الحمامات
اشْتُهِرَ البغداديون بالنظافة؛ ولهذا أكثروا من بناء الحمامات، وتفنَّنوا في إتقان صنعها ونظافتها. فقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه أن عدد الحمامات في عهد الرشيد والأمين بلغ ستين ألفًا، قالوا: وأُحصيتْ في زمن المقتدر فكانت سبعة وعشرين ألفًا، ونزلت في آخر دولتهم إلى خمسة آلاف، ثم إلى ثلاثة آلاف. قال ابن جبير: «ذكر لنا أحد أشياخ البلد أنها بين الشرقية والغربية نحو ألفَيْ حمَّام، وأكثرها مطلية بالقار، مسطحة به، فيُخَيَّل للناظر أنه رخام أسود صقيل.» ا.ﻫ.
وفي كل حمام منها خلوات كثيرة، كل خلوة منها مفروشةٌ بالقار، مطليٌّ نصف حائطها مما يلي الأرض به، والنصف الأعلى مطلي بالجصِّ الأبيض الناصع، فالضدان بها مجتمعان متقابل حسنهما، وفي داخل كل خلوة حوض من الرُّخامِ، فيه أنبوبان أحدهما يجري بالماء الحار والآخر بالماء البارد، فيدخل الإنسان الخلوة منها منفردًا لا يشاركه أحد إلا إذا أراد ذلك، وفي زاوية كل خلوة أيضًا حوض آخر للاغتسال، فيه أيضًا أنبوبان يجريان بالحار والبارد، وكل داخل يُعطى ثلاثًا من الفوط، إحداها يتزر بها عند دخوله، والأخرى يتزر بها عند خروجه، والأخرى ينشف بها الماء عن جسده. ولم أَرَ هذا الإتقان كله في مدينة سوى بغداد.