الأسباب الثلاثة للتعاسة في العمل: قصة للرؤساء والمرءوسين

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

استكشاف أسباب التعاسة في العمل والتعامل معها

تباعد العلاقات بين العاملين

يكون القرار بترك العمل في مؤسسة ما أو فريق عمل ما (أو عائلة ما أيضًا) أشد صعوبة عندما تشعر أن الآخرين في الفريق يعرفونك ويفهمونك على المستوى الشخصي. والفرد الذي يستطيع أن يكون له التأثير الأكبر عندما يهتم بشكل شخصي بأي فرد في العمل هو المدير. ويحتاج الرئيس المباشر — أكثر حتى من الرئيس التنفيذي وغيره من المسئولين التنفيذيين — إلى أن يهتم اهتمامًا حقيقيًّا وشخصيًّا بالموظف لكي يزيد من شعوره بالرضا الوظيفي.

ماذا يعني بالضبط أن تهتم بفرد ما اهتمامًا شخصيًّا؟ لقد سمعت القائمين على التدريب الإداري ينصحون المديرين بالاستماع إلى الموسيقى التي يستمع إليها موظفوهم، ومشاهدة البرامج التليفزيونية التي يشاهدونها. ومع أنني أعتقد أن هذا قد يساعد في بعض المواقف، فلا يبدو أنه خطوة أولى فعالة.

أولًا، قد يبدو الأمر متكلَّفًا وسخيفًا عندما يتحدث على سبيل المثال مدير مصنع يبلغ من العمر خمسين عامًا عن الاستماع إلى موسيقى الهيب هوب ومشاهدة برنامج «كريبس» على قناة إم تي في (الذي لم أشاهده في الواقع قط). فالموظفون يستطيعون بكل سهولة الشعور بالمحاولات الكاذبة «للتقرب من العاملين». ثانيًا، إن المشكلة في هذا الأمر هي أنه عام ونمطي الطابع وغالبًا يعزز لدى الموظفين فكرة النظرة الجماعية لهم.

توجد طريقة أفضل لإزالة أي شعور لدى الموظفين بأنهم مجهولون أو لا يوجد اهتمام بهم، وهي ببساطة أن يجرى «التعرف عليهم». فيجب أن توفر وقتًا للجلوس مع كل منهم، واسألهم كيف تسير حياتهم. بعض المديرين يتجنبون ذلك لاإراديًّا لأنهم تعلموا أنه من غير المشروع أن يسألوا مثل هذا النوع من الأسئلة خلال المقابلات الشخصية الخاصة بالتوظيف. وينسون بطريقة ما أن ما قد يعتبرونه غير مشروع عند اختيار واحد من المتقدمين لوظيفة ما هو شكل أساسي من أشكال الود الإنساني بعد أن تُعيِّن أحدهم.

ولكن يجب ألا يكون ذلك مختلقًا. فعندما أقول إن المدير يجب أن يُظهر اهتمامًا شخصيًّا بموظف ما، فأنا أتحدث عن «اهتمام حقيقي». فإن إدارة إنسان آخر على نحو فعال تتطلب درجة من التعاطف والتساؤل عن السبب الذي يجبره على الاستيقاظ في الصباح والذهاب للعمل، وفيمَ يفكر، وكيف تستطيع أن تؤثر في حياته لكي يصبح شخصًا أفضل.

بالإضافة إلى ذلك، يجب ألا يحدث الاهتمام الشخصي بالموظف مرة واحدة فقط، ولكنه يجب أن يكون ضمن قائمة المهام اليومية. فهو يحتاج إلى تأكيده وإظهاره مرارًا وتكرارًا. فمثلًا من المفيد أن تعرف أن ابنة أحد الموظفين لديك تحب الرقص. ولكن من الأنسب أيضًا أن تسأل عما حدث في الحفلة الراقصة التي حضرتها يوم الجمعة. ومن اللطيف أيضًا أن تعرف أن أحد الموظفين يعيش مع والديه. لكن من الألطف تمامًا أن تعرف اسميهما وتسأل عنهما وقت مرضهما.

