من النقل إلى الإبداع (المجلد الثالث الإبداع): (٢) الحكمة النظرية: المنطق – الطبيعيات والإلهيات – النفس

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

ثانيًا: الطبيعيات الجسمانية (إخوان الصفا)

(١) من الطبيعيات الوافدة إلى الطبيعيات الموروثة

تعني «الطبيعيات الجسمانية» ما قصده إخوان الصفا في القسم الثاني من الرسائل عن الجسمانيات والطبيعيات. وهي أكبر الأقسام مما يدل على أولوية الطبيعة من حيث الكم على المنطق والإلهيات. ويلاحظ:
  • (١)
    إضافة الجسمانيات لها دلالتها على التحول من النقل إلى الإبداع. فليس المقصود الطبيعيات وحدها كما هو الحال في الوافد وكما تابع ابن سينا أكثر أو أقل، بل المقصود التحول من الطبيعيات إلى الجسمانيات‎، من الطبيعة إلى الإنسان، من أجل إيجاد التقابل بين العالم كإنسان كبير والإنسان كعالم صغير.١ ووصف الإنسان في العالم، والعالم في الإنسان وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ، سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ. فالبداية بالطبيعة قبل النفس، وبالعالم الكبير قبل العالم الصغير، من الخارج إلى الداخل قبل من الداخل إلى أعلى. لذلك أدخل الإخوان الطبيعيات الصغرى مع الطبيعيات الكبرى. وفصَّلوا العلم الطبيعي في كتب ستة: السماع الطبيعي، والسماء والعالم، والكون والفساد، والآثار العلوية، والمعادن، والنفس. ثم أضيف إليها الحيوان والنبات والطبيعيات الصغرى في سبع عشرة رسالة.٢
  • (٢)

    ترك عنوان «السماع الطبيعي» وتفصيل مضمونه في بيان الهيولى والصورة والحركة والزمان والمكان وما فيها من المعاني إذا أضيفت بعضها إلى بعض.

  • (٣)

    ويضاف إلى «السماء والعالم» في إصلاح النفس وتهذيب الأخلاق إشارةً إلى التحول من المستوى الطبيعي إلى المستوى النفسي الأخلاقي. وقد حدث نفسُ الشيء في الرسالة العاشرة «في الحاس والمحسوس» وإضافة «في تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق»، انتقالًا من الطبيعيات الصغرى إلى المستوى النفسي الأخلاقي. مثال ذلك أيضًا في الرسالة التاسعة في الرياضيات وإنزالها إلى المستوى الإنساني الأخلاقي.

  • (٤)
    بعد الثالثة «في بيان الكون والفساد»، والرابعة «في الآثار العلوية»، والخامسة «في بيان تكوُّن المعادن»، يضيف الإخوان السادسة «في ماهية الطبيعة» انتقالًا من العلم الطبيعي إلى ماهية الطبيعة دون إغفال التكوين في الخامسة «في بيان تكوين المعادن»، والثامنة «في كيفية تكوين الحيوان وأصنافها». والغاية من ماهية الطبيعة ليس العلم الطبيعي، بل «تنبيه الغافلين على أفعال النفس وماهية جوهرها».٣
  • (٥)

    إدخال النبات والحيوان في العلم الطبيعي في السابعة «في أجناس النبات»، والثامنة «في كيفية تكوين الحيوانات وأصنافها».

  • (٦)
    إضافة لفظ التكوين أو التركيب والأجناس على الموضوع مما يوحي بالنظرة التصورية والنظرة البنيوية في آنٍ واحد. فالرسالة الخامسة «في بيان تكوين المعادن»، والثامنة «في كيفية تكوين الحيوان وأصنافها»، والسابعة «في أجناس النبات» دون إغفال سؤال الماهية كما هو الحال في السادسة «في ماهية الطبيعة»، والتاسعة «في تركيب الجسد». وفي كثير من الأحوال تدل الفصول في الرسائل على بحثٍ في الماهيات. فهي طبيعيات ماهوية مثل ماهية الزمان كوسيلة للتحقق من أقوال العلماء فيه.٤ وأحيانًا يكون البحث عن المعنى وكأن المعنى ماهية والماهية معنى.٥ كما تُستعمل ألفاظ أخرى مثل الاعتبار والمعرفة والإدراك والرؤية التي تدل على البحث والتأمل والاستقصاء.٦
  • (٧)

    تكرار بعض الحدوس الرئيسية مثل «إصلاح النفس وتهذيب الأخلاق» لبيان مستوى إعادة البناء من الطبيعي إلى النفسي الأخلاقي في الرسالة الثانية، وفي الرسالة العاشرة «تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق»، ثم تغيير كلمتَي الإصلاح والتهذيب مرة للنفس ومرة للأخلاق، ومثل تكرار «ماهية الطبيعة» في عنوان الرسالة السادسة، وفي الفصل الثاني من الرسالة الرابعة «في الآثار العلوية».

  • (٨)

    وأحيانًا يكون الفكر عنوان رسالة، مثل الرسالة الثانية عشرة «في قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير»، وأحيانًا فصلًا من رسالة، مثل «الفصل الأول» معرفة قول الحكماء إن العالم إنسان كبير في الرسالة الثانية. و«ماهية الطبيعة» عنوان الرسالة الثانية، ثم الفصل الثاني من الرسالة الرابعة «في الآثار العلوية»، ومثل «في حكمة الحياة والموت» كجزء من عنوان الرسالة السادسة، ثم تصح عنوان الرسالة الخامسة عشرة مع تغيير الترتيب.

  • (٩)
    تنقسم كلُّ رسالة إلى فصول بعضها بعناوين مستقلة، والبعض الآخر بلا عناوين، مع بعض الاستطرادات وتكرار نفس الأفكار.٧ وأحيانًا تكون العناوين قصيرة مجرد عبارتين، مثل الثالثة «في الآثار العلوية»، والسادسة «في ماهية الطبيعة»، والسابعة «في أجناس النبات»، والتاسعة «في تركيب الجسد»، والحادية عشرة «في مسقط النطفة». وأحيانًا تسبق العنوان ألفاظ البيان والحكمة، مثل الثالثة «في بيان الكون والفساد»، والخامسة «في بيان تكوين المعادن»، أو الخامسة عشرة «في حكمة الموت والحياة» في إيقاعي ثلاثي. وأحيانًا تكون العبارة طويلة، مثل الأولى «في بيان الهيولى والصورة والحركة والزمان والمكان وما فيها من المعاني إذا أُضيف بعضها إلى بعض»، والثانية «الموسومة بالسماء والعالم» في إصلاح النفس وتهذيب الأخلاق.
  • (١٠)

    تتناثر الموضوعات الطبيعية الستة القديمة بين الطبيعيات الكبرى والصغرى، الطبيعية أو الإنسانية. ويتعدد موضوع الجسمانيات ويضم الطبيعيات الصغرى، التاسعة «في تركيب الجسد»، والعاشرة «في الحاسِّ والمحسوس»، والحادية عشرة «في مسقط النطفة»، والخامسة عشرة «في حكمة الموت والحياة»، والسادسة عشرة «في خاصية اللذات، وفي حكمة الحياة والموت وماهياتهما».

  • (١١)
    يظهر موضوع النفس وارتباطها بالجسد في الثالثة عشرة «في كيفية نشوء الأنفس الجزئية في الأجساد البشرية الطبيعية». ثم تظهر نظرية المعرفة في الرابعة عشرة «في بيان طاعة الإنسان» في المعارف وإلى أيِّ حدٍّ هو، ومبلغه من العلوم، وإلى أيِّ غاية ينتهي، وإلى أيِّ شرفٍ يرتقي. فالغاية من الطبيعيات هي النفسانيات، رفع الطبيعة إلى مستوى النفس أو اكتشاف النفس داخل الطبيعة. فالطبيعة نفسية شعورية. والنفس نظرية وعملية، إدراكية وأخلاقية. وأحيانًا يكون الموضوع الطبيعي نفسيًّا مباشرة مثل الحاسِّ والمحسوس وباقي الطبيعيات الصغرى والغرض من الجسد اكتشاف النفس. وما أسهل بعد ذلك من التحول من النفس إلى الإشراق، ومن الطبيعيات إلى الإلهيات.٨ ويتم تفسير الطبيعيات عن الغاية والقصد. فالطبيعة غائية. فالغاية من الأفلاك والأجسام والطعوم والزروع والحيوان والنفس هي كمال النفس والمعرفة الإشراقية. كل فعل متقن من صانع حكيم له غرض في فعله. وكذلك غاية النفس معرفة الحقيقة والأخلاق العملية والآراء الصحيحة والأعمال الذكية التي تنفعها بعد مفارقة البدن.
  • (١٢)

    هناك رسائل جديدة تمامًا شكلًا وموضوعًا، مثل التاسعة «في تركيب الجسد»، والثانية عشرة «في قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير»، والثالثة عشرة «في كيفية نشوء الأنفس في الأجساد البشرية والطبيعية»، والرابعة عشرة «في بيان طاقة الإنسان في المعارف إلى أيِّ حدٍّ هو ومبلغه من العلوم، وإلى أيِّ غاية ينتهي، وإلى أيِّ شريف يرتقي»، والسابعة عشرة «في علل اختلاف اللغات ورسوم الخطوط والعبارات». وهي خمس رسائل في النصف الثاني من الطبيعيات بعد التاسعة.

ومن حيث الكم أطول الرسائل الثامنة «في كيفية تكوين الحيوان وأصنافها». وليس المقصود الحيوان الطبيعي بل الحيوان لغةً وأخلاقًا ودلالة على الإنسان كما هو الحال في كتاب «الحيوان» للجاحظ حتى «حياة الحيوان الكبرى» للدميري. ثم الرسالة السابعة عشرة «في علل اختلاف اللغات ورسوم الخطوط والعبارات»، نظرًا لأهمية اللغة الشفاهية بالنسبة إلى الإنسان وكأن اللغة كائن حي طبيعي، وكأن هناك ارتباطًا بين الحيوان الذي يشمل الإنس والجن والطير واللغة، أي بين الحياة واللغة.٩
وكل رسالة مكونة من فصول تكثر أو تقل، بعضها له عناوين دون البعض الآخر. وتدل عناوين الفصول على تفصيل موضوع الرسالة في موضوعات جزئية، أي في تصورات. هناك رسائل يغلب عليها التصورات وأخرى تغلب عليها الطاقة السيالة أكثر من التصورات. وفي رسائل أخرى تتساوى التصورات مع الخطاب السيال.١٠
وليست الحكمة الطبيعية مجردَ عرض أو وصف أو تقرير، بل هي نقد ومراجعة وتفنيد لأخطاء ودحض تموهات ورفض أقوال، وتحقق من آراء من أجل نقد الأفكار الشائعة، مثل توهُّم أن سطح الأرض هو أسفل الأرض المقابل وهو ما يدحضه علم الهندسة. وسبب ذلك معارف الصبا وغياب الروية والبرهان.١١ كما تبطل حركة الكواكب من المغرب إلى المشرق. وأحيانًا تكون الفصول في صيغة النفي لاستبعاد الآراء الخاطئة بعد المراجعة ودحض الخطأ الشائع. فالعالم ليس له فراغ. وليس خارجه خلاء ولا ملاء، والأفلاك ليست خفيفة ولا ثقيلة، ولا حارة ولا باردة ولا رطبة.١٢
وبالإضافة إلى التحقق ومراجعة أقوال الحكماء تتم دراسة الموضوعات مباشرة مثل الرسالة الثانية عشرة بأكملها «في قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير»، بداية بالموضوع قبل الاستشهاد بالأقوال وبيانها.١٣ والأغلب في هذه الحالة البيان والتوضيح. وقد يكون البيان توضيحًا للقول أو توضيحًا للشيء. وقد يكون بيانًا للعلة.١٤ وبالرغم من الطبيعيات الإنسانية عند الإخوان إلا أنها تقوم على البحث عن العلل والأسباب، علل الظواهر الجغرافية من أمواج ورياح وفيضان وأنهار وكثرة عدد عروق الأشجار. وتذكر العلل المباشرة أكثر من ذكر الأسباب البعيدة جمعًا بين العلم والحكمة. ولا فرق في ذلك بين المعادن والنبات أو الآثار العلوية.١٥ ولا تصف الطبيعيات فقط الكيفيات والحالات بل تقيس الكميات والمقادير. وكل علم هو علم كمي قياسي بالعد والإحصاء. القياس الكمي أحد مراحل العلم.١٦ كما يتأسس العلم عن طريق إيجاد العلاقة بين ظاهرتَين، مثل دوران زحل في البروج وحالاته من الشمس.١٧ ومن الطرق العلمية إدراك أوجه الاختلاف والتشابه بين الظواهر من أجل معرفة قوانينها العامة. لذلك كثرت ألفاظ اختلاف ومقال أيِّ تشابه في عناوين كثير من فصول الرسائل.١٨ ومن وسائل المعرفة العلمية إدراك الفرق بين البسائط والمركبات ومعرفة كيفية التركيب، وتحويل الظواهر الكلية إلى ظواهر جزئية.

والطبيعيات علم شامل لما فوق الأرض، مثل الجبال والأنهار والبراكين، وما فوق الأرض حتى الآثار العلوية لما يحدث في السماء.

ويمكن ضم أقسامها كلها، ما تحت الأرض مثل المعادن، وعالم الأرض عالم الكون والفساد المكون من العناصر الأربعة والنبات والحيوان وعالم ما فوق الأرض مثل ما يحدث في الجو، وهي الآثار العلوية إلى موضوع واحد هو الاستحالة بمعنى التحول بعد استبعاد السماع الطبيعي الذي هو أشبه بدراسة المقولات الأولى للعلم مثل الصورة والمادة والزمان والمكان، السكون والحركة، الجوهر والعرض. فالاستحالة على خمسة أنواع كما هو الحال في الأحكام الخمسة في علم أصول الفقه.

كما أن ماهية الطبيعة تقوم على قسمة الأجسام التي دون فلك القمر. فهي إما بسيطة أو مركبة. والبسيطة الأرض والنار والماء والهواء، والمركبة المعادن والنبات والحيوان.١٩
وكل أنواع المعادن التي يذكرها الإخوان لم يعرفها اليونان ولم يذكرها أرسطو بل مستمدة من البيئة الإسلامية وطبيعة الأرض فيها. وقد أضافوا على الجغرافيا القديمة موضوعات وأسماء ومشاكل من بيئتهم الخاصة بالإضافة إلى إيجاد مقابل للأسماء القديمة، مثل خط الاستواء والسرطان والجدي. ومن الموضوعات البيئية الثقافية الجن والشياطين وطاعتها لرؤسائها، وكيف تكون النفوس الشريرة من جنود إبليس وحزب الشياطين، وكذلك كل الجانب الديني مثل تقدير الله للعالم، والعالم طريق إلى الله، ومعنى القيامة في الحديث عن السماء والعالم، ودوران الكواكب حول الأرض مثل دوران الطائفين حول البيت الحرام، والإنسان مختصر من اللوح المحفوظ. وتأتي هذه الموضوعات الجديدة من التوجهات القرآنية مثل التقابل في الآيات وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ أو سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ.٢٠ ومن الموضوعات الجديدة تركيب الجسد، وكيفية نشوء الأنفس الجزئية في الأجسام البشرية الطبيعية، وإدخال اللغة والخطوط كجزء من الطبيعيات ونقل الطبيعيات إلى المستوى الإنساني النفسي الأخلاقي الاجتماعي السياسي.٢١
والغاية من الرسالة الثامنة بيان أن آخر مرتبة الحيوانية متصلة بأول مرتبة الإنسانية وآخر مرتبة الإنسانية متصلة بأول مرتبة الملائكة، وهم سكان الهواء والأفلاك، وأن نفوس بعض الحيوانات ملائكة ساجدة لنفس الإنسان، خليفة الله في الأرض، ونفوس بعضها راكعة ونفوس بعضها شياطين عصاة في جهنم، عالم الكون والفساد.٢٢

ويختلف مسار الطبيعة عند الإخوان عنه عند أرسطو. مسار الطبيعيات عند أرسطو من السماع الطبيعي إلى السماء والعالم إلى الكون والفساد إلى الآثار العلوية إلى النفس والحيوان والنبات والمعادن على النحو الآتي:

في حين أن مسار الطبيعيات عند الإخوان كالآتي:

مسار الإخوان من الطبيعة إلى الإنسان، من الطبيعة الجامدة إلى الطبيعة الحية، ثم من الإنسان إلى الله. فالطبيعة قصد نحو الإنسان، والإنسان قصد نحو الله. والله قصد نحو الطبيعة بوهبها الصور، وقصد نحو الإنسان بإلهامه بالمعارف وإرساله الأنبياء، تفيض من النفس الكلية على النفوس الجزئية وعلى الموضوعات المادية (الصورة)، ويتم الانتقال من الطبيعة إلى النفس، ومن الطبيعة إلى الموسيقى. وكما أن في قوى الإنسان ترتيبًا طبقًا لمراتب الشرف كذلك الموجودات الطبيعية.

ويربط الإخوان ماهية الطبيعة بالصنائع العملية في مسألة بهذا العنوان في القسم الرياضي. فالطبيعة صنعة هندسية، والأفضل أفعال الطبيعة. وتُردُّ الطبيعة أيضًا إلى النفس، والنفس إلى الملائكة. فالطبيعة علوية في الملائكة أو سفلية في النفس.

وهناك اتصال بين المعادن والنبات والحيوان والإنسان أكثر من الانفصال.٢٣ المعادن من الظواهر التي تحت فلك القمر. والكون والفساد فوق الأرض وتحت الأرض. أصل المعادن البراكين والجبال والأنهار ومنها يتم شرح القيامة؛ أي نهاية العالم والحشر والحساب والميزان والصراط وكأنها أشياء. والبقاء مثل عالم الأفلاك دون اختلاط عناصر. يفسر الإخوان الفناء والبقاء تفسيرًا علميًّا طبيعيًّا على مستوى العصر، انتقالًا من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة ومن العلم إلى الدين.
والعلة الفاعلة هي الطبيعة بإذن الله وليس الله مباشرة أو من خلال الطبيعة؛ إذ تتحدث رسالة المعادن عن العلة الفاعلة وهي الزئبق والكبريت. والرسالة ليست في الحيوان بل في الإنسان، ووصفه في الجغرافيا والتاريخ والاجتماع ثم في علاقة الإنسان بالحيوان، في استعباد الإنسان للحيوان أو في شكوى الحيوان ضد بني الإنسان. فالانتقال هنا من الطبيعة إلى السياسة.٢٤ والإنسان قد يكون ملكًا فهو خير البرية أو شيطانًا فهو شر البرية.

وبالرغم من أن عناوين بعض الرسائل الطبيعية لإخوان الصفا عناوين أرسطية مثل «الكون والفساد»، «الآثار العلوية»، «المعادن»، «النبات»، إلا أن المضمون غير أرسطي، إنما هو نقل مادة الوافد في تصور الموروث.

ففي الرسالة الثالثة في «الكون والفساد» تبدو الموضوعات التقليدية مع إبراز تراتب الموجودات كما هو معروف في نظرية الفيض؛ فالعالم بأسْره كرةٌ واحدة تنفصل إحدى عشرة طبقة. تسع منها أفلاك كريات حركاتها دورية، محيطات أواخرها متصلة بأوائلها، منها ما فوق فلك القمر ومنها ما تحت فلك القمر. وللموجودات تحت فلك القمر نظام وترتيب في الوجود والبقاء رأسيًّا لا أفقيًّا، متصل أيضًا أواخره بأوائله كترتيب العدد وترتيب الأفلاك. والكائنات الجزئية، المعادن والنبات والحيوان صعودًا أو الحيوان والنبات والمعادن نزولًا. وكلما زادت المرتبة علوًّا زاد التعقيد وقلَّت البساطة. وكلما قلَّت الرتبة علوًّا قلَّ التعقيد وزادت البساطة. فالمعادن متصلة أوائلها وأواخرها بالنبات، والنبات متصل آخره بالحيوان، والحيوان متصل آخره بالإنسان، والإنسان متصل آخره بالملائكة. والملائكة لها مراتب ومقامات متصلة أواخرها بأوائلها. كل مرتبة كبرى لها مراتب صغرى. وأول جنس من النبات متصل أوله بالمعدن وآخره بالحيوان. والنخل آخر مرتبة في النباتية مما يلي الحيوانية. وفي النبات مرتبة قريبة من النفس الحيوانية تتعلق بالأغصان ولا عرقَ لها في الأرض. وأول مرتبة بالحيوان متصلة بآخر النبات كما أن أول النبات متصل بآخر المعدنية، وأول المعدن متصل بالتراب والماء. والحلزون من الحيوان ليس له إلا حاسة واحدة؛ لأن الحكمة الإلهية لا تُعطي الحيوان عضوًا لا يحتاج إليه في جلب المنفعة أو دفْع الضرر. لذلك اقتضت ألَّا تجعل للنبات ألمًا. ومرتبة الحيوان ما تحت الإنسان من عدة وجوه؛ وذلك لأن مرتبة الإنسانية معدن الفضائل لا يستوعبها نوعٌ واحد من الحيوان بل عدة أنواع، منها ما قارب الإنسانية بجسده مثل القرد، ومنها بالأخلاق النفسية كالفرس، كالطائر الإنس، والفيل في ذكائه، والببغاء والأطيار في الأصوات والألحان والنغمات، والنحل في الطاقة الصنع. وباقي الحيوانات تلي مرتبة الإنسانية.٢٥
وأدنى رتبة في الإنسانية تليها الحيوانية، رتبة الذين لا يعلمون إلا المحسوسات والجسمانيات، ولا يرغبون إلا الدنيا، ولا يشتهون إلا اللذات، الأكل والشرب مثل البهائم، ولا يتنافسون إلا في الجماع كالخنازير والحمير، ولا يحرصون إلا على جمع متاع الدنيا كالنحل، ولا يعرفون من اللباس إلا الزينة كالطاووس، صورة إنسية وأفعال حيوانية. الإنسان الحسي أقرب إلى الحيوان، والإنسان العقلي أقرب إلى الملاك؛ فالجسد أحد الكائنات الفاسدة، كدر للنفس وسكن له.٢٦ ويمكن الاسترسال في نموذج المراتب؛ إذ يتمايز الإنسان بالفضائل. وقد تكون هناك مراتب متوسطة بين الإنسان والملاك، الحكماء والأولياء والأنبياء.

وتتشاكل الأجسام طبقًا للطبيعة وتتضاد طبقًا لطبيعة أخرى. وإذا تشاكلت تجاورت المراكز، وإذا تضادت تباينت المراكز. وتبدأ الرسالة بالعرض المحايد أولًا عن طريق القسمة حتى يمكن التجاور بعد ذلك. فالأجسام تحت فلك القمر، عالم الكون والفساد، تنقسم إلى جزئيات كالمعادن والنبات والحيوان وإلى أمهات هي العناصر الأربعة، الأرض والماء والنار والهواء. والأمهات مركبة من هيولى وصورة. والصورة مقومة نحو الوجود أو متممة نحو الكمال مما يكشف عن جدل الوجود والكمال، والواقع والقيمة. وكل جسم له طول وعرض وعمق. واليبوسة تابعة لليبوس فهي رذيلة، وتابعة للحرارة فهي فاضلة.

