معركة جديدة في قضية المرأة

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

وماذا عن مجلة نون؟

(١) مجلة «نون»، هل صدرت بدون تصريح؟

figure
صورة ضوئية لهذه الصفحة التي نشرت (مجلة «نون»، عدد مايو ١٩٨٩م، الصفحة الخامسة).

إن من حق أية جمعية محلية أو دولية في مصر أن تصدر مجلة أو نشرة لأعضائها لا تباع في السوق، وتوزع داخليًّا فحسب. هذا يحدث بالنسبة لجميع الجمعيات المحلية والدولية في مصر، دون حاجة إلى تصريح من الحكومة.

إن المجلات أو الصحف التي توزع وتباع في السوق، وتحصل على إعلانات مدفوعة الثمن هي فقط التي لا يمكن إصدارها بدون تصريح رسمي.

وقد أردنا أن نجعل من مجلة «نون» مجلة بهذا الشكل، توزع في السوق وتباع ويقرؤها أكبر عدد من الناس، لكن المجلس الأعلى للصحافة رفض إعطاءنا التصريح اللازم، وأصبح علينا أن نصدر بدلًا من المجلة نشرة غير دورية توزع داخليًّا على الأعضاء والعضوات، ولا تباع في السوق، أو تحصل على إعلانات، وهذا مشروع تمامًا، بدليل أن ثمانية أعداد صدرت من المجلة والنشرة دون أن يعترض أحد.

وفي عدد «نون» مايو ١٩٨٩م، الصفحة الخامسة، كتبنا هذا المقال، ونشرنا صورة ضوئية لرسالة المجلس الأعلى للصحافة بتاريخ ١٣ مارس ١٩٨٩م الذي يقرر رفض إصدار المجلة، إذن لم يكن الأمر خفيًّا على السلطات منذ عدد مايو ١٩٨٩م، وأن المجلة لم تحصل على تصريح.

نون ممنوعة

وأخيرًا أردنا أن نحقق الحلم ونصدر مجلة للمرأة العربية تخاطبها كإنسان له عقل، وليس كجسد لا يشغله إلا الزينة والأزياء والموضات.

وفي ١٤ يناير ١٩٨٩م أرسلنا طلبًا رسميًّا إلى المجلس الأعلى للصحافة نطلب التصريح لنا بإصدار مجلة علمية ثقافية متخصصة تصدر أربع مرات في السنة عن جمعية تضامن المرأة العربية، وتحقق أهدافها المسجلة في قانونها الأساسي.

وفي ١٣ مارس ١٩٨٩م (أي بعد ٥٩ يومًا) وصلنا الرد الرسمي موقعًا من رئيس المجلس الأعلى للصحافة «د. علي لطفي» يرفض أن نصدر المجلة، لعدم توافر الشروط القانونية التي تستلزمها الفقرة الثانية من المادة «١٩» من القانون رقم ١٤٨ لسنة ١٩٨٠م بشأن سلطة الصحافة.

وبالرجوع إلى هذه المادة، وجدنا أنها تشترط رأس مال قدره ٢٥٠ ألف جنيه مصري لإصدار صحيفة يومية، و١٠٠ ألف جنيه مصري إذا كانت أسبوعية، ويودع هذا المال بالكامل قبل إصدار الصحيفة في أحد البنوك المصرية.

لكن المجلة التي طلبنا إصدارها لم تكن يومية ولا أسبوعية، وإنما هي فصلية تصدر ٤ مرات في السنة.

وعلى هذا فإن المجلس الأعلى للصحافة قد أخطأ في تطبيقه هذه المادة.

ونصحنا بعض الناس بأن نبحث عن واسطة لها نفوذ في الدولة أو نسعى إلى مقابلة رئيس المجلس الأعلى للصحافة، ورفضنا هذه النصيحة لأننا ضد أسلوب الوساطة، ونؤمن بأن الحق يجب أن يصل إلى أصحابه دون الذهاب إلى ذوي السلطة.

ونصحنا بعض الناس أن نرفع قضية في المحكمة، لأن من حق الجمعيات المسجلة بالقانون أن تصدر مجلاتها العلمية المتخصصة.

وقال لنا خبراء القانون إن من حق أي جمعية أن تصدر مجلاتها الداخلية، وتوزعها على الأعضاء نظير اشتراكات معينة، أو ثمن يدفع لكل عدد، لكن القانون يمنع بيع هذه المجلات في السوق لجماهير الناس.

كنا نعمل من أجل إصدار العدد الأول من مجلتنا «نون»، وأعددنا معظم المواد والرسومات حين جاءنا ذلك الرد بالرفض من المجلس الأعلى للصحافة.

وقررنا إصدار العدد الأول ليوزع على عضواتنا وأعضائنا فحسب.

وما نكتبه الآن ليس إلا تسجيلًا للتاريخ، وليعرف الناس لماذا لم نستطع أن نوزع هذه المجلة للجماهير؟

ونقول الآتي:
  • (١)

    كيف تقاوم الدولة التيارات الدينية المتطرفة المتخلفة، ثم ترفض إصدار مجلات علمية ثقافية متخصصة تقدم الثقافة والفكر؟!