حسنًا، إذا كان أيٌّ من هذه الأمور يبدو متكلفًا أكثر من اللازم، فتأمل حالك عندما يبدي مديرك اهتمامًا حقيقيًّا بك وبحياتك، هل ستقدِّر ذلك أم لا. وإذا كنت تشعر بالحيرة حيال هذه النقطة، وتتساءل عن علاقة كل هذا بتطوير البرمجيات أو بخط تجميع في مصنع أو بالحسابات، فعليك أن توافقني الرأي عندما أذكرك بعدم وجود من يخرج من بيته في الصباح ليقوم بتطوير البرمجيات أو تجميع الأثاث أو القيام بما يقوم به المحاسبون. فهم يتركون بيوتهم ليعيشوا حياتهم، ومهامهم في العمل ما هي إلا جزء من هذه الحياة. فيرغب الأفراد في أن تجرى إدارتهم كبشر، وليس كمجرد عمال.

إذا كنت لم تقتنع بعد بأن لكل ذلك مغزى أو بأنه ينطبق عليك، فهذا هو الوقت المناسب لكي تفكر في الاستقالة من منصبك كمدير وتبحث عن عمل كموظف. أما إذا وافقتنا الرأي وبدأت الرحلة معنا، فهناك وحشان آخران يجب أن نواجههما معًا.

إحساس الفرد بتضاؤل دوره

يتساءل الناس لماذا يعيش العديد من اللاعبين الرياضيين ونجوم الروك والممثلين تلك الحياة الغريبة التي ينقصها الرضا. من السهل أن نوجه أصابع الاتهام إلى المخدرات والخمر والتعلق بالأمور المادية، لكنني أعتقد أن هذه ليست إلا أعراضًا للسبب الأساسي، ألا وهو: الخوف من تضاؤل دور الفرد.

أذكر هذا الأمر لأنه من الصعب أن تفهم كيف يشعر بالحزن من يكسب مالًا لا يستطيع معظم الناس أن يحصوه، نظير القيام بما يحبه، ويحصل على اهتمام مستمر ومداهنة من المعجبين باستمرار. وكيف تستطيع الممرضة التي تعمل في بيت للمسنين أو موظفة استقبال في كنيسة أو مدرب كرة طائرة لفريق في مدرسة ثانوية أن يشعروا بالسعادة مع أنهم في الواقع يحصلون على جزء ضئيل مما قد يكسبه نجم من نجوم الروك أو الرياضة. أعتقد أن الإجابة تتلخص في شعور الفرد بأنه هناك حاجة إليه. وأنه مؤثر في حياة الآخرين.

يحتاج البشر إلى الشعور بأن هناك من يحتاج إليهم، كما يحتاجون إلى تذكر ذلك كل يوم تقريبًا. فيجب أن يعرفوا أنهم يساعدون آخرين، وأنهم لا يقومون فقط بخدمة أنفسهم.

عندما يعجز الناس عن الشعور بتأثيرهم في حياة الآخرين، أو الأسوأ من ذلك، عندما يدركون أنهم لا يُحدثون أي تأثير على الإطلاق، تموت مشاعرهم. فالحقيقة هي أن الله لم يخلق الناس ليخدموا أنفسهم. فكل فرد يرغب في النهاية في مساعدة الآخرين ويحتاج إلى ذلك، وعندما يعجز عن ذلك تنشأ التعاسة.

قد يقول البعض إن نجوم الروك واللاعبين والممثلين لهم بالفعل تأثير على حياة الآخرين، وأقر بأنهم يستطيعون ذلك بالتأكيد. ومع ذلك فإنهم غالبًا ما يعجزون عن رؤية هذا التأثير أو يفشلون في انتهاز الفرصة لإحداث هذا التأثير. فهم يرون وظائفهم باعتبارها سلسلة من النشاطات التي تتعلق بذاتهم، والتي لا ترتبط ارتباطًا واضحًا بالحياة اليومية للآخرين.

لذا يجب على كل الموظفين، سواء أكانوا نجوم روك أم مهندسي برمجيات أم مدرسين؛ أن يجيبوا عن سؤالين من أجل الإحساس بدورهم في وظائفهم. ومسئولية المدير أن يساعدهم في القيام بذلك.

من؟

السؤال الأول الذي يتوجب على كل موظف الإجابة عنه هو: من الذي أساعده؟ يعد البحث بين العملاء هو أكثر الأماكن وضوحًا. فبالنسبة إلى مضيفي الطيران، ومحصلي النقود في مطاعم الوجبات السريعة، والمدرسين والقساوسة والأطباء والنُّدُل والبائعين يعتبر هذا اختيارًا سهلًا. ولكن بالنسبة إلى الكثير من الموظفين خارج الأعمال الخدمية، بدءًا من الرئيس التنفيذي ومرورًا بموظف الحسابات ووصولًا إلى رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات، يعتبر التعامل مع العملاء أمرًا نادر الحدوث نسبيًّا.

