تسرب القيمة الزائدة
فلنعالج الآن إشكالية التسرب في القيمة الزائدة التي ينتجها العمال في الأجزاء المتخلفة من الاقتصاد الرأسمالي العالمي المعاصر. ولنتخذ من مصر والعالم العربي نموذجَين، على أن نتعرف في البداية، باختصار، إلى التاريخ العام لاقتصاد مصر في سبيل فهم التكون التاريخي للظاهرة محل انشغالنا.
أولًا: في التاريخ العام لاقتصاد مصر
١
تُعد مصر من أكثر بلدان المعمورة تعرضًا للغزو؛ فخلال حكم الأُسرات الفرعونية تعرضَت مصر لغزو البدو الآسيويِّين والهكسوس والليبيين والآشوريِّين، ومع نهايات حكم الأُسرات الفرعونية، وبعدها، خضعَت، على التوالي: لحكم الفرس، واليونان، والرومان، والعرب، والأتراك، والفرنسيين، والإنجليز. هَيمَن الغزاة دومًا على الفائض وسيطروا على القيمة الزائدة المنتَجة بفضل سواعد المصريين.
٢
- (١)
أراضي الفلاحة: وهي التي يزرعها الفلاح ويدفع عنها الضريبة، ولم يكن له عليها أي حقوقٍ قانونية ثابتة.
- (٢)
أراضي الأوسية: وهي التي يمنحها السلطان للملتزمين من المماليك، أو شيوخ البدو، وبعض العلماء، وكانت معفاة من الضرائب.
- (٣)
أراضي الرزق: وهي التي يُنعِم بها السلطان على بعض المقرَّبين، وكانت معفاة أيضًا من الضرائب.
- (٤)
مسموح المشايخ: وكان يشمل، في بعض الأحيان، قرًى بأكملها.
- (٥)
مسموح البدو: وهذا أيضًا شمل مساحاتٍ ليست قليلة.
وفي ظل حكم المماليك بلغت الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مصر مبلغًا ملحوظًا من الانحطاط والتدهور؛ فلقد هُجرت الأراضي الزراعية من قِبل الفلاحين الذين أرهقتهم الضرائب والإتاوات، وأصبح الفلاح يجد صعوبة في الحصول على قوت يومه. في الوقت نفسه أَهمَلَت الإدارة الحكومية مشروعات الري وترميم السدود وإصلاح الجسور، وما هو من الضروري واللازم من أجل النشاط الزراعي ككل، وهي المشروعات التي لا يمكن، بطبيعة الحال، أن تتم بجهود الفلاحين الفردية. وما يمكن قوله عن سوء أحوال الزراعة والنشاط الزراعي، يمكن قوله، وبدقة، بشأن الصناعة والنشاط الصناعي.
أما بشأن التكوين الاجتماعي قبل الحملة الفرنسية، فقد كانت مصر مكونة من: حضر، وفلاحين، وعرب؛ بكلماتٍ أدق: مَن يسكنون المدن الكبرى مثل القاهرة، ومَن يسكنون الريف، ومَن يسكنون الصحراء.
ويمكننا التمييز، داخل كل مُكوِّن من الثلاثة، بين شرائح وفئاتٍ مختلفة، تؤلِّف في مجملها الكل الاجتماعي، فداخل هذه المُكوِّنات نجد الأسياد والعبيد والمُلَّاك والأُجراء والحكام والمحكومين والمصريين والأجانب.
ولقد كان لهؤلاء العرب، بعد أن استقروا في مصر، النفوذ الطاغي حتى في مواجهة السلطة المركزية. وسيكون لدى محمد علي الوعي بأن هؤلاء العرب قوة ليست هينة؛ فنجده يتبع معهم سياسة المهادنة. وحينما أدرك عدم جدوى هذه السياسة؛ قمعهم، جاعلًا شيوخ القبائل رهن الاعتقال لديه في القاهرة؛ ضمانًا لعدم خروج أبناء القبائل عليه، وفي نفس الوقت ضمانًا لعدم ممارستهم أعمال النهب التي كانت بمثابة القانون العام الحاكم لحياة العرب في صحراء مصر:
كما جاء في «وصف مصر»:
٣
حتى الآن كنا نحلل النظام الاجتماعي والاقتصادي، بإيجاز بطبيعة الحال، في مرحلةِ ما قبل الحملة الفرنسية، فماذا مع الحملة؟ وماذا بعدها؟ تاريخيًّا، يمكننا القول بأن المجتمع المصري لم يكن، ليتعرف في فترةٍ تاريخية مبكرة إلى الرأسمالية الأوروبية المعاصرة الناشئة، وفي توسعها المستمر، إلا من خلال الحملة الفرنسية، وهي الحملة العسكرية التي مثلت بدايات إدماج مصر في الاقتصاد الرأسمالي «الصناعي» العالمي في العصر الحديث، مع تحوُّل أرضها إلى أرض معاركَ ضارية بين قوى العالم الرأسمالي آنذاك؛ فلقد جاء نابليون بونابرت إلى مصر في أول يوليو عام ١٧٩٨م، واستولى على الإسكندرية، ثم على القاهرة بعد انتصاره على المماليك، ولكن بريطانيا لم تجعل الأيام تمر دون أن يتمكن الأميرال نلسون (١٧٥٨–١٨٠٥م) من القضاء على الأسطول الفرنسي في معركة «أبو قير». واستمر هذا الصراع بين قوى الرأسمال الدولي؛ من أجل فرض الهيمنة على سوق المواد الخام، والتمكن من الموقع الاستراتيجي. ولم ينتهِ الصراع، ظاهريًّا، إلا بإعلان انتهاء الحِماية البريطانية على مصر في عام ١٩٢٢م.
- (١)
المماليك: الذين كانوا الفئة الحاكمة فعليًّا، ولم يكن موقفهم من الفرنسيين يختلف عن موقفهم من العثمانيين، وهو الوصول الانتهازي إلى نوعٍ ما من المشاركة في السلطة والثروة.
- (٢)
البرجوازية الناشئة: ممثلة في كبار العلماء والأعيان من جهة، والأقباط من جهةٍ أخرى؛ فمن جهة العلماء والأعيان كان من الواضح، باستثناء كلٍّ من: عمر مكرم نقيب الأشراف، والسادات أحد كبار الصوفية، والمحروقي كبير التجار، مقدار تفاهمهم مع الفرنسيين، وبصفةٍ خاصة الشيخ الشرقاوي شيخ الأزهر!
أما الأقباط، وعلى الرغم من أنهم استبشروا الخير مع قدوم الحملة، ومعها الفكر العلماني الذي ربما يعيد صوغ وضعهم الاجتماعي بعد أن قاسَوا في أوقاتٍ كثيرة من المعاملة التمييزية ضدهم من قبل النظام العثماني، إلا أن المكاسب التي حققوها على الصعيد الاجتماعي، وبصفةٍ خاصة في الريف، بدت وكأنها صارت مهددة مع الحملة؛ الأمر الذي أدى إلى ارتباك علاقتهم بالفرنسيين.
- (٣)
- (٤)
البدو: ونراهم يشتركون في جميع المعارك ضد الفرنسيين، ربما يُقال بدافع الوطنية، ولكنني أرى أن اشتراك العرب في هذه المعارك كان من مستلزمات حياتهم القائمة بالأساس على الغزو والغنائم.