  • (٢)

    كيف تقاوم الدولة القوى الرجعية التي تشد المرأة إلى الوراء، ثم ترفض إصدار مجلة علمية هدفها النهوض بالمرأة؟

  • (٣)

    كيف تشدو الدولة بالديمقراطية وحرية التعبير، ثم تحاول إغلاق أحد منابر التعبير الحر؟

  • (٤)

    كيف يخطئ المجلس الأعلى للصحافة في تطبيقه للمادة ١٩ من قانون الصحافة؟ ومن هي السلطة في بلادنا التي تراقب وتصحح أخطاء المجلس الأعلى للصحافة؟

  • (٥)

    إن الشروط الواردة في هذه المادة (رأس مال قدره ٢٥٠ ألف جنيه لإصدار صحيفة يومية، ١٠٠ ألف جنيه للمجلة الأسبوعية) يعني أن حرية التعبير والنشر لا تشمل «الفقراء» مع أنهم الأغلبية، وهل يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بدون الأغلبية؟! وكيف يصدر الفقراء مجلاتهم وليس لديهم ذلك من رأس مال؟!

  • (٦)

    لو فرضنا جدلًا أن هذه الشروط تنطبق علينا، وأنها شروط ضرورية قانونًا، فإن المادة «١٩» تنص على أنه يجوز للمجلس الأعلى للصحافة أن يستثني من كل أو بعض هذه الشروط، فهل مارس المجلس الأعلى للصحافة هذا الاستثناء في الماضي أو الحاضر؟

وما هي معايير هذا الاستثناء؟ ألا يكون أول هذه المعايير هي حاجة المجتمع إلى هذه المجلة؟!

وهل هناك أكبر من حاجة مجتمعنا لمجلة علمية ثقافية جادة تخاطب عقول النساء وسط هذا السيل من المجلات التجارية التي تنشر التفاهات، وتعتمد على صور الإغراء والخلاعة أو الإعلانات العارية عن البضائع الاستهلاكية؟!

مجلة نون هل تحارب الإسلام والشريعة؟!

لعل أخطر التهم التي جاءت في الحكم هي أن مجلة نون أو نشرة الجمعية قد نشرت مقالات معادية للإسلام والشريعة.

وعلى أي أساس صدر هذا الحكم؟ هل قامت المحكمة بدراسة جميع أعداد المجلة والنشرة؟ هل شكلت المحكمة لجنة من العلماء المتخصصين لدراسة أعداد المجلة والنشرة قبل إصدار الحكم؟

إن مثل هذا الحكم حينما يصدر من محكمة يصبح خطيرًا خاصة في هذه الظروف، وقد يعرض رئيسة تحرير هذه المجلة وهيئة التحرير، بل كل من نشر فيها مقالًا للمخاطر متعددة الأشكال، خاصة في هذه الظروف التي تعلن فيها الميكروفونات فوق الجوامع وتزعق بأعلى صوت قائلة في ليالي رمضان: اقتلوهم! هؤلاء الكفرة!

وهنا يمكننا أن نعقد مقارنة بين موقفين، الموقف من مجلتنا «نون» لسان حال الجمعية، والموقف من كتاب «خواطر مسلم في المسألة الجنسية» حيث نقرأ في مقدمة الطبعة الثالثة ما يلي:١
«وما غفر لنا أننا لم نصفق في الأسواق، ولا نافقنا الحكام فجعلنا الحمار ينطق بفلسفة سقراط … فوشى بالسلطات التي صادرته وقدمتنا للمحاكمة … وكانت إرادة الله! فقد قررت المحكمة بجلسة ٢٢ / ٧ / ١٩٨٤م ندب لجنة ثلاثية من علماء البحوث الإسلامية ينتدبهم رئيس المجمع لقراءة الكتاب وإبداء الرأي فيه … واستغرقت دراسة اللجنة ما يقرب من عام، كنت قد أصدرت خلالها طبعة ثانية من الكتاب في أوروبا سميتها الطبعة الحرة، وصدر قرار لجنة مجمع البحوث الإسلامية ببراءة الكتاب، وخلوه من أي تعارض مع الدين الحنيف نصًّا أو تأويلًا، وهكذا كان الظن في الأزهر ورجاله الكرام، وبناء على تقرير اللجنة أصدرت المحكمة أمرها بالإفراج عن الكتاب فورًا وانصاعت السلطة التنفيذية … وباء الواشي بالعار والخيبة. ولا شك أن هذا الذي حدث من استفتاء ثم حكم القضاء قد أخرس ألسنة سوء لو نهشت، فكان حظها أن تسممت هي بعض لسانها، كما أزال الشك من نفوس مؤمنة كانت بحاجة لطمأنة قلبها.»٢

ولا أستطيع أن أصدر حكمًا على محتوى الكتاب، فليس هذا من شأني، ولكني أعرض كيف أن هذا الكتاب حين اتُّهم من بعض الأجهزة الإدارية في السلطة التنفيذية بأنه يخالف الإسلام أو الشريعة أو النصوص الدينية، فإن المحكمة لم تصدر حكمها قبل أن تفحص وتبحث وتدقق، وشكلت لجنة ثلاثية من علماء مجمع البحوث الإسلامية انتدبهم رئيس المجمع لقراءة الكتاب وإبداء الرأي فيه، واستغرقت دراسة اللجنة ما يقرب من عام قبل أن تصدر رأيها ثم صدر حكم المحكمة ببراءة الكتاب!

لماذا لم تفعل ذلك المحكمة الإدارية لمجلس الدولة مع أعداد مجلة نون ونشرة تضامن المرأة العربية، والتي صدرت منذ ثمانية أعداد من مايو ١٩٨٩م إلى مارس ١٩٩١م؟ وكيف تصدر حكمها بأن هذه المجلة أو النشرة قد نشرت مقالات تعادي الإسلام والشريعة دون أن تقرأ هذه المقالات، ودون أن تشكل لها لجنة من العلماء المتخصصين لدراستها وإبداء الرأي فيها؟!