بالنسبة إلى هؤلاء الناس، فإن الإجابة غالبًا هي: «العملاء الداخليون»، أو الموظفون الآخرون أو الأقسام الأخرى الموجودة داخل المؤسسة. قد يقول البعض عند سماع ذلك: «كل فرد داخل الشركة يجب أن يخدم العملاء»، وأتفق معهم في الرأي. لكن هذا لا يعني أن التأثير اليومي في حياة العملاء هو الأساس الذي يعتمد عليه الموظفون، أو أنهم سيستمدون الرضا من تأثيرهم على فرد نادرًا ما يقابلونه.

بالنسبة إلى الرئيس التنفيذي ستشتمل الإجابة عن سؤال «في حياة من تؤثر؟» بالتأكيد على «الفريق التنفيذي». وبالنسبة إلى المحاسبين، من المحتمل أن تشمل المدير المالي، أو أي قسم آخر في الشركة يدعمونه. وبالنسبة إلى الكثيرين ستكون الإجابة عادةً — استعد للمفاجأة — رئيسهم في العمل.

هذا صحيح. فعلى ما يبدو وعلى عكس كل شيء تعلمناه يتعلق بالقيادة الخدمية (وهو مفهوم أنا أحبه بالمناسبة)، في بعض الأحيان يجب أن يساعد المديرون الموظفين في فهم أن ما يقومون به من عمل له تأثير ملموس عليهم. يصعب على البعض استيعاب هذا المفهوم؛ لأنه يستحضر صورًا لمديرين يعملون لمصالحهم الشخصية فيرسلون الموظفين التابعين لهم في مأموريات شخصية ويجعلونهم رهن إشارتهم. ولهذا يقلل المديرون غالبًا من التأثير الحقيقي لموظفيهم على الرضا الذاتي لهم وتطور حياتهم المهنية.

وهذه هي المأساة ذاتها؛ لأن الموظفين يشعرون بقدر كبير من الرضا والهمة عندما يشكرهم رئيسهم في العمل على ما قاموا به ويشرح لهم التغيير الذي أحدثوه له شخصيًّا، وذلك ما لم يكونوا يعتقدون بالفعل أن مديرهم أحمق.

تأمل هذا الأمر ثانيةً. إن خوفنا من أن نبدو خادمين لمصلحتنا الشخصية هو ما يمنعنا من منح الموظفين الشعور بالرضا الناتج عن معرفتهم بأنهم يقدمون لنا يد العون. وعلى غير المتوقع ينتج عن ذلك شعورهم بأننا نتعامل معهم على أنهم من ثوابت حياتنا.

سيسعد المديرون كثيرًا عندما يكونون صرحاء مع الموظفين. فإذا قلت: «التقرير الذي قمت بتجهيزه من أجل العرض التقديمي الذي قدمته للفريق التنفيذي في الشركة كان رائعًا. لقد انبهروا به جميعًا، وطلبوا أن أخبرك أنك قمت بعمل رائع. وأريد أن أخبرك أنك قد وضعتني — ووضعت القسم بأكمله — في دائرة الضوء أمام الرئيس التنفيذي؟ شكرًا لك»، فإن ذلك يختلف بالطبع عن قولك: «لقد جعلتني أبدو بطلًا اليوم، وبالطبع لن أنسى البسطاء من أمثالك عندما أصبح غنيًّا ومشهورًا». وبالطبع ذلك أفضل من القول العام: «لقد قمت بعمل عظيم.»

عندما يتظاهر المديرون بأنهم لا يُقَدِّرون تأثير عمل مرءوسيهم على حياتهم المهنية ومستوى الرضا الوظيفي لديهم — حتى عندما يقومون بذلك بدافع التواضع! — فهم يحرمون مرءوسيهم من الشعور بأنهم قد أحدثوا فارقًا.

كيف؟

والسؤال الثاني الذي يجب على المديرين مساعدة الموظفين في إجابته هو: «كيف أكون مساعدًا؟» وإجابة هذا السؤال ليست واضحة دائمًا.

