فرنسيس مرَّاش
ثم اشتهر فتح الله مراش وكان ذا إلمامٍ وافر باللغة العربية وآدابها، وترك منها آثارًا مخطوطة. وسنة ١٨٥٠ سافر إلى فرنسا لضرورة دعت إلى ذلك فمكث فيها ثلاث سنين، وقد استصحب معه في هذه الرحلة بكر أنجاله فرنسيس الذي خلفه في آدابه، بل فاق عليه بالذكاء والمعارف وفنون الإنشاء شعرًا ونثرًا. وإليك ما ورد في كتاب «الآداب العربية في القرن التاسع عشر» عن أخباره باختصار:
ولد فرنسيس بن فتح الله بن نصر الله مراش في ٢٩ حزيران سنة ١٨٣٦ ثم تلقَّن العلوم اللسانية وآداب الشعر، وانكبَّ على دراسة الطب أربع سنوات تحت نظارة طبيبٍ إنكليزي كان في الشهباء، وأراد أن يتم دروسه في عاصمة الفرنسيس فسافر إليها في خريف سنة ١٨٦٦، وقد وصف سفره إليها في كتاب «رحلة باريس» الذي طبعه سنة ١٨٦٧ في بيروت، ولم يسعده الدهر في غربته فكرَّ راجعًا إلى وطنه وتفرغ للتصنيف رغمًا عما أصابه من ضعف البصر وانحطاط القوى حتى أفل نجم حياته فمات سنة ١٨٧٣ في مقتبل الكهولة. وكان فرنسيس صادق الإيمان كثير التدين. وقد ألَّف كتابًا بناه على مبادئ العلوم الطبيعية والعقلية بيانًا لوجود الخالق وإثباتًا لحقيقة الوحي، سماه «شهادة الطبيعة في وجود الله والشريعة» أعرب فيه عن دقة نظر ومعرفة بأحوال الطبيعة والعلوم العصرية. ومن مصنفاته التي جمع فيها بين الفلسفة والآداب فأودعها آراءه السياسية والاجتماعية على صورةٍ مبتكرة كتاب «غابة الحق» الذي طُبع في حلب سنة ١٨٦٥، ثم كرر طبعه في بيروت ومصر، ومثله كتاب «مشهد الأحوال» المطبوع في بيروت سنة ١٨٨٣ على أسلوبٍ لطيف ونسقٍ حديث، وفي بيروت طُبعت له روايةٌ حسنة دعاها «در الصدف في غرائب الصدف»، ومما طبعه قبلها في حلب كتاب «المرآة الصفية في المبادئ الطبيعية» (١٨٦١) لخص فيه أصول علم الطبيعة، ثم خطبة في «تعزية المكروب وراحة المتعوب» (١٨٦٤)، وكتاب «الكنوز الغنية في الرموز الميمونية» (١٨٧٠)، وهي قصيدةٌ رائية في نحو خمسمائة بيت ضمنها رموزًا خفية على صورة روايةٍ شعرية، ومن نظمه أيضًا «ديوان مرآة الحسناء» طبعه له محمد وهبة سنة ١٨٧٣ في بيروت.
وكان فرنسيس المراش يحب في كلامه الترفع عن الأساليب المبتذلة فيطلب في نثره ونظمه المعاني المبتكرة والتصورات الفلسفية فلا يبالي بانسجام الكلام وسلاسته، فتجد لذلك في أقواله شيئًا من التعقد والخشونة مع الإغضاء عن قواعد اللغة، فمن شعره ما قاله يشكو الدهر:
ومن أشعاره الحكمية قوله:
وكان فرنسيس المراش يراسل أهل الفضل في زمانه كالشيخ ناصيف اليازجي وغيره، وله مآثرُ عديدة وفصولٌ إنشائية وقصائد وأراجيز نشرها أرباب الجرائد في عهده كأصحاب «الجوائب» و«النحلة» و«الزهرة» و«الجنان» و«النشرة الأسبوعية» و«المشتري» و«البشير» و«المجمع الفاتيكاني» و«مرآة الأحوال» و«الجنة» وغيرها. وقد رثاه الأديب المرحوم بشارة الشدياق فقال يذكر تآليفه:
ونقشت أخته مريانا الشاعرة الشهيرة على نعش أخيها فرنسيس بعد وفاته هذين البيتَين: