الأسباب الثلاثة للتعاسة في العمل: قصة للرؤساء والمرءوسين

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

مقدمة

لطالما أبهرني العمل، مع أنني لا بد أن أعترف أن هذا الانبهار كان في بعض الأحيان هوسًا مرَضيًّا نوعًا ما.

أتذكَّر عندما كنت غلامًا أنني بُهتُّ وانزعجت عندما علمت لأول مرة أن البالغين مثل أبي يعملون في وظائفهم يوميًّا ثماني ساعات وأكثر. كان هذا وقتًا أطول مما أقضيه يوميًّا في المدرسة، وهو ما كنت أتحمله بالكاد!

وعندما علمت أن كثيرًا من هؤلاء البالغين لا يحبون وظائفهم، كان اندهاشي أعظم، فلم أدرك لماذا يقضي الناس كل هذا الوقت الطويل بعيدًا عن عائلاتهم وأصدقائهم دون أن يكونوا سعداء بما يقومون به. أعتقد أنني خشيت أيضًا أن أصبح في نفس الموقف يومًا ما.

لقد بدأ انبهاري بالوظائف يزداد عندما انضممت أنا أيضًا إلى القوى العاملة في سن الثالثة عشرة. وكنت أعمل، في أحد المطاعم الكبيرة في فترة الصيف، مع النادلات ومن يغسلون الأطباق والطباخين والسقاة، الذين كان معظمهم يحترف هذا العمل. وبعد ذلك وخلال سنوات الجامعة كنت أقضي فترة الصيف في العمل كصراف في أحد البنوك، مرة أخرى مع من يعملون بدوام كامل. وفي كلتا الوظيفتين، كنت أتساءل دائمًا عما إذا كان زملائي في العمل يستمتعون بوظائفهم أم لا، وبمرور الوقت توصلت إلى استنتاج لا مفر منه، وهو أن الكثيرين منهم لا يستمتعون بعملهم بها.

الأمر الذي ظل يؤرقني.

وصل انبهاري بالعمل إلى مستوًى جديد تمامًا عندما تخرجت في الجامعة وتسلمت أول وظيفة بدوام كامل مستشارًا إداريًّا. وحينها عرفت — وخبرت بنفسي — ما يُعرف باكتئاب يوم الأحد.

واكتئاب يوم الأحد هو مشاعر الخوف والإحباط الرهيبة، التي يصاب بها الكثير من الناس قرب نهاية العطلة الأسبوعية؛ حيث يخشون فكرة العودة إلى العمل في اليوم التالي. ويجب أن أعترف أن أوقاتًا مرت عليَّ في بداية حياتي المهنية سيطرت عليَّ فيها هذه الهموم مبكرًا جدًّا منذ مساء السبت.

إن ما كان يزعجني بالتحديد آنذاك ليس فقط خوفي من الذهاب إلى العمل، ولكن شعوري بأنه كان يجب عليَّ أن أستمتع بما أفعل. فقد حصلت في النهاية على أكثر الوظائف التي يتمناها الحاصلون على نفس درجتي العلمية وأعلاها راتبًا. بالتأكيد لم أكن أعمل في مطبخ أحد المطاعم أزيل بقايا طعام الآخرين وأضعها في أكياس بقايا الطعام، ولم أقف وحيدًا في قبو أحد البنوك أعد شيكات الصراف. بل كنت أقوم بالعمل المثير للاهتمام بالنسبة إليَّ، وكنت أقوم به في مكتب فاخر ذي مناظر أخَّاذة يطل على خليج سان فرانسيسكو.

وهنا قررت أن اكتئاب يوم الأحد هذا ليس له أي معنى.

وكما ترى، حتى ذلك الوقت كنت أتبنى نظرية تقول إن سبيل التخلص من عدم الرضا في العمل هو العثور على الوظيفة المناسبة. فالوظيفة السيئة تتضمن القيام بأعمال مهينة ومملة مقابل رواتب قليلة في بيئة عمل كريهة. ولهذا قررت أن مفتاح الرضا الوظيفي يكمن ببساطة في العثور على وظيفة ممتعة راتبها جيد ويكون العمل فيها داخل المكتب فقط. ولكن حتى بعد أن حققت كل هذه المعايير، كنت لا أزال أشعر بالتعاسة، وهذا ما جعلني أتساءل إن كنت في الأصل أحب عملي مستشارًا.

