معركة جديدة في قضية المرأة

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

الطعن في الحكم

منذ صدور قرار وزارة الشئون الاجتماعية في ١٥ / ٦ / ١٩٩١م بحل الجمعية المصرية لتضامن المرأة العربية المشهرة بوزارة الشئون الاجتماعية تحت رقم ٣٢٨٢ حتى تطوع للدفاع عنها عدد من كبار المحامين في مصر، المدافعين عن الحريات العامة وحقوق الإنسان، ومنهم الأساتذة عادل أمين ونجاد البرعي ونبيل الهلالي ومحمد عصفور وعلي الشلقاني وأميرة بهي الدين ومحمود توفيق ومحمد شريف ونبيل متولي وغيرهم.

وقد تابع سير القضية منذ جلستها الأولى في ٥ / ١٢ / ١٩٩١م بمجلس الدولة عدد من الهيئات والشخصيات المهتمة بحقوق الإنسان في مصر والوطن العربي، وفي الخارج خاصة وأن الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية قد حظيت بشهرة عربية وعالمية بسبب نشاطها الدائم ومؤتمراتها الدولية المتكررة كل عامين منذ عام ١٩٨٦م. كما كانت أول منظمة نسائية عربية تحظى بالوضع الاستشاري بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة.

ولهذا تعجب الجميع حين أعلنت وزارة الشئون الاجتماعية في الصحف (بعد صدور قرار حل الجمعية المصرية المشهرة بوزارة الشئون) أن الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية لا وجود لها في عالمنا المادي الواقعي.

وقال الأصدقاء والصديقات بعد أن قرءُوا الخبر في الصحف إن الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية دليل على وجود العالم الروحي فوق ظهر الأرض.

لكن الدلائل المادية على وجود الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية كانت كثيرة ومتعددة. هي موجودة في الحافظة التي قدمها الأستاذ عادل أمين المحامي للمحكمة في أول جلسة للقضية يوم ٥ / ١٢ / ١٩٩١م مع المذكرات الأخرى.

وهذه صورة ضوئية لهذه الدلائل المادية في الحافظة، والتي تتكون من أربعة عشر مستندًا وعشرين ورقة.

١٧ شارع كمال الدين صلاح، قصر الدوبارة، القاهرة، تليفون: ٢١٩٦٨

مكتب
عادل أمين المحامي
حافظة
بالمستندات المقدمة من الدكتورة/ نوال السيد السعداوي (المدعية)
في القضية رقم ٦٦٨٤ لسنة ٤٥ قضائية
المحدد لها جلسة الخميس ٥ ديسمبر ١٩٩١م
أمام محكمة القضاء الإداري، دائرة منازعة الأفراد.
رقم عدد تاريخ المستند موضوع المستند
١ ٤ ورقات النظام الأساسي للجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية.
٢ ورقة واحدة ٥ / ٨ / ١٩٩١م خطاب المدعية إلى مدير إدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية.
٣ ورقة واحدة ١٠ / ٨ / ١٩٩١م خطاب مدير إدارة الهيئات الدولية إلى المدعية.
٤ ورقة واحدة ١٨ / ٧ / ١٩٩١م خطاب مدير إدارة الهيئات الدولية إلى المدعية بخصوص انعقاد المؤتمر الدولي الثالث لجمعية تضامن المرأة العربية في القاهرة بتاريخ ٢٤ / ٧ / ١٩٩١م.
٥ ورقتان ١٥ / ٩ / ١٩٩٠م خطاب المدعية إلى رئيسة المنظمات غير الحكومية بهيئة الأمم المتحدة بخصوص أعضاء مجلس إدارة الجمعية الجديد.
٦ ورقتان ٥ / ٥ / ١٩٨٥م خطاب رئيسة وحدة المنظمات الدولية بهيئة الأمم المتحدة الخاص باعتبار جمعية تضامن المرأة العربية منظمة غير حكومية.
٧ ورقة واحدة ١٨ / ٧ / ١٩٩١م خطاب المدعية إلى مدير البنك الأهلي فرع جاردن سيتي.
٨ ورقة واحدة ٢١ / ٧ / ١٩٩١م رد مدير البنك الأهلي، فرع جاردن سيتي إلى المدعية بخصوص حساب الجمعية بالبنك.
٩ ورقة واحدة ٢ / ٦ / ١٩٩١م خطاب إدارة الجمعيات إلى مدير عام بنك ناصر، فرع مصطفى كامل، بخصوص حساب الجمعية المصرية.
١٠ ورقة واحدة ١٧ / ٧ / ١٩٩١م خطاب المدعية إلى مدير عام الشئون القانونية ببنك مصر.
١١ ورقة واحدة ٤ / ٧ / ١٩٩١م تأشيرة مدير عام الشئون القانونية ببنك مصر.
١٢ ورقة واحدة البيان الصادر عن الندوة التي عقدتها الجمعية الدولية عن أزمة الخليج العربي.
١٣ ورقتان ١٥ / ١ / ١٩٩١م خطاب المدعية إلى مدير عام إدارة غرب القاهرة لشئون الجمعيات ردًّا على خطابها المؤرخ ٦ يناير ١٩٩١م بشأن المخالفات.
١٤ ورقتان ٤ / ٩ / ١٩٩١م خطاب المدعية إلى مدير إدارة الهيئات الدولية بخصوص نقل مقر الجمعية الدولية إلى الجزائر.
أربعة عشر مستندًا في واحد وعشرين ورقة. 
وكيل المدعية

•••

رغم هذه الدلائل المادية العشرين، فإن الحكم صدر عن المحكمة، وكأنما هذه الدلائل غير موجودة! وبالتالي أيدت المحكمة قرار وزارة الشئون الاجتماعية، واستندت في ذلك إلى تقرير كتبه ضد الجمعية مدير عام بوزارة الشئون الاجتماعية.

في نهاية هذا التقرير طلب المدير العام بوزارة الشئون الاجتماعية ثلاث طلبات أساسية:
  • أولًا: التحقيق مع نوال السعداوي رئيسة الجمعية على ما ارتكبته من مخالفات جسيمة ضد سياسة الدولة وضد الإسلام والشريعة! بالإضافة إلى المخالفات الإدارية والمالية الجسيمة!
  • ثانيًا: حل الجمعية.
  • ثالثًا: إبلاغ الأمن العام المصري لتعقب ذلك التنظيم غير الشرعي الذي تديره السيدة نوال السعداوي.

هذه هي الطلبات الثلاث التي كتبها بخط يده السيد المدير العام بوزارة الشئون الاجتماعية.

وقد لبت وزارة الشئون الاجتماعية الطلب بحل الجمعية، وأصدرت قرارها بالحل في ١٥ / ٦ / ١٩٩١م. ولا أعرف إن كان الأمن المصري قد تلقى الإشارة، وأصبح يتعقبني ليكتشف ذلك التنظيم السري الذي أقوده، والذي أبلغ عنه السيد المدير العام بوزارة الشئون الاجتماعية.

أما الطلب الثالث وهو التحقيق مع نوال السعداوي فهو لم يحدث، وهذا شيء غريب جدًّا، أن تكال جميع هذه الاتهامات الخطيرة فوق رأس رئيسة الجمعية نوال السعداوي، دون أن تقدم للمحاكمة العلنية أمام الشعب والرأي العام؟!

إن العدالة تقتضي أن الإنسان بريء حتى تثبت الإدانة، والإدانة لا تثبت إلا بالتحقيق أو المحاكمة، فلماذا لم تحدث تلك المحاكمة؟!

ولأنها لم تحدث، فإن جميع الاتهامات أو الأحكام أو القرارات بما فيها قرار حل الجمعية كلها باطلة، ولا أساس لها من الصحة.

ولهذا بادرت برفع قضية عاجلة أمام مجلس الدولة، وقدم المحامون الوثائق والمذكرات.

قال لي بعض الأصدقاء إنني أتمتع بكمية هائلة من التفاؤل الطفولي، وكانت زميلاتي في سجن القناطر يطلقون عليَّ اسم «التفاؤل الساذج»، لأني تصورت أننا سنخرج من السجن ونرى الحرية قبل أن توافينا المنية، وحدث فعلًا أن خرجنا من السجن بعد موت السادات بشهرين، وهكذا احتفظت بما سمي «التفاؤل الساذج»، وأعلنت في جميع الصحف المحلية والعالمية توقعي بأن يوقف الحكم قرار وزارة الشئون الاجتماعية بحل الجمعية.

ثم جاء الحكم! ومع ذلك لم أفقد تفاؤلي الطفولي، إن الطفلة داخلي ترفض محاولات الطرد أو الخنق، إنها مثل نطفة من القوة الإلهية، لا يمكن أن تموت؛ ولهذا رغم كل شيء لا تغيب الابتسامة فوق وجهي، وليس من قوة في العالم بقادرة على قتل التفاؤل الساذج في أعماقي.

ولهذا ما إن قرأت الحكم حتى قلت: سأطعن في هذا الحكم! وسوف تنتصر العدالة لا بد!

يئس بعض الأصدقاء والصديقات وقالوا: مستحيل! قلت: ليس عندي مستحيلات!

وشجَّعني المحامون على تقديم الطعن، وقال لي أحدهم: «ونقدم أيضًا دعوى مخاصمة!» لكن أغلب المحامين رأوا الاكتفاء بتقديم الطعن في الحكم، أما دعوى المخاصمة فلم يحدث أن وقف قاضٍ ضد زميله القاضي، وبالتالي فإن رفع دعوى المخاصمة لن يفيد كثيرًا، وقد تم تقديم الطعن يوم ٨ / ٦ / ١٩٩٢م للمحكمة الإدارية العليا بعد أن كتبه وصاغه الأستاذ نجاد البرعي المحامي.

وقد أرفقت نص الطعن في الملحق في نهاية الكتاب، وهو يرتكز على النقاط الأساسية التالية (مع التلخيص):
  • (١)

    يشكل هذا الحكم سابقة خطيرة في مجال تفسير نصوص القوانين المقيدة للحريات، والتي استقر قضاء مجلس الدولة على تفسيرها تفسيرًا ضيقًا وعلى الانحياز فيها لمبادئ الحرية ضد قيود الجهة الإدارية.

  • (٢)

    قانون الجمعية ٣٢ لسنة ١٩٦٤م يتناقض مع المادة «٥٥» من الدستور التي أطلقت حق تكوين الجمعيات للمواطنين في مصر.

  • (٣)

    هذا الحكم لم ينظر إلى المستندات والمذكرات التي تقدم بها المحامون، ولم ينظر إلا إلى وجهة نظر وزارة الشئون الاجتماعية.

  • (٤)

    قرار وزارة الشئون الاجتماعية بحل الجمعية معيب شكلًا ومضمونًا: من ناحية الشكل جاء القرار خاليًا من الأسباب، والقانون يشترط ذكر أسباب الحل في صلب القرار نفسه حتى يصبح القرار صحيحًا من الناحية الشكلية.

  • (٥)

    بالإضافة إلى الشكل، فإن وزارة الشئون الاجتماعية لم تأخذ رأي الاتحاد الإقليمي للجمعيات قبل أن تصدر قرارها، وهذا مخالف لنص المادة «٥٧» من القانون ٣٢ لسنة ١٩٦١م

  • (٦)

    تفويض نائب محافظ القاهرة لإصدار قرار الحل معيب في الشكل؛ لأن هذا التفويض غير مشروع، وترجع عدم مشروعيته لعدم نشره نشرًا سليمًا، وإلا كان باطلًا وأدى ذلك إلى خطئه في تطبيق القانون.

  • (٧)

    من ناحية المضمون فهناك خطأ في الحكم، حيث إنه استخلص أن مكاتبات وزارة الخارجية المصرية تقطع بعدم وجود جمعية دولية مسجلة لديها باسم جمعية تضامن المرأة العربية، في حين أن الثابت من الأوراق هو خلاف ذلك، حيث تثبت هذه الأوراق الرسمية من إدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية وجود الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية، وحصولها على الوضع الاستشاري بالأمم المتحدة، وفتحها حسابًا في بنك مصر، فرع مصطفى كامل، بتصريح من وزارة الخارجية، وكذلك المؤتمرات الدولية التي عقدتها، بما فيها المؤتمر الدولي الثالث، والذي حصلت فيه على تصريح من الخارجية بعد صدور قرار حل الجمعية المحلية المشهرة بوزارة الشئون الاجتماعية.

  • (٨)

    الثابت من الأوراق أن الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية تتعامل مع وزارة الخارجية، وأن النظام الأساسي لها يخالف بالقطع النظام الأساسي للجمعية المحلية، وواضح الاختلاف من مجرد قراءة الوثيقتين، فإحداهما أي الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية تعمل في كل أرجاء الوطن العربي، والأخرى — أي الجمعية المحلية — تعمل داخل مصر فقط، كما أن المؤسسين للجمعية المحلية كلهم مصريون، في حين أن أعضاء الجمعية العمومية ومجلس إدارة الجمعية الدولية من جنسيات عربية مختلفة.

  • (٩)

    الثابت من ردود وزارة الخارجية على وزارة الشئون الاجتماعية أنها لم تنكر وجود الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية، ولكنها كلها تؤكد على أمر واحد هو: «ليس مدرجًا بميزانية وزارة الخارجية أية اشتراكات أو إعانات تتعلق بهذه الجمعية.»

    فهل من المنطق السليم أن يستخلص الحكم من قولة وزارة الخارجية — أنها لا تعطي إعانات لجمعية معينة — عدم وجود مثل تلك الجمعية؟!

  • (١٠)
    في أحد ردود وزارة الخارجية على الشئون الاجتماعية جاءت هاتان العبارتان:
    • (أ)

      إن إدارة الهيئات الدولية ليست جهة تسجيل للجمعيات ذات الصيغة الدولية … وإن جمعية تضامن المرأة العربية الدولية كان يجب أن تسجل نفسها لدى وزارة الشئون الاجتماعية إذ كان مقرها القاهرة.

    • (ب)

      إن حصول جمعية تضامن المرأة العربية على الوضع الاستشاري لدى الأمم المتحدة قد تم دون الرجوع لوزارة الخارجية، وإن هذا الوضع الاستشاري لا يمنحها وضعًا دوليًّا تفرضه على السلطات الرسمية المحلية، دون أن تسجل نفسها لدى هذه السلطات.

  • (١١)

    إن هذه العبارات لا يمكن أن تعني عدم وجود الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية، بل العكس، لأنها تتحدث عن جمعية دولية لم تسجل نفسها لدى وزارة الشئون الاجتماعية، وهذه الجمعية طبعًا غير الجمعية المحلية المسجلة لدى وزارة الشئون الاجتماعية رقم ٣٢٨٢ والتي صدر القرار بحلها في ١٥ / ٦ / ١٩٩١م.

  • (١٢)

    وزارة الخارجية تتحدث عن جمعيتين اثنتين: واحدة دولية لم تسجل نفسها لدى وزارة الشئون الاجتماعية والثانية محلية سجلت نفسها وتم حلها وهي مثار النزاع.

  • (١٣)

    انعدام الأسباب القانونية التي بُني عليها الحكم، وخطأ المحكمة عند أول درجة في تطبيق القانون بتخليه عن رقابته عن أسباب القرار، ومتابعته لأقوال وزارة الشئون الاجتماعية دون دليل يؤكد تلك الأقوال في الأوراق.

