الثقافة والوطن١
(١) الثقافة الوطنية
منذ فجر النهضة العربية حمل المثقف العربي هموم الفكر والوطن. فقد دفعت «صدمة الحداثة» إلى التفكير في سؤال شكيب أرسلان الذي صاغه من بعد «لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟» سواء عندما كان العرب جزءًا من الخلافة العثمانية وبداية حركة القوميين العرب أو عندما أصبحت العرب دولًا تحت الاحتلال وبداية معركة الاستقلال وحركات التحرر الوطني. وفي كلتا الحالتين كانت معركة التحديث هي الأهم. فعندما كان العرب ولايات عثمانية ثم أقطارًا تحت الحماية أو الوصاية أو الاحتلال ثم أصبحوا دولًا مستقلة كان التحديث هو المطلب الرئيسي، فالقضاء على التخلف في الداخل هو شرط الاستقلال عن الخارج.
الفكر بلا وطن تجريد وصورية، ونضال في غير ميدان، وهروب من الموقع، ورصاصات طائشة في الهواء لا تدافع عن أحد، ولا تصيب أحدًا. والفكر الوطني التزام ومقاومة، تحليل وتغيير، فهم وتطوير. هو الفكر العملي، مضمونه موضوعه، وحياة المفكر قدره. والعلم بلا وطن تكسب دون تضحية، وأخذ دون عطاء، وهجرة بلا علم عاطفة هوجاء، ومغامرة غير محسوبة العواقب، وشهادة دون سياسة، وحلم دون واقع، وخيال دون تاريخ.
كانت الجامعة الأمريكية في بيروت ثورة للحياة الوطنية الفلسطينية وللتيارات الفكرية في الوطن العربي كما كانت الجامعة المصرية في ١٩٢٥ نتيجة للحركة الوطنية المصرية التي تبلورت في ثورة ١٩١٩.
(٢) القومية والاشتراكية
وقد كانت الطائفية أحد أسباب اندلاع الحرب الأهلية في لبنان ١٩٧٥وأحد أغطيتها ومبرراتها النظرية. لذلك استبعد الحزب القومي السوري الدين في صياغة الأيديولوجيات السياسية وفي بناء الأوطان. فكان حزبًا علمانيًّا خالصًا يمثل التيار العلمي العلماني عند شبلي شميل وفرح أنطون ويعقوب صروف.
(٣) الاستعمار والصهيونية
وكانت الصهيونية مثل الاستعمار، استعمارًا استيطانيًّا، لا فرق بين الاستعمار الفرنسي للبنان وسوريا والاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين. كلاهما عنصرية، عنصريةٌ صهيونية تقوم على الاختيار للشعب المختار والوعد بأرض الميعاد والنصر والغنم والمدينة والمعبد والهيكل، وعنصريةٌ غربية تقوم على القوة الرومانية والمركزية الأوروبية ونقاء البشرة البيضاء.
(٤) المجتمع الأبوي
(٥) الفلسفة المثالية
(٦) التشاؤم أم التفاؤل؟
(٧) جمر أم رماد؟
«الجمر أم الرماد» تُمثِّل البُعد الثالث في الموقف الحضاري للمثقف العربي منذ فجر النهضة العربية حتى الآن؛ فالموقف الأول الموقف من التراث القديم وأثره في الواقع المعاصر مثل «النظام الأبوي» و«إشكالية تخلف المجتمع العربي». والموقف الثاني الموقف من الغرب من خلال صلة المثقَّفين العرب به في «المثقفون العرب والغرب». أما البعد الثالث فهو الموقف الحاضر والتنظير المباشر له من خلال السيرة الذاتية مثل «الجمر والرماد» أو «صور من الماضي» حيث يبرُز الموقف الحضاري من خلال التجربة الحياتية لفرد العصر. ومنها «مقدمات لدراسة المجتمع العربي» و«النقد الحضاري للمجتمع العربي في القرن العشرين» و«السياسات والحكومات في الشرق الأوسط» و«الدبلوماسية والإستراتيجية في الصراع العربي الإسرائيلي»؛ فالواقع العربي هو المنطلق، والموروث القديم، والوافد الغربي يُعدَّان فرعيَّين فيه.
فهل المثقَّف الوطني الذي حاز ثقة شعبه واحترام الخصم هو القادر ربما على قيادة شعبه في واقع العالم الجديد، بدلًا من الخطابة والإنشاء من جانب القادة والحماس المبدئي من جانب الشعوب؟
تلك قراءة «الجمر والرماد» ضمن حوار الأجيال نُقدِّم نصوصًا مختارة منها، وتجمع بين السيرة والعمل. كنتُ أتمنى أن تكون سيرةً شاملة تُعرَض من خلالها المؤلَّفات الكاملة. ومن يدري؟ فربما تَمَّ ذلك في العيد الثمانين.