مقدمة
حظِيت الاضطرابات الانفعالية في السنوات الأخيرة باهتمام كبير ولقيت رواجًا عظيمًا بين عامة الناس؛ فالكتب التي تتناول هذه الاضطرابات أضحت في قوائم الكتب الأكثر مبيعًا. ولا تكاد تخلو مجلة من المجلات العامة من مقالات تتناول هذا الصنف من الأمراض. ومن اللافت للنظر أيضًا تزايد الاهتمام بمقررات علم النفس المرضي في الجامعات، وتزايد أعداد الأطباء النفسيين والأخصائيين الإكلينيكيين وغيرهم من العاملين في مجال الصحة النفسية. لقد تدفقت الاعتمادات المالية، سواء من الموارد العامة أو الإسهامات الخاصة، وأدَّت إلى توسع هائل في إنشاء المراكز الأهلية للصحة النفسية وغيرها من الخدمات المرتبطة بالطب النفسي.
يتبين من ذلك أن هذه المدارس الثلاث الرئيسة تتفق في أن مصدر الاضطراب يكمن وراء وعي المريض وأنه يفعل فِعله فيه دون علمه ودرايته. وهذا ما جعلها تتفق أيضًا في الغض من شأن الوعي … أعني التصورات الواعية للمريض، أفكاره الخاصة، وخيالاته.
ولكن ماذا لو كانت هذه المدارس كلها على باطل في هذا الشأن؟ ماذا لو أن الوعي هو مصدر الاضطراب؟ ولنَحدِس معًا الآن ماذا يكون الأمر لو أن وعي الشخص هو الذي ينطوي على العناصر المسئولة عن اختلال انفعالاته وتفكيره ولجوئه من ثَم إلى طلب العون، وماذا يكون الأمر لو أن جعبة هذا الشخص كانت في واقع الحال ملأَى بالوسائل المنطقية الكفيلة بتعديل هذه المكونات الواعية فيما لو حظِي بالتوجيه السليم. من الواضح أنه لو صحَّت هذه الافتراضات لشُقَّ أمام اضطرابات الانفعال طريق علاجي جديد مختلف تمامًا عن الطرق الثلاثة الأخرى، يقوم على أن الإنسان لديه كل المفاتيح اللازمة لفهم اضطراباته النفسية وحلها دون أن ينِدَّ عن نطاق وعيه قيدَ شبر. فبمقدور الإنسان أن يصحح أوهامه التي أورثته هذا الاختلال الانفعالي بنفس الجهاز العقلي الذي اعتاد استخدامه في حل المشكلات طوال مراحل نموه.
هكذا نرى أن المنهج المعرفي يجعل فهم الاضطرابات الانفعالية وعلاجها أكثر اتصالًا بخبرات الحياة اليومية للمريض. وللمريض إذ ذاك أن يطمئن إلى أن اضطرابه لا يعدو أن يكون ضربًا من ضروب سوء الفهم التي كثيرًا ما مرَّ بمثلها في حياته السابقة وكثيرًا ما نجح في تصحيحها حين توافرت له المعلومات الصحيحة أو حين تكشَّفت له المغالطة الكامنة.
بهذا الاقتراب من الخبرات السابقة للمريض يقترب العلاج المعرفي من فهمه ولا يستغلق عليه. وهو يمده بالثقة في قدرته على أن يصحح أوهامه الحالية قياسًا على نجاحاته السابقة. ومن البديهي أن هذا الاقتراب وهذا الوضوح، بالإضافة إلى استخدام الطرق المألوفة لحل المشكلات، كل أولئك من شأنه أن يمد جسور التواصل بين المريض والطبيب بسرعة هائلة.
من شأن هذا المدخل الجديد في فهم اضطرابات الانفعال أن يغير نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى مشاكله. فالإنسان ليس رهين تفاعلات كيميائية أو نزوات عمياء أو انعكاسات آلية، بل هو كائن عُرضة للتعلم الخاطئ وللأفكار الانهزامية ولديه القدرة أيضًا على تصحيحها. وهو حين يضع يده على مواطن المغالطة في تفكيره ويُجري عليها التصحيح اللازم؛ فإنه يجعل حياته أكثر امتلاءً وإرضاءً له وتحقيقًا لذاته.
ولا يسعني، أخيرًا، إلا أن أوجه عميق الشكر إلى كل زملائي وأصدقائي الذين قاموا بقراءة أجزاء مختلفة من المخطوط، وأمدوني بالاقتراحات المفيدة والنقد السديد، وهم: بول برادي، جي إفران، سيمور إبشتاين، جوديت فريدمان، لي فريدمان، ماريكا كوفاكس، سير أوبري لويس، جورج مندلر، آرثر برلماتر، جون رينهارت، فرجينيا ريفرز، جون رش، إرفين ساراسون.
كما أتوجه بخالص الشكر إلى رث ل. جرينبرج على الجهود الكبيرة التي تجشَّمَتها معي في تحرير هذا الكتاب.
ولا يفوتني في الختام أن أتوجه بالشكر إلى لي فليمنج وماري لوفل لطباعتهما المتقنة لمسوَّدة تلو أخرى من المخطوط.