  • (١٤)

    خرج الحكم عن المبادئ المستقرة للعدالة، وبدلًا من أن يتأكد من صحة الوقائع التي نسبتها وزارة الشئون الاجتماعية إلى الجمعية (التي كانت مسجلة لديها) وعما إذا كان لها أصل ثابت في الأوراق من عدمه، فإنه قد تابع وزارة الشئون في أقوالها المرسلة وأصبح لها بمثابة الصدى للصوت.

  • (١٥)

    إن هذا الحكم مطعون فيه، لأن الحكم الصحيح يجب أن ينتهي إلى أن سبب القرار كان حقيقيًّا لا وهميًّا ولا صوريًّا، وصحيحًا ومستخلصًا استخلاصًا سائغًا من أصول ثابتة نتيجةً وقانونًا، تتحقق فيه الشرائط والصفات الواجب توافرها فيه قانونًا. وهذا لم يحدث، لأن وزارة الشئون الاجتماعية لم تقدم دليلًا واحدًا على صحة الاتهامات التي كالتها للجمعية المحلية.

  • (١٦)

    أسندت وزارة الشئون الاجتماعية إلى الجمعية أنها أقامت مؤتمرًا باسم مؤتمر الصحافة النسائية من ٤–٧ سبتمبر ١٩٩٠م وتناول هذا المؤتمر بالهجوم سياسة مصر بالنسبة لأزمة الخليج، والغريب أن وزارة الشئون لم تقدم شيئًا يفيد صحة قولها هذا، وكل ما قدمته كان خاصًّا بمؤتمر أقامته الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية من ١–٣ سبتمبر ١٩٨٦م في مبنى جامعة الدول العربية. وقد تم هذا المؤتمر بموافقة وزارة الخارجية كما هو ثابت في الأوراق، وبالطبع فإنه في عام ١٩٨٦م لم تكن هناك أزمة خليج ولا احتلال عراقي للكويت مما يلقي بظلال الشك على مزاعم وزارة الشئون الاجتماعية، ولو كان الحكم قد درس حتى مستندات وزارة الشئون بعناية لاكتشف هذه المفارقة المدهشة بمنتهى السهولة!

  • (١٧)

    إن مجرد إصدار نشرة غير دورية توزع على أعضاء الجمعية لا يمكن أن يعتبر مخالفة للقانون، بالإضافة أن أحد أهداف الجمعية في نظامها الأساسي هو إصدار مجلة اجتماعية وعلمية للمرأة.

  • (١٨)

    يجب أن نتوقف عند الاتهام الذي جاء في تقرير وزارة الشئون، ثم تردد على لسان الحكم وهو مخالفة الجمعية والمجلة للآداب العامة.

    وماذا يعني ذلك؟ إن مخالفة الآداب العامة تعني مخالفة الأسس الخلقية التي ينهض عليها كيان الجماعة، وهي تتضمن أعمال الدعارة والمقامرة أو العلاقة الجنسية خارج نطاق الزواج، وتكون هذه التهمة — مخالفة الآداب العامة — تهمة تُستَنكر أن يرمي حكم قضائي له حجيته الجمعية بمثلها؛ خاصة أن الأوراق جاءت خالية من أي مستند يؤكد أن الجمعية — وهي جمعية علمية ثقافية — قد خالفت الآداب العامة بالمفهوم الذي أوردناه — أو حتى بغيره إن كان هناك غيره — وإن كانت وزارة الشئون والحكم قد رددا هذه التهمة، فإننا سوف نترك الرد لقضاء المحكمة الإدارية العليا.

  • (١٩)

    لم تقدم وزارة الشئون أعداد مجلة نون أو نشرة المرأة العربية والتي تزعم أنها احتوت على مجالات سياسية ودينية، أو تشكيك في أنظمة الزواج والطلاق حتى يستطيع القضاء الحكم فيما إذا كانت هذه المزاعم حقيقية أم لا.

  • (٢٠)

    حددت وزارة الشئون في تقريرها أن تلك المخالفات المزعومة قد وردت في عددين فقط، هما العدد الأول من مجلة نون مايو ١٩٨٩م، والعدد الأول من النشرة مايو ١٩٩٠م وكان بوسع وزارة الشئون أن تقدم هذين العددين، كما كان بوسع محكمة القضاء الإداري أن تأمرها بتقديمها ولكنها لم تفعل.

  • (٢١)

    كل ما أخذته وزارة الشئون على المجلة أو النشرة أنها ناقشت مسائل الأحوال الشخصية، من أنظمة زواج وطلاق، وتعدد زوجات، والحجاب والنقاب، والتعريض ببعض رجال الدين. أو أنها تدعو إلى التفكير العقلاني العلماني، وهذه كلها أشياء لا علاقة لها بالأمور السياسية. وهذا في حد ذاته يؤكد أن كل ما ورد في حكم المحكمة الإدارية من أن النشرة تجادل في السياسة، أو تسيء للعلاقات بين مصر والدول الأخرى، لم يثبت حتى في تقرير وزارة الشئون الاجتماعية فضلًا عن عدم وجود أية مستندات تؤيده.

  • (٢٢)

    إن كل ما نشرته المجلة أو النشرة يدخل في عداد البحث العلمي، والذي كفله الدستور في المادة «٤٩»: «تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني.»

  • (٢٣)

    يتضح أن جميع المخالفات الواردة في الحكم ضد الجمعية لم تقع.

  • (٢٤)

    ولو فُرض جدلًا أنها وقعت، فقد كان في إمكان وزارة الشئون أن تعزل المسئولين في مجلس إدارة الجمعية عن الخطأ، أو تعين مديرًا جديدًا أو مجلس إدارة مؤقتًا، بدلًا من حل الجمعية كلها!

  • (٢٥)

    إن قرارًا بحل الجمعية وتحويل أموالها إلى جمعية أخرى (نساء الإسلام) هو خطأ من الناحية القانونية حسب نص المادة «٦٠» من قانون ٣٢ لسنة ١٩٦٤م.

    لكل ما سبق فإننا نطلب الآتي:
    • أولًا: قبول هذا الطعن (في الشكل).
    • ثانيًا: (في الموضوع) تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون لتأمر بإحالة القضية إلى المحكمة الإدارية العليا، لتقضي بإلغاء الحكم المطعون فيه، ووقف تنفيذ القرار المطعون فيه.

(١) ما هو السر وراء كل هذا؟

تعددت الآراء حول الدوافع غير المعلنة، أو السر وراء هذه الهجمة المفاجئة ضد الجمعية ونشرتها بلا أسباب معلومة ولا تحقيق ولا أوراق تثبت الاتهامات؟!

ومن قائل إن عضوة بالجمعية قدمت شكوى كيدية، لكن لماذا لم يُحقَّق في هذه الشكوى؟! وهل يمكن أن تُحَل جمعية لمجرد أن فردًا ما قدم شكوى لم تثبت صحتها؟

ومن قائل إن مقدمة الشكوى لها اتصالات بالأجهزة ذات النفوذ، لكن مهما كانت هذه الاتصالات، فهل يمكن أن يحدث مثل هذا في بلد مثل مصر لها تاريخ في احترام القانون؟

ومن قائل إنها ضغوط العربية السعودية، لأن مجلة نون أو نشرة الجمعية نشرت نقدًا لكتاب شيخ سعودي كبير (الشيخ ابن باز). لكن هل تبلغ مثل هذه الضغوط على الأجهزة الحكومية إلى حل مثل هذه الجمعية؟

ومن قائل إنها ضغوط القوى السياسية الدينية المتصاعدة أو ضغوط إسرائيلية أو أمريكية أو … أو …

ومن قائل إن قرار حل الجمعية إنما هو ضد نوال السعداوي شخصيًّا، لأن السلطة الحاكمة غاضبة عليها. لماذا؟ لا أحد يعرف.

