نهاية الاقتصاد السياسي
١
٢
فخلال قرنَين من الزمان (١٦٢٣–١٨٧١م) تَبلَور الاقتصاد السياسي كعلمٍ اجتماعي محل انشغاله الإنتاج عند آدم سميث، والتوزيع لدى دافيد ريكاردو، وهيكل النظام لدى كارل ماركس. والقاسم المشترك كان قانون القيمة. لكن هذا العلم توارى تاريخيًّا مع آخر صفحة من كتاب «رأس المال» الذي أنجزه ماركس، المفكر لا الصنم. بالتأكيد وُجدت دراسات وأبحاثٌ أصيلة (أمين، وأوتار، وباران، وبراون، وبتلهايم، وبيرو، ودوب، وفرانك، وسنتش، وسرافا، وسويزي)، ولكنها ظلت خارج إطار النظرية الرسمية على أقل تقدير في الأجزاء المتقدمة، وجُل الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر، إذا استثنينا الاتحاد السوفياتي الذي اتخذ من الاقتصاد السياسي أداةً أسطورية لإخضاع الجماهير! ومن هنا، ومن باب أولى، لا يمكن اعتبار ذاك التيار الفكري الذي سوف يتربع على عرش الفكر الأكاديمي الرسمي، التابع للمؤسسة السياسية بطبيعة الحال، امتدادًا لعلم الاقتصاد السياسي لأنه، وكما سنرى أدناه، يمثل فنًّا، لا علمًا، يستند إلى بعض الأفكار العامة للكلاسيك.
محض لغو إذن، القول بأن النيوكلاسيك لديهم نظرية في القيمة؛ فلم يكن أبدًا لديهم نظرية في القيمة، إنما هي نظرية في المنفعة، تحاول تمييع مفهوم القيمة؛ وبالتالي لم يكن لديهم أبدًا نظرية في القيمة التبادلية إنما هي نظرية في ثمن السوق. ومن هنا نستسخف كثيرًا انشغال الأساتذة، أساتذة الاقتصاد في الجامعات، بحشو دماغ الطلاب بكلامٍ مرسلٍ سيال عن «نظرية القيمة عند النيوكلاسيك»!
٣
٤
تبدَّت الأزمة الأولى في أنْ وقَع اختيار الأجزاء المتقدمة على أسواق الأجزاء المتخلفة كي تكون الأسواق الجديدة التي تمتص الفائض، ولكن امتصاص فائض الأجزاء المتقدمة من قِبل الأجزاء المتخلفة يستلزم التمويل الممكِّن من شراء هذا الفائض؛ حينئذٍ قامت الأجزاء المتقدمة، من خلال وكلائها: البنك والصندوق الدوليَّين، ووفقًا لتعاليم النقديين، بتقديم القروض، المشروطة، للأجزاء المتخلفة؛ مما أدَّى إلى غرَق الأجزاء المتخلفة في المديونية، وحينما همَّت بالخروج منها وَجدَت نفسها متورطة أكثر وأكثر في قروضٍ جديدة لتسديد القروض القديمة التي استُخدمَت في شراء السلع والخدمات المنتَجة في الأجزاء المتقدمة؛ وبالتالي ساهمَت في تشغيل مصانع الأجزاء المتقدمة ومن ثم تخفيض معدَّلات البطالة والتضخم والركود … إلخ، في تلك الأجزاء المتقدمة.
أما الأزمة الثانية فقد ظَهرَت على مستوى الفكر المهيمن على المؤسسة التعليمية في الأجزاء المتخلفة، وبصفةٍ خاصة في مصر وعالمنا العربي؛ فعلى الرغم من أن نظريات النيوكلاسيك والنقديين على الأقل، قد أُنتجَت في معامل الغرب الرأسمالي من أجل الغرب الرأسمالي، وعلى الرغم أيضًا من عجزها التاريخي عن تفسير أزمات الرأسمالية، إلا أنها تهيمن على المناهج التعليمية في الأجزاء المتخلفة، ويتم تقديمها عادةً وكأنها النظريات الصحيحة، بل والوحيدة، تاريخيًّا!