والرسالة الرابعة «في الآثار العلوية» تبحث في العلل، علة كثرة الأمطار في الشتاء وقلَّتها في الصيف، والبحث عن العلل جزءٌ من علم الأصول. لا تتعرض للجغرافيا الجوية بقدر ما تتناول اشتياق النفوس إلى الصعود.٢٧ وتبدو ظاهرة «التشكل الكاذب» صراحة في تعريف الطبيعة بأنها قوة من قوى النفس الكلية منبثة في جميع الأجسام التي دون فلك القمر، سارية في جميع أجزائها، وتسمى باللفظ الشرعي الملائكة الموكلين بحفظ العالم، وتدبير الخليقة، وباللفظ الفلسفي قوى الطبيعة الفاعلة في الأجسام. فأنصار فعل الطبيعة إنكار للتسمية. الخلاف بين الدين والفلسفة خلاف في الأسماء، واتفاق في الموضوعات. والتفلسف في أحد مستوياته هو استبدال اللفظ الفلسفي باللفظ الشرعي، مستوى اللغة ولكن لحساب إنكار فعل الأجسام، وهو ما يتفق عليه الفريقان الحكماء والمتكلمون.٢٨
وفي الرسالة الخامسة «في تكوين المعادن» تترتب المعادن طبقًا لمراتب الشرف والكمال؛ فالذهب والياقوت أعلاها ثم تأثير الأعلى في الأدنى، وتأثُّر الأدنى بالأعلى نقلًا لتصور الطبيعة إلى سُلَّم القيم. وقد صرح الحكماء في كتاب الأحجار أنه في الطبيعة تآلف وتناسب، وتلاصق وتآنس، وتقاهر، وتقوية وتضاعف وتلاصب وتحاب، وتطيب وتفاسد، وتباعد وتحاصر وتهارب، وتباغض وتمازج مع طبيعته. وهي طبيعة إنسانية تقوم على تصور الطبيعة على مستوى إنساني وبألفاظ إنسانية، الحب والعشق، والألفة والمحبة، للجمع أو التنافر والتضاد والكراهية للفرق.٢٩
وفي الرسالة السادسة «في ماهية الطبيعة» تبرز النفس. فالنفس بؤرة الطبيعة ومركزها الأول وقمَّتها المعلاة. الغرض منها التنبيه على أفعال النفس وماهية جوهرها، وبيان أخبار الملائكة التي يسميها الفلاسفة روحانيات الكواكب طبقًا للتشكل الكاذب. فالطبيعة قوة النفس الكلية سارية في جميع الأجسام دون فلك القمر. كما تبرز الجغرافيا البشرية وتأثير الأشخاص الفلكية الثانية الموجودة الدائمة الدوران في الأشخاص السفلية الكائنة عن حركاتها الفلكية القليلة النبات الدائمة السيلان. فما يهم من العلوي هو أثره في السفلي.٣٠
والرسالة السابعة «في النبات» بيان للرتبة أسفل الرتبة الحيوانية. وفيها يبدو الحيوان متجهًا نحو الإنسان ورفعه إلى مستوى الإنسان. فشكل جسم القرد قريب من شكل جسد الإنسان فصارت نفسه تحاكي أفعال النفس الإنسانية. والفرس كريم الأخلاق، مركب الملوك لأدبه. فلا يبول ويروث بحضرة الملك. وله ذكاء واحترام وصبر في الحروب، والفيل له ذكاء يفهم الخطاب، ويمثُل للأمر والنهي كالرجل العاقل.٣١
والرسالة الثانية الموسومة «في السماء والعالم» في إصلاح النفس وتهذيب الأخلاق» يتضح نقل التصور اليوناني في «في السماء والعالم» ثم التصور الإسلامي الجديد «في إصلاح النفس وتهذيب الأخلاق» صراحة وليس ضمنًا، عن قصد وليس عن قصد. بل إنها رسالة لا تتفق مع باقي علوم الحكمة الطبيعية في الأسلوب والمصطلح وإن اتفقت في الاتجاه والقصد لأنها تنتقل من العلم إلى التصوف، ومن الطبيعية إلى الإشراق، مباشرة من الضد إلى الضد، ومن النقيض إلى النقيض. الحيوان يستنشق الهواء ما يبرد به الحرارة الغريزية ثم يردُّه بالتنفس. فالبدن طبيعة به العناصر الأربعة من أرض وماء وهواء ونار، والطبيعة جسم. فالأجسام الفلكية محفوظة نظامها، وباقية أشخاصها ما دامت ثابتة على دورانها. إذا توقفت عن الدوران سكنت وبردت ورطبت وتبددت وفسد النظام.٣٢
يتخلل الرسائلَ الطبيعية كلها حدسٌ رئيسي، وحدة الإنسان والطبيعة من أجل تأسيس طبيعيات إنسانية، خلق الكون بما يناسب الإنسان وخلق الإنسان بما يناسب الكون من هواء ودم وحرارة وبردة الطبيعة قصد إنساني، والإنسان قصد إلهي، ومسار الطبيعيات من الخارج إلى الداخل، ومن الداخل إلى الأعلى.٣٣
وفى الرسالة العاشرة «في الحاس والمحسوس في تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق» يظهر نفس التحول من التصور اليوناني الطبيعي النفسي «الحاس والمحسوس» إلى التصور الأخلاقي الإسلامي «في تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق». فالمعرفة مقدمة للأخلاق توحيدًا بين المعرفة والسعادة وقد كان التصور اليوناني مؤهلًا لذلك التحول نظرًا لربطه بين الذات والموضوع في «الحاس والمحسوس»؛ فالحاس هو الذات والمحسوس هو الموضوع في الذات.٣٤ وما أسهل بعد ذلك من الانتقال من الذات المعرفي إلى الأنا الأخلاقي بالرغم من أن التحول التام لم يتمَّ وظلت الرسالة معرفية خالصة.٣٥

وتتم المعرفة الإنسانية من ثلاثة طرق. الأول الحواس الخمس وهو أول الطريق. يعرف به الإنسان منذ الصبا، ويشترك فيه الإنسان والحيوان. والثاني العقل وبه يتميز الإنسان عن الحيوان، ويظهر بعد الصبا في سن البلوغ. والثالث أكبرها ويتفرد به قوم من العلماء دون غيرهم من الناس بعد النظر في الرياضيات الهندسية والنطقية. يعلم الإنسان من هذه الطرق الثلاثة لأن الإنسان بدن جسماني، ونفس روحاني. يعلم بجسده الجسماني الصانع، وبنفسه الروحاني العلم. ولما كانت النفس متوسطة بين الكلي وهو الله، والعقل والصور المجردة التي هي الملائكة طبقًا لظاهرة التشكل الكاذب، والأدنى مثل الهيولى والطبيعة والأجسام، عرفت الأشياء الدنيا بالحواس المباشرة المماسة والمخالطة والمحيطة، وعرف الأعلى ببرهان العقل دون مباشرة وإحاطة، معرفة بالذات والجوهر.

فنسبةُ العقل إلى النفس كنسبةِ الضوء من البصر، ونسبةِ المرآة إلى الناظر فيها. نور العقل يجعل النفس قادرة بالنظر بعين البصيرة، وبدونه ترى بعين الجسم. فالإدراك الداخلي شرط الإدراك الخارجي.٣٦ ويكشف ذلك عن تقابل بين طرق المعرفة ومراتب الموجودات. لكل مرتبة معرفة، ولكل موضوع إدراك. ولا تدرك الأبصارُ الملائكةَ والنفوس لأنها جواهر شفافة نورانية ليس لها لون ولا جسم، ولا تدركها الحواس الجسمانية، ولا تراها إلا الأبصار القوية اللطيفة مثل أبصار الأنبياء والرسل وأسماعهم لصنعاء نفوسهم، وانتباههم من نوم الغفلة، واستيقاظهم من رقدة الجهالة، وخروجهم من ظلمات الخطايا. انتعشت نفوسهم فصارت مثل نفوس الملائكة تراها وتسمعها وتأخذ منها الوحي ويبلغها الأنبياء إلى بني البشر بلغات مختلفة لمشابهتهم بأجسادهم.٣٧
والقوة الحاسة ليست جزءًا من النفس بل هي أقرب إلى البدن وطبيعة المحسوسات التي تصل آثارها إلى القوة المتخيلة في مقدم الدماغ. وبعض المحسوسات بالذات وبعضها بالعرض. وكلها أعراض جسمية مادية مثل الطول والعرض والعمق لأن الحاس هو الروح. المحسوسات أعراض جسمانية صورة في الهيولى تُدركها النفس بقواها الخمس الحاسة. فالحواس آلات جسمانية. والحس تغيير مزاج تلك الحواس بمباشرة المحسوسات. والإحساس شعور الحاسة بتغيرات الأمزجة. وينشأ الخطأ في التصديق لا في التصور، في الحكم وليس في الإدراك. والعلم يتم بالقوة المفكرة وليس بحاسة واحدة. والخطأ والصواب بالقوة المفكرة وليس بحاسة واحدة أي بالحس المشترك.٣٨
والمحسوسات الظاهرة خمس لتسعة وثلاثين مدركًا حسيًّا كالآتي:٣٩
  • (أ)

    البصر. ويدرك النور والظلمة والألوان والسطوح والأجسام، أشكالها وأوضاعها وأبعادها وحركاتها وسكناتها في عشرة مدركات بصرية.

  • (ب)

    السمع، وينقسم إلى نوعين: حيواني وغير حيواني، إلى طبيعي وغير طبيعي، منطقي وغير منطقي، دال وغير دال. فهما ثمانية مدركات سمعية.

  • (جـ)

    الشم. ويدرك الحلاوة والمرارة، والملوحة والدسومة والحموضة، والحرافة والعفونة، والعذوبة والقبوضة. فهي تسعة مدركات ذوقية.

  • (د)

    اللمس. ويدرك الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، والخشونة واللين، والصلابة والرخاوة، والخفة والثقل. فهي عشرة مدركات لمسية.

وأهمها السمع كما هو الحال في نظرية العلم عند الأصوليين.٤٠ ويتم شرح كيفية كل حاسة فزيولوجيا مما يدل على أن الحواس أكثر ارتباطًا بالبدن منها بالنفس.٤١
والحواس الباطنة خمس ابتداء من المخيلة. وتسمى الحواس الروحانية نظرًا لارتباطها بالأمور غير المحسوسة وهي المتخيلة والمفكرة والحافظة والناطقة والصانعة. وكما اختصت كل حاسة من الحواس الظاهرة بمحسوس فإن الحواس الروحانية الباطنية تتعاون في مدركاتها. تتناول المخيلة رسوم المحسوسات كلها ثم تناولها إلى المفكرة للنظر في ذواتها ثم تمدها إلى الحافظة التي تمدها بدورها إلى الناطقة عبر اللسان للإخبار عنها، والأنباء عن معانيها وجواب السائلين عنها، وكساء المعاني الألفاظ. ولما كانت الأصوات لا تمكث في الهواء اقتضت الحكمة الإلهية تحويلها إلى صناعة الكتابة بالقوة الصانعة التي تصوغ الخطوط والأشكال بالأقلام وتودعها الألواح ليبقى العلم عبر الأجيال من الماضين إلى الحاضرين، ومن الأولين إلى الآخرين، ومن السلف إلى الخلف. وهذه من أهم نِعَم الله على الإنسان. لذلك دونت الرسالة السابعة عشرة في علل اختلاف اللغات ورسوم الخطوط والعبارات.٤٢ وقد كانت أول آية وأول أمر «اقرأ».٤٣

ويتم الانتقال من طاقة الإنسان في المعارف إلى مبلغه من العلوم وغايته وشرفه. فهناك أربعة أسئلة: الأول ما هي حدود طاقة الإنسان في المعارف وإمكانياته؟ والثاني إلى أي حد يستطيع أن يبلغ العلوم وهل هناك حدود للعلم أم أنه بلا حدود وكما يقول الصوفية؟ والثالث ما غاية العلم؟ والرابع أي شرف يرتقي إليه الإنسان نظرًا لارتباط العلم بالسعادة كما يقول الصوفية. وقد تعلَّم آدم علمًا ربانيًّا وسجدت له الملائكة مع أنه مخلوق من تراب؛ فالسجود من أجل نفخ الروح فيه لإظهار العلم وهو العلم اللدني كما يقول الصوفية.

والعلم الإنساني إما طبيعي غريزي يُدرك بالحس والعقل، وإما تعليمي مكتسب مثل الرياضيات والآداب وما يأتي به الناموس أي العلوم الشرعية. هنا يوحد الإخوان بين المعرفة الطبيعية والمعرفة الحسية المؤلفة. كما يوحدون بين المعرفة الرياضية والأدبية والشرعية. فالعلم علمان وليس ثلاثة علوم. والعلم غذاء النفس كما أن الطعام غذاء البدن.٤٤

وطرق العلم على خمسة أنواع: التقليد وهو أدناها ثم الجدل والاحتجاج ثم الرواية والخبر، أي المعرفة التاريخية، ثم الشعر، ثم البرهان الهندسي والمنطقي.

والمعرفة التاريخية عن طريق الرواية والخبر تكون للأمور الماضية القريبة وليست البعيدة بما في ذلك قصص الأنبياء حتى آدم. أما فعل آدم من إخبار الملائكة والجان الذين كانوا يُفسدون في الأرض فلا يمكن معرفته إلا من الوحي. أما العلم بالمستقبل القريب فيمكن عن طريق دلائل النجوم واستدلال المنجمين بالقرانات.٤٥
وهنا يقرر الإخوان واقعًا ولا يضعون مبدأ نظرًا لرفضهم علم التنجيم. وتستفيد النفس بما معها من الحكمة والعلوم والفوائد ما ترتاض به من اتخاذ الصنائع والسياسات والتدبير والربوبية والتشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانية. وهذا يدل في نهاية الأمر على أن المعرفة جزء من الطبيعيات. فالمعرفة طبيعية وليست فقط منطقية.٤٦
واللغة ظاهرة طبيعية، وهي اللغة الشاملة، علم الأصوات، الأصوات الفلكية، والأصوات الأرضية قبل خلق الحيوان والإنسان. وأخيرًا يأتي الكلام وهو أعلى درجة من تطور الصوت نظرًا لارتباط الكلام بالمعنى. لذلك ارتبطت اللغة بالمنطق. وليس الكلام فقط النطق بل السمع. فاللغة قصد متبادل بين المتكلم والسامع.٤٧

(٢) جدل الجسد والنفس

وتبزغ الحياة من المادة، والوعي من الطبيعة كما هو الحال في «حي بن يقظان» لابن طفيل ونظرية التولد الذاتي. وقد عرض الإخوان ذلك في رسالة «كيفية نشوء الأنفس الجزئية في الأجسام البشرية». وهو عنوان طبيعي، يتفق مع العلم الطبيعي. إلا أنها أيضًا رسالة إشراقية صرفة عن خروج النفس ومعرفتها بالله وارتقائها إلى الملأ الأعلى والمناجاة والنعمة والجنان. وكما أن عدم استكمال النفس في البدن يتبع منه الخرس والطرشان والزمن والمفالج فكذلك النفوس إن لم تستكمل بالمعارف.٤٨ وإذا كان الجسد يحيل إلى النفس فإن الإنسان إذا ادعى معرفة الأشياء وهو لا يعرف نفسه فإنه قد جهل. فمعرفة النفس هي أولى المعارف. والمحسوسات أسهل في معرفتها من النفس لأنها أقرب إلى الروح.

والحديث عن حالات الجسد وصفاته مقدِّمةٌ للحديث عن النفس وحالاتها؛ لأن حالات الجسد ظاهرة مكشوفة متخيلة مدرَكة بالحواس في حين أن حالات النفس غائبة عن الحواس، باطنة في عمق الجسد، مستورة فيه، تُدرك بالعقل. الشاهد من حالات الجسد يدل على الغائب من حالات النفس. الظاهر يدل على الباطن، والمكشوف على المستور، والجلي على الخفي، والمحسوس على المعقول. معرفة النفس قبل معرفة الله تقوم على قياس الغائب على الشاهد.

وحالات الجسد على النقيض من حالات النفس. الجسد لحم ودم وعظم وعروق وعصب وجلد. وهي أجسام أرضية ميتة مظلمة ثقيلة متجزئة، متغيرة فاسدة. والنفس السماوية روحانية ناطقة نورانية غير ثقيلة ولا متجزئة وغير فاسدة بل متحركة باقية علامة مدركة لصور الأشياء وحقائقها.٤٩ والجسد بالنسبة للنفس مثل الرحم بالنسبة للجنين. النفس في الجسد كما أن الجنين في الرحم. وحالها بعد الموت مثل حال الطفل بعد الولادة؛ لأن موت الجسد ولادة النفس، وولادة الطفل خروجه من الرحم كما أن ولادة النفس مفارقتها للبدن.٥٠ وهو تصور مكاني لا ينطبق تمامًا على صلة النفس بالبدن. والنفوس ستة من الأدنى إلى الأعلى، نفوس الصبيان إلى نفوس البالغين إلى نفوس العقلاء إلى نفوس العلماء إلى نفوس الحكماء إلى نفوس الملائكة. وتخرج النفس من القوة إلى الفعل. فنفوس الصبيان عاقلة بالقوة، ونفوس البالغين عاقلة بالفعل. ونفوس العقلاء عاقلة بالقوة ونفوس العلماء عاقلة بالفعل. ونفوس الحكماء الأخيار ملائكة بالقوة إذا فارقت أجسادها كانت ملائكة بالفعل. فالموت حكمة ورحمة. غاية النفس الترقي في المراتب العالية بالنظر في العلوم الإلهية والسلوك في المذاهب الروحانية الربانية والتعبد في الأمور الشريفة من الحكمة على المذهب السقراطي والتصوف والزهد والترهب على المنهج المسيحي والتعلق بالدين الحنيفي. وهو التشبه بجوهرها الكلي. ومن ثَم يتفق سقراط والمسيحية والحنيفية على نفس الحقيقة في حكمة واحدة خالدة.٥١
وتقابلُ النفس والجسد مثل تقابل الصانع والدكان أو الساكن والدار المحكمة البناء المقسمة البيوت، المملوءة الخزائن، المسقفة السطوح، المفتحة الأبواب، المعلقة الستائر على النحو الآتي:٥٢
الإنسان قوى الإنسان المنزل الحِرفة الصنعة
الجسد أعضاء الجسد الساكن الدكان أدوات الصانع
النفس قوى النفس الدار الصانع قوى الصانع

وتتعدد قوى النفس بتعدد وظائفها وآلاتها على النحو التالي:

النفس الآلة الجسدية الوظيفة
الناطقة الدماغ الفكر والتمييز
الحيوانية القلب الحس والحركة
النباتية الكبد الغذاء والنحو
والموجودات إما جزئية أو كلية. والجزئية متجهة نحو الكمال بالجسم أو الروح. والكلية هي الموجودات الدائمة الأشرف والأتم. إذا اهتمت النفس بالمعارف الحقيقية والأخلاق الجميلة والآراء الصحيحة والأعمال الزكية تؤدي إلى النعيم في الآخرة. موت الجسد ولادة للنفس.٥٣ والصور والأشكال والهياكل والصفات في عالم الأجسام وجواهر الأجرام مقالات وأشباه وأصباغ لتلك الصور في عالم الأرواح.
وللجسد آلات للحواس تقوم بوظائف المنطق على النحو الآتي:٥٤
ولكل نشوء بداية ونهاية، وسيلة وغاية، أول وآخر ويتم الانتقال من الأول إلى الثاني في مسار الحياة من الجسد إلى الروح.٥٥ والبداية بلذة الجسد زيادةً أو نقصانًا، الأكل والشرب والجماع والراحة، وهي طبيعية في البشر. والألم هو الخروج على وجه الاعتدال. وجعلت الحكمة الإلهية والعناية الربانية شهوة مركوزة في جبلة الذكر للاجتماع بالإناث. فالجنس طبيعي. وجعلت النفوس تلحقها الآلام والأوجاع من الأشياء المفسدة لأجسادها. واللذات والآلام كثيرة لا يُحصيها إلا الله.٥٦ وقد يوجدان في وقت واحد مثل لذة الجماع وتعبه، ولذة الطاعم وأوجاعه. واللذة والألم ليسَا من الناحية الجسمية كظاهرتَين للجسد فقط بل أيضًا من الناحية الروحية للثواب والعقاب.

واللذات نوعان: جسدي وروحي. الجسدي في متعة الجسد، والروحي في متعة الروح. واللذات الروحانية نوعان. الأول والنفس مقارنة للجسد مثل الأعمال الزكية والأفعال الخيِّرة والأخلاق الكريمة والاعتقادات والآراء الصحيحة وحقائق الموجودات. والثاني بعد مفارقة الجسد من ذاتها أو من خارجها، بجزائها على الأعمال أو برؤيتها لله. واللذة الروحية مشتركة بين البشر والملائكة.

وقد يتدرج هذان النوعان إلى أربعة أنواع: الأول الشهوانية الطبيعية من طعام وشراب وهي مشتركة بين الإنسان والحيوان والنبات، والثاني حيوانية حسية مثل الجماع، وهي مشتركة بين الإنسان والحيوان، والثالث إنسانية فكرية وهي المعاني، وهي مشتركة بين الإنسان والملاك، والرابع ملكية روحانية للنفوس الناطقة بعد مفارقة الجسد.

وتتم اللذات النفسية بتوسط الجسد مرتين. الأولى مباشرة من خلال الحواس وهي سبعة أنواع من الأدنى إلى الأعلى، من الانتقام إلى الجماع إلى المسموعات إلى الملموسات إلى الذوق إلى السمع إلى النظر. وهي المدركات الحسية الخمسة بالإضافة إلى الانتقام والجماع. والثانية مجردة غير مباشرة عن طريق التذكر وهي طريق اللذات الروحية. وأفعال النفس كثيرة لا يحصيها إلا الله.٥٧
ويتم الانتقال من الحواس الظاهرة إلى الحواس الباطنة إلى اللذة والألم للنفس، والتعب والراحة للبدن أي لانفعالات النفس. وشرح اللذة والألم بالاعتدال. ويشارك فيها الإنسان والحيوان. وكل محسوس يُخرج المزاج من الاعتدال فإن الحاسة تكرهه وتتألم منه. وكل محسوس يردُّ المزاج إلى الاعتدال فإن الحاسة تحبه وتلتذ به. الراحة هو الثبات على الصحة والاعتدال، والتعب هو التردد بين اللذة والألم.٥٨

وما دامت النفس مع هذا الجسد إلى وقت معلوم فإنها تكون متعبة بكثرة غمومها لإصلاح الجسد وما يتكلف به من أعمال شاقة وصناعة متعبة لاكتساب المال والمتاع والأثاث وما يحتاج الإنسان إليه في الدنيا. فلا راحة للنفس بمقارنتها للبدن.

والجسد مبتلًى بعشقها كابتلاء الحكيم بعشق الرعناء. ولا هناء لها إلا بمغادرتها والتسلي عن حبِّها وعشقها. فالموت حكمة ورحمة، نعمة للنفوس الخيِّرة بعد فناء الأجساد. الموت نعمة وسرور، والحياة متاع وغرور. وأمراض النفس الأعمال السيئة والآراء والجهالات المتراكمة. والأنبياء أطباء النفوس كما أن الأطباء أطباء الأبدان.٥٩
والجسد مسود، والنفس سائس كما أن الدار مسوس ورَبَّ الدار سائس، والرعية مسوس والراعي سائس. كما تسوس النفس الجسد يسوس رب الدار من خدم وغلمان بسير عادته. ساس قبيلة ثم مدينة ثم الناموس الإلهي ثم صعد إلى عالم الأفلاك وسعة السموات، عالم الذوات ليُجازَى بما عمل من خير. فالموت حكمة. تكثر التشبيهات لبيان علاقة النفس بالبدن، الجنين في رحم الأم، الملاح في السفينة، والأعمال الصالحة كبضاعة التاجر، والدنيا معبر، وأيام الحياة جسر، والموت ساحل، والدار الآخرة مدينة، والجنة ربح، والله المجازي، والدنيا ميدان، والأجساد خيل عتاق، والنفوس السابقة للخيرات فرسان، والله الملك الجواد. الدنيا مزرعة وأرحام النساء حرث، النفوس صناع والأجساد دكاكين، والأعضاء أدوات.٦٠
الموت إذن حكمة، طريق الرجوع إلى الله بعد مفارقة النفس الجسد، فهو سبب فناء الجسد وبقاء النفس، ورضوان من الله للنفوس النيرة ونيل الجنان لعباده الصالحين. والحيوانات تكره الموت وتحب الحياة. والإنسان مثله يحب الحياة ويكره الموت بالرغم من ذم الحياة عند تنغيص العيش، وتمنِّي الموت عند الشدائد.٦١ الجسد ميت بجوهره، والحياة عرض فيه لمجاورة النفس له. والدليل على ذلك أن الجسد يتغير ويتلاشى ويفسد ويعود إلى التراب بعد مفارقة النفس له.

