اللغة والوجود
الوجود / / القرآن / / اللغة.
والموازاة قائمة على أساس أن الوجود بمراتبه ومستوياته المختلفة قد تجلى في القرآن من خلال وسيط اللغة، وهذا هو ما سيعطي لابن عربي مشروعيةً للتأويل الوجودي لآيات القرآن وحروفه.
علم الحروف إذن علم إلهي؛ لأن الوجود كان عن النَّفَس الإلهي. وقد أعطى الله عيسى هذه القدرة بالإذن الإلهي، وهي القدرة على إحياء الصور بالنفخ الذي هو في حقيقته النَّفَس الإلهي. من هنا يستحق عيسى أن يكون كلمة الله التي ألقاها إلى مريم؛ لأن وجوده نفسه كان عن نفخ ملكي بإذن إلهي. ومما يستحق الإشارة هنا أن نرى الكيفية التي يتفاعل بها فكر ابن عربي مع النص في علاقة متجاوبة لا يخضع فيها أحد الطرفين للآخر أو يستخدمه لصالحه.
وإذا كان ابن عربي — كما أشرنا — هو خاتم الولاية المحمدية، فمن الضروري أن يكون علمه بالحروف على درجة واسعة من العمق والشمول؛ لأنه يستمده من المشكاة الأصل في هذا العلم، وهو عيسى خاتم الولاية العامة. والحق أن مفهوم ابن عربي للُّغة وللحروف يشمل الوجود كله من أرقاه إلى أدناه، مِن عالم الألوهة والخيال المطلق إلى عالم الكون والاستحالة. وتتوازى حروف اللغة — من جانب آخر — مع مراتب العارفين بدءًا من الأنبياء وانتهاءً إلى عوام المؤمنين. فتصور ابن عربي للحروف يشمل الكون كله وجوديًّا ومعرفيًّا في نفس الوقت.
ولا يقف ابن عربي عند الحروف فقط، بل يمتد تصوره الوجودي المعرفي ليشمل الحركات الطويلةَ والقصيرة، وحركات الإعراب، والأسماء بأنواعها المختلفة من أسماء أعلام وضمائر وأسماء موصولة. ويمتد هذا التصور ليشمل — أيضا — ظواهرَ لغوية مثل الإعراب والبناء، والجمع والإفراد، والتأنيث والتذكير، والترخيم. ولا يكتفي ابن عربي بجوانب اللغة الصوتية والدلالية، بل يمتد تصوره ليشمل الشكل الكتابي للحروف والكلمات، مستخرجًا منها دلالاتٍ وجوديةً ومعرفية على جانب كبير من الأهمية فيما يتصل بقضية التأويل.
وإذا كنا في هذا الفصل نهتم أساسًا بالتركيز على الوسائل اللغوية المختلفة التي يستخدمها ابن عربي في تأويل القرآن، فسنكتفي بإعطاء أمثلة موجزة لكلٍّ من هذه الوسائل التي عددناها. ومن الضروري الإشارة إلى أن هذه الوسائل التأويلية تتداخل وتتفاعل كلها معًا في تأويل نص قصير جدًّا أحيانًا؛ جزء من آية، وربما كلمة واحدة أو حرف من حروف الكلمة؛ كالدلالات المختلفة لحرف الألف مثلًا من حيث قيمته الصوتية وشكل كتابته وقابليته للاتصال القبلي وعدم قابليته للاتصال البَعدي … إلخ.
(١) البعد الصوتي
(١-١) الحروف الصوامت
سبقت الإشارة في الباب الأول إلى أن مراتب الوجود صدرت كلها عن العماء الذي هو النفَس الإلهي، وهو إحدى مراتب الخيال المطلق. وقد صدرت كل مرتبة من هذه المراتب الوجودية — كما سبقت الإشارة — عن اسم إلهي خاص، وارتبطت بحرف من حروف اللغة وُجِد بدوره عن هذا الاسم الإلهي. ومعنى ذلك أن هناك توازيًا بين مراتب الوجود والأسماء الإلهية من جهة، وبينها وبين حروف اللغة من جهة أخرى. وإذا تتبعنا مراتب الوجود من أرقاها (العقل الأول أو القلم) إلى أدناها، وجدناها تنتقل من الصفاء والنورانية إلى الكثافة والظلمة، بنفس القدر الذي تترتب به حروف اللغة في جهاز النطق الإنساني؛ بدءًا من التحرر الكامل للهواء الذي يصدر عنه الصوت دون أي احتكاك أو ضيق في مجرى النفَس، وانتهاءً إلى حروف الشفتين اللتين هما آخر المخارج.
ولكن هذه الحروف التي تتوازى مع مراتب الوجود والأسماء الإلهية ليست هي حروف لغتنا الإنسانية، بل هي أرواح وملائكة تُسمى بأسماء هذه الحروف التي نعرفها. وهذه الحروف الملائكة الأرواح هي التي تحفظ هذه الأسماء الإلهية، وتحفظ مراتب الوجود المرتبطة بها. أو لنقل بعبارة أخرى: إن هذه الحروف الإلهية هي باطن الأسماء، وباطن مراتب الوجود في نفس الوقت. والأسماء ومراتب الوجود تمثل ظاهر هذه الأرواح الحروف. أما حروف لغتنا البشرية المنطوقة والمكتوبة فهي تمثل أجساد هذه الحروف الأرواح وصورها الظاهرة. وحين يريد الصوفي أن يؤثر في مرتبة وجودية يستدعي صورة الحرف في خياله، وهذه تستدعي بدورها روح الحرف والاسم الإلهي الذي يحفظه روح هذا الحرف. وعلى ذلك يمكن إقامة التوازي بين اللغة الإلهية واللغة الإنسانية على مستوى الحروف على النحو التالي:
حروف اللغة الإلهية / / الأسماء الإلهية ومراتب الوجود / / اللغة الإنسانية.
وإذا كانت حروف اللغة — الصوامت — توازي الأسماء الإلهية كما توازي مراتب الوجود، فإنها يمكن أن تُقسَّم إلى مراتب أربع باعتبارات مختلفة؛ الاعتبار الأول: تقسيمها من حيث المخارج، وهذا هو التقسيم الواضح عند ابن عربي، والذي لا يتعارض مع تصوره لمراتب الوجود التي حللناها في الباب الأول. الاعتبار الثاني: تقسيمها من حيث مراتبها الفلكية، ووضعها في أربع مجموعات تماثل الله والإنسان والجن والملائكة. وهو تقسيم يَصْعُب فَهم دلالة بعض جوانبه كما سنرى. أما الاعتبار الثالث فهو تقسيم ابن عربي للحروف من حيث مراتبها المعرفية ومن حيث إنها عالم مكلَّف موازٍ لعالم البشر.
(أ) الحروف ومراتب الوجود
يتبع ابن عربي في هذا التقسيم ترتيب الحروف على حسب مخارجها الصوتية التي تتماثل مع مراتب الوجود الأربع، وهي عالم الملكوت الذي يوازي مراتب عالم الأمر، وعالم الجبروت الذي يوازي عالم الخلق وعالم الملك والشهادة. ويحتفظ ابن عربي للعالم الأول — عالم الخيال المطلق — بالحركات دون الحروف الصوامت، كما سنشير له عند حديثنا عن الحركات. وبين كل عالمين من هذه العوالم الثلاثة التي توازيها الحروف؛ حروف ممتزجة تجمع بين العالمين اللذين تمتزج بهما وتتوسَّط بينهما وجوديًّا وصوتيًّا؛ فهناك من الحروف العالم الممتزج بين عالم الشهادة وعالم الجبروت، وهناك أيضًا العالم الممتزج من الحروف بين عالم الجبروت وعالم الملكوت. ولكي يحافظ ابن عربي على رباعية الترتيب يُقسم حروف عالم الأمر إلى قسمين، يتضمن كل قسم حرفين على النحو التالي:
-
(١)
عالم العظمة: وهو ما يطلق عليه أبو طالب المكي عالم الجبروت، وهو الهاء والهمزة. وهذان الحرفان يوازيان — بالترتيب — النَّفْس الكلية والعقل الأول، ويوازيان الاسمين الإلهيين الباعث والبديع.
-
(٢)
العالم الأعلى أو عالم الملكوت. ويتضمن حروف العين والحاء والغين والخاء، وهي توازي الطبيعة الكلية والهباء والجسم الكل والشكل، وتوازي الأسماء الإلهية الباطن والآخر والظاهر والحكيم.
وتمثل الحاء التي تشير إلى الهباء وتوازيه الحرفَ الممتزج بين عالم العظمة وعالم الملكوت. ومثل هذا الموقع الوسطي للحاء يتماثل مع موقع موازيها الوجودي الهباء الذي هو ظل النفس الكلية، الذي امتد عنها مكوِّنًا الطبيعة، فالحاء — مثله مثل الهباء — ينتمي من حيث باطنه إلى عالم العظمة، وينتمي من حيث ظاهره إلى عالم الملكوت.
-
(٣)
العالم الوسيط أو عالم الجبروت. ويتضمن حروف التاء والثاء والجيم والدال والذال والراء والزاي والطاء والكاف واللام والفاء والصاد والضاد والقاف والشين والياء الصحيحة. وتوازي هذه الحروف — حسب مخارجها — مراتب الوجود التي تبدأ من العرش وتنتهي إلى مرتبة المَلَك وما يوازيها من الأسماء الإلهية.