٥
- (١)
إن غالبية المساهمات النظرية، وما يُعرف ﺑ «التراكم المعرفي» في حقل تحليل ظاهرة التخلُّف الاقتصادي العربي، بوجهٍ خاص، لم تستطع أن ترى ظاهرة التخلُّف إلا من خلال بيانات المرض وأرقام الفقر وأحوال الجوع، وإحصاءات الدخل والمنتوج والتضخُّم … إلخ؛ ومن ثَمَّ يصير الحل لدى هذه المساهمات، وهي المعتمدة رسميًّا، للخروج من الأزمة، أزمة التخلُّف، هو التركيز على النداء، وأحيانًا الصراخ، باتباع السياسات «الرأسمالية/الحرة» التي تتبعها الدول التي لا تعاني من الفقر والجوع والمرض؛ لكي تخرج البلدان المتخلفة من الفقر والجوع والمرض!
- (٢)
وهو ما يترتب على الأمر الأول؛ فغالبية المساهمات إنما تنتهي حيث يجب أن تبدأ؛ إذ عادةً ما نرى مئات الكتابات في هذا الصدد تقترح للخروج من أزمة التخلُّف سياساتٍ اقتصادية ذات مدخلٍ أدائي/خطي، دون محاولة إثارة الكيفية، الجدليَّة، التي تكوَّن بها التخلُّف تاريخيًّا على الصعيد الاجتماعي في الأجزاء المتخلِّفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر بوجهٍ عام، وعالمنا العربي، الذي هو أحد تلك الأجزاء، بوجهٍ خاص. وأفضل ما أمكن تحقيقه هو الإشارة إلى الاستعمار، كتاريخٍ ميت، ثم القفز البهلواني، بعد الجهل بالتاريخ أو تجاهُله بجهل، إلى اقتراح سياسات السوق الحرة!
- (٣)
عادةً ما يتم تناول إشكالية التخلُّف الاقتصادي العربي بمعزل عن إشكالية التخلُّف على الصعيد العالمي؛ أي دون رؤية الاقتصاد العربي كأحد الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر، وربما كان هذا ترتيبًا منطقيًّا لتناول الإشكالية من منظورٍ أحادي يفترض التجانُس ولا يرى سوى الطرح «التكاملي» والمناداة «المثالية» بالتكامل الاقتصادي العربي، وكأن البلدان العربية تعيش خارج الكوكب! على الرغم من ارتباط «إنجاز» مشروع التكامل الاقتصادي العربي بالتعامُل مع الرأسمالية (التي هي خضوع الإنتاج والتوزيع في المجتمع لقوانين حركة الرأسمال)، ابتداءً من الوعي بقوانين حركتها تلك، بقصد فك الروابط مع الإمبريالية العالمية من خلال مشروعٍ حضاري لمستقبلٍ آمن.
- (٤) السؤال الأهم، وغالبًا ما لا تتم الإجابة عنه، هو: لماذا، بعد أن خرج الاستعمار الذي شوَّه الهيكل الاقتصادي وسبَّب التخلُّف، لم تزل بلدان العالم العربي متخلِّفة؟ هذا السؤال من المعتاد تجاهُله من قبل النظرية الرسمية، والانتقال الكوميدي إلى: كيف نخرج من التخلُّف بالتكامل؟ وحينئذٍ نرى سيلًا من الآراء والمقترحات (المدرسية/الرسمية) التي لا تعرف ما الذي تبحث عنه بالتحديد؛ وذلك أيضًا أمرٌ منطقي؛ حينما لا تعرف هذا المقترحات ماهية التخلُّف ذاته! على الرغم من أن الحديث عن التكامل الاقتصادي يكون عديم المعنى والفائدة معًا إذا لم يقترن بالبحث الموازي في ظاهرة التخلُّف الاقتصادي والاجتماعي في بلدان العالم العربي، بوصفها أحد الأجزاء المتخلفة (وغير المتجانسة) من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر، من جهة درس ماهية ظاهرة التخلُّف ومحدداتها وكيفية تجاوزها التاريخي، فلن يمسي مقنعًا الحديث عن تكاملٍ اقتصادي عربي بدون الحديث عن كيفيةٍ هيكلية لتجاوز التخلف نفسه، وإنما ابتداءً من إعادة النظر في التراكم المعرفي في حقل نظرية التخلف ذاتها.١٤
- (٥)
