الإحساس بالجدة والإبداع، وأن معيار العلم ليس شرحًا أو تلخيصًا أو عرضًا للمنطق اليوناني بل إعادة بناء المنطق ابتداء من الموروث، العقليات والفقهيات.

عدم ذكر اسم من الوافد ولا حتى أرسطو واضع علم المنطق. ولا يوجد أي لفظ معرب باستثناء لفظَين سوفسطائية، وأسطقس.

عدم ذكر أعلام الموروث من الحكماء السابقين على الغزالي خاصة الكِنْدي والسجستاني والفارابي وابن سينا. ولا يُذكر إلا الفقهاء خاصة أبا حنيفة والشافعي، والمتكلمون خاصة أبا بكر الباقلاني.

معيار العلم عرض للوافد الموروث في إطار الموروث الأصلي وهو ما يسمى بلغة العصر «أسلمة العلوم» من أجل التفهيم والاحتواء حفاظًا على أصالة الموروث وقدرته على الإبداع.

الأسلوب أدبي إنشائي واضح يتجاوز مجردات المنطق الصوري وأشكال قياسه كما هو معروف في كتاب القياس من الشفاء لابن سينا.

توسيع إطار المنطق القديم وتعدُّد منظوره بحيث يشمل العقليات والفقهيات، القطعيات والظنيات، والتوجه من النظر إلى العمل، ومن عالم الأذهان إلى عالم الأعيان، ومن العام إلى الخاص، ومن الكلي إلى الجزئي.

القدرة على إيجاد التماهي بين المنطق اليوناني والمنطق العربي بالرغم من ارتباط كلِّ منطق بلغته لدرجة العجب بوحدة منطق النقل مع منطق الوحي، منطق اليونان مع أساليب القرآن.

ضم المنطق كلِّه إلى بؤرة ومركز، القياس، ما قبله مقدمات له، المقولات والعبارة وما بعده لواحق له، البرهان والمغالطة، وغياب الجدل والخطابة والشعر.

تحويل مقدمات القياس من مستوى التصورات إلى مستوى اللغة، ومن مستوى المعاني إلى مستوى الألفاظ، ومن اللغة اليونانية إلى اللغة العربية. وتكشف اللغة عن المستوى الشعوري للكلام بين الصوت والحرف والعبارة والقصد والأشياء في العالم الخارجي.

تحويل مبحث الجوهر والأعراض إلى منطق وجود من أجل العودة بالمنطق إلى العالم، والخروج من عالم الأذهان إلى عالم الأعيان.

علم أصول الفقه هو منطق المسلمين كما أن المنطق الأرسطي هو منطق اليونان. فلكلِّ حضارة منطقها.

إبراز بعض الجوانب «التقدمية» في المنطق الإسلامي، مثل قطعية العقليات وظنية الفقهيات، وتعدد الاجتهادات، والكل مصيب، ولا حرج في اعتبار الإلهيات قياسًا على الإنسانيات، واستحالة كون الله موضوعًا في قضية لأنه لا محمول له، لا نوع ولا جنس ولا فصل ولا خاصة ولا عرضًا عامًّا.

الخلاف في المصطلحات والأسماء والمسميات واحدة. تعدد الثقافات إذن تعدد وسائل التعبير وليس الحقائق الإنسانية العامة الثابتة.

ما زالت بعض أجزاء المنطق صورية الطابع عندما تغيب عنها الأمثلة الكلامية أو الفقهية، فالعقل بلا مادة صوري تجريدي فارغ لدرجة أنه يمكن اعتباره تحصيل حاصل.

هو أصغر حجمًا وعمومية وأقل إتقانًا من «معيار العلم»، وجزء من مشروع الغزالي العام في إعادة بناء العلوم القديمة والاختيار بين أصلحها.

تغلب عليه النزعة الصوفية الإشراقية والتشبيهات الشعبية، مثل اعتبار المغالطات من عمل الشيطان.

نقد المعتزلة في نظرية توليد العلم وأصل العدل، والحسن والقبح العقليَّين، والتعويض عن الآلام.

نقد الفلاسفة في إثبات العلية والقول بالعادة في اقتران العلة بالمعلول والإحالة إلى «تهافت الفلاسفة».

نقد الفقه الحنفي وبعض أحكامه الفقهية كنموذج للمغالطات، وفي أضيق الحدود.

الدفاع عن الشافعية وأحكام المذهب الشافعي وضرب الأمثلة الفقهية منه، وغياب المالكية والحنبلية.

