ثانيًا: إخوان الصفا
استعمل إخوان الصفا لفظي الحكمة والشريعة قبل ابن رشد وبنفس هدف الكندي ولكن إلى المنتصف لأن الشريعة قد دنست بالجهالات، واختلطت بالضلالات ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية. فالتزييف أتى للشريعة وليس إلى الحكمة، والضلال وقع في الدين وليس في الفلسفة. والدين هي الشريعة، وتشمل الشريعة العقيدة الشريعة عقلية طبيعية مثل الحكمة لذلك يسهل بيان اتفاقهما في حين أن العقيدة. في حاجة إلى تأويل. اتفاق الحكمة والشريعة ليس نقلًا للموروث على مستوى الوافد ولكن تعقيل له على مستوى العصر، وتوحيدًا للثقافة بدلًا من ثنائية المصدر وخلق ثقافة جديدة قادرة على الدخول في تحديات العصر. ولم يرد لفظ توفيق عند كل الحكماء المسلمين، وهو اللفظ الشائع ظلما في الدراسات الاستشراقية وتوابعها العربية. إنما ورد لفظ اتفاق. التوفيق اصطناعي، خارجي، إرادي، قد ينجح وقد لا ينجح في حين أن الاتفاق طبيعي، داخلي، تلقائي، خارج منطق النجاح والفشل، وقد أدرك أبو حيان هذا الاتفاق بين الحكمة والشريعة عند إخوان الصفا فروج لهم وانتسب إليهم نظرًا لطابعهم الإشراقي ونزعتهم الصوفية.
وقد تعاونت الحكمة والشريعة عبر التاريخ. مكان الحكماء يلحنون الموسيقى في الهياكل وبيوت العبادات. وسبب تحريم الموسيقى في بعض الشرائع هو استخدام البعض لها من أجل اللهو واللعب وإثارة الغرائز وشهوات الدنيا وملاذها والغرور بأمانيها وهو غير استخدام الحكماء لها.
لذلك يخطأ من أعرض عن الحقائق الدينية وصدق بالآراء الحكمية وحدها وهما شيء واحد، وذلك لقصور فهمهم عن تلك الأمور التي جاء بها الأنبياء في إشاراتهم ورموزهم، فعجزوا عن إدراك حقائقها التي ألفتها لهم الملائكة من الوحي والإلهام والتأييد والإشارات لصفاء نفوسهم ومجانسة أرواحهم لأرواحها لا لقياسات منطقية أو رياضات حكمية، فمن يأتي الحكمة يصدق بالنبوة. ومن يصدق بالحكمة يقبل النبوة.
وأكثر المبتدئين والمتوسطين في علوم الحكمة يتهاونون بأمر الناموس وأحكام الشريعة، يزرون بأهله، ويستنكفون من الدخول تحت أحكامه إلا خوفًا أو كرهًا من قوة الملك أخي النبي لقصور فهم الفريقين جميعًا عن معرفة حقائق الأشياء المذكورة ولقلة علمهم بماهيات الكائنات. أما الإخوان فينظرون في الأمرين معا، الحكمة والشريعة للكشف عن حقائق الأشياء وهو الغرض من تأليف الرسائل على طريق الايجاز مع نكت لا يفهمها إلا اللبيب وأمثاله لتفهيم المبتدئ فيسهل تصور الحقائق.
ويعبر أبو حيان عن رأي المقدسي، أحد الإخوان، في الشريعة والفلسفة بعد اتهامه بإيثار الفلسفة على الشريعة بأن الشريعة طب المرضى والفلسفة طب الأصحاء. والأنبياء يطيبون المرضى حتى لا يزيد مرضهم بل يزول ويستردون عافيتهم. والفلاسفة يحفظون الصحة على أصحابها حتى لا يعتريهم مرض أصلًا. النبوة علاج، والفلسفة وقاية. غاية الطبيب برء المريض إذا كان الدواء ناجحًا، والطبع قابلًا، والطبيب ناصحًا. وغاية الفيلسوف حفظ الصحة حتى يتم كسب الفضائل، والفوز بالسعادة العظمى، فيستحق الحياة الإلهية، الخلود والديمومة. بل إن مريض الأبدان يكسب أيضًا من طبيب النفوس لأن فضائل الأول تقليدية، وفضائل الثاني برهانية. الأولى ظنية، والثانية يقينية. الأولى جسمانية، والثانية روحانية، الأولى زمانية، والثانية أبدية. وهو قريب مما عرضه الرازي في الطب الروحاني.