ومن الطبيعي أن يكون حرف الفاء الذي يوازي مرتبة الملك هو الحرف الممتزج الوسيط بين عالم الجبروت وما يليه من عالم الشهادة. ونلاحظ أن ابن عربي ينطلق من تصوره لطبيعة المَلَك، فهو من عالم البرزخ والجبروت، لكنه قادر على الظهور والتحيز في عالم الملك والشهادة، كما كان يظهر جبريل للرسول ﷺ في صور متعددة. ولعلنا لاحظنا أن ابن عربي لا يضع بين عالم الملكوت وعالم الجبروت أي عالم ممتزج أو حرف وسيط.
-
(٤)
أما حروف عالم الملك والشهادة فهي الباء والميم والواو، وهي الحروف التي توازي مراتب الجن والبشر ومرتبة «المرتبة» التي هي آخر المراتب الوجودية.
(ب) الحروف والمراتب الفلكية للموجودات
والذي يهمنا في هذا التقسيم هو دلالته الوجودية وقيامه على التربيع من جهة، واعتماد ابن عربي على الشكل الكتابي للحروف من جهة أخرى. أما الدلالة الطبيعية والفلكية فهي — على أهميتها في ذاتها — لا تعنينا في هذا السياق.
-
(١)
تختص المرتبة السبعية بالحضرة الإلهية، وحروفها هي الهمزة والزاي واللام. ويقيم ابن عربي تعليله لهذه الموازاة بين هذه الحروف والحضرة الإلهية على أساسين؛ الأساس الأول: أن الحضرة الإلهية تتكون من ثلاثة جوانب هي الذات والصفة والعلاقة أو الرابطة التي تجمع بين الذات والصفة. الأساس الثاني: أن هذه الحروف الثلاثة إذا نُطقت على أساس أنها كلمة واحدة (أزل)، دلَّت على نفي الأولية، وهذا ما يعبر عنه ابن عربي بقوله: «وحصل للحضرة الإلهية من هذه الحروف ثلاثة حقائق هي عليها أيضًا، وهي الذات والصفة والرابط بين الذات والصفة؛ وهي القَبول، أي: بها كان القبول؛ لأن الصفة لها تعلُّق بالموصوف بها، وبمتعلقها الحقيقي لها، كالعلم يربط نفسه بالعالم به وبالمعلوم، والإرادة تربط نفسها بالمريد بها وبالمراد لها، والقدرة تربط نفسها بالقادر بها وبالمقدور. وكذلك جميع الأوصاف والأسماء وإن كانت نِسبًا. وكانت الحروف التي اختصت بها الألف والزاي واللام تدل على معنى نفي الأولية؛ وهو الأزل.»١٩
وسنرى كيف يحلل ابن عربي الزاي واللام من الناحية الكتابية للكشف عن علاقتهما بالألف من ناحية، وعن علاقة الزاي ووسطيتها بين الألف واللام من ناحية أخرى؛ وذلك في حديثه عن المرتبة الثانية من هذه المراتب.
-
(٢)
وإذا كانت الحضرة الإنسانية تماثل الحضرة الإلهية من حيث كونها ذاتًا وصفةً ورابطة بين الذات والصفة، فمن الطبيعي أن يوازيها ثلاثةُ حروف أيضًا. وإذا كانت المماثلة بين الله والإنسان — كما سبقت الإشارة — ليست مماثلةً ذاتية، بل هي مماثلة من حيث الصورة، فمن الطبيعي أن تختلف حروف الإنسان عن حروف الحضرة الإلهية: «حصل للحضرة الإنسانية من هذه الحروف ثلاثة أيضًا كما حصل للحضرة الإلهية، فاتفقا في العدد غير أنها حروف النون والصاد والضاد، ففارقت الحضرة الإلهية من جهة موادها، فإن العبودية لا تشرك الربوبية في الحقائق التي بها يكون إلهًا، كما أن بحقائقه يكون العبد مألوهًا. وبما هو على الصورة اختص بثلاثة كهو، فلو وقع الاشتراك في الحقائق لكان إلهًا واحدًا أو عبدًا واحدًا، أعني عينًا واحدة، وهذا لا يصح، فلا بد أن تكون الحقائق متباينة ولو نُسبت إلى عين واحدة. ولهذا بايَنهم بقِدمه كما باينوه بحدوثهم، ولم يُقَل: بايَنهم بعلمه كما باينوه بعلمهم، فإن فلك العلم واحدٌ قديمًا في القديم محدَثًا في المحدث. واجتمعت الحضرتان في أن كل واحدة منهما معقولة من ثلاث حقائق: ذات وصفة ورابطة بين الصفة والموصوف بها … ثم إنه في نفس النون الرقمية التي هي شطر الفلك من العجائب ما لا يقدر على سماعها إلا من شد عليه مئزر التسليم، وتحقق بروح الموت الذي لا يُتصور من قام به اعتراض ولا تطلُّع. وكذلك في نفس نقطة النون أول دلالة النون الروحانية المعقولة فوق شكل النون السفلية التي هي النصف من الدائرة. والنقطة الموصولة بالنون المرقومة الموضوعة أول الشكل التي هي مركز الألف المعقولة، التي بها يتميز قطر الدائرة، والنقطة الأخيرة التي ينقطع بها شكل النون وينتهي بها؛ هي رأس هذا الألف المغفولة المتوهمة، فتقدِّر قيامها من رقدتها، فترتكز على النون فيظهر من ذلك حرف اللام. والنون نصفها زاي، مع وجود الألف المذكورة، فتكون النون بهذا الاعتبار تعطيك الأزل الإنساني، كما أعطاك الألف والزاي واللام في الحق. غير أنه في الحق ظاهر؛ لأنه بذاته أزليٌّ لا أولَ له، ولا مفتتَح لوجوده في ذاته بلا ريب ولا شك … وظهور ما ذكرناه من سر الأزل في النون هو في الصاد والضاد أتمُّ وأمكن لوجود كمال الدائرة. وكذلك ترجع حقائق الألف والزاي واللام التي للحق إلى حقائق النون والصاد والضاد التي للعبد.»٢٠
وهكذا يعتمد ابن عربي على الشكل الكتابي للنون ليستنتج أن النون توازي نصف الوجود الظاهر الذي يقابل نصفه الباطن؛ لأن النون — كتابيًّا — نصف دائرة، والوجود في تصور ابن عربي دائرة كما سبقت الإشارة. وبين طرفَي النون، أو نقطتَي بدايتها ونهايتها هناك ألف متوهمة هي نصف قطر دائرة الوجود. لو تصورنا قيام هذه الألف من رقدتها لكوَّنت مع النون لامًا بهذا الشكل ل. وتبقى بعد ذلك الزاي، وهي نصف النون من الناحية الكتابية. وهكذا تتضمن النون اللف والزاي واللام فيكون الأزل ظاهرًا في الله باطنًا في الإنسان. أما الصاد والضاد فوجود الدائرة فيهما أتمُّ وأكمل من النون، ومِن ثَم يمكن أن يدلَّا بدورهما على نفس الحقائق.