أولوية التحليلات العقلية على الشواهد النقلية، وغلبة أمثلة العقليات على أمثلة الفقهيات، وغياب لازمة «الله أعلم» أو «الله أعلم بالصواب».

اختفاء الوافد اليوناني كلية سواء أسماء الأعلام أو المصطلحات المعرَّبة، والإحساس بالجدة والابتكار خاصة على مستوى المصطلحات.

نقل المنطق القديم من مستوى التصورات إلى مستوى اللغة ومادة القياس، وتأخير الحدود على الأقيسة.

نقد أصحاب التعليم ونظرية الإمام المعصوم كما هو الحال في «المستظهري».

القسطاس المستقيم قد يكون أكثر كتب الثلاثية جدةً وابتكارًا لأنه يعتمد على استخراج أقيسة من الآيات القرآنية دون أسلمة منطق أرسطو كما فعل ابن حزم في التقريب والغزالي نفسه في «معيار العلم» و«محك النظر». وقد يكون أضعفها؛ لأنه خلوٌّ من المنطق البرهاني لحساب المنطق الجدلي في جدل إبراهيم مع قومه وجدل الغزالي مع أهل التعليم. ومنطق الجدل لإفحام أهل التعليم غير منطق البرهان الذي يوصل إلى الحقيقة. لذلك كانت إحدى المقدمتين مستقاة من الخصم حتى ولو كانت ذائعة أو مشهورة أو كاذبة. والأفضل تطبيق موازين العدل. ولا فرق بين مقدمة تجريبية وأخرى حسية، فالتجربة والحس والمشاهدة من نفس النوع.

إبراهيم الخليل نموذج المنطقي الذي يستدل على وجود الله ووحدانيته، ولكن ألَا توجد مآثر للعقل في العدل وفي الإيمان والعمل وفي الإمامة وفي باقي عقائد الإيمان؟ وما أبعد المسافة بين نظر إبراهيم والقياس الشرعي، بين التأمل النظري والحكم العملي.

يوجد إسهاب كثير في المقارنة مع الميزان الحسي، اللسان والكفتان والعامود مما يجعل التشبيهَ ساذجًا لوضوحه، والصورة تعليمية تربوية توضيحية أكثر مما يجب خاصة وأن الصورة معروفة من الآيات القرآنية. وتتم صياغة الكتاب بأسلوب المحاورات بالمنهج الروائي القصصي.

الحجاج ضد المعتزلة وأهل التعليم في آنٍ واحد بالرغم من بُعدِ المسافة بينهما، بين أصل التوحيد والعدل والتنزيه وخلْق الأفعال وبين مذهب التعليم والتقليد بل والحلول في الأئمة والعصمة.

يستعمل الغزالي مع المجادلين لغةَ الحديد والنار وسلاح التكفير، وقتل المرتد وهو ما يتنافَى مع المنطق والبرهان؛ فالجدل سلاح مزدوج بين الخصمين، ولا يمتلك أحدٌ الحقيقة، حيث لا حقيقة، ويستبعد الآخر لغياب منطق البرهان ومعيار الصدق.

كثرة الاعتماد على النصوص، الآيات والأحاديث، وأولوية النقل على العقل يجعل من المستحيل تأسيس منطق عقلي خالص لا يتطلب الإيمان بالقرآن مسبقًا، ويكون منطقًا إسلاميًّا خاصًّا، منطقًا للإيمان للمسلمين وحدهم وليس منطقًا عامًّا للبشر جميعًا فينقص المنطق عموميته وشموله.

بل إن هذا المنطق الإيماني يختفي كليةً لحساب التصوف والعرفان ونور اليقين. ومن ثَم لا يختلف عن مذهب التعليم الذي يعتمد على تقليد الإمام المعصوم. فالتصوف والتعليم تيار لا عقلاني واحد.

وكيف يكون المنطق نفسه الذي يقوم على الرأي والقياس هو المدخل إلى موازين الشيطان؟ إن لُبَّ المنطق وبؤرته القياس أو إعمال الرأي والنظر بالمعنى العام. وهو موقف منكري القياس الديني، يعتبرون إبليس أول مَن قاس وخلط بين الكيف والكم.

وكيف يكون القياس في الأمور الغيبية إلا قياسًا للغائب على الشاهد؟ وما فائدته في أمور المعاد والغاية منه استنباط حكم عملي فيما لم يَردْ فيه نصٌّ تحقيقًا للمصالح العامة. بل يتحول القياس في الأمور الغيبية إلى تفسير للأحلام كما حدث عند ابن سيرين.