والموت والحياة نوعان: جسداني ونفساني. الحياة الجسدانية استعمال النفس للجسد، والموت الجسداني ترك النفس استعمال الجسد لها. واليقظة استعمال النفس الحواس، والنوم ترك استعمالها لها. ليس الموت إذن ظاهرة طبيعية، موت الجسد، بل ظاهرة فلسفية، موت النفس.

ولماذا إثبات أن الموت حق؟ هل قدرية؟ وهل السبب الله أم الأعراض والحوادث؟ ألا يمكن مقاومة الموت لطول العمر؟٦٢ وما العيب في حب الحياة وكراهية الموت؟ هل يقدم الفكر الإسلامي فلسفة الموت لا فلسفة الحياة وهو ما حاول محمد إقبال تغييره؟ وهل الغاية من الموت البعث أم الإحساس بقيمة الحياة؟ أليس القصد من البعث استمرار الحياة وانتصارها على الموت؟

وتستمر الثنائيات من أجل الترقي من عالم الجسد إلى عالم الروح، من عالم الموت إلى عالم اليقظة مثل اللذة والألم، الفرح والغم، السرور والحزن، الراحة والتعب، الجسماني والروحاني مثل التضاد في أحوال الصوفية.

وهي ليست ثنائيات معرفية نفسية أخلاقية عملية إنسانية في عالم الأذهان بل هي أيضًا ثنائيات وجودية فعلية «أنطولوجية» في عالم الأعيان. فالموجودات جزئية أم كلية. والكلية تبدأ من أعلى إلى أسفل، من الأتم فالأنقص في تسع مراتب: الباري، والعقل، والنفس، والطبيعة، والهيولى الأولى، والجسم المطلق، والفلك، والعناصر الأربعة والمولدات الثلاثة، النبات والحيوان والإنسان على النحو الآتي:

والنفوس الجزئية تفضل بعضها بعضًا بإحدى الخصال الأربعة: الأعمال والآراء والأخلاق والمعارف.

والنفوس المتجسدة الخيِّرة ملائكة بالقوة إذا فارقت أجسادها صارت ملائكة بالفعل. والنفوس المتجسدة الشريرة شياطين بالقوة إذا فارقت أجسادها صارت شياطين بالفعل. توسوس للنفوس الشيطانية بالقوة لتُخرجها إلى الفعل. شياطين الإنس نفوس متجسدة شريرة أَنِست بالأجساد. وشياطين الجن نفوس شريرة مفارقة للأجساد ومحتجبة عن الأنظار.٦٣
والله يأمر الملائكة قصدًا منه وغيظًا على الكفار أخذهم ورميهم في الخندق. كلما أُحرقت أجسادهم أُعيدت إلى الرطوبة والدم حتى يشتعل ثانية كما اشتعل أول مرة.٦٤ وهو تصور غير كريم لله، إسقاط من روح إنسانية «ماسوشية» تتلذذ بعذاب الآخرين، سوداوية العذاب في مقابل شبق الجنة ترهيب وترغيب، وتخويف وتشويق. وواضح أنه يقوم على قياس الغائب على الشاهد، من حالات السلب في الشاهد إلى حالات الإيجاب في الغائب.
ومن الاعتقاد ما هو مؤلم لنفوس معتقديها. ومنها ما هو مفرح ومسرٌّ وملذٌّ لها. ومن الاعتقادات الفاسدة اعتقاد اليهود بأنهم قتلوا الرب، واعتقاد آخرين بأن الله الغفور الرحيم، الودود البار، المحسن الحنان، الجواد الكريم، الجميل، يأمر الملائكة بأخذ الكفار والعصاة ورميهم في خندق من نار كلما أحرقت جلودهم وصارت فحمًا ورمادًا أعاد فيها الرطوبة والحياة ليعود العذاب، والاعتقاد بأنه يجامع في الجنة الأبكار ويلتذ منهن ثم تعود البكارة ويلتذ إلى ما لا نهاية، والاعتقاد بأن أعمال الإنسان توضع في كفتَي ميزان، والاعتقاد بسؤال منكر ونكير في القبر لجسد الميت، وأن في الجحيم تنانين وثعابين وأفاعي لأكل الفساق، والاعتقاد بأنه بمجرد تمنِّي الطيور المشوية تتحقق الأمنية في الحال ثم أكلها حتى الشبع، والاعتقاد بأن الإمام مختفٍ خوفًا من مخالفيه.٦٥
ومن هنا لزم التأويل لتجنب هذه الاعتقادات الفاسدة والوقوع في التفسير الحرفي الشيئي المادي للعقائد مما يدعو إلى الشك فيها أو الكفر بها. ونظرًا للجهل بتأويل كتب الأنبياء ومعاني إشاراتهم ورموزاتهم ودقائق أسرارهم، تصوروا أمور المعاد على نحو حسي جسماني. الجنة بساتين وأشجار عليها ثمار، وفيها قصور بينها أنهار. بها حور وغلمان ووِلدان وينظرون إليه، والملائكة يزورونهم بالهدايا والتُّحَف، يشربون ويباشرون الأبكار، أحياء لا يموتون، شباب لا يهرمون، أصحاء لا يمرضون، لا يجوعون ولا يعطشون، يأكلون ويشربون، لا يبولون ولا يتغوطون، وبهم كل ما يتعلق بالأجسام الكائنة الفاسدة. وينتهي الأمر إلى الشك فيما أخبرت به الأنبياء وما يقصر الوصف عن معرفته فينكرونها بقلوبهم، ولا يظهرون هذا الإنكار بالألسنة مخافة السيف والصلب. لذلك ينشأ الكفر والضلال، والجهالة وعمَى البصر لأنهم لا يؤمنون بظواهر الآيات. ولا يتفحصون حقائق أسرار كلام الله وأخبار الأنبياء، حقًّا أو صدقًا كما يقتضي العقل.٦٦
والناس ثلاث طبقات في العلم. الأولى المبتدءون المتعلمون الذي يعرفون بالتقليد دون بحث أو كشف، وهو طريق الصبيان والنساء وضعاف العقول. والثانية المتوسطون الذين يُدركون الأسرار والإشارات. والثالثة المتبحرون في الكشف والبحث وهم الذين يُدركون الحقائق ذاتها، تاركين المثل إلى الممثول. لذلك جاءت أوصاف القرآن جسمانية للمبتدئين وجسمانية روحانية للمتوسطين، وروحانية خالصة للمتبحرين. المبتدءون يُقرُّون بما جاءت به الأنبياء باللسان بلا اعتقاد. والمتوسطون يُقرُّون به عن اعتقاد بلا تحقيق، والمتبحرون عن برهان وتصور الحقائق ذاتها ورغبتها لأن الإنسان لا يطلب ما لا يرغب فيه، ولا يرغب فيما لا يتحقق، ولا يتحقق بما لا يتصور، ولا يتصور الشيء الخفي إلا بالوصف البليغ. الغاية من التصوير التأثير في النفوس والتقريب للأفهام، ومخاطبة الناس على قدر عقولهم ومراتبهم في المعارف لأن دعوة الأنبياء لكل الناس، عامة وخاصة. أما المسيح فقد صرح بدعوته مباشرة بأوصاف روحانية. ولم يرمز لأن قومه قد هذبتهم التوراة وكتُب الحكماء، وكانوا غير محتاجين إلى الإشارات والتنبيهات بل كانوا مهيئين لقبولها. أما الرسول فقد بُعث لأمِّيِّين من أهل البوادي غير مرتاضين بالعلوم، ولا مقرِّين بالبعث والنشور، ولا عارفين بنعيم الآخرة فقرَّبها إليهم بالأمور الحسية حتى يسهل عليهم فهمها لترغب نفوسهم فيها. لذلك كتَب الإخوان في أسرار الكتب الإلهية والتنزيلات النبوية، وكشفوا عن الرموز والتأويلات.٦٧

وهو نقد مبطن لدين العامة الذي يؤيده فقهاء السلطان، الظاهري التشبيهي الذي لا يقبل التأويل تهديدًا بالسيف والصلب. ويسبب الكفر لخطورة الوقوع في التشبيه الذي يؤدي إلى الشك والحيرة والإنكار. فالكفر رفضٌ للباطل وبحثٌ عن الحق بسبب التفسير الحرفي للنصوص، ومن ثَم لزم التأويل. فالتأويل هو الوسيلة للحفاظ على الإيمان في القلوب. فجهنم عالم الكون والفساد، والجنة عالم الأرواح، وأهل جهنم النفوس المتعلقة بأجساد الحيوانات، وأهل الجنة النفوس الملكية. جهنم سبع طبقات لأن الأجسام التي دون فلك القمر سبعة، العناصر الأربعة بالإضافة إلى المعادن والنبات والحيوان (المولدات). ولها سبعة أبواب؛ لأن كل ما يجري في عالم الكون والفساد سبعة، وعليها تسعة عشر؛ لأن هناك بروجًا اثني عشر.

ويمكن إدراك موجودات العالم بتقابلها مع المقولات المنطقية والأعداد الرياضية. هنا يكون التقابل ثلاثيًّا بين ثلاث دوائر: الوجود والمنطق والرياضة. وقد يكون التقابل تامًّا على كل مستوياته وقد يكون ناقصًا بغياب بعض المستويات، وهو ما يمكن اكتشافه فيما بعد مثل التقابل بين النفوس، والأجناس والأنواع، والأعداد. ولا يُحصي عددَ كلِّ شيء إلا اللهُ. قوى النفس، الأشخاص التي تحت الأنواع والأجناس والمحسوسات. ويكون التقابل التام على النحو الآتي:

النفس المنطق
النفس الكلية جنس الأجناس
النفس البسيطة الأنواع
الأنفس نوع الأنواع
الأنفس الجزئية الأشخاص

ويكون التقابل الناقص على النحو الآتي:

النفوس الأعداد
العقل الكلي
النفس الكلية الواحد
الأنفس البسيطة الآحاد
الأنفس الجنسية العشرات
النفس النوعية المئات
الأنفس الجزئية الشخصية الألوف

وهناك تقابل بين مراتب النفوس ومراتب الملائكة ومراتب البشر على النحو التالي:

مراتب النفوس مراتب الملائكة مراتب البشر
خيرة فاضلة أجناس الملائكة صالحو المؤمنين والعلماء
شريرة رذيلة مردة الشياطين وسحرة الجن الفراعنة الدجالون
جاهلة شريرة أنفس السباع الضارية الجهال الأشرار
جاهلة غير شريرة أنفس بعض الحيوانات كالغنم والحمام

والمطلوب إيجاد نموذج للنفس الجاهلة غير الشريرة من عالم الإنسان مثل نفوس الأطفال والصبية.

وللنفس الكلية قوًى كثيرة مثل النفس الإنسانية وهم الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم طبقًا لظاهرة التشكل الكاذب.

وفي الرسالة الثامنة عن الحيوان يظهر التقابل بين الجسد الأرضي الثقيل من ناحية والروح الفلكي والنفس الناطقة الملكية من ناحية أخرى. وهو ما يفضِّل الحيوان على الإنسان. ورئيس الملائكة المقربين الموكلين ببني آدم وحفظهم هي النفس الناطقة الإنسانية الكلية، خليفة الله في الأرض. قُرنت ببني آدم لما خلق من التراب، وسجدت له الملائكة. وهي النفوس الحيوانية المنقادة لطاعة النفس الناطقة، خليفة الله في الأرض، ورفض إبليس السجود لآدم هي القوة الغضبية والشهوانية والنفس الأمَّارة بالسوء. جوهر النفس سماوي، وعالمها روحاني، حية بذاتها، غير محتاجة إلى الطعام والشراب واللباس والسكن، وكل ما يحتاجه الإنسان من أعراض الدنيا فإنما لهذا الجسد الفاسد، ولإصلاح شأنه وجلب المنفعة إليه ودفع المضرة عنه.

وللجسد عيوبه ومثالبه. الجسد للنفس صراط محدود بين الدنيا والآخرة. إذا عبرت النفس على هذا الصراط، وسلمت من آفاته سهل عليها ما بعد ذلك. ومن عيوبه أنه كنيف النفس، ينبوع كل القاذورات. وهو كافر محجوب عن الله، لا يعرفه ولا يدري مَن خلقه ورزقه، صاحب بدعة، يدعو إلى هواه، ويريد أن تكون الأمور بمراده، جاهل عجول، شيطان من كثرة الدسائس، إبليس يدعوه إلى العداوة، ميت على جنازة، غيم على الأبصار، رجل حكيم، خبير في غربة، ابتُليَ بعشق امرأة رعناء فاجرة سيئة الخلق، رديئة الطبع. والسؤال هو: هل أمراض الجسد أم أمراض النفس المقترنة به؟٦٨

(٣) جدل الحيوان والإنسان

وتظهر الطبيعيات الإنسانية بوضوح في الرسالة الثامنة «في كيفية تكوين الحيوانات وأصنافها»، وهي أكبر الرسائل الطبيعية.٦٩ ويبدو أنه من السهل التعبير السياسي على لسان الحيوانات مثل «كليلة ودمنة»، وأدبيات الهند وفارس، وكما هو الحال في كتاب «الحيوان» للجاحظ و«حياة الحيوان الكبرى» للدميري. وهي أقرب إلى الآداب الشعبية في صياغتها.٧٠ يتخللها بعض التكرار في واجبات الملوك مما يدل على أن السياسة هو الهمُّ الرئيسي في الرسالة.
والعنوان خادع. فالرسالة ليست في «تكوين الحيوانات وأصنافها»، بل في الانتقال من الحيوان إلى الإنسان، ومن الطبيعة إلى المجتمع، ومن الأخلاق إلى السياسة. هي رسالة في الطبيعيات من أجل نقل الوافد إلى مستوى الموروث، من الطبيعيات إلى الإنسانيات في أسلوب رمزي على لسان الحيوانات. أخذ الحيوان هنا كغطاء للسياسة كما هو الحال في جماعات المعارضة في كل عصر. عالم الحيوان مثل عالم الإنسان، عالم سياسي له ملك ورعية وقضاة. وهناك عدل وجَور، اتهام ودفاع. الحيوان إنسان سياسي كما أن الإنسان حيوان سياسي. تم التصوير من خلال عالم الحيوان لخطورة الأوضاع السياسية في أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع. فالسياسة من المحرمات قديمًا وحديثًا. وزاد في وجداننا المعاصر عليها الدين والجنس. تم الانتقال فيها من الحيوان إلى الإنسان، ومن الإنسان إلى المجتمع السياسي، واكتشاف استعباد الإنسان للإنسان بعد استعباد الإنسان للحيوان وكأن الاستعباد في طبيعة الإنسان والمجتمع المدني من أجل خلق مجتمع مثالي.٧١
وتستمر المحاكمة لمدة ثلاثة أيام يظهر فيها تكوين المجتمع السياسي وعلاقة السلطة التنفيذية (الملك) بالقضائية (القضاء). وتدور في أربع جلسات: الأولى شكوى الحيوان، والثانية زعماء الإنس، والثالثة شكوى زعماء الحيوان مع ردِّ الجن وردِّ الإنسان وردِّ الحيوان في حوار متبادل، والرابعة في فضائل الإنسان من جديد وردود الجن والحيوان.٧٢ يشمل الإنس الجن الذي يُحسن طاعة الملوك والرؤساء. فالإنسان عالم متوسط بين الجن والحيوان.٧٣

ولما كانت طبيعيات الإخوان طبيعيات إنسانية خالصة يُحيل الحيوان فيها إلى الإنسان ليس فقط على مستوى الجسم أو النفس بل أيضًا على مستوى الأخلاق. إذ يبدأ الفصل الثاني من الدراما «في كيفية تكوين الحيوانات وأصنافها» في بيان فضائل الحيوان وتفوقه على الإنسان من أجل طلب التحرر بعد أن بدأ الإنسان بيان فضائله وتفوقه على الحيوان من أجل إعطاء نفسه الحق لاستعباده. وقد انهارت أخلاق الإنسان إلى مستوى الحيوان وأصبحت أخلاقًا سبعية. وتصدَّى لهذه المهمة البغل زعيم الحيوان إمعانًا في إذلال الإنسان. وتظهر لكل حيوان ميزة طبقًا لطباعه. وكان موضوع اختيار الرسل مناسبة للبحث من جديد عن طباع الحيوان. فالحيوان ليس مجردَ آلة حية أو كائنًا عضويًّا بل هو أخلاق وطباع وأمثال وأشعار كما دوَّن الجاحظ من قبل في «كتاب الحيوان».

يريد الأسد استعمال القوة وليس الحوار، ولكن الإنسان قد اكتشف أيضًا فنون الحرب وأنواع الخداع. وازداد بالسلاح قوةً صناعية تُخفي ضعفه الطبيعي. ويذكر من رسل الحيوان تسعة عشر طائرًا كلها تتسم بالفضيلة وخالية من الرذيلة وتذكر الله. صفاتها إسقاطات إنسانية مثل الديك المؤذن، والحمام الهادي، والدراج المغنِّي، والبلبل الحاكي. الخمسة عشر طائرًا الأوائل صفات إنسانية، والأربعة عشر طائرًا الثانية مناطق جغرافية. فتتقابل الصفات النفسية والصفات الجسمية.٧٤
ولكل طائر وظيفة. الهدهد جاسوس صاحب سليمان، يأمر بالمعروف وينهَى عن المنكر، والديك يؤذن للاستيقاظ مبكرًا، والحمام هادئ يُضرب به المثل للسلام. والدراج النادي المبشر في ندائه، والدراج المغنِّي الماشي المتبختر، الطرب حسن الصوت، والقنبر الملحن للأصوات، والبلبل الحاكي القائل سبحان الله، والخطاف البناء الكثير التسبيح في الأسحار، والغراب الكاهن، والكركي الحارس الذي يسبح بالله، فالطيور تعرف الله، وأصواتها تسبيح له.٧٥

وكما أن للطيور فضائلها كذلك للحيوان صفاته وأخلاقه ومنافعه. وفضائله أكثر من رذائله مثل صفات الأسد بين السباع والوحوش، ملك السباع، والببغاء زعيم الجوارح، والصرصور زعيم الحشرات والهوام، والتنين زعيم حيوان الماء، واليعسوب أمير النحل وزعيم الحشرات. ولكل ملك أو أمير من الحيوان دولة وجند وألوان كما هو الحال في مملكة الإنسان. وله سياسة وعدل وحكمة.

ويوصف كل حيوان أو طير أو حشرة بدنًا ونفسًا وسياسة مثل الأسد والعنقاء وابن آوى والثعابين والتنين وعنقاء مغرب الذي جعله ابن عربي عنوانًا لأحد رسائله. والكل مؤمن موحد بالله ومسبح به. والنحل أشهرُ مثلٍ على ذلك لعجائب أموره وتصاريف أحواله وكرامات مواهبه. يؤمن بالله الواحد فاطر السموات، وخالق المخلوقات، ومدبر الأوقات، ومنزل القطرات والبركات، ومنبت العشب في الفلوات، ومخرج الزهر في النبات، وقاسم الأرزاق والأقوات. فلا فرق بين الطبيعيات والإلهيات، تحيل الطبيعة إلى الله، ويحيل الله إلى الطبيعة، الطبيعة قصد نحو الله، والله قصد نحو الطبيعة. ويبدأ خطابه في اجتماع الإنسان والحيوان لسماع شكوى الحيوان من بني الإنسان ببيان فضائله، الحمد لله والتسبيح له صباحًا ومساءً في الصلوات والأذكار. وبعد الإيمان تأتي صفة العلم والفهم والمعرفة والتمييز ما يتجاوز به الإنسان. واليعسوب أمير النحل، اختصه الله بجزيل مواهبه ولطيف إنعامه وعظيم إحسانه بما لا يُحصَى من النعم. أتاه الله المُلك والنبوة دون غيره من الحيوانات، وجعله ميراثًا في الآباء والأجداد، ذخيرة في الأولاد والذرية، خلفًا عن سلف إلى يوم الدين، نعمتان عظيمتان مغبون فيهما أكثر الخلائق من الجن والإنس وسائر الحيوانات. فالإمامة تعيينٌ وليست بيعة، وراثة وليست اختيارًا. أنعم الله على النحل بالهمة ودقة الصنائع الهندسية، ومعرفة الأشكال الفلكية. وحلَّل له الأكل من الثمرات، يخرج من بطونها الشراب الحلو. كما أنعم الله عليه بصورة وهيكل، وجميل أخلاق، وحُسْن أفعال، وتعريف أمور، وحُسْن سياسات وتدبير رعية، عبرة لأولي الألباب، وآية لأولي الأبصار، خلقة لطيفة وأشكال منازل إلهامات ربانية، ومعقولات روحانية. يأخذ الإنس من العسل الصافي شفاءً للأبدان وزوالًا للأمراض. وإن أطيب ما يأكل الإنسان عسل النحل وهو لعابها. ولحسن الأخلاق لا يضايق الإنس بل يصالحونهم، والصلح خير من العداوة، والخصومة تؤدي إلى الهلاك والخراب. في النحل سلامة وقلة حقد وحسد. قلبُه ملهمٌ من الله. والإلهام والحسد مع الحقد لا يجتمعان. جعله الله من المقربين الصالحين. ولا يليق بمَن يُلقي عليهم الوحي أن يكونوا فاسقين.٧٦ فالنحل نموذج تجلِّي وحدة الطبيعيات والإلهيات.
هناك تقابل بين الإنسان والحيوان في الخواص والأخلاق. فأساس الأخلاق طلب المنافع ودفع المضار. إنما الخلاف في الوسائل، العنف أو الإغراء. والحيلة في الحيوان والإنسان على حدٍّ سواء.٧٧ ولكل حيوان خاصة، وللإنسان خواصها جميعًا.٧٨ وأحيانًا تبدو الخصال متضادة مثل: الشجاعة والجبن، الكرم والبخل، الفخر والتواضع، الوحشية والإنسية، السرعة والبطء، العزة والذل، الضرر والنفع … إلخ.

ومثل النحل الجراد، ودود القز، والزنابير الصفر والحمر والسود، تبيض وتحضن وتربِّي أولادها عن علم وفهم ومعرفة وتمييز ودراية وفكر ورؤية وسياسة وتدبير، عناية من الله. فصفات الحشرات تُثبت العناية الإلهية، وليست كصفات الإنسان التي تؤدي إلى الجحد والنكران. والبراغيث والبق والديدان مهما تغير عليها الزمان، واضطراب الكيان، وتغالبت طبائع الأركان، وأسلمت أنفسها للنوائب والحدثان، وانقادت للممات فلعلمها بالمعاد، وأن الله منشئُها ومعيدها في العالم القابل للكون والفساد، كما أنشأها أول مرة.

ويبدأ الهزارداستان، وهو العندليب، أيضًا خطابه بالتعبير عن الإيمان بالله الواحد الأحد القديم، الأبد الدائم السرمد، لا شريك له ولا ولد، مبدع المبدعات، وخالق المخلوقات، وعلة الموجودات، ومسبب الكائنات من الجمادات والنباتات، وباري المبروات، ومركب السموات، ومولد المولدات كيفما شاء وأراد. ثم يجادل الإنسان أن ما ظنه طيبًا مثل المأكولات والمشروبات إنما هي عقوبات له. في حرامها عذاب، وفي حلالها حساب، والإنسان بين الخوف والرجاء.٧٩ كما أن هذه الملذات والطيبات تأتي بالكد والتعب والجهد والعرق، وتؤدي إلى الحساب، ثوابًا أو عقابًا، نعيمًا أو عذابًا، في الدنيا بالأمراض والعلل، وفي الآخرة بالنار. ولقد عصى آدم بسببها. وإذا كان الإنسان قد أصبح عبدًا لشهواته ورغباته وأهوائه فكيف يكون سيدًا على الحيوان؟

وبالرغم من أن الحيوان حيوان إلا أنه يعرف الطريق إلى الله وكأن القهر وسيلة لاكتشاف الدين، فالدين زفرة المضطهدين. الضفدع راكب على خشبة على ساحل البحر، ينقُّ بأصوات هي تسبيحات لله وتكبيرات، تحميدًا وتهليلًا لا يعلمها إلا الله والملائكة. وواضح أن تسبيحات الحيوان لله الطبيعي، خالق الحب، ومنبت الزرع والشجر، ومسقط الماء، ومسيِّر الطير، وخالق الحيوان. وكلها إسقاطات من أخلاقيات الإنسان وامتدادها إلى الحيوان. يتضح فيها أثر الأدب الهندي على لسان الحيوان وأثر آداب الشرق أكثر من آداب الغرب، اليونان القديم.

