الأسباب الثلاثة للتعاسة في العمل: قصة للرؤساء والمرءوسين

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي
الجزء الثالث

التجربة

اهتزاز الثقة

عندما استيقظ براين صباح يوم الخميس بدأ يشعر بحقيقة قراره. لكنه لم يدرك الحقيقة الكاملة إلا عندما ارتدى قميص مطعم جين وجو.

وبينما كان متجهًا إلى الباب، نظر إلى ليزلي ثم قال: «ما هذا الذي أفعله؟»

ضحكت ليزلي، وأشارت مرة أخرى إلى أن براين كان محظوظًا جدًّا عندما تزوجها منذ نحو ثلاثين عامًا. ثم قالت: «لأن الله خلقك لكي تكون كذلك، كما قلت. مديرًا. وقائدًا. وليس لك في هذا الأمر حيلة.»

«ولكن انظري إليَّ.» واستدار ونظر في المرآة الموجودة في مدخل البيت، ثم قال: «إنني أرتدي قميصًا طُبع عليه: «بيتزا ومكرونة، هنا وهناك وفي كل مكان.»»

ثم ضحكا معًا، ضحكًا أقرب إلى الرثاء.

حاولت ليزلي إخراجه من هذه الحالة النفسية. وقالت له: «أنصت إليَّ، هذا الأمر لا يختلف عن الدراسة. أنت في طريقك إلى البدء في أفضل دورة تدريبية في العالم في علم الإدارة. إن التعلم هو الهدف الأساسي.»

كان يبدو أن حديثها المشجع له مفعوله؛ لذلك استطردت في حديثها قائلة: «وأنا أصدقك القول. فأنا فعلًا أعتقد أن الأمر رائع. وليتني أستطيع أن انضم إليكم.»

كان ذلك تمامًا ما أراد براين أن يسمعه.

تساؤل فات أوانه

عندما توقف عند المطعم الذي مر عليه عشرات المرات، وجد المطعم مختلفًا في هذه المرة بطريقة أو بأخرى. حيث لاحظ الطلاء المتساقط، وعلى جانب المبنى لاحظ نافذة مكسورة لا يتذكر أنه رآها من قبل. كان مطعم جين وجو قذرًا وباليًا أكثر مما كان يتصور.

تلا براين صلاة في صمت وهو يفك حزام الأمان في سيارته، وخرج منها وعبر ساحة انتظار السيارات الفارغة متوجهًا إلى الباب الرئيسي للمطعم.

في داخل المطعم كان جو جالسًا على آلة تسجيل المدفوعات النقدية بينما كان شاب من أصول لاتينية في العشرينيات من عمره يقطِّع الخضراوات على الطاولة خلفه.

«مساء الخير يا براين. لقد أتيت مبكرًا.» لم تبدُ التحية التي ألقاها جو خاصة على الإطلاق، وكأن براين يأتي إلى العمل في ذلك المكان منذ سنوات.

«أهلًا جو، هل يمكنني التحدث معك لحظة؟»

أغلق جو آلة تسجيل المدفوعات النقدية. وأجاب: «بالطبع.» ثم جلس الاثنان على مائدة قريبة.

سأل جو بشيء من السخرية: «هل حان الوقت لتقول لي إنك لن تستطيع القيام بهذا العمل؟»

على الرغم من أن براين كان قد فكر عدة مرات في الانسحاب خلال الثلاثين ثانية السابقة، فإنه قرر ألا يتراجع الآن، وقال: «أتعتقد أنني سأكون مرتديًا هذا القميص إذا كنت قد حضرت وفي نيتي ترك الوظيفة؟»

فضحك جو.

ثم استطرد براين: «هذا بالإضافة إلى أنني لا أستطيع أن أترك العمل في مطعم أملكه، أليس كذلك؟»

«معك حق، على ما أعتقد. إذن فماذا تحتاج؟»

«أحتاج أن تخبرني كيف يسير العمل في هذا المكان؟»

فسأله جو متهكمًا: «أما كان يجب أن تسأل مثل هذا السؤال قبل أن تشارك فيه؟»

فابتسم براين قائلًا: «نعم، بالطبع، أعتقد ذلك. ولكن أظن أنني لست ذكيًّا. على أي حال، ما الوضع؟»

فكر جو في الأمر. ثم قال: «حسنًا، يتركز نحو ثمانين بالمائة من العمل في عطلة نهاية الأسبوع، أي عندما تكون أنت هنا. ومن الناحية المالية، نصل كل عام تقريبًا إلى أقل قليلًا أو أكثر قليلًا من النقطة التي تتساوى فيها الإيرادات مع التكاليف. أما ديسمبر، وفبراير، ويوليو، وأغسطس وهي أشهر الذروة بالنسبة إلى الإجازات، فنحقق فيها أرباحًا جيدة نوعًا ما. وإذا كان الثلج غزيرًا، فيكون المال الذي نحصل عليه وفيرًا بقية العام، وإذا قل الثلج، تقل الأرباح.»

«حسنًا، بعيدًا عن الطبيعة الموسمية للمشروع، ما المشكلة الكبرى لديكم؟»

هز جو كتفيه. وقال: «لا أعرف. أعتقد أن جزءًا من المشكلة هو أنا. فأنا لست مهتمًّا بأن أجني المزيد من المال، ما دام لدي الوقت للتزلج والصيد ولعب الجولف. فأنا لا أحاول أن أكون دونالد ترامب.»

فأومأ براين برأسه. وقال: «حسنًا، ولكن افترض أنك ترغب في الحصول على أموال أكثر. ألا تعتقد أنك تستطيع؟»

لم يتردد جو. وقال: «ربما قليلًا. ولكن ليس بالقدر الكبير. أقصد أننا غير مشهورين هنا، والعاملون هنا لهم شخصيات متباينة. على الأقل من يستمر في العمل منهم.»

«لذا فالمشكلة هنا هي عدم استمرار الموظفين في العمل؟»

فأومأ جو برأسه في حنق.

فسأله براين: «لماذا يحدث ذلك في رأيك؟»

«تبًّا لي لو كنت أعرف. فغالبية هؤلاء الناس ليسوا ممن يبغون النجاح، إذا كنت تدرك ما أقصده.»

«إذن، فما طبيعتهم؟»

«لا أعرف. الكثير منهم يأتون ويرحلون، فمن الصعب أن أخرج باستنتاجات دقيقة. فأنا لا أعرف ماذا يفعلون في أوقات فراغهم، وقد يكون ذلك جيدًا؛ لأنني أظن أن بعضًا مما يفعلون يعاقب عليه القانون.» ثم ضحك.

واصل براين الكلام، محاولًا أن يكون مهذبًا. فقال: «ولكن لا بد أن لديك فكرة ما عن السبب الذي يجعل العاملين يرحلون.»

فكر جو للحظة في ذلك. ثم قال: «الأمر واضح يا براين. إنهم لا يحققون الثراء ولا يحلون مشكلات العالم في هذا المكان. ليس هذا في الواقع إلا عملًا يدويًّا. وهذا هو السبب في أن دفعهم للاهتمام بالعمل هنا يعد في حد ذاته عملًا بطوليًّا — ناهيك عن إلزامهم بالحضور في الموعد المحدد»، ونظر في ساعته.

«فإذا أصبحوا يكترثون أو يحضرون للعمل في الوقت المناسب، فماذا تريدهم أن يفعلوا؟»

فهز جو كتفيه، وقال: «ماذا عن التأكد من حصول سيدة على طبق السلطة الذي طلبته؟» وضحك. ثم أضاف: «ستكون هذه بداية جيدة.»

ثم دق جرس الهاتف. فقال جو: «ولكن ربما تستطيع التوصل إلى حل. هذا هو السبب الذي أدفع لك من أجله هذه المبالغ.» ثم ترك الطاولة وربت على ظهر براين وذهب ليرد على الهاتف.

