في الوضع الاجتماعي
(١) العاصمة. (٢) السكان. (٣) الأخلاق. (٤) الملابس.
***
(١) العاصمة
(٢) السكان
كان سكان بلاد الإمبراطورية الإسلامية في هذا العهد هم سكانها الذين حدثناك عنهم في العهد السابق، إلا أن العناصر البارزة منهم هي العناصر الطورانية؛ فالسلاجقة والخوارزمية والأتابكية هم من التركمان والأتراك الطورانيين الذين كانت ديارهم في تركستان مما وراء النهر، ثم انثالوا منه إلى إيران فالشرق الأوسط، وهم قوم أشداء محاربون، عُرفوا بذلك منذ زمن الجاحظ، فقد أطنب في رسالته التي ألَّفها عنهم في تفضيلهم، وبيان مزاياهم وشجاعتهم حتى يقول: «ومزية الأتراك في الحروب، وهم كذلك أصحاب عمد، وسكان فيافٍ، وأرباب مواشٍ، وهم أعراب العجم، كما أن هذيلًا أكراد العرب، لم تشغلهم الصناعات ولا التجارات ولا الطب والفلاحة والهندسة ولا غراس ولا بنيان، ولا شق أنهار ولا جباية غلات، ولم يكن همُّهم غير الغزو والغارة والصيد وركوب الخيل ومقارعة الأبطال وطلب الغنائم، وتدويخ البلاد، ولذتهم في الحروب، وهي فخرهم وحديثهم وسمرهم، وقد اتصفوا بالصفات التي تستتبع النجدة والفروسية من الكرم وبُعد الهمة وطلب الغاية والحزم والعزم والصبر.» وعلى الجملة فقد كان لهؤلاء الأتراك — من تركمان وديلم وخوارزم — سلطان كبير في هذا العهد الذي نؤرخه.
- (١)
طبقة العبيد الذين كان يحضرهم التجار الجنويون والبنادقة إلى الشام من جورجيا وروسيا وأرمينية، وكان هؤلاء على شر حالة، ولم يكن الصليبيون يسمحون ببيع الرقيق المسيحي إلى المسلم، والعكس بالعكس، وكان الأسرى من الجانبين، المسلمين والصليبيين، يعاملون معاملة الرقيق، إلا في حالاتٍ خاصة كأن يكون الأسير شريفًا أو شخصية معروفة.
- (٢)
طبقة التجار والزراع والموظفين، وقد كان هؤلاء موضع احترام الجانبين من مسلمين وصليبيين.
- (٣) طبقة الأشراف والنبلاء ورجال الكنيسة وهؤلاء كانوا يعيشون في ترفٍ ويسر، ولهم إقطاعات وقد جمعوا ثروات ضخمة، وكانت لهم قصور فخمة لا تقل عن قصور أمراء المسلمين رونقًا وفخامة.٣
(٣) الأخلاق
ضعف الوازع الديني هذه الفترة في الإمبراطورية الإسلامية لتكالب الناس على الدنيا، وتلبية الشهوات النفسية، وفشو الباطنية المشككين في الأديان الداعين إلى الانسلاخ من تعاليم الإسلام وشعائره، وقد رأينا طرفًا من ذلك فيما مضى.
تجدر الإشارة ها هنا إلى أن وجود الملاحدة قد قوَّى من جانبٍ آخر الروح الدينية عند جماعة من المسلمين حينما رأت فساد هؤلاء وبُعدهم عن الدين، فازدادت تعلقًا به، وغالت في عبادة الله والانصياع لأوامره وإقامة شعائره، وهم الصوفية والزهاد الذين قويت حركتهم في أواخر العصر العباسي، وبخاصة تحت ظل الخوارزمية والأتابكية. وكان على رأس هؤلاء المتصوفة جماعة منهم الشيخ عبد الكريم بن هوازن القشري ٤٣٧ﻫ/١٠٤٥م (مؤلف الرسالة القشرية)، والإمام الغزالي، ومحيي الدين بن عربي، والجيلي، وابن الفارض، وسعدي، وحافظ الشيرازيان.
ومن مظاهر الأخلاق التي أراد المصلحون تقويمها بها «حركة الفتوة» التي رعاها الخليفة الناصر لدين الله وشجَّع عليها ووجَّه الشبان إليها ليتركوا حياة الترف والفساد، ويتمرنوا على جهاد النفس، وينخرطوا في فرق الجندية التي تقوي أجسادهم وتهيئهم للقاء العدو بعد تلك الميوعة والتخنث والفساد الذي صاروا إليه.
(٤) الملابس
أما بعد؛ فهذه صورة مجملة عن الأمة العربية الإسلامية في العصر الذي نؤرخه، وهي كما ترى صورة قاتمة من بعض النواحي مشرقة من بعضها الآخر، ولكنها على كل حال صورة واضحة الملامح بقيت فيه الشخصية العربية الإسلامية ظاهرة القسمات.
أما فيما بعد هذا العصر، وهذا ما سنكشفه لك في الجزء المقبل، فقد تبدَّلت الأحوال من سيئٍ إلى أسوأ.