وترددت الشائعات والأقاويل والتفسيرات لهذا اللغز أو السر الكبير الذي سأحاول (على قدر المستطاع) أن أكشف عنه.

(٢) عن تاريخ الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية

  • (١)

    نشأت الفكرة خلال السبعينيات، ثم تبلورت في اجتماع النساء العربيات خلال المؤتمر العالمي للمرأة الذي نظمته الأمم المتحدة، في كوبنهاجن عام ١٩٨٠م.

  • (٢)
    تأسست الجمعية عام ١٩٨٢م من ١٢٠ امرأة عربية من مصر والجزائر وتونس والكويت والأردن والعراق والمغرب ولبنان،١ ووضع دستورها أو نظامها الأساسي كهيئة دولية عربية غير حكومية تهدف إلى رفع الوعي بحقوق المرأة العربية، وتنظيم المرأة لتصبح قوة سياسية فعالة، كما تسعى إلى تمكين المرأة العربية من المشاركة الفعالة في نضال الشعوب العربية، من أجل الاستقلال القومي للتنمية والديمقراطية والوحدة. وتنص المادة «١٩» من هذا النظام الأساسي للجمعية الدولية على أن يكون مقر المنظمة القاهرة، فإن تعذر ذلك يقوم مجلس الإدارة باختيار مقر مؤقت في إحدى الدول العربية، وتنص المادة «١٦» في فقرتها الثانية على أن أحد المصادر المالية للمنظمة هي التبرعات أو المنح غير المشروطة المقدمة من أشخاص أو جهات لا تتعارض أهدافها مع أهداف الجمعية، أو أي موارد أخرى ترتبط بنشاط الجمعية.
  • (٣)

    حصلت الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية على المركز الاستشاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، حسب الكتاب الرسمي الموجه إلى رئيسة الجمعية «د. نوال السعداوي» من السيدة «فيرجينيا ساروين» الرئيسة الإدارية للمنظمات الدولية بالأمم المتحدة، نيويورك، في ٢٢ مايو ١٩٨٥م.

    وسُجِّلت جمعية تضامن المرأة العربية في وثائق الأمم المتحدة كالآتي: جمعية تضامن المرأة العربية هي جمعية دولية تهدف إلى تنمية النساء العربيات، وتقوية الروابط بينهن وبين الجمعيات الدولية الأخرى التي تشترك في الأهداف ذاتها، وتحقيق أهدافها من خلال المؤتمرات الدولية ومشاريع البحث وإصدار مجلة دورية.

  • (٤)

    أقامت الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية مؤتمرها الدولي الأول من ١–٣ سبتمبر ١٩٨٦م تحت عنوان «التحديات التي تواجه المرأة العربية في نهاية القرن العشرين»، عُقد المؤتمر بموافقة وزارة الخارجية (إدارة الهيئات الدولية) في القاعة الرئيسية لجامعة الدول العربية بالقاهرة، وحضره حوالي ٤٠٠ من النساء والرجال من مختلف البلاد، وطُبعت البحوث بالعربية والإنجليزية.

  • (٥)

    قامت الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية بفتح حساب لها في بنك مصر، فرع مصطفى كامل، وتم ذلك بكتاب في ٢٨ / ٩ / ١٩٨٦م من وزارة الخارجية (إدارة الهيئات الدولية)، كما تم اعتماد محضر اجتماع الجمعية العمومية وعضوات مجلس الإدارة المنتخبات في ٣ / ٩ / ١٩٨٦م — من وزارة الخارجية والشهر العقاري — واعتماد حق التوقيع لرئيسة الجمعية وأمينة الصندوق (ليلى أحمد طه، من السودان)، وسُلِّمت جميع الأوراق إلى بنك مصر، ثم فُتح الحساب بالعملة المصرية والأجنبية.

  • (٦)

    قامت الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية بتنظيم المؤتمر الثاني الدولي تحت عنوان «الفكر العربي المعاصر للمرأة» (من ١–٤ أكتوبر ١٩٨٨م)، وقد طبعت البحوث باللغة العربية والإنجليزية.

  • (٧)

    تم عقد الجمعية العمومية للجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية بتاريخ ٦ / ٩ / ١٩٩٠م بالقاهرة، وانتخبت مجلس إدارة جديد من ١٥ امرأة عربية (من مصر والسودان والأردن ولبنان والكويت وليبيا وسوريا واليمن والمغرب والجزائر). وتم اعتماد مجلس الإدارة وأمينة الصندوق بتاريخ ١٩ / ٩ / ١٩٩٠م من وزارة الخارجية، وأرسل بخطاب رسمي إلى بنك مصر، فرع مصطفى كامل.

  • (٨)
    بدأت جمعية تضامن المرأة العربية في الإعداد لمؤتمرها الدولي الثالث تحت عنوان «المرأة والديمقراطية والتنمية في البلاد العربية» في الفترة من ٢٤–٢٧ نوفمبر ١٩٩١م، وحصلت على موافقة وزارة الخارجية على عقد هذا المؤتمر بالكتاب الرسمي من مدير إدارة الهيئات الدولية في ١٨ / ٧ / ١٩٩١م.٢

(٣) هل الجمعية الدولية لتضامن المرأة تنظيم سري؟!

هل يمكن بعد كل ذلك الادعاء بأن الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية هي تنظيم سري تديره الدكتورة نوال السعداوي، وتتخذ مقرًّا له في مصر؟! وأنها فتحت حسابًا في بنك مصر فرع مصطفى كامل بالعملة الأجنبية بدون إذن من الجهة الإدارية؟! واتصلت بالهيئات الأجنبية وحصلت على تبرعات ومنح دون إذن الجهة الإدارية؟!

هذا هو مضمون التقرير السري جدًّا الذي قدمه مدير عام وزارة الشئون الاجتماعية (أ. محمد حسين حمدي) بتاريخ ٥ / ١١ / ١٩٩٠م إلى وزيرة الشئون الاجتماعية، والذي يقول في صفحته الأخيرة إنه لا بد من التحقيق معها (د. نوال السعداوي) بشأن تكوين نشاط في مصر تحت اسم جمعية لا وجود لشرعيتها … وحل الجمعية لخروجها عن الأغراض المحددة … والدخول بالجمعية في مجادلات دينية وسياسية من خلال ما تصدره من مجلات ونشرات وما تعقده من ندوات … وإخطار الأمن العام المصري لمتابعة التنظيم الذي تقوده السيدة/ نوال السعداوي، وتتخذ له مقرًّا دائمًا في مصر … والتستر من خلاله في عقد مؤتمرات، واتخاذ مواقف ضد السياسة العامة للدولة، مع رصد ومتابعة حركة النشاط في مصر والدول العربية والمنظمات المتعاونة معها في ذلك.

(٤) هذا الاتهام الخطير؟!

هل يمكن لأحد أن يتصور مثل هذا الاتهام الخطير، والذي صدر بدون تحقيق، والذي يُوجَّه ضد كاتبة مصرية معروفة بمواقفها الوطنية، وأفكارها المنشورة في مقالات وكتب علمية وأدبية، ما بين الرواية والقصة والمسرحية والدراسات العلمية، وقد ترجم منها إلى معظم لغات العالم ستة عشر مؤلفًا أدبيًّا وعلميًّا، وتدرس مؤلفاتها في عدد من جامعات العالم في الغرب والشرق؟

(٥) موقف وزارة الشئون الاجتماعية من الجمعية المصرية لتضامن المرأة العربية

بعد تأسيس الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية عام ١٩٨٢م، واعتبار القاهرة مقرًّا رئيسيًّا لها، كان لا بد لنا من تأسيس الفرع المصري لهذه الجمعية، وتسجيله في وزارة الشئون الاجتماعية، كما هو المتبع في الجمعيات المصرية.