-
(٣)
وإذا كان ابن عربي قد اعتمد على شكل الحروف الكتابي لإقامة هذه الموازاة بين الله والإنسان، فإنه في تعليل الحروف الأربعة التي توازي عالم الجن — وهي العين والغين والسين والشين — يكتفي بالإحالة للقرآن؛ مما يؤكد ما نذهب إليه من أن التأويل في فكر ابن عربي منهج واسع عميق، ومن أن للنص القرآني حضورًا مستمرًّا في فكره. للجن أربعة حروف؛ لأن الجوانب التي يأتي منها الشيطان للإنسان أربعة: هي الأمام والخلف واليمين والشمال، ويستند ابن عربي إلى قوله تعالى: لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ: «فحصلت الأربعة للجن الناري لحقائق هم عليها … وفرغت حقائقهم، ولم تبقَ لهم حقيقة خامسة يطلبون بها مرتبة زائدة.»٢١
-
(٤)
وتبقى بعد ذلك المرتبة العشرية من الحروف، وهي التي للملائكة، «وهي ثمانية عشر حرفًا؛ وهي الباء والجيم والدال والهاء والواو والحاء والطاء والياء والكاف والميم والفاء والقاف والراء والتاء والثاء والخاء والذال والظاء.»٢٢والعلة وراء أن يكون للملائكة ثمانية عشر حرفًا هي أن الملائكة تمثل العالم الوسيط بين الله والإنسان؛ ولذلك يعتبر ابن عربي المرتبة العشرية من الحروف هي: «المرتبة الثانية من المراتب الأربعة»؛٢٣ أي: بدون اعتبار المرتبة الفلكية للحروف. وإذا كانت للحضرة الإلهية ثلاثة جوانب هي الذات والصفة والرابطة بينهما، تماثلها ثلاثة جوانب للحضرة الإنسانية، فإن كل جانب من هذه الجوانب الثلاثة ينقسم أيضًا إلى ملك وملكوت وجبروت، أو ظاهر وباطن وبرزخ. وعلى ذلك يكون مجموع الحضرتين ثمانية عشر جانبًا، وهي أعداد حروف الملائكة. هذه الجوانب الثمانية عشر تنقسم إلى تسعة في جانب الحق وتسعة في جانب الإنسان، وذلك بحكم برزخية عالم الملائكة. التسعة التي في جانب الحق هي رقائق الإلقاء من الحق إلى الخلق، والتسعة التي في جانب الإنسان هي رقائق التلقي، والواسطة التي تتوسط بين هذين الجانبين هو جبريل الذي يهبط بالوحي إلى الأرض على الرسول. وهذا ما يعبر عنه ابن عربي بقوله:«الحضرة الإنسانية كالحضرة الإلهية، لا بل هي عينها، على ثلاث مراتب: ملك وملكوت وجبروت. وكل واحدة من هذه المراتب تنقسم إلى ثلاث، فهي تسعة في العدد، فتأخذ ثلاثة الشهادة فتضربها في الستة المجموع من الحضرة الإلهية والإنسانية، أو في الستة الأيام المقدَّرة التي فيها أوجدت الثلاثة الحقية الثلاثة الخلقية يخرج لك ثمانية عشر، وهو وجود المَلَك. وكذلك تعمل في الحق بهذه المثابة، فالحق له تسعة أفلاك للإلقاء، والإنسان له تسعة أفلاك للتلقي، فتمتد من كل حقيقة من التسعة الحقية رقائقُ إلى التسعة الخلقية، وتنعطف من التسعة الخلقية رقائقُ على التسعة الحقية، فحيثما اجتمعت كان الملك ذلك الاجتماع، وحدث هناك؛ فذلك الأمر الزائد الذي حدث هو الملك. فإن أراد أن يميل بكلِّه نحو التسعة الواحدة جذبته الأخرى، فهو يتردد ما بينهما؛ جبريل ينزل من حضرة الحق على النبي عليه السلام … فإنْ أخذناها من جانب الحق قلنا أفلاك الإلقاء، وإن أخذناها من جانب الإنسان قلنا أفلاك التلقي. وإن أخذناها منهما جعلنا تسعة الحق للإلقاء والأخرى للتلقي، وباجتماعهما حدث الملك؛ ولهذا أوجد الحق تسعة أفلاك السموات السبع والكرسي والعرش، وإن شئت قلت: فلك الكواكب والفلك الأطلس، وهو الصحيح.»٢٤
(ﺟ) الحروف ومراتب العارفين
ويستدعي عالم التقديس من الحروف الكروبيين إلى أذهاننا عالمَ الملائكة الكروبيين الذين خلقهم الله في العماء، واختار منهم الأرواح المدبرة لهذا العالم. هذه الحروف هي الألف والدال والذال والراء والزاي والواو. وهذه الحروف كلها تقبل الاتصال القبلي في الكتابة ولا تقبل الاتصال البعدي، وهي من هذه الزاوية تتوازى مع الملائكة الكروبيين المهيمين في جمال الحق سبحانه لا يعلمون عن العالم شيئًا، فهم غارقون في بحر الأحدية.
(د) الجهر والهمس بين الحروف والوجود
إن ظاهرتَي الجهر والهمس تتحولان هنا إلى رموز وجودية، فالهمس: يرمز إلى عالم الغيب وجوديًّا، ويرمز إلى الرحمة واللطف والخشوع وكظم الغيظ إنسانيًّا. أما الجهر فيرمز لعالم الشهادة والقهر، ويشير إلى الشدة والمصادمة. والآيات التي يستشهد بها ابن عربي على الحالتين أو الوصفين تعكس علاقة التقابل بين هاتين الظاهرتين. والأساس الذي يستند إليه ابن عربي في هذا الاستشهاد أن الرسول ﷺ أوتي جوامع الكلم. وجوامع الكلم هي القرآن الذي يمكن أن يدلَّ على كل شيء؛ على الوجود والإنسان والمعرفة. إن الوحي أيضًا يمكن أن يعكس هاتين الحالتين، فقد يكون صعبًا شديدًا أو لينًا سهلًا، فهما حالتان جاء بهما الوحي للرسول، والرسول — من جانب آخر — أُرسل رحمةً للعالمين، ولكنه أُمِر أن يحارب المشركين بالسيف ويغلظ عليهم، والقرآن جامع لكل هذه الحقائق في وصف النبي ﷺ. وليست الشدة التي جاء بها الرسول — في حقيقتها — إلا عين الرحمة؛ وإن تسَرْبَلت بمظهر القسوة والشدة، كما أن عالم الشهادة والقهر ليس إلا صورةً ظاهرة لعالم الغيب والملكوت.
وإذا كانت كل هذه المعاني الوجودية والمعرفية والإنسانية تدل عليها ظاهرتَا الهمس والجهر، ألَا يؤكد ذلك ما سبق أن قلناه من أن اللغة — وكذلك القرآن — تتحول عند ابن عربي إلى شفرة خاصة لا يفهم دلالتها إلا المتصوفة؛ أعني الذين وصلوا منهم إلى غاية المعراج ونهايته وتحققوا بالمعرفة الكاملة؟
ولا يمكن الاعتراض على ابن عربي بأن الحرف الواحد قد يدل على شيء ويرمز إليه في سياق، ويدل على شيء آخر ويرمز إليه في سياق آخر؛ فدلالة الحروف، وكذلك دلالة اللغة، ليست دلالة ثابتة ساكنة، بل هي دلالة ثرية متنوعة. والحروف نفسها من حيث وصفها اللغوي تخضع لتصنيفات عديدة باعتبارات مختلفة، فيمكن أن تصنَّف من حيث المخارج، ومن حيث الهمس والجهر، والشدة والرخاوة، ويمكن أن تتعدد الأوصاف على الحرف الواحد ولا يعني ذلك تعدُّدًا في الحرف ذاته.
إن تعدد دلالة الحروف وتنوعها ليس إلا انعكاسًا لتعدد مظاهر الوجود وتنوعها، وتعدد الأسماء الإلهية وتنوعها، وإن دلَّت كلُّها على حقيقة واحدة لا تتعدد ولا تتكثر: «وكلمات العالم على مراتب مخارج الحروف من نَفَس المتنفِّس الإنساني الذي هو أكمل النشآت كلها في العالم، وهي ثمانية وعشرون حرفًا، لكل حرف اسم عيَّنه المقطع، مقطعُ نَفَسِه، فأوَّلها الهاء وآخرها الواو. ومنها حروف مفردة المخرج؛ كالحرف المستطيل والمنحرف والمكرر (كالضاد واللام والراء). ومنها مشتركة في المخرج كحروف الصفير، وإن كان بين المشترك تفاوت؛ فهو قريب بعضها من بعض، يجد اللافظُ الصحيحُ اللفظِ في حال التلفُّط بها الفرقَ بين الحرفين المشتركين كالطاء والتاء والدال، فهذه الثلاثة وإن كانت من مخرج واحد فهو على التقارب لا على التحقيق. ولهذا اختلفت الألقاب عليه لاختلاف أحوالها في المخارج، فيكون للحرف الواحد ألقابٌ متعددة؛ لدرجات له في النفَس عند التكوين منه في مقطع الحرف يمتاز به عن الذي يقاربه في المخرج الذي أوجب له أن يُقال فيه إنه مشترك، كحرف الصاد غير المعجمة مثلًا، فإنه من الحروف المهموسة، ويشارك الكاف في الهمس، وهو من حروف الصفير، فهو يشارك الزاي في الصفير، وهو من الحروف المطبقة، فهو يشارك القاف في الاستعلاء. فهذا حرف واحد اختلفت عليه ألقاب كثيرة؛ لظهوره في مراتب متعددة، قابلٌ بذاته كلَّ مرتبة صالحٌ لها، فاختلفت الاعتبارات؛ فاختلفت الأسماء. كذلك نقول في العقل الأول عقل؛ لمعنًى يخالف المعنى الذي لأجله نسميه قلمًا، يخالف المعنى الذي لأجله نسميه روحًا، يخالف المعنى الذي لأجله نسميه قلبًا.
إن كل حروف اللغة ترتدُّ في حقيقتها إلى الألف — الحركة الطويلة — صوتيًّا وكتابيًّا، فهي كلها تدرُّجات مختلفة ومتباينة لهواء النفَس الذي تمثل الألف حريته الكاملة من الناحية الصوتية. والألف من الناحية الكتابية هي خط، ومن هذه الزاوية تُعدُّ كل الحروف تجلياتٍ مختلفةً لهذا الخط الأصل. والألف توازي الذات الإلهية التي هي أصل الأسماء والحروف ومظاهر الوجود معًا؛ كما سيتبين من الفقرة التالية.
(١-٢) الحركات الطويلة والقصيرة
إذا انتقلنا من الصوامت إلى الحركات؛ وهي الفتحة والضمة والكسرة، والألف والواو والياء، نجد موازاة من نفس النوع؛ فالألف توازي الذات الإلهية، والواو تماثل الصفات وتوازيها، والياء توازي الأفعال؛ وذلك في عالم الألوهة أو عالم الخيال المطلق.