ويبدو أن الشعوبية قد نطقت على لسان الحيوان. وأصبح التفاضل بين الشعوب يُعلن عن نفسه بلسان التفاضل بين الحيوانات، وبين الحيوان والإنسان. فلكل شعب طباعه مثل طباع الحيوان. ولكل شعب فضائله ورذائله مثل فضائل ورذائل الحيوان.

ومع ذلك، فإن عظمة الإنسان في الحرية والاختيار، والرسالة والأداء، والتكليف والمسئولية. وفضائل الحيوان قسر وجبر وجبلة وطبيعة لا عن اختيار. لذلك لم يكلف بالرغم مما هو شائع أن كل أمة، والحشرات والطيور والحيوانات أمم، قد أرسل الله إليها الأنبياء. هناك جدل إذن بين السلب والإيجاب، بين فضل الحيوان على الإنسان في الأخلاق، وفضل الإنسان على الحيوان في النبوة. يفتخر الإنسان على الحيوان بعقله وعلمه، وأدبه وصناعته، برجحان العقل، وفنون العلم، وغرائب الأدب، ولطائف الحِيَل ودقة الصنائع، والفكر والتمييز والروية وذكاء النفس. ينزل بنو آدم بذلك قرار البحار، ويصعدون قمم الجبال.

ثم سرعان ما يسرد الحيوان مكانته وفضل الإنسان عليه بالنبوة والتكليف. فإرسال الرسل والأنبياء لبني الإنسان ليس لفضل لهم بل لاستحقاقهم العقاب على ما اقترفوه من ذنوب وسيئات وعدم نهيهم عن الفحشاء والمنكر. إذ تُرسل الأنبياء إلى الأمم الكافرة الجاهلة وإلى المشركين والمنكرين والجاحدين والمدعين. الأنبياء أطباء النفوس، لا يُرسلون إلا إلى المرضى. فُرض عليهم الغسل من النكاح والشَّبَق، والصوم والصلاة تكفيرًا عن السيئات بين الغيبة والنميمة، والزكاة لتجميع فضول الأموال مما قد يأتي سرقة وغصبًا. أرسلت الآيات المحكمات تعليمًا للإنسان الذي حرَّف كلام الله وعصى أمره. الشرائع قيدٌ وأغلال وتأديب له، والأعياد تهذيب للنفس. فكيف يكون الإنسان سيدًا؟ في حين أن إيمان الحيوان فطري طبيعي لا يؤذي بني جنسه، ويقوم على مصالحه.٨٠

ويستمر الحيوان في بيان مآسي الإنسان، فحسن لباس الإنسان إنما نشأ بعد خطيئة آدم واكتشاف عورته كما لاحظ ذلك زعيم السباع كليلة أخو دمنة، وبعد التعبير عن الإيمان بالله القوي، خالق الجبال والآكام، ومنشئ النبات والأشجار، وخالق السباع، جاعلًا أقواتها من جيف الأنام، ولحوم الأنعام، وقاضيًا عليها جميعًا بالموت والفناء.

وفي بني الإنس، الفراعنة والنماردة والجبابرة والفسقة والمشركون والمنافقون والملحدون والمارقون والناكثون والخوارج وقطَّاع الطرق واللصوص والعيارون والطرارون والدجالون والباغون والطاغون والمرتابون والقوادون والمخانيث والمؤاجرون واللواطة والسخافات والبغايا والقمازون والكذابون والنباشون والسفهاء والأدعياء والمنافقون. فكيف يكون مَن بهذه الصفات أسيادًا؟

وقد جعل أهل الديانات من سننهم قتل النفوس من فنون العبادات. وأحكام الشرائع، وضعت لطب النفوس، وطلب النجاة من نار جهنم والفوز بنعيم الآخرة في دار المعاد. وفي أهل المذاهب والديانات أخيار وأشرار. وأشر الأشرار مَن لا يؤمن بيوم الحساب، ولا يرجو الثواب، ولا يخاف عاقبة السيئات ولا يقرُّ بوحدانية الله.٨١
وإن يأجوج ومأجوج وراء السد أمتان صورتهما آدمية، ونفوسهما سبعية، لا تعرفان التدبير ولا السياسة، ولا البيع ولا الشراء، ولا الحرفة والحرث والزرع بل الصيد من السباع والوحوش والسمك والنهب والغارات المتبادلة، يأكلون بعضهم بعضًا. يأكلون لحوم الحيوان، وتأكلهم الديدان بعد الموت. فهم آكلون في الحياة، ومأكولون في الممات. لذلك قال بعض الحكماء المنطقيون وهم في الحقيقة المتكلمون بالصلاح والأصلح بالتعويض عن الآلام. ثم تتحول هذه الدورة بين الحياة والموت إلى فلسفة في التاريخ بتوجه قرآني وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ.٨٢

ثم يستعرض الحيوان ما يفتخر به الإنسان من مِهَن وحِرَف وهي خمس عشرة حرفة وطائفة، يفندها واحدة تلو الأخرى على لسان الببغاء في مناقب فارس، وهم: الملوك، والحرفيون، والشعراء، والمنجمون، والمتفلسفون، والمهندسون، والأطباء، والموظفون، والتجار، وأرباب النعم، والكتاب، والقراء، والفقهاء، والقضاء، والخلفاء.

  • (١)

    إذا كان من الإنس الملوك والرؤساء، ولهم أعوان وجنود ورعية فإن للنحل والنمل والطيور والسباع رؤساء وأعوانًا وجندًا ورعية. وهم أحسن سياسة، وأشد رعاية من ملوك الإنس. فأكثر ملوك الإنس لا ينظرون في أمر الرعية والجند والإخوان إلا لجلب منفعة لهم أو دفع مضرة عنهم، لا يفكرون في غيرهم. وهذا ليس من شيمة الملوك والفضلاء، ولا عمل الرؤساء الرحماء المقتدين بسنة الله الجواد الكريم الرءوف الرحيم بخلقه. وإن من ملوك الحيوان ما يتبع سنة الله أكثر من ملوك الإنس، تأسيًا بالله الذي أنشأ الخلق وربَّاه وأنعم عليه، وأحسن إليه، لا يطلب منه جزاء ولا شكورًا. في حين أن الإنس يتسم بلؤم الطباع، وسوء الأخلاق، وجور السيرة ورداءة العادات، وسوء الأعمال، وقبح الأفعال، والمذاهب الضالة، والكفر بالنعم. لذلك أمرهم الله بالطاعة ولم يأمر الحيوان. فكان منهم العقوق والكفران. وتوجَّه إليهم بالوعد والوعيد دون الحيوان؛ لأن بني الإنسان عبيد سوء، يقع منهم المكر والعصيان. فالإنسان أولى بالعبودية من الحيوان، والحيوان أولى بالحرية من الإنسان. هذه الخصال والطباع التي لا تصلح إلا للملوك والسلاطين والأمراء والقادة والولاة أليق بالنفوس السبعية وإن كانت الأجساد بشرية.

  • (٢)

    وكونُ الإنسِ صنَّاعًا وأرباب حِرَف فإن ذلك ليس بفضيلة لهم دون غيرهم بل يشاركهم فيه بعض الطيور والهوام وغير ذلك من الحيوانات والحشرات؛ مثل النحل والعنكبوت ودود القز والخطاف والأرضنة. على عكس جهالة الإنس، وقلة المؤنة. العلم في الحيوان طبيعة وفطرة، وفي الإنسان صنعة واكتساب. كل ذلك عناية من الله وحسن نظر منه إلى الحيوانات. فأيهما أكرم عند الله الذي عنايته به أكثر وأتم؟

  • (٣)
    وإذا كان من الإنس الشعراء والخطباء والمتكلمون والمذكرون فإن لدى الحيوان منطقَ الطير، وتسبيحَ الحشرات والهوام.٨٣
  • (٤)

    وللمنجمين والراقين تمويهات وتوهيمات وتلبيسات وقليل من العلم يستدرجون به الجهلاء من العوام والخواص والنساء والصبيان والحمقى، ويخفى على كثير من العقلاء والعلماء. يُخبرون بالكائنات قبل كونها، ويرجمون بالغيب، ويتعاملون معه دون معرفة صحيحة به، ودلائل عقلية واضحة، وبراهين مثبتة. والمنجم جاهل بالقريب وما يدور في أسرته وجيرانه وقومه ويدَّعي معرفة البعيد والزمان القادم حتى لا يتحقق أحد من صدق قوله واكتشاف كذبه وتمويهه. فالتنجيم وهمٌ علمي. لا يغترُّ بقول المنجم إلا الطغاة والبغاة من الملوك والجبابرة والفراعنة والنماردة والمقرون بعاجل الشهوة المنكرون أمر الآخرة، والجاهلون بالعلم السابق والقدَر المحتوم مثل نمرود الجبار، وفرعون ذي الأوتاد، وثمود وعاد الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد. ويظن المنجمون الذين لا يعرفون خالق النجوم ومدبرها أن أمور الدنيا تدبرها الكواكب السبعة والبروج الاثنا عشر، ولا يعرفون المدبر، رب الأرباب، ومسبب الأسباب، مالك يوم الدين، بالرغم من ظهور إرادته وقضائه وقدره. ويزداد الإنس غرورًا وطغيانًا بقول المنجمين. لا يعتبرون، ولا يتفكرون، ولا ينتبهون من جهالاتهم. ومن ثَم لا فخر بوجود المنجمين من بين بني الإنسان. فهو سلب لا إيجاب، ورذيلة لا فضيلة، ويحسب عليهم لا لهم. وما الفائدة من معرفة الكائنات قبل كونها بالدلائل والاستدلالات الزجرية والكهانية والنجومية، والفأل والقرعة، وضرب الحصى، والنظر في الكف، إذا كان لا يمكن دفعها ولا التحرز منها، بل يمكن ذلك فقط ليس على طريقة التنجيم بل بالدعاء والاستغاثة برب النجوم، والبكاء والتضرع بالصوم والصلاة والصدقات والقرابين، وصدْق الثبات وإخلاص القلوب في بيوت العبادة بسؤال الله دفْعَها وصرْفَها. وهي سنن النواميس الإلهية وأحكام الشرائع النبوية.

    وإذا كانت الدلائل النجومية والزجرية تُخبر عن الكائنات قبل كونها مما سيفعل رب النجوم وجب الاستغاثة به وبالقوة التي فوق الفلك والنجوم. ربما يدفع الله عن الناس شر ما هو كائن. خطأ التنجيم هو التحرز بالجزء من الكل. الجزء هو النجوم، والكل رب النجوم. وعلى هذا تكون مداواة المرضى بالرجوع إلى الله تعالى أولًا بالدعاء ورجاء الشفاعة وليس بالرجوع إلى أحكام الطب الناقصة في الصناعة الجاهلة بأحكام الطبيعيات الغافلة عن معرفة رب الطبيعة وحكمته ولطفه في صنعته.

    التنجيم مثل الطب عامل مساعد، البداية بدعاء الله ثم بعد ذلك اللجوء إلى التنجيم أو الطب لرفع مضار النكبات والتحرز منها. ويمكن تعاون التنجيم والدعاء كما حدث في مدينة عندما خرج منها الناس بعد تنبؤ المنجمين بوقوع حادث فيها واتباع نصيحة أهل الدين والورع والمتأهلين. فهلك الباقي ونجا الخارج. والحقيقة أن الإخوان هنا يصححون خطأً بخطأ آخر، ومجموع الخطأين لا يكون صوابًا. فما يحدث قضاء وقدرًا لا يمكن معرفته بالغيب. واستبدال الدعاء والبكاء والتضرع والاستغاثة وسؤال الله دفع الغمة ودرأ الكرب بالتنجيم أيضًا خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. ومداواة المرضى بالدعاء إلى الله أولًا ثم بالطب ثانيًا وليس بالطب أولًا، فإذا عجز فبالدعاء ثانيًا إنكارًا للأسباب والعلل. وماذا لو تعارض التنجيم وأوامر الدين أيها أحق بالاتباع؟ وهل قضاء الحاجات بالعمل داخل بيوت العبادة أم في الفضاء الفسيح؟٨٤
  • (٥)

    والمتفلسفون الطبيعيون والمنطقيون الجدليون، وليس الحكماء الإلهيين، يضلون بني آدم عن المنهاج المستقيم، وصواب الطريق، وأحكام الشرائع، لكثرة اختلافهم، وتعدُّد آرائهم ومذاهبهم، قدم العالم مرة، وقدم الهيولى مرة أخرى، وقدم الصورة مرة ثالثة، والقول بعلتين أو أكثر، الصانع والمصنوع معًا، بالتناهي واللاتناهي، بالمعاد والفناء، إثبات الوحي وإنكاره، إثبات العقل والبرهان أو إنكارهما وإثبات التقليد. تعددت الآراء واختلفت وتناقضت. وتحيَّر بنو آدم وتبلبلوا وتشككوا. في حين أن مذهب الحيوان واحد، الإيمان بالله وعدم الشرك به، والتسبيح له بالغدو والآصال، لا يضر أحد بشيء، ولا يفتخر على أحد، راضٍ بالقسمة، خاضع للأحكام، لا يسأل عن علة أو سبب. لذلك نقد الإخوان علم الكلام باعتباره علم الفرقة وهم يدعون إلى الوحدة وكأن التعدد في الآراء مرذول وفي تباين الاجتهادات نقص مع أن التعدد طبيعي في البشر واختلاف الأئمة رحمة بينهم. وقد يكون اختلاف البشر أفضل من الفرقة الناجية وهو الحيوان المؤمن بالله. وهل الإيمان كما يفعل الحيوان أفضل من البحث والسؤال عند الحكماء والمتكلمين والأصوليين؟ ألا يختلف الحيوان أيضًا فمنه آكل ومنهم مأكول؟

  • (٦)

    والمهندسون والمساحون ليس لهم فخر في البراهين التي تدق عن الفهم، وتبعد عن التصور. تركوا العلوم الواجب تعلمها ولا يجوز الجهل بها. واشتغلوا بالفضولات التي لا يُحتاج إليها. وهم جاهلون بتركيب الجسد، ومعرفته أسهل، وأوجب للتفكر فيها والاعتبار بها، وأرشد إلى معرفة الله. متى عرف نفسه فقد عرف ربه كما قال الرسول، وبالعلم بكتاب الله وأحكام شريعته ودينه وسنته التي لا يمكن الجهل بها. ومن ثَم يتم الانتقال من الطبيعة إلى النفس ثم من النفس إلى الله، من الخارج إلى الداخل، ومن الداخل إلى أعلى. وواضح القسوة على العلوم الإنسانية. فهل الهندسة والمساحة علوم لا نفع فيها والناس في حاجة إلى بناء؟ وهل تعارض الدين أم أن علوم الدنيا جزء من علوم الدين؟ ينقد الإخوان العلم الدنيوي الخالص المنفصل من الدلالة الدينية قبل معرفة الشريعة، ومعرفة الجسد والنفس، فماذا يكسب الإنسان لو كسب العالم وخسر نفسه؟

  • (٧)

    والأطباء يداوون البطون الرحبة، والشهوات النفسية، والنفوس الشرهة وما يتولد عن المأكولات من الأمراض المزمنة والأسقام المؤلمة والأوجاع المهلكة. فهم يزيدون العليل سقمًا، والمريض عذابًا بمنعه من تناول أشياء قد يكون الشفاء في تناولها أو إعطائه أشياء قد تؤدي إلى مزيد من العلل. ولو ترك الأطباء المرضى لحكم الطبيعة لكان أفضل وأسرع في الشفاء. أما الحيوان فلا يحتاج إلى الطب لأنه لا يأكل إلا قوت يومه، وطعامًا واحدًا. فأيهما السيد وأيهما العبد؟ الطبيعة خير طبيب، والمدينة سبب الأمراض.

  • (٨)

    والرؤساء والدهاقون أسوأ من العبيد الأشقياء والفقراء الضعفاء. فهم مشغولو القلب متعبو الأبدان، مغمومو النفوس، معذبو الأرواح طول النهار. يبنون ما لا يسكنون، ويغرسون ما لا يجنون، ويجمعون ما لا يأكلون. يعمرون الدور، ويخربون القبور، أكياس في أمور الدنيا بلهاء في أمور الآخرة. يجمعون في الدنيا المتاع ويبخلون على أنفسهم، ويتركونه لورثتهم. يكدون لغيرهم، ويُصلحون أمور سواهم. ولا راحة لهم إلا الممات. وهؤلاء هم الموظفون العموميون الذين يقضون مصالح الآخرين. وما المانع في أن يسعى الإنسان لصالح أخيه وأن يكون خادم القوم سيدهم؟

  • (٩)

    والتجار يجمعون المال حلالًا أو حرامًا. ويبنون الدكاكين والحانات، ويملئونها بالأمتعة ويحتكرونها، ويبخلون بها على أنفسهم وجيرانهم وأحبابهم، ويمنعون الفقراء والمساكين حقوقهم. ولا يُنفقون حتى تذهب جملة، في طريق أو غرق أو سرقة أو مصادرة أو قطع طريق أو سلطان جائر. ويبقون بحزنهم ومصائبهم معاقبين بما كسبت أيديهم. فلا زكاة ولا صدقة أعطوا، ولا يتيمًا بروا، ولا حقًّا لضعيف سدوا، ولا صلة عندهم لذي رحم، ولا إحسانًا لصديق. لا يعدون للمعاد، ولا يقدمون للآخرة. وهو نفس نقد ابن خلدون لأخلاق التجار. وواضح أنهم أراذل التجار وليسوا فضلاءَهم، والتجارة صورة قرآنية، والعرب تجار قبل الإسلام.

  • (١٠)

    وأرباب النعم وأهل المروءات لو كانوا كذلك لما طاب لهم العيش إذا ما رأوا الفقراء والجيران واليتامى من أولاد إخوانهم والضعفاء من بني جنسهم جياعًا عراة، مرضى زمنَى، من مفاليج مطروحين على الطريق، يطالبون كسرة، ويسألون خرقة دون الالتفات إليهم ورحمتهم والتفكير فيهم. فأين المروءة والفتوة وتهذيب النفس إلا أن يكونوا كالأنعام أو أضل سبيلًا؟ يبدو أن أرباب النعم لا يمثلون حرفة أو مهنة بل هم طبقة الأغنياء والموسرين، أصحاب الصدقات والمنح.

  • (١١)

    والكتاب والعمال وأصحاب الدواوين أشرار يعرفون أسباب الشر أكثر مما يعرفه غيرهم ويصلون إليه أكثر مما يصل سواهم لدقة أفهامهم وجودة تمييزهم، ولطف مكايدهم، وطول ألسنتهم، ونفاذ خططهم. يكتبون زخرف القول، وسجع الألفاظ، وحلو الكلام، وفصيح الخطاب ليُخفوا قطع الدابر والحيلة في الإيذاء وإزالة النعم والنكاية والمصادرة وأخذ الأموال، وهم كبار الموظفين.

  • (١٢)

    والقراء والعباد يغرون الناس بإظهار الورع والخشوع والتقشف والتنسك في صور خارجية. حذق الوسيلة، تقصير الأكمام، تشجير الأزرار والسراويل، لبس الخشن، طول الصمت، كثرة التنسك، ترك العفة في الدين، وتعلم أحكام الشرائع وسنن الدين وترك تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق، مع كثرة السجود والركوع دون علم حتى ظهر أثر السجود على جباههم، ونحلت شفاههم، وانحلت أبدانهم، وتغيرت ألوانهم، وانحنت ظهورهم، وامتلأت قلوبهم بالبغض والحقد والجفاء لمن ليس مثلهم. ونفوسهم مملوءة بالوساوس والخصومة مع الله. وكلها خرافات ووساوس. هم أشرار عند الله وإن كانوا أخيارًا عند الناس. والله لا ينظر إلى الصور والأشكال بل إلى القلوب والأعمال.

  • (١٣)

    والفقهاء والعلماء يتفقهون في الدين طلبًا للدنيا وابتغاء للرياسة والولاية والقضاء والفتاوى بالآراء والقياسات، يحللون ويحرمون بالتأويلات، ويتبعون المتشابهات. يتركون حقيقة التنزيل والآيات المحكمات. ويتبعون ما تتلو الشياطين على القلوب من الخيالات، طلبًا للدنيا، وتكسبًا للرياسة من غير ورع ولا تقوى. وإن لم يتوبوا ويستغفروا فإنهم وقود النار في الآخرة وهو ما وصف به الكِنْدي من قبل رجال الدين الذين يدافعون عن مناهجهم المزورة وهم عدماء الدين. ترَك العلماء أخلاق الملائكة، وأخذوا أخلاق الشياطين، المكابرة والمغالبة والتعصب والعداوة والبغضاء. فيتناظرون ويتمايلون ويتصايحون في السفاهات.

  • (١٤)

    القضاة العدول المزكون أدهى وأظلم وأبطر وأشر سيرة من الفراعنة والجبابرة. قبل الولاية يقعد الواحد منهم بالغدو والآصال في المسجد حافظًا الصلاة، مقبلًا على العلم، ماشيًا بين جيرانه، متواضعًا بين الناس. وبعد ولاية الحكم والقضاء يركب البغلة الفارهة والحمار المصري بسرج ومركب وغاشية يحملها السودان، وحقاقين تبخر في الأرض، ويؤيد القضاة السلطان الجائر بما يعطونه من أموال اليتامى ومال الوقف والسحت والبراطيل والرشوة. يرخص الجنايات، ويقبل شهادة الزور، ويترك أوامر الأمانات والودائع. ويتركون الأدب والعقل والنصح والعدل.

