الأسباب الثلاثة للتعاسة في العمل: قصة للرؤساء والمرءوسين

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

النجاح في تحقيق الرضا الوظيفي بين الفوائد والعوائق

الفوائد

إن الفوائد التي تعود على المؤسسات من تحقيق الرضا الوظيفي — وكذلك المشكلات التي تمنعنا من إدراك هذه الفوائد — تستحق الدراسة قبل رسم ملامح أي برنامج للرضا الوظيفي، وهذه الفوائد هي زيادة الإنتاجية، وزيادة الاحتفاظ بالعمالة، وخفض التكاليف، والتميز الثقافي.

زيادة الإنتاجية

إن الموظفين الذين يشعرون بالرضا في وظائفهم سيعملون بحماس وشغف واهتمام بالجودة، أكثر من نظرائهم ممن يفتقدون هذا الرضا، ويرجع ذلك غالبًا إلى شعورهم بأنهم يمتلكون ما يقومون به ويفخرون به. هذا يعني أنهم سيصلون إلى العمل مبكرًا ويبقون في العمل إلى وقت متأخر، ويعملون في مجالات خارج نطاق مسئوليتهم، ويبحثون عن وسائل لتحسين أدائهم، دون أن يُطلب منهم ذلك.

زيادة الاحتفاظ بالعمالة وخفض التكاليف

ببساطة، يتمسك الموظفون قدر المستطاع بالوظائف التي توفر لهم الرضا في العمل، غالبًا لأنهم يعرفون أن فرصتهم في إيجاد وظائف مشابهة ضئيلة نسبيًّا. بالإضافة إلى ذلك يميل الموظفون الراضون عن وظائفهم إلى جذب غيرهم من الموظفين الجيدين إلى المؤسسة، إما عن طريق المساهمة فعليًّا في تعيينهم أو إخبار أصدقائهم عن حماسهم في العمل. ونتيجة كل ذلك بالنسبة إلى أي مؤسسة هي انخفاض التكاليف بدرجة ملحوظة فيما يتعلق بالتوظيف والتعيين وإعادة التدريب والفصل من العمل.

التميز الثقافي الدائم

إن التميز عن المنافسين عن طريق بناء ثقافة من الرضا الوظيفي أمر له أهميته. ففي عالم تسود فيه التكنولوجيا وسرعة انتشار المعلومات، تتزايد كل يوم صعوبة تحقيق ميزة تنافسية دائمة من خلال عملية صنع القرار الاستراتيجي والمدروس. غير أن أهمية التميز الثقافي قد زادت إلى حد غير مسبوق؛ لأنه يحتاج إلى الشجاعة والانضباط أكثر مما يحتاج إلى الإبداع أو الذكاء.

ويكتشف المديرون الذين يعملون على الحد من الأسباب الثلاثة في المؤسسات التي يديرونها أثرًا إيجابيًّا غير متوقع. فالموظفون أنفسهم يبدءون في الاهتمام بزملائهم بقدر كبير، ومساعدتهم في اكتشاف المغزى من وراء وظائفهم، والإحساس بدورهم في العمل، بالإضافة إلى إيجاد وسائل أفضل لتقييم نجاحهم، وهم يقومون بكل ذلك دون توجيه محدد من رؤسائهم. فهم يتحملون في الأساس بعض المسئولية في تجنب الأسباب الثلاثة للتعاسة في العمل. وما يدعو إلى الدهشة أن ذلك يمنحهم إحساسًا أكبر بقيمة دورهم، ويخلق في نفس الوقت ميزة ثقافية دائمة يحسدهم عليها المنافسون، ولكن يصعب عليهم محاكاتها.

العوائق

إذن ما العوائق التي تمنع الكثير من الموظفين والمديرين والشركات التي يعملون فيها من الاستفادة من هذه الفرصة؟

العوائق التي يواجهها الموظفون

يفشل الموظفون غالبًا في تحقيق الرضا في عملهم لأنهم يعلقون أهمية كبيرة على الحصول على أعلى الرواتب أو اختيار أفضل المهن. فهل هذان الأمران غير مهمين؟ بالطبع لا. فحتى إذا كنت تحب ما تفعل، فسوف تواجه مشكلة إذا كنت لا تستطيع إطعام عائلتك أو لا تحصل على أجر يعينك على العيش. وإذا كان مقدرًا لك أن تصبح نجارًا، ووجدت نفسك تجلس خلف مكتب تقوم بأعمال المحاسبة، فسيصبح أعلى حد للرضا الوظيفي لديك منخفضًا.

لكن حتى هؤلاء الذين يحصلون على أجور جيدة نسبيًّا نظير قيامهم بأعمال يحبونها (مثل اللاعبين الرياضيين المحترفين والموظفين التنفيذيين والممثلين) سيشعرون في الغالب بالتعاسة إذا أحسوا بأنهم مجهولون، أو بانعدام أهمية وظائفهم أو أن عملهم لا يخضع لتقييم محايد. ومع أن العالم مليء بالنصائح الخاصة بكيفية كسب المزيد من المال وكيفية اختيار الوظيفة المناسبة، فإن الناس يظلون في حالة تعاسة وظيفية. وحتى أولئك الذين لا يشتغلون بالوظائف التي يحلمون بها ولا يجنون أموالًا طائلة، عادة ما سيجدون الرضا إذا قلل مديروهم من تباعد العلاقات بين الأفراد، وإحساس الفرد بتضاؤل دوره، وغياب التقييم الذاتي في تلك الوظائف.