عندما يقوم عامل خدمة الغرف في فندق إمباسي سويتس بالقرب من المطار بإحضار طعام الإفطار لأحد الضيوف، فهو لا يجلب له الطعام فحسب. ولكنه يساعد في رفع معنويات مسافر متعب، وهذا بالطبع قد يكون له تأثير جلي على نظرته للحياة في هذا اليوم.

وعندما تساعد موظفة الحسابات في عيادة طبيب مريضًا في العثور على إيصال بزيارة تمت منذ ستة أشهر، فهي لا تمده بمعلومات فقط. بل توفر له راحة البال، حيث سيقل الضغط عليه من التفكير في توفير الرعاية الصحية لعائلته، وهذا في حد ذاته يسبب مشكلات صحية.

قد يندهش بعض المديرين من كل هذا. ويقولون: «دعك من هذا، إن عامل خدمة الغرف يحمل طعام الإفطار، وموظفة الحسابات تقوم بأعمال كتابية.» وهذا يقودنا إلى النقطة الرئيسية هنا. إذا لم يرَ المدير أبعد مما يقوم به مرءوسوه ويساعدهم في معرفة من يساعدونه، وكيف يُحدثون فارقًا، فإن هذه الوظائف ستكون في الغالب تعيسة.

يجب أن تتذكر أن الموظفين في شركة طيران ساوث ويست يقومون تقريبًا بنفس عمل الموظفين الذين يعملون في أي شركة طيران كبرى أخرى، لكن تقل التعاسة في العمل في تلك الشركة إلى حد بعيد. ومن يعملون في مطعمَي «إن أن أوت برجر» و«تشيك فيل إيه» من طلاب المدارس الثانوية يقومون بنفس الأعمال تقريبًا التي يقوم بها أي طالب ثانوي يعمل في أي مطعم آخر للوجبات السريعة، ومع ذلك تقل التعاسة في الوظائف بشكل كبير في هذين المطعمين.

فالاختلاف هنا لا يكمن في الوظيفة نفسها. ولكن في الإدارة. وأحد أكثر الأمور أهمية التي يجب أن يقوم بها المديرون هو مساعدة الموظفين على معرفة أن عملهم مهم لشخص ما. وحتى لو كان ذلك يبدو في نظر البعض أمرًا عاطفيًّا، فهو جزء أساسي من الطبيعة البشرية.

غياب التقييم الذاتي

في البداية، يجب أن نقول إن اصطلاح «غياب التقييم الذاتي» جديد بعض الشيء. وقد استخدمته لأنه يصف جيدًا السبب الثالث للتعاسة في العمل. وغياب التقييم الذاتي يعني بالأساس افتقار الموظفين إلى وسيلة واضحة لتقييم مقدار تقدمهم أو نجاحهم في العمل. وهذا يخلق نوعًا من الغموض والشعور بالاعتماد على المدير للحكم على نحو غير موضوعي على ما ينجزه الموظف بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري.

والمشكلة هي أن الموظفين الجيدين لا يريدون أن يعتمد نجاحهم على الرؤى أو الآراء الذاتية لشخص آخر. لأن ذلك غالبًا ما يجبرهم على أن ينشغلوا بالصراعات الداخلية والتحزب، وهو أمر مكروه لأسباب متعددة، ليس أقلها فقدان الفرد السيطرة على مصيره. فالموظفون الذين يستطيعون تقييم نجاحهم أو إسهامهم الخاص سيكون لديهم شعور بالمسئولية الشخصية والرضا أكبر ممن لا يستطيعون ذلك.

ومفتاح تحديد معايير فعالة لقياس التقدم في أي وظيفة يكمن في تحديد المجالات التي يستطيع الموظف التأثير فيها تأثيرًا مباشرًا، ثم التأكد من أن المعايير المختارة مرتبطة بالشخص أو الأشخاص الذين يجب عليه أن يخدمهم. تستحق هذه النقطة أن نعيدها. فالعجز عن ربط تقييم الأداء بدور الفرد يعد أمرًا غير منطقي ويتسبب في حيرة الموظفين؛ إذ سيتساءلون عن سبب عدم تقييمهم لأهم جوانب عملهم.