وإذا تدرجنا هبوطًا إلى عالم الأمر كانت الألف للروح، والواو للنَّفْس، والياء للجسم الذي هو العرش. وعلى المستوى الإنساني توازي الألف الروح، والواوُ النفسَ الإنسانية، والياء الجسم الإنساني. وإذا كانت الألف فتحة طويلة، والواو ضمة طويلة، والياء كسرة طويلة، فإن الروح الذي توازيه الألف صفته الفتح؛ وهي الفتحة، والنفس التي توازيها الواو صفتها القبض؛ وهي الضمة، والجسم الذي توازيه الياء صفته الفعل، وهي الكسرة. أو لنقُل بطريقة أخرى: إن النَّفْس برزخ بين الروح والجسم على المستوى الإنساني، والنفس الكلية برزخ بين عالم الأمر وعالم الخلق، والألوهة برزخ بين الذات الإلهية والعالم، وبالمثل فإن الضمة حركة متوسطة بين الفتح والكسر، والواو حرف متوسط بين الألف والياء. الألف توازي الذات الإلهية في عالم الخيال المطلق، وتوازي القلم في عالم الأمر، وتوازي الروح على المستوى الإنساني، وكذلك الياء توازي الأفعال الإلهية، وتوازي الجسم أول عالم الخلق، كما توازي الجسم الإنساني الذي تظهر منه الأفعال؛ وإن كانت في حقيقتها تُنسب للروح.
وهكذا يمكن أن توازي الحركات الطويلة والقصيرة مراتب الوجود إلى غير نهاية؛ بدءًا من عالم الألوهة وانتهاءً إلى الإنسان آخرِ مراتب الوجود. إن الفارق بين الألف من جهةٍ والواو والياء من جهة أخرى؛ أن الألف دائمًا حركة طويلة، أما الواو والياء فقد يكونا حركتين وقد يكونا صوامت، فالألف ثابتة لا يَعْتوِرها تغير؛ ولذلك توازي الذات الإلهية. والواو والياء يتوازيان مع عالم الصفات وعالم الأفعال. إن الواو والياء — من جانب آخر — حرفا عِلَّة، والصفات والأفعال يمثلان علَّتين فاعلتين، فالألوهة — صفاتٍ وأفعالًا — هي العلة الفاعلة في العالم.
إن ابن عربي يستخدم مصطلحات «الحركة» و«السكون» و«العلة» استخدامًا خاصًّا، فهذه المصطلحات اللغوية تكتسب أبعادًا وجودية. وإذا كانت الألف والواو والياء حروف علة، فالذات الإلهية هي علة ظهور الصفات، والصفات بدورها علة ظهور الأفعال. وليست الذات والصفات والأفعال وما يوازيها من الحروف مراتبَ منفصلةً متميزة من الناحية الوجودية، فالواو والياء ترتدان — صوتيًّا وكتابيًّا — إلى الألف كما ترتدُّ الأفعال إلى الصفات، والصفاتُ إلى الذات. وإذا كانت الألف هي التي توجِد الحروف صوتيًّا وكتابيًّا، فللحروف — كذلك — قدرة على إظهار الألف المختفية فيها والباطنة؛ إذا أشبع المتكلم حركة الفتح في الحرف، وكذلك تظهر الواو إذا أشبع حركة الضم، وتظهر الياء إذا أشبع حركة الخفض.
والحروف هنا هي الموجودات أو البشر الذين يُظهِرون أسماء الله وصفاتِه كما ظهروا هم بها. وإذا كانت الواو تمثل واسطة بين الألف والياء، أو بين الذات والأفعال، فمن الطبيعي أن تختفي هذه الواو وتكون غيبًا في الأمر الإلهي «كن»؛ حتى يظل سر الخلق محفوظًا. ومن الطبيعي كذلك أن تظهر هذه الواو في ضمير الهوية؛ لأنه يدل على الغيب المطلق للذات الإلهية.
(أ) الحركات والمعرفة
ولعلنا لاحظنا كيف يحول ابن عربي المصطلحات اللغوية إلى شفرة خاصة ذات دلالات وجودية ومعرفية، فالمد في الواو والياء يدل على الإمداد والاستمداد وجوديًّا ومعرفيًّا. ويمكن أن ترمز الواو إلى جبريل من حيث ميلها إلى الرفع ومَدِّها، ويمكن أن ترمز — من حيث شكلها الكتابي — للإنسان الكامل الذي هو برزخ وجودي ومعرفي بين الحق والخلق، أو بين الله والعالم.
ولا يقف تحليل ابن عربي للواو صوتيًّا وكتابيًّا عند هذا الحد، بل يتعرض لدلالتها العددية، كما يعود لها دائمًا — كما سنرى في حديثنا عن البعد الدلالي — عند الحديث عن الهوية ودلالة الضمير «هو» في القرآن عليها. كذلك يعود إليها عند الحديث عن الأمر الإلهي «كن»، كما سنتعرض له بالتفصيل بعد ذلك.
(ب) الحركات ومراتب العارفين
ومن الطبيعي أن يكون الواو والياء هما الإمامين على أساس من التفسير الذي أشرنا إليه قبل ذلك، وهو أن الواو والياء ميل في الألف، فالألف هو الأصل المهيمِن، الواو والياء ليسا إلا إمالة بالرفع أو الخفض لهذه الألف. والإمامان بالمثل أقل من القطب من حيث المرتبة، وإن كان الواحد منهما يمكن أن يحل محله ويقوم مقامه، كما يمكن أن تحل الواو أو الياء محل الألف، ولكن ماذا عن الأوتاد والأبدال؟
لا يجد ابن عربي في الحركات سوى الثلاث الطويلة، ولكنه يجد في حروف الإعراب — وبعضها حركات — ما يسُدُّ له هذه الثغرة حتى يكتمل له موازاة الحروف بمراتب العارفين. وقد سبقت الإشارة إلى أن عدد الأبدال سبعة يتضمنون في داخلهم الأوتاد الأربعة، ويتضمن الأوتاد في داخلهم القطبَ والإمامين. وإذا كان القطب هو الألف، والإمامان هما الياء والواو، فمعنى ذلك أنهم داخلون في عدد الأبدال الأربعة خصوصًا وعدد الأبدال السبعة عمومًا، مع بعض التعديل، فالألف والواو والياء التي تدخل في مراتب الأوتاد والأبدال ليست حروف المد، بل هي حروف الإعراب، وهي ألف الرفع للمثنى وواو الرفع للجمع وياء النصب والجر للمثنى والجمع. ويضيف إليهم ابن عربي نون الرفع في الأفعال الخمسة ليكتمل عدد الأوتاد أربعة. وإذا أضفنا إلى هؤلاء الأربعة تاء الفاعل وكاف المخاطب وضمير الغائب المنصوب، اكتمل عدد الأبدال السبعة.
إن استبدال حروف الإعراب بالحركات الخالصة للدلالة على القطب والإمامين في النص السابق؛ لا يعني تراجعًا في فكر ابن عربي، فللقطب والإمامين كما سبقت الإشارة في الباب السابق ممثِّلون من الرسل الأحياء بأجسادهم، وهم عيسى وإلياس وإدريس والخضر، وممثِّلون زمانيون غير معيَّنين على رأسهم ابن عربي. ويمكن أن تكون حروف الإعراب موازية للقطب والإمامين الزمانيَّين، أما الألف والواو والياء — الحركات — فهي توازي القطب والإمامين السماويين.
(١-٣) الحرف المركب «لا» ودلالته
ويعود ابن عربي في ترتيب حروف اللغة حسب نظام أ ب ت ث، فيجد للحرف المركب «لا» دلالته على التناسب والتعلق بين الله والإنسان؛ وذلك بحكم أنه مركب من حرف صامت هو اللام، وحركةٍ طويلة هي الألف التي توازي الذات الإلهية كما سبقت الإشارة. ومعنى ذلك أن اللام — في هذا الترتيب — توازي الإنسان. وفي هذا التعدد والثراء في دلالة الحروف على معانٍ وجودية ومعرفية متنوعة، وفي الرمز للإنسان — وكذلك لله — بأكثر من حرف في أكثر من سياق، وبأكثر من اعتبار؛ ما يؤكد أن الدلالة الرمزية التي يضيفها ابن عربي على الحروف ليست دلالةً ثابتة ذات بُعد واحد، بل هي دلالة متحركة متوترة تتسم بقدر هائل من الثراء والتنوع.
يتجلى هذا التوتر في دلالة حروف اللغة، وفي إمكانية ترتيبها وَفق نُظُم مختلفة على أسس متغايرة، تُغير نظام هذه الحروف أو صورة ترتيبها، وإن كانت الحروف هي هي في حقائقها وأعيانها. فهناك ترتيب حَسَب المخارج، وهو ترتيب يتوافق مع ترتيب مراتب الوجود، وفي هذا الترتيب توازي الميم مرتبة الإنسان. وهناك ترتيب آخر وَفق الصوامت والحركات، وفي هذا الترتيب توازي الواو مرتبة الإنسان الكامل الذي هو برزخ بين الحق والخلق، كما أن الواو برزخ بين حرفي الأمر الإلهي «كن». وهناك ترتيب أ ب ت ث، وفي هذا الترتيب يمكن أن توازي الباء الإنسان باعتبار أوليته، ويمكن أن توازيه اللام في لام ألف؛ بحكم تركيبها وآخريتها وشكل كتابتها؛ حتى تلتقي بالألف وتعانقها وتختفي كلٌّ منهما في الأخرى؛ دلالة على تداخل الظاهر والباطن في الإنسان، حيث تدل الألف — كما سبقت الإشارة — على الذات الإلهية.