- (٥)
الفلاحون: وإذا دققنا في حالة الفلاح المصري في ظل النظام العثماني، ربما نفهم أسباب مقاومة الفلاح للمستعمِر الفرنسي؛ فلقد ساء وضع الفلاح كثيرًا في ظل النظام العثماني، الذي أطلق يد المماليك، ثم أتى الفرنسيون بقسوة لا تقل عن قسوة المماليك في جباية الضرائب المتعددة، والأمرُّ من ذلك أن الفرنسيين لم ينزلوا قرية إلا تقريبًا خربوها وأعدموا المعترض!
٤
- (١)
تصفية الطبقة الإقطاعة المهيمنة على الأرض، والتي تمثَّلَت في المماليك بصفةٍ خاصة.
- (٢)
تصفية الإقطاع نفسه، كنظامٍ اجتماعي.
- (٣)
احتكار الاقتصاد وإعادة تعبئة الفائض، بالسيطرة على القيمة الزائدة، من أجل نهضةٍ اقتصادية/عسكرية شاملة.
وحقق محمد علي هدفه الثاني من خلال مجموعة من الإجراءات التي تمكنت من ضرب النظام الإقطاعي ذاته، وفي مقدمة هذه الإجراءات مصادرةُ أراضي الالتزام في الوجه القبلي دون تعويض، أما في الوجه البحري فقد صُودرت أراضي الفلاحة وسُمح للملتزمين بالاحتفاظ بأراضي الأوسية طول حياتهم فقط ومُنح أصحابها حق الهبة والوقف، والبيع أيضًا، وإنما للحكومة فقط.
كما تَمَكَّن محمد علي من تحقيق هدفه الثالث، وهو احتكار الاقتصاد، بما فرضه من تنظيم لعلاقات الإنتاج والتجارة، واحتكار لوسائل الإنتاج الاجتماعي.
ومن المهم أن نذكر أن تحليل نوعية الإيرادات العامة آنذاك تُظهر مقدار هذا الاحتكار؛ فقد احتكر محمد علي الأرز (وهو أول محصول تم احتكاره) والحبوب، والقطن، والنخيل، والحرير، والتيل، والجلود، والحصير، والصودا، والملح، والخيوط الذهبية، والمسكوكات، وسبك الفضة، والصيد ببحيرة المنزلة، وبيع الأسماك وبيع المواشي بالقاهرة. الملاحظة المهمة هنا هي: أن إيرادات دولة محمد علي، وبالعكس لما هو شائع، لم تمثل فيها أرباح الاحتكار إلا جزءًا يسيرًا بالمقارنة مع الإيرادات الأخرى مثل الضرائب العقارية، وعوائد نقل الحبوب، ودخل الحكومة من جمرك الإسكندرية والسويس والقصير وبولاق ومصر القديمة وأسوان، وكذلك رسوم الصيد في بحيرة المنزلة.
وبعد إلغاء نظام الالتزام قام محمد علي بتوزيع الأراضي على المزارعين الذين يقومون بزراعتها. وعلى الرغم من أن محمد علي استهدف إلى حدٍّ ما عدالة التوزيع، إلا أن الواقع أسفر عن تكوُّن طبقة من كبار ملَّاك الأراضي. بدأ هذا التكون مع إلزام محمد علي كبارَ الموظفين وكبارَ ضباط الجيش الذين تضخَّمَت ثرواتهم وصاروا من الأثرياء بدفع متأخرات الضرائب على الأراضي التي عجز الفلاحون عن سدادها بعد تراكم العبء الضريبي إثر الهروب من الأرض أو التجنيد في الجيش، من أجل الحروب المفتوحة التي شَنَّها محمد علي، وأُطلق على هذا النظام نظام العهدة؛ إذ يقوم كبار الموظفين وكبار الضباط بسداد الضرائب المُستحَقَّة على الأرض، ومن ثَمَّ يتملكونها بموجب هذا السداد لخزانة الوالي؛ من هنا بدأَت تتكوَّن طبقة من كبار الملَّاك. استَكملَت هذه الطبقة تكوُّنها التاريخي مع نظامٍ آخر، وهو نظام الأبعادية، وهي الأراضي التي مُنحَت لكبار الموظفين وكبار رجال الجيش أيضًا، مع إعفاء هذه الأراضي من الضرائب، بشرط التزام هؤلاء بإصلاحها وتحسينها وإعدادها للزراعة، وهذا أيضًا عزَّز بناء الطبقة الجديدة.
- (١)
الأراضي الخراجية، وهي التي وزَّعها محمد علي على الفلاحين بعد تصفية نظام الالتزام.
- (٢)
أراضي الأوسية، ولكن بتنظيمها الجديد بصفةٍ خاصة في الوجه البحري؛ إذ إن الأوسيات في الجنوب تمت مصادرتها بلا تعويض.
- (٣) أراضي المسموح، وهي التي أعطاها محمد علي إلى مشايخ القرى في مقابل الخدمات التي يقومون بها للحكومة والأعباء التي يتحملونها في استضافة عمالها الذين يمرون بالقرى أو ينزلون بها، وكذلك خصص لبعض الأعيان الذين يقومون بإطعام المسافرين والمترددين على القرى مساحاتٍ أخرى عُرفت باسم مسموح المصاطب، وحُدِّدت مساحة أطيان المسموح بنسبة ٤ أو ٥ أفدنة عن كل ١٠٥ أفدنة من أطيان المعمور بالقرية، أما كبار المشايخ المعروفين «بالمقدمين» فخصص لهم ١٠ أفدنة عن كل ١٠٠ فدان من أراضي القرية.٢٠
ويمكننا القول بأن النصف الأول من القرن التاسع عشر، تحديدًا في الفترة من (١٨١١–١٨٤٠م) عرف تجربةً للدولة في مصر ابتغت بناء الاقتصاد السلعي المستقل في إطار السوق الرأسمالية العالمية. يتم ذلك عن طريق إعادة تنظيم النشاط الزراعي، على نحو يُمكِّن من تعبئة الإنتاج الزراعي، الذي يُستخدم مباشرة، أو على نحوٍ غير مباشر، من خلال التجارة الدولية، في تحقيق نوعٍ من البناء الصناعي، بما يعني الإنتاج ابتداءً من طلب السوق، والسوق الدولية على وجه التحديد؛ فالأمر إذن أقرب ما يكون إلى إعادة ضخ للقيمة الزائدة المنتجة بفضل سواعد المصريين في عروق الاقتصاد المصري من خلال دولةٍ مركزية طامحة إلى تنميةٍ مستقلة معتمدة على الذات. كانت الدولة، في هذا الوقت تهيمن على ملكية الأرض، ولم يعُد الأمر يتعلق بمجرد استقطاع الضريبة، أو جزءٍ من الإنتاج؛ فقد كانت السمة الجديدة هي (احتكار الدولة للإنتاج وللتجارة) هذا بالإضافة إلى (احتكارها لتحديد الأثمان داخليًّا وخارجيًّا) بما يحوي بين طياته من فكٍّ للروابط التي قد تفرضها السوق الرأسمالية العالمية.
