تمهيد
-
(١)
أولى تلك المصادر التي وُضِعَت لحل مشكلة التمييز وأكثرها شيوعًا، حتى لتكاد أن تكون هي الموقف المعتمد، هي تلك التي ترى أن استخدام المنهج الاستقرائي هو — وهو فقط — الذي يدمغ المعرفة بالسمة العلمية ويميزها عن سواها.
-
(٢)
وقد فطن بوبر إلى أن أساس التشبث بأهداب المنهج الاستقرائي، بوصفه معلم العلم هو رغبة العلماء في معيار يحدِّد حدودًا حصينة لهم، وفي نفس الوقت يؤكدها، هذا بعد أن ظل فترة طويلة (١٩٢٠–١٩٢٦م) معتقدًا أن مشكلة الاستقراء ومشكلة تمييز العلم هما مشكلتان منفصلتان تمامًا حتى اهتدى إلى العلاقة الوثيقة بينهما، وكيف أن مشكلة الاستقراء مجرد نتيجة لمشكلة التمييز أي تابعة أو ملحقة بها، وكيف أن الذي يجعل الاثنتين مشكلتين مستعصيتين هو الخطأ الشائع في أن التمييز يتم عن طريق المنهج الاستقرائي.
-
(٣)
يقف بوبر بحسم وبقطع — وبشجاعة أيضًا — رافضًا هذا المعيار المسلم به، معتزًّا بحله لمشكلة الاستقراء، وحينما نرى كم حيرت هذه المشكلة الفلاسفة منذ هيوم حتى رسل العظيم، سندرك أنه محق في هذا الاعتزاز، مصرًّا على أن الاستقراء بجلال سلطانه محض خرافة، آتيًا بمنهج جديد للعلم … كل ذلك لكي يفسح المجال أمام معياره في التمييز.
-
(٤)
على هذا يجمل بنا رسم صورة عامة للمنهج الاستقرائي ولمشكلته الشهيرة، حتى يتضح الميراث الفلسفي الذي تسلَّمه بوبر من علم مناهج البحث، ثم نوضح موقفه الفلسفي من هذا الميراث.