في هذا الترتيب الثالث للحروف — ترتيب أ ب ت ث — يوازي ابن عربي بين اللام ألف وبين التناسب بين الله والإنسان من جهة، وبينها وبين حقيقة الحقائق الكلية من جهة أخرى. ويقيم الموازاة الأولى على أساس أنَّ لام الألف ليست حرفًا بسيطًا، ولكنها حرف مركب، وهي من ثَم تعكس التركيب الإنساني الذي يتكون من ظاهر وباطن، أو من حقائق كونية وحقائق إلهية. ويقيم الموازاة الثانية بين لام ألف وحقيقة الحقائق على أساس ما سبقت الإشارة إليه في الباب الأول؛ من أن حقيقة الحقائق هي المفاهيم الكلية التي تنطبق على الحق وتوصف بالقِدَم، وتنطبق على الخلق وتوصف بالحدوث، وهي حقائق لا موجودةٌ ولا معدومة في ذاتها، وإن كانت تقبل الوجود والتحيز في صور أعيان الموجودات.
والجمع بين الإنسان وحقيقة الحقائق في الدلالة الرمزية للام ألف يفسر — كما سنشير في باب الدلالة — قابليةَ الإنسان وحده — دون غيره من الموجودات أو الحروف والكلمات الإلهية — لفهم دلالة الحروف والكلمات الإلهية على مستوى الوجود والنص في نفس الوقت. والأساس الذي نقيم عليه هذا التفسير من جانبنا أن حقيقة الحقائق هي جماع الألوهة، وهي محتوى العلم الإلهي القديم في نفس الوقت.
ومما يؤكد ما نذهب إليه من دلالة هذا التعدد في رمزية الحروف على توتر العلاقة بين الدال والمدلول، وعدم ثباتها في اللغة الإلهية؛ انعكاسًا للتوتر القائم في بنية الوجود المدلول: أن ابن عربي لا ينظر إلى الأنساق المختلفة في ترتيب حروف اللغة على أنها أنساق وضعية إنسانية، بل يعتبرها من الأسرار الإلهية التي لا يدركها واضعو هذه الأنساق أنفسهم.
ولاحِظ دلالة استخدام ابن عربي هنا لكلمة التناسب، فهذا الترتيب للحروف في هذا النظام من جمع الحروف المتناسبة متجاورةً؛ إنما جاء ليدلَّ على التناسب بين الله والإنسان، ولهذا لم يأتِ لام ألف التي تدل على هذا التناسب إلا في سياق هذا الترتيب الخاص. والواقع أن لام ألف — كما يقرر ابن عربي — ليست حرفًا على الحقيقة، فهي مكونة من حرفين هما اللام والألف، واللام — من حيث شكلها الرقمي — عبارة عن ألف ونون كما سبقت الإشارة. وحين تلتقي اللام بالألف تختفي النون، ولا يمكن التمييز بين اللام والألف. وهذه بالضبط علاقة الإنسان بالله من جهة، وعلاقته بالكون من جهة أخرى، فاللام ترمز إلى وجود الإنسان على الصورة الإلهية بالألف التي فيها، وترمز إلى وجوده على الصورة الكونية بالنون التي تجتمع مع الألف مكونةً اللام ورامزةً للوجود الإنساني.
إن الوجود الإنساني — في هذا السياق — هو العلقة التي تُعَد مرحلة ثالثة بالنسبة لعلَّتي وجود الإنسان؛ وهما الجسد المعبَّر عنه بالطين، وهو جسد الأنثى القابل، والنطفة التي تستقرُّ فيه مكوَّنة من ماء الرجل. ويعتمد ابن عربي على التشابه اللفظي بين العلقة والعلاقة؛ ليربط بين هذه الثلاثية وثلاثية اللام. ومن الواضح أن ابن عربي في هذا التأويل يتجاهل سياق الآية التي لا تتوقف في أطوار خلق الإنسان عند هذه الأطوار الثلاثة التي يؤكد عليها ابن عربي؛ ليتَّسق له هذا الربط.
وننتهي من البعد الصوتي للغة الذي طال رغمًا عنا لتعدد جوانبه، وننتقل إلى البعد الدلالي الذي نرجو أن نكشف من خلاله — بشكل أعمق — عن تعدد مستويات الدلالة وتوترها بين الدال والمدلول.
(٢) البُعد الدلالي
وإذا كانت الحروف قد ظهرت في العماء عن النفس الإلهي، وتجلَّت في مراتب الوجود البسيطة مرتبةً مرتبة، فإن الموجودات المركبات، وإن ظهرت أيضًا في العماء، إلا أنها ظهرت عن كلمة إلهية مركبة هي الأمر الإلهي «كُنْ». ولا تخلو حروف هذه الكلمة الظاهرة والباطنة من دلالة توازي ثنائية الظاهر والباطن في الوجود بأسره، وفي الموجودات على انفرادها.
إن تحليل ابن عربي الصوتي لكلمة «كُنْ» يكشف عن أحد وسائله التأويلية من جهة، كما يكشف في نفس الوقت عن دلالة الحروف كما حللناها في الصفحات السابقة. ويكشف — من جهة ثالثة — عن جانب مِن فَهمه للبعد الدلالي للغة فيما يرتبط بالكلمة.
(٢-١) دلالة الكلمة الإلهية الأولى «كُنْ»
لهذه الكلمة — الأمر الإلهي — جانبان: جانب ظاهر يتكون من حرفين هما الكاف والنون، وجانب باطن يتكوَّن من ثلاثة حروف هي الكاف والواو والنون. وعلى ذلك فهي من حيث ظاهرها توازي عالم الشهادة، ومن حيث باطنها توازي عالم الغيب والملكوت. ولما كان عالم الشهادة نفسه يتكون من ظاهر وباطن تماثلت حروف «كُنْ» الظاهرة مع جانبَي عالم الشهادة؛ فالكاف من حيث مخرجها غيب باطن؛ لأنها من حروف أقصى الحنك، فهي توازي باطن عالم الشهادة؛ هذا إلى جانب ما سبقت الإشارة إليه من دلالتها على نصف دائرة الوجود الظاهر من حيث شكلها الكتابي. فالبعد الدلالي الظاهر لحروف «كُنْ» هو دلالتها على جانبَي عالم الشهادة؛ الظاهر والباطن.
إن الواو هنا هي الرابطة بين الكاف والنون، أو بين الباطن والظاهر. وهي توازي التوجه الإلهي على إيجاد أعيان الممكنات، سواء تم هذا التوجه بالقول أو باليد أو اليدين. وهذا الوضع الباطني للواو يتماثل مع تصور ابن عربي أن لكل موجود وجهين: وجهًا إلى علَّته وسببِه المباشرة، وهذا هو جانبه الظاهر، ووجهًا يخصه إلى الله، وهذا هو جانبه الباطن.
ويتسق هذا التصور — من جانب آخر — مع ما سبقت إليه الإشارة من وجود الموجودات عن ثلاث حقائق لا اثنتين، تنتهي بظهور العالم والإنسان إلى التربيع أو الشفعية. ولذلك يحرص ابن عربي على ثلاثية كلمة التكوين، وعلى توسُّط الواو بين الكاف والنون؛ أي: بين الظاهر والباطن.
ويمكن لهذه الكلمة (كُنْ) أن تتماثل مع الأفلاك التسعة التي ينتُج عن حركتها كل ما يحدث في الدنيا والآخرة مِن كون واستحالة، فهي أصل التكوينات التي تنتج عنها كلمات الله الكثيرة. توازي كلمة «كُنْ» هذه الأفلاك التسعة؛ لأن حروفها الظاهرة والباطنة عددها ثلاثة، ولكنها يمكن أن تنحل إلى تسعة حروف، فالكاف ثلاثة هي كاف ألف فاء، وكذلك الواو ثلاثة والنون ثلاثة. توازي الكاف الفلك الأطلس؛ لأنه باطن بالنسبة للفلك الذي يليه، وهو فلك البروج الذي يضم في باطنه — بدوره — الأفلاك السبعة المتحركة. وعلى هذا فالنون تماثل فلك البروج، والواو الباطنة بين الكاف والنون توازي توجهات هذين الفلكين على الأفلاك السبعة المتحركة التي ينتج عن حركتها كلُّ ما يحدث في عالم الكون والاستحالة.
وهكذا يمكن القول إن النَّفَس الإلهي هو أصل مراتب الوجود وأصل حروف اللغة الإلهية، ويمكن القول كذلك إن كلمات الله «الموجودات» تنبع كلها من الكلمة الإلهية الأولى «كُنْ»؛ التي تعكس جدلية الظاهر والباطن من خلال وسيط برزخي هو الواو المحذوفة والتي تربط بين الكاف والنون، كما يربط عالم الخلق بين عالمَي الأمر والشهادة أو بين الظاهر والباطن.