إن كتاب خواطر مسلم في المسألة الجنسية ٢٣٦ صفحة فقط، وقد استغرقت اللجنة في دراسته عامًا كاملًا قبل أن يصدر الحكم، لكن الأعداد الثمانية لمجلة نون والنشرة تزيد عن الخمسمائة صفحة، وكان يجب أن تعرض هذه الخمسمائة صفحة كلها على المختصين قبل الحكم عليها.

ولعل الوحيد الذي تعرض لبعض أعداد المجلة بالقراءة، هو كاتب التقرير السري، الذي لم يقرأ إلا القليل المبتور من بعض صفحات عدد واحد من النشرة هو عدد مايو ١٩٩٠م، وحين كتب تقريره السري تعمد بتر العبارات والجمل الواردة في المقالات على غرار «ولا تقربوا الصلاة»، ثم إنه يشير إلى مقال نقدي عن كتاب الشيخ ابن باز (السفور والحجاب) ويحكم بأن هذا المقال يعادي الإسلام والشريعة، ويتعرض لشخصيات دينية كبيرة، دون أن يستشهد بعبارة واحدة من المقال.

فكيف يمكن أن يحدث هذا؟ وإذا جاز لموظف في وزارة الشئون الاجتماعية أن يصدر مثل هذا الحكم، بلا أدلة في تقرير سري، فكيف يمكن لمحكمة بمجلس الدولة أن تفعل الشيء نفسه، بفارق واحد، أنها تصدر حكمًا علنيًّا تنشره في جميع الصحف، ويقرؤه جميع الناس في مصر والبلاد العربية، والعالم أجمع، تصدر حكمًا بهذه الخطورة بلا أدلة ولا دراسة، وكأنما هي تشترك مع وزارة الشئون الاجتماعية في تشويه سمعة المجلة والجمعية، لأسباب لا زالت مجهولة سأحاول الكشف عنها.

وقد تعرضت رواية «مسافة في عقل رجل» لمثل ما تعرض له كتاب «خواطر مسلم …» واتُّهمت بمحاربة الإسلام، إلا أن الحكم صدر ضد المؤلف والناشر أو الموزع٣ بالحبس ثماني سنوات، ووصلت الأنباء إلى الإذاعات الخارجية والهيئات المدافعة عن حرية الرأي وحقوق الإنسان، وتعرض الحكم لحملة كبيرة خارج مصر وداخلها وفي الوطن العربي.

إن الحكم على مجلة «نون» أو نشرة تضامن المرأة العربية ضد الإسلام والشريعة حكم خطير جدًّا، فكيف يصدر عن المحكمة الإدارية بمجلس الدولة؟! وكانت الموضوعية تقتضي دراسة أعداد المجلة والنشرة عن طريق لجنة متخصصة ثم إصدار الحكم بعد ذلك، لكن المحكمة لم تفعل ذلك، واشتقت حكمها من التقرير السري الذي كتبه مدير عام بوزارة الشئون الاجتماعية.

(٢) وماذا نشر في «نون» والنشرة؟

ركز كاتب التقرير (السري جدًّا) على عدد مجلة نون في مايو ١٩٨٩م، وعدد النشرة في مايو ١٩٩٠م، ولذلك سوف أقدم هنا عرضًا تفصيليًّا لما نشر من مقالات بهذين العددين.
  • «نون» عدد مايو ١٩٨٩م، ص٢: تحت عنوان كلمة «نون»: «نحن نصارع من أجل الخروج من قبضة المدرسة الصحفية التقليدية التي تخاطب المرأة كمستهلكة للبضائع أو مادة للإعلان أو صورة للموضة أو طبق اليوم أو مادة ترفيهية أو أداة للجنس والإثارة، أو بضعة ألوان مثيرة للشهية أو ترويج السلع … نقدم مجلة تخاطب المرأة كإنسان له عقل وقلب وجسم وتاريخ وفلسفة وحضارة قديمة كانت فيها النساء إلهات المعرفة والحكمة والعدل … نخاطب كل من يسعى إلى المعرفة … نريد أن تكون الكلمة رسالة نحو حياة أفضل.»
  • وفي ص٣: تحت عنوان «الافتتاحية»: «أصبحت قضية تحرير المرأة علمًا يقتضي الدراسة والتحصيل كالطب والهندسة والفلسفة …

    إن قضية تحرير المرأة ليست نزهة وليست جلسة مسترخية في صالون …

    إن بلادنا تواجه أزمة معقدة مركبة تشمل الاقتصاد بمثل ما تشمل السياسة والثقافة والإعلام والتطرف الديني وتلوث البيئة، بالإضافة إلى أزمة الديون والردة الحضارية والإدمان والبطالة والغلاء …»