غرض الأنبياء وواضعي النواميس الإلهية غرض واحد، وقصد واحد وإن اختلفت شرائعهم وسننهم وأوقات عباداتهم وقرابينهم وصلواتهم. الغرض واحد والوسائل متعدِّدة طبقًا للزمن والتطور. وكذلك غرض الأطباء واحد في حفظ الصحة الموجودة واسترجاع الصحة المفقودة وان اختلفت وسائل العلاج والأدوية بحسب اختلاف الأمراض العارضة للأبدان في الأوقات المختلفة والعادات المتغايرة. وهو نفس غرض الحكماء والفلاسفة لأنهم أطباء النفوس، وغرضهم نجاة النفوس الغريقة في بحر الهيولى وإخراجها من هاوية الكون والفساد وإيصالها إلى الجنة في عالم الأفلاك وتذكيرها ما قد نسيت من مبدئها ومعادها.
مصدر الحكمة والشريعة واحد، وهو الله، يأخذ منه الحكيم عن طريق الإلهام، والنبي عن طريق الوحي حسب ما اتفق لكل قوم في أصول مواليدهم وبحسب اجتهاد رتبهم وعمل فكره ونتاج قريحته ووجوب رويته بتأييد من الله وإلهامه. يأخذ صور الحروف، ويلقي عليها أسماء من ذاته. إن كان حكيما فبتأييد من الله وإلهامه، وإن كان نبيًّا فبوحي من الله أو من وراء حجاب أو بإرسال رسولًا يفيدها بصورة أخرى، وينطق بها بلسانٍ آخر غير اللسان الأول. الوحي بالمعنى واللفظ من وضع الزمان والمكان. المعنى أبدي، واللفظ زماني. والمحددات الزمانية المواليد أي العصر والرئيس أي شخص النبي أو الحكيم وهو الذي يجتهد ويفكر بتأييد من الله. ويسمي الإخوان المعاني «صور الحروف»، والألفاظ الأسماء التي يلقيها عليها من ذاته. وكلاهما بتأييد من الله، الحكيم إلهامًا والنبي وحيًا.
الشريعة والحكمة ليسا طريقين مزدوجين متوازيين يلتقيان نحو غاية واحدة أو موضوع واحد بل هما طريق واحد شقة الأنبياء وسار فيه الحكماء. هنا تبدو الحكمة تابعة للشريعة وليست موازية لها أو متلاقية معها في النهاية مثل ضلعي المثلث متساوي الساقين، القاعدة في الأرض، والقمة في السماء، طريقة سلكها الأنبياء واتبعهم الأخيار الفضلاء من العلماء أو الحكماء.
ومما يدل على أنهما طريق واحد أن كل متعلم له معلم، وكل معلم له معلم حتى يتسلسل الأمر إما إلى معلم يتعلم بقوة نفسه وفكر وروية واجتهاد كما يدعى المتفلسفون أو أخذه عن معلم ليس من البشر كما يقول الأنبياء لا يحيط بعلمه الفلاسفة ولا الأنبياء إلا الله وحده مع أن النبي يأخذ تعليمه من الوحي، وهو من العلم الإلهي.