العاملون

بعد أن بدأ فريق عمل وجبة العشاء ليوم الخميس في الحضور، قدم براين نفسه إليهم. فقد كان معظمهم يجهل أن مديرًا جديدًا سيتسلم الإدارة، ومن ناحية أخرى لم يبدُ أنهم كانوا يكترثون أيضًا. ولم يقدموا أي تفسير لتأخرهم، ثم توجهوا إلى عملهم دون اهتمام.

قضى براين بقية الوقت قبل أن يفتح المطعم في التعرف على أسماء ومسئوليات العاملين التسعة الذين يتكون منهم طاقم عمل يوم العطلة.

خواكين كان يعمل بوظيفة طاهٍ أول، فهو مسئول عن إعداد أطباق اللحوم الرئيسية — الدجاج والسمك واللحم البقري — والمكرونة. كان رجلًا قصيرًا ممتلئ الجسم، من جواتيمالا، وله شارب كبير وندبة على جانب وجهه. لم يكن يجيد التحدث بالإنجليزية وكانت لكنته واضحة.

كيني كان هو مساعد طاهٍ محدود الكفاءة، ويتولى إعداد كل شيء بدءًا من السلطات وحتى البيتزا والأيس الكريم الإيطالي. كان يزيد طوله على المترين، ويقل وزنه عن ٩٠ كيلو جرامًا، وكان أنحف شخص قابله براين على الإطلاق. أما لكنته فتجمع بين لهجة أوكلاهوما ولهجة أهل الريف، مما جعل فهم كلام كيني أصعب من فهم كلام خواكين.

تريستان كان هو الموظف «الجديد» الذي رد على الهاتف عندما اتصل براين للتقدم للوظيفة، وكان يجلس على طاولة تلقي الطلبات، ويرد على الهاتف، ويساعد الزبائن في البحث عن طاولات شاغرة، ويقوم بكل ما يتعلق بالفواتير والمعاملات النقدية. وكان يبدو في السابعة عشرة إلا أنه — في حقيقة الأمر — كان في الخامسة والعشرين.

أما سلفادور فرجل هادئ ضئيل الجسم من المكسيك، كان يغسل الأطباق ويتولى تنظيف المطبخ والحمام عندما يتطلب الأمر ذلك.

كارل كان يتولى نافذة خدمة السيارات، كما كان يساعد خواكين وسلفادور في المطبخ. وكما لاحظ براين من قبل فقد كان كارل في الأربعينيات من عمره. ويرتدي خاتم زواج، وعلى ساعده وشم لعلامة السلام.

أما هاريسون فرجل ضخم ذو لحية حمراء، يقوم بمعظم عمليات توصيل الطلبات إلى المنازل، ويقود سيارة شيفروليه إمبالا قديمة ملصق على بابها لافتة مثبتة بالمغناطيس مكتوب عليها «مطعم جين وجو». وهنا تذكر براين أنه رآه في المنزل يسلمه الطعام مرة أو مرتين.

أما جولين فنادلة شقراء جذابة، في أوائل العشرينيات من العمر، تضع قرطًا يبدو ماسيًّا في أنفها. وكانت مسئولة عن نصف قاعة الطعام.

النصف الآخر كانت تتولاه باتي. ويبدو أنها تبلغ ثلاثين عامًا تقريبًا، ومع ذلك استنتج براين أنها تسعى بقوة لكي تبدو أصغر.

بعد ذلك يأتي ميجو، الشاب الصغير الذي كان يعد الطعام عندما جاء براين يبحث عن طبق السلطة المفقود. اسمه الحقيقي هو ميجيل ولكن يعرفه الجميع باسم الشهرة. كان يبدو أن ميجو شخص يؤدي مهامَّ مختلفة، فقد كان يقوم بكل ما يحتاجون إليه، بما في ذلك صنع البيتزا، وتنظيف الموائد، وإدارة نافذة خدمة السيارات.

وبالطبع كان هناك جو، الذي يتدخل عندما يزيد العمل أو عندما يمرض أحدهم أو يقرر ترك العمل دون سابق إنذار، أو عندما يقع خطأ ما. وعادةً ما تقع أخطاء كثيرة.

الليلة الأولى

لم يتلاشَ قلق براين حيال سخافة وضعه حتى فتح المطعم أبوابه وبدأ الزبائن في الدخول. عندئذٍ فقط بدأ براين يحس بأنه جزء من عمل مرة أخرى. بالتأكيد كان حجم العمل شيئًا لا يُذكر إذا قورن بالعمل في المنظومة التي كان يديرها في شركة جيه إم جيه، لكن كان له عاملون وزبائن، وفي الوقت الحالي كان ذلك كافيًا.

كانت هذه الليلة مثل غيرها من ليالي أيام الخميس في مطعم جين وجو، فقد كان المطعم مكتظًّا أكثر مما يتوقع أي شخص يزور هذا المكان الفارغ خلال النهار. ومع أن الزبائن لم يحضروا وهم يرتدون ربطات عنق وسترات أنيقة، فإن ملبسهم كان يميل إلى الأناقة، وكان يبدو عليهم الإرهاق بعد يوم طويل من التزلج أو من أي نشاط آخر كانوا يمارسونه.

طلب جو من المدير الجديد أن يقضي أول ليلة قدر المستطاع في ملاحظة ما يجري وأن يتعلم تشغيل آلة تسجيل المدفوعات النقدية. نجح براين في ذلك بسرعة، ووجد الكثير من الفرص لينضم ويساهم في العمل بنشاط عن طريق رفع الأطباق الفارغة وإحضار البيتزا والمكرونة من المطبخ إلى قاعة الطعام.

مرت الليلة أسرع مما كان يتخيل. ولأن المطعم يقع بعيدًا عن المنطقة التي يطرقها المارة وبعيدًا عن الفنادق، كان وقت الإغلاق مبكرًا نسبيًّا. لهذا عندما دقت العاشرة والربع أي بعد حوالي أكثر من ساعة من رحيل آخر زبون، أغلق براين وميجو المكان. كان جو قد عرض على براين أن يرجع إلى منزله مبكرًا ولكنه أصر على أن يبقى حتى وقت الإغلاق.

حين أغلق براين الباب الأمامي للمطعم واتجه إلى سيارته، اندهش لرؤية سيارة أخرى في ساحة الانتظار بجوار سيارته تمامًا. وعندما اقترب منها، اتضح له أنها سيارة ليزلي، ولكنها لم تكن بداخلها. ولاحظ بعد ذلك أنها تجلس في سيارته الإكسبلورر وتقرأ أحد الكتب.

عندما فتح باب السيارة، ألقت عليه زوجته التحية وهي تبتسم، ولفحت وجهه دفقة من الهواء الساخن من مكيف سيارته. فسألها: «ماذا تفعلين هنا؟»

«انتظر صديقي بعد أول يوم عمل له. هيا نحصل على بعض الحلوى.»

استجواب

ذهب براين وليزلي بسيارتهما إلى ساوث ليك تاهو، ووجدا مطعمًا على شكل قطار اسمه ماونتن إكسبريس. وكان نظيفًا ومزدحمًا إلى حد ما.

وبعد أن جلسا على مائدة بدأت ليزلي بالحديث مباشرة. فقالت: «ماذا حدث؟» كان لديها بالتأكيد حب استطلاع بخصوص وظيفة زوجها الجديدة أكثر مما كان براين يتوقع عندما أخبرها عنها أول مرة.

«حسنًا لم يكن الأمر بالتأكيد كما توقعت.»

«أحسن أم أسوأ؟»

كان على براين أن يفكر في الأمر. وقال: «كلاهما على ما أعتقد.»

تجهم وجهها. وقالت: «حقًّا؟ هل ستترك الوظيفة؟»

«لا، ليس الأمر بهذا السوء. إن العمل في حد ذاته ليس بشعًا. بل إن هناك في الواقع شيئًا من المتعة في القيام بعمل يدوي على سبيل التغيير.»