  • ومن ص١٠–١٢: تحت عنوان «أيتها النساء تفلسفن» نُشر الآتي: «إن الرغبة المستمرة في الفهم والتفسير تحقق لنا تنوعات في المعرفة ترتد كلها إلى الذات، وها هو سقراط يلخص جوهر التفلسف في مقولته الشهيرة «أيها الإنسان اعرف نفسك» … لقد شبه ديكارت غياب التفلسف بالعمى، والتفلسف وحده هو مانح البصر … وبالنسبة للنساء التفلسف ليس فقط مانح البصر ولكنه مانح الحرية.»
  • وفي ص ١٦: تحت عنوان «عبودية الجمال المصنوع»، نشر مقال علمي عن مضار مساحيق التجميل والمكياج، ونشر في نهاية المقال هذه العبارة: «ولن ينقذ المرأة من هذه الخدعة إلا نفسها ووعيها بأضرار هذه المساحيق ووعيها بأن الجمال الطبيعي هو الصحة وهو الذكاء، وهو الصدق والشجاعة، وهو الرياضة في الهواء الطلق، وهو قوة الشخصية وأصالتها وإبداعها وليس التقليد.»
  • ونشر في ص١٦: برواز تحت عنوان «إلى مذيعات التليفزيون» جاء فيه الآتي: «باروكة الشعر تفسد جمال وجهك الطبيعي إذا صاحبها سؤال بلا معنى أو ابتسامة بلا معنى أو أخطاء واضحة في اللغة أو المعلومات العامة أو البديهيات … بدلًا من إضاعة وقت الفراغ والفلوس في الكوافير … لماذا لا تشترين بهذه الفلوس كتابًا قيمًا وتنفقين وقت فراغك في القراءة؟»
  • ومن ص١٨-١٩: موضوع تحت عنوان «مأساة فتاة عمرها ١٤ عامًا» يقول: «لماذا سقطت هذه الطفلة أو الفتاة المصرية ضحية إدمان المخدرات؟»

    وفي نهاية المقال الآتي: «إن محاولة التعرف على الأسباب الأصلية لظاهرة الإدمان تقتضي دراسة العوامل المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية التي تساعد على زيادة الإحباط واليأس، وفقدان الحب والحنان في حياة الشباب من الجنسين، والضياع بلا أمل في المستقبل …»

    «إن المشكلة عامة في المجتمع الكبير، وهي مشكلة داخل الأسرة أيضًا، تلك التي أصبحت تواجه مشكلات عديدة في مجتمع يتغير بسرعة تضمحل معها العلاقات الأسرية الحميمة وعلى رأسها الأبوة التي ينظر إليها المجتمع كأنها مجرد كيس فلوس، وليست عاطفة الحب والحنان والرعاية …» (ص١٩).

  • وفي ص٢٢-٢٣: تحت عنوان «الحجاب – الختان – والإسلام» يتناول المقال دراسة علمية عن نشوء الحجاب والختان قبل الإسلام، ثم ينتهي المقال بهذه العبارة: «هذه الازدواجية هي أحد أسس الفساد» في مجتمعاتنا سواء كانت شرقية أو غربية … وهو فساد يكرسه العرف الاجتماعي، ويدافع عنه بعض رجال الفكر والدين. العلاقات السوية بين الرجال والنساء لا يمكن أن تنشأ إلا إذا كانت قواعد الأخلاق والسلوك واحدة تنطبق على كل الأطراف، رجالًا كانوا أو نساءً. الازدواجية الخلقية لا تؤدي سوى إلى انهيار القيم والأخلاق حتى إذا استخدمت كل أنواع القهر لفرضها على الناس، والقهر نفسه مفسد للأخلاق، لأن المسئولية، والاستقامة اختيار حر للإنسان.
  • وفي ص٣٤-٣٥: تحت عنوان «يوم المرأة العالمي» جاء الآتي: «بمناسبة يوم المرأة العالمي قمنا نحن النساء الفلسطينيات بإضراب عن الطعام ابتداء من ٢٣ شباط (فبراير) ١٩٨٩م، وذلك تضامنًا مع أبنائنا في السجون الإسرائيلية المضربين عن الطعام احتجاجًا على الظروف اللاإنسانية التي يعيشونها.»
  • وفي ص٣٦: منعت السلطات الإسرائيلية النساء الفلسطينيات من الاحتفال بيوم المرأة العالمي في الأعوام الماضية منذ بداية الانتفاضة … وفي يوم ٨ مارس ١٩٨٨م أطلق الجيش الإسرائيلي الرصاص والقنابل المسيلة للدموع والقذائف المطاطية والبلاستيك على النساء الفلسطينيات أثناء احتفالهن بيوم المرأة العالمي في المدن والقرى والمخيمات بالأرض المحتلة، وسقط منهن عدد من الشهيدات والجريحات.
  • وفي ص٣٨: قائمة بأسماء الشهيدات (٣٦ اسمًا).
  • وفي ص٤٤، ٤٥: تحت عنوان «نون والقانون» موضوع عن «دوخة» النساء الفقيرات في محاكم الأحوال الشخصية للحصول على حقوقهن.
  • وفي ص٤٧: تحت عنوان «الاجتهاد وتعدد الزوجات في الإسلام» نشر الآتي: «إن إباحة تعدد الزوجات يساعد على تفكيك الأسرة وتشريد الأطفال، كما أنه يؤدي إلى الزيادة السكانية في وقت نعاني فيه من الانفجار السكاني.»
  • وفي ص٤٨–٥٠: موضوع تحت عنوان «أب أو رجل بوليس» دراسة نقدية علمية عملية عن مشكلة الإدمان في مصر، وعن الأسباب الأساسية التي تسبب الإدمان لدى بعض الشباب من الجنسين.
  • وفي ص٥٠: نشر الآتي: «أين هي الأسباب الأساسية والاقتصادية المحلية التي تسبب للشباب من الجنسين الإحباط واليأس والبطالة والفقر والخوف والحرمان من الضروريات في الحياة بما فيها حرية الفكر؟ أين هي الأسباب السياسية والاقتصادية العالمية التي تساعد على تنشيط تجارة المخدرات، وخاصة في بلادنا وبلاد العالم الثالث لسلب إرادة الشباب؟

    إنهم يريدون تحويل الأب من إنسان محب لأطفاله يرعاهم بالحب والثقة إلى رجل بوليسي يراقب حركاتهم وسكناتهم … إن ظاهرة الإدمان خطيرة، لكن أخطر منها هي ظاهرة عدم الكشف عن الحقائق بالوسائل العلمية للبحث.»