ومن تعلم علم الشريعة وعرف أحكام الدين وتحقق أمر الناموس فإن النظر في الفلسفة لا يضر بل يفيد في علم الدين تحققا وفي أمر المعاد استبصارا، وبثواب الآخرة وعقابها يقينًا، وإليها اشتياقًا وإلى الآخر رغبة، وإلى الله قربى. الفلسفة والشريعة متفقتان في أمر المعاد. والمحسوسات في المعاد أشرف مما هي هنا حتى يكون للنفوس إلهيًّا تشويق. فترغيب الفلاسفة في الرجوع إلى عالم الأرواح وترغيب الأنبياء وتشويقهم إلى نعيم الجنان واحد. ولا تعرف أمور المعاد بالتجربة ولا بالخبر القائم على المشاهدة. وإذا سمعها أكثر الناس وتوهموا أنه لا يوجد لذة ولا نعيم ولا فرح ولا سرور إلا هذه المحسوسات، وأن ما أخبرت به الأنبياء باطل، وما أخبرت به الحكماء من سرور عالم الارواح وفضله وشرفه كذب وزور يقعون في الشك والحيرة. ومن ثَمَّ فالإيمان بما أخبر به الأنبياء، والتصديق بما أعلن عنه الحكماء يذهب هذا الشك وهذه الحيرة. ومع ذلك يظل السؤال: أين البرهان على الإيمان بما جاء به الأنبياء وللتصديق بما أعلن عنه الحكماء؟ هل تلك مهمة الحكمة في المساعدة على البرهنة على صدق النبوة؟
ويضرب المثل على هذا الاتفاق بين الحكمة والشريعة في حالة خاصة اتفاق الحكمة اليونانية والشريعة الإسلامية. فإذا انتظمت الفلسفة الاجتهادية اليونانية مع الشريعة العربية حصل الكمال. وتسمى الفلسفة اليونانية الاجتهادية، والشريعة الإسلامية العربية تخصيصًا للوافد باليونان، وللموروث بالعرب. وبالتالي يكون السؤال: هل هناك حكمة على الإطلاق وشريعة على الإطلاق، صفتان في ذاتيهما أم إن هناك حكمة في عصر معين وشريعة في زمان معين؟
وتتفق الحكمة اليونانية مع الشريعة الإسلامية كما لاحظ الإخوان في عدة خصائص مشتركة هي التي جعلت نقل الفلسفة اليونانية إلى الحضارة الإسلامية وشرحها وتلخيصها سهلًا ميسورًا بل وتصحيح ما علق بالشريعة الإسلامية من خزعبلات عن طريق الفلسفة اليونانية. فأمكن تزاوج الوافد مع الموروث في وحدة جديدة لا هي باليونانية الوافدة ولا بالإسلامية الموروثة، بل فكر فلسفي جديد، وافد يكتمل بالموروث من حيث المضمون، وموروث يتهذب بالوافد من حيث الصورة وأدوات التعبير.
كلاهما عقلاني، يسهل فهمه بالعقل، والدفاع عنه بالعقل. وإذا ارتبط العقل بالدين فإنه يظل هو الأساس والمقياس في الإلهيات العقلية. بل إن نظرية الاتصال ذاتها التي تكشف عن هذا البعد الجديد في الحضارة الناشئة تقوم على الاعتزاز بالعقل وتقسيماته إلى منفعل وفعال بصرف النظر عن مواد تطبيقاتها. المنطق عقلاني، والطبيعة عقلانية، وما بعد الطبيعة عقلاني. والنفس والأخلاق والاجتماع والسياسة كلها علوم عقلانية. ومن ثَمَّ يكون السؤال: هل الفلسفة يونانية الطابع أم إنها عقلية بعد أن عرضت على العقل والشرع وتم قبولها؟ هي وافد في الظاهر، ووافد موروث أو موروث وافد في الحقيقة دون شبهة التبعية للوافد؟ هل هناك عقل خالص أم إنه بالضرورة عقل تاريخي، يوناني وإسلامي؟
ويمتاز العقل اليوناني والعقل الإسلامي بغياب العقائد والمسلمات والافتراضات المسبقة التي تند عن العقل والطبيعة أو العقل الطبيعي وكأنه عقل فطري لا يبدأ إلا بنور الفطرة. لذلك قضت العقائد المسيحية عليه بجعله قاصرا عن إدراك وتجاوز الإيمان له لإدراك عالم الأسرار. ثم حررته الفلسفة الحديثة من جديد عندما جعلت العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس، ولا شيء يعلو فوق صوت العقل. وهو ما يتفق مع وظيفة العقل الإسلامي في الحضارة الناشئة، العقل الفطري، النور الطبيعي، استدلال إبراهيم. يقوم كلاهما على الاقناع والبداهة والبداية الفلسفية وبناء الموضوع شيئًا فشيئا سواء كان في المنطق أو الطبيعة أو ما بعد الطبيعة.