لا يوجد خلاف بنيوي بين مذهب التعليم الذي يقول بتقليد الإمام المعصوم وطريق محمد وطريق العارفين، تقليدًا بتقليد، وإلهامًا بإلهام. فكلاهما لا يقوم على الرأي والنظر. ولا فرق بين عصمة الإمام وعصمة الرسول، وغيبة الإمام وغياب الرسول.

القرآن هو الحل، به كل شيء، وما على العقل إلا الاتِّباع، وهو موقف الفقهاء النصيِّين، الحنابلة أهل السلف وليس موقفَ الحكماء.

قسمة الناس إلى خاصة وعامة، إلى أهل البرهان وأهل التقليد يقسم المجتمع قسمين، ويؤصل تسليط فريق وطاعة فريق آخر، وكأنهما طبقتان أبديتان لا حَراكَ بينهما.

التصور لا يُنال إلا بالحد.

الحد يفيد العلم بالتصورات.

التصديق لا يُنال إلا بالقياس.

القياس يفيد العلم بالتصديقات.

إنكار المنطق كلية واعتبار النبوة بديلًا عنه، ورفض كلِّ محاولة للعقل ذاته أن يضع قواعدَ للفكر، والعقل أساس النقل حتى لا ينغلقَ العقل على نفسه، ويُصبح الفكر ذاتًا وموضعًا في آنٍ واحد، والبقاء في عالم الأذهان دون الخروج إلى عالم الأعيان.

القسوة على الحكماء واتهام الفلاسفة بالكفر والإلحاد والزندقة وما يستوجب ذلك من حكم شرعي بالردة والقتل ونسبة الكفر إليهم مع أن غرضهم كان تنزيهَ الذات، والبُعد عن التجسيم في أمور المعاد، وجعل الدين متفقًا مع العقل باسم الدين، والوصول إلى دين العقلاء.

وضع النبوة والمنطق على طرفَي نقيض إما … أو … النبوة تُغني عن المنطق، والمنطق بديل عن النبوة. مع أن الوحي والعقل نظامان متماهيان. ويصدق كلاهما في الطبيعة. النبوة بلا منطق مجرد حدس بلا برهان يتحول إلى إيمان أعمى. والمنطق بلا نبوة مجرد برهان بلا حدس، والانتهاء إلى التجريد والصورية.

جعل المنطق مسئولًا عن أخطاء الإلهيات تحميل المنطق ما لا يمكن حمله. بل لقد اعترف الغزالي أن منطقَ الفلاسفة منطقٌ صائب. إنما الخطأ في الإلهيات. المنطق آلة للعلوم كلها، ومَن لا منطق له لا ثقةَ بعلمه. المنطق مجرد وسيلة وليس غاية، منهج وليس موضوعًا.

الجانب الهدمي في المنطق أكبر من الجانب الإيجابي؛ إذ من السهل نقدُ المنطق الصوري، ولكن من الصعب إيجاد منطق بديل، منطق علمي يقوم على الملاحظة والتجربة. وهو ما حاوله الأصوليون في القياس الشرعي، باستثناء قياس الأولى منذ الكِنْدي.

إدخال الشيطان كعامل في التعرف على أسباب الخطأ في القياس المغالطي. فالسفسطة لها قوانينها في نوع المقدمات وطرق إنتاجها واستنباط النتائج. ما زال المنطق البديل نوعًا من الإلهيات وغير منفصل عنها.

هناك تطور في المنطق من الأوائل إلى الأواخر، ومن المتقدمين إلى المتأخرين. وهو تطور سلبي، من اليقين إلى الظن، ومن الصواب إلى الخطأ، ومن الوحدة إلى الفرقة طبقًا للتصور العام للتاريخ، من الأفضل إلى الأقل فضلًا، ومن الأكمل إلى الأقل كمالًا.

والسؤال الآن: إذا كان نقدُ المنطق القديم قد أفسح المجال لإقامة منطق جديد، فلماذا ينهار التاريخ من الأفضل إلى الأسوأ ويتقدم من الحالة الراهنة للنقد السلبي إلى حالة قادمة لمنطق إيجابي بديل، من المنطق الصوري إلى المنطق الشعوري حتى ينشأَ العلمُ في النفس من جديد، ويشقَّ طريقًا ثالثًا بين العقل القديم والمادة المعاصرة؟