  • وفي ص٥٥: موضوع تحت عنوان «مناقشة داخل البرلمان في مصر: حق المرأة في العمل ليلًا»، ونشر الآتي: «إن فرص العمل بأجر تتناقص بمعدل سريع أمام النساء بسبب ازدياد معدل البطالة وقلة فرص العمل …»
  • وفي ص٥٧: تحت عنوان «الفقر أصبح مؤنثًا» نشر الآتي: «من تقارير الأمم المتحدة أن الفقر أصبح يزداد بشكل مخيف في بلاد العالم الثالث (ومنها بلادنا)، وأن هذا الفقر يصيب النساء أكثر مما يصيب الرجال … إن عمل النساء يصل إلى ثلثي العمل لكنهن لا يحصلن إلا على ثلث الأجور ولا يملكن إلا عُشر الملكيات.»
  • وفي ص٥٩: تحت عنوان «المرأة تتفوق في الرياضة البدنية» نشر الآتي: «الرياضة البدنية جزء لا ينفصل عن الرياضة الفكرية، فليس هناك انفصال بين العقل والجسم، والعقل السليم في الجسم السليم.»

هذا استعراض لمعظم المقالات التي جاءت في مجلة نون عدد مايو ١٩٨٩م التي اتهمها الحكم والتقرير السري لوزارة الشئون بأنها تعمل ضد الآداب وضد الشريعة وضد الإسلام.

وفيما يلى استعراض لمعظم المقالات التي جاءت في النشرة عدد مايو ١٩٩٠م، التي أصابها ما أصاب سابقتها من الاتهامات.

نشرة تضامن المرأة العربية (مايو ١٩٩٠م)

  • في ص٤–٧: مقال تحت عنوان «ما العلاقة بين نقاب المرأة ومجلة بوردا الألمانية» يعرض المقال لنقد كتاب الشيخ ابن باز «الحجاب والسفور في الكتاب والسنة».
  • ونشر الآتي ص٤: «هالني ما ورد في الكتاب من تناقض، إذ إن المؤلف يسعى في حوالي ٢٣٠ صفحة إلى أن يؤكد على أن وجه المرأة عورة ويجب أن يغطى بالنقاب تمامًا فيما عدا عينًا واحدة أو نصف عين، لكنه في نهاية الكتاب يناقض نفسه ويطالب المؤسسات الإسلامية الرسمية وغير الرسمية أن تشتري صفحة أو أكثر من مجلة «بوردا» الألمانية للأزياء وذلك لعرض موديلات الأزياء الإسلامية المتعددة …»
  • وفي ص٧ نشر الآتي: «في مجلتنا «نون» لا ننشر أية موديلات لأزياء المرأة، لأن الاهتمام بعقل المرأة عندنا أهم. ولأن الفساد في رأينا يبدأ بهذه الأزياء، وهذه الموديلات المتعددة التي تضيع عمر المرأة ومالها، وتحولها من إنسانة إلى جسد يعرض سواء كان محجبًا أو عاريًا، ولهذا السبب نحن ضد العري بمثل ما نحن ضد النقاب والتحجب، إننا مع الأخلاق القوية والعفة النابعة من عقل المرأة وسلوكها. أما العفة السطحية المتعلقة بقطعة قماش فوق الوجه فلا علاقة لها بالعفة الحقيقية. فما فائدة أن تغطي المرأة وجهها، وعقلها مشغول طوال الوقت بإغراء الرجل عن طريق الموديلات والأزياء المتعددة؟»

    في ندوة العدد (ص١٨–٢٢) تلخيص لندوة ٢٤ فبراير ١٩٩٠م بالجمعية، عن المرأة والمستقبل، وهذا موضوع علمي تحدث فيه الأستاذان محمد سيد أحمد وراجي عنايت عن بعض الأفكار المستقبلية فيما يخص المرأة والفلسفة والأسرة والدين … إلخ.

  • ونشر الآتي ص٢٠: على لسان الدكتور نبيل علوبة: «لقد استفدت جدًّا من التحليل العميق للأستاذ محمد سيد أحمد ومن النظرة المستقبلية المتفائلة للأستاذ راجي عنايت. إنني متفائل لأنني أرى أن بلدنا يتقدم إلى الأمام، فالوضع اليوم يختلف عما كان عليه الوضع منذ خمسين سنة.»

    وفي نهاية الندوة، نُشر الآتي على لسان الأستاذ محمد سيد أحمد:

    «نقطة أخيرة تتعلق بمستقبل الأسرة، هناك ثوابت ومتغيرات في الأسرة … والثابت الوحيد في الأسرة هو أن الأسرة تطرح ازدواجية ما، وفي أغلب الأحيان — ليس كلها — تتكون هذه الازدواجية من الرجل والمرأة … أما ما هو «ليس ثابتًا» أو ما هو متغير في الأسرة فهو كل شيء آخر مثل الملكية، التربية، الموقع في التاريخ … إلخ.»

  • وفي ص٢٤-٢٥: تحت عنوان «لجنة مصرية للدفاع عن الوحدة الوطنية» يتحدث الموضوع عن الاجتماعات التي دعت إليها جمعية تضامن المرأة العربية والجمعية المصرية للتنوير لمقاومة الفتنة الطائفية بعد أحداث «أبو قرقاص».