إن دلالة الكلمة هنا لا تنفصل عن دلالة حروفها، بل يمكن القول إن دلالة الكلمة ليست إلا محصلةً لمجموع دلالة حروفها. ولا تتوقف دلالة الكلمة عند حروفها الظاهرة، بل تمتد لتشمل حروفها المقدرة المحذوفة. ومثل هذا التصور لدلالة الكلمات من شأنه — على مستوى التأويل — أن يثير أسئلةً قد لا تخطر على ذهن مفسِّر غير متصوف؛ مثل السؤال الذي يثيره ابن عربي مثلًا عن دلالة حذف الألف من أول كلمات البسملة (بسم)، ووجودها في كلمات شبيهة أخرى؛ مثل وجودها في قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وفي قوله: بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا. والإجابة التي يطرحها ابن عربي عن مثل هذا السؤال تعيدنا إلى مكانة الألف ودلالتها على الذات الإلهية، كما تعيدنا إلى تصوره الوجودي والمعرفي للعلاقة بين الله والإنسان، وهي علاقة التماثل والتضاد. أو لنقُل بكلمات أخرى: إن تأويل البسملة وحده كافٍ لاستخراج كل الدلالات الوجودية والمعرفية في فلسفة ابن عربي، وكافٍ أيضًا لاستهلال كل وسائل التأويل التي يستخدمها في مواجهة النص؛ بدءًا من دلالة الحروف وانتهاءً بدلالة التركيب؛ كما سنتعرض له في الفصل الثالث من هذا الباب. ونكتفي هنا من تأويل البسملة بدلالة الحرف المحذوف، وهو الألف من البسملة، ووجوده في كلمات أخرى مشابهة.
وهكذا نجد أن دلالة الكلمة لا تنفصل عن دلالة حروفها المنطوقة والمكتوبة، والظاهرة والباطنة على السواء. ولا تنفصل دلالة الكلمات اللفظية والرقمية عن دلالة الكلمات الوجودية، التي هي الموجودات. ومن المستحيل أن تكون هذه الدلالة دلالةً عرفية وضعية كدلالة الكلمات الإنسانية؛ فالكلمة الإلهية، وجوديةً كانت أم لفظية، تكتسب معناها من وجودها السابق في علم الله، ولا بد أن يتماثل هذا المعنى الظاهر المتجلي في الوجود واللغة والقرآن مع المعنى الباطن في القصد الإلهي.
(٢-٢) قضية الدلالة بين الظاهر والباطن
وليس هناك تعارض بين وضعية الدلالة في اللغة الإنسانية، وذاتية العلاقة بين الدال والمدلول في اللغة الإلهية. وقد سبق لنا التعرُّض لموازاة ابن عربي بين حروف اللغة الإنسانية والأسماء الإلهية من جانب، ومراتب الوجود من جانب آخر؛ حيث اعتبر أن حروف اللغة الإنسانية اللفظية والرقمية والخيالية ما هي إلا أجساد لأرواح هي الحروف الإلهية التي تحفظ مراتب الوجود وتحفظ الأسماء الإلهية. وهكذا يمكن النظر إلى علاقة اللغة الإنسانية باللغة الإلهية من خلال ثنائية الظاهر والباطن. ولمَّا كانت هذه الثنائية لا تقوم على تعارض وجودي، أمكن القول إن قيام الدلالة في اللغة الإنسانية على الوضع والاتفاق مجرد وهْمٍ منشؤه التركيز على الجانب الظاهر وإغفالُ الجانب الباطن للظاهرة. التعارض بين الظاهر والباطن في دلالة اللغة تعارض معرفي يزيله الإنسان الكامل الذي يتحقق بباطنه وباطن الوجود كله؛ فيكون قادرًا على فهم الدلالة الحقيقية لكلمات الله على مستوى الوجود واللغة عامة، وعلى مستوى النص القرآني بصفة خاصة.
إن الإنسان الكامل — كما سبقت الإشارة — يتمتع بموقع برزخي وجودي ومعرفي؛ فهو أول من حيث القصد وآخر من حيث النشء؛ أول من حيث روحه وباطنه وتجلِّي الأسماء الإلهية كلها فيه. وهو آخر من حيث جسده وظاهره واجتماع حقائق الكون كلها فيه؛ فهو الأول والآخر والظاهر والباطن. وإذا كان الإنسان الكامل برزخًا جامعًا للطرفين — الله والعالم — فهو يفصل بينهما كما يجمع في نفس الوقت. من هذه الزاوية يمكن النظر للإنسان على أنه الفاصل بين كلمات الله الكثيرة التي هي الموجودات، كما أنه هو الواو الفاصلة بين الكاف والنون في الكلمة الإلهية «كُنْ» والباطنة بينهما. الإنسان إذن — من حيث موقعه الوجودي — فاصل بين كلمات الله الكثيرة، وفاصل بين حروف كلمته الواحدة. أما من حيث موقعه المعرفي فهو الواصل بين هذه الكلمات والحروف، الواصل الذي يعطيها الدلالة ويضفي عليها المعنى؛ لأنه هو الوحيد القادر على فهمها على مستوى الوجود والنص معًا.
إن وجود الكلمات بالنطق يفترض بالضرورة وجودَ المتكلم الذي يفصل بين كل كلمة والكلمة التي تليها، كما يفصل كذلك في الكلمة الواحدة بين كل حرف وما يليه. وإذا كان الله لا يظهر بذاته في كلماته المنطوقة، فإن الإنسان الكامل — بموقعه البرزخي — هو الذي ينوب مناب الحق في هذا الظهور. وإذا كان الله لا ينطق القرآن بنفسه، فإن القارئ هو الذي يقرأ ويفصل بين الحروف والكلمات، ويسمى ما يقرؤه القارئ كلام الله. وفي هذا السياق يُكثِر ابن عربي من الاستشهاد بقوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ؛ حيث سمى الله قراءة القارئ كلام الله؛ لأنه ينوب عن الحق في النطق بكلماته الملفوظة، كما ينوب الإنسان الكامل — وجوديًّا — عن الحق في الظهور بكلماته الوجودية.
في ظل هذا التصور يزول التعارض بين وضعية الدلالة في اللغة الإنسانية وذاتية الدلالة في اللغة الإلهية، فالوضع والاتفاق هو المستوى الظاهر، والحقيقة الباطنة هي ذاتية العلاقة بين الدال والمدلول في اللغة؛ لأن اللغة الإنسانية ليست إلا ظاهرًا ماديًّا حسيًّا للغة الإلهية.
ليست اللغة الإنسانية إذن في حقيقتها وباطنها سوى لغة إلهية. وإذا كان الإنسان ينوب مناب الله في النطق، ويستمد نَفَسه الهواء الذي ينطق الحروف والكلمات به من الله، أو من النفس الإلهي، فالعارف الكامل هو الذي يفهم المعنى الباطن لهذه الكلمات الإلهية في الوجود واللغة على السواء. أما الإنسان العادي الذي لا يتجاوز إدراكه ومعرفته المستوى الظاهر، فلا يفهم من اللغة سوى دلالتها الوضعية الظاهرة، ولا يكاد يفهم من كلمات الوجود شيئًا.
وهكذا ننتهي إلى أن الإنسان وإن كان حرفًا أو كلمة من كلمات الله الوجودية، إلا أنه قادر — بحكم أنه كلمة جامعة — على فهم كلمات الله الوجودية واللفظية على السواء. هذا الفهم هو الذي يمكِّن الإنسان الكامل من تجاوز إطار اللغة العرفية الاصطلاحية والنفاذ إلى المستوى الباطن للُّغة في جانبها الإلهي. في هذا المستوى لا تقوم العلاقة بين الدال والمدلول على أساس اعتباطي قائم على الاتفاق، بل تقوم على أساس ذاتي هي علاقة الرمز بالمرموز إليه. ولمَّا كان المرموز إليه (الوجود) في حالة من التوتر الدائم والتغير المستمرة كما أسلفنا، فإن الرموز الدالة عليه في حالة دائمة من التوتر أيضًا.
(٢-٣) الدلالة وعلاقة الاشتراك
سبقت الإشارة في الباب السابق إلى أن ابن عربي — مخالفًا كثيرًا من المتصوفة — يذهب إلى أن الأسماء كلها لله بالأصالة، حتى تلك الأسماء التي توهم النقص، والتي يتوهم عامة البشر أنها أسماء كونية. ومثل هذا التصور لا بد أن يكون مستندًا إلى الحقيقة الباطنية للغة التي حللناها في الفقرة السابقة. فإذا نظرنا للُّغة من جانبها الظاهر وقعنا في وهم مؤدَّاه أن الله قد تسمَّى بأسماء خلقه واستعارها منهم. وكلا التصورين — الباطن والظاهر — يجب الجمع بينهما، فالظاهر هو غطاء الباطن وستره والطريق الوحيد إليه، والباطن لا يظهر لنا إلا من خلال هذا الظاهر، فكلاهما ضروري للآخر. ولذلك لا بد من النظر لقضية الدلالة من خلال علاقة الاشتراك والتداخل بين الظاهر والباطن، دون التركيز على أحدهما وإغفال الآخر.
إن هذه التفرقة بين دلالة الضمير والصفة والاسم من حيث التعدد والتنوع؛ يمكن أن تتجاوز موازاة ابن عربي بين هذه المراتب ومراتب الوجود الثلاث إلى منطقة الألوهة، فالضمير يمكن أن يوازي الذات الإلهية من حيث هي غيب مطلق، والصفات يمكن أن توازي الألوهة من حيث هي مجموعة من الصفات والعلاقات المشتركة بين الحق والخلق. والاسم «الله» يعبِّر عن جمعية الألوهة ووحدتها، ويدل عليها دلالة الاسم العَلَم على مسماه.