  • (١٥)
    والخلفاء وهم ورثة الأنبياء. إذا وليَ أحدهم بدأ بالبغض على مَن تقدمت له حرمة لآبائه وأسلافه، وأزال نعمته، وقتل أعمامه وأخواله وأبناء أعمامه وأقرباءَه أو كلَّهم وحبسهم ونفاهم وتبرَّأ منهم عن سوء ظن وقلة يقين، هربًا من المقادير أو استجلابًا الأخرى، حرصًا على طلب الدنيا وشدة الرغبة فيها، وشحًّا عليها، وقلة الرغبة في الآخرة، وقلة اليقين بالاستحقاق في المعاد. وهذه ليست من شِيَم الأحرار.٨٥

(٤) صراع الحيوان والإنسان

وهو مثل جدل الخير والشر ثم صراع الخير والشر ثم انتصار الخير على الشر في دراما طبيعية بطلَاها الحيوان والإنسان، لمَن الخلافة على الأرض، وكيف يستعبد الإنسان الحيوان ثم كيف يتحرر الحيوان من عبودية الإنسان؟٨٦
فالإنسان خليفة الله في الأرض.٨٧ وسيرته فيها تُحدد أهليته ليكون من أولياء الله يستحق الكرامة. له فضائله وخصاله المحمودة المرضية وصنائعه الحكمية وسياسته الربانية. فالأخلاق شرط السياسة ومقدمة لها. الملوك هم خلفاء الله في أرضه. ملَّكهم البلاد وولَّاهم العباد ليسوسوهم، وليدبروا أمورهم، ويمنطقوا نظامهم، وتفقُّد أحوالهم، ونصرة المظلوم، والقضاء بالحق. يأتمرون بأمره، وينهون عن نواهيه، ويتشبهون به. فالله سائس الكل، ومدبر الخلائق، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. مهمة الملوك نصرة المظلوم، وإقامة العدل والإنصاف، وإعانة الضعفاء، وإجارة المظلومين، وتطبيق أحكام الشريعة، والحكم بين الناس بالحق، وشكر نعم الله عليهم خوفًا من مساءَلتهم يوم القيامة. هنا تبدو الحاكمية أو الثيوقراطية بلغة المعاصرين، الحكم لله من خلال حكم البشر، وحكم البشر من خلال حكم الملوك. الله هو الذي ولَّاهم واختارهم وليس الناس ليسوسوهم ويأخذوهم بالنواصي وليس لرعاية المصالح. الحكم جبر لا اختيارًا، نصٌّ لا تعيينًا كما هو الحال لدى الشيعة الإمامية. الله سائس الكل كما أن الملك سائس الناس. الله والسلطان سلطة واحدة. يحكم الله الناس باسم السلطان، ويحكم السلطان الناس باسم الله، ويصل الأمر إلى تأليه الملك. فالملك من الملك والملائكة. الملاك رحيم بالإنسان ورحمة الملائكة من رحمة الله. والملك صفة من صفات الله. تصور الله ملكًا يجعله إلهًا، وتصور الله ملك الملوك يجعل الملك إله الآلهة.٨٨
وهناك نقد مبطن للملك. فهو إن كان خليفة في الأرض إلا أنه أضعف من حشرة. فقد قتل البق النمرود أكبر ملوك بني آدم وأعظمهم سلطانًا. والتراب الملوث القدمين يقضي على الملك بالأمراض، والناموس يلدغه في مخدعه. ثم يضربه الملك فيضرب نفسه ويطير الناموس. وأعوان الملك بطانة سوء كما لاحظ الأسد، أشد على الملك، وأضر من المستأمن من الجند والأعوان لأنه يعرف أسرارهم وأخلاقهم.٨٩
والملك في عالم الحيوان واحد، وفي عالم الإنسان متعدد. لذلك قلَّ ملوك الحيوان، وكثر ملوك الإنسان. والسبب في ذلك أولًا كثرة مآرب الإنس وفنون تصاريفهم، واختلاف أحوالهم. ثانيًا الملك في الحيوان في الجسد فقط، وفي الإنسان أكثر تشعبًا في الإدارة والسياسة والحرب والصناعة والخدمات العامة.٩٠ ثالثًا تشعب الأقاليم السبعة، وكل إقليم إلى بلدان ثم إلى مدن ثم إلى خلائق ثم إلى شعوب لا يحصيها إلا الله، وهم مختلفون في اللسان والأخلاق والآراء والمذاهب والأمثال والأحوال والمآرب.
والسؤال هو: هل الخدم والغلمان والجواري والحُجَّاب والندماء من لوازم الملك؟ وإذا كان العيارون هم الحاقدون طبقيًّا فما العيب في ثورتهم؟ وهل يوضع الثوار والخوارج مع اللصوص وقطاع الطرق والغوغاء والعيارين ومَن يريد الفتن والفساد في البلاد؟ وهل يقوم النشاط الاقتصادي في الدولة على سُلَّم القِيَم، العسكر أولًا ثم الوزراء ثم الزراع ثم القضاة والعلماء ثم العمال والتجار ثم الخدم؟ هل يتأخر ترتيب العلماء والفقهاء والقضاء بعد البنائين والدهانين والزارعين؟ وهل تحتاج السياسة إلى دين، والدولة إلى شريعة كما يحتاج الدين إلى سياسة والشريعة إلى دولة؟٩١

وعلاقة الإنسان بالحيوان علاقة عنف وعدوان. ويبدأ الحوار ببيان فضائل الحيوان وخصاله المحمودة وطبائعه المرضية، وشمائله السليمة في مقابل طغيان الإنسان وبغيه وتعدِّيه على ما سواه على ما سخر له من الحيوان وكفره بالنعم وغفلته عن الشكر. قد يكون الإنسان فاضلًا خيِّرًا فيكون ملكًا كريمًا. وقد يكون شريرًا آثمًا فيكون شيطانًا رجيمًا. إما أن يكون خير البرية أو أن يكون شر البرية. وإذا كان عدوان الإنسان على الإنسان واقعًا فعدوانه على الحيوان أولى.

ويقصُّ زعيم البهائم وهو البغل تاريخ اضطهاد الإنسان للإنسان وللحيوان منذ آدم في ثلاثة أدوار:
  • (١)

    عاش الجن في الأرض زمانًا قبل آدم في هناء. وكان فيهم المُلك والنبوة والدين والشريعة ولكنها طغت وبغت وتركت وصية أنبيائها، وأكثرت في الأرض الفساد. فضجت الأرض ومَن عليها من هذا الدور. هناك خطيئة الجن قبل خطيئة آدم. السعادة قبله والاستعباد بعده. وهو الصراع بين آدم وبني الجان. بينهما عداوة طبيعية وعصبية جاهلية وطباع متنافرة.

  • (٢)

    ثم جاء الدور الثاني واستؤنف القران. وأنزل الله جندًا من الملائكة سكنت الأرض وطردت الجان. وأخذ عزرائيل وهو إبليس، فرعون آدم أسيرًا وهو صبي وعلمته الملائكة، وتشبَّه بها في الظاهر، وصار رئيسًا لها، ولكنه عاد للعيان وكأن الطبع يغلب على التطبع.

  • (٣)
    ونشأ دور ثالث أوصى الله الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة. فالإنسان خليفة الله في الأرض، بالرغم من مراجعة الملائكة خوفًا من تكرار تجربة الجن، فوعد الله بأنه سيمحو الجن والملائكة والإنس من الأرض. خلق آدم وحواء، وأمر الله بإدخال آدم الجنة. فقد خُلق في الأرض ثم أُدخل الجنة حماية له من إبليس. وعلم الأسماء. ثم خدعه إبليس في صورة الناصح بالأكل من الشجرة. فطُرد من الجنة، وكُشفت عورته. وتاب الله عليه، وأرسل له ملكًا ليعلمه الحرث والزرع والحياكة والدرس والحصاد والطحن والغزل والطبخ واتخاذ اللباس.٩٢

وحقد بنو آدم على الجان لجريمته على أبيهم. ولما قتل قابيل هابيل، واعتقد الناس أن ذلك من تدبير الجان نشأ السحر والشعوذة. ثم أرسل هرمس (إدريس) للمصالحة بين الإنس والجان وعلمهم بلغة الحكماء. ثم ظهر الفتق من جديد أيام الطوفان. وقُذف إبراهيم في النار، ويوسف في الجُبِّ باعتقاد الجان. ثم أُرسل موسى للرتق وأصلح بين الجان وبني إسرائيل بالدين والشريعة فدخل كثير من الجن دينه. ثم ظهر الفتق من جديد لافتخار الجن بمعاونة سليمان ثم تسليم سليمان بشرف الإنس على الجن بعد استسلام بلقيس. وتوجه سليمان ضد الجن بالرقى والعزائم والكلمات والآيات وملكوت السموات ثم استراق الجن للسمع. ثم ظهر محمد ودخلت قبائل الجن دينه وحسن إسلامها ولم تَعُد تظهر الأحقاد وتثير الضغائن. وهو استطراد في الرواية، موضوع في علم أصول الدين له دلالته السياسية في حصول الجن على السلطة الشرعية كما حصل عليها الأمويون في الأرض.

التاريخ إذن هو تاريخ العصيان والنبوة، والسقوط والرفع، الملاك والشيطان. وهو لا يبعد كثيرًا عن التصور المسيحي الدرامي عن السقوط والخلاص. تاريخ الأديان إذن هو تاريخ الرتق والفتق والقران. هو مجمل الوحي المعاصر للخلق منذ البداية في مراحل متتالية. فالأديان واحدة في مراحل مختلفة. والوحي واحد على فترات الوحي رسالة واحدة، والدين والشريعة والإسلام والملة متعددة. ونشأ العمران والحضارة والمدنية تكفيرًا عن الذنوب على نحو علمي. أما الصناعة والتجارة فهي من مكتسبات البشر دون تعليم إلهي. ويبدو أن تاريخ الاضطهاد قدر إلهي لا خيرة للإنسان فيه. وهو تاريخ الصراع بين السيد والعبد. وهي قصة رمزية عن شكوى الحيوان من بني الإنسان أو حديث الإنسان عن نفسه بلغة الغير. ويلاحظ أن اسم إبليس هو عزرائيل الاسم العبراني مما يدل على حضور تاريخ الأديان وتحوله إلى فلسفة في التاريخ.

العدوان إذن ظاهرة تاريخية. وتأصيلها في التاريخ أساسُ فهمِها السياسي. فالوعي التاريخي هو أساس الوعي السياسي. يبدأ التاريخ من أول الخليقة حتى بعثة الرسول ودعوته الإنس والجن إلى الإسلام، واستجابة طائفة من الجن وحسن إسلامها مدة من الزمان. ثم ركب قوم من التجار والصناع وأهل العلم وسائر أغنياء الناس، حوالي سبعين رجلًا من بلدان شتى أي اجتماع الرأسمالية التجارية والصناعية والبنكية مع مساندة أهل العلم في مركب قذفت به الريح إلى جزيرة الجن وكأنها سفينة نوح أو صندوق موسى أو حي بن يقظان فنفرت منهم البهائم والأنعام وهربت. ولحقوا بها كما لحق حي بعاصم. واعتقدوا أنها عبيد لهم. فجمعت البهائم زعماءَها وخطباءَها، وذهبوا إلى بيراست الحكيم ملك الجن وهو اسم فارسي تشكو له من جَور بني آدم. فعند زعيم الإنس البهائم والأنعام والسباع والوحوش عبيد للإنس وهم أسيادها. هم خول والناس مواليها. ومَن هرب منها يكون آبقًا عاصيًا. ومنهم مَن بقيَ على كرهه منكرًا للعبودية.

وطلبت الأنعام الإنصاف والخلاص من جور بني آدم. واجتمعت عند ملك الجن لمناظرة الإنس فيما ادعوه من الرق والعبودية وسببه. هل كبر الجسم وعظم الخلقة وشدة القوة والغلبة؟ ويطالب الملك بأعمال الفكر والروية قبل المبارزة. منذ البداية لا ميزة للإنسان على الحيوان. فكلاهما آكل ومأكول. والعبرة بخواتيم الأمور. وكيف تكون الأنعام والحيوانات والسباع والجوارح والثعابين والتنانين والتماسيح والكواسيح أقوى من الإنس ويفتخر الإنس عليهم؟ غرتْهم الحيوانات الأليفة الكسيرة بين أيديهم. بل إن الإنس في حاجة إلى الحيوان في تصاريف أمورهم كما يحتاج السيد إلى الخدم، ولا يعيش بدونه، نفس الحجة ولكن على نحو عكسي. فما حجة الإنسان؟٩٣

هنا يمتزج الواقع بالخيال. فالإنس من بني العباس مما يدل على ظلمهم. ولكل فرقة زعيم، وزعيم الإنس مجهول الاسم وكأنها وظيفة وليست شخصًا تقية. وزعيم الحيوان البغل إمعانًا في إذلال الإنسان وصورة الكراهة والاضطهاد. ثم يتحول الواقع إلى خيال؛ إذ كيف تكون في جزيرة الجن بهائم وحيوانات؟ وهل تسكن الجن الأرض؟ ومع ذلك فالدلالات السياسية قديمًا وحديثًا واضحة مثل نشأة الرأسمالية من بلدان شتى تتجاوز حدود الأوطان، واعتبار رأس المال هو الوطن البديل لأنه لا وطن له، رفض الحيوان فكرة التسخير والعبودية فكيف يقبلها الإنسان؟ رفض تدمير البيئة وضرورة الرفق بالحيوان، البداية بالنصر والنهاية بالنصر.

وبعد عدة محاولات للتحرير من العبودية عادت العبودية من جديد، في جدل ضروري بين السيد والعبد. وظهرت ضرورة التحرير من جديد. فينتهي دور القرآن، ويظهر دور جديد، دور المخلص، الإمام المنتظر كما تم خلاص إسرائيل من عذاب بني فرعون وآل داود من عذاب نبختنصر، وآل حمير من آل تُبَّع، وآل ساسان من عذاب اليونان، وآل عمران من عذاب أردشير. فأيام الدنيا دوَلٌ بين أهلها بعلم الله طبقًا لأحكام القرانات والأدوار.٩٤ وفي تاريخ الصراع ضد العبودية أمكن استئناس بعض الحيوانات فأصبحت أليفة مثل الكلاب والسنانير وخضعت إلى الإنس منذ أن غلب بنو قابيل بني هابيل حين أرادت بنو هابيل الأخذ بالثأر فهزمت ونهبت أموالها ومواشيها وذبحت الولائم والدعوات. فخافت الكلاب والسنانير، ورغبت في المعيش في الريف والخصب. ففارقت أبناء جنسها وصارت مستأنسة. والبوم قريب المجاورة للإنس في ديارهم العافية، ومنازلهم الدارسة، وقصورهم الخربة. ويعتبر بالقرون الماضية. فحدث له ورع وزهد وخشوع وتقشف، يصوم النهار ويُحيي الليل. يعظُ بني آدم وينوح على ملوكهم الماضية والأمم السالفة. فالحيوان له وعيٌ تاريخي ينتهي إلى وعي ديني. يتعلم من تاريخ البشر واندثار ملكهم وآثارهم بعد أن تُصبح خرابًا ينعق عليها البوم.
التاريخ أول قصة للحرية.٩٥ والاستئناس رضوخ للظلم واستسلام للعبودية وتنازل من المقاومة، وإيثار الدنيا على الآخرة. هناك جدل أبدي بين السيد والعبد، ودورات بين العبودية والحرية ولفظ القرآن يعني أيضًا القرآن، تشابهٌ خطِّيٌّ ولفظيٌّ صوتيٌّ له دلالة على الدورة في التاريخ، وكما هو معروف في حديث «خير القرون قرني». والتاريخ مجموع إرادة الله وقوانين التاريخ، القرانات والأدوار، أقرب إلى الحتمية الإلهية والتاريخية دون إبراز لحريات الإنسان. والوعي بالتاريخ هو اليقين، الثقة بالله أي الثقة بالنفس وبالنصر ولما تقدم من التجربة البشرية وتراكمها في الوعي التاريخي. ويستمد أصله من القرآن في القصِّ عن أحوال الأمم السابقة ودورات التاريخ وقيام الحضارات وانهيارها.٩٦
وقد تعلَّم الحيوان العدوان من الإنس منذ عدوان قابيل على هابيل، وما يقع كل يوم من قتلى وجرحى وصرعى في الحروب والقتال.٩٧ ومضت السنون والأيام على ذلك الحال حتى بعث الله محمدًا ودعَا الإنس والجن إلى دين الإسلام فآمنت به طائفة من الجن وحَسُن إسلامها. ثم وَليَ على بني الجان ملكٌ منها، بيراست الحكيم، ولقبه شاه مروان أي ملك الإنس في جزيرة صاغويه. وكان فيها قوم من التجار والصناع والعلماء والأغنياء، وهم طبقات المجتمع الرأسمالي. وكان كريمًا منصفًا سمحًا، يأمر بالمعروف وينهَى عن المنكر ابتغاء مرضاة الله. ووقف حكمًا بينهم على لسان الترجمان. فالترجمة ضروريةٌ للتفاهم واعتزازٌ بعصر الترجمة، والبيِّنة على مَن ادَّعى، واليمين على من أنكر، من قوانين حمورابي حتى الفقه الإسلامي. وبالرغم من عدله، يبدو منذ البداية متعاطفًا مع الإنسان لأن انتصاب القامة واستواء الجلوس من شِيَم الملوك، وانحناء الأصلاب، والانكباب على الوجوه من صفات العبيد. يستعمل حجة النقل لفهم الواقع، ويطلب تفسير لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. فكان الرد أنه في يوم خلق آدم كانت الكواكب في إشراقها، وأوتاد البروج قائمة، والزمان معتدلًا، والمواد متهيأة لقبول الصور. فجاءت بِنيتُه في أحسن صورة، لا كبيرًا ولا صغيرًا. وجاء الحيوان أيضًا كذلك. فلا فضلَ للإنس على الجن. الفرق بينهما أن الجن تتحرك علوًّا والإنس يتحرك سفلًا، الجن ترى الإنس، والإنس لا يرى الجن. ومع ذلك يخاف الجن من الإنس لأن أرواح الإنس فلكية في حين أن أرواح الجن ليست كذلك. فالتراكم التاريخي هو الذي يفسر عداوة الإنس للجن. واللبيب العاقل هو الذي يُصلح بين الأعداء، ولا يجلب على نفسه عداوة. يجر النافع إلى غيره، ولا يضر نفسه.٩٨ ومن الأفضل للملك الاستماع إلى حجج أخرى، بالرغم من فصاحة الإنسان، وقصور الحيوان وهي ميزة متضمنة للإنسان.

يدخل الجن حكمًا وقاضيًا بين الإنسان والحيوان، وهو نموذج الحاكم العادل، القاضي المنصف، نموذج النجاشي ملك الحبشة بين المؤمنين وقريش. الأمويون الإنس، السيد القاهر، والشيعة الحيوان، العبد المقهور. فهل الجن كقضاة هم العباسيون؟ ويقوم القضاء على الحجج والبراهين وأساليب البيان من الادعاء أو الدفاع. ويبدو الملك منحازًا إلى الإنسان فكلاهما أهل قوة وسيطرة في حين أن المستشار منحاز إلى الحيوان. ويعتمد الإنسان على انحياز الملك في حين يعتمد الحيوان على مستشار الملك. يتعاطف الملك مع حجة السلطة وهو الإنسان واستمرار الوضع القائم. بينما يتعاطف المستشار مع حجة المعارضة وهو الحيوان بالرغم من أن حجة المستشار خرافية غيبية تعتمد على الكواكب والأفلاك والبروج. ويشارك المستشار المعارضة في التأويل، ونظرية الحقيقة المزدوجة، الظاهر والباطن. فالحياة سلطة ومعارضة، أشعرية ومعتزلة، سنة وشيعة تعبيرًا عن الواقع، معارضة الشيعة لبني العباسي الذين منهم زعيم الإنس.

وبالرغم من هروب الجن من الإنسان وسوء ظن الإنسان بالجن والاعتقادات الخاطئة فيه، والتعوذ من شره إلا أنه قد حكم لصالح الحيوان ضد جور الإنسان، وأيد الحيوان في شكواه من الإنسان خاصة وأن الإنسان لا يتوب من أخطائه. وينتهي الجن بالتعاطف مع الحيوان وهروبه بعيدًا عن الإنسان إلى البراري والقفار والمغاور والفلوات ورءوس الجبال والتِّلال وبطون الأودية وسواحل البحار لما رأوا قبح أفعال الإنسان مع أن الجن لم يقتل إنسيًّا أو سرقَه أو قطع عليه الطريق أو خرج على سلطان وكأن طاعة السلطان فضيلة. والصوفية يؤاخون الجن ويصادقونه.

يحتاج الادعاء والدفاع إلى فصاحة وبيان. لذلك يحتاج الحيوان إلى تعلُّمِهما كما تعلَّمَهما الإنس. ويتم تدريب زعماء الحيوان وخطبائهم عليها وهم ستة: رسل الحشرات والطيور والسباع والجوارح والهوام وحيوان الماء بالإضافة إلى الحيوان نفسه فيكونون سبعة مثل الأئمة والعناصر والمركب منها على النحو الآتي:

وللخطاب الفصيح البليغ خصائص منها: البلاغة من حيث الوعظ والوضوح من حيث الخطاب، والدهشة والعجب، والظرف عند السامع، والطرافة في المنفعة، والغوص في الأفكار، والأحسن في الاعتبار، وهي صفات القصص القرآني، ومقياس التحقق من صدْق الحكم هو تطابقه مع الفكر أولًا وهو العقل التاريخي. وقد بلغت الفصاحة في كتب الأنبياء وأقاويل الحكماء إلى حدِّ الأسرار لإخفائها عن الأشرار، ولا يعلم تأويلَها إلا اللهُ والراسخون في العلم؛ لأن القلوب والخواطر لا تتحمل فهْمَ معانيها. لذلك قال الرسول «كلموا الناس على قدر عقولهم». وإفشاءُ سرِّ الربوبية كفر. وأما الراسخون في العلم، وهم الخواص من الحكماء فلا يحتاجون إلى زيادة بيان؛ لأنهم مطلعون على حقائق الأسرار والرموز التي لا يجوز على العوام الاطلاع عليها. وقد كتبت رسالة الحيوان بنفس الأسلوب الرمزي وليست مجرد تسلية للصبيان أو خرافات للإخوان. فالعادة كَسْو الحقائق ألفاظًا وعباراتٍ وإشاراتٍ. تستعمل السلطة الظاهر، وتستعمل المعارضة الباطن لتقويض الظاهر والقضاء على السلطة.٩٩
ويقوم الجدل بين الحيوان والإنسان على قسمة رباعية على النحو الآتي:
  • (١)

    هجوم الإنسان على الحيوان.

  • (٢)
    ردُّ الحيوان على الإنسان.
    • (أ)

      بإعادة تأويل الحجج ونزع سلاح الخصوم.

    • (ب)

      بحجج جديدة، واستعمال سلاح جديد.

  • (٣)

    هجوم الحيوان على الإنسان.

  • (٤)

    ردُّ الإنسان على الحيوان.

وهجوم الإنسان على الحيوان ضعيف، وردُّ الحيوان على الإنسان قوي. وهجوم الحيوان على الإنسان قوي، وردُّ الإنسان على الحيوان ضعيف.

ويستعمل الإنسان حججًا نقلية لإثبات عبودية الحيوان له. فالحجة النقلية حجة سلطة، وخير وسيلة للبرهان في مجتمع سلطوي. والسلطة سلطتان، الدينية والسياسية. مثال ذلك آيات تسخير الحيوان للإنسان.١٠٠ والحيوان يُعيد تفسير هذه الآيات من سوء تأويلها من الإنس؛ لأنها مجرد تذكير بإحسان الله على الإنسان ونعمة الله عليه مثل تسخير الشمس والقمر والسحاب والرياح. ولا تُفيد معنى العبودية. كما أن كل شيء في الأرض مسخر لبعضه البعض، جلبًا لمنفعة أو دفعًا لمضرة. وهذا هو معنى تسخير الحيوان للإنسان لا بمعنى العبودية له. يقوم الحيوان بتحليل مضمون شامل لفعل «التسخير» دون انتقاء أحد المعاني من إحدى الآيات والتي يدل ظاهرها على العبودية دون باطنها تاركًا باقي الآيات التي تنفي العبودية. فالإنسان ينتقي من الآيات ما يوافق هواه ويفسرها على ظاهرها دون تأويل. والحيوان يأخذ كل الآيات ويؤوِّلها تأويلًا باطنيًّا من أجل أن يتحرر من العبودية.١٠١ الظالم يأخذ الظاهر، والمظلوم يؤوِّل الباطن، وهو الصراع بين الفقهاء والصوفية، بين فقهاء السلطان وفقهاء الأمة. يستعمل السلطان النقل أكثر من العقل. فحجة السلطة تتفق مع وضع السلطان. في حين تستعمل المعارضة حجة العقل في مواجهة النقل، المعتزلة ضد الأشاعرة، فلا يفلُّ الحديد إلا الحديد. التأويل إذن ضروري لتحرير الحيوان من عبوديته للإنسان. والخلاف في التأويل هو صراع على السلطة، سلطة العبودية وسلطة التحرر، سلطة السيد وتحرر العبد. وتظل حجة جلب المنفعة ودفْع الضرر بالرغم من أنها مقياس شرعي، ضعيفةً وغير مقنعة وتقوم على الأنانية. فما وجه المنفعة للحيوان في تسخيره للإنسان؟ هي منفعة الإنسان وضرر الحيوان، ركوبه وذبحه وأكله وإهماله وإهانته والسخرية منه ووصفه بالغباء. لذلك قال المعتزلة بوجوب تعويضه عن الآلام.١٠٢

ويستعمل الإنسان حججًا عقلية لإثبات عبودية الحيوان له. فالعقل مثل النقل قد يكون أداة لتبرير واقع القوة والسيطرة والعبودية مثل حسن الصورة، وتقويم البنية والهيكل وانتصاب القامة، وجودة ودقة التمييز، وذكاء النفوس ورجحان العقل. فالسيادة نابعة من الخلقة والسمات المتميزة بدنًا وعقلًا كما يدَّعي الرجل الأبيض في الغرب لاسترقاق الأفارقة السود. وقد انبهر الملك بهذه الحجة لأنها توافق هواه. أما جسم الحيوان فتنقصه النسبة والتناسب كما يصف الأبيض الأسود بالشفاه الغليظة، والأسنان الكبيرة، والجسم الضخم، والشعر الأجعد.

