تطور وتغيير
الأرض والسكان
وكان من جراء حروب القرن السابع أن تقلَّص ظل الروم عن قسم من أرمينية وعن الجزيرة والشام ومصر وأفريقيا، وفقد الروم معظم البلدان التي فتحها يوستنيانوس في الغرب وتراجعوا عن خط الدانوب إلى الجبال بين ميسية وتراقية، فنقصت إمبراطوريتهم نصفها.
وكان الآفار والصقالبة قد بدءوا منذ أواخر القرن السادس يعبرون الدانوب فيعيثون فسادًا في إيليرية وتراقية، فلما حلَّت الفوضى في عهد فوقاس ونشبت حروبُ هرقل الطاحنة في آسية تعددت هجمات هؤلاء البرابرة وأصبحت إلى هجرة شاملة أقرب منها إلى غزو، واضطر الروم أن يذعنوا للواقع في بعض الأحيان فيعترفوا لبعض هذه القبائل كالكرواتيين والسرب بكيانٍ خاصٍّ في داخل حدودهم، ولئن وفقوا في بعض الأحيان إلى ردِّ القبائل الزاحفة عبر الدانوب؛ فإنهم لم يستطيعوا المحافظة على هذا الحدِّ دائمًا، فكانت تعود القبائل، فتتسلل جماعات في الخُفية وبالتدريج، فتستقر داخل الحدود؛ حيث تسمح لهما بذلك الظروف، ومن هؤلاء الصقالبة.
الإدارة
الدولة تصبح هيلينية
وكانت الدولة منذ تأسيسها قد اصطبغت بطابعٍ شرقيٍّ في مفهومها للسلطة والحكم، وفي نظامها الرتبي وتسلسل الصلاحيات وفي التشريفات وتعظيم الإمبراطور، وما إلى ذلك، وجاءَ القرنُ الخامس فتفككت عُرَى الدولة في الغرب ولم يبقَ منها صامدًا سوى ولاياتها الشرقية، وبرغم نجاح يوستنيانوس في إيطالية وأفريقيا وإسبانية؛ فإن الربط الذي أعاد إحكامه بين الشرق والغرب لم يثبت طويلًا. وجاءَ القرن السابع فانفصلت إسبانية وأصبحت أفريقية مهددة، واضطربت إيطالية وسلخ العرب مصر والشام والجزيرة، واحتلَّ الصقالبة والبلغار جزءًا كبيرًا من البلقان، فأصبح العنصرُ اليونانيُّ هو العنصر السائد في الدولة، وأصبحت آسية الصغرى قلب الدولة ومركز الثقل فيها، فتهلنت الدولةُ وبقيتْ يونانية حتى آخر عهدها.