ولأن النظرية الرسمية (النيوكلاسيكية في مجملها) هي المعتمدة للتلقين في المدارس والمعاهد والجامعات في عالمنا العربي؛ فالنتيجة هي الإعدام اليومي لمئات الآلاف من الطلاب، الذين يتم تلقينهم صباحًا ومساءً بيانات الفقر وعدد المرضى والجوعى، ويُقال لهم إن هذا هو التخلف بعينه، وإذا ما أردتم الخروج ببلادكم من هذه الحالة فلتنظروا إلى ما يفعله صنَّاع القرار السياسي الاقتصادي في الغرب الرأسمالي، بل وافعلوا ما لا يفعلون! لأنهم حقًّا يستحون! كونوا أكثر طموحًا، افتحوا الأسواق، حرروا التجارة، عوموا العملة، لا تدعموا الفلاح واتركوه نهبًا للرأسمال المضاربي، سرِّحوا العمال، قلِّصوا النفقات العامة، ارفعوا أيديكم عن الأثمان، ساندوا كبار رجال المال، تخلصوا من القطاع العام، رحبوا بالرأسمال الأجنبي، وافعلوا ما يمليه عليكم البنك والصندوق الدوليان، قدِّسوا نموذج هارود/دومار، لا تقرءوا إلا للنيوكلاسيك، اتَّبعوا جيفونز، ومنجر، وفالراس، وفيلبس، وصامويلسون، وجوارتيني، وفريدمان، وكروجمان، وصولو، وغيرهم من الحديين والكينزيين والنقديين؛ حتمًا بعد أن يُقال لهؤلاء الضحايا الذين يتم إعدامهم فكريًّا يوميًّا في المؤسسات التعليمية في العالم العربي إن «العلم الاقتصادي» هو ذلك الكمُّ المكدَّس من الأرقام والمعادلات والرموز في مؤلَّفاتِ هؤلاءِ فقط، أما غيرهم فهم إما تاريخٌ مقبور، أو كفارٌ ملحدون، ولكي تكون المحصلة النهائية، حينما يكون بأيدي هؤلاء الطلاب/الضحايا صُنع القرار السياسي في بلادهم المتخلِّفة، هي المساهمة الأكثر فعالية في تعميق التخلُّف، وربما تسريع وتيرة تجديد إنتاجه!
إن الذي يتم تلقينه للطلاب الذين يوميًّا يتم إعدامهم فكريًّا في عالمنا العربي يرتكز على قاعدةٍ أساسية في الاقتصاد قوامها: أن كل شيءٍ متوقف على كل شيء!١٥الأدْهَى والأمَر، أن الأساتذة، أساتذة الاقتصاد في الجامعات، الذين يتولَّون التلقين لا يجدون أدنى غضاضة في أن يقولوا لهؤلاء الطلاب، الضحايا، إن الاقتصاد هو الاقتصاد السياسي، والاختلاف بينهما هو اختلافٌ، مزاجي، في الاسم، نتج عن تطورٍ تاريخي! على الرغم من أن الفارق بين الاثنين هو كالفارق بين الوهم والحقيقة، بين التبرير والعلم، فلننتقل الآن إلى الفصل الأخير كي نشاهد هذه المأساة عن قرب!
R. G. Lipsey and P. N. Courant, “Economics” (New York: Addison-Wesley, 1999).
– ما الذي يريده هؤلاء الثوار من العمال في الميادين والمصانع والساحات؟
– إنهم يريدون حقهم في القيمة التي أنتجوها وذهبت إلى جيوب الرأسماليين والريعيين والمرابين.
– ومَن الذي قال لهم مثل هذا الكلام الخطير الذي سيُخرِّب عروش أباطرة المال؟
– مَن قال لهم ذلك هو علم الاقتصاد السياسي.
– حسنًا! القيمة! فلنمسخ مفهوم القيمة؛ فلنقل لهم إن القيمة تُقاس بالمنفعة، وليس بعرق العمال! الاقتصاد السياسي! فلنُفرغْه من محتواه الاجتماعي! فلنُخربِ العلم! ولنجعل من الاقتصاد السياسي علمًا معمليًّا. فلنحوله إلى رموز ومعادلات وأحجبة وطلاسم، بل إلى أحاجي وألغاز! فلنصرف الأنظار عن المحتوى الطبقي، والموضوع الثوري لهذا العلم! فلنجعله على أرفف التاريخ! ونستبدله بعلم، أو هكذا نقول للناس، يخلو من الوعي بمعنى الحياة والهدف منها. ولنُسمِّ ذلك «علم الاقتصاد»!
وانظر ما كتبه الأمريكي جون موريس كلارك (١٨٨٤–١٩٦٣م): “The mariginal theories of distribution were developed after Marx their bearing on the doctrines of Marxian socialism is so striking as to suggest that the challenge of Marxism acted as a stimulus to the search for more satisfactory explanations” In: B. H. fried, “The Progressive Assaulton Laissez faire: Robert Hale and the first Law and Economics Movement” (Harvard: Harvard University press, 2002), p. 282.