لقد بنى محمد علي سياساته بأكملها بهدف تحقيق الاستقلال الاقتصادي واحتكار كلِّ ما يمكن أن يُحتكَر من مرافق الإنتاج. واعتمد ومستشاروه من الفرنسيين على الأبحاث السابقة (بصفةٍ خاصة أبحاث «وصف مصر») التي أعدها علماء الحملة الفرنسية على أسسٍ علمية (والتي ستستفيد منها فرنسا ذاتها، بل وأوروبا). لقد كان أثر الفرنسيين ظاهرًا في سياسة محمد علي الاقتصادية؛ ففي الزراعة تحققت مشاريع الري التي اقترحها علماء الحملة، وصارت الأراضي الزراعية ملكًا للحكومة واتبع في الوصول إلى هذا الغرض نفس الطريقة التي اتبعها قواد الحملة الفرنسية من طلب مستندات الملكية والاستيلاء على أراضي الملتزمين من المماليك الباقين. وفي الصناعة أُقيمت المصانع الكبيرة واحتكَرت الحكومة الصناعات الجديدة كما احتكرها الفرنسيون أو شرعوا في ذلك. وفي التجارة نُفِّذَت اقتراحات علماء الحملة من مد الطرق والجسور إلى تشييد القناطر وشق الترع، واحتكار التجارة نفسها من أجل حماية الإنتاج المحلي أمام المنافسة الأجنبية. أما في الإدارة فقد احتذت الحكومة حذو الفرنسيين في قيامها بنفسها، من خلال موظفيها، بجمع الضرائب والقضاء على نظام الالتزام وفي ترتيب الميزانية وفقًا للطريقة الأوروبية والعمل على موازنة الإيرادات والمصروفات.
٥
ومع تولي عباس باشا الأول (١٨٤٨–١٨٥٤م) حكم مصر، عمل على عدم إزعاج الرساميل الأجنبية الراغبة في المواد الأولية من أجل مصانعها، والباحثة عن الأسواق من أجل تصريف منتجاتها. ووجد أن هذه الرساميل تنزعج من تدخُّل الدولة في النشاط الاقتصادي، فقرر منع تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية؛ فكانت سياسته بمثابة موافقة على الوجود الرأسمالي الغربي في مصر.
أما سعيد باشا (١٨٥٤–١٨٦٣م) فقد جعل الموافقة على وجود الرأسمال الأجنبي أكثر إيجابية؛ مقررًا إلغاء الضرائب المفروضة على كل الواردات الأوروبية، وبذلك شَهِدَت أيام حكمه القضاء على البقية الباقية من الاحتكار.
أعاد إسماعيل تسليح الجيش، مستفيدًا بالامتيازات التي منحها له الباب العالي ومنها زيادة عدد الجند حسب الحاجة، وكوَّن جيشًا قويًّا لإعادة الروح إلى المشروع التوسُّعي الاستعماري الذي بدأه محمد علي؛ فقد استعان بالجيش والأسطول التجاري في خطة توسُّع شاملة في الجنوب، فأرسل في عام ١٨٦٨م حكمدار السودان إسماعيل باشا أيوب قائدًا لجيش قام باحتلال أعالي النيل ودارفور، وكلَّف في عام ١٨٦٩م صمويل بيكر بتوسيع الإمبراطورية في الجنوب والقضاء على تجارة الرقيق. وتولَّى المهمة بعد ذلك إنجليزيٌّ آخر هو تشارلز جوردون، والذي تمكن من إخماد التمرُّد في دارفور، وإعادة الهدوء إلى الحدود الإثيوبية بعد أن فشِل في غزوها، كما استطاع إلى حدٍّ ما تقليص حجم تجارة العبيد في الجنوب.
ولم تكن إصلاحات إسماعيل وعمله المتواصل من أجل تطوير المجتمع (وسيطرته على شروط تجديد إنتاجه بسيطرته على تسرب القيمة الزائدة المنتجة داخل المجتمع المصري، وهو الأمر الذي يتضح من تحليل حركة الصادرات والواردات) دونما اهتمام بمصالح الدائنين الأوروبيين المتربصين، إنجلترا وفرنسا، إلا خطوةً على طريق الإقصاء؛ فلقد أصدر السلطان العثماني قرار عزله في ١٨٧٩م. ولمَّا عَلِم جوردون بذلك قام على الفور بتقديم استقالته؛ الأمر الذي كان بمثابة نهايةٍ تدريجية للدور المصري في السودان، وهو ما تزامن مع إعلان المهدية (نسبة إلى محمد المهدي ١٨٤٣–١٨٨٥م) عن نفسها كحركةٍ دينية ثورية هدفها إعادة صوغ الوعي الديني وتصحيح الأوضاع الاجتماعية المتردية بالتصدي للفساد الفقهي الذي جاء به العثمانيون ومن ثم التصدي للوجود الأجنبي، ولا سيما في الشمال!
٦
ولسوف تشهد الفترة التالية لقيام حركة يوليو في عام ١٩٥٢م، ليس الحد من نشاط الأجانب فحسب، وإنما كذلك خروجهم من البلاد. ويمكن أن نرى الفترة التالية لأحداث يوليو على مرحلتَين: الأولى: من ١٩٥٢–١٩٥٦م، وكانت أغلبية المشروعات رأسماليةً مملوكة لأفراد، وبصفةٍ خاصة في مجال الصناعة. وفي إطار تشجيع مبادرة الرأسمال الفردي لم تمارس الدولة سوى الدور الرقابي على الاقتصاد القومي. أما المرحلة الثانية، وهي التي تمتد من بعد عام ١٩٥٦م حتى أوائل السبعينيات، فقد قام الجيش بحركةِ تأميمٍ شاملة للأراضي والمصانع والمنشآت والوكالات التجارية، في سبيل إعادة هيكلة الاقتصاد القومي على نحوٍ صناعي من أجل بناء اقتصادٍ مستقل، ولكن، أيضًا، في إطار السوق الرأسمالية العالمية، وابتداءً من رأسمالية الدولة!
-
ابتداءً من الاستفادة من البناء الصناعي السابق تكوينه، تم تحويل ملكية وسائل الإنتاج من ملكيةٍ خاصة فردية، إلى ملكيةٍ خاصة للدولة عن طريق التمصير والتأميم.
-
سيطرة الدولة على الصناعة والخدمات. وعلى الرغم من الحروب التي دخلتها مصر في هذه الفترة وتوتُّر العلاقات مع الإمبريالية العالمية ممثلة في إنجلترا وفرنسا، مع وضع العراقيل أمام الاقتصاد المصري، فقد تم التوسع في البناء الصناعي، من خلال حركةِ تصنيعٍ شاملة، مما انعكس على زيادة الوزن النسبي للصناعة من ١٥٪ (١٩٥٢م) إلى ٢٢٪ (١٩٧٠م). مع ارتفاع العاملين بالقطاع الصناعي من ٢٠٫٨٪ (١٩٤٧م) إلى ٥٠٫٤ (١٩٦٦م)، وانخفاض العاملين بالقطاع الزراعي من ٤٣٫٨٪ (١٩٤٧م) إلى ٩٫٢٪ (١٩٦٦م)، مع اتجاه القوى العاملة نحو قطاع الخدمات من ٣٢٫٣٪ (١٩٥٩م) إلى ٣٦٫٨٪ (١٩٧٤م). وتمكنت المصانع المصرية من أن تنتج: السيارات وعربات السكك الحديد وأسطوانات الغاز ومواقد وأفران وسخانات البوتاجاز ومحركات الديزل والدفايات والتليفزيونات والراديوهات وإطارات السيارات. مع الأخذ في الاعتبار أن الاقتصاد تمكن من تحقيق الفائض، ومن ثَمَّ تصدير العديد من السلع منها: غزل القطن والأقمشة القطنية والأقمشة الصوفية والبصل المجفَّف والثوم المجفَّف والخضروات المجفَّفة والجمبري المجمَّد والسردين المعلَّب والنبيذ والسكر والنفط والأثاثات الخشبية والأحذية والأسمنت والإطارات وخام المنجنيز.