    ونشر الآتي: «في الاجتماع الثالث الذي عقد مساء الخميس ٥ أبريل ١٩٩٠م حضر مائة وأحد عشر عضوًا، انضموا جميعًا إلى الهيئة التأسيسية تحت التكوين، ليصبح عددها مائة وتسعة وأربعين عضوًا، وتشكلت سكرتارية لمباشرة العمل، وثلاث لجان، هي لجنة البحوث وتقصي الحقائق ولجنة الإعلام ولجنة الاتصال والعمل الجماهيري، وتسهيلًا للعمل اقترح الحاضرون عقد اجتماعات الهيئة في الخميس الأول من كل شهر، وقد قررت اللجنة إعداد ميثاق يعبر عن رؤية اللجنة المصرية للدفاع عن الوحدة الوطنية لقضية النزاع الطائفي المتزايد بين المسلمين والمسيحيين، ويرسم سياسات ملائمة لمواجهة هذا النزاع وإيقافه، ويصبح أرضية فكرية لتوحيد صفوف المثقفين حتى يمكن النهوض بالأمة ومواجهة الأخطار التي تتربص بها وتهدد مستقبلها. وأجمع الحاضرون على ضرورة عقد مؤتمر علمي في أقرب فرصة ممكنة لبحث جذور الفتنة الطائفية ووسائل علاجها.»