ويرد الحيوان بأن هذه الخلقة على هذه الصورة للإنسان والحيوان لا تدل على سيادة الإنسان على الحيوان ولا على عبودية الحيوان للإنسان لأن هذه البنية أصلح للاثنين، وهي مقولة المعتزلة. وهو تفسير وظيفي للخلقة.١٠٣ أما جودة الحواس ودقة التمييز فإنها في الحيوان أعظم منها في الإنسان فلا فخر للإنسان بها.١٠٤ أما رجحان عقل الإنسان فلا دليل عليه لأنه ليس اكتسابًا منه. ومن ثَم لا فضل له فيه بل بوصية من الله لمعرفة النعم والشكر عليها وطاعته. ويفتخر العاقل بأفعاله من الصنائع الحكمية، والآراء الصحيحة، والعلوم الحقيقية، والمذاهب المرضية، والسنن العادلة، والطرق المستقيمة. ففخر الإنسان على الحيوان دعوى بلا حجة، وخصومة بلا بينة. والفخر بلا دليل على السفاهة والعنصرية. وإذا بطل افتخار الإنسان على الحيوان بلا دليل فإن الحيوان، بنفس المنطق، يفتخر على الإنسان وعن حق. فالحيوان يقدر المسئولية، ويفهم الحكمة في الطبيعة أكثر من الإنسان.١٠٥

إن انتصابَ القامة للإنسان وانحناءَها للحيوان ليست حجةً على أفضلية الإنسان بل لأن الإنسان يأكل من الأشجار فقامته منتصبة، والحيوان يأكل من الأرض فقامته منحنية. وهو ردٌّ ضعيف؛ لأن الإنسان يأكل من الأرض النبات والحيوان. يبذر ويزرع ويحصد في الأرض. والحيوان يأكل أيضًا من أعالي الأشجار كما يفعل الزراف. والحجة الأقوى عندما يقلب الحيوان حجةَ حسْنِ الصورة على الإنسان بأن الغاية منها النكاح، تجميل الإناث للذكور، وتجميل الذكور للإناث من أجل الإنتاج والتناسل لبقاء النسل. فهي صورة وظيفية «بيولوجية» وليست ميزة. والحيوان لا يحتاج إلى هذا التجميل في الأعين. قد يكون هذا التفاخر رمزًا للشعوبية على لسان الحيوان.

وبعد حجج العقل تأتي حجج الواقع. فالوحي والعقل والطبيعة ثلاثة أبعاد منطق واحد.١٠٦ الواقع يشهد بيعَ الإنسان وشراءَه للحيوان، وإطعامه وسقايته وكسوته وحمايته ومداواته إشفاقًا عليه ورحمة به. وهذا سلوك الأرباب بعبيدها، الإنفاق والتعليم وإطلاق الحرية ساعة العجز، ويردُّ الحيوان بأن تلك العناية والرعاية من الإنسان للحيوان لمصلحة الإنسان نفسه مخافة أن يهلك الحيوان فيخسره الإنسان، ثم يردُّ الحجة ويقلبها على الإنسان بأن البيع والشراء أيضًا من الإنسان لبني الإنسان، بيع أبناء فارس أبناء الروم وشراؤهم. وكذلك يفعل أبناء الروم بأبناء فارس. وكذلك يفعل أبناء الهند وأبناء السند بعضهم ببعض. فأين الموالي وأين العبيد؟ وكذلك يفعل أبناء الحبشة وأبناء النوبة بعضهم ببعض، وأبناء الأعراب والأكراد والأتراك بعضهم ببعض. إنها موازين القوى بين الشعوب ودورات التاريخ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ. ويدعم الحيوان موقفه بحالات تدل على العبودية والاضطهاد، سبع حالات واعية، وحالة مشتبهة، وحالة غير واعية. الحالات الواعية حالات اضطهاد الحمار والثور والكبش والجمل والفيل والفرس والبغل، وبالتعذيب الجسدي والمعنوي للحيوان بما في ذلك رئيسهم وهو البغل. ويقلب الحجة على الإنسان، ويصف البشر بأوصاف السفاهة والجهالة والفحشاء، والقبيح من الكلام، وقلة التحصيل، والأحوال المذمومة، والصفات القبيحة، والأخلاق الرديئة، والأعمال السيئة، والجهالة المتراكمة، والآراء الفاسدة، والمذاهب المختلفة. لا يتوبون ولا يتعظون بمواعظ أنبيائهم، ولا يأتمرون بوصايا ربهم.١٠٧

أما الحالة المتشابهة فهي حالة الخنزير الذي لم يتكلم إلا بعد تنبيه الجمل له. فالخنزير وعي ناقص، والجمل وعي زائد. الخنزير يمثل الوعي الخامل، والجمل الوعي اليقظ. ودوره في إيقاظ الوعي. فالوعي يوجد بدرجات متفاوتة في الطبقات. وتنبيه الجمل للخنزير مثل تنبيه الحمار للأرنب، وعدم وعي الأرنب مثل عدم وعي الخنزير. وينشأ اشتباه عند مستشار حكيم الجن حول شخصية الخنزير، من الأنعام أو من السباع؟ كما اختلف الإنس فيه مما يدل على أهمية الخنزير سلبًا أم إيجابًا في الثقافات الشعبية. ويتفاوت رأي الإنسان في الخنزير على خمسة آراء طبقًا لثقافات الشعوب تطابقًا لا شعوريًّا أحكام التكليف الخمسة على النحو الآتي:

وفي صحوة الوعي يُدرك الخنزير اختلاف الإنس في أمره. فهو عند المسلمين ممسوخ ملعون يستقبحون صورته، ويستثقلون روحه، ويستقذرون لحمه، ويتشاءَمون من ذكره. وهو ما يعادل التحريم في الأحكام الشرعية الخمسة. وعلى عكس من ذلك يتنافس الروم في أكل لحمه في قرابينهم، ويتبركون به إلى الله، وهو ما يعادل الواجب. ويأكله الأرمن إن لم يوجد غيره، وهو المندوب. أما اليهود فإنهم يغضبون عليه، ويشتمونه ويلعنونه من غير ذنب ولا جناية. ولعداوة بينهم وبين النصارى يتبرك النصارى به لخصب أبدانه، وسمن لحومه، وكثرة نتاجه، وغزارة ألبانه وهو ما يماثل المكروه. ويتداوى أطباء اليونان بشحمه ويتواصفون أدويتهم وعلاجاتهم به، مثل الحلال. فالدين ليس له رأي واحد، ولا المستشارون السياسيون ولا الطوائف مما يدل على نسبية الأحكام الدينية وقسوتها، والبداية بالتحريم قبل التحليل. تنشأ الحدود في الأهواء الشخصية، ومعاداة الطوائف مثل موقف اليهود. كما تدل على التحيز والهوى. ثم يأتي دور المهنيين فساسةُ الدواب يخالطون الخنازير بدوابهم وعلفها لأن حالها يصلح بمخالطتهم وشم روائحها. والأساكفة والخرازون يتنافسون في الانتفاع بشعورها لشدة الحاجة إليها. وبسبب هذا الاشتباه هل تشكر الخنازير الإنس أم تتظلم منه مثل باقي الحيوان؟١٠٨ والدفاع عن الخيل بالرغم من اتهام الأرنب له بتأييده الإنسان ضد الحيوان جهلًا إنما يعبر عن صورته الإيجابية في الثقافة العربية.
ثم تظهر قضية المتعاونين من المقهورين مع القاهرين، من العبيد مع السادة مثل الكلاب والخيل والجوارح، ومعاونتهم للإنسان على النَّيل من الأرانب والغزلان وحمر الوحوش والبقر والإبل والوعول في الجبال. والجوارح والكلاب معذورون لأن لهم نصيبًا في أكل اللحوم لأنها من السباع. والخيل بالرغم من أنها من معشر البهائم وليس لها نصيبٌ في أكل اللحوم إلا أنها معذورة بالجهل وقلة المعرفة والتحصيل للأمور والحقائق. سبب الخيانة أو العمالة إما المنفعة المباشرة مثل الكلاب والجوارح أو الجهل مثل الخيل. لذلك تختفي الحيوان في الجبال والكهوف دفاعًا عن النفس وحرصًا على البقاء. والأرنب مقهور مرتين، من الإنسان والحيوان. وهو ما يطابق صورة الأرنب في الثقافة الشعبية. وبالرغم من فضل الخيل على سائر البهائم بخصاله المحمودة وأخلاقه الجميلة إلا أنها معذورة بالجهالة وقلة معرفة الحقيقة. ولا توجد مصلحة مشتركة بين القاهر والمقهور بل هو صراع أبدي بين السيد والعبد.١٠٩

وقبل الحكم تتم المداولة. ويستشير الملك الفقهاء والحكماء. ومن أجل التأثير على القاضي اقترح البعض رشوة الوزير بشيء من الهدايا لتغيير الضمائر، وإبقاء الحيوان عبيدًا للإنسان خشية من تحرير المشورة لهم. ويصمد صاحب العزيمة. ويقلل من مخاطر ذلك اختلاف الفلاسفة والحكماء وعدم اتفاقهم على رأي واحد. يخشى فقط من فقهاء السلطان الذين يفتون إرضاء للحكام. والقضاة خلفاء الأنبياء، والملوك حراس الدين. والسلطة ضرورية في المجتمع، السلطة القضائية للفقه، والسلطة التشريعية للدين، والسلطة التنفيذية للدولة. والله يؤيد الملك العادل على نصرة المظلوم كما هو مدوَّن في كتب الأنبياء.

وتظهر مشورة الملك مع وزرائه أن المشورة عند الجان أكثر منها عند الإنسان، مشورة القضاة والفقهاء والحكماء وأهل الرأي. وتدل أسماؤهم وانتماءاتهم الأسرية والقبلية على الشعوبية.١١٠ ويسمع الجميع قصة البهائم وجور بني آدم حتى يفتيَ الفقهاء وكأن القصص نجاة وتخفيف من حدة العناء النفسي. ويتم الاستطراد في صفات رسول الملك كما هو الحال في صفات الإمام عند الشيعة أو صفات الداعية من أدبيات الدعوة. فمن صفاته العقل وحسن الأخلاق، والبلاغة والحفظ، والاحتراز والأمانة، والوفاء بالعهود، والمراعاة للحقوق والكتمان، وقلة الكلام وعدم الإبداء بالرأي إلا ما فيه الصلاح، والتوسط بين الشره والحرص، والتأقلم مع البيئة والنصيحة، وإبلاغ الرسالة كلها وعدم الخشية من الدعوة. وهي صفات الداعية الشيعي.١١١
ولا توجد إلا ثلاثة احتمالات للحكم، طرفان ووسط. الأول عتق الحيوانات وتخلية سبيلها. والثاني بيعها وأخذ أثمانها، تنتقل الملكية وتظل العبودية. والثالث التخفيف عنها والإحسان إليها. وهي حلول مستقاة من الشريعة بالنسبة للإنسان والعتق، والإبقاء أو حسن معاملة العبيد كتمهيد للعتق. البيع والشراء أفعال حرة لا إجبار فيها خاصة وأن الحيوانات إرث مع وجود الشهود. وإذا طلبت الوثائق الأولى قيل إنها غرقت أيام الطوفان. وإذا طولب باليمين قيل البينة على مَن ادَّعى، واليمين على مَن أنكر. فإذا طعنت البهائم قيل إنها حنثت باليمين، وتعطي البراهين على ملكية الإنسان لها. فالقضاء الشرعي لن يؤديَ في النهاية إلى التحرر من العبودية. لا يتجاوز بعض الوصايا التي وضعها المعتزلة في مجموعة من الواجبات العقلية مثل: العوض عن الآلام أو بعض البراهمة والشعراء مثل: أبي العلاء بتحريم إيلامه وذبحه. يقبل أهل المدن البيع، ويرفضه الأعراب والأكراد والأتراك والبوادي لأن الحيوان لا بديل عنه في الطعام والشراب والكساء والسكن بالرغم من حرية البيع والشراء في المجتمع البدوي الإسلامي القديم والمجتمع الرأسمالي الحديث. وهناك حلٌّ رابع الهرب أي القوة والعنف بناء على حق التحرر، واسترداد الحق باليد. فهو حلٌّ طوباوي لأنه قد يصعب ذلك لقيد البهائم. أما فتح الجن للحيوان الأبواب فإنه قد يخلق مشكلة أعظم. وماذا عن عبادة مصر القديمة والهند الحيوان تعظيمًا وإجلالًا رمزًا للطبيعة؟ لقد وضع الإخوان المشكلة، العبودية والتحرر، وأجادوا في تصويرها الرمزي، شكوى الحيوان من بني الإنسان، ولكن الحلول المقترحة غير عملية على المدى القصير. ولا يوجد تطابق بين الأساس النظري والمشروع السياسي عند الإخوان، التحرر من خلال الإشراق إلا عند الصوفية والإشراقيين، التحرر الفردي الروحي. كما يجمع الإخوان بين قانون التاريخ وخرافة الأثر، أثر قرانات الكواكب على قيام الدول وسقوطها. والحل الشرعي مجرد احتمال تاريخي قد يتحقق على المدى الطويل مثل انتهاء عبودية الأفراد القانونية ووقوعهم في أشكال جديدة من العبودية، الاستغلال الفردي والجماعي، والتحول من عبودية الأفراد إلى عبودية الشعوب.١١٢

(٥) جدل الطبيعة والإنسان

ويتعدد التقابل في الوجود بين العالم الكبير والعالم الصغير، بين الطبيعة والإنسان لإفهام المتعلمين. الأصل واحد مثل الشجرة الواحدة، عروقها وأغصانها، فروعها وقضبانها، أوراقها ونورها وثمارها بألوان وطعوم وروائح. الشجرة مثلٌ والإنسان ممثول، وهذا يدل على إمكانية ردِّ الثنائية إلى الوحدة، وحدة الأصل، نموذج الشجرة، ورد الاختلاف إلى الهوية.

ولا يوجد تقسيم أمثل. أحيانًا يكون التقابل ثنائيًّا أو ثلاثيًّا، وتكون المراتب رباعية أو خماسية أو سداسية أو أكثر.

ويصعب تحديد الدوائر المتداخلة أو المراتب التصاعدية نظرًا لتداخل موضوعاتها وتكرارها بأكثر من صياغة.

وقد أصبحت هذه التقابلات موضوعًا لعلم خاص عند الشيعة هو «علم الميزان» الذي عرضه حميد الدين الكرماني في «راحة العقل» الذي يقوم على التماثل في الوجود.

وعلاقة الأعلى بالأدنى علاقة تفاضل وتكامل، تأييد واعتماد في علاقة رأسية أو في علاقة دائرية بين المركز والأطراف. فالأعلى في التصور الرأسي هو المركز في التصور الدائري. القيمة من أعلى إلى أدنى تناقصًا، ومن الأدنى إلى الأعلى كمالًا. وهي نفس العلاقة بين الواحد والكثير. هي بنية واحدة تتعدد أشكالها بين المثلث والدائرة. الإنسان الطبيعي في حقيقة الأمر إنسان إشراقي. فحقيقة الأفقي في الرأسي.

وهذا ما يقتضيه الواحد الصانع، وما تتطلبه السياسة الربانية والعناية الإلهية. فالكل واحد لأن الصانع واحد.

وأفعال الطبيعة فعل النفس عند القدماء، وفعل الخالق عند الشرعيين. ولا خلاف بين الاثنين؛ لأن الله لا يفعل مباشرة في الطبيعة بل من خلال قوى النفس فيها حتى يفكر الإنسان في نفسه وفي الطبيعة، ويتدبر في داخله وفي خارجه، ويكتشف صفةَ الصانع وحكمَه الحكيم.١١٣ وفي آخر الرسالة السابعة عشرة في علل اختلاف اللغات ورسوم الخطوط والعبارات العناية الإلهية هي التي حولت الهواء والأصوات إلى الكتابة والتدوين.

وهناك تقابل بين الحواس الخمس والأنبياء الخمسة أولي العزم. وكلاهما له وحدة أولى، النفس للحواس، والله للأنبياء. الأصل واحد والوظائف متعددة، والشرائع مختلفة. والحقيقة أن أولي العزم ستة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد. ويصعب التقابل بينهم وبين الحواس الخمس. فأيُّ نبيٍّ يقابل أية حاسة؟ فالتقابل رؤية قبلية بصرف النظر عن الوقائع.

وأحيانًا تتكرر قسمة الطبيعيات كمادة أولى خام قبل إظهار تقابلاتها مثل قسمة الموجودات تحت فلك القمر إلى بسيط ومركب، والبسيط إلى العناصر الأربعة (الهواء والرطوبة، الماء والبرودة، النار والحرارة، الأرض واليبوسة) والمركبة (النبات والنمو، الحيوان والحس والحركة، الإنسان والمنطق والفكر). والاختلاف ليس فقط في الدرجة بل في النوع، ليس كميًّا بل كيفيًّا، ليس متصلًا بل منفصلًا. وهي مادة مكررة في الرسالة الثالثة.١١٤

هذا التماثل في الوجود يقوم على التفكير عن طريق القياس التمثيلي الشعري الذي يقوم على ضرب الأمثال. ويقوم التمثيل نفسه على القسمة. فالموجودات جواهر وأعراض، والجواهر صورة وهيولى ومركَّب منهما، والأعراض جسمانية، طول وعرض وعمق، وروحانية تُدرك بالعقل. والجسد أعضاء مكوَّن من الأخلاط الأربعة والكيموس والعناصر الأربعة والطبائع الأربعة في عالم الكون والفساد. والصور الروحانية هي المبادئ العقلية. والإنسان جسد مظلم ونفس روحانية.

الطبيعيات دورة الحياة والموت. مركزها حول دوائر عدة، الطبيعة أو الإنسان، مركزان أم مركز واحد؟ هناك جدل متبادل بين الإنسان والطبيعة، وبين الطبيعة والإنسان. الإنسان عالم صغير، والعالم إنسان كبير. الطبيعة والإنسان وحدة واحدة. الطبيعة إنسان، والإنسان طبيعة.

ويبدو البعد الإنساني في الطبيعة لأن الله خلق الطبيعة من أجل الإنسان، كما يبدو البُعد الطبيعي لأن الإنسان موجود طبيعي.١١٥ ويعني قول الحكماء السموات السبع والأرضين وما بينهما من الخلائق أجمعين الإنسان الكبير لأنهم يرونه جسمًا واحدًا بأفلاكه وسماواته. له نفس واحدة سارية في جميع أجزاء جسمها. فتركيب العالم قبل تركيب الجسم، وتشريح العالم مثل تشريح الجسم، وسريان النفس من أعلى الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض.

العالم ثلاث دوائر متداخلة ومتقابلة بؤرتها النفس التي بها تتم معرفة الدائرتين المتوسطة وهو الجسد والكبيرة وهو العالم على النحو الآتي:

فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وصوَّره أكمل صورة، مِرآة تعكس صورة العالم الكبير. ولما أراد الله إطْلاع النفس على خزائنه وعلومه وعلم أن طاقة الإنسان لا تكفي لمعرفة العالم، ونظرًا لقِصَر عمره وطول عمر العالم خلَق عالمًا صغيرًا مختصرًا من العالم الكبير وصوَّر فيه جميع ما في العالم الكبير وأشهده فشهد. لذلك معرفة النفس مفتاح جميع العلوم. فتتم المعرفة من ثلاث جهات. الأولى أحوال الجسد وتركيب بِنيته وصفاته دون النفس. والثاني أحوال النفس وصفاتها دون الجسد. والثالث أحوالهما مقترنين وصفات هذه الوحدة الجديدة. ونظرًا لتشابه كل شيء مع كل شيء كثرت التشبيهات التي تعبر عن التماثل في الوجود.