-
كان من أبرز الملامح في خريطة توزيع الملكية الزراعية عشية ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، التركيز الشديد في ملكية الأرض الزراعية، والتزايد المستمر والسريع في عدد صغار الملَّاك الزراعيين بالنسبة لرقعة الأرض الزراعية؛ فحوالي ٠٫٤٪ من ملَّاك الأراضي الزراعية يملكون ٣٤٫٢٪ من المساحة المزروعة في مقابل ٧٢٪ منهم يملكون ١٣٫١٪ من هذه الأراضي. والواقع أن الفشل كان حليف جميع المحاولات العديدة من قِبل القوى الاجتماعية لإحداث التعديل في خريطة توزيع الملكية في الريف قبل ١٩٥٢م؛ فقد أعلنت البرجوازية الحاكمة رفضها التام لأي تقييد للملكية الزراعية. وهو الإجراء الذي اتخذته حكومة يوليو، وقامت بإعادة توزيع نحو مليون فدان لصالح صغار الفلاحين مما أدى إلى توسيع قاعدة الملكية في مرحلة أولى، فتفتيتها في مرحلةٍ ثانية، ثم تركيزها في مرحلةٍ ثالثة؛ حينما ابتلعَت الملكيات الكبيرة الملكيات القزمية.٣٥
٧
٨
ومع الثمانينيات، واستمرارًا في تنفيذ شروط صندوق النقد الذي تضخم نفوذه وطغت تصوراته على سياسات رجال الدولة وأفكارهم. ومع تبني النظام الحاكم لاقتصاد السوق بالتزامن مع الانسحاب التدريجي للدولة من النشاط الاقتصادي بتصفية شركات القطاع العام أو دمجها أو بيعها للرأسمال الخاص، وتشجيع الرأسمال الأجنبي بالمقابل. ومع استكمال سياسات تصدير العمالة المصرية للخارج، وبلدان الخليج بخاصة؛ وبالتالي استيراد ثقافة الصحراء. يتعمق، بدرجة أو بأخرى، إدماج الاقتصاد في النظام الرأسمالي العالمي كأحد أجزائه المتخلفة من جهة، وإعادة تشكيل ثقافة المجتمع بأَسْره من جهةٍ أخرى. في هذا الإطار تبلورت، بصفةٍ خاصة مع نهايات التسعينيات، علاقات الصراع بين السلطة السياسية والرأسمال، والتواطؤ بينهما في نفس الوقت. حتى ثارت الجماهير في محاولة، فشلت، لإسقاط نظامٍ استنزف موارد البلاد طيلة أربعة عقودٍ من تسرب القيمة الزائدة المنتَجة بفضل سواعد المصريين.
٩
والآن، في عام ٢٠١٩م، يمكن النظر إلى المجتمع المصري، على صعيد العملية الإنتاجية، كفلاحين، وعمال، ورأسماليين، وموظَّفين، وجنرالات، وداخل كل طبقة من هذه الطبقات نستطيع أن نميز بين شرائح وفئاتٍ مختلفة؛ فطبقة الفلاحين تُوجد داخلها شرائحُ تمثل كبار ملَّاك الأراضي، والطبقة الريعية، التي عملت على تفتيتها حركة يوليو ١٩٥٢م، وشرائحُ أخرى تتمثل في صغار الملاك، والمزارعين الأجراء. دون إغفال المعدَّمين. وداخل طبقة العمال نجد عمال النفط، كفئاتٍ ذات امتيازٍ نسبي، إلى جوار عمال المصانع وعمال اليومية المسحوقين، وداخل الطبقة الرأسمالية نميز أيضًا بين الرأسمالية الصناعية والرأسمالية التجارية والرأسمالية المالية، وداخل فئات الموظفين نجد كبار رجال الحكومة كما نجد الموظفين تحت خط الفقر. أما الجنرالات والجيش فيمكن، من جهةٍ أولى، ملاحظة أن القوات المسلحة المصرية لا تُعد قواتٍ حرفية، بمعنى أن الأغلبية الساحقة، والتي تمثل القاعدة، هي أغلبية مجندة، أي تم إلحاقها إجباريًّا بالخدمة العسكرية. وهو الأمر الذي يعني من جهةٍ ثانية: أن تلك القاعدة، المجندة إجباريًّا، إنما تمثل في واقعها الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب على اختلاف مهنهم وبيئاتهم؛ إذ هناك الحداد، والنجار، والمحامي، والمهندس، والشماس، وإمام الجامع … إلخ. وهو الأمر الذي يؤدي من جهةٍ ثالثة: إلى أهمية إعادة النظر إلى القوات المسلحة على أساس انقسامها إلى قسمَين أساسيَّين: القسم الأول: قاعدة عريضة جدًّا تضم مختلف فئات الشعب؛ أما القسم الثاني: فنخبة من الجنرالات، تمثل القمة، وترتبط مصالحها بمصلحة الرأسمالية العالمية بعد انخراط تلك النخبة من الجنرالات (كمؤسسة) في عالم الأعمال الدولي (البيزنس). كما تُوجد شريحةٌ وسطى بين القاعدة وبين القمة، وهي التي يتم الدفع بها نحو الحصول على مؤهلاتٍ علمية أعلى في تخصصاتٍ مختلفة كي يتم إلحاقها بمختلف مؤسسات ومرافق وهيئات ومصالح الدولة، بما يضمن ولاء تلك الشريحة، من جهة، وإحكام السيطرة على الدولة، بترسيخ وجود القوات المسلحة في جميع قطاعات الحكومة، من جهةٍ ثانية.
ثانيًا: تسرب القيمة الزائدة في مصر
إن التبعية، كما نفترضها، هي أن يفقد المجتمع الاستقلالية الاقتصادية؛ يفقد القدرة على السيطرة على الشروط الموضوعية لتجديد إنتاجه الاجتماعي.
والمجتمع يفقد الاستقلالية الاقتصادية حينما تتسرب القيمة الزائدة المنتجة داخله، بفضل عرق العمال، صوب الأجزاء المتقدمة؛ وبالتالي يفقد المجتمع القدرة على السيطرة على الشروط الموضوعية لتجديد إنتاجه الاجتماعي حينما يمسي عاجزًا عن الإنتاج دون أن يعتمد على السوق الرأسمالية العالمية التي تحتكر إنتاج وسائل الإنتاج التي يعتمد عليها المجتمع المتخلف، التابع، في سبيله إلى تجديد إنتاجه السنوي، بل وفي سبيله إلى تحقيق وجوده الإنساني اليومي؛ الأمر الذي يجعلنا نسأل سؤالًا واحدًا، ومحددًا، هو: ما مقدار اعتمادنا، نحن أبناء الأجزاء المتخلفة، على الرأسمالية العالمية في سبيلنا إلى تجديد إنتاجنا الاجتماعي السنوي، وتحقيق وجودنا الإنساني والاجتماعي اليومي؟
هذا السؤال هو ما نعتبره «سؤال التبعية». وهو السؤال الذي لا يمكن، في تصورنا، مناقشته إلا ابتداءً من قانون القيمة. وقانون القيمة فقط. أما البحث في مفردات الاقتصاد القومي ككل، وفقًا لنظريات البنك الدولي، والمؤسسة التعليمية الرسمية، فنحن في الواقع لا ننكره ولا نرى مبررًا لإهدار نتائجه، وإنما لا نتجاوز به حدوده التي لا ينبغي له أن يتعداها كبحث ينتهج التصورات الحدية ولا يرى الاقتصاد القومي إلا من خلال معدَّلات التضخم، وبيانات البطالة والفقر، ونسب الجوعى والمرضى، وإحصاءات الدخل … إلخ؛ لأن هذه الدراسات على هذا النحو تنشغل بعمل أبحاث، إنما حدِّية/آنية، في المشكلات الآنية للاقتصاد المَعنيِّ دون أن تثير الكيفية التاريخية التي شكَّلَت هذا اﻟ «آن» الذي تبحثه!