فماذا كان موقف وزارة الشئون الاجتماعية؟!

جاءنا الخطاب الرسمي بتاريخ ٩ / ٨ / ١٩٨٣م من مدير عام وزارة الشئون الاجتماعية (أ. صادق حنا) يقول فيه إنه بعد الاطلاع على رد مديرية أمن القاهرة، إدارة البحث الجنائي، قسم مكافحة جرائم الآداب العامة، المؤرخ في ١ / ٨ / ١٩٨٣م، فقد تقرر رفض شهر جمعية تضامن المرأة العربية، لعدم موافقة مباحث أمن الدولة على الشهر.

(٦) مقالات غاضبة

أثار هذا الخطاب غضب الكثيرين من الكُتَّاب في مصر، ومنهم الأستاذ فتحي رضوان، الذي كتب في جريدة الشعب مقالًا تحت عنوان «دولتنا بوليسية»، والأستاذ مصطفى أمين الذي تناول الموضوع في عموده «فكرة»، وكذلك الأستاذ صلاح حافظ في مقالته: «دليل المرأة المصرية في التعامل مع الحكومة المصرية» بجريدة الجمهورية.

(تراجع المقالات السابقة وغيرها بالملحق.)

ولم تهتم وزارة الشئون بما كُتب في الصحف، وبدأت بعض العضوات بالجمعية الانسحاب في صمت حرصًا على سمعتهن، وكانت حجتهن أن «العيار اللي ما يصيب يدوش». والموظفات منهن في الحكومة خشين أن يفقدن وظائفهن أو يصيبهن الضرر من الانضمام لجمعية لا تريدها الحكومة.

لكن بعض العضوات واصلن الكفاح والعمل وعدم الاستسلام لقرار وزارة الشئون الاجتماعية، لجأنا إلى المحامين والقضاء والقانون. لكن القانون ليس فيه بند واحد يساندنا في مثل تلك الحالة، وواصلنا عن طريق الرأي العام، إلى أن نجحنا في تسجيل الجمعية بوزارة الشئون في ٧ يناير ١٩٨٥م تحت رقم ٣٢٨٢.

(٧) بيان عن أزمة الخليج

على مدى ست سنوات أصبح نشاط الجمعيتين، الدولية والمصرية، بارزًا على المستوى المحلي والعربي والعالمي، وصدر الكثير من المطبوعات باللغتين العربية والإنجليزية، ومنها ثمانية أعداد من مجلة «نون»، أو نشرة الجمعية التي صدرت كل ثلاثة شهور من مايو ١٩٨٩م إلى مايو ١٩٩٠م.

ونشرت الصحف في مصر والوطن العربي عن العديد من الندوات والمؤتمرات والأنشطة التي قامت بها الجمعية الدولية والمحلية.

لكن وزارة الشئون الاجتماعية ظلت على موقفها العدائي من الجمعية المصرية المشهرة بوزارة الشئون تحت رقم ٣٢٨٢. ولم تكفَّ عن إرسال لجان التفتيش إلى الجمعية، وتهديد بعض عضواتها العاملات في الإدارات الحكومية، أو اضطهادهن.

وظلت وزارة الشئون الاجتماعية تتربص إلى أن حانت لها الفرصة خلال الندوة الدولية للصحافة النسائية التي عقدت بالقاهرة من ٤–٧ سبتمبر ١٩٩٠م، وحضرها عدد كبير من النساء من مختلف البلاد العربية، وفي نهاية الندوة أصدرت المشاركات بيانًا صحفيًّا عن أزمة الخليج كالآتي:

بيان عن أزمة الخليج العربي

نحن النساء المشاركات في الندوة الدولية عن الصحافة النسائية والنشر التي تقيمها جمعية تضامن المرأة العربية بالتعاون مع اليونسكو في الفترة ما بين ٤–٧ سبتمبر ١٩٩٠م، نتوجه إلى الهيئات الشعبية والحكومية في العالم العربي بأن نتكاتف معًا ضد الحل العسكري لأزمة الخليج، ونطالب بإنهاء التدخل الأمريكي المسلح وانسحاب جميع القوات الأجنبية من المنطقة، كما نطالب بانسحاب القوات العراقية المسلحة من الكويت، والسعي نحو إيجاد حل سلمي للأزمة، يضع في اعتباره مصالح الشعبين العراقي والكويتي، وكذلك مصالح الشعوب العربية الأخرى، للاستفادة من الثروات البترولية التي ما زالت تخدم أهدافًا لا علاقة لها بمصالح الأغلبية الساحقة من الجماهير العربية نساءً ورجالًا، كما نطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة، واستمرار المساندة المادية والمعنوية للثورة الفلسطينية والانتفاضة في الأرض المحتلة، كما أنه سيتم تشكيل وفد من المشاركات في الندوة للسفر إلى بغداد وواشنطن للقاء الرئيسين صدام حسين وجورج بوش للمطالبة بحل سلمي للأزمة.

اعتبرت وزارة الشئون أن هذا البيان مخالف لموقف الحكومة المصرية الرسمي من حرب الخليج، وبالتالي اتهمتنا بالعمل ضد مصالح البلاد العليا، عرفنا هذا فيما بعد، حين أطلعنا المحامون على صورة من التقرير السري الذي كتبه مدير عام بوزارة الشئون الاجتماعية، والذي استقت منه المحكمة الإدارية بمجلس الدولة حكمها الذي صدر يوم ٧ مايو ١٩٩٢م.

(٨) محظور الجدل السياسي والديني

وفي يوم ٢٢ / ١١ / ١٩٩٠م، تلقينا خطابًا رسميًّا من وزارة الشئون الاجتماعية تقول فيه إنه محظور على الجمعيات والروابط المشهرة أن تجادل في الأمور السياسية أو العقائد الدينية طبقًا لأحكام البند «٣» من لائحة النظام الأساسي المشهر (إمضاء المدير العام: فاطمة السيد حسني، ٢٢ / ١١ / ١٩٩٠م).

(٩) التشكيك في النظام وإشاعة الأفكار العلمانية

بعد ذلك جاءتنا لجنة من وزارة الشئون الاجتماعية للتفتيش على أعمال الجمعية، وقدم رئيس اللجنة إلى وزارة الشئون في ٥ / ١١ / ١٩٩٠م تقريرًا من عشرين صفحة بخط اليد تحت عنوان «سري جدًّا»، اتهم فيه الجمعية ورئيستها بالعمل ضد السياسة العامة للدولة، وقيادة تنظيم تحت اسم جمعية لا وجود لشرعيتها، وفتح حساب بالعملة الأجنبية دون موافقة وزارة الشئون، ومعاداة الإسلام والشريعة الإسلامية من خلال مجلة «نون» وندوات الجمعية، والتعرض لشخصيات دينية كبيرة منها الشيخ ابن باز في مقال بالمجلة، والتشكيك في النظام، وإشاعة الفوضى والبلبلة والأفكار العلمانية. انظر الملحق.

(١٠) كتاب الشيخ ابن باز

وبالرغم من أنه أسهب في بعض التفصيلات الواردة في بعض مقالات المجلة، فإنه لم يذكر شيئًا عما جاء في المقال الخاص بكتاب الشيخ ابن باز، مما هو ضد الإسلام أو الشريعة.

ويناقش التقرير «السري جدًّا» الأفكار الواردة في المقالات المنشورة بعدد «نون» مايو ١٩٨٩م، وعدد النشرة في مايو ١٩٩٠م. ويحكم عليها بأنها أفكار علمانية، وأن العلمانية في تركيا في عهد كمال أتاتورك قد أودت بالشعب التركي الذي لا يزال يعاني من جراء هذا. ثم يحكم على مقالات المجلة والنشرة كلها، وموضوعات الندوات بأنها جميعًا من المسائل الجدلية في الأمور السياسية والدينية المحظورة على الجمعيات.