في أغلب الأحيان، سيحاول المسئول التنفيذي أن يحشد طاقات موظفيه عن طريق إعطائهم هدف كبير (على سبيل المثال، تحقيق رقم عالٍ فيما يتعلق بإيرادات الشركة، أو تقليل نفقات الشركة أو رفع سعر سهم الشركة.)

تكمن المشكلة هنا في أن معظم الموظفين ليس لهم تأثير مباشر على هذه الأشياء، وبالتأكيد ليس بصفة يومية. وعندما يدركون أنه لا توجد علاقة واضحة ملموسة بين مسئولياتهم اليومية في الوظيفة والمعيار الذي سيقومون بتقييم أدائهم وفقه، فإنهم يفقدون اهتمامهم ويشعرون بعدم قدرتهم على التحكم في مصيرهم. وفي حين سيشعر الكثير من المديرين حينها بالرغبة في اتهامهم بالكسل أو بتجاهل مصلحة الشركة، سيفشل هؤلاء المديرون في فهم أن ما يبحث عنه هؤلاء الموظفون هو مقياس يرتبط بدرجة أكبر بوظائفهم الفعلية.

هذا هو السبب الذي يجعل الكثير من رجال المبيعات يستمتعون بوظائفهم. فهم لا يعتمدون على آخرين ليخبروهم إن كانوا ناجحين أو فاشلين. ففي نهاية اليوم — أو ربع السنة، وهذا شيء أفضل — يعرف الواحد منهم ما حققه من ناتج ويشعر بأنه مسئول عنه.

وتعتبر الرياضة مجالًا آخر تكون فيه معايير تقييم الأداء واضحة (على الرغم من أن هناك مشكلة فيه في الغالب فيما يتعلق بموضوعي تباعد العلاقات بين الأفراد وإحساس الفرد بتضاؤل دوره). تخيل مباراة في كرة السلة لا تحتسب فيها نقاط، ولكن يُختار الفائز وفق الآراء الشخصية للحكام. ألا يدعو ذلك إلى التعاسة؟

أو تأمل أن يترك الرامي مكانه في ملعب البيسبول دون أي دليل إحصائي على أدائه، بل يعتمد تقييمه على الحدس الذي يشعر به مدربه. ولسوء الحظ هذا شائع الحدوث في الطريقة التي تجرى بها إدارة وتقييم الكثير من الموظفين.

وعلى عكس الرياضة، فإن معايير تقييم العمل يجب ألا تكون كمية بالكامل حتى تكون فعالة. ففي الكثير من الحالات، إن التركيز المبالغ فيه على تحديد معايير رقمية صارمة يفقدها أهميتها لأن تصبح مصطنعة. وأكثر التقييمات فعالية وملائمة غالبًا ما تكون سلوكية الطابع وربما تتطلب ببساطة استطلاع رأي غير رسمي للعملاء، أو حتى مجرد ملاحظة السلوك الذي يوضح الرضا.

والعجيب أن المعيار يجب ألا يكون مرتبطًا بالأجر حتى يكون فعالًا. في الواقع توضح الأبحاث النفسية أن ربطه بالأجر من الممكن فعليًّا أن يقلل الحافز في بعض الأحيان. وسواء أكان هذا في موقف ما صحيحًا أم لا، فإن النقطة المهمة هنا هي أن الناس يحتاجون إلى معايير التقييم، لكي يتكون لديهم شعور حقيقي بالإنجاز. فليس السبب في سعي الرياضيين الكبار لإحراز الأهداف أو النقاط هو معرفتهم أن ذلك سيؤثر على عقودهم مع فرقهم — على الرغم من أنهم بالتأكيد لن يرفضوا النقود. فهم يقومون بذلك بدافع من حبهم للمنافسة.

قد يعترض المتشككون على كل ذلك. وقد ينظرون إلى رجال المبيعات ويتهمونهم بأنهم يسعون وراء المال، وأن دافعهم الأساسي هو النقود. في الواقع معظم رجال المبيعات الجيدين دافعهم الأساسي هو تحقيق الفوز عن طريق الوصول إلى هدف ما. وبالطبع هذا الهدف مرتبط بالمال، ولكن المال في حد ذاته أمر إضافي. هذا هو السبب وراء اشتراك الكثير من رجال المبيعات في منافسات أخرى، سواء رياضية أم غير ذلك. فهم يحبون المنافسة والفوز، سواء أكانت الجائزة مالية أم لا.