في الوضع الاجتماعي
(١) السكان
وليس البحتري في هذه القصيدة شعوبيًّا، ولكنه رأى سوء حال البلاد في عصر الأتراك فتأسف على عهد الفرس.
أما الفرس في هذا العصر فقد رأوا أن مكانتهم في الدولة قد انحطت فأخذوا يوجهون قواهم إلى الاستقلال ببلادهم عن جسم الدولة مثل مرداويج الزياري، وطاهر بن الحسن، ويعقوب الصفار والساماني، وابن بويه، وصار شعراؤهم وكتَّابهم يعلنون سخطهم لهذا العهد كمهيار الديلمي وحمزة الأصفهاني.
هؤلاء هم سكان الإمبراطورية الإسلامية، وهناك بعض العناصر الأخرى «كالروم» من مسلمين ونصارى ولم يكن لهم نفوذ عسكري، أما في النواحي الثقافية والاجتماعية فقد لعبوا دورًا هامًّا، نذكر منهم ابن الرومي الشاعر، وابن جني النحوي وغيرهما، و«كالسودان» من زنجٍ وأحباش وقد لعبوا دورًا هامًّا في الحياة الإسلامية وكانوا يُجلبون من أفريقية أرقاء فيخدمون في الأرض والبيوت، وكان لهم آثار في البيت الإسلامي والبيئة الإسلامية، وما ننسى لا ننسى حركتهم في البصرة، وما أعقبها من فتن ومشاكل، و«كاليهود» و«النصارى» المنتشرين في أرجاء الدولة، وكانوا يمتهنون الجهبذة والصياغة والصيرفة والحساب والطب والصيدلة.
(٢) الأسرة
(٣) المسكن
(٤) الطعام والشراب
(٥) مستوى المعيشة
- (١)
الحكام من خليفة وسلطان وأمير وعامل ومَن إليهم.
- (٢)
طبقة كبار التجار والزراع والملاكين والموظفين البارزين ومَن إليهم.
- (٣)
طبقة عامة التجار والزراع وكبار السوقة، والجنود المرتزقة.
- (٤)
طبقة العامة من صغار السوقة وعمال الحوانيت والباعة والكتبة والمحترفين والفلاحين ورجال العلم.
- (٥)
طبقة المكدين والمتصوفة والمتفقهة.
-
(١)
أما أهل الطبقة الأولى فقد كانت مواردهم الواسعة سببًا في أن يحيوا حياة بذخ وترف لا حد لهما؛ فقصورهم تعج بالخدم والحشم والرقيق والطرف والتحف، أما ما ينفقونه على بناء قصورهم فشيء لا يُصدَّق. قالوا إن المتوكل بنى قصره «العروس» بثلاثين مليون درهم، و«الجعفري» بعشرة ملايين و«العزيب» بعشرة أيضًا، و«الشيدان» بعشرة كذلك و«البرخ» بعشرة أيضًا، و«الصُّبح» بخمسة ملايين … إلى آخر ما يرويه مؤرخو العصر عن قصور هذا الخليفة.
-
(٢)
وأما طبقة كبار التجار والزرَّاع والملاك والموظفين، فكانت كذلك طبقة مترفة لا تقل فخامة قصورها ورياشها عن قصور الطبقة الأولى، نذكر من هؤلاء آل الجصاص التجار الجوهريين الذين بلغت ثروتهم حدًّا مدهشًا.١٥
-
(٣)
وأما طبقة عامة التجار والزراع وصغار الملاكين والموظفين فكانت أحوالهم متوسطة يتبلغون هم وأهلهم بطعامٍ جيد، وسكن حسن وخدم محدودين.
-
(٤)
وأما طبقة العامة من صغار السوقة والباعة وعمال الحوانيت والباعة والكتبة والمحترفين والفلاحين، فإنهم كانوا يعيشون في شدةٍ وضنك على الرغم من تعبهم وكدِّهم؛ لأن الطبقات الثلاث الأولى استنزفت موارد الدولة واستغلت خيراتها، وليست لدينا معلومات عن مقدار موارد هؤلاء البؤساء، ولكنا عثرنا على بعض النُّتف التي تعطينا صورة عن حالهم ومقدار ما كانوا يتبلغون به؛ فقد روى التنوخي (في كتاب: الفرج بعد الشدة ٢: ١٥٥): «أن رجلًا فقيرًا جاء إلى البصرة في القرن الرابع وطلب عملًا من صاحب حانوت، فاستخدمه الحانوتي كاتبًا لحساباته مقابل نصف درهم في اليوم إلى طعامه وكسوته، ثم زيدت الأجرة إلى درهم في اليوم.» ويقول مسكويه (في تجارب الأمم ٢: ١٩٨) في سنة ٣٥٢ﻫ: قال إن أبروتها الطبيب كان يدور من بابٍ إلى آخر ليعالج المرضى، ويأخذ دانقًا ونصفًا أو ربع درهم عن كل مريض.» فإذا كان هذا حال كاتب الحسابات والطبيب، فما قولكم بالعمال والفلاحين والباعة المتجولين!
