلك الإشكاليات وتوصل إلى استنتاجاتٍ مختلفة إلى حدٍّ بعيد، بيد أنه فعل ذلك من خلال الانطلاق من نظريات ريكاردو وانتقادها. لقد تَقبَّل ماركس نظرية القيمة الريكاردية، ودافع عنها بحُججٍ ريكاردية، بل لقد طوَّر ماركس نظريته في الاستغلال ابتداءً من البناء الريكاردي.» للمزيد من التفصيل، انظر: Schumpeter, “History of Economic” Analysis, op, cit, pp. 486-7.
ولكن إريك رول يؤكد، بصواب، على أن الذين يقولون إن ريكاردو هو أستاذ ماركس، بصفةٍ خاصة فيما يتعلق بنظرية القيمة الزائدة، يُغفِلون تأثير سميث الحاسم على نظريات ماركس. للمزيد من التفصيل، انظر: Eric Roll, “History of Economic Thought”, op, cit, p. 125.
القطاع | الرأسمال (ث + م) | القيمة الزائدة | القيمة الفردية | التوليفة الجديدة (القيمة الاجتماعية) |
---|---|---|---|---|
مصرف ١ | ١٠٠ | ١٨ | ١١٨ | ١٠٠ + ٥ = ١٠٥ |
مصرف ٢ | ١٠٠ | ٣٢ | ١٣٢ | ١٠٠ + ٥ = ١٠٥ |
مصرف ٣ | ١٠٠ | ٣٨ | ١٣٨ | ١٠٠ + ٥ = ١٠٥ |
مصرف ٤ | ١٠٠ | ١٧ | ١١٧ | ١٠٠ + ٥ = ١٠٥ |
مصرف ٥ | ١٠٠ | ٥ | ١٠٥ | ١٠٠ + ٥ = ١٠٥ |
وفي مناقشةٍ أصيلة للأفكار المركزية للطبيعيين والتي يمكن حصرها في: القانون الطبيعي، والمنتوج الصافي، وتداول الثروة. انظر: Henri Denis, “Histoire De La pensee Economique” (Paris: Presses Universitaires de France, 1966), pp. 169–77.
Samir Amin & J. Saigal, “L’échange inégal et la loi de la valeur: la fin d’un débat” (Paris: Éditions Anthropos-IDEP, 1973).