وبالرغم من أن الرسالة الثالثة عنوانها «في بيان الكون والفساد» إلا أن مضمونها يبيِّن أن العالم إنسان كبير في خريطة متقابلة بين الطبيعة والعالم والإنسان، بين الإنسان الكبير والعالم الصغير على النحو الآتي:

العالم إنسان كبير الإنسان عالم صغير
الفلك المحيط جسم/ نفس
جسم العالم الجسم الكلي
القوة الإلهية المؤيدة للنفس الكلية العقل الكلي
قوة النفس الكلية السارية في جميع الأجسام الطبيعة الكلية
الجوهر الذي له طول وعرض وعمق الهيولى
الأفلاك والكواكب الأجسام البسيطة
قوى النفس الكلية الأنفس البسيطة
الحيوان والنبات والمعادن الأجسام المولدة
قوى النفس البسيطة الأنفس الحيوانية
أشخاص الحيوانات والنبات والمعادن الأجسام الجزئية
قوى النفس الحيوانية والنباتية والمعدنية الأنفس الجزئية
ويبدو أن مجرى حكم العالم ومجاري أموره بجميع الأجسام الموجودة فيه مع اختلاف صورها تجري مجرى جسم الإنسان الواحد من الناس أو الحيوان بجميع أجزائه المختلفة الصور ومفاصله وهيئته، وأن سريان قوى نفس العالم في جميع أجزاء الجسم مثل سريان قوى نفس الإنسان في جميع أجزاء بدنه. العالم جسم ونفس، وهو الفلك المحيط وما يحوي من سائر الموجودات من الجواهر والأعراض. والجسم بجميع أجزائه البسيطة والمركبة مثل جسم إنسان أو حيوان بجميع أعضائه، وأن نفسه بجميع قواها السارية في أجزاء جسمه المحركة والمدبرة لأجناس الموجودات مثل نفس إنسان أو حيوان سارية في جميع أعضاء بدنه المحركة والمدبرة لعضو عضو، وحاسة حاسة. الجسم الكلي هو العالم بأسره، والجسم الجزئي هو جسم الإنسان. والعقل الكلي هو القوة الإلهية المؤيدة للنفس الكلية مثل العقل الجزئي القوة النفسانية المؤيدة للنفوس الجزئية. والنفس البسيطة هي قوى النفس الكلية المحركة المدبرة للأجسام السارية هي الملائكة الروحانيون طبقًا لظاهرة التشكل الكاذب.١١٦

وقد يتجاوز التقابل عضوًا بعضو، وشيئًا بشيء إلى تصور وظيفي كلي. فالسرة باب الغذاء في الرحم قبل الولادة، والفم باب الغذاء في الدنيا. والسبيلان مقابلان لتقابل بيتَي زحل لبيتَي النيرين. وكما أن في الفلك بروجًا بها حدود ووجوه ودرجات كذلك للجسد أعضاء ومفاصل وعروق وأعصاب وعظام على النحو الآتي:

الإنسان الطبيعة
الأعضاء الأربعة (الرأس والصدر والبطن والجوف) العناصر الأربعة
المخاط والدموع والبصاق والرياح والسحاب والأمطار
الجسد الأرض
العظام الجبال
المسخ المعادن
الجوف البحر
الأمعاء الأنهار
العروق الجداول
اللحم التراب
الشعر النبات
النبات التربة الطيبة
بلا شعر الأرض السنج
من الوجه إلى القدم العمران
الظهر الخراب
قدام الوجه المشرق
خلف الظهر المغرب
اليمين الجنوب
اليسار الشمال
التنفس الرياح
الكلام الرعد
الأصوات الصواعق
الضحك ضوء النهار
البكاء المطر
البؤس والحزن ظلمة الليل
النوم الموت
الحياة اليقظة
أيام الصبا أيام الربيع
أيام الشباب أيام الصيف
أيام الكهولة أيام الخريف
أيام الشيخوخة أيام الشتاء
حركات الأفعال حركات الكواكب
الولادة الطوالع
الموت والغيبوبة الغوارب
استقامة الأمور استقامة الكواكب
التخلف إدبار الكواكب
الأعراض احتراق الكواكب
التوقف توقف الكواكب
الارتفاع ارتفاع الكواكب
الاجتماع اجتماع الكواكب
واضح أن الطبيعة تشمل الإنسان والحيوان والنبات والجماد وأن الإنسان يشمل المجتمع والتاريخ أي العمران.١١٧
وهناك تقابل كلي بين الطبيعة الحيوانية والإنسانية من ناحية وبين الجسد من ناحية أخرى. يتركب الجسد من أربع طبائع. ثم يتصاعد العدد من أربعة إلى تسعة إلى عشرة إلى أحد عشر إلى اثنَي عشر، ثم يضطرب إلى سبعة وخمسة واثنين وست وثلاث.١١٨
الطبيعة الجسد
الطبائع الأربع الحرارة، البرودة، الرطوبة، اليبوسة
العناصر الأربعة النار، الهواء، الماء، الأرض
الأخلاط الأربعة الصفراء، الدم، البلغم، السودان
الجواهر التسعة العظام، المخ، العصب، العروق، الدم، اللحم، الجلد، الظفر، الشعر
الطبقات العشر الرأس، الرقبة، الصور، البطن، الجوف، الحقو، الدركان، الفخذان، الساقان، القدمان
الأعمدة العظام
الرباطات الأعصاب
الخزائن الأحد عشر العينان، الأذنان، المنخران، السبيلان، الثديان، الفم، السرة
الصناع السبعة القوة الجاذبة، الماسكة، الهاضمة، الدافعة، النامية، الغاذية، المصورة
الحواس الخمس
العمودان الرجلان
الجناحان اليدان
الجهات الست قدام، خلف، يمنة، يسرة، فوق، تحت
القبائل الثلاث الشهوانية (الجن)، الحيوانية (الإنس)، الناطقة والملائكة، الرئيس الواحد هو العقل

ولما كان الإنسان بدنًا ونفسًا فقد يكون التقابل بينهما وبين الطبيعة والكون. ويتماثل تركيب الجسد مع تركيب الأفلاك، واعتبار أحوال الإنسان بأحوال الفلك، وسريان النفس في الجسد مثل سريان الملائكة والجن والشياطين والإنس في السموات على النحو الآتي:

الإنسان الكون
البدن الأفلاك
النفس الملائكة
الجسد الأفلاك
النفس الجزئية النفس الكلية

وهناك تقابل بين الجسد والفلك على النحو الآتي:

الجسد الفلك
العينان بيتَا المشترَى
الأذنان بيتَا عطارد
المنخران والثديان بيتَا الزهرة
السبيلان بيتَا زحل
الفم بيت الشمس
السرة بيت القمر
كما تتقابل قوى الجسد وطبقات الفلك على النحو الآتي:١١٩
الجسد الفلك
تسع جواهر تسع طبقات
اثنا عشر ثقبًا اثنا عشر برجًا
ستة ثقوب ستة أبراج
سبع قوى سبعة كواكب
سبع قوى جسمانية قوى الكواكب
أمران إضافيان (صحةُ المزاج وسوءُه) عقدتان في الفلك
ويتقابل أعضاء الجسد الأفلاك سبع قوى في الجسد وسبعة بروج في الأفلاك، كلٌّ منها في الوسط، وسط الجسد أو وسط العالم على النحو الآتي:١٢٠
الجسد الفلك
القلب الشمس (الشعاع والحرارة)
الطحال زحل (تماسك الصورة في الهيولى)
الكبد المشترَى
المرارة المريخ
المعدة الزهرة
الدماغ عطارد (الحس والشعور والعرفان من الملائكة والناس)
الرئة القمر والجن والشياطين والحيوانات

والعالم على أربعة مستويات على النحو الآتي:

وهناك تقابل بين الجسد والطبيعة. وهو تقابل وظيفي أو شكلي.١٢١ كما يتم تشخيص الطبيعة وشرحها وتكوينها ابتداء من العناصر الأربعة لإظهار التقابل بين الجسد والكون.١٢٢ ويتم تشخيص عناصر الطبيعة وكأنها عناصر روحية.١٢٣

والكواكب على أنواع، الثابتة والسيارة والأفلاك والبروج. ويختلف شكل الكواكب بين أول الساعة ووسطها وآخرها، أي أنها تعتمد على المنظور الإنساني طبقًا لحركتها ونسبتها إلى الأرض، وهي سبعة أرباب. كلٌّ منها يدبر الكون ساعة على مدى أربع وعشرين ساعة بالرغم من صعوبة القسمة.

ويدخل الجسد الإنساني في علم الميزان بين الكواكب والبروج من ناحية والحيوان والنبات والمعادن من ناحية أخرى. فكلُّ شيء يقابل كلَّ شيء. وواضح أن الزهرة لها كل شيء، القلب والصدر والوجه. واللسان المر له دلالة شعبية على سوء القول. وتتقابل الأبراج مع الشيء المخبَّأ طبقًا لشعر الطبيعة وليس لقدرتها على الكشف عن المستور.١٢٤

وقد شاهد الحكماء العالم الجسماني فوجدوه شبيهًا بالإنسان. فإذا كان الإنسان جسدًا ونفسًا كان نموذجًا مصغرًا لما في العالم من أفلاك وأبراج وحركات الكواكب وتركيب عناصره واختلاف معادنه ونباته وحيوانه. كما أن أصناف الخلائق الروحانيين من الملائكة والجن والإنس والشياطين في نفوس الحيوانات وأحوالها مثل النفس الإنسانية وسريانها في الجسد. تعتبر إذن أحوال الإنسان بأحوال الموجودات.

ويكون التقابل بين الطبيعة والجسد والروح والمدينة. كلُّ شيء يقابل كلَّ شيء في منظور تصوري مطلق على النحو الآتي:١٢٥
الإنسان البحر الحيوان الزراعة الإدارة
الجسد السفينة الدابة المزرعة مكتب
النفس الملاح الراكب المحراث صبي
الأعمال الأمتعة السباق الحَب والثمر
الدنيا البحار الميدان
الموت الساحل الحصاد
الآخرة المدينة البيدر
وقد يكون هناك تقابل بين الدين والسياسة، بين الكون والدولة على النحو الآتي:١٢٦
الكون الدولة
الله الملك
الإنسانية الأولاد الصغار
الفلك الأولاد القُصَّر
صورة الإنسان المجالس
جسد الإنسان الآداب
قوى النفس العلوم
ولكي يؤدب الملك الحكيم أولاده بنَى قصرًا وصوَّر فيه صورًا ستًّا تجمع بين تدبير المملكة وحياته، الخراج والكتاب والدواوين وأرزاق الجنود وحفظ الرعية والثغور بالجيوش والأنواع وبين علم الدين والملل والشرائع والسنن والحلال والحرام والحدود والأحكام على النحو الآتي:
  • (١)

    صورة الأفلاك ودورانها وأبراجها.

  • (٢)

    صورة الكواكب وحركاتها.

  • (٣)

    الأرض، الأقاليم والجبال والبحار والبراري والأنهار والبلدان والمدن.

  • (٤)

    علم الطب والطبائع، صور النبات والحيوان والمعادن.

  • (٥)

    علم الصنائع والحِرَف، الحرث والنسل والمدن والأسواق والبيع والشراء.

  • (٦)

    علم الدين والملل والشرائع والسنن.

وهناك تقابل بين الإنسان والمجتمع أو الدولة. فالإنسان مجتمع صغير والمجتمع إنسان كبير على النحو الآتي:

الإنسان المجتمع/الدولة
النفس الملك
الجسد الجند والأعوان والخدم والرعية
القوى والأفعال المدينة

وهناك تقابل بين الفلك والملك؛ فعالم الأفلاك دولة، والدولة عالم الأفلاك على النحو الآتي:

الفلك الملك
الشمس الملك
اتصالات الكواكب الملوك والرؤساء
انصراف الكواكب انصراف الرؤساء
المريخ في نسبته إلى الشمس صاحب الجيش في نسبته إلى الملك
عطارد في نسبته إلى الشمس الكتاب والوزراء في نسبتهم إلى الملك
المشترَى في نسبته إلى الشمس القضاة والعلماء في نسبتهم إلى الملك
زحل في نسبته إلى الشمس الخزان والوكلاء في نسبتهم إلى الملك
الزهرة في نسبته إلى الشمس الجواري والمغنيات في نسبتهن إلى الملك
القمر في نسبته إلى الشمس الخوارج في نسبتهم إلى الملك
وواضح التصور المركزي للكون وللدولة في نسبة كل شيء إلى الشمس وإلى الملك حتى المعارضة مثل: الخوارج؛ لأنها جزء من النظام، معارضة حكومية مستأنسة.١٢٧
وهناك تقابل بين الجسد والدولة، بين الحواس الظاهرة والباطنة من ناحية وبين المجتمع السياسي من ناحية أخرى على النحو الآتي:١٢٨
الجسد الدولة
الحواس الباطنة الندماء
الحواس الظاهرة الجند والجواسيس
العينان الديدبان
الأذنان الأخبار
اليدان الخدام
الأصابع الصناع

وهناك تقابل بين الجسد والدولة، وسبيل الملك تدبير الرأي ومشاورة أهل البصيرة ثم الأمر والنهي. وسبيل الرعية السمع والطاعة. فالملك من الرعية كالرأس من الجسد، والجنود الأعضاء. فمتى قام كلُّ واحد بواجبه انتظمت الأمور.

وهو تصور رئاسي للدولة. الملك في القمة، والرعية في القاعدة، والجنود في المنتصف. الأول يأمر، والثاني يُطيع، والثالث ينظم وينفذ. وهو التصور التسلطي للدولة الذي يقوم على تشبيه المدينة بالجسد. وهو تصور المركز والمحيط، الرأس والقدم، الرئيس والمرءوس، المخدوم والخادم، نظام أبدي في الإنسان والحيوان. الأسد ملك الغابة. والفرفور تابع للسيد في نظام كوني أبدي.

ومن شروط الملك العقل والذكاء والأدب والسخاء والشجاعة والعدل والرحمة، وعلو الهمة، وكثرة التمنن، وشدة العزيمة، والتأني، والرأي والبصيرة، وفي نفس الوقت الشفقة على الرعية والحنان على جنوده. الملك يتحدد بصفات الملك، لا فرق بينها وبين نظام العالم ومصير البشرية. كلها حقوق بلا واجبات، صفات أخلاقية بلا واجبات سياسية. أما الرعية والجنود والأعوان فالسمع والطاعة والمحبة والنصيحة له، وأن تحسن المعرفة والصناعة والأعمال، وأن يعرف الملك أخلاقه وسجاياه لاستخدامهم، كلٌّ لما يصلح له.١٢٩ الرعايا عبيد الملوك.

وإجبار الملوك على أحكام الشريعة محوٌ للحرية الإنسانية، وقضاء على المصلحة كأساس للتشريع كما هو الحال في الجماعات الإسلامية المعاصرة وكل جماعات المضطهدين، إجبار الناس على تطبيق الشريعة. ولا يوجد تحليل للثورة على الحاكم الظالم والخروج عليه بلغة القدماء. ولا يوجد وصفٌ لواجبات الملك تجاه الرعية، وحقوق الرعية على الملك كما كتب محمد بن عبد الوهاب «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» دون حق العبيد على الله أو واجب الله تجاه العبيد.

وهناك تقابل بين الجسد والدار على النحو الآتي:١٣٠
الجسد الدار
الرجلان الأساس
الرأس الغرفة العليا
الرقبة الرواق
الحلقوم الدهليز
الصدد الصحن
الأوعية الخزائن
الرئة البيت الصيفي
الخيشوم الباواهج
القلب البيت الشتوي
الكبد بيت الشراب
العروق المسالك
الطحال خزانة الأثاث
المرارة بيت السلاح
الجوف بيت الحرم
الأمعاء بيت الخلاء
المثانة بيت البول
السبيلان المجاري
العظام الحيطان
العصب الأجناع
اللحم والعوارض
الأضلاع الملاط
التجويفات الأساطين
المخ الصناديق
الثقب الجواهر
التنفس الرواش
الحدقتان الإيوان
الغشاوات بيت العرض
الفم الستور
الأنف الباب
الشفتان الطابق
الأسنان مصراعَا الباب
اللسان الدرابزين
العقل الحاجب
الملك

كما يظهر بين الجسد والمدينة على النحو الآتي:

الجسد المدينة
الأعضاء والمفاصل المحال
الأوعية والمجاري المنازل في المحال
الحجب والأغشية البيوت في المنازل والدكاكين في السوق
التجديفات
النفس وقواها قبائل المدينة وشعوبها
القوى الأربع المفردات الرؤساء والأشراف
أفعال القوى المريضة العيارين والعصبية
أفعال القوى في الإخراج السلطان والجند المقاتلون، القضاة والعدول والمصلحون
أفعال القوى في الإخراج السلطان والجند إذا تصالحوا
النفس الشهوانية النساء والصبيان والحمقى
النفس الغضبية الشياطين والجهال والسفهاء
النفس الناطقة العلماء والقرَّاء
القوى الخمس الحشار والجلابون
القوى الثلاث المتناولات التجار والباعة
المتخيلة السماسرة والباعة
المفكرة التجار
الحافظة الخزان والوكلاء
القوى السبع المقارنة أفعال الصناع في المدينة
حال اليقظة مدينة عامرة مأنوسة
حال النوم إغلاق الأسواق
حال الجسد عند مفارقة النفس الخراب
القوى الأربع المفردات الأشراف والرؤساء
وأحيانًا يتم وضع بناء المدينة ثم يبدأ البحث عما يقابلها في تركيب الجسد. لذلك ازدهر الطب للعناية بالجسد، والجسد من الطبيعة، والطبيعة توجُّه قرآني. وقوى النفس أربع وعشرون تعادل وظائف المدينة أربع مفردات كالرؤساء، سبع متعاونات كالصناع والأعوان، خمسة جلابون، ثلاث مناولات، ثلاثة أرباب، ثلاثة أمراء.١٣١
وهناك تقابل ثنائي بين الحياة المدنية والحياة الاجتماعية، بين الأسرة والمجتمع، بين المجتمع الصغير والمجتمع الإنساني من الكلي إلى الجزئي على النحو الآتي:١٣٢
الأسرة المجتمع
ساكن منزل
أهل وخدم مدنية
صانع دكان
تلاميذ وغلمان زبائن
صنائع مدينة
ملك مدنية
الدار القبيلة
البيوت الشعوب
الخزائن البطون
الآلات والأواني والأثاث الأفخاذ
الأهل العشائر
الخدم والغلمان الأقارب

وقد يكون التقابل ثلاثيًّا بين السكان والمدينة والدولة على النحو الآتي:

السكان المدينة الدولة
المدينة الأسوار الملك
الرجال المدينة الحاشية
النساء المحال والحانات والنواحي الأتباع
المشايخ الشوارع والطرقات والأسواق الخدم والغلمان
الشبان المنازل والدور الجيش
الصبيان الخزائن أو البيوت الرعية

وهناك تقابل بين العالم الاجتماعي والعالم الشرعي كمظهر من مظاهر التقابل بين العالم الطبيعي والعالم الإنساني بين قطبَين، الرئيس والمرءوس، المدينة والملك، الأمر والآمر. فالعالم مثل الشريعة به أحكام وسنن متباينة وحدود مختلفة لدين واحد. له مذاهب متفرقة، ومقالات متغايرة، وأقاويل كثيرة. اللغة واحدة والعوالم مختلفة الطبيعة، الملائكة، الإنسان، الشرع. وهذا هو أحد معاني التوحيد، الوحدة الأصلية وراء الكثرة الظاهرية. والملائكة لا تموت.

العالم الطبيعي عالم الملائكة عالم الشرع
الأفلاك الملائكة المساجد، البِيَع، الصلوات
جهنم والنيران، الهاوية النفوس الشريرة الحبوس، الشرطة
نفوس الأنبياء لإنقاذ النفوس
مشاهد القيامة
الجنة، الروح والريحان، الفضاء
أرواح الشهداء الجنات والميادين
محاكمة النفس الكلية والبساتين
للأنفس الجزئية الصناع والعمال
والتجار والأرزاق

وقد يكون التقابل بين الوجود والمعرفة مع صعوبة التمييز بينهما. فالمعرفة للوجود، والوجود للمعرفة على النحو الآتي:

الوحي الدين الله الوحي
الإنسان الجسد الإنسان العقل
الطبيعة العالم الطبيعة الواقع

فالنقل معتمد على العقل والطبيعة. وهما أساسان إسلاميان، أُضيف إليهما الوحي. فأصبح الوافد والموروث حقيقة واحدة. وهذا أحد معاني الإبداع، استكمال الحقيقة ذات الأبعاد الثلاثية وإعطاء الشواهد والأمثلة، أي التطبيقات للبرهنة على صدق الحدس وتقريبًا لأفهام المتكلمين وتسهيلًا للباحثين.

وقد يكون التقابل بين الوجود والذات العارف على النحو الآتي:

الوجود المعرفة
الشمس الباري
نور الشمس العقل
القمر النفس

والله يفضل النفس على البدن. وللنفوس عنده منزلة وكرامة ليست لجواهر الأجسام وذلك لقربها منه وبُعْد الأجسام عنه. النفوس فاعلة والأجساد منفعلة ونسبة النفس من العقل كنسبة ضوء القمر من ضوء الشمس. ونسبة العقل من الباري كنسبة نور الشمس من القمر.

١  الرسالة الثانية عشر «في قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير»، الرسالة الثانية «في قول الحكماء إن العالم إنسان كبير».
٢  معظم موضوعات الطبيعيات الصغرى تلحق بالطبيعيات الكبرى، «الحاس والمحسوس» في العاشرة، «مسقط النطفة»، في الحادية عشرة، «حكمة الموت والحياة» في الخامسة عشرة، وإضافة الحكمة على الموت والحياة نقلًا من المستوى البيولوجي إلى المستوى العقائدي الأخروي، «في خاصية اللذات وفى حكمة الحياة والموت وماهيتها» في السادسة عشرة بدلًا من اللذة والألم، وتكرار حكمة الحياة والموت. ج٣، ٢٦، ٣٤–٥١، ج٣، ١٥، ٤٢-٤٣، ٤٥–٤٧.
٣  الرسائل، ج١، ٢٨.
٤  مثل في ماهية الزمان من أقاويل العلماء، ج٢، ١، ١٧–٢٠؛ في ماهية البروج، ج٢، ٢، ٣٠-٣١؛ في ماهية الطبيعة، ج٢، ٤، ٦٣–٦٧؛ في ماهية اللذة والألم والتعب والراحة وكيفية إدراك الحواس، ج٢، ١٠، ٤١٣؛ في ماهية الحياة، ج٣، ١٥، ٣٩-٤٠؛ في ماهية الألم واللذة وكيفيتهما، ج٣، ١٦، ٥٩–٦١؛ في ماهية الشياطين وجنود إبليس أجمعين، ج٣، ١٦، ٨١-٨٢.
٥  في معنى القيامة، ج٢، ٢، ٤٩–٥١؛ في المعاني، ج٣، ١٧، ١١٩-١٢٠.
٦  ج٢، ١٠، ٤٠٧-٤٠٨، ج٢، ١٢، ٤٥٧–٤٦٠، ج٢، ١٢، ٤٦٣–٤٦٥، ج٣، ١٢، ٤٧٣، ج٢، ١٥، ٣٨-٣٩، ج٣، ١٧، ٩٠–٩٢، ٩٥–٩٧، ١١١–١١٤، ١٣٧–١٤٣.
٧  مثل الملك والملاك والملك في رسالة الحيوان، ج٢، ٨، ٣٥٠–٣٥٢.
٨  ج٢، ٢٨–٣٤، ج٣، ١٥، ٣٦، ٤١-٤٢، ج٣، ١٤، ٣٢.
٩  ترتيب الرسائل السبعة عشرة طبقًا للكم على النحو الآتي (عدد صفحات):
  • (١)

    الرسالة الثامنة، في كيفية تكوين الحيوانات وأصنافها (٢٠٠).

  • (٢)

    الرسالة السابعة عشرة: في علل اختلاف اللغات ورسوم الخطوط والعبارات (٩٤).

  • (٣)

    الرسالة الخامسة: في بيان تكوين المعادن (٤٥).

  • (٤)

    الرسالة الحادية عشرة: في مسقط النطفة (٣٩).

  • (٥)

    الرسالة التاسعة: في تركيب الجسد (٣٨).

  • (٦)

    الرسالة السادسة عشرة: في خاصة اللذات في حكمة الموت والحياة وماهيتها (٣٢).

  • (٧)

    الرسالة الثانية: الموسومة بالسماء والعالم في إصلاح النفس وتهذيب الأخلاق (٢٨).

  • (٨)

    الرسالة السابعة: في أجناس النبات (٢٨).

  • (٩)

    الرسالة الثانية عشرة: في قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير (٢٣).

  • (١٠)

    الرسالة العاشرة: في الحاس والمحسوس، في تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق (٢١).

  • (١١)

    الرسالة الرابعة: في الآثار العلوية (١١).

  • (١٢)

    الرسالة الأولى: في بيان الهيولى والصورة والحركة والزمان والمكان وما فيها من المعاني إذا أضيف بعضها إلى بعض (١٩).

  • (١٣)

    الرسالة السادسة: في ماهية الطبيعة (١٨).

  • (١٤)

    الرسالة الخامسة عشرة: في حكمة الموت والحياة (١٨).

  • (١٥)

    الرسالة الرابعة عشرة: في بيان طاقة الإنسان في المعارف وإلى أيِّ حدٍّ هو، ومبلغه من العلوم، وإلى أي غاية ينتهي، وإلى أي شرف يرتقي (١٦).

  • (١٦)

    الرسالة الثالثة عشرة: في كيفية نشوء الأنفس الجزئية في الأجساد البشرية الطبيعية (١٣).

  • (١٧)

    الرسالة الثالثة في بيان الكون والفساد (١٠).