إن دراسة الاقتصاد (بوجهٍ عامٍّ جدًّا) من الأمور السديدة منهجيًّا بلا شك (إنما بشكلٍ جزئي) بل من الواجب علميًّا، في مرحلةٍ منهجية أُولى، أن يُدرَس الاقتصاد القومي، آنيًّا، من جوانبه كافة، إنما من غير الصحيح، في تصوُّري، هو أن نُسمِّي هذا البحث (العام جدًّا) بحثًا في التبعية؛ لأن التبعية كمقياس لظاهرة تجديد إنتاج التخلُّف الاقتصادي والاجتماعي إنما يتعين أن تقيس مدى اعتماد الاقتصاد القومي على الرأسمالية العالمية في سبيل تجديد المجتمع لإنتاجه السنوي؛ تقيس مدى فقد المجتمع للسيطرة على الشروط الموضوعية لتجديد إنتاجه الاجتماعي؛ تقيس مدى فقد المجتمع للقدرة على الإنتاج المستقل المعتمد على الذات؛ تقيس مدى تسرُّب القيمة الزائدة المنتَجة بفضل سواعد العمال في الاقتصاد القومي المتخلِّف إلى خارجه صوبَ الأجزاء المتقدمة من أجل شراء وسائل الإنتاج اللازمة لتجديد الإنتاج. وحينئذٍ يمكننا تكوين الوعي بالأزمة المركزية؛ وبالتالي طرحها على نحوٍ صائب يمكِّن من تجاوزها.
أما البحث في مفردات الاقتصاد القومي، ابتداءً من تصورات حدِّية/آنية، وفقًا لمؤشرات البنك الدولي، والنظرية الرسمية التي يُعدِمون بها الطلبة في الجامعات، كي نصل إلى أن الاقتصاد واهنٌ كاسدٌ متصدع الهيكل، ثم نُسمي ذلك تبعية! فهذا ما نتصور أنه في حاجة إلى مراجعة، على الأقل من أجل تصحيح فهم التبعية نفسها، وفهمها فهمًا ناقدًا بقصد الخروج منها. وهو ما يتطلب فهمها فهمًا متجاوزًا للرؤى الخطية والتصورات الميكانيكية. فهمها ابتداءً من قانون القيمة؛ فقانون القيمة بمفرده، ودون ادعاء امتلاك ناصية الحقيقة الاجتماعية، هو القادر على أن يشرح التبعية بمعناها المفترض صحته؛ وبالتالي يمكننا من النفي التاريخي لها كمقياسٍ لتجديد إنتاج التخلف الاقتصادي والاجتماعي.
السنة | متوسط نصيب الفرد من الواردات السلعية | متوسط نصيب الفرد من المنتوج المحلي السلعي الإجمالي | معدَّل التبعية ٪ |
---|---|---|---|
٢٠٠٠ | ٠٫٧٦ | ٢٫٦ | ٢٩٫٢٣ |
٢٠٠١ | ٠٫٧٧ | ٢٫٦٧ | ٢٨٫٨٣ |
٢٠٠٢ | ٠٫٨٤ | ٢٫٩٣ | ٢٨٫٦٦ |
٢٠٠٣ | ٠٫٩٤ | ٣٫٣٢ | ٣٢٫١٢ |
٢٠٠٤ | ١٫١٥ | ٣٫٦٥ | ٣١٫٥٠ |
٢٠٠٥ | ١٫٦٢ | ٤٫١١ | ٣٩٫٤١ |
٢٠٠٦ | ١٫٦٢ | ٤٫٧٠ | ٣٤٫٤٦ |
٢٠٠٧ | ٢٫٠٨ | ٥٫٩ | ٣٥٫٢٥ |
٢٠٠٨ | ٣٫٨٦ | ٦٫١ | ٦٣٫٢٧ |
٢٠٠٩ | ٣٫٢٨ | ٦٫٧٢ | ٥٣٫٧٧ |
٢٠١٠ | ٣٫٨٢ | ٧٫٦٧ | ٤٩٫٨٠ |
٢٠١١ | ٤٫٦١ | ٨٫٥٢ | ٥٤٫١٠ |
٢٠١٢ / ٢٠١٦ | ٤٫٨٠ | ٩٫٨ | |
المتوسط العام للتبعية في الفترة ٢٠٠٠–٢٠١٦م = ٤٣٫٨٩٪ |
ثالثًا: تسرب القيمة الزائدة في العالم العربي
البلد | عدد السكان (بالمليون نسمة) | القوة العاملة في قطاع الزراعة (٪) من إجمالي العاملين | المنتوج الزراعي (بالمليون دولار) | الصادرات (بالمليون دولار) | الواردات (بالمليون دولار) |
---|---|---|---|---|---|
الأردن | ٦٫٢٠٠ | ٨٫٨ | ٧٣٠ | ٦٠٦ | ٢٥٠٠ |
الإمارات | ٨٫٢٦٤ | ٥٫٢ | ٢٫٦٥٥ | ١٧٩٠ | ٤٧٠٠ |
البحرين | ١٫٣٠ | ٢٫٤ | ٩٣ | ٢٥٧ | ٥٩٠ |
تونس | ١٠٫٥٠٠ | ١٦٫٢ | ٣٫١٧٥ | ٢٩٠٠ | ٢٤٤٩ |
الجزائر | ٣٥٫٨٠٠ | ١٣٫١ | ١٣٫٤٨٥ | ٢٦٠ | ٧٥٨٥ |
جيبوتي | ٩٢٣ | ٧٤٫٩ | ٣٦ | ٢٢ | ١٥٠ |
السعودية | ٢٧٫٥٢٢ | ٤٫١ | ١١٫٢٠٤ | ٢٨٠٠ | ١٨٨٢٢ |
السودان | ٤١٫١٦٠ | ٤٤٫٥ | ٢٢٫٧٨٥ | ١٧١ | ٤٨٠ |
سوريا | ٢٠٫١٢٥ | ١٣٫٩ | ١٢٫٢١٥ | ٢٢٦٥ | ٣٢٥٤ |
الصومال | ١٠٫٤٩٠ | ٣٥٫٥ | — | ٢٢ | ٥٩٠ |
العراق | ٣٣٫٤٠٨ | ١٤٫٠ | ٧٫٢٩٨ | ١٠ | ٢٠٠٠ |
عمان | ٣٫٤١٥ | ٢٠٫٥ | ٨٥٧ | ٣٥٠ | ٢٥٨٩ |
فلسطين | ٧٫٩٠٠ | — | — | ٧٢ | ٣٥٤ |
قطر | ١٫٦٩٩ | ١٫٦ | ٢٨١ | ١٠ | ٤١٥ |
الكويت | ٣٫٥٥٤ | ١٫٨ | ٢٦٢ | ١٨٠ | ١٩٢٠ |
لبنان | ٤٫٠١٨ | ٢٫٢ | ١٫٩٦٣ | ٣٦٠ | ٢٢٦٥ |
ليبيا | ٧٫٧٧٤ | ٤٫٩ | ١٫٦٣٢ | ٧ | ٢٠٦٩ |
مصر | ٨٣٫٦٨٢ | ٢٩٫٩ | ٢٩٫١٣٥ | ٣٦٠٠ | ٦٩٤٠ |
المغرب | ٣١٫٥٨٩ | ٤٢٫٦ | ١٢٫٥١٠ | ٣٨٠٠ | ٤٢٣٣ |
موريتانيا | ٥٫٧ | ٤٦٫٥ | ٥٧٥ | ٦٤ | ٩٥ |
اليمن | ٢٣٫١٥٤ | ٣٦٫٩ | ٣٫٤٩٢ | ٣٨٩ | ٢٢٥٦ |
- (١)