أما رجال العلم فقد وضعناهم في عداد هذه الطبقة لأنهم كانوا دومًا في شر حالة؛ فكتُب الأدب والتاريخ والطبقات مليئة بأخبار هؤلاء البائسين، وإليكم ببعض النُّتف التي تؤيد ما ذكرناه:
كان أبو حيان التوحيدي الإمام الأديب الكاتب الفيلسوف البليغ الصوفي يعيش من نسْخ الكتب والوراقة والتأليف، وإليك وصف حاله: «ولقد اضطررت بينهم بعد العِشْرة والمعرفة في أوقاتٍ كثيرة إلى أكل الخضر في الصحراء، وإلى التكفُّف الفاضح عند الخاصة والعامة، وإلى الدَّين والمروءة، وإلى تعاطي الرياء بالسمعة والنفاق، وإلى ما لا يَحسُن بالحر أن يرسمه بالقلم.»١٦ وقد ملأ كتبه «الإمتاع» و«الصداقة» و«المقايسات» بشكوى الزمان من سوء الحال والفقر، واضطُر آخر عمره — ولا شك في أنه أُصيب بنوعٍ من الجنون — إلى أن يحرق كل كتبه.وكان أبو علي القالي الإمام اللغوي الأديب، يشكو البؤس والفقر فلا يجد أحدًا يعطيه قوته حتى اضطُر أن يبيع كتبه ليعيش، ثم عزم أن يهاجر إلى الأندلس فهاجر إليها ولقي الحياة الهنية بقرب أميرها الكريم الحكم الأموي.
وكان الفقيه الشاعر اللغوي الأديب الأبيوردي مَضْرب المثل في البؤس والحاجة، وقد حكى عنه الخطيب البغدادي أنه مكث سنتين لا يقدر على شراء جُبة يلبسها في الشتاء.
وهناك مئات من الآدميين ومن العمال والفلاسفة والأطباء وأهل الحكمة والفن عاشوا في شظفٍ وبؤس ما بعدهما مزيد، ونختم هذا الكلام بهذه القصة، بل الفاجعة التي يرويها أبو حيان فيقول:
«شاهدنا في هذه الأيام شيخًا من أهل العلم ساءت حاله وضاق رزقه، واشتد نفور الناس عنه، ومقت معارفه له، فلما تولى هذا عليه دخل يومًا منزله ومدَّ حبلًا إلى سقف البيت واختنق به، فلما عرفنا حاله جزعنا وتوجعنا وتناقلنا حديثه وتصرفنا فيه.»١٧ وهذا بلاء ما بعده بلاء. والحق أن العلماء كانوا نوعين؛ «نوع» تمكَّن من الاتصال بالخليفة أو السلطان أو الأمير، أو بعض رجال الدولة، أو الأغنياء الرحماء، فهم في حالةٍ ميسورة، بل ربما بلغوا طبقة الأغنياء، ولكنهم قلة. و«نوع» لم تمكِّنه ظروفه من الاتصال بالخليفة، أو رجال دولته، أو أنهم لم يرضوا ذلك، فهم في بؤسٍ وعنت أو في كفافٍ وتقشُّف. -
(٥)
طبقة المكدين والمتصوفة والمتفقهة: كان المكدون من شحاذين محترفين أو بؤساء عاجزين أو مقعدين يعيشون من صدقات الناس وإحسانهم، وكانوا يتخذون المساجد والطرقات العامة وأبواب المساجد والحمامات محلات لهم، يسألون الناس فيها الإحسان والتصدق، وكان العربي يأنف من أن يهوي إلى هذه الطبقة، بل يفضِّل أن يرجع إلى البادية يسرق أو يغزو.
أما المتصوفة والمتفقهة فهم الذين كانوا يعيشون من ريع الأوقاف وإحسان المحسنين ويقنعون بما يرد إليهم من جامكيات الأوقاف، وأعطيات المحسنين، وقد ظهر في هذا العصر نوع من «الزوايا» التي يجد فيها المتصوف و«المدارس» التي يجد فيها الفقيه طعامه وشرابه ولباسه.