العلم والأدب والفن في القرنين الثامن والتاسع
إحياءُ الجامعة
ولم يرضَ بعض رجال الدين عن هذه العناية بالعلوم القديمة؛ لأنها صدرت عن الوثنيين، فاتهموا لاوون بالسحر وأذاعوا ضده المناشير، وأكدوا أنه سيرافق سقراط وأفلاطون وأرسطو في جهنم، ولكن برداس مضى في عمله العلمي غير مبالٍ بهذا كله، فنفخ في عاصمة الروم روحًا علميةً مباركةً مهدت السبيل لوثبة القرن العاشر، وخلَّدَت ذكرى الأسرة العمورية في تاريخ الحضارة إلى ما شاء الله.
نادي فوطيوس
دير الأستوديون
يوحنا الدمشقي (٦٧٦–٧٦٠)
ثيوفانس المعترف (٧٤٨–٨١٨)
ولد في القسطنطينية من والدين تقيين عريقين في الشرف؛ فوالدُهُ إسحاق كان واليًا على جزر الأرخبيل ووالدته ثيودورة كانت أيضًا شريفة من شريفات القسطنطينية، وتُوُفي والده وهو لا يزال في الثالثة من عمره، فأشرفت والدتُهُ البارة على تربيته واستعانت بأحد العلماء الأتقياء على تهذيبه وإرشاده، ثم أكرهه الفسيلفس على الزواج من ابنة لاوون أحد كبار الموظفين في القصر، فأرشد عروسته إلى الصلاة والتأملات الروحية وطلب إليها أن يعيش معها كشقيق لها لا كزوج، فقبلت. وبعد وفاة الفسيلفس وحميه لاوون أطلق هو وزوجته عبيدهما ووزعا أكثر ما يَمْلِكَان على الفقراء، وفي السنة ٧٨٠ تقبل كلٌّ منهما النذر وافترقا ليلتقيا في الحياة الأبدية.
وانعقد المجمع المسكوني السابع فدعي ثيوفانس للاشتراك في أعماله فلبى، ثم حاول لاوون الخامس اجتذابه إليه فما استطاع، ورد عليه ثيوفانس موجبًا تكريم الأيقونات، فاشتعل لاوون غيظًا وأنفذ إلى الدير السغرياني مَنْ ألقى القبض على الراهب البار وقيده بالسلاسل، ثم أدخله لاوون السجن وأمر بتعذيبه، وبعد سنتين نفاه إلى جزيرة قفر، فتُوُفي فيها بعد وصوله إليها بثلاثة أسابيع. وأول من عني بتدوين سيرة هذا الرجل البار هو ثيوذوروس الأستوديتي.
نيقيفوروس المعترف (٧٥٨–٨٢٨)
ولد في القسطنطينية، وأبوه هو ثيوذوروس كاتم أسرار الفسيلفس قسطنطين الزبلي «الخامس» وأمه هي إفذوكسية. احتمل الاضطهاد الشديد في حرب الأيقونات، وتُوُفي ثيوذوروس في المنفى، فعادت إفذوكسية بولدها نيقيفوروس إلى القسطنطينية، وعُنيت بتربيته وتعليمه، وكان نيقيفوروس ذكيًّا جدًّا فبرع في «العلوم البشرية» وقد أظهر ما دلَّ على حُسن شمائله وخصاله، فأحبه عظماء العاصمة، وأمرت إيرينة الوصية بترقيته إلى الوظيفة نفسها التي شغلها والده، وهكذا أصبح كاتمًا لأسرار المملكة، وحينما رأت والدته إفذوكسية أنه لم يعد بحاجة إلى مساعدتها أهملت كل شيء وانفردت في دير الراهبات.
وسعى نيقيفوروس إلى عقد المجمع المسكوني السابع سنة ٧٨٧ وحضره بشخصه من قِبَل الفسيلفس؛ لكي يشرف على حفظ النظام والترتيب، ثم اعتزل العمل في البلاط، وأهمل كل شيء وانفرد في البوسفوروس بالقرب من القسطنطينية وعمَّر ديرًا وضمَّ إليه طائفةً من الرهبان. وكان إذا أكمل واجباته الرهبانية انصرف إلى العلوم التي برع فيها، وفرغ الكرسي البطريركي في العاصمة بوفاة طراسيوس في السنة ٨٠٦ فدعا الفسيلفس نيقيفوروس سميَّه نيقيفوروس إليه وحثه على قبول الرتبة البطريركية ولكن نيقيفوروس اعتذر وتوسل إلى الفسيلفس أن يعفيه؛ لأنه كان لا يزال علمانيًّا، ولأنه غير كفؤٍ لهذه المنزلة الجليلة، ولكن الفسيلفس أصرَّ على رأيه وما لبث حتى انتصر على إرادة سميِّه.
جرجس الراهب
كاسية الشاعرة
الفكر اليوناني والأوساط العربية الإسلامية
الجدل بين النصارى والمسلمين
ومن ظواهر الفكر في القرنين الثامن والتاسع التحاجُّ الديني الذي حصل بين بعض العلماء الأرثوذكسيين الكاثوليكيين وبين بعض علماء المسلمين، وكان الداعي لهذا الجدل أَنَّ الخلفاء كانوا إذا تَسَنَّمُوا عرشَ الخلافة يوجهون إلى الملوك المعاصرين كتبًا يدعونهم فيها إلى الدخول في الإسلام، فلم يكن بدٌّ من الرد على هذه الكتب، ومن أسباب هذا الجدل أيضًا أن خطر التحول عن المسيحية تزايد بتقدُّم العرب في جميع نواحي حياتهم، فكان من الضروري أن تُنَظَّمَ مناعة في العقيدة للمسيحيين في الثغور، وفي جميع الأقطار الشامية، وفي مصر أيضًا.
وكان سُكَّان هذه الأقطار من الأرثوذكسيين الكاثوليكيين وهم لا يزالون يستعملون اللغة اليونانية في أرض الإسلام، في زمن يوحنا الدمشقي أيام الأُمويين، وفي زمن أبي قرة في أوائل العهد العباسي، فجاءَتْ تآليفُ هؤلاء في الجدل باليونانية، ولكن أبا قرة في ميماره بدأ استعمال العربية وكتب بها أبو كاليبس بحيرة الحوار بين عبد المسيح الكندي وبين عبد الله الهاشمي.
أَمَّا يوحنا الدمشقي فإنه ناقش بعض الآيات القرآنية وانتقد وحي القرآن وعادات المسلمين في العبادات والأخلاق، ورفض أبو قرة بعثة محمد رسولًا وجادل فكرة الخلق المستمر ونصيب الله في أعمال المخلوقات، واعتبرها أقوالًا يجرُّ إليها الدخول في الإسلام.
ومما قاله أبو قرة: إنه إذا قيل بخلق المسيح لزم أن يكون الله قد بقي زمنًا دون كلمة وروح، وبالتالي لزم أن يكون القرآن الذي هو كلمة الله مخلوقًا، وظهرت رسالة بحيرة الراهب في عهد المأمون، ثم كان هجومٌ إسلاميٌّ قويٌّ على إثر ما فعله ميخائيل الثالث؛ إذ أرسل مقالتين احتج في إحداها بمبدأ السببية، فرفض المسلمون فكرة وجود ابن لله مشارك له في الخلود وفي الصفات.
الفن
Theophanes Continuatus, Historia, ed. Bonn. 190; Bury, J. B., East. Rom. Emp., 436–438; Fuchs, F., Hohern Schulen, 18.