  • وفي ص٢٤-٢٥: نشر أسماء أعضاء الهيئة التأسيسية وعددهم ١٤٩، ومنهم الدكاترة والأساتذة: إبراهيم سعد الدين – أحمد بدران – أمينة شفيق – جلال أمين – أحمد عبد الله – أبو سيف يوسف – حسن حنفي – رجب البنا – رفعت السعيد – زينب منتصر – زينب شاهين – سونيا دبوس – سهير فتحي – سعد الدين إبراهيم – شهيرة الباز – شريف حتاتة – علي الدين هلال – عبد العظيم أنيس – عبد الباسط عبد المعطي – كمال فهمي – فرج فودة – فهمي ناشد – فيليب جلاب – كمال الإبراشي – ليلى عبد الوهاب – مرسى سعد الدين – موسى صبري – محمد أبو العينين – ميلاد حنا – ماجد عطية – منى قرشي – محمد عودة – مديحة دوس – منير فخري عبد النور – محمود التهامي – محمود أمين العالم – ملك زعلوك – محمد فايق – نوال السعداوي – ناهد رمزي – نعم الباز – نادية رمسيس – وحيد غازي – وحيد رأفت زكي – وليم سليمان قلادة – يونان لبيب رزق … وغيرهم.
  • ومن ص٢٦–٣٠: دراسة علمية عن الفتنة الطائفية، ونشر الآتي ص٣٠: «يتسم التفكير في بلادنا عامة بأنه غير علمي وغير تاريخي وأن المناخ السياسي العام والمناخ التربوي والتعليمي العام لا يسمح للإنسان المصري منذ الطفولة بحرية الجدل أو النقاش أو المقارنة بين الأفكار … ولهذا يقف معظم الشباب والشابات في مصر حائرين ذاهلين أمام التغيرات السريعة التي تحدث في الخارج أو الداخل … إنهم يحفظون عن ظهر قلب نصوصًا علمية أو سياسية أو دينية لا تسعفهم في تفسير الظواهر الجديدة، ولهذا يقعون فريسة سهلة في يد أي مجموعة داخلية أو خارجية توهمهم بحل مشاكلهم وتستخدمهم كأداة للضعف والبطش والتفرقة.»
  • وفي ص٣٤-٣٥: رسالة الجزائر عن يوم المظاهرات النسائية يوم ٨ مارس ١٩٨٩م بعد مرور سنة على انتفاضة النساء الجزائريات ضد الحملة لمنعها من الدراسة والتعليم والعمل.
  • وفي ص٣٧: تحت عنوان «أسمهان العلواني» نشر الآتي: «بعد سبعة وعشرين شهرًا من بداية الانتفاضة ما زالت النساء الفلسطينيات تتعرض إلى القهر الوحشي وما زلن يدفعن ثمنًا غاليًا بسبب مقاومتهن للسلطات الإسرائيلية … ويتعرضن للضرب والتعذيب والتسمم بالغازات والقتل … خلال السنتين الماضيتين قتل أكثر من ٧٣ امرأة … وتعرضت الآلاف من النساء لإجهاض أو موت الأجنة في بطونهن نتيجة التعرض المكثف للغازات الضارة.»
  • وفي ص٣٨–٤٠: تحت عنوان «المسيح بريء» نشر الآتي ص٣٩ تحت عنوان «المساواة أمام الرب»: «المسيح لم يفرق بين الرجل والمرأة، لم يأتِ بمعنًى واحد يشير إلى وجوب الخضوع من طرف إلى طرف آخر، ولكن على العكس تمامًا كان يتكلم بروح المساواة في الرب …»
  • وفي ص٤١: تحت عنوان «التربية الخاطئة» نشر الآتي: إلى الرجال الذين يتوارون خلف الإسلام وتعاليم ديننا الحنيف ويحاولون أن يغرسوا مفاهيم ومبادئ لا تمت بأي صلة إلى الإسلام … فأين أنتم من القرآن الذي يقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ … وفَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ … وقد ثبت أن الرسول لم يضرب امرأة من نسائه قط … أليس الإسلام أيضًا هو الذي أعطى للمرأة حق الطلاق، وهذا ما حدث في حياة الرسول عندما جاءت له امرأة وقالت له إنها لا تشعر بأية عاطفة تجاه زوجها فطلقها منه … وهكذا نجد أن هذه المشكلة خطيرة جدًّا، وهي الفهم الخاطئ للإسلام وتعاليمه، فهذا هو الإسلام، إنه دين الرفق والمعاملة الحسنة … دين العدل والمساواة، فالإسلام آداب ومعاملات قبل أن يكون أحكامًا قاطعة … الرسول الكريم كان يساعد زوجاته على أعمال المنزل، ويخيط ثوبه، والرسول قدوة حسنة لنا في كيفية توزيع العمل بين الرجل والمرأة في المنزل، ولكي يحدث هذا لا بد من تنشئة أطفالنا على هذه الروح، روح العدل والمساواة.
  • وفي ص٤٤–٤٦: تحت عنوان «مفاهيم جديدة في قضية المرأة»، عن علاقة المرأة بالطبيعة والحفاظ على البيئة.
  • ونشر الآتي في ص٤٥: في الهند قامت النساء الفقيرات بحركة اسمها CHIPKO، وتعني بالهندية حركة «العناق»، بدأت هذه الحركة عام ١٩٧٠م بواسطة نساء هيمالايا ضد القوى المحلية والاستعمارية التي تقطع الأشجار من أجل الاستغلال والشركات الصناعية … وفي هذه الحركة ضحت بعض النساء بحياتهن من أجل إنقاذ الغابات وإصلاح الأرض ومقاومة الاستغلال، وقد اتسعت هذه الحركة اليوم في الهند، وانضم إليها الرجال، وتقوم فلسفتها على فلسفة غاندي «المقاومة … بدون عنف».
  • وفي ص ٤٨-٤٩: تحت موضوع «امرأة كالصخرة» نشر عن نضال زوجة الزعيم الأفريقي نلسون مانديلا، وكفاحها ضد الحكم العنصري في بلادها وضد اضطهاد النساء، ونشر الآتي ص٤٩: «عندما كنت طفلة ظننت أن أرض بلادي ملك لنا. كنت أجري بحرية في السهول الخضراء … عند شطآن الأنهر، وفوق التلال، فترسب في يقيني أن الأرض التي أجري فوقها لا بد أن تكون أرضنا، ولكن عندما كبرت اكتشفت أن الرجل الأبيض يصر على أن بلادنا ليست لنا …»
  • وفي ص٥١: تحت عنوان «ثغرة اسمها المادة رقم ٢٩١» وهو موضوع عن زيادة أحداث الاغتصاب والخطف، وقصور المادة «٢٩١» بالقانون الجنائي عن الردع؛ إذ إنها تنص على أنه «إذا تزوج الخاطف بمن خطفها زواجًا شرعيًّا لا يحكم عليه بعقوبة ما.»
  • ونشر الآتي ص٥١: «هذه المادة تفتح طريق الهروب لأي ذئب بشري ينهش الحرمات ويهرب بالزواج إذا ضبط.»
  • وفي ص٥٢-٥٣: تحت عنوان «النساء الخضر يزرعن عالمًا جديدًا» موضوع عن قانون المساواة الجديد الذي تقدمه لأول مرة نساء حزب الخضر في ألمانيا تحت اسم «قانون عدم التفرقة».
  • وفي ص٥٣: تحت عنوان «الإيدز مرض نقص المناعة» موضوع علمي عن هذا المرض ونوع الفيروس الذي يسببه.
  • وفي ص٥٦-٥٧: «رسالة المغرب» تحت عنوان «المؤتمر الوطني الأول لاتحاد العمل النسائي» (في المغرب) من ٩–١١ مارس ١٩٩٠م يبدأ فيه المقال بالآتي: المؤتمر الوطني الأول لاتحاد العمل النسائي يطالب ﺑ: «احترام حق العمل في الشغل والتكوين وإلغاء كل عمليات الإقصاء الصريح والضمني على أساس الجنس، وضمان حقوق المواطنين في العمل والحياة الكريمة …»
  • وفي ص٦٦: تحت عنوان «اتفاقية حول حقوق الطفل»، عن تقرير الأمم المتحدة عام ١٩٨٩م، نُشر فيها الآتي: «فهناك حوالي ١٠٠ مليون طفل يعيشون مشردين أغلبهم محكوم عليهم بقضاء حياتهم في الشوارع، يشتغلون بأعمال شاقة أو ينتزعون قوتهم عن طريق ممارسة شتى أنواع الجرائم والبغاء.»

وانتهى المقال بالآتي: «على الرغم من وجود القوانين التي تتحكم في عمالة الأطفال فإن عمل الأطفال في البلاد النامية مستمر لأنه يتوقف على الوضع الاقتصادي للأسرة، ويصل الأمر في بعض بلاد أفريقيا إلى أن نسبة الأطفال تمثل ١١٪ من القوى العاملة …» (وثيقة رقم ٢٠ تضم نماذج من المقالات المنشورة بمجلة نون والنشرة).

في كل عدد من أعداد المجلة والنشرة كانت المبادئ العشرة التي أشرنا إليها سابقًا تنشر في الصفحة الأخيرة الداخلية للغلاف تحت عنوان «من نحن».

فهل يمكن لأحد أن يتهم مثل هذه المجلة أو النشرة بأنها ضد الإسلام أو الشريعة أو الآداب العامة؟!

لقد أصبحت مجلة «نون» مجلة نسائية رائدة في البلاد العربية، ولهذا صدرت «نون» الجزائرية، أصدرتها المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية بالجزائر بالتعاون مع فرع تضامن المرأة العربية الجزائري الذي ترأسه الدكتورة فائقة مجاهد.