وكلاهما طبيعي، متفق مع الطبيعة. وبالتالي يسهل تحليل كل منهما بالحس والمشاهدة. فالطبيعة منطقة التقاء ومراجعة يحال إليها الفكران. في اليوناني من فقد حسًا فقد فقد علمًا. وفي الإسلامي المعرفة الحسية أحد مصادر المعرفة. الطبيعة عند اليونان صنو العقل. الطبيعة عاقلة. والطبيعة في الإسلام دليل على وجود الله كما هو الحال في أدلة المتكلمين. وهي الحق في وحدة الحق والخلق عند الصوفية. وهي أساس التشريع في علم الأصول والاعترافات بحاجات الناس البدنية. والآية في اللغة العربية نص ودليل، لغة وظاهرة.
كلاهما موضوعي يثبت وجود العالم ويعترف بالوجود بالرغم من المثالية العقلية في كل منهما. الحضارة الناشئة أيضًا تقوم على إثبات العالم وليس على نفيه كما هو الحال في النصرانية والديانات الشرقية، البوذية والهندوكية، القسمة طبيعية: جوهر وعرض، علة ومعلول، واحد وكثير، صورة ومادة، علل أربع، عقل وحس، نفس وبدن، أدوات عقلية بسيطة وسهلة لإحكام الموضوع الذي هو من طبيعة الفكر. ومن هنا أتى اتفاق العقل والطبيعة. فالعقل قادر بمقولاته على احتواء الطبيعة، اتفاق الذات والموضوع في بنية واحدة. المقولات العشر في المنطق هي نفسها الجوهر والأعراض في الطبيعة، والله والعالم في ما بعد الطبيعة. لذلك رفض كلاهما الشك واعترفا بوجود حقيقة يمكن معرفتها، عقليًّا ووجوديًّا. ومن هنا أتى الهجوم على الشكاك في كلتا الحضارتين على اختلاف مذاهبهم.
وكلاهما إنساني يضع الإنسان مركز الكون. الإنسان عالم صغير، والعالم إنسان كبير. الطبيعة وما بعد الطبيعة عند اليونان إنسانية. والعلة الأولى والمحرك الأول عند اليونان صورة الأرستقراطي النبيل. الفلسفة اليونانية ذات طابع إنساني مفتوح. تتناول موضوعات إنسانية، يسهل فهمها، قريبة إلى النفس، الإنسان، العالم، الفكر، السعادة، الخير، الأخلاق، السياسة. ويبدو الجانب الإنساني كما لو كان العقل مسقطًا على الطبيعة مقولاته. الحال والملكة وباقي المقولات العشر إنسانية، وكذلك الملكية وأن يفعل وأن ينفعل. ولا يتعلق الأمر فقط بالمنطق بل أيضًا بالإلهيات مثل العقل، وبالطبيعيات مثل الزمان والمكان، والحركة والتغير، والكون والفساد.
وكثير من الموضوعات اليونانية إسلامية صرفة مثل الشهود والعقود والاعترافات المنتزعة بالإكراه، والإيمان … إلخ. وكذلك الحديث عن الأسلوب والنظم والشعر والعرب أهل فصاحة وبيان. كما يربط أرسطو بين الغنى والأخلاق كما يفعل القرآن وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ، وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ. وكثير من موضوعات المنطق تقترب من أبواب في الفكر الإسلامي في علم الأصول مثل دور السائل ودور المجيب، وأحكام السؤال والجواب، وأحكام المفتي والمستغني. بل إن بعض العبارات توحي بأن أقوال الصحابة مثل دور المجيب يتوقف على طريقة السؤال.