في حين أن لائحة النظام الأساسي للجمعية المصرية لتضامن المرأة العربية تنص على أنها جمعية علمية ثقافية دينية، ومعنى ذلك أن من ضمن أغراض الجمعية المشهرة بوزارة الشئون نشر العلم والمعرفة والثقافة الدينية، وهذا ما فعلناه من خلال الندوات والمجلة والنشرة، فقد بذلنا الجهود العلمية لنشر الثقافة الدينية الصحيحة التي تنشد الجوهر، وليس القشور والشكليات.

(١١) قرار الحل في ١٢ يونيو ١٩٩١م

وصلنا بالبريد قرار وزارة الشئون الاجتماعية في ١١ يوليو ١٩٩١م، بحل الجمعية المشهرة تحت رقم ٣٢٨٢ (القرار رقم ١٩ الصادر في ١٢ / ٦ / ١٩٩١م من نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية بحل جمعية تضامن المرأة العربية وأيلولة أموالها إلى جمعية نساء الإسلام).

مدير عام الشئون القانونية في بنك مصر يرفض التحفظ على حساب الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية

لم تتحفظ وزارة الشئون الاجتماعية على حساب الجمعية المصرية لتضامن المرأة العربية المشهرة بها، والذي هو في البنك الأهلي، فرع جاردن سيتي، وقد فتح بناء على خطاب من وزارة الشئون الاجتماعية، لكنها عمدت إلى التحفظ على حساب الجمعية الدولية ببنك مصر، فرع مصطفى كامل، فأرسلت خطابها بتاريخ ٢ / ٦ / ١٩٩١م (أي قبل صدور قرار الحل في ١٥ / ٦ / ١٩٩١م) إلى مدير بنك مصر للتحفظ على هذا الحساب، لكن مدير عام الشئون القانونية ببنك مصر رفض التحفظ على هذا الحساب، وكتب إلى وزارة الشئون الاجتماعية يفيدها أن الحساب في بنك مصر، فرع مصطفى كامل، يخص الجمعية الدولية، وهي جمعية مغايرة للجمعية الخاضعة لإشراف وزارة الشئون الاجتماعية (مستند رقم ١١، حافظة مستندات الأستاذ عادل أمين محامي الجمعية، المقدمة بجلسة ٥ / ١٢ / ١٩٩١م أمام المحكمة الإدارية بمجلس الدولة)، وهكذا استطعنا سحب المبلغ من البنك والذي أرسلته منظمة اليونسكو إلى الجمعية الدولية بخصوص مشروع النهوض بالمرأة الريفية في أربعة بلاد عربية.

موقف الرأي العام من قرار الحل

أصاب هذا القرار الغريب غضب عدد من الجمعيات والكتَّاب والصحفيين، في جرائد المعارضة والحكومة على حد سواء، إذ كتب الأستاذ مصطفى أمين في عموده بجريدة الأخبار (٢١ يوليو ١٩٩١م) يقول: «نفهم أن تحل جمعية بسبب الآداب العامة أو لأنها تدعو إلى قلب نظام الحكم بالقوة، ولكن لا نفهم أن تحل جمعية لأن رئيستها أو أحد أعضائها يعارض الحكومة … هذا القرار أزعج كثيرًا من الجمعيات … كل شيء في البلد سياسة ولهذا فمن واجب كل الجمعيات في مصر أن تسأل ما هي حدود السياسة المسموح بها. إن الذين أصدروا هذا القرار لم يعلموا حتى الآن أن مصر ديمقراطية.»

وأصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بيانًا في ٣٠ / ٧ / ١٩٩١م أدانت فيه قرار الحل، وقالت: «إن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ترى في حل جمعية تضامن المرأة العربية انتهاكًا خطيرًا لحرية التجمع وتكوين الجمعيات … لذلك تدين المنظمة هذا القرار بالحل وتدعو الحكومة المصرية لإلغائه وإعادة النظر في التنظيم القانوني لإنشاء وعمل المنظمات غير الحكومية بما يضمن احترام حقوق الإنسان في مصر.»

ونشرت جريدة الأهالي في ٢٤ / ٧ / ١٩٩١م بيانًا لاتحاد النساء التقدمي يدعو المنظمات الديمقراطية لمساندة حق جمعية تضامن المرأة العربية في البقاء، وأكد رفضه لقانون الجمعيات ٣٢ لعام ١٩٦٤م، وطالب بإلغائه.

ونشرت جريدة مصر الفتاة في ٢٩ / ٧ / ١٩٩١م تحقيقًا تحت عنوان «ما وراء حل جمعية تضامن المرأة العربية، القانون رقم ٣٢ لعام ١٩٦٤م وتحريم العمل بالسياسة»، وأدان قرار الحل في هذا التحقيق عدد من الشخصيات المصرية، منهم الدكتور محمد عصفور والدكتورة سامية الساعاتي، والفنانة نادية لطفي، والكاتبتان فريدة النقاش، وسلوى بكر.

وكتب الصحفي الراحل فيليب جلاب في جريدة الأهالي ٣١ / ٧ / ١٩٩١م يندد بقرار الحل الذي أصدرته وزارة الشئون الاجتماعية، وإنكارها لوجود الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية المسجلة بالأمم المتحدة وتتعامل مع وزارة الخارجية المصرية منذ إنشائها، وتهكم على وزارة الشئون الاجتماعية حين ادعت أنها خاطبت وزارة الخارجية بشأن وجود الجمعية الدولية، فكان الرد هو عدم وجود هذه الجمعية، مع أن الجمعية لها دوسيه خاص بالخارجية ومراسلات رسمية متعددة معها بشأن الموافقة على عقد المؤتمرات الدولية منذ عام ١٩٨٦م حتى عام ١٩٩١م. كأنما عنوان وزارة الخارجية غير معروف لدى وزارة الشئون!

وكتب الأستاذ صلاح حافظ في جريدة أخبار اليوم (١٧ / ٨ / ١٩٩١م) تحت عنوان «وزارة الجماعات» منددًا فيه بقرار وزارة الشئون الاجتماعية بحل الجمعية، واعتبر أن هذا القرار قد صدر تملقًا للجماعات الدينية المتطرفة، ويقول في نهاية المقال: «من الذي أصبح يحكم هذه الأجهزة (وزارة الشئون) البلهاء. إلى أي مدى أصبحت تديرها الجماعات؟»

وكتب الأستاذ محمد سيد أحمد في جريدة الأهالي ٤ / ٩ / ١٩٩١م في الاتجاه نفسه.

وقد بدأ على الفور ممثلون من عدد من الجمعيات الأهلية في مصر بتشكيل لجنة لدراسة قانون الجمعيات رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٤م، وإعداد مشروع جديد، واخترنا الأستاذ المحامي أمير سالم مقررًا لهذه اللجنة، والذي وضع فعلًا مشروع قانون جديد.٣ ولا تزال اللجنة تواصل نشاطها حتى اليوم من أجل دفع هذا المشروع الجديد إلى البرلمان.

لكن بعض الصحف الصادرة عن تيارات سياسية دينية محافظة أو متعصبة قد رحبت بقرار الحل، باعتبار أن جمعية تضامن المرأة كانت تدعو إلى تحرير المرأة مما هو ضد الشريعة الإسلامية.