«فماذا كان الجانب السيئ إذن؟»

«لقد كان باعثًا على الاكتئاب أكثر مما كنت أتصور.»

«كيف ذلك؟»

فهز كتفيه. وقال: «لا أعرف. أعني، لقد عملت بعض الوقت في مطعم كابتن هامبرجر ومطعم كاروز، وبالتالي لم أكن أتوقع أن يكون المكان متنزهًا للترفيه. لكن هذا المكان أقرب إلى المشرحة. لا أعرف كيف يقومون بذلك كل ليلة.»

«ربما تكون هذه طبيعة العمل في المطاعم هذه الأيام.»

تجهم براين. وقال: «لا أظن ذلك.» وشعر وكأنه يحاول أن يقنع نفسه بإجابته. «أتمنى بكل تأكيد ألا يكون هذا هو الحال.»

«هل يجتهدون في عملهم؟»

تردد. ثم قال: «نعم، ولكن دون أي شعور بالالتزام. يبدو الأمر وكأنهم لا يكترثون بما يفعلون، والواقع أن الزبائن أيضًا لديهم نفس الشعور بعدم الاكتراث. إنه مجرد مكان للحصول على الطعام الدافئ.»

ثم نظر حوله في المطعم، محاولًا أن يجد من يخدمهما. وقال: «يبدو أن هذا المكان يعاني نفس المشكلة. أين النادلة التي ستقوم على خدمتنا؟»

وبعد أن توقفا عن البحث عنها وعادا ليتفحصا قائمة أطباق الحلويات التي كانت بالفعل موجودة على المائدة، قاطعهما شخص ما.

وقال: «معذرة لتأخري عنكما طويلًا.»

كان هذا نادلًا، عمره نحو عشرين عامًا، وله أسوأ شارب رأته ليزلي في حياتها. وكان يبتسم فتظهر دعامات تقويم للأسنان في فمه، ثم قدم نفسه قائلًا: «أنا جاك. ماذا أستطيع أن أقدم لكما؟»

كانت ليزلي دائمًا مستعدة لتلقي الاقتراحات. فقالت: «بماذا تنصح يا جاك؟»

«إذا كنتما تبحثان عن طبق الحلو، فإنني أقترح فطائر الخوخ وكيك الشوكولاتة الألماني.»

سأله براين: «ماذا عن فطيرة التفاح؟»

«لا. ليست من الأصناف التي نجيدها. أعتقد أن زوجتي تصنعها بطريقة أفضل.»

نظرت ليزلي إلى براين وكأنها تقول له: «ألديه زوجة؟!» ثم قالت: «ماذا عن التراميسو؟»

هنا جعد جاك النادل أنفه. وقال: «أتعرف، أنا لا أحب التراميسو. لذلك فأنا الشخص غير المناسب لكي تسأله عن ذلك. ولكن يجب أن أعترف أنني لم أسمع أحدًا يثني عليه من قبل.»

وقبل أن يقرر آل بايلي ماذا سيتناولان، سألهما النادل: «هل أنتما في إجازة؟»

كانت ليزلي اجتماعية أكثر من زوجها وكالمعتاد ردت على السؤال أولًا. فقالت: «لا، نحن نعيش هنا.»

«هل أنتما متزلجان؟»

«كنا كذلك. ولكنه أصيب في ركبته.» قالت ليزلي هذا وهي تشير إلى زوجها.

«هذا أمر سيئ.» كان يبدو أن جاك يعني ما قال. وأضاف: «هل الإصابة خطيرة؟»

هنا انضم براين للحوار. وقال: «بما يكفي لمنعي من التزلج لمدة عام.»

فأطرق النادل الودود متعاطفًا. وقال: «لا بد أنك تفتقد ذلك كثيرًا.»

هز براين رأسه موافقًا.

«هل جربتما الزلاجة الآلية؟»

وبعد أن قررت ليزلي ماذا ستطلب، تركت قائمة الطعام وانضمت إلى الحوار مرة أخرى. وقالت: «طالما رغبتُ في ذلك.»

فنظر براين إليها مبتسمًا. وقال: «حقًّا؟»

«بالتأكيد، يبدو الأمر ممتعًا.»

شجعها جاك قائلًا: «تستطيعين تأجير الزلاجات الآلية من مكان يبعد بضع بنايات من هنا، وبعد خمس عشرة دقيقة من تلقي التعليمات، يمكنك الانطلاق، حتى لو كنت تعانين إصابة في الركبة. ويمكنكما أن تستقلا الزلاجة معًا مقابل أقل من مائتي دولار في اليوم. أعرف أن هذا مبلغ كبير ولكن إذا كنتما تستطيعان تحمُّله …» ولم يكمل جملته.

كانت ليزلي ممتنة لنصيحته. فقالت: «شكرًا لك يا جاك.»

وابتسم براين لكل من النادل الجريء وزوجته التي تماثله جرأة. وأدرك أن فكرة التزلج بصحبتها بالزلاجة الآلية رائعة أيضًا.

ثم طلبا ما يريدان، وانصرف جاك.

فقالت ليزلي بابتهاج: «ربما كنت مخطئة بخصوص العمل في المطاعم. يجب أن تقوم بتعيين هذا الرجل عندك في المطعم.»

«هذا بالضبط ما كنت أفكر فيه. لا بد أن أعرض عليه ذلك الليلة.» وكان براين جادًّا في كلامه.

اندهشت ليزلي قليلًا. وقالت: «لقد كنت أمزح يا براين. لا يمكنك أن تطلب منه أن يعمل معك. فأنت لم تعمل هناك إلا يومًا واحدًا فقط. لا تستطيع أن تذهب إليهم في اليوم الثاني وتقول: «رحبوا بجاك الموظف الجديد.»»

ابتسم براين. وقال: «بل أستطيع. فأنا أحد المالكين. أنسيت ذلك؟»

فضحكت. وقالت: «ألا تعتقد أن عليك أن تتحدث بهذا الشأن مع جو في البداية؟»

«لا بد أنك تمزحين؟ جو لن يعرف الموظف الجيد حتى لو كان الأمر واضحًا. ربما كان هذا هو السبب وراء سوء الأحوال هناك.»

في تلك اللحظة، جاء رجل آخر، أكبر قليلًا من جاك في العمر واقترب من الطاولة وهو يحمل القهوة ومشروب الشكولاتة الساخنة اللذين طلبهما براين وليزلي. وقال: «سيأتي جاك بعد بضع دقائق ومعه الفطيرة التي طلبتماها.»

قررت ليزلي أن تكون فضولية. فقالت: «معذرة هل تعرف جاك، النادل؟»

تردد الرجل. ثم قال: «بالطبع. لماذا؟ هل هناك مشكلة؟»

«لا، على العكس. فهو في الواقع شخص لطيف جدًّا. فقط كنت أود أن أعرف منذ متى يعمل هنا.»

«أكثر بقليل من عام. انتقل إلى هنا من رينو لكي يلتحق بمعهد عالٍ، وتزوج منذ بضعة أشهر. إنه أحد أفضل العاملين لدي.»

«هل أنت مالك هذا المكان؟»

«لا أنا المدير فقط.»

قاطعه براين مندهشًا قليلًا. وقال: «إنك تقول إنه «أحد» أفضل العاملين الموجودين لديكم. هل هناك آخرون مثله؟»

فكر المدير في هذا الأمر. ثم قال: «نعم بعضهم جيدون مثل جاك. ولكن معظمهم لا يتعاملون مع الزبائن بنفس الطريقة.»

فضحك براين. وقال: «هل يمكنني أن أسأل أين تجد هؤلاء؟»

هز المدير كتفيه. وقال: «أعتقد أن المالك ينشر إعلانًا في الجريدة. وهذه هي الطريقة التي حصلت بها على وظيفتي.»