العوائق الخاصة بالمؤسسات

تختلف العوائق التي تحول دون التخلص من التعاسة الوظيفية عندما نتحدث عن المديرين والشركات. ففي أغلب الأحيان يتأخرون كثيرًا في اكتشاف معاناة موظفيهم من مشكلة الرضا الوظيفي، وعندما يكتشفون ذلك في النهاية، فإن محاولاتهم لمعالجتها تركز على الموضوعات الخاطئة.

لا تدرك كثير من الشركات حقيقة أن لديها مشكلة في الرضا الوظيفي إلا عندما يبدأ الموظفون في ترك العمل. ولسوء الحظ يميل الموظفون خلال المقابلات الشخصية التي تجرى قبل رحيلهم إلى القول بأنهم سيتركون العمل لأن صاحب العمل التالي سيدفع لهم راتبًا أعلى. ويدفع هذا المختصين في قسم الموارد البشرية — والمديرين التنفيذيين الذين يصغون إليهم — إلى رفع الرواتب وغيرها من أشكال المكافآت، على الرغم من أن آخر مرة قاموا فيها بذلك لم تؤدِّ إلى تحسن مستمر أو ثابت في الاحتفاظ بالموظفين أو رضاهم أو إنتاجيتهم.

بالطبع تكمن المشكلة في أن الموظفين الذين يتركون العمل نادرًا ما يقولون القصة كاملةً. فبحلول الوقت الذي يقرر فيه الموظفون ترك مؤسسة ما، يكون الدافع لديهم ضعيفًا لقولهم الحقيقة لصاحب العمل — وهي أنهم يتركون العمل لأن مديرهم لا يقوم بمهامه الإدارية تجاههم، وأنهم في غياب مدير جيد أصبحوا في النهاية يشعرون بالتعاسة في وظائفهم. ومن هنا فإن ما يجب على الشركات القيام به هو أن تسأل سؤالًا مختلفًا، وفي وقت يسبق بكثير المقابلة الشخصية النهائية، وهو: «ما الذي يجعلك تفكر في ترك الشركة في المقام الأول؟»

وحتى في الحالات التي يدرك فيها الموظفون التنفيذيون أن الإدارة الضعيفة هي السبب الحقيقي وراء عدم رضا الموظفين، نادرًا ما يكون رد فعلهم مؤثرًا، مع أنهم يقصدون من ورائه المساعدة في حل المشكلة. وعادة ما يتضمن رد الفعل زيادة التدريب الإداري، الذي يتضمن عادة محاضرات إجبارية حول تحديد الأهداف وكتابة تقارير تقييم الأداء واستخدام أسلوب التغذية الرجعية. ولا شك أن هذه الموضوعات تستحق الاهتمام، لكن هذه النوعية من المحاضرات لا تؤدي قط إلى نتائج فورية، وغالبًا ما تكون نتائجها لا تُذكر.

يرجع هذا الأمر جزئيًّا إلى عدم إمكانية تحديد الأهداف وكتابة التقارير التقييمية وحتى استخدام أسلوب التغذية الرجعية بسهولة فورًا بعد نهاية فترة التدريب. فالمؤسسات لديها دورات عمل وجداول زمنية تحدد توقيتًا لكل ذلك. وعندما تحين هذه الأوقات يكون المديرون الذين حضروا هذا التدريب إما نسوا المهارات التي تعلموها أو أن أفكارهم قد تشتتت ببعض الأولويات الرئيسية الأخرى التي أوصت بها الإدارة العليا. أو في أغلب الأحيان كلاهما.

إن ما يحتاجه المديرون هو شيء أقل آلية وأكثر ارتباطًا بالرضا الوظيفي للموظفين. وهنا يأتي دور التخلص من تباعد العلاقات بين العاملين وإحساس الفرد بتضاؤل دوره وغياب التقييم الذاتي.

العائق العاطفي

حتى عندما يدرك المديرون أهمية التعامل مع تلك الأسباب الثلاثة ويقدرونها، فإنهم عادة ما يناضلون للقيام بذلك بسبب قصور سلوكي طبيعي متأصل فيهم. وهذه نقطة يعد فهمها غاية في الأهمية.

لكي يصبح شخص ما قائدًا من النوع الذي يظهر اهتمامًا حقيقيًّا بالموظفين، ويستطيع مساعدة الناس في اكتشاف مدى أهمية عملهم، يجب أن يتمتع بقدر من الثقة بالنفس والحساسية العاطفية. وبدون ذلك سيشعر المديرون عادةً بعدم الراحة بل وبالحرج بشأن إجراء تلك المحادثات البسيطة الخاصة بالسلوك مع مرءوسيهم. وسيشعرون خطأ وكأنهم مدرسون في الحضانة أو مدربون في بطولات الناشئين يلقون الخطابات الحماسية البسيطة، مع أن موظفيهم — على كل المستويات — يتوقون إلى مثل هذه المحادثات.