ومجلة «نون»، أو النشرة الداخلية التي حلت محلها بعد العدد الرابع، تصدرها الجمعية الدولية لتضامن المرأة العربية لا الجمعية المصرية، وهي تشبه الدوريات التي تصدرها الجمعيات الدولية الأخرى، مثل: منظمة التضامن الآسيوي الأفريقي، واتحاد الكتاب الآسيوي الأفريقي، ومنظمة البلاد الأفريقية، والمنظمات العربية لحقوق الإنسان، واتحاد المحامين العرب. وقد حاولت الجمعية الدولية الحصول على ترخيص بإصدارها من المجلس الأعلى للصحافة حتى تستطيع أن توزعها على الكافة، وعندما رفض المجلس منحها هذا الترخيص، حولتها إلى نشرة داخلية بدون اسم ويقتصر توزيعها على الأعضاء.

وقد صدر من مجلة «نون» والنشرة ثمانية أعداد من مايو ١٩٨٩م إلى مايو ١٩٩١م، ويقوم الأستاذ الدكتور حسن حنفي رئيس قسم الفلسفة بجامعة القاهرة (وعضو جمعية تضامن المرأة العربية) بعمل دراسة كاملة عن هذه الأعداد الثمانية.

ويكفي الاطلاع على بعض مقالات المجلة والنشرة لندرك ذلك الحرص على جوهر الأخلاق، وعلى رفع الحجاب عن العقل من أجل المعرفة والفهم، وعلى اعتبار المرأة إنسانًا له عقل وليس مجرد جسد.

مما سبق نرى أن مجلة نون أو النشرة لم تكن ضد الإسلام، بل العكس هو الصحيح. لقد أردنا أن نقدم ثقافة علمية ودينية رفيعة المستوى تحارب الأسلوب العتيق الذي يجعل من الدين وسيلة لتخويف الأطفال.

فالإيمان الحقيقي ينبع من حب الله وليس من الخوف منه. إن أسلوب التخويف في التربية الدينية يؤدي إلى الإرهاب والعنف، والدين الحقيقي لا يفرق بين إنسان وإنسان، وجميع الأديان تدعو إلى العدل والحرية والحب. والإسلام يحض على استخدام العقل وطلب العلم والمعرفة، كما أنه ينادي بالشورى والحوار وتبادل الأفكار، وحرية اختيار العقيدة.

لذلك فمن أسباب التخلف الثقافي في بلادنا الجمود والتعسف في تطبيق مبادئ الإسلام دون مراعاة لظروف المكان والزمان والأفراد والإمكانيات.

إن الله يخاطبنا بالعقل والمنطق والأخذ بالعلل والأسباب، ويدلل دائمًا بما هو محسوس ومعقول.

والإسلام هو دين الاجتهاد والإبداع في التفكير. لكن عددًا كبيرًا من رجال الدين يعادون الاجتهاد، ويعتبرونه نوعًا من الكفر، كما أنهم يتجاهلون القضايا والمشاكل الكبرى التي يعيشها أغلب الناس مثل الفقر والغلاء والبطالة والمخدرات والديون الأجنبية، وينشغلون بقضايا هامشية مثل الزي الإسلامي أو الحجاب أو النقاب أو طول الشعر والذقون.

ويضم الملحق بعض هذه المقالات التي بتر منها السيد المدير العام في تقريره (السري جدًّا) بعض أجزاء، ولا يمكن لأحد بعد أن يقرأ هذه المقالات إلا أن يدرك أننا مع جوهر الإسلام وحقيقته من حيث الحرص على جوهر الأخلاق وليس مجرد السطح.

وإذا تصفحنا أعداد المجلة والنشرة (الثمانية) التي صدرت من مايو ١٩٨٩م حتى مايو ١٩٩٠م نجد أن أغلب المقالات تحث المرأة على العلم، والتبحر في أمور الفلسفة والتاريخ والثقافة والفنون والإبداع. وكذلك الاهتمام بقضايا النساء العربيات، ومنهن الفلسطينيات اللائي قدن الانتفاضة في الأرض المحتلة، فاستشهد بعضهن ودخلت أخريات سجون إسرائيل. والحركة النسائية في الجزائر والمغرب والسودان … إلخ. ودراسات تاريخية عن الحركة النسائية في مصر، وكفاح درية شفيق، وعائشة التيمورية، والمرأة ورغيف الخبز، ومقالات ضد الموضة والماكياج، وإضاعة المال في شراء المساحيق والزينة، وتحقيقات صحفية ضد الاتجار بالجنس أو سوق الرقيق. ومائة ألف امرأة ضحايا سماسرة الزواج في مصر، وصراع المرأة الأردنية لدخول البرلمان، والنساء في شيلي يقاومن الدكتاتورية، والمرأة في إرتيريا، وصورة المرأة في الشعر العربي القديم، ومن أجل نقد نسائي أدبي، التعليم وبنات الريف، وموضوع علمي عن كيف بدأت الحياة في الأرض، نضال العاملات في الجنوب الأفريقي، والفتنة الطائفية … منهج التفكير التاريخي وصانعات التاريخ، والتربية الخاطئة، الرأي والرأي الآخر، أزمة الخليج والاستعمار الجديد … وهكذا.

١  خواطر مسلم في المسألة الجنسية، محمد جلال كشك، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، الطبعة الثالثة، يناير ١٩٩٢م، ص٨.
٢  محمد جلال كشك، خواطر مسلم في المسألة الجنسية، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، الطبعة الثالثة، يناير ١٩٩٢م، ص٨.
٣  المؤلف علاء حامد، والموزع الحاج مدبولي.