«هل يدفع لكم رواتب أعلى من المطاعم الأخرى الموجودة هنا؟»

لم يبدُ عليه أنه فكر في هذا الأمر من قبل فقال: «لا أعرف حقًّا. لكن لا أعتقد ذلك. أعتقد أننا نحصل على إكراميات أعلى من الأماكن الأخرى هنا، هذا كل ما في الأمر.»

ثم جاء جاك بالطعام وابتسم المدير وترك المائدة وهو يقول: «أتمنى أن تستمتعا بالطعام.»

بعد أن وضع جاك الأطباق، قرر أن يتشجع براين.

وسأله: «جاك، هل تحب العمل هنا؟»

لم يتردد النادل الشاب. ثم قال: «أحبه جدًّا.» ثم صحح ما قال وهو محرج إلى حد ما. «أعني أن هذا قد لا يكون عملي للأبد. ولكنه عمل جيد بالفعل.» وابتسم وكأنه يعني ما قال.

«ما الذي يجعلك تحب العمل هنا إلى هذا الحد؟»

لمح جاك مائدتين في منطقة عمله وقد جلس عليهما زبائن جدد، ولكنه حاول أن يركز على الحوار مع زبونيه الحاليين. فقال: «لا أعرف. ربما عليك أن تسأل جيرمي.»

«مَن جيرمي؟»

«مديري. ذلك الرجل الذي أحضر مشروب الشكولاتة الساخنة.» ثم نظر مرة أخرى إلى المائدتين. وقال: «معذرة، لا بد أن أذهب وآخذ طلباتهم. يسعدني أن أعود إليكما مرة أخرى بعد بضع دقائق إذا …»

لوَّح براين بيده. وقال: «لا، لا تقلق بشأن ذلك. شكرًا على وقتك ومساعدتك يا جاك.»

وبعد أن ابتعد النادل الشاب، سألته ليزلي وهي تمازحه وتتكلم بجدية في نفس الوقت: «لماذا لم تعرض عليه الوظيفة؟»

هز براين رأسه. وقال: «لأنه دون شك لن يقبلها.»

كانت ليزلي متحيرة إلي حد ما؛ لذلك أوضح براين لها الأمر.

«ما الذي يدفع شابًّا مجتهدًا ومبتهجًا مثله للعمل في مكان كئيب مثل مطعم جين وجو؟ كما أنني أشعر بالانزعاج لمجرد التفكير في إبعاد جاك عن هنا. أحتاج إلى القيام ببعض التغييرات هناك قبل أن أفكر في تعيين أي موظف جديد.»

سألت ليزلي: «أي نوع من التغييرات؟»

ابتسم براين بانفعال. وقال: «لست متأكدًا بعد، لكنني أتوق لمعرفة الإجابة.»

وفي هذه اللحظة، أدركت ليزلي كم كان يحتاج زوجها إلى مشروع كهذا.

وعض على شفتيه …

على الرغم من أن براين كان متلهفًا إلى البدء في إجراء التغييرات، فقد قرر أن يجبر نفسه على الاستمرار في الملاحظة ليلة أخرى في المطعم قبل اتخاذ أي قرار. واتضح أن تلك الليلة من أطول الليالي.

في البداية شاهد ثلاثة من الزبائن ممن طلبوا الطعام من نافذة خدمة السيارات يعودون لأنهم لم يتسلموا طلباتهم كاملة. بل إن أحدهم اضطر إلى العودة مرتين بسبب نفس الطلب! ولم يكن الخطأ الذي حدث في الطلبات هو ما أزعج براين، ولكن أن أحدًا لم يبدِ اهتمامًا بالأمر، وخاصة كارل.

كانت معاملة جولين وباتي للزبائن تتراوح بين الكياسة وعدم الاكتراث والعبوس، وفقًا للحالة المزاجية للزبائن والنادلتين نفسيهما. أما ميجو فكان الوحيد الذي بدا مهتمًّا بعمله، فكان يعمل كل ما يطلبه منه زملاؤه دون تردد أو شكوى.

وبمرور الوقت تزايدت دهشة براين من أن مطعمًا مثل جين وجو لم يغلق أبوابه بعد. ووقعت حادثة واحدة بعينها أبرزت بوضوح الفوضى التي تعم هذا المطعم.

كانت الساعة التاسعة إلا ثلاث دقائق من مساء يوم الجمعة، والتاسعة هي موعد الإغلاق في أيام الجمعة. وبينما كان براين يعد النقود في ماكينة تسجيل المدفوعات النقدية، سمع فجأة صوت أحدهم أمام المطعم يصيح قائلًا: «الحافلة!» والمضحك أن الذي صرخ بالإسبانية هو كارل، وليس أحد العاملين الذين هم من أصول لاتينية.

في هذه اللحظة ضج المطعم بالنشاط، وكأن قنبلة قد انفجرت. وفي خلال عشر ثوانٍ أُغلق الباب الأمامي وأطفئت الأنوار في قاعة الطعام، وقُلب معظم المقاعد فوق الموائد. أما من بقي في القاعة من العاملين فكانوا يختبئون في الأركان، بعيدًا عن النوافذ.

في البداية ظن براين أن المكان يتعرض للسرقة. فأطل برأسه من نافذة خدمة السيارات ونظر إلى الخارج. فوجد في ساحة انتظار السيارات حافلة. وكانت على نوافذها لافتات مكتوبة بالصابون: «انطلقوا يا «رامز!» اهزموا التايجرز! هيا يا مدرسة ليك فيو الثانوية!»

رأى براين الباب الأمامي للحافلة يُفتح ويخرج منها رجلان. توجَّه الرجلان إلى الباب الأمامي لمطعم جين وجو، ولكن عندما اقتربا توقفا. ونظرا في ساعتيهما، ثم هزَّا رأسيهما وعادا إلى الحافلة. وكان آخرون قد نزلوا من الحافلة؛ ولكن هذين الشخصين أخبراهم أن المكان مغلق وأن عليهم العودة. وفي النهاية تحركت الحافلة بعيدًا متجهة نحو أضواء مدينة ساوث ليك تاهو.

وبمجرد أن اختفت الحافلة، تنفس جميع العاملين الصعداء وصدر عنهم هتاف مكتوم. وكان هذا أقصى انفعال رآه براين منهم خلال هذين اليومين.

سأل براين وهو ينظر إلى باتي وكيني: «ما الأمر؟» وهنا بدا وكأن الإحساس بالراحة قد تضاءل قليلًا من جرَّاء هذا السؤال.

وأخيرًا فسر كيني الأمر. وقال: «منذ شهرين أتت هذه الحافلة إلى هنا قبل وقت الإغلاق بعشر دقائق، وظل من فيها بالمطعم حتى العاشرة والنصف.»

وأكملت باتي الحوار. فقالت: «إنهم مجموعة من آباء وأمهات لاعبي كرة السلة في المدرسة الثانوية الموجودة على الطريق في مدينة ليك فيو. وكلما لمحناهم قادمين إلى هنا حاولنا أن نغلق بأقصى سرعة.»

استغرب براين عدم شعورهم بأي حرج وهم يخبرونه بذلك.

ود براين لو كان لديه ما يكفي من الحضور الذهني للذهاب إلى من كانوا في الحافلة ودعوتهم لدخول المطعم، وهنا قرر الرئيس التنفيذي السابق أنه قد رأى ما يكفي، وأنه أصبح مستعدًّا للبدء في إجراء التغييرات. وكانت ليلة السبت هي بداية تجربة جديدة للعاملين في مطعم جين وجو.

تعهد

وصل براين إلى العمل مبكرًا في اليوم التالي، وطلب من جو أن يحذو حذوه. وقبل أن يصل أيٌّ من العاملين بساعة أو أكثر، جلس الشريكان في قاعة الطعام يتحدثان.

بدأ جو الكلام قائلًا: «أتمنى ألا تكون راغبًا في استعادة أموالك. لأنني أوضحت لك من قبل أنك لن تحصل على نصيبك من الشركة إذا تركت العمل.»