لذلك غيرت مهنتي. ولم أشعر بسعادة أكثر مما كنت من قبل.

كانت نظريتي عن الرضا الوظيفي تنهار بسرعة، خاصةً عندما قابلت المزيد والمزيد ممن يعملون في وظائف يفترض أنها رائعة، ويرهبون — مثلي — الذهاب إلى العمل. كان هؤلاء من المهندسين والموظفين التنفيذيين والمعلمين ممن تلقوا مستويات عالية من التعليم، واختاروا وظائفهم بدقة على أساس ميولهم واهتماماتهم الحقيقية. ومع ذلك كانوا دون شك يشعرون بالتعاسة.

تحطمت النظرية تمامًا عندما لقيت أناسًا يعملون في وظائف أقل جاذبية في الظاهر؛ ولكن يبدو أنهم يشعرون بالرضا في وظائفهم — وكانوا من البستانيين والنادلات وعمال خدمة الغرف في الفنادق. ومن هنا اتضح لي وجود شيء أكبر مما كنت أتصوره بخصوص الرضا الوظيفي. وأردت أن أعرف ماهيته حتى أستطيع أن أضع حدًّا لمأساة التعاسة الوظيفية، لنفسي وللآخرين أيضًا.

ولا أبالغ عندما أطلق عليها لفظ مأساة.

تعاني أعداد كبيرة من الناس يوميًّا معاناة حقيقية عندما يبتعدون عن عائلاتهم وأصدقائهم ويجرُّون أقدامهم إلى أعمال تجعلهم أكثر تشاؤمًا وتعاسة وإحباطًا مما كانوا عليه عندما توجهوا إليها. وبمرور الوقت يمكن أن يؤدي الألم المتصل إلى تآكل الثقة بالنفس والحماس، حتى عند أشد الناس قوة، وهو ما يؤثر بدوره على شركاء حياتهم وأطفالهم وأصدقائهم على نحو خفي ولكنه عميق. بالطبع في بعض الحالات لا يكون تأثير التعاسة الوظيفية خفيًّا على الإطلاق؛ فهي تؤدي إلى الاكتئاب الحاد وتعاطي المخدرات والإسراف في الشراب، وحتى إلى العنف في العمل وفي المنزل.

وبالإضافة إلى التعاسة البشرية التي تسببها هذه الظاهرة، فإن التأثير على المؤسسات ضخم بلا شك. فإن عدم رضاء الموظفين، على الرغم من صعوبة قياسه، له تأثير مباشر على الإنتاجية ومعدل دوران العمالة والمعنويات، والتي يؤثر جميعها في نهاية الأمر سلبًا على صافي أرباح الشركة.

إن ما يجعل كل ذلك سخيفًا جدًّا هو توفر علاج فعال حقًّا، علاج لا يكاد يستخدمه أحد. إنه ليست له أي تكلفة مباشرة ويستطيع أن يحقق منفعة شبه فورية للموظفين والمديرين والعملاء، ومن ثم يعطي الشركات التي تستخدمه ميزة تنافسية قوية وفريدة.

ولكن دعوني أوضح لكم أمرًا ما وهو أن العلاج الذي أقترحه هنا سيبدو للوهلة الأولى واضحًا وبسيطًا إلى درجة التفاهة. إنني أدرك ذلك، ويجب أن أعترف أنني قلق من جرَّاء هذا الأمر إلى حد ما. ولكن عندما أتأمل عدد المديرين الذين يفشلون في وضع هذه الأفكار قيد التنفيذ، وعدد الناس الذين لا تنتهي معاناتهم في مهن تصيبهم بالتعاسة كنتيجة لذلك، أستنتج أنه ربما تكون البساطة والوضوح هما ما نحتاج إليه في الوقت الحالي. والواقع أنني مقتنع تمامًا بهذا الأمر.

وكما كتب ذات مرة الكاتب صامويل جونسون الذي عاش في القرن الثامن عشر: «يحتاج الناس إلى التذكير أكثر من احتياجهم إلى التوجيه.» وأتمنى من قلبي أن يكون هذا الكتاب الصغير بمثابة تذكرة بسيطة وقوية، تذكرة تساعدك لتجعل وظيفة أحد الأشخاص — وربما وظيفتك أنت شخصيًّا — مجزية ومُرضية أكثر.