١٠  الرسالة التي تغلب عليها التصورات الرسالة الأولى في السماع الطبيعي، والثانية في السماء والعالم، والتاسعة عن الجسد، والعاشرة عن الحاس والمحسوس، والثانية عشرة عن قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير، والخامسة عشرة في حكمة الموت والحياة. والرسالة التي تغلب عليها المادة السيالة أكثر من التصورات، الرابعة عن الآثار العلوية، السادسة عن ماهية الطبيعة، السابعة في النبات، الثامنة عن الحيوان، الحادية عشرة عن مسقط النطفة، السابعة عشرة عن علل اختلاف اللغات والخطوط. والرسائل السيالة الخالصة دون تصورات مثل الثالثة عن الكون والفساد، والخامسة عن المعادن، والثالثة عشرة عن نشأة النفوس الجزئية في الأجساد، والرابعة عشرة في طاقة الإنسان في المعارف. ورسالة واحدة على التساوي مثل السادسة عشرة في خاصية اللذات.
١١  الرسائل، ج١، ١٦٠-١٦١، وهو أيضًا ما قاله ديكارت في أسباب الشك، ج٢، ٢، ٣٨-٣٩، ٤٧.
١٢  الرسائل، ج٢، ٢، ٨٨، ٢٩، ٤٧–٤٩.
١٣  ج٢، ١، ١٢–١٦، ج٢، ١٢، ٤٥٦–٤٧٩، ج١، ٢، ٢٤–٢٦، ج١، ١، ١٧–٢٠، ج٣، ١٤–٣٣.
١٤  ج٢، ٢، ٢٤–٢٦، ٤٣-٤٤، ج٢، ٧، ١٦٠-١٦١، ج٢، ٨، ٢٠٣–٢٠٨، ١٦٠–٣٠٩، ج٢، ١٠، ٤١١-٤١٢، ج٢، ٥–٢٣، ج٢، ٣، ٥٢–٦١، ج٢، ٥، ٨٧–١٣١، ج٣، ١٤–١٨، ٤٦٨–٤٧١.
١٥  البحث عن العلة، ج٢، ٢، ٤١–٤٥، ج٢، ٥، ٩٥–٩٦، ١٠١، ج٢، ٧، ١٧٢-١٧٣، ج٢، ٨، ٢١٠–٢١٢، ج٢، ١٠، ٤١٥-٤١٦، ج٢، ١٦، ٥٧-٥٨، ٨٤–١٧٧؛ البحث عن سبب، ج١، ٤، ١٦٢-١٦٣، ج٢، ٧، ١٧٣–١٧٥.
١٦  التحليل الكمي، ج٢، ٢، ٣١–٣٤؛ القياس الكمي، ج١، ٤، ١٦٨–١٧٠–١٨٠، ١٦٠–١٦٣، ج٢، ٢، ٢٩-٣٠، ج١، ٣، ١٣٠، الوصف الكيفي، ج٢، ١٧٨–٣٧٧، ج٢، ٦، ١٣٨–١٤١، ج٢، ٩، ٣٨٠–٣٨٢، ج٢، ١٠، ٤٠٣–٤٠٥، ج٢، ١١، ٤١٩-٤٢٠، ج٣، ١٥، ٤٢٣-٤٢٤، ج٢، ١٥، ٤٢٤–٤٢٨، ٣٤٢، ج٣، ١٦، ١٦–٦٨، ٧٩-٨٠، ج٣، ١٧، ١٢٣–١٢٥، ج٢، ١٢.
١٧  ج٢، ٩، ٣١٥–٣٧٨، ج٢، ٢، ٢٧-٢٨، ٤٣.
١٨  ج٢، ٢، ٣٤-٣٥، ج٢، ٧، ١٦١–١٧١، ج٣، ١٧، ١٣٢–١٣٥، ١١٤–١١٨، ج٢، ٢، ٣٩، ج٢، ٢، ٤٠–٤٢، ج٣، ١٢، ٤٦٦–٤٦٨.
١٩  ج٢، ٥، ٨٨، ج٢، ٦، ١٣٢–١٤٩.
٢٠  ج٢، ٨، ٣٠٦–٣٠٩، ج٣، ١٦، ٧٩-٨٠، ج٣، ١٦، ٧٩–٨٣، ج٢، ١٢، ٤٥٦–٤٧٩، ج٢، ٢، ٢٦.
٢١  ج٢، ٩، ٢٧٨–٣١٥، ج٢، ٢، ٢٤–٥١، ج٢، ٢٠، ٣٩٦–٤١٦، ج٣، ١٣، ٥–١٧، ج٨٤–١٧٧.
٢٢  ج١، ٢٩.
٢٣  يبدو الإخوان هنا أقرب إلى دارون منهم إلى برجسون ج٢، ٦، ١٣٢، ج٢، ٧، ١٥٠-١٥١، ١٧٢.
٢٤  للحيوان رسائل أخرى، مثل: الحاس والمحسوس، النطفة، النفس والجسد، الموت والحياة، اللذة والألم، الإنسان عالم صغير.
٢٥  ج٢، ٣، ٢٢١–٢٢٩. ويمكن مقارنة ذلك مع نظرية التطور بأشكالها المتعددة المتصل عند دارون والمنفصل عند برجسون في الفلسفة الغربية.
٢٦  ج٢، ٥٢-٥٣، ٥٩.
٢٧  ج٢، ٤، ٧٩، ٨٣، ج٢، ٥، ١١٥-١١٦.
٢٨  «إن الطبيعة إنما هي قوة من قوى النفس الكلية منبثة منها في جميع الأجسام التي دون فلك القمر سارية في جميع أجزائها كلها تسمَّى باللفظ الشرعي الملائكة الموكلين بحفظ العالم وتدبير الخِلْفة بإذن الله، وتسمى باللفظ الفلسفي قوى طبيعية وهي فاعلة في هذه الأجسام بإذن الباري جل ثناؤه. والذين أنكروا فعل الطبيعة إنما ذهب عليهم معنى هذه التسمية، وظنوا أنها متوجهة نحو الجسم والجسم من حيث لا فعلَ له البتة بالإجماع من الفريقين، بدلائل قد صحت وبراهين قد قامت.» ج٢، ٤، ٦٣.
٢٩  ج٢، ٥، ١١٠.
٣٠  ج٢، ٦، ١٣٨–١٤١.
٣١  ج٢، ٧، ١٧٠.
٣٢  ج٢، ٢، ٢٤–٥١.
٣٣  ج٢، ٨، ١٨٧–١٨٩.
٣٤  هذا هو الذي سماه هوسرل Noese, Noeme.
٣٥  ج٢، ١٠، ٣٩٦–٤١٦.
٣٦  مثل نظرية الشعاع المزدوج في الظاهريات عند هوسرل التي بدونها لا يتم الإدراك، شعاع من الداخل إلى الخارج، من فعل الشعور إلى موضوعه، وشعاع من الخارج إلى الداخل، من الشيء إلى الذات.
٣٧  ج٢، ٣٤٤-٣٤٥.
٣٨  ج٢، ١٠، ٣١٦–٣٩٧، ٤١٠–٤١٣.
٣٩  قوى النفس الظاهرة الخمسة والباطنة الخمسة ج٢، ١٢، ٤٧١-٤٧٢.
٤٠  انظر «من العقيدة إلى الثورة»، ج١، المقدمات النظرية، القاهرة، مدبولي، ١٩٨٧م، ص٥١٤–٥٢٦.
٤١  ج٢، ١٠، ٤٠٢–٤٠٩.
٤٢  ج٢، ١٠، ٨٤–١٧٧.
٤٣  ج٢، ١٧، ٤١٤–٤١٦. وهو ما عناه دريدا أحد المفكرين الفرنسيين المعاصرين بفن الكتابة De la Grammatologie.
٤٤  «في بيان طاقة الإنسان في المعارف وإلى أي حدٍّ هو مبلغه من العلوم وإلى أي غاية ينتهي وإلى أي شرف يرتقي.» ج٣، ١٤، ٨–٣١.
٤٥  «في بيان طاقة الإنسان في المعارف وإلى أي حد هو مبلغه من العلوم وإلى أي غاية ينتهي وإلى أي شرف يرتقي.» ج٣، ١٤، ١٨–٣١.
٤٦  ج٣، ١٤، ٢٢، ج٣، ١٥، ٤٩.
٤٧  «في علل اختلاف اللغات ورسوم الخطوط والعبارات.» ج٣، ١٧، ٨٤–١٧٧.
٤٨  ج٣، ١٣، ٥–١٧.
٤٩  النفس: جوهر، سماوي، روحاني، نوراني، غير ثقيل، لا متجزئ، ناطق، باقٍ. البدن: جسم، أرضي، مادي، مظلم، ثقيل، متجزئ، جامد، فاسد.
٥٠  ج٣، ١٥، ٣٩.
٥١  ج٣، ١٥، ٣٩.
٥٢  ج١، ٩، ٣٨٣-٣٨٤، ج٢، ١٠، ٤١٠.
٥٣  ج١، ٨، ٢٧٦، «في كيفية نشوء الأنفس الجزئية في الأجساد البشرية الطبيعية.» ج٣، ١٣، ٥–١٧، ج٣، ١٤، ٣٢، ج٢، ٢، ٥٠.
٥٤  ج٤، ١١، ٤١٠–٤١٥.
٥٥  ج٣، ١٥، ٤٢، وقد وضحت هذه الغائية عند فشته وكانط وهيجل في الفلسفة الغربية الحديثة.
٥٦  ج٢، ١٦، ٧٢–٧٤، ج٣، ١٦، ٥٣-٥٤، ٦٦–٦٩.
٥٧  ج٢، ٩، ٣٨٧.
٥٨  «فصل في ماهية اللذة والألم والتعب والراحة وكيفية إدراك الحواس.» ج٢، ١٠، ٤١٣.
٥٩  ج٢، ١٥، ٣٩–٥١، ج٣، ١٣، ١١.
٦٠  ج٣، ١٥، ٤٢–٤٨.
٦١  ج٣، ١٥، ٣٧–٤٠، ٤٦.
٦٢  وذلك ما تؤيده الدعوات المعاصرة في مصر «ربنا يطول في عمرك» أو في الخليج «يا طويل العمر».
٦٣  «في كيفية وصول الآلام إلى النفوس الشريرة بعد مفارقة أجسادها، وكيف تكون من جنود إبليس وحزب الشياطين.» ج٣، ١٦، ٧٩–٨١.
٦٤  ج٣، ١٦، ٦٢.
٦٥  ج٣، ١٦، ٥٣-٥٤، ٧٢–٧٤.
٦٦  ج٣، ٦٣–٦٦، ٨٢. وهو ما يسمى في التأويل الغربي القضاء على الأساطير Demythization خاصة عند بولتمان.
٦٧  ج٣، ١٦، ٧٨.
٦٨  ج٢، ٨، ٣٤٣، ج٢، ١٥، ٤٩–٥١.
٦٩  الرسالة الثامنة «في كيفية تكوين الحيوانات وأصنافها»، ج٢، ٨، ١٧٨–٣٧٧، وهي تعادل ثلث الرسائل الطبيعية كلها (٢٨٪)، والرسالة السابعة في الرياضيات الثلث الثاني.
٧٠  يمكن تحويلها إلى قصص للأطفال بسهولة مثل لازمة «يقال إنه لما توالدت أولاد بني آدم.» ج٢، ٨، ٢٠٣.
٧١  لذلك تنتهي كل جلسة بهذه اللازمة: «ألا أيها الملأ أمسيتم فانصرفوا إلى مساكنكم مكرمين لتعودوا غدًا آمنين.» ج٢، ٨، ٢٢٣.
٧٢  الجلسة الأولى، ج٢، ٨، ٢٠٦–٢٧٥، الثانية، ج٢، ٨، ٢٧٥–٢٩١، الثالثة، ج٢، ٨، ٢٩١–٣٣٧، الرابعة، ج٢، ٨، ٣٣٧–٣٧٧.
٧٣  «في بيان طاعة الجن لرؤسائها وملوكها»، ج٢، ٨، ٣٠٦–٣٠٩.
٧٤  وذلك مثلُ شجاعةِ الأسد وجسارته، قوةِ النمر وجلَده وغلبته وقهره وحمله وحقده وضِعَتِه وحميته، وَثْبةِ الفهد وقفزته وقبضه وبسطه، غارة الذئب وخصومته ومكابرته، حيلة الثعلب وخَتْله والتفاته ومكْرِه، لصوصية ابنِ عِرس وتجسُّسِه واختفائِه وسرقتِه، خيلاء القرد ومجانته ولعبه ولهوه ورقصه وضرب الطبل والدف، تواضع السنور والسؤال والمؤانسة، بصبصة القلب واتباع الأثر والحراسة والنباح، نبش الضبع القبور وجر الجيف، وإضرار الجُرذ وإفساده وقرضه وقطعه وسرقته، ج٢، ٨، ٢٣٩–٢٤٣.
٧٥  الهدهد الجاسوس، الديك المؤذن، الحمام الهادي، الدراج النادي، الدراج المغنِّي، البلبل الحاكي، القنبر الخطيب، الخطاف البناء، الغراب الكاهن، الكركي الحارس، القطَا الكدري، الطيطيوي الميمون، العصفور الشَّبَق، الشقراق الأخضر، الفاخنة النائم، المورستان الدجلي، القمري الملكي، الصقر الجبلي، الزرزور الفارسي، السمان البلدي، اللقلق القلفي، العقعق البستاني، البط الكسولي، مالك الحزين، أبو تيمار أخوه، الكركي البطائحي، الهزردستان اللغوي الكثير الألحان، الغواص البحري، النعامة البدوي، ج٢، ٨، ٢٣٩–٢٤٣.
٧٦  ج٢، ٨، ٢٩٥-٢٩٦، ٣٠١–٣٠٥، ٣١٤.
٧٧  لجلب المنفعة يستعمل السباع القهر، والكلب البصبصة، والعنكبوت الحيلة. كما يستعمل الملوك الغلبة، والمكدون السؤال والتواضع، والصناع الحيلة والرفق. ولدفع المضار يستعمل السباع القتال، والأرانب الفرار، والقنفد السلاح، والفأر التحصن.
٧٨  للإنسان شجاعة الأسد، وجبن الأرنب، وكرم الديك، وبخل الكلب، وعفة السمك، وفخر الغراب، ووحشية النمر، وإنسية الحمام، واحتيال الثعلب، ومسالمة الغنم، وسرعة الغزال، وبطء الدب، وعز الفيل، وذل الجمل، ولصوصية العقعق، ورقبة الطاووس، وهدوء القط، وضلال النعامة، ومهارة النحل، وشدة التنين، وهيبة العنكبوت، وطي الجمل، وحقد الحمار، وكر الثور، وشموس البدر، وفرس الحوت، ومنطق الهزاردا والببغاء، واستحالة الذئب، وبركة الطيطاوي، وضرر الفأر، وجهل الخنزير، وشؤم البوم، ونفع النحل. وهي ثلاث وثلاثون خاصية ج٢، ١٢، ٤٧٤-٤٧٥.
٧٩  ج٢، ٨، ٢٩١–٢٩٨، ٣٠١–٣١٣.
٨٠  ج٢، ٨، ٣٢٤–٢٣٩.
٨١  ج٢، ٨، ٣٦٩.
٨٢  ج٢، ٨، ٢٩٦-٢٩٧.
٨٣  ج٢، ٨، ٢٤٩–٣٤٠.
٨٤  ج٢، ٨، ٣٥٠–٣٥٥.
٨٥  ج٢، ٨، ٣٥٨–٣٦١، ٢٤٣.
٨٦  هذا هو نفس النموذج الذي تصور فيه كانط الدين في حدود العقل وحده. انظر دراستنا: «الدين في حدود العقل وحده» لكانط، وقضايا معاصرة، ج١، في الفكر الغربي المعاصر، دار الفكر الغربي، القاهرة، ١٩٧٧م، ص١٣١–١٧٠.
٨٧  وهي الحجة التي يبدأ بها كلُّ نظام حكم «ثيوقراطي» كما هو الحال عند الشيعة والأمويِّين باسم قميص عثمان.
٨٨  ج٢، ٨، ١٧٩، ٢٧٥، ٣٠٠.
٨٩  ج٢، ٨، ٢٤٧، ٢٥٦-٢٥٧. وذلك مثل أغنية الشيخ إمام كلمات أحمد فؤاد نجم: نويت أصلي، صرصور دخلي، من جوه كمي، قعدت افللي.
٩٠  مثل (١) حمل السلاح للبطش بالأعداء ومخالفة أمره من الثوار والخوارج واللصوص وقطاع الطرق والغوغاء والعيارين ومَن يُثير الفتن والفساد (٢) الوزارة والكتابة والعمالة والدواوين وجماعة الخراج وجمع الأموال والذخائر وعطايا الجند والثياب والأمتعة والأثاث (٣) البناء والإحصاء والزراعة والحرث والنسل وعمارة البلاد وقوام أمر المعاش. (٤) القضاء والعلم والفقه لإقامة الدين وأحكام الشريعة، فلا بد للملك من دين وحكم وشريعة تحفظ الرعية، ويسوس الأمة، ويدبر أمورها. (٥) التجارة والصناعة والحِرَف والتعاون في المعاملات في المدن والقرى. (٦) الخدم والغلمان والجواري والحجاب والوكلاء وأصحاب الخزائن والرسل والندماء.
٩١  وهذا رأي العراقي تعبيرًا عن وضع العراق السياسي في الخلافة العباسية أو تعدد أجزائها في الدولة المترامية الأطراف، ج٢، ٨، ٢٩٨–٣٠٠.
٩٢  ج٢، ٨، ٣١٧٩، ٢٢٧–٣٣٥.
٩٣  ج٢، ٨، ٢٠٤–٢٠٩، ٢٢٢، ٢٣٩، ٢٤٨، ٢٥٧–٣٠٥.
٩٤  مرة كل ألف سنة أو اثني عشر ألف سنة أو ستة وثلاثين ألف أو ثلاثمائة وستين ألف، كل يوم مقداره خمسون ألف سنة، ج٢، ٨، ٢٣٢-٢٣٣، ٢٤٧، ٢٥٨-٢٥٩. والألفية دورة للتحرر معروفة في لاهوت التحرير باسم Millenarianism مضروبة في اثني عشر عدد الأئمة ثم في ثلاثة أخرى ثم في عشرة. وطول اليوم من أيام الله كما هو وارد في القرآن.
٩٥  هذا ما لاحظه أيضًا كروتشه في «التاريخ قصة للحرية».
٩٦  مثل: «كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونَعمةٍ كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قومًا آخرين، فما بكت عليهم السماء.» ج٢، ٨، ٢٥٦–٢٦٠. ويمكن إجراء رسالة جامعية عن فلسفة التاريخ عند إخوان الصفا حتى يساعد على إعادة بلورة وعْينا التاريخي، وأخرى عن «الأشكال الأدبية» وثالثة عن «الأدب الشعبي» ورابعة عن الرمز عندهم أيضًا.
٩٧  مثل أيام رستم واسفنديار، جمشيد وتُبَّع، الضحاك وأفريدون، سيواس ومتوجهر، دارا والإسكندر، نبختنصر وداود، آل بهرام وآل عدنان، قسطنطين وأهل يونان، عثمان ويزدجرد، بني العباسي وبني مرد … إلخ، ج٢، ٨، ٣٢٥.
٩٨  ج٢، ٨، ٢٠٤-٢٠٥، ٢٠٩–٢١١، ٢٢٣، ٢٣٣، ٢٧٥.
٩٩  ج٢، ٨، ١٧٩، ٢١٠، ٢٢٣–٢٣٧–٢٤٠، ٢٥٥–٢٥٧، ٣٤٣-٣٤٤، ٣٧٧.
١٠٠  ج٢، ٨، ٢٠٤–٢٠٩، ٢٢٢، ٢٣٩، ٢٤٨، ٢٥٧–٣٠٥.
١٠١  انظر دراستنا Human subservience of nature, Islam in the modern World Vol. I, Religion, Ideology and Development, Anglo-Egyptian, Bookshep, pp. 267–235.
١٠٢  ج٢، ٨، ٢٠٣–٢١٠.
١٠٣  وذلك مثل طول رقبة الجمل والفيل وكبر أذن الأرنب.
١٠٤  وذلك مثل رؤية الجمل، وسمع الفرس، ومعرفة الشاة طريقها.
١٠٥  ج٢، ٨، ٢١٠–٢١٤.
١٠٦  انظر دراستنا، الوحي والعقل والطبيعة، قراءة في كتاب القانون في الطب لابن سينا، الفلسفة والعصر، العدد الأول، القاهرة، ١٩٩٩م، ص١٠٧–١٣٠.
١٠٧  ج١، ٨، ٢١٤–٢١٩.
١٠٨  ج٢، ٨، ٢١٧–٢١٩.
١٠٩  ج٢، ٨، ٢٢٠–٢٢٣، ٢٤٤-٢٤٥.
١١٠  قضاة الجن من آل جرجيس، والفقهاء من بني ناهد، وأهل الرأي من بني بيران الحكيم، والحكماء من آل لقمان، وأهل التجارب من بني هامان، والحكام والفلاسفة من بني كيوان، وأهل الصراحة والعزيمة من آل بهرام.
١١١  ج٢، ٨، ٢٤٣-٢٤٤.
١١٢  ج٢، ٨، ٢٣٤–٢٣٨.
١١٣  ج٢، ٩، ٣٩٤.
١١٤  وهو الفرق بين التطور الآلي المادي الكمي المتصل عند دارون ولامارك وسبنسر والتطور الروحي الكيفي المنفصل عند برجسون في الفلسفة الغربية.
١١٥  في قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير، ج٢، ١٢، ٤٥٦–٤٧٩، في بيان معرفة قول الحكماء إن العالم إنسان كبير، ج٢، ٢، ٢٤–٢٦، العالم إنسان كبير ذو جسم ونفس وحياة وعلم، ج٢، ٥، ٨٨.
١١٦  ج٢، ٣، ٥١–٦١، ج٢، ٣، ٢١٢–٢١٤.
١١٧  تصل في مشابهة تركيب جسد الإنسان بالأركان الأربعة، ج٢، ١٢، ٤٦٦–٤٦٨.
١١٨  ويكون المجموع ٢٤٨ عمودًا، ٧٥٠ رباطًا «في كيفية تركيب الجسد، وكيفية أخلاط البدن ومزاج الطبائع»، ج٢، ٩، ٣٨٠–٣٨٣.
١١٩  ج٢، ١٢، ٤٦٣–٤٦٥.
١٢٠  ج٢، ١٢، ٤٦٨-٤٦٩، ٤٧٧–٤٧٩.
١٢١  مثل الأسد في الفم واللسان والسنبلة اللحية، والقوس وفقرات الظهر، والدلو والخصيان والذكر على النحو الآتي:
البرج الجسد
(١) الحمل شعر الرأس
(٢) الثور الجبهة
(٣) الجوزاء العينان
(٤) السرطان المنخران
(٥) الأسد الفم واللسان
(٦) السنبلة اللحية
(٧) الميزان المنكبان واليدان والذراعان
(٨) العقرب الصدر
(٩) القوس فقار الظهر
(١٠) الجدي العظم والكليتان
(١١) الدلو الخصيتان والذكر
(١٢) الموت الساق والرِّجلان
١٢٢ 
الكوكب الجسد
(١) القمر الجلد والرأس
(٢) المشترَى العظم في الفقار
(٣) عطارد العروق والعصب
(٤) المريخ الدم والصفراء
(٥) زحل الشعر والظفر والسوداء
(٦) المشترَى اعتدال المزاج وسلامة الجسد
(٧) الزهرة النقش والصورة
     ج٤، ١٢١، ٤١٠–٤١٥.
١٢٣  وذلك مثل الذهب والفضة والماس والرصاص والحديد والزئبق. فالحجارة كلي لا يذوب كالحجر الكريم الياقوت والماس والبعض يذوب. والحجارة تتحول من لون إلى لون كالياقوت أو تقبل الصبغة كالعقيق أو ينقص ويتفتت أو يزاد في الأرض والحمرة من أجل الأصباغ.
١٢٤ 
الكواكب أول الساعة وسطها آخرها
(١) الشمس صغير النبات ذهب، حُليٌّ مدور رقيق ناري
(٢) القمر خفيف رديء مدور زرنيخ أحمر
(٣) عطارد كتاب، ديوان، حساب نبات أسود حجر مثقوب
(٤) الزهرة أبيض طيب الرائحة كالفضة حسن طيب ضعيف لين
(٥) المريخ طويل أحمر، نحاسي أحمر عريض حار طويل
(٦) المشترَى جوهر، ياقوت، لؤلؤة خرز، بلور خاتم
(٧) زحل حديد رصاص نبات ثقيل عناب نبق
     ج٤، ١١، ٣٤٢–٣٤٥.
١٢٥  «وفى قول الحكماء إن الإنسان عالم صغير»، ج٢، ١٢، ٤٥٦–٤٧٩، «في تركيب الجسد»، ج٩، ٣٧٨–٣١٥.
١٢٦  ج٢، ١٢، ٤٦٠–٤٦٣.
١٢٧  ج٢، ١٢، ٤٦٨–٤٧١.
١٢٨  «في تركيب الجسد»، ج٢، ٩، ٣٨٣-٣٨٤.
١٢٩  ج٢، ٨، ٢٤٠–٢٤٢.
١٣٠  ج٣، ١٥، ٤٨.
١٣١  ج٢، ٩، ٣٨٥، ٣٩١–٣٩٤.
١٣٢  ج٢، ٣، ٢١٤–٢١٩، ٢٢٠-٢٢١.