تصدير
وأمَّا مذهبي في الترجمة فيعرفه كل من قرأ ترجماتي الأدبية، وأُوجزه في أنني أُحاول جهد طاقتي نقل شعر هذا الشاعر العظيم ونثره بأقصى قدر ممكن من الدقة، ملتزمًا خصوصًا بفنونه البلاغية والأسلوبية؛ أي إنني لا أكتفي بالمعنى أو بأي تفسير قد يكون مقبولًا أو جذَّابًا، بل أجتهد لكي أجعل القارئ يدرك طبيعة الصياغة الشعرية أو النثرية الأصلية، مهتديًا بعلوم الأسلوب الحديثة، حتى يُحس القارئ العربي بإحساس يماثل (أو يقترب من) الإحساس الذي يُحسه قارئ النص في صورته الأصلية؛ ولهذا حافظت على الصور الشعرية مهما تعقَّدت فبدت عسيرة المأخذ، وعلى الإيقاعات وتلوُّنها، فنقلتُها بما يقابلها في العربية من بحور الشعر العربي، ملتزمًا بشعر التفعيلة؛ فهو ما يناسب المسرح أكثر من غيره، وخصوصًا بأقرب البحور إلى النثر كما هو الحال في شيكسبير، وهما الرجز والخَبَب، وإن كنت في الرجز أسمح بمزجه بزميلَيه في دائرة الخليل (الرمَل والهزج)، كما أسمح له أيضًا بالتحوُّل إلى الكامل، وقد قال لي من أثق في حكمه إن هذا ليس جديدًا في العربية، وغايتي أن أُشرك قارئ العربية معي في الإحساس بإيقاعات شيكسبير المتفاوتة.
ولم يكن هذا كله ممكنًا لولا المراجع الحديثة والمادة العلمية الغزيرة التي أمدَّني بها صديقي الأديب الناقد المترجم ماهر البطوطي من نيويورك، فلم يبخل عليَّ بشيء، لا بالطبعات الحديثة للمسرحية، ولا بما طلبته من دراسات عنها؛ ولهذا أخصُّه بالشكر الجزيل، كما أتقدَّم بالشكر إلى كل من أعانني فزوَّدني بفصول مصوَّرة من بعض الكتب التي استعنت بها في كتابة المقدمة، وكل من قرأ النص العربي فاقترح تعديلات أو تنقيحات، وعلى رأسهم صديقي العلَّامة، الأديب المرهف والناقد المبدع ماهر شفيق فريد؛ ولهذا أُعرب له عن أصدق امتناني وشكري.
وكنت أثناء العمل أُدهَش؛ لأن مشروع ترجمة شيكسبير بجامعة الدول العربية (بإشراف طه حسين) قد تجاهل هذه المسرحية، ولكن الدكتور ماهر شفيق فريد أخبرني أنها تُرجمت منذ نصف قرن تقريبًا، وأعارني نسخته من الترجمة «محمد عوض إبراهيم» فأنعمت النظر فيها، وكانت النفس تراودني بالتعليق عليها، ولكنني فضَّلت الاستمساك بما التزمتُ به من عدم التعرُّض لترجمات غيري، متمثِّلًا بقول الدكتور ماهر، لله دَرُّه: «ترجمتك خير تعليق.»
وقد قرَّرت عدم إضافة قائمة بأسماء المراجع والاكتفاء بذكرها في متن المقدمة والحواشي؛ إذ دلَّتني الخبرة على أنها غير مفيدة للقارئ العربي، وأمَّا المتخصِّص فسوف يجد فيما أوردته مادةً كافية قد تغريه بالرجوع إليها. أرجو أن أكون بهذه الترجمة قد أضفت شيئًا مهمًّا إلى تراث الترجمة الأدبية العربية الزاخر، وأرجو أن يجد القارئ فيها بعض ما وجدته فيها من متعة.
وعلى الله التوفيق.
القاهرة، ٢٠٠٧م