في جريدة النور ٣١ / ٧ / ١٩٩١م جاء الآتي: «وأخيرًا نجحت الحملة التي تبنتها جريدة النور ضد جمعية تضامن المرأة العربية برئاسة د. نوال السعداوي، وكانت النور قد نشرت في عددها ٣٩٦ بتاريخ ٤ أكتوبر ١٩٨٩م تحقيقًا صحفيًّا بعنوان: «ماذا تريد نوال السعداوي؟» وقالت فيه إن هذه الجمعية ترفع شعارات مخالفة ومعارضة لأحكام الإسلام، ومنها حظر تعدد الزوجات، وأحقية المرأة في طلاق الرجل تمامًا مثل حق الرجل … وفي النهاية وضع التحقيق الذي نشرته «النور» كل هذه الحقائق أمام المسئولين، وبعد سنتين صدر القرار بحل الجمعية.»

وكتبت جريدة الأمة الإسلامية (٢٥ / ٧ / ١٩٩١م) تحت عنوان «حل جمعية نوال السعداوي» تقول: «إن القرار قد صدر بحل جمعية تضامن المرأة العربية التي ترأسها الدكتورة نوال السعداوي المعروفة بفكرها المخالف للإسلام.» وفي الصفحة نفسها مقال للشيخ ابن باز.

(١٢) قضية عاجلة لإيقاف تنفيذ قرار الحل

رفعنا قضية عاجلة بمجلس الدولة لإيقاف تنفيذ قرار الحل. وفي الجلسة الأولى ٥ / ١٢ / ١٩٩١م قدم المحامون المذكرات والوثائق (بالملحق صور من مذكرات المحامين الأساتذة: عادل أمين ونجاد البرعي ومحمد عصفور وعلي الشلقاني).

تأجلت القضية عدة مرات، ثم صدر الحكم في ٧ مايو ١٩٩٢م، ذلك الذي أدهش الجميع. (بالملحق نص الحكم.)

رد وزارة الخارجية

لم تنظر المحكمة إلى دفاع المحامين ولا وثائقهم، وإنما نظرت إلى رد غير واضح المعنى ورد إلى وزارة الشئون الاجتماعية من إدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية، هذا نصه:

«بالإشارة إلى كتاب سيادتكم رقم ١٠٤٣ في ٢١ / ٢ / ١٩٩١م بشأن طلب الإفادة عن مدى وجود هيئة مشهرة (مسجلة) بالإدارة باسم جمعية تضامن المرأة العربية الدولية من عدمه، أرجو الإحاطة بأنه ليس مدرجًا بميزانية وزارة الخارجية اشتراكات أو إعانات تتعلق بهذه الجمعية.»

ونحن لم ندَّعِ أن الجمعية الدولية مشهرة أو مسجلة بإدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية أو أن وزارة الخارجية تقوم بإدراج اشتراكات أو إعانات بميزانيتها، وإنما أكدنا أن الجمعية الدولية قد حصلت على الوضع الاستشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، وأنها تعاملت مع إدارة الهيئات الدولية فيما يتعلق بعقد المؤتمرات الدولية، أو فتح الحساب في بنك مصر لهذه الجمعية.

وجاء في مذكرة المحامي الأستاذ عادل أمين ما يلي:

«ولا شك أن رد وزارة الخارجية المذكور قد جاء نتيجة للصياغة المغرضة التي حرر بها خطاب وزارة الشئون الاجتماعية، والذي لم تقدم صورة منه في الدعوى ضمن حافظة مستنداتها.»

ولبيان وضع الجمعية الدولية ومركزها القانوني، فقد أرسلت رئيسة الجمعية الدولية خطابًا في ٥ / ٨ / ١٩٩١م إلى مدير إدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية، تطلب فيه موافاتها بما يفيد أن جميعة تضامن المرأة العربية قد حصلت على الوضع الاستشاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة حسب خطاب الأمم المتحدة الموجود بملف الجمعية بوزارة الخارجية رقم ١٦٢ / ٩ / ٣، وأنها تتعامل مع إدارة الهيئات الدولية كإحدى الهيئات الدولية، وأرفق مع هذا الخطاب عدد من المكاتبات التي حصلت فيها الجمعية على موافقة وزارة الخارجية على عقد مؤتمراتها الدولية عام ١٩٨٦م، ١٩٨٨م، ١٩٩١م (مستند رقم ٣، حافظة المحامي أ. عادل أمين بجلسة ٥ / ١٢ / ١٩٩١م).

وهذه المرفقات هي:
  • (١)

    خطاب السفير محمود أبو النصر مدير إدارة الهيئات الدولية بتاريخ ٤ / ٥ / ١٩٨٦م.

  • (٢)

    خطاب د. عمرو موسى مدير إدارة الهيئات الدولية بتاريخ ٣ / ١١ / ١٩٨٧م.

  • (٣)

    خطاب د. منير زهران مدير إدارة الهيئات الدولية بتاريخ ١٨ / ٧ / ١٩٩١م.

  • (٤)

    خطاب الأمم المتحدة الذي يفيد حصول الجمعية على الوضع الاستشاري بالأمم المتحدة بتاريخ ١٣ / ٥ / ١٩٨٥م.

  • (٥)

    خطاب د. عصمت عبد المجيد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية إلى رئيسة الجمعية رقم ٣٤٨ بتاريخ ٢٧ / ٨ / ١٩٨٦م.

  • (٦)

    خطاب رئيسة الجمعية إلى د. أسامة الباز وكيل أول وزارة الخارجية بتاريخ ٢٧ / ١٠ / ١٩٨٧م.

وقد رد مدير إدارة المؤتمرات على هذا الخطاب بتاريخ ١٠ / ٨ / ١٩٩١م، وجاء به أنه «يتشرف بالإفادة أنه بمراجعة مستندات الأمم المتحدة المتضمن قوائم المنظمات غير الحكومية المسجلة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، تبين أن جمعيتكم تتمتع بالصفة الاستشارية من الفئة الثانية، على أساس أن أهدافها المعلنة تتفق مع أهداف وقرارات الأمم المتحدة بموجب قرار المجلس في دور انعقاده العادي في عام ١٩٨٥م.»

وتهمني الإشارة إلى أن عدم ممانعة وزارة الخارجية بعقد الجمعية لمؤتمراتها في القاهرة ترتبط ببحث كل حالة على حدة، حيث يتم مراجعة موضوع المؤتمر للتأكيد على عدم تعارضه مع السياسة العامة للدولة فضلًا عن الدولة المشاركة فيه، وعلى ضوء ذلك يتم اتخاذ قرار الوزارة في هذا الشأن.

كما أورد الإشارة إلى أنه بموجب قرار المجلس (المجلس الاقتصادي الاجتماعي لهيئة الأمم المتحدة) رقم ١٢٩٦ الذي يحدد الترتيبات الخاصة بمنح المنظمات غير الحكومية الصفة الاستشارية فإن الجزء الثامن منه يتضمن دواعي إيقاف أو سحب الوضع الاستشاري من المنظمات غير الحكومية (الفقرة ٣٦).

ومن هذا الخطاب الصادر من مدير إدارة الهيئات الدولية، يتبين أن الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية تتمتع بالصفة الاستشارية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، وأنها تعقد اجتماعاتها الدولية بالقاهرة بعد موافقة وزارة الخارجية المصرية، وأن إيقاف أو سحب وضعها الاستشاري هو من اختصاص المجلس الاقتصادي والاجتماعي لهيئة الأمم المتحدة (مستند رقم ٣، حافظة مستندات المحامي أ. عادل أمين، المقدمة بجلسة ٥ / ١٢ / ١٩٩١م).

