الدولة البرتية
(١) شكل حكومة البرتيين
كان نظام الدولة البرتية يختلف باختلاف الأقوام والأقاليم، وكانت تنقسم إلى ممالك صغيرة أو مقاطعات مستقلة، ولكل واحدة منها ملك يحكم عليها ويخضع للملك البرتي المقيم في «أكتسيفون»، فهي والحالة هذه أشبه بالولايات المتحدة، ومن تلك الممالك الصغيرة التي كانت في «العراق» إمارة «ميشان» التي كانت في موقع البصرة، وإمارة «حطارا» التي كانت قرب «تكريت»، وإمارة «حدياب» التي كانت في أرض الموصل وما يجاورها، أي بين الزابين وتمتد إلى الشرقات وإلى نصيبين وقاعدتها أربيل، وإمارة «الحيرة» المشهورة التي كانت في موقع أبي صخير، وهي حكومة عربية أسَّسَها مالك بن فهم التنوخي سنة ١٣٨م.
(٢) العراق في عهد البرتيين
بعد أن تمَّ أمر الدولة البرتية في بلاد «بابل»، أطلقوا لأهلها الحرية التامة في كل شيء، وأبقوا قوانين البلاد وشرائعها على ما كانت عليه قبلًا، ولم يتعرَّضوا بديانات أهل البلاد ولا بعاداتهم وعوائدهم، ومنحوا لبعض المدن استقلالًا إداريًّا، ولبعضها استقلالًا إداريًّا وسياسيًّا، فكان في عهدهم لكل مدينة استقلال بلدي وحق في انتخاب القضاة والمجلس الإداري، كما كان في مدن الأقطار الأخرى التي تحت حكمهم، إلا أنهم جعلوا على العراق حاكمًا عامًّا فارسيًّا يدير شئون تلك المدن المهمة تحت إشراف الملك البرتي المقيم في «أكتسيفون»، وفرضوا على كل مدينة ضريبة سنوية تؤدِّيها للحكومة، وبذلك تمتَّع العراقيون في أكثر عهد هذه الدولة بالحرية التامة، وعمرت بلادهم وكثرت ثروتهم، خصوصًا وأن البلاد كانت هادئة لم يحدث فيها حرب دينية أو فتن مذهبية، إلا ما كان يحدث أحيانًا بين أهل البلاد وبين اليهود من الفتن بسبب الاختلاف الديني، مما لا علاقة له برجال الدولة؛ لأن البرتيين لم يكن عندهم فرق بين دين وآخَر، ولا تعصُّب لدين من الأديان حتى دينهم الرزدشتي الذي كانوا عليه؛ وما كان يحدث بين هؤلاء الملوك وملوك «سورية» في الحروب التي كاد يتطاير بعض شررها على أبناء الرافدين.
(٣) الحروب بين البرتيين وملوك سورية
لما تمَّ أمر البرتيين في العراق وأسَّسوا دولة كبيرة تضم عدة أقاليم، حاولوا التسلُّط على سورية — كما حاوَلَ السلوقيون ملوك سورية الذين طُرِدوا من العراق إرجاعه إليهم — فسبَّبَتْ تلك المطامع حروبًا دامت أعوامًا طوالًا خسرت فيها الدولتان خسائر فادحة، وأصيب بسببها أبناء الرافدين ببعض النوائب.
(٤) انقراض الدولة البرتية
(٥) تتمة لما تقدَّمَ
ورأى بعض المؤرخين أن الذي تولَّى بعد أرشك الأول أشكان الأول، ثم أشكان الثاني، ثم شابور، ثم بهرام، ثم بلاش، ثم هرمز، ثم نرسي، ثم فيروز، ثم بلاش الثاني، ثم خسرو، ثم بلاشان، ثم أردوان، ثم خسرو الثاني، ثم بلاش الثالث، ثم كودرز، ثم نرسي الثاني، ثم كودرز الثاني، ثم أردوان الثاني، وبه انقرضت هذه الدولة.
ويقول آخَر إن الذي تولَّى الأمر بعد أرشك أخوه تيرداد، ثم أردوان الأول، ثم أفراسياب، ثم فرهاد، ثم مهرداد الأول الذي قاتل السلوقيين وأخذ منهم بلاد «مادي» وبلاد «آشور» وبلاد «بابل»، وأَسَرَ الملك السلوقي ده مترئيوس في الحادثة التي وقعت على ساحل «الفرات» بعد حروب هائلة. ويروي لنا غيره أن أولهم أرشاق أو أرشك ثم تسيردات الأول، ثم أرشاق الثاني، ثم أبراهاباط، ثم أبراهاط الأول، ثم ميثريدات الأول، ثم أبراهاط الثاني، ثم أرطبان الأول، ثم ميثريدات الثاني، ثم أرطبان الثاني، ثم سيناطروق، ثم أبراهاط الثالث، ثم ميثريدات الثالث، ثم أورود، ثم أبراهاط الرابع، ثم أبراهاطاس، ثم أورود الثاني، ثم أونون، ثم أرطبان الثالث، ثم تيردات الثاني، ثم وردان، ثم كوتارز «أوكورتارسن»، ثم أوجودرز، ثم أولغاش الأول، ثم باقور، ثم خوسرو، ثم برثاتسباط، ثم أولغاش الثاني، ثم أولغاش الثالث، ثم أولغاش الرابع، ثم أرطبان الرابع. وذكر بعضهم أن الذي جلس على العرش بعد أرشك هو تيراد، ثم أردوان الأول، ثم أفراسياب، ثم فرهاد الأول، ثم مهرداد الأول، ثم فرهاد الثاني، ثم هرمز، ثم فرهاد الرابع — ولم يذكر الثالث — ثم فيروز، ثم خسرو، ثم بلاش الثالث — ولم يذكر بلاش الأول ولا الثاني — ثم أردوان الخامس — ولم يذكر غير الأول قبل هذا — وبه انقرضت هذه الدولة.
وقيل: إن أردوان الرابع هذا كان له أخ اسمه «أشك»، فلما تغلَّبَ الساسانيون على مملكة «أردوان»، ذهب «أشك» إلى جهة الجزيرة وأسَّسَ دولة جديدة فيها سنة ٢١٨م.