من العبث أن يُدرس الاقتصاد العربي ككلٍّ واحد؛ إذ الواقع يؤكد عدم تجانُس الاقتصادات العربية، وإنَّ الأخذ بالمتوسطات الحسابية، التي تُخفي أكثر مما تظهر، يُعَد خطأً علميًّا فادحًا إذا ما تم استخلاص نتائج (نهائية) بناءً عليها؛ فثمة بلدان تحقق فائضًا نسبيًّا، وأخرى لديها نقصٌ شديد. وثَمَّةَ بلدان تعداد سكانها يفوق عشرات المرات تعداد سكان بلدانٍ أخرى. وثَمَّةَ بلدان يكون نصيب الفرد فيها مرتفعًا، وأخرى منخفضًا. وثَمَّةَ بلدان يعمل جُل سكانها بالزراعة ومع ذلك تستورد طعامها من الخارج، وبلدانٌ أخرى يندر بها النشاط الزراعي، فكيف يتم درس اقتصاداتٍ غير متجانسة بهذا الشكل، بل ومع افتراض تجانسها؟ إذ الشائع في درس الاقتصادات العربية هو درسها ككل، كوحدةٍ واحدة. والاعتماد على الأرقام الإجمالية التي قد تُقدِّم صورةً أحيانًا وردية في بعض القطاعات والبنود، وإنما زائفة في مجموعها!
- (٢)
بعد خصم قيمة الواردات، في قطاع الزراعة، فإن المنتوج الزراعي الكلِّي لا يفي بحاجات السكان في غالبية بلدان العالم العربي! ربما باستثناء، ونسبيًّا: بلدان الإمارات، والبحرين، وجيبوتي، والسعودية، وعُمان، وقطر، والكويت، ولبنان، وليبيا، وموريتانيا.
- (٣)
فوائض الزراعة والثروة السمكية في بعض بلدان العالم العربي، مثل: السودان ومصر ولبنان والعراق وسورية، تتمثل غالبيتها في بعض أنواع الأسماك وبعض أنواع الفواكه وبعض أنواع الخضروات، مع نقصٍ (شديد أحيانًا) في المنتجات الزراعية الأساسية كالحبوب والدقيق والأرز والشعير والبطاطس والبقوليات واللحوم والزيوت والألبان ومنتجاتها.
- (٤)
تُوجد بلدان تتوقف عملية إطعام السكان فيها على ما يحدث خارجها في النظام الرأسمالي العالمي، مثل الأردن والإمارات والبحرين والسعودية وعمان وقطر والكويت ولبنان وليبيا؛ فهي بلدان تستورد طعامها من الخارج بنسبةٍ كبيرة؛ حيث لا يفي إنتاجها بحاجات السكان. وتلك البلدان إنما تمول عملية استيراد الغذاء من خلال القيمة الزائدة المنتَجة بسواعد العمال في قطاعاتٍ أخرى، كقطاع الصناعة، الاستخراجية عادةً، والخدمات. وذلك بالنظر إلى نوعية وكمية الصادرات والواردات كما سنرى لاحقًا.
- (٥)
تفاوُت مستوى الإنتاجية يُعد من الخصائص اللصيقة بالاقتصادات العربية؛ فمثلًا: ما ينتجه مزارعو وفلاحو الأردن يُنتَج ضعفه تقريبًا في دولة الإمارات. وما يُنتَج في تونس يُنتَج ثلاثة أضعافه في المملكة العربية السعودية، وما يُنتَج في العراق يُنتَج ضعفه في الجزائر. وما يُنتَج في موريتانيا يُنتَج ستة أضعافه تقريبًا في مصر!
- (٦)
يؤدِّي كلٌّ من: اختلاف سعر صرف العملة، والإنتاج من أجل السوق، وإنما السوق الرأسمالية الدولية، الدور الحاسم في هيكل الزراعة العربية؛ فالرأسمال المستثمر في قطاع الزراعة لا يهمه سوى الربح، سواء تحقق بإطعام أهل البلد الذي يستهلك أرضه، أم خارجه.
- (٧)
ومن هنا كان الإنتاج دائمًا من أجل السوق، وليس من أجل تأمين الاكتفاء الذاتي للمجتمع، أو تنمية معتمدة على الذات، وفك الروابط مع الرأسمالية العالمية؛ إذ في بعض البلدان، تونس مثلًا، يستطيع إجمالي الإنتاج الزراعي تأدية دوره النموذجي في خلق الشخصية الوطنية المستقلة في مواجهة الرأسمالية الدولية في توسعها المستمر؛ إذ يُقدَّر الإنتاج الزراعي، وفقًا لأرقام ٢٠١١م، بنحو ٣٫١٧٥ مليار دولار، يُصدِّر تونس منهم ٢٫٩٠٠ مليار دولار، ويستورد في المقابل نحو ٢٫٤٤٩ مليار دولار! يتعين هنا الوعي بعلاقات الملكية العقارية، وتركيبة الطبقات المهيمنة وتكوُّنها التاريخي في ركاب الرأسمال الأجنبي!
- (٨)
ثَمَّةَ بلدان، مثل المملكة العربية السعودية قُدِّر منتوجه الزراعي، وفقًا لأرقام ٢٠١١م بنحو ١١٫٢٠٤ مليار دولار، كما قُدِّرت قيمة صادراته بنحو ٢٫٨٠٠ مليار دولار، في الوقت الذي قُدِّرت قيمة الواردات بما يقارب ١٩ مليار دولار؛ أي إن المجتمع السعودي يحصل على جُل غذائه من السوق الدولية (يتعين هنا الوعي بتفاصيل عقود التخصيص التي تحصلت عليها المملكة في الأراضي السودانية).
- (٩) بلدٌ أخر مثل السودان،٤٤ قُدِّر منتوجه الزراعي في عام ٢٠١١م، بنحو ٢٢٫٧٨٥ مليار دولار، وبعد خصم الصافي الزراعي، وقدره ٣٠١ مليون دولار، فيكون السودان قد حقق نحو ٢٢٫٤٨٤ مليار دولار! ولم يزل السودان يجدد يوميًّا تخلفه! لماذا؟ لأن، أولًا: جُل هذا المنتوج لصالح رأسمالٍ خاص أجنبي يستهلك أرضه (سعودي، إماراتي، تركي، كوري جنوبي). ثانيًا: لأنه يُعد مثالًا نموذجيًّا، ليس لإهدار الفائض٤٥ كما هو شائع، وإنما لتسرُّب القيمة الزائدة التي تم إنتاجها داخله من أجل استيراد كل ما هو ضروري ولازم لتجديد الإنتاج على الصعيد الاجتماعي!
وللانتقال منهجيًّا خطوة أكثر تقدمًا، يتعين أن نعاين هيكل الصادرات والواردات في ضوء المنتوج المحلي الإجمالي في الفترة ٢٠٠٩–٢٠١٢م.
البلد | المنتوج المحلي الإجمالي من السلع (من دون الخدمات بالمليار دولار) | الدين الخارجي بالمليار دولار | الصادرات بالمليار دولار | أنواع السلع المصدَّرة | الواردات بالمليار دولار (تسرب فعلي) | أنواع السلع الواردة | الإنفاق العام بالمليار دولار (تسرب محتمل) |
---|---|---|---|---|---|---|---|
الأردن | ٧٫٩٠٥ | ٨٫٣٤٥ | ٨٫٢١٨ | ملابس، أسمدة، بوتاس فوسفات، خضروات، فواكه، مواد صيدلانية | ١٧٫٧٣ | نفط خام، آلات، معدات النقل، اتصالات سلكية ولاسلكية، حديد، حبوب، مواد غذائية، سلع رأسمالية | ٨٫٠٥١ |
تونس | ١٤٫٧٦٨ | ٢٤٫٥٠ | ١٧٫٨٧ | ملابس، سلع نصف مصنعة، منسوجات، منتجات زراعية، فوسفات، مواد كيميائية، هيدروكربونات | ٢٣٫٤٩ | منسوجات، آلات، معدات نقل وأجزاؤها، مواد هيدروكربونية، مواد كيميائية، مواد غذائية، إلكترونيات، سلع رأسمالية، مواد لصناعة الورق | ١٣٫٤٦٦ |
جيبوتي | ١٢٤ مليون دولار | ٨٠٢٫٩ مليون دولار | ١٠١٫٧ مليون دولار | جلود، بن | ٤٦٥٫١ مليون دولار | أطعمة، مشروبات، معدات النقل وأجزاؤها، آلات، كيماويات، منتجات بترولية، أسلحة، ذخائر وأجزاؤها | ٤٢٤ مليون دولار |
سوريا | ٣٢٫٢٨٠ | ٨٫٨٩٠ | ٤٫٩٨١ | نفط خام، معادن، منتجات نفطية، فواكه، خضروات، ألياف، قطن، منسوجات، لحوم حية، ملابس، قمح | ١٧٫٦ | آلات، معدات النقل، آلات الطاقة الكهربائية، مواد غذائية، ثروة حيوانية معادن، منتجات معدنية، كيماويات، مواد كيماوية، بلاستيك، غزل، أسلحة | ١٥٫١٩٦ |
الصومال | ٥٫٨٩٦ | ٣٫٢٥٤ | ٥١٥٫٨ مليون دولار | ثروة حيوانية، معادن الخردة، موز، جلود، أسماك، فحم | ١٫٢٦٣ | آلات، معدات، منتجات نفطية، مواد غذائية، أسلحة، ذخائر | — |
لبنان | ٩٫٥٤٣ | ٣٢٫٦٤ | ٥٫٦٥٥ | مجوهرات، معادن، مواد كيميائية، فواكه، خضروات، تبغ، ألياف النسيج، جلود وفراء ومنتجاته، نسيج | ٢٠٫٧٣ | منتجات بترولية، سيارات، آلات معدات نقل، منتجات طبية، ملابس، لحوم، سلع استهلاكية، مواد صناعة الورق، أقمشة، | ١١٫٣٠٨ |
مصر | ١٠٧٫١٣٢ | ٣٤٫٨٨٩ | ٢٨٫٣٧ | نفط خام، منتجات نفطية، قطن، منسوجات، منتجات معدنية، مواد كيميائية، أغذية المصنعة، جلود، حيوانات حية | ٦٩٫٨٤ | آلات، معدات، مواد غذائية، مواد كيميائية، منتجات خشبية، إلكترونيات، مواد صيدلانية، ملابس، منسوجات، منتجات معدنية، | ٦٦٫٢٧٢ |
المغرب | ٣٧٫٣١٥ | ٢٩٫٤٢ | ٢٢٫٢٣ | ملابس ومنسوجات، معادن خام، منتجات نفطية، حمضيات، أسماك وخضروات | ٤٢٫٤٩ | بترول خام، نسيج، معدات وآلات إنتاج، سلع استهلاكية، اتصالات سلكية ولاسلكية، قمح، غاز، كهرباء | ٢٩٫٩٢٠ |
موريتانيا | ٢٫٠٤٧ | ٢٫٩٤٢ | ٢٫٨٧٨ | خام الحديد، أسماك، منتجات سمكية، ذهب، نحاس، نفط | ٤٫١٥٢ | آلات، معدات، منتجات بترولية، سلع رأسمالية، مواد غذائية، سلع استهلاكية، سلاح، اتصالات سلكية ولاسلكية | ١٫٠٣٠ |
اليمن | ١٣٫٢٩٨ | ٦٫٧٢٤ | ٧٫٩٥٨ | نفط خام، غاز طبيعي، أسماك جافة ومملحة | ١٢٫٨٩٣ | مواد غذائية، منتجات بترولية، أسلحة، ذخائر وأجزاؤها | ١٠٫٢٨٨ |
- (١)
لم تزل بلدان العالم العربي، حتى بعد خروج الاستعمار الأجنبي، تمثل بالنسبة للأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي المصدر الأساسي للمواد الأولية والمواد الخام، كما يظهر في بند نوعية السلع المصدَّرة.
- (٢)
لم تزل بلدان العالم العربي، وحتى بعد خروج الاستعمار الأجنبي، تعتمد على السلع الإنتاجية والاستهلاكية التي تنتَج في مصانع الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي. وخطورة هذه السلع تكمن في كونها السلع التي تتوقف عليها عملية تجديد الإنتاج الاجتماعي نفسه داخل الاقتصاد القومي، مثل الآلات والمعدَّات عالية التقنية، كما يتضح من بند أنواع السلع الواردة.
- (٣) يتضح من الجدول ٦-٣ أيضًا أن الواردات تلتهم جُل قيمة المنتوج المحلِّي الإجمالي، الواهن بالأساس.
- (٤)
وبالتالي؛ تمثل قيمة الواردات ونوعيتها، أزمةً حقيقية لغالبية بلدان العالم العربي أمام القدرة على الوفاء بالديون الخارجية من جهة، والقيام بالدور الاجتماعي للدولة المتمثل في الإنفاق على التعليم والصحة والإسكان … إلخ، من جهةٍ أخرى.
- (٥)
والإنفاق العام ذاته يمثل، وفي نفس الوقت، مثالًا للتسرب المحتمل في القيمة الزائدة المنتجة داخل الاقتصاد القومي إلى خارجه نحو الأجزاء المتقدمة من أجل استيراد السلع والخدمات التي تستهلكها الحكومات، أو تُوفِّرها للمواطنين مدعمة.