ضحك براين. وقال: «إنني لا أرغب في ترك العمل، ولا أريد أن أستعيد أموالي.»

تنفس جو الصعداء، مما جعل الأمر أكثر سهولة على براين ليستمر في حديثه.

فقال: «ولكنني أريد أن أطلب منك أن تسمح لي بإجراء بعض التغييرات هنا.»

ضحك جو. وقال: «حسنًا، أنت هنا منذ يومين فقط. ولكن افعل ما يحلو لك.» ثم سكت لحظة. وعاد ليقول: «ما نوع التغييرات التي تفكر فيها؟ قائمة الطعام أو الديكور؟»

كان براين يحاول جاهدًا ألا يضحك، سواء على اختيار جو لكلمة ديكور ليصف بها المنطقة الداخلية الرثة المظهر من المطعم القديم، أو على طريقة نطقه للكلمة (إذ نطقها بطريقة خاطئة تمامًا).

«أنا أفكر أكثر في إدارة العاملين هنا.»

عبس جو قليلًا. وقال: «ماذا تعني؟ هل تريد أن تطرد أحدهم؟»

«لا، قطعًا.» ثم فكر براين في الأمر. وقال: «قد أفعل ذلك إذا كان هو الحل الصحيح. ولكن ليس هذا ما أفكر فيه.»

لم يُرِد براين أن يشعر جو أنه ينتقده؛ لذلك كان يختار كلامه بحرص. فقال: «أريد أن أعطي الموظفين فكرة أوضح قليلًا عن واجباتهم.»

لم يبدُ أن جو فهم ذلك، ولم يبدُ أن الأمر يثير اهتمامه، ولم يكن هذا مفاجئًا لبراين. فواصل قائلًا: «حسنًا، أرجو أن تساعدني في تجهيز المطعم الآن لكي أعقد اجتماعًا مع الموظفين عندما يصلون.»

مرة أخرى كان رد جو على براين مزيجًا من الانصياع واللامبالاة: «حسنًا. لنبدأ.»

قام الشريكان بإعداد المطعم لازدحام مساء السبت. فقاما بتنظيف الأرضيات والموائد وتقطيع مكونات البيتزا وتنظيم مستلزمات الطعام. حتى إنهما قاما ببضعة أعمال أخرى، مثل تنظيم الثلاجة وتنظيف قوائم الطعام جيدًا، واستنتج براين أن أحدًا لم يفعل ذلك منذ شهور.

وعندما بدأ العاملون يصلون، كان المكان يلمع أكثر من المعتاد، الأمر الذي لاحظه حتى أكثر هؤلاء العاملين لا مبالاة.

كان ذلك الموظف هو كارل. وقد تساءل: «من قام بكل ذلك؟»

رد جو قائلًا: «أنا وبراين. واستغرق الأمر خمسًا وأربعين دقيقة تقريبًا فقط.»

فسأل: «وماذا علينا أن نفعل نحن الآن؟»

«أعتقد أنكم ستحضرون اجتماعًا. وأنا سأذهب إلى السينما.»

ثم غادر جو تاركًا كارل مرتبكًا أكثر من المعتاد.

الاجتماع مع العاملين

طلب براين من الجميع أن يحضروا شيئًا ليشربوه ثم يتوجهوا إلى قاعة الطعام. وعلى الرغم من عدم وجود سياسة حقيقية فيما يخص المشروبات، فإن جو كان يرفض تناول العاملين المشروبات الغازية حتى وقت الإغلاق. كان براين يجهل ذلك، وما كان ليهتم حتى لو عرف.

عندما جلس الجميع فيما عدا ميجو، الذي لم يكن قد وصل بعد، بدأ المدير الجديد في الحديث. لقد اعترف لليزلي فيما بعد أنه كان قلقًا إلى حد ما لأنه لم يكن يعرف كيف سيكون رد فعل هؤلاء الأشخاص. ولم يكن يخاف من تمرد أو شيء من هذا القبيل؛ كان أكثر ما يخيفه عدم اكتراثهم تمامًا بالموضوع.

قرر براين ألا يتحذلق أو يتذاكى، ودخل في الموضوع مباشرة. فقال: «من منكم يحب وظيفته؟»

لم يحدث شيء! نظر الجميع بعضهم إلى بعض وكأن براين قد سأل السؤال باللغة الروسية.

«هيا جميعًا. هذا تصويت برفع الأيدي. من منكم يحب عمله؟»

ببطء ارتفعت كل الأيدي الموجودة في الحجرة ولكن دون اقتناع.

فابتسم براين قائلًا: «حسنًا، دعوني أوضح لكم. أنا لا أسأل عمن يريد منكم أن يحتفظ بوظيفته. فأنا لن أطرد أي شخص لأنه لم يرفع يده.»

وبعد أن أدرك أن هؤلاء العاملين الذين يحدقون فيه ليس لديهم ما يدعوهم للثقة به، أعاد براين صياغة السؤال. فقال: «ماذا عن السؤال الآتي؟ من منكم يشعر بالسعادة وهو في طريقه إلى العمل؟ من منكم تكون حالته المزاجية جيدة بالفعل عندما يقود سيارته ويأتي إلى هنا؟»

بدا الأمر وكأن براين سألهم إذا كانوا يحبون أن يُضربوا بالعصا. لم يرفع أيٌّ منهم يده وضحك بعضهم في واقع الأمر بصوت عالٍ.

لم ترفع باتي يدها ولكنها أطلقت تعليقًا مفاجئًا. قالت: «حسنًا، لدي ثلاثة أطفال صغار في المنزل؛ لذلك فأنا أشعر بالسرور لمجرد مغادرة المنزل.» فضحك الجميع. «لكنني أفضِّل ألا آتي إلى هنا.»

ضحك براين مع كل من كان في الحجرة.

ثم دخل كارل في الحوار بتلقائية. فقال: «أنا أصاب بنوع من الاكتئاب عندما أستيقظ صباح يوم الخميس؛ لأنني أعرف أنني سأكون هنا لوقت أطول بقية الأسبوع.»

بدا زملاؤه مندهشين من صراحته.

ثم أعاد براين الحوار إلى مساره. وقال: «حسنًا، أنا هنا لأخبركم أن عملي هو أن أجعلكم تحبون وظائفكم. وأن يتوق الواحد منكم إلى الوقت الذي يأتي فيه إلى هنا.»

كانت التعبيرات على وجوه الجميع مزيجًا من الريبة والحيرة والملل.

كان براين يتوقع بل ويدرك جيدًا أن مجموعة العمل «التي تضم شخصيات متباينة» لن تتقبل أفكاره في الحال، وأن العاملين لن يحملوا قائدهم الجديد على الأعناق ويسيروا به في موكب في قاعة الطعام مثل نورما راي.

«أعرف أنكم تظنون أنني مجنون. لكن إليكم حقيقة الأمر. إنني أومن بصدق أنكم كلما أحببتم وظائفكم أكثر، ازدهر العمل أكثر.»

سأل هاريسون بأدب: «وماذا يعود علينا نحن من نفع؟»

أراد براين أن يصرخ في مسئول توصيل الطلبات. ويقول له: «ماذا عن عدم الشعور بالتعاسة؟ وماذا عن تحسن حالتك المعيشية وشعورك بالفخر بما تعمل؟ ألا تعتقد أن ذلك سيكون مفيدًا لك ولعائلتك ولأصدقائك؟ أم أنك تستمتع بأن تُسلب منك حياتك كل مرة ترتدي فيها قميص مطعم جين وجو؟!»

لكنه كان يعرف أن هؤلاء الناس ليس لديهم أي سبب يجعلهم يثقون به أو يصدقونه، دون أي دافع ملموس. فقال: «حسنًا، خلال الشهرين القادمين سيحصل كل من يعمل منكم في نوبة عمل عطلة نهاية الأسبوع على دولار إضافي في الساعة.»

لمعت العيون مما أتاح لبراين الفرصة أن يدير الدائرة عليهم.