ومما يؤكد خلط وزارة الشئون بين الجمعية المصرية لتضامن المرأة العربية والجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية، أنه رغم صدور قرار الحل المطعون فيه بتاريخ ١٠ / ٢ / ١٩٩١م، فقد وافقت إدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية المصرية بتاريخ ١٨ / ٧ / ١٩٩١م على قيام جمعية تضامن المرأة العربية بتنظيم مؤتمرها الدولي الثالث في القاهرة من ٢٤–٢٧ نوفمبر ١٩٩١م حول موضوع المرأة والديمقراطية والتنمية في البلاد العربية، فقد جاء بخطاب مدير هذه الهيئة الموجه إلى رئيس الجمعية أنه «لا مانع لدينا من الناحية السياسية من الموافقة على تنظيم هذا المؤتمر طالما أنه لن يترتب عليه أية التزامات مالية واستبعاد كلمة الديمقراطية من العنوان لاستبعاد التدخل في الشئون الداخلية التي قد تثور لدى الدول التي يشارك ممثلوها أو مواطنوها في هذا الاجتماع» (مستند رقم ٤، حافظة مستندات المحامي عادل أمين، المقدمة بجلسة ٥ / ١٢ / ١٩٩١م).

ومما يؤكد أن المنظمة الدولية لتضامن المرأة العربية هي منظمة خلاف الجمعية المصرية لتضامن المرأة العربية، أن أعضاء إدارة الجمعية المصرية هن سبع عضوات جميعهن مصريات. في حين أن أعضاء مجلس إدارة الجمعية الدولية مكون من خمسة عشر عضوًا متشكلين كالآتي: ٤ عضوات من السودان، عضوتان من مصر، عضوتان من الأردن، عضوة من كل من ليبيا والجزائر ومراكش واليمن والكويت ولبنان، وذلك طبقًا للبيان المرفق بالخطاب إلى رئيسة المنظمات الحكومية بهيئة الأمم المتحدة بتاريخ ١٠ / ٦ / ١٩٩٠م (المستند رقم ٥، حافظة مستندات المحامي عادل أمين، بجلسة ٥ / ١٢ / ١٩٩١م).

ومما يؤكد أن الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية كانت موجودة في عالمنا المادي (وليست في العالم الروحي) أن هذه الجمعية عقدت مؤتمرًا كبيرًا أحدث ضجة في الصحف المصرية والعربية والعالمية عام ١٩٨٦م، فهل يمكن لوزارة الشئون أن تقول إنها لم تسمع بهذا المؤتمر؟!

(١٣) المؤتمر الدولي الأول لتضامن المرأة العربية

عقد المؤتمر في القاهرة من ١–٣ سبتمبر ١٩٨٦م، بموافقة رسمية من وزارة الخارجية المصرية، وأحدث في الصحف المصرية والعربية ضجة غير عادية، فقد حضره ما يقرب من ٤٠٠ شخصية من النساء والرجال من جميع البلاد العربية، ولأول مرة منذ نقل جامعة الدول العربية إلى تونس خلال عهد السادات، تفتح القاعة الرئيسية في جامعة الدول العربية، بموافقة من وزارة الخارجية، وتستقبل لأول مرة هذا العدد الضخم من النساء العربيات، وتلقى هذه البحوث عن التحديات التي تواجه المرأة العربية في نهاية القرن العشرين، بلغت ٢٤ بحثًا نوقشت في ثلاث لجان، شارك فيها ما يزيد عن مائة من النساء العربيات، وطبعت البحوث في كتاب باللغة العربية والإنجليزية، وزع على أوسع نطاق.

وقد ظل هذا المؤتمر حديث الصحف المصرية والعربية خلال انعقاده وبعد انتهائه لأكثر من شهر. ونوقش تقريره النهائي وتوصياته التي صدرت عن اللجان، ونشرت في الصحف وطبعت في الكتاب، وتتلخص في النقاط الآتية:
  • (١)

    إن التحدي الكبير أمام النساء العربيات يتمثل في تلك التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية التي تعانيها البلاد العربية من جراء الاستعمار والإمبريالية.

  • (٢)
    إن الأنظمة الدكتاتورية العسكرية في المنطقة العربية هي نتاج توازنات فرضتها النظم الرأسمالية الغربية لشل الحركة الشعبية وتحجيمها، تلك الأنظمة التي تساند العدو الصهيوني وإسرائيل التي احتلت فلسطين وجنوب لبنان، والأراضي العربية، والتي ما زالت تمارس الإرهاب على الدول العربية يوميًّا، جوًّا وبرًّا وبحرًا.٤
  • (٣)

    إن القرار السياسي في البلدان العربية يصدر فقط من الحكومات والتي تعتمد على حكم الفرد ووحدانية الرأي وتخاف من التعددية في الآراء أو الحرية الفكرية، كما أنها تتغنى بالجماهير شفاهة حين تمارس قمع هذه الجماهير. إن أحد سمات هذا القهر ما يمارس على المرأة على وجه الخصوص والتي تكون نصف هذه الجماهير.

  • (٤)

    ننادي بأن المرأة لا بد أن تتضامن وتوحد صفوفها لكي تصبح قوة سياسية واجتماعية قادرة على تغيير الأنظمة والقوانين والتشريعات لصالح النساء والمجتمع.

  • (٥)

    بدون التضامن والوحدة العربية سوف تستمر الحكومات العربية في ممارسة الحلول الاستسلامية والمعاهدات التي تسلب كرامة الإنسان العربي وتقوي العدو.

  • (٦)

    المطالبة بإطلاق الحريات العامة، وبخاصة حرية التعبير والرأي والتنظيم واحترام حقوق الإنسان رجلًا كان أو امرأة، والمطالبة بمشاركة المرأة في صنع القرار السياسي ومشاركة الرجل السلطة في الدولة والأسرة بالتساوي.

هذه ليست إلا أمثلة من التوصيات التي اتخذها هذا المؤتمر، والتي بلغت ٣٩ توصية شملت النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية.٥

ونشرت هذه التوصيات في الصحف المصرية تحت سمع وبصر وزارة الشئون الاجتماعية، فلم تعترض ولم ترسل إلينا خطابًا يقول إنه محظور على الجمعيات المجادلة في الأمور السياسية.

وقد كتبنا إلى وزارة الخارجية بكل هذا، وحصلنا على موافقة من وزارة الخارجية على عقد المؤتمر وميزانيته.

وفي المؤتمر الدولي الثاني لتضامن المرأة العربية الذي عقد بالقاهرة من ٣–٥ نوفمبر تحت عنوان «الفكر العربي المعاصر والمرأة»، بلغ عدد المشاركين فيه من النساء والرجال من مختلف البلاد العربية ٢١٥، حسب القائمة المنشورة في الكتاب الذي صدر عن المؤتمر.٦ ونشرت عنه جميع الصحف المصرية والعربية.

وتلي ذلك ندوات ومؤتمرات علنية أحدثت كثيرًا من الجدل في الصحف، تحت سمع وبصر وزارة الشئون الاجتماعية التي لم تعترض ولم تسأل.

١  بلغ عدد عضوات الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية في بداية عام ١٩٩٢م ثلاثة آلاف امرأة ورجل من مختلف البلاد العربية. نسبة الرجال الأعضاء حوالي ٢٥٪.
٢  أي بعد صدور قرار وزارة الشئون الاجتماعية بحل الجمعية المحلية المشهرة لديها، والذي صدر في ١٥ / ٦ / ١٩٩١م.
٣  نُشر المشروع الجديد في كتاب تحت عنوان «دفاعًا عن حق تكوين الجمعيات»، مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان، أمير سالم، القاهرة، ١٩٩١م (١٢٦ صفحة).
٤  منشورات تضامن المرأة العربية، التحديات التي تواجه المرأة في نهاية القرن العشرين، القاهرة، ١–٣ سبتمبر ١٩٨٦م، ص٢٠٧.
٥  المصدر السابق، من صفحة ٣٠٥ إلى صفحة ٣١٤.
٦  منشورات تضامن المرأة العربية، الفكر العربي المعاصر والمرأة، القاهرة، ٣–٥ نوفمبر ١٩٨٨م، ص٢٠٨.