وتنعكس مثل هذه المنظمة في تطبيقات ابن عربي على النص القرآني، فالضمير «هو» في القرآن الكريم يدل على الذات الإلهية، والاسم «الله» يدل على الألوهة ويميزها عن غيرها، فهو اسم عَلَم لا يقع فيه اشتراك. أما الصفات فهي يمكن أن تدل على الحق من حيث باطنها ودلالتها الذاتية، ويمكن أن تدل على الخلق من حيث ظاهرها ودلالتها المعرفية. والعلاقة بين ضمير الهوية والاسم «الله» لا تقوم على الانفصال، فالألوهة هي ظاهر الذات، والذات باطنة فيها.
ولأن الواو غيرَ المحركة حرفُ علة بالمعنى اللغوي والوجودي، فلا بد من تحريكها بالفتح لإزالتها عن صفة العلِّية. فإذا حُرِّكت صار الناتج عن هذا التحليل الصوتي للام «الله» الضمير «هو» الذي يعبِّر عن الذات الإلهية أو باطن الألوهة.
إن علاقة الظاهر والباطن بين الألوهة والذات الإلهية تنعكس — صوتيًّا — في علاقة الضمير «هو» بالاسم «الله». ويتسق مثل هذا التصور مع ما أشرنا إليه من قبل من أن الضمائر تدل على الغيب لغويًّا ووجوديًّا. أما على المستوى المعرفي، فإن هذا الضمير ينتج في الذكر الصوفي من العلوم والمعارف أكثر من الذكر باسم «الله»؛ وذلك بحكم هذا الفارق الدلالي بين الضمير والاسم.
إن دلالة ضمير الهوية على الذات الإلهية لا يمكن أن تكون دلالة متغيرة، فالذات الإلهية ليست محلًّا لأي تغير أو تحول أو انتقال. التغير والتحول في علاقة الاشتراك التي تمثلها الألوهة، وهي مجموع الأسماء والصفات؛ باستثناء الاسم «الله» الذي يدل على جمعية الألوهة ووحدتها الذاتية دلالةَ الاسم العلم على مسماه. إن الألوهة هي علة التغير المستمر والخلق الدائم من خلال تجلياتها الفاعلة المختلفة.
من هذا المنطلق تدل كلُّ الضمائر المفردة في الضمير على الذات الإلهية، وتدل كل ضمائر الجمع دلالةً مشتركة على الله والعالم. ولمَّا كانت العلاقة بين الله والعالم علاقةَ تماثل قائمةً على التضاد الذاتي، انعكست هذه العلاقة في القرآن من خلال التقابل الدائم بين ضمير المفرد وضمير الجمع، فإن ضمير الجمع في القرآن إذا جاء دلالةً على الذات الإلهية قابَله ضمير المفرد؛ دلالةً على الأحدية الباطنة للعالم، وبالعكس إذا جاء ضمير المفرد دلالةً على أحدية الذات قابله ضميرُ الجمع؛ دلالةً على كثرة الأسماء الإلهية وكثرة العالم.
ولا يكتفي ابن عربي بعلاقة التقابل بين الإفراد والجمع في الضمائر في القرآن، بل ينطلق من تصوره لدلالة الصفة على أكثر من موصوف؛ ليرى أن كل الأوصاف التي وردت في القرآن تدل بباطنها على حقائق الألوهة، كما تدل بظاهرها على العالم. يتوقف ابن عربي مثلًا أمام قوله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ. ويرى أن الضمير «هم» في «ذرهم» يعود على الأسماء الإلهية. وهذا التأويل ينطلق مِن تصوُّر أن الله هو الفاعل على الحقيقة من خلال الصور الظاهرة. وإذا كان هو الفاعل، فهو الموصوف بكل الصفات التي وردت في القرآن، والتي تدل — في ظاهرها — على فاعلين آخرين.
وهذا التأويل يُكسب الآية بُعدًا وجوديًّا وبُعدًا معرفيًّا في نفس الوقت. إن المعنى الظاهري للآية هو أمر المؤمنين — أو الرسول — أن يتجنبوا الكفار والمشركين الذين يسخرون من آيات الله، ويعرضوا عنهم مستعيذين بالله من هذا اللهو. أما المعنى الباطن الوجودي فهو يشير إلى العارف بضرورة أن يترك الأسماء الإلهية وانشغالها في شئون العالم، وأن يعتصم بالاسم الجامع «الله» الذي يدل على الألوهة في جمعيتها، ولا يقتصر على صفة دون صفة: «أمرنا الحق أن نقول: الله، ثم نَذر هُمْ؛ أي: نترك ضميرهم، وهو ضمير «هم» ضمير الجمع لا «هو»؛ الذي هو ضمير الإفراد، فإنَّا للفرد نخلص العبادة من الجمع، فإن الجمع أظهر القسمة بين الله وبين عبده في العبادة، وهي لله لا للمكلَّف من حيث صورته، وإن كانت له من حيث جمعيته بالله. فهنا رسخت قدم الشيخ أبي مدين رضي الله عنه ولم يتعدَّ، وغيره يتم الآية، فقال: في خوضهم يلعبون، فوقف أبو مدين رضي الله عنه مع قوله: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا — وكلُّ ما في العالم آياتُه؛ فإنها دلائلُ عليه — فأعرض عنهم، فامتثل أمر الله فأعرض، ووقف غيره مع أمره أن يتركهم في خوضهم يلعبون، فامتثلنا أمر الله وتركناهم، فكشف الغطاء عن أبصارنا، فعلمنا على الشهود مَن الخائص اللاعب، وما هو هذا الجمع الذي أظهره ضمير هُم في قوله: ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ. وقد تقدم أنه ما ثَم أثرٌ إلا للأسماء الإلهية؛ فثبت الجمع لله بأسمائه وثبت التوحيد بهويته.
ورغم ما في هذا التأويل من غرابة، فإنه على الأقل من وجهة نظر ابن عربي لا يتعارض مع دلالتها الظاهرة، بل لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن الدلالة الظاهرة ضرورية وأساسية لهذا المستوى الدلالي الباطن. إن الفارق بين المستوى الدلالي الظاهر والمستوى الباطني يكمُن في قدرة الصوفي على النَّفاذ إلى ما وراء عالم الظواهر المدرَك إلى باطنه الروحي العميق.
إن الظاهر المدرَك أو الخبرة اليومية المباشرة قد توهمنا أننا الفاعلون على الحقيقة؛ خيرًا كان الفعل أم شرًّا. والحقيقة التي يصل إليها الصوفي هي أن الأسماء الإلهية هي الفاعلة على الحقيقة مِن وراء صور الموجودات الظاهرة، يستوي في ذلك الإنسان وغيره من الموجودات. قد نتوهم من خلال الخبرة اليومية أن الكافرين والمشركين هم الخائضون في الآيات على الحقيقة، ويدرك الصوفي أنهم مجرد صور تتحرك بأيدٍ خفية هي الأسماء الإلهية. وينطلق ابن عربي من هذا الفهم القائم على اشتراك الدلالة وتعددها ليحلَّ معضلة الجبر والاختيار، فالإنسان مخيَّر من حيث ظاهره وصورته، ولكنه مجبَر من حيث باطنه وحقيقته، فهو مجبر في اختياره، وإن لم يُحِسَّ مثلَ هذا الجبر إلا العارفون من أهل الله الذين يُكشف لهم الأمر على ما هو عليه.
من هذا المنطلق لا يتعارض تأويل ابن عربي للآية مع معناها الظاهر، فالكفَّار والمشركون هم الخائضون من حيث صورهم، والمَخوضُ فيه — ظاهريًّا — هي آيات القرآن، والخوض هو السخرية منها. أما من حيث الحقيقة والباطن، فالخائضون هم الأسماء الإلهية الفاعلة على الحقيقة، والمَخوض فيه صور العالم، وهي كلها دلائل وآيات على وجود الله أو مَظاهر له، والخوض هو الانشغال بشئون العالم من جانب الأسماء الإلهية.
في مثل هذا التأويل تكتسب ألفاظ الخوض والآيات دلالاتٍ مشتركة، فهي يمكن أن تكون دلالة على معانٍ ظاهرة كالسخرية والقرآن، ويمكن أن تكون دلالة على معانٍ باطنة كالانشغال ومظاهر الوجود. وإذا كان ابن عربي قد وُفق في تأويل كلمة «الآيات» استنادًا إلى معناها اللغوي والاصطلاحي، فإنه لم يوفق بنفس الدرجة في تأويل «الخوض»؛ لأن معناها الظاهر لا يخلو في دلالته من الدخول في أمر غير مقبول. وقد يردُّ ابن عربي بأن هذا هو المعنى الوضعي الاصطلاحي البشري لا الدلالةُ الإلهية للُّغة في باطنها العميق. وهذا ما يؤكده بقوله مستشهدًا بمجموعة أخرى من الآيات على رؤيته لمعضلة الجبر والاختيار: «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ، فهو القاتل وإن لم يَرِد هذا الاسم، وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى، فهو الرامي بالصورة المحمدية وإن لم يَرِد هذا الاسم، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ في صورة طير وإن لم يَرِد، سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ، وهو الواقي وإن لم يَرِد للسرابيل اسم.