«ولكن هذا بشرط أن يلتزم الجميع بالخطة. فإذا خالف أي فرد الخطة فلن يكون هناك دولار إضافي عن كل ساعة. اتفقنا؟»

للمرة الأولى منذ أن تولى براين العمل هناك، شعر بشيء من روح الالتزام لدى هؤلاء العاملين، وإن كان مقدارًا طفيفًا جدًّا. فقال: «ولكن تذكروا، سأطلب منكم القيام ببعض الأعمال التي لم تقوموا بها من قبل. هل فهمتم؟»

رفع تريستان يده وهدأ من الجو العام للحظة. وقال: «إنك لن تطلب منا أن نقوم بشيء غير مشروع، أليس كذلك؟»

ضحك براين، ثم أدرك أن تريستان كان جادًّا في كلامه. فقال: «لا، لا. لن تقوموا بأعمال غير مشروعة. فقط أعمال مختلفة.»

ضحك كل من في المكان وساد شعور بالمرح والارتياح واستأنف براين حديثه.

«أول شيء نحتاجه هو أن نأتي للعمل في الموعد المحدد.»

وفي هذه اللحظة تمامًا انفتح الباب ودخل ميجو. فضحك الجميع بشدة على هذه المصادفة. واندهش ميجو من المشهد الغريب؛ الاجتماع والضحك، ولا سيما المطعم النظيف.

كان براين يعرف أن التأكيد على الفكرة سيكون له تأثير أكبر من التأنيب. فقال: «اجلس يا ميجو. لقد كنا نتحدث للتو عن أهمية الحضور إلى العمل في الموعد المحدد.»

ضحك الجميع مرة أخرى، وقبل أن يعتذر ميجو عن تأخره، أنهى براين كلامه. وقال: «لكنني لا أتحدث عنك بالتحديد، ولا داعي لإخباري بسبب تأخرك. ليس هناك أي مشكلة. فنحن نتحدث عن المستقبل.»

قبل ميجو هذا التسامح ثم جلس.

«ولكن من الآن فصاعدًا، أرجو أن يأتي كل منكم في الموعد المفترض أن يأتي فيه. وإذا حدثت مشكلة، يمكنكم الاتصال بالهاتف وإبلاغي.» ثم سكت لحظة. وعاد يقول: «ويجب أن تكون المشكلات نادرة الحدوث.»

كان يبدو أن أحدًا لن يرد على ما قيل، ولكن خواكين رفع يده. فأشار إليه براين فقال الطاهي الجواتيمالي شيئًا ما بالإسبانية موجهًا حديثه إلى ميجو، الذي قام بالترجمة.

«يريد أن يعرف إذا كان من الممكن أن يأتي في بعض الأوقات مبكرًا قليلًا ويأتي متأخرًا قليلًا في أوقات أخرى. لأنه يعمل أثناء النهار في محطة وقود ومن الصعب أحيانًا أن يوفق بين المواعيد.»

بدت الدهشة قليلًا على وجوه العاملين الآخرين من الجرأة في السؤال، وكانوا يترقبون رد فعل المدير الجديد. شعر براين بشيء من الخجل لأنه لم يضع في اعتباره أن العاملين ربما تكون لديهم وظائف أخرى.

ثم فكر في الأمر للحظة. ورد باللغة الإسبانية قائلًا: «ولِمَ لا؟ إذا كنت تستطيع أن تقوم بالعمل في الوقت المحدد، فلا بأس في ذلك.» فاندهش العاملون الذين من أصول لاتينية الموجودون في الحجرة من قدرة براين على التحدث بالإسبانية وأيضًا مما قاله في الإجابة.

ومرة أخرى قام ميجو بالترجمة ولكن هذه المرة لمن يتحدثون الإنجليزية فقط. فقال: «إنه يقول: «ولِمَ لا؟ إذا كنت تستطيع أن تقوم بالعمل في الوقت المحدد، فلا بأس في ذلك.»» ثم نظر إلى براين وكأنه يريد موافقته على الترجمة، فأومأ براين برأسه.

وعند هذا الحد بدا الذهول على كل من في الحجرة من رد مديرهم الجديد.

عرف براين أن جو لن يتقبل اقتراحاتهم بالقدر الكافي. فواصل قائلًا: «بالإضافة إلى الحضور في الموعد المحدد، أريد أن يقوم الجميع هنا بتقييم عملهم. فأنا أومن بالمقولة القديمة التي تقول إنك إذا لم تستطع قياس شيء ما، فلن تستطيع تحسينه.»

ولأنه كان يعرف أن مقصده لن يكون واضحًا للجميع، واصل حديثه قائلًا: «ولا تقلقوا. فسوف أساعدكم في معرفة ما يجب تقييمه وكيف سنجري عملية التقييم. في الواقع سيبدأ تطبيق هذا الأمر من الليلة على معظمكم.»

شعر براين أنه قال ما يكفي، وأن الأفعال ستكون أقوى تأثيرًا من الأقوال. فاختتم حديثه قائلًا: «لدينا بضع دقائق قبل وقت فتح المطعم. فلنستعد.»

وبعد أن توجَّه كل منهم لعمله، أخذ براين بضع دقائق ليشرح ما يحدث لميجو، الذي بدا متحمسًا جدًّا حتى قبل أن يعرف بالزيادة في الأجر. ثم بدأ المدير الجديد في وضع برنامجه قيد التنفيذ. وقرر أن يبدأ بالتحدي الأكبر: كارل.

الاختبار الأول

في مساء السبت كان المطعم مزدحمًا بعض الشيء، وكان معظم الموجودين من المتزلجين المرهقين بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من سكان المنطقة، الذين يبحثون عن عشاء سريع غير رسمي. أما نافذة خدمة السيارات فقد كانت مزدحمة في أيام السبت خاصة بالمتزلجين الذين يتوجهون نحو رينو، وهو الأمر الذي لم يبدُ منطقيًّا تمامًا لبراين.

وكان كارل المثال الأوضح على اللامبالاة في المطعم. فقد كان يتولى ثلاث مسئوليات: تلقي طلبات الزبائن، وتجميعها بمعاونة العاملين في المطبخ، وتسليم الطعام وتحصيل النقود في المقابل. ولم يكن يقوم بأيٍّ من ذلك على الوجه المطلوب.

لم يكن كارل سريع الاستجابة، ولم يكن دقيقًا أو لطيفًا في عمله في نافذة خدمة السيارات، لكن جو لم يكن يشعر قط بأهمية هذا الجزء من المطعم. فقد قال لبراين: «ما الفارق الكبير الذي يُحدثه هذا الجزء؟»

ومع ذلك لاحظ براين أنه عندما يخطئ كارل — وهو ما لم يكن أمرًا نادرًا — يحدث عادة ما يشبه التفاعل المتسلسل في المطعم. فقد يضطر خواكين لإعداد طلب خاص. وقد يضطر تريستان إلى التعامل مع الموقف عندما يأتي الزبون غاضبًا إلى مكتب الاستقبال. وعادة ما يجد جو نفسه يعتذر ويصدر أوامره للآخرين لحل المشكلة. وكنتيجة لذلك يتعثر كل شيء قليلًا، مما يؤدي إلى تراكم العمل وحدوث أزمات.

ومع أن براين بحث كيفية تقييم عمل كارل، فقد أراد أن يمنحه فرصة لكي يبتكر شيئًا بمفرده. ففي وقت خلت فيه النافذة من السيارات جذب براين كارل جانبًا وطلب من ميجو أن يراقب النافذة.

وعندما جلسا معًا في قاعة الطعام، بدأ براين الحديث. فقال: «كارل، ما الطريقة التي تراها صالحة لتقييم جودة أدائك؟»

نظر كارل إليه بوجهٍ خالٍ من أي تعبير وهز كتفيه. وقال: «لا أعرف.»

