تمهيد
إن فكرة هذا الكتاب مباشرة إلى حدٍّ كبير، وهي تتلخَّص في فرضيةٍ ترى أن معظم النظريات الأخلاقية يُمكن تصنيفها ضمن أحد نُظُم أو مستويات التحليل النفسي الثلاثة لجاك لاكان؛ الخيالي والرمزي والواقعي، أو مزيجٍ ما من الثلاثة. وباستخدام هذه النظم على نطاق أوسع نسبيًّا، أحاول تحديد نقاط القوة والضعف في كل من نظريات الفكر الأخلاقي هذه، ومقارنتها بالجانب الأخلاقي الأكثر ثراءً في نظري للاشتراكية والعقيدة اليهودية المسيحية.
سينزعج بعض أصدقائي وقُرَّائي لرُؤيتي أضيِّع وقتي مرةً أخرى في تناول اللاهوت. صحيح أن الدِّين ثبَت أنه من أكثر المنظومات المضرَّة بالعقل في تاريخ البشرية، إلا أنَّ ذلك السرد الجدير بالازدراء عن الاضطهاد والخرافة مُستبعَد من نسخة المسيحية المطروحة في هذا الكتاب. ومن مفارقات عصرنا أنه بينما يغذِّي الدِّين أشكالًا مختلفة ومَقِيتة من الأصولية الدينية، فقد أفرز كذلك تيارًا من الفكر اللاهوتي الراديكالي؛ تيارًا يُمثل — للمفارقة — أحد الجيوب القليلة الباقية للفكر المادي في هذه الأيام المضطربة سياسيًّا، ويعدُّ في الغالب أكثر تمردًا في تداعياته السياسية من معظم الفكر العلماني اليساري. وربما من المُحزن في هذه الأيام أن يكون عِلْم الدِّين — دون غيره — هو ما ينبغي أن نلتفت إليه فيما يخص مثل تلك الأفكار التي تقلب الموازين؛ لكن لا داعي لأن نرفض الدِّين كُلِّيَّةً بسبب سلبياته.
وفي حال ظنَّ أي شخص أن كبار الكُتاب في مجال الأخلاق الذين تثار حولهم الشكوك فيما يتعلق بأخلاقهم، هم وَحْدَهم المُخَوَّلون بالكتابة عن الأخلاق، فلا يسعني سوى أن أستحضر تعليقات ماركس على أعماله — بعد إدخال التعديلات اللازمة — عندما قال إنه لم يكتب رجل عن المال بقدر ما كتب هو، ونال من المال أقلَّ مما نال هو.
دبلن، ٢٠٠٧