البلد | نصيب الفرد من الواردات السلعية | نصيب الفرد من المنتوج المحلي السلعي الإجمالي |
---|---|---|
الأردن | ٢٫٨٥ | ١٫٢٧ |
تونس | ٢٫٢٣ | ١٫٤٠ |
جيبوتي | ٠٫٥٠ | ٠٫١٣ |
سوريا | ٠٫٨٧ | ١٫٦٠ |
الصومال | ٠٫١٢ | ٠٫٥٧ |
لبنان | ٥٫٨ | ٢٫٢٣ |
مصر | ٠٫٨٤ | ١٫٢٩ |
المغرب | ١٫٣٣ | ١٫١٨ |
موريتانيا | ٠٫٧٢ | ٠٫٣٥ |
اليمن | ٠٫٥٥ | ٠٫٥٧ |
المجموع | ١٥٫٨١ | ١٠٫٦٩ |
مدى التبعية: ٦٧٫٦١٪ |
- الأول: يوضح حجم المنتوج القومي الإجمالي وحجم الصادرات والواردات في بعض الدول المتقدمة طبقًا لأرقام ٢٠١٨م.
- الثاني: يوضح التركيب السلعي كما في حركة الصادرات والواردات لذات الدول طبقًا لبيانات نفس العام.
البلد | المنتوج القومي بالتريليون دولار | الصادرات بالتريليون دولار | الواردات بالتريليون دولار |
---|---|---|---|
ألمانيا | ٣٫٦٧٧ | ١٫٤٦٧ | ١٫١٢٠ |
الولايات المتحدة | ١٩٫٣٩٠ | ١٫٧١٨ | ٢٫٣٥٧ |
اليابان | ٤٫٧٨٢ | ٨٩٢٫٢٠٠ (مليار دولار) | ٦٧٢٫٣١٢ (مليار دولار) |
فرنسا | ٢٫٥٨٢ | ٧٩٨٫٧٠٠ (مليار دولار) | ٥٣٥٫٧٠٣ (مليار دولار) |
إيطاليا | ١٫٩٣٤ | ٨٧٨٫٤٠٠ (مليار دولار) | ٤٣٣٫٨٠٧ (مليار دولار) |
كندا | ١٫٦٥٣ | ٤٩٦٫٨٠٠ (مليار دولار) | ٤٧٦٫٨٠٤ (مليار دولار) |
المملكة المتحدة | ٢٫٦٢٢ | ٦٠١٫٦٠٠ (مليار دولار) | ٤٤٦٫٦٠٤ (مليار دولار) |
البلد | أنواع السلع المصدَّرة | أنواع السلع الواردة |
---|---|---|
المانيا | آلات، معدات، سلع رأسمالية، سيارات، منسوجات | آلات، سيارات، مواد غذائية |
الولايات المتحدة | منتجات زراعية، إمدادات صناعية، ترانزستورات، طائرات، سلاح، سيارات، قطع غيار السيارات، إلكترونيات، أجهزة الكمبيوتر، معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية، أدوية | نفط خام، ملابس، سيارات، أثاثات، أدوية، لعب الأطفال، معدات الاتصالات |
اليابان | إمدادات صناعية، سيارات، قطع غيار السيارات، إلكترونيات، أجهزة كمبيوتر، معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية، أشباه الموصلات، إلكترونيات، مستلزمات وأجهزة طبية، ومنتجات صيدلانية | نفط خام، وقود، مواد غذائية، مواد خام |
فرنسا | آلات، معدات النقل، طائرات، سلاح، إلكترونيات، منتجات صيدلانية، حديد وصلب، مشروبات، سيارات | نفط خام، لدائن، مواد كيميائية |
كوريا الجنوبية | أشباه الموصلات، إلكترونيات، معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية، أجهزة كمبيوتر، سفن، بتروكيمياء، وأسلحة | نفط، آلات، معدات، كيماويات عضوية، بلاستيك |
إيطاليا | منتجات هندسية، منسوجات، ملابس، آلات، سيارات، معدات نقل، أغذية، مشروبات، تبغ، معادن غير الحديد | نفط، منسوجات، ملابس، آلات، سيارات، معدات النقل، أغذية، مشروبات |
كندا | سيارات، آلات، معدات، قطع غيار السيارات، نفط، غاز طبيعي، إلكترونيات، أخشاب، لب الخشب | سيارات، نفط خام، سلع استهلاكية معمرة |
المملكة المتحدة | آلات، معدات، سلع مصنعة، أسلحة، وقود، مواد كيميائية، أغذية، المشروبات | نفط خام، مواد غذائية، سلع مصنعة |
- (١)
أن الأجزاء المتقدمة لا تسمح بتسرب القيمة الزائدة المنتَجة داخل اقتصاداتها القومية إلى خارجها؛ إذ لا يغطي المنتوج القومي قيمة الواردات فحسب، وإنما تغطيها، عادة، قيمة الصادرات؛ الأمر الذي يعني المزيد من التراكم الرأسمالي الممكِّن من اعتبار العالم بأَسْره حقل عمليات الرساميل التابعة لتلك الأجزاء.
- (٢)
إذ يتضح أن الأجزاء المتقدمة تتفوق تفوقًا هائلًا، بالنظر إلى إجمالي المنتوج القومي؛ الأمر الذي يعني صلابة وقوة هيكل الاقتصاد القومي، والتعاون والتكامل ما بين قطاعاته الإنتاجية.
- (٣)
أن اقتصادات الأجزاء المتقدمة تتميز بالتوازن النسبي بين قيمة الصادرات والواردات. وحينما يحدث التغيُّر فإنما يكون في مصلحة الصادرات. وابتداءً من حساب قيمة الصادرات والواردات نجد أن تلك الأجزاء المتقدمة تحقق من الفائض الاقتصادي ما من شأنه تدعيم توسعها المستمر في تجديد إنتاجها الاجتماعي على نحوٍ مستقل معتمد على الذات.
- (٤)
أن الأجزاء المتقدمة إنما تتخصص في السلع كثيفة التكنولوجيا والرأسمال؛ الأمر الذي يعني هيمنتها في حقل إنتاج السلع التي يتوقف عليها تجديد الإنتاج الاجتماعي في الأجزاء المتخلفة، والتي كما نعرف تعتمد كليًّا، تقريبًا، في تجديد إنتاجها الاجتماعي على وسائل الإنتاج التي تنتجها الأجزاء المتقدمة.
- (٥) أن غالبية واردات الأجزاء المتقدمة تنحصر في المواد الأوَّليَّة والخام، التي تفتقر إليها، أو التي تحتفظ منها بمخزون استراتيجي ولا ترغب في استخدامه.٤٩
على هذا النحو نكون قد انتهينا من نقدنا للتكوين العضوي للجسم النظري لعلم الاقتصاد السياسي كما تبلور من خلال مساهمات الآباء المؤسسين، ويتعين علينا الآن الانتقال خطوةً فكرية لنقده خارجيًّا.
ويجب ملاحظة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على النفط في ٩٠٪ من عملية الإنتاج الزراعي، والصناعات المرتبطة بهذا الإنتاج. للتفصيل انظر: “Environment Energy and Economy”: Strategies for Sustainability, Edited by Yoichi Kaya and Keiichi Yokobori (New York: United Nations University Press, 2009).