إن الاشتراك في دلالة الألفاظ هو الذي يسمح لابن عربي بمثل هذه التأويلات، وهو اشتراك يقوم على أساس أن الألوهة هي مجموعة من العلاقات المشتركة التي تربط بين الله والعالم. من هنا يكون لكل لفظ في اللغة عامة والقرآن خاصة بُعدٌ دلالي باطن يدل على حقائق الألوهة، وبُعدٌ دلالي ظاهر يدل على حقائق العالم. ولهذا انعكس التقابل بين وحدة الهوية وكثرة الألوة (= كثرة العالم) في التقابل في استخدام الضمائر في القرآن، كما سبقت الإشارة.
(٢-٤) الاشتراك في الإعراب والبناء
ولا تتوقف علاقة الاشتراك بين الله والعالم عند حدود الضمائر والأسماء، بل تتجاوز ذلك إلى ظواهر لغوية كالإعراب والبناء، والتذكير والتأنيث، والأسماء الموصولة التي يسميها ابن عربي «الأسماء النواقص».
وننتهي من هذا القسم بالتأكيد على أن الاشتراك الدلالي بين الحق والخلق، سواءٌ في الأسماء أو الضمائر أو ظواهر اللغة، ليس إلا انعكاسًا لجانبَي الدلالة اللغوية في بُعديها الإلهي والإنساني. وهذان الجانبان بدورهما ليسا إلا انعكاسًا لثنائية الذات الإلهية والعالم؛ حيث تمثل علاقة الاشتراك الدلالي على المستوى اللغوي توازيًا لوسيط الألوهة على المستوى الفلسفي، وكلاهما ضروري وأساسي لقضية التأويل كما وضحنا في الأمثلة التي ناقشناها.
(٣) البعد التركيبي
من الصعب في الواقع أن نفصل بين جوانب اللغة الصوتية والدلالية والسياقية أو التركيبية عمومًا، وفي فكر ابن عربي وتأويله خصوصًا؛ ولذلك سنكتفي هنا بمناقشة مفهوم ابن عربي للإسناد ودلالته الوجودية والمعرفية، وإعطاء نماذج لبعض القضايا التي يرى الباحث أنها أَدخلُ في باب التركيب؛ مثل ظواهر البَذل وأدوات النداء ونون الوقاية ومعاني الحروف.
إن علاقة التفاعل الدلالية بين الذات والحدث والرابطة في التركيب اللغوي ليست إلا انعكاسًا لعلاقة التفاعل بين الأسماء الإلهية من جانب ومراتب الوجود من جانب آخر، وهي علاقة الفعل من جانب الأسماء الإلهية والانفعال من جانب الموجودات. وهذه العلاقة يمكن النظر إليها — من زاوية أخرى — على أساسٍ من فاعلية المراتب الوجودية التي أظهرت الأسماء الإلهية من بطونها في الذات، فهي علاقة يتفاعل فيها الطرفان كما يتفاعل جانبا الجملة اللغوية من خلال الرابطة التي تجمعهما، فالذات الغنية (المسند إليه) تكتسب من الذات الفقيرة (المسند) وصفًا لم يكن لها قبل الإسناد. وكذلك يكتسب المسند معناه من إسناده إلى ذات غنية. ولا ينفي هذا التفاعل على المستوى الوجودي واللغوي أن الذات الغنية — في تصور ابن عربي — لها دلالتها الوجودية واللغوية المستقلة عن أي علاقة أو إسناد، فالله هو الغني الحميد. وليست الألوهة في وحدتها سوى صفة الاستغناء المطلق التي يقابلها من جانب العالم الافتقارُ المطلق؛ كما سبقت الإشارة في الباب الأول.
إن علاقة التفاعل تتجاوز — وجوديًّا — ثنائية الذات الإلهية والعالم، وتمتد لتشمل كلَّ مراتب الوجود من عالم الأمر إلى عالم الكون والاستحالة، وهو العالم الحي الظاهر؛ كما ناقشنا ذلك بالتفصيل في الباب الأول. وهذه العلاقة تجد مجلاها في التركيب اللغوي الذي هو جوامع الكلم الموازي لتفاعل مراتب الوجود، وعلاقات الموجودات التي هي كلمات الله.
وإذا كان الإنسان يقي بإنيته إنيةَ الحق من الخفض وجوديًّا ومعرفيًّا ولغويًّا، فليس معنى ذلك أن إنية الإنسان لها وجود مستقل وفاعلية خاصة؛ فإنية الإنسان — التي هي نون الوقاية — لا توجد إلا في سياق خاص بين إنية الحق وضميره. ومعنى ذلك أنها إنية محصورة بالحق من كل جانب، فالحق هو الذي وقى نفسه بصورة إنية العبد، التي ليست في حقيقتها سوى إنية الحق الظاهرة.
في هذا النص يطرح ابن عربي فكرة البدل من خلال منظور النفي والإثبات في الآية الأولى، حيث أثبت الله الرمي لمحمد ﷺ ثم نفاه عنه وأثبته لنفسه. أما المنظور الذي تُطرح من خلاله فكرة البدل في الآية الثانية، فهو منظور بدل البعض من الكل، فيد الله (البعض) بدل من محمد، أو ضمير المخاطب (الكل)، وهو ما يطلق عليه ابن عربي «رائحة من بدل البعض من الكل»؛ لأنه لا يتصور التبعيض في حق الله عز وجل. ومن خلال هذين المنظورين لفكرة البدل يطرح ابن عربي فكرة الجبر والاختيار؛ من خلال التأكيد على أن البدل الأحق بالحضرة الإلهية هو بدل الغلط، فالناس تنسُب الأفعال — خاصة أفعال الخير — لأنفسها، وبذلك يظنون أنهم هم الفاعلون؛ وما هم كذلك، وينسبون الشر إلى الله ويظنون أنهم ليسوا بفاعلين؛ وهم الفاعلون. فالغلط ناتج عن تصور البشر أنهم الفاعلون على الحقيقة؛ لأن الله هو الفاعل من خلال صورهم، والغلط الآخر أن يتصور الإنسان أنه مجبر جبرًا كاملًا؛ لأنه أوقع الفعل من حيث صورته. إن المعرفة الحقة كما يراها ابن عربي تكمن في الجمع بين الظاهر والباطن والأدب مع الله، كما فعل الخضر الذي نسب الأفعال الخيِّرة إليه؛ إلى الله، وما يشتمُّ منه رائحة الشر نسبها لنفسه؛ أدبًا مع الله، وإن كانت الأفعال كلها لله في الحقيقة.
إن البُعد في هذه الآيات كلها بُعد زماني، والأمر المطلوب تحقيقه هو الثبات عليه والدوام في المستقبل؛ لأنه متحقِّق في المنادى عليهم حالَ النداء. وفي هذا التأويل يكتسب البُعد اللغوي الذي تعبِّر عنه أدوات النداء معانيَ رمزيةً تتجاوز البُعد بالمعنى المكاني الذي تدل عليه اللغة الوضعية، فالبُعد قد يكون معرفيًّا في حق الكفار المحجوبين، وقد يكون بُعدًا زمانيًّا في حق المؤمنين، يرتبط بتحقيق المأمور به في المستقبل والدوام عليه، وإن كان متحققًا في الحال.
ولعل في كل ما سبق ما يؤكد ما ذهبنا إليه من أن اللغة بجوانبها المختلفة وأبعادها الثلاثة تتحول عند ابن عربي إلى شفرة تعكس كلَّ حقائق الوجود من عالم الألوهة إلى العالم الحسي المشهود. في ظل هذا التصور للغة تتسع أدوات التأويل عند ابن عربي اتساعَ أبعاد اللغة، ويتحول القرآن بدوره إلى مجموعة من الرموز تتجاوز إطار اللغة الوضعية الاصطلاحية؛ لتدل على حقائق الكون والوجود. وإذا كنا في الأمثلة السابقة التي تعرضنا لها في الفصلين السابقين من هذا الباب، وفي البابين اللذين قبله، قد لاحظنا مدى تشعُّب قضايا التأويل وتداخلها، ومدى اتساع الأدوات وشمولها لجوانب اللغة، فمن المفيد أن نتوقف في الفصل الثالث والأخير من هذا الباب عند بعض القضايا التأويلية المحورية؛ محاولين الكشفَ عن جوانبَ لم تتضح بقدر كافٍ في الصفحات السابقة كلها.
Annemarie Schimmel; Mystical Dimensions of Islam, pp. 411–425.
Laleh Bakhtiar, Sofis, Expressions of The Mystical, Quest p. 52.
وانظر أيضًا: كتاب الميم والواو والنون ٨-٩.
وانظر فيما يرتبط بالدلالة المعرفية والوجودية للام ألف: الفتوحات ٢ / ٥٨٦؛ حيث تعبِّر اللام ألف عن التناسب والالتفاف بين الأرواح والأجساد والله والعالم.
وانظر أيضًا: الفتوحات ٢ / ٤١٢؛ حيث تنتج معرفة أسرار اللام ألف كثيرًا من العلوم.
وانظر أيضًا: الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز عند المعتزلة، دار التنوير، بيروت، ١٩٨٢م.
Annemarie Schimmel. Mystical Dimensions of Islam, pp. 426–453.