فأعاد براين المحاولة. وقال: «دعنا نفترض أن الليلة قد انتهت وحان وقت الإغلاق، كيف ستعرف أنك قمت بعمل جيد هذه الليلة في النافذة؟»

فكر كارل في الأمر قليلًا. ثم قال: «ربما عدد السيارات أو الطلبات التي تلقيناها؟ أو مقدار الوقت الذي استغرقوه في الانتظار؟»

أومأ براين رأسه في صبر. وقال: «حسنًا، هذه معايير صحيحة. لكنك بالطبع لا تتحكم في عدد الزبائن الذين يأتون إلى هنا. قد يكون هذا معيارًا جيدًا لقياس مدى «انشغالك»، ولكن ليس لتقييم كفاءتك في القيام بعملك.»

كان من الواضح أن كارل فهم منطقه وهز رأسه موافقًا على ما قيل.

استطرد براين قائلًا: «قد يكون الوقت الذي يقضيه الناس في الانتظار معيارًا جيدًا. لكنه أيضًا يتوقف على كثير من الأمور خارج نطاق سيطرتك. مثل مدى سرعة العاملين في المطبخ في إعداد الطلبات.»

ومرة أخرى وافق كارل. ثم قال: «وماذا تعتقد أنت؟»

كان براين سعيدًا لأنه يقوم ببعض التوجيهات. فقال: «أعتقد أن عدد الطلبات التي تسلمها دون أخطاء سيكون بداية جيدة لك.»

ودون أي بادرة للدفاع عن النفس (أو الحماس)، هز كارل رأسه. وقال: «هذه فكرة جيدة.»

«وأظن أيضًا أنك تحتاج معيارًا لقياس مدى إيجابية تعاملك مع الزبائن، حتى تشجعهم على الحضور إلى هنا مرة أخرى.»

«أجل.» لكن الطريقة التي قالها بها كارل أوضحت أنه لا يعي تمامًا المعنى المقصود.

فاستمر براين في الحديث. وقال: «ماذا عن تدوينك عدد المرات التي تجعل الناس فيها يبتسمون عندما يأتون إلى نافذة خدمة السيارات؟»

بدا الأمر وكأن براين طلب من كارل أن يخرج من النافذة ويربت على ظهور الزبائن. فقال كارل: «يبتسمون؟»

أجابه براين: «بالتأكيد. ولِمَ لا؟ إن هذه إشارة جيدة توضح أنهم مسرورون، وهو أمر يقع بالتأكيد داخل نطاق سيطرتك.»

كان كارل يدير الأمر في ذهنه.

«وإذا استطعتَ أن تجعلهم يضحكون، سيساوي ذلك أربع ابتسامات.»

«لا أعرف. يبدو ذلك عجيبًا جدًّا.»

«تشجع! ليس عليك أن تلقي عليهم النكات أو شيئًا من هذا القبيل. إلا إذا أردت ذلك. عليك أن تحاول الابتسام في وجوههم وأن تسألهم سؤالًا أو اثنين. وأراهن أن هذا سينجح. لِمَ لا تسألهم كيف كان يومهم في التزلج أو ما هي وجهتهم.»

إما أن كارل أدرك إمكانية القيام ذلك أو أنه تذكر أن زيادة الدولار كل ساعة تتوقف على هذا الأمر. وعلى أي حال، فقد هز رأسه وكأنه يقول: «حسنًا، سأفعل ذلك.»

«لم لا تأخذ أحد مفارش المائدة ذات الحجم الكبير وتسجل على ظهرها النقاط التي تحققها. ضعها بجوار النافذة، ودوِّن عدد الأخطاء التي ترتكبها في تسليم الطلبات وعدد الابتسامات التي تحصل عليها من الناس.»

«ألا تريد أن يقوم شخص آخر بالإحصاء؟»

فردَّ براين متحيرًا. «لماذا؟»

«فكيف ستعرف أنني لا أغشك؟»

أراد براين أن يضحك، لكنه احتفظ بمظهره الجاد. وقال: «لأنني لا أعتقد أنك من هذا النوع من البشر.» ثم نظر حوله ليتأكد من عدم سماع أي شخص لما يقال، وقال له بصوت منخفض: «هذا بالإضافة إلى أنني زرعت كاميرات مراقبة سرية في أنحاء المطعم، وسأستطيع أن أرى كل شيء.»

في هذه اللحظة رأى براين كارل يبتسم لأول مرة. صحيح أنها ابتسامة لم تدم إلا لحظة. لكنها كانت ابتسامة، وكان براين راضيًا بها.

بداية الجولات

ومع شعوره بتزايد الثقة في داخله، اجتمع براين مع بقية العاملين كل على حدة.

واتفق مع باتي وجولين على أن الإكرامية ستكون مقياسًا جيدًا. لكنه اقترح عليهما أيضًا أن تُحصيا عدد تعليقات الزبائن التلقائية عن خدمتهما، سواء تلقتها النادلتان مباشرة أو تلقاها غيرهما من العاملين. وقد وافقتا بسهولة أكثر مما توقع براين، الذي أرجع الأمر إلى شخصيتهما الاجتماعية ووجود الحافز المادي.

أما عمل تريستان على آلة تسجيل المدفوعات النقدية وعلى الهاتف فكان أصعب في تقييمه، ولكن بعد بضعة اقتراحات مرفوضة، اتفق براين معه على ثلاثة معايير: سرعة تسليم فواتير الزبائن للنادلتين، وقدرته الإبداعية في ترتيب الموائد وإجلاس الزبائن في أماكنهم، وسرعة الرد على الهاتف. كان المعياران الأولان يخضعان — على الأقل جزئيًّا — لتقدير باتي وجولين.

وبالنسبة إلى خواكين وكيني في المطبخ كان الأمر سهلًا نوعًا ما. فسيقومان بتقييم نجاحهما من خلال السرعة في إنجاز الطلبات وملاحظات الزبائن على الطعام. وعليهما في الحالة الثانية أن يعتمدا أيضًا على ملاحظات النادلتين؛ لأن الطاهيين ليس لديهما اتصال مباشر مع الزبائن.

وقرر براين ألا تكون سرعة توصيل الطلبات معيارًا يعتمد عليه هاريسون السائق لقياس إجادته لعمله؛ لأن ذلك يعتمد على أمور كثيرة خارج نطاق سيطرته، ويتوقف بصورة أساسية على سرعة المطبخ في تحضير الطلبات. وبالطبع لم يكن براين يريده أن يقود السيارة برعونة. فقرر بدلًا من ذلك أن يقاس مدى نجاحه بقيمة الإكراميات والدقة في تسليم الطلبات ورد فعل الزبون، لكنه شرح الأمر بطريقة مختلفة لسائقه المتمرد الضخم الجثة ذي اللحية الحمراء، فقد كان متأكدًا أن هذا الشخص سيبغض فكرة إحصاء الابتسامات التي يحصل عليها.

أما سلفادور، عامل غسل الصحون، فستُقاس درجة نجاحه بمدى توفير الأطباق والأواني التي يحتاجها الآخرون، بالإضافة إلى مدى نظافة ما يخرج من تحت يديه.

أما ميجو فكان من الصعب تحديد كيفية تقييمه لأنه يقوم بأعمال متنوعة بدرجة كبيرة. وقد اتفق هو وبراين على أن ملاحظات العاملين الآخرين في المطعم ستكون أفضل مقياس لنجاحه، ومع أن براين اقترح أن يطلب ميجو هذه الملاحظات من العاملين بنفسه في نهاية كل ليلة، فقد أصر الشاب على أن يتولى براين ذلك، للتأكد من صدق ملاحظات زملائه.

وفي نهاية المساء، كان كل فرد يعرف كيف يقيِّم نجاحه في عمله، وبدأ بعضهم بالفعل في القيام بذلك. وبينما لم يستطع براين أن يتأكد من حماسهم للنظام الجديد، فإنه شعر شعورًا صادقًا بوجود روح من الحماس في المكان، أرجعها براين إلى شيء ما يفوق مجرد الأجور الإضافية.