الفلسفة اليونانية وحدة واحدة كما تبدو في مرحلتها المتأخرة عند أرسطو مؤرخا للفلسفة اليونانية. ومن هنا أتت الاحالة إلى باقي الفلاسفة السابقين خاصة أفلاطون ومحاوراته. يتكلم أرسطو عن علوم الأوائل. ويشير إلى أخطاء السابقين. أرسطو مؤرخ مجدد، يعيد بناء الحضارة من منظوره الخاص. يجد لها قانونًا، ويكمل نظرياتها، ويعيد بناء الحضارة من منظوره الخاص. يجد لها قانونًا، ويكمل نظرياتها، ويعيد التوازن إليها. وهو بالضبط ما يفعله الإسلام مع الديانات السابقة، آخر مرحلة من مراحل الوحي مع المراحل السابقة، الحضارة الإسلامية مع الحضارات الأخرى، الحضارة الإسلامية مع أرسطو نفسه. وتلك رؤية ابن رشد، أيضًا لتاريخ الفلسفة اليونانية تطورًا وبناءً ودورًا. أرسطو في اكتمال هذا التطور والبناء. وهو دور مماثل لدور ابن رشد في الحضارة الإسلامية. ومن هنا جاء الاتفاق بين أرسطو وابن رشد كل منهما في حضارته، تطورا وبناء. أرسطو مؤرخ يذكر آراء القدماء في كل موضوع قبل أن يدلي فيه بدلوه تمامًا كما يفعل الإسلام عندما يقص تجارب الأمم السابقة قبل أن يعلن اكتمال الوحي. فبعد التطور يأتي البناء. أرسطو خاتم الفلاسفة، ومحمد خاتم الأنبياء.
وأرسطو أفضل بالرغم من أن الحضارة الإسلامية تقوم على رسالة ووحي واشراق. واستقرت في التاريخ على أنها حضارة دينية، وأن ما أبدعته فلسفة اشراقية، وأن ما استقر في وجدان الناس هو التصوف وليس الفلسفة، الإيمان وليس العقل. إلا أن القدماء فضلوا أرسطو لما تتسم به فلسفته من عقلانية تتفق مع عقلانية الحضارة الجديدة. فالعقل أساس النقل. ومن قدح في العقل فقد قدح في النقل، وموافقة صحيح المنقول لصريح المعقول. وطبيعته تتفق مع طبيعة الحضارة الناشئة. والدعوة إلى النظر في سنن الكون وآياته والمخلوقات وتسخير قوانين الطبيعة وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، ونزعة إنسانية تجعل الإنسان مركز الكون والمدنية. تتحدث في النفس والأخلاق والمجتمع والسياسة كما هو الحال في العلوم الشرعية في الحضارة الناشئة، واتزان واعتدال يتفق مع الروح الوسطية في الحضارة الناشئة، الأخلاق الوسط، والأمة الوسط، لا إفراط ولا تفريط. روح فلسفة أرسطو وروح الحضارة الناشئة روح واحدة دفعت كل الحكماء بلا استثناء إلى بيان اتفاق الفلسفة ممثلة في أرسطو، والدين الإسلامي نموذجًا منذ «رسالة الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى» حتى «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال» لابن رشد، مرورًا بقصة «حي بن يقظان» لابن طفيل. كما أنه نموذج الشمول والإحاطة والحديث في كل شيء، منطق وطبيعيات وإلهيات. والناقض عنده يكمله له المسلمون استكمالًا للمذهب حتى ولو لم يكن هو مؤلفه الفعلي. وبالتالي يمكن استخدامه للتعبير من خلاله عن الموروث. ويكون نموذجًا إنسانيًّا للوحي الصاعد الذي يصل إليه «حي بن يقظان» بمفرده دون حاجة إلى أنبياء.