وللمزيد من الشرح والتحليل، انظر: Schumpeter, “History of Economic Analysis”, Ch VII. ولقد أعلن فالراس في الصفحات الأولى (ص٥٣) من كتابه المذكور: «إذ كان علم الاقتصاد السياسي البحت أو نظرية قيمة التبادل، والتبادل ذاته؛ أي نظرية الثروة الاجتماعية، يُعتبر في حد ذاته علمًا طبيعيًّا ورياضيًّا، على غرار الميكانيكا والهيدروليكا فيجب ألا يخشى استخدام منهج الرياضيات ولغتها.» والواقع أن محاولة استخدام الرياضيات إنما تعود إلى القرن السابع عشر؛ فقد استخدمها وليم بتي، وشارل دافنانت، وجريجوري كينج، وغيرهم تحت اسم الحساب السياسي، وقاموا بإجراء أول تقديرات للحسابات القومية. انظر، على سبيل المثال: William Petty, “Several Essays in Political Arithmetick”, 1682, History of British Economic thought (London: Thoemmes Reprints, 1955).
وللمزيد من الشرح، انظر: Jürg Niehans, “A History of Economic Theory: Classic Contributions”, 1720–1980 (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1994) pp. 159–187.
ويُعتبر كينج أول من قدَّم القياس الكمي لدالَّة الطلب. وفي عام ١٧٣٨م، صاغ دانيال برنولي (١٧٠٠–١٧٨٢م) فرضية تناقُص المنفعة الحدية للثروة بالنسبة للفرد وصوَّر ذلك برسمٍ بيانيٍّ يمثل خطه الأفقي تدرُّجات الثروة وخطه الرأسي المنافع المتولدة عن الثروة. غير أن أوغسطين كورنو هو الذي نشر في عام ١٨٣٨م؛ أي بعد برنولي بمائة عام، أول دراسةٍ حقيقية عن الاقتصاد الرياضي/القياسي عنوانها: «بحوث حول المبادئ الرياضية لنظرية الثروات». انظر: Augustin Cournot, “Recherches sur les Principes mathématiques de la théorie des Richesses” (Paris: Calmann-Levy, 1974).
ولقد حاول ماركس كذلك استخدام المعادلات الرياضية لدراسة العلاقة بين مُعدَّل الربح ومُعدَّل القيمة الزائدة، وترك بعد موته مجموعةً هائلة من المخطوطات اضطُر إنجلز إلى أن يدفع بها إلى صامويل مور، المتخصص في الرياضيات في جامعة كامبريدج، كي يقوم بمراجعتها قبل أن يقوم بنشرها في الكتاب الثالث من «رأس المال». انظر: مقدمة إنجلز التي كتبها في لندن ١٨٩٤م، والفصل الثالث من القسم الأول: تحول القيمة الزائدة إلى ربح ومعدل القيمة الزائدة إلى معدل ربح، في: «رأس المال»، المصدر نفسه. ويمكن القول بأن عام ١٩١٢م قد شهد المحاولات الأولى لتأسيس جمعية لنشر الاقتصاد الرياضي بقيادة كلٍّ من إيرفينج فيشر وويسلي ميتشل، وعلى الرغم من فشلها إلا أنها كانت تمهيدًا لازمًا لتكون لجنة هارفارد للبحوث الاقتصادية التي سوف تُؤسِّس في عام ١٩١٩م مجلة الإحصاءات الاقتصادية (مجلة الاقتصادات والإحصاءات فيما بعدُ) وفي عام ١٩٢٠م أنشأ ميتشل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية الذي أكد وجوده كإحدى المؤسسات المركزية في حقل البحث الاقتصادي التجريبي بالولايات المتحدة، وقد تولى ميتشل رئاسة المكتب منذ تأسيسه وحتى عام ١٩٤٥م وخلفه في الرئاسة معاونه آرثر بورنز. ولقد قام راجنار فريش (أول من حصل على نوبل بالتقاسم مع تنبرجن) بدورٍ حاسم في نشأة وتنظيم الفرع العلمي الجديد الذي أطلق عليه تسمية الاقتصاد القياسي. وبعد أن نجح فريش بالتعاون مع فيشر في إقناع شارل روس بإنشاء جمعيةٍ علمية تهدف إلى التقريب بين الاقتصاد والرياضيات والإحصاء، انعقد الاجتماع التأسيسي في عام ١٩٣٠م برئاسة جوزيف شومبيتر، وتم انتخاب إيرفينج فيشر رئيسًا. ولقد بلور دستور الجمعية طبيعتها وهدفها، فقد نص على: «جمعية الاقتصاد القياسي رابطة دولية من أجل تقدُّم النظرية الاقتصادية في علاقتها مع الإحصاءات والرياضيات وهدفها الأساسي دفع الدراسات الرامية إلى توحيد المعالجات النظرية/الكمية، والتجريبية/الكمية مع القضايا الاقتصادية المتشربة بالتفكير البنَّاء والدقيق على غرار ذلك الذي بات سائدًا في العلوم الطبيعية.» وفي عام ١٩٣٢م تأسست لجنة كولز للبحوث الاقتصادية، وهي مؤسسة وثيقة الصلة بجمعية الاقتصاد القياسي، وقد تمكن ألفرد كولز من إقناع اقتصاديين لهم مكانتهم المرموقة بحضور مؤتمرات اللجنة، ومن هؤلاء: ج. د. ألن، وإيرفينج فيشر، وراجنار فريش، وهارولد هوتلنج، وجاكوب مارشاك، وكارل منجر، وجوزيف شومبيتر، وإبراهام فالد، وت. إنتيما. كما نجح كولز فيما بعدُ في أن يجذب كنيث آرو، وجورج كاتونا، ولورنس كلاين، وأوسكار لانج، وهربرت سايمون. ويمكن القول إن هناك ثلاثة مفكرين قاموا بلعب الدور الرئيسي في إعادة الصياغة الرياضية للعلم الحدي: ففي بريطانيا كان جون هيكس (١٩٠٤–١٩٨٩م)، الذي أطلع العالم الأنجلوسكسوني على أفكار ليون فالراس، كما قدم عددًا كبيرًا من أدوات التحليل التي تُلقَّن للطلبة حتى اليوم، وتُعَد مساهمته الأكثر جوهرية تلك المتعلقة بإعادة الصياغة الشهيرة لنظرية الطلب مع ألن، وكذلك كتابه «القيمة والرأسمال». أما المفكر الثاني فهو موريس آليه (١٩١١–٢٠١٠م) وكان متخصصًا في المناجم والألغام، وسعى إلى إعادة بناء العلم الاقتصادي بأَسْره على أسسٍ مُشابهة لأُسُس الفيزياء، ولكن ما قام به لإثبات نظريةٍ للتعادل شبيهةٍ ببرهنة آرو ودوبرو للتعادل بين التوازن التنافسي والحد الأقصى للجدوى عند باريتو، ظل غير معروف. وأخيرًا لدينا بول صامويلسون (١٩١٥–٢٠٠٩م)، وقد كان أوفر حظًّا لأنه نشر أفكاره باللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة الأمريكية (التي انتقل إليها مركز الثقل العلمي والثقافي على الصعيد العالمي) حيث كان لمقالاته الغزيرة الدور المهم في إعادة الصياغة الرياضية لكل المعرفة الاقتصادية، وقد استهل ذلك في عام ١٩٣٧م بأطروحة الدكتوراه التي حاول البرهنة فيها على أنه تُوجد في مجالات البحث الاقتصادي كافة، نظرياتٌ مشتقة من افتراض أن شروط التوازن متعادلة مع الحد الأقصى أو الأدنى لكمٍّ ما. وعلى الرغم من أن هذه الرسالة لم تُنشر إلا في عام ١٩٤٧م؛ إذ كان صدورها صعبًا لطابعها الرياضي، فقد أدت دورًا مركزيًّا في التحول الذي جاء في أعقاب الحرب. والذي تميز بصدور مجلاتٍ علمية جديدة، ذات سمعةٍ عالمية، للاقتصاد الرياضي. وذلك فضلًا، كما يقول م. بو، ودوستالير، عن ارتفاع المحتوى الرياضي في المجلة الاقتصادية الأمريكية من ٣٪ في عام ١٩٤٠م إلى ٤٠٪ في ١٩٩٠م. انظر: بو، ودوستالير، «تاريخ الفكر الاقتصادي»، المصدر نفسه، ص٩١؛ شومبيتر، «تاريخ التحليل الاقتصادي»، المصدر نفسه، ج٤، الفصل السابع: تحليل التوازن.
John Maynard Keynes, “The General Theory of Employment, Interest and Money” (London: Macmillan, 1967). The Principle of Effective Demand. Book I, Ch III.