وعندما أغلق المطعم في هذه الليلة، كان براين يشعر بالحماس الصادق، وكان متلهفًا لأن يشهد تطبيق النظام الجديد بالكامل في الخميس المقبل.

استنكار

كانت السيارة الموجودة على الطريق الخاص أمام المنزل غير معروفة لبراين، وبالتدقيق عن قرب، عرف أنها سيارة مؤجرة. وعندما فتح الباب الأمامي للمنزل، قابلته كل من ليزلي وابنته لين بابتسامتين متكلفتين قليلًا.

حضرت لين للمنطقة لإجراء مقابلة شخصية في ساوث ليك تاهو، ولكن بعد مكالمة هاتفية قصيرة مع أخويها، أضافت بندًا ثانيًا إلى جدول أعمالها: التأكد من سلامة عقل والدها.

وبعد التحيات المعتادة والأحضان والأحاديث الخفيفة، جلست العائلة في حجرة المعيشة. ثم تطرقت لين إلى الموضوع، فهي من الأشخاص الذين لا يتراجعون مطلقًا عن مواجهة أي تحدٍّ.

«حسنًا ما خطب تلك الوظيفة يا أبي؟» ثم ابتسمت ابتسامة أقرب إلى الحزن.

لم يتخذ براين موقفًا دفاعيًّا بحال من الأحوال. وقال: «حسنًا، أنا متأكد من أن والدتك قد أخبرتك. إنني شريك في مطعم إيطالي صغير أسفل التل — ربما تكونين قد مررت به في طريقك إلى هنا — وأتولى إدارة المكان أيام الخميس والجمعة والسبت.»

«وما الذي دفعك إلى القيام بشيء مجنون كهذا؟»

ابتسم براين لسؤال ابنته وأحس بالفخر لشعورها بالمسئولية تجاهه. وقال: «أعرف أنه يبدو …»، ثم بحث عن كلمة مناسبة، «حسنًا، جنونًا، وأظنها أدق وصف للأمر. ولكن لدي أسبابي، وأنا بالفعل مستمتع بالأمر.»

اندهشت لين. وقالت: «كم يدفعون لك؟ ثمانية دولارات في الساعة؟»

ضحك براين. وقال: «إنهم لا يدفعون لي شيئًا في الواقع. فأنا أحد الملاك، وقررت أن أستغني عن الراتب.»

ثم تدخلت ليزلي في الحوار بهدوء. وقالت: «من الواضح أنه لا يقوم بذلك من أجل المال.»

«متأسفة لأنني أصر على السؤال يا أبي، ولكن لماذا تقوم بذلك؟»

استطرد براين وأخذ يخبرها بصعوبة انتهاء حياته المهنية بهذه السرعة، وتعليقات ريك سيمبسون. ثم أوضح لها بوجه عام مدى الإحباط الذي شعر به حيال حقيقة أن الكثير من الناس في العالم يكرهون أعمالهم، وما كان يشعر به من أن ذلك قد يكون سبب وجوده على الأرض.

وكما كان الأمر مع زوجته في الأسبوع السابق، كان براين مقنعًا جدًّا. ويبدو أن لين تقبلت ما قاله والدها وتفهمت وضعه، ربما لأنها كانت تبحث عن وظيفة لنفسها، أو لأنها كانت تميل إلى التعاطف مع الآخرين.

«حسنًا، إلى متى ستستمر في هذا العمل؟»

تردد براين، وكأنه لم يفكر في هذا الأمر كثيرًا. وقال: «لا أعرف.» وأخذ يقلب الأمر في ذهنه. ثم قال: «شهرين. ربما ستة. وربما عامًا.»

ارتبكت ليزلي. وقالت: «عام؟ أتعتقد بالفعل أنك ستستمر هناك طوال هذه المدة؟»

«يعتمد ذلك على المدة التي سأستغرقها في اكتشاف الأمر.»

فسألت لين: «اكتشاف ماذا؟»

«كيف أساعد هؤلاء الناس في إيجاد شيء من الرضا في عملهم. وسبب تعاسة كثيرين ممن يعملون في أعمال مشابهة.»

«حسنًا، الآن عليَّ أن أسألك سؤالًا طرحه إيريك.» تفحصت لين مذكرتها للتأكد من أنها قد كتبت كل ما قاله أخوها بالضبط. ثم قالت: «ها هو. إيريك أرادني أن أسألك: «هل فقدت عقلك يا أبي؟»»

فضحكوا على الطبيعة الفظة للابن الأكبر.

«يمكنك أن تخبري إيريك ألا يقلق عليَّ. فأنا بخير.»

بدت لين راضية مؤقتًا؛ لذلك تحول تركيز العائلة بعيدًا عن عمل براين وركزوا على مقابلة العمل التي ستجريها لين.

نتائج مبدئية

كان براين يترقب بلهفة مساء الخميس.

وبعد أن أوصى الجميع قبل أن يغادروا مساء يوم السبت بالحضور في الموعد المحدد، كان براين سعيدًا عندما وصلوا جميعًا في الموعد. ولكن لسوء الحظ لم ينجح موضوع تقييم النجاح كما كان مخططًا له.

فقد نسي بالفعل بعضهم ما سيقوم بتقييمه، بينما وجد آخرون صعوبة في القيام بعملهم بطريقة تختلف عما تعودوا عليه من قبل. كان براين يذكر نفسه بأن هؤلاء ليسوا لاعبي درجة «أولى»؛ فبعضهم يجاهد للوصول إلى الدرجة «الثالثة». فأفضل النُّدل والنادلات وعمال تنظيف الموائد والطهاة في المنطقة كانوا يعملون في مطاعم وفنادق أفضل. لقد كان براين يعرف تمامًا أن مطعم جين وجو لا يختار أفضل العاملين وأذكاهم. مما جعله يزداد إصرارًا على مساعدتهم. ويكون أكثر صبرًا معهم.

وبحلول منتصف وردية مساء الجمعة، نجح براين في تفعيل نظام التقييم الذاتي بطريقة جيدة. ولاحظ أن النادلتين تُعِيران اهتمامًا أكثر من المعتاد للإكراميات التي يحصلان عليها، أما من يعملون في المطبخ فقد زاد اهتمامهم بعض الشيء بالزمن الذي يستغرقه تجهيز الطلب، أما كارل فلم يحالفه الحظ كثيرًا في جعل الناس يبتسمون، ولكنه كان أكثر لطفًا مع الناس مما كان عليه في الأسبوع السابق؛ وكان يفحص الطلب مرتين قبل أن يسلمه من النافذة.

كان يبدو أن كل العاملين في مطعم جين وجو أفضل حالًا مما سبق بدرجات متفاوتة. وبحلول مساء السبت كان العاملون يتبادلون بطاقات تقييم الأداء في نهاية الوردية لمراجعتها ومقارنة النتائج.

وفي نهاية وردية الأسبوع التالي، بدا على الحالة المزاجية والأداء في مطعم جين وجو علامات التحسن بدرجة بسيطة ولكن ملحوظة. كانت الإكراميات تتزايد، وقلَّت الأخطاء نوعًا ما، وكان المكان يبدو أنظف. كان براين يشعر بأن تجربته قد تنتهي أسرع مما كان يتوقع.

والأهم أن العاملين كانوا يقضون المزيد من الوقت في الحديث عن شيء كانوا نادرًا ما يتحاورون حوله في الماضي. العمل. وكانوا يتبادلون النصائح فيما بينهم عن كيفية إنجاز الأمور بسرعة أكبر، وكيفية التعامل مع الزبائن بطريقة تجعلهم يعطونهم إكراميات أكبر أو تؤدي إلى رد فعل ظريف.

ولكن قرب نهاية مساء السبت، بينما كان براين يساعد ميجو وتريستان وكارل في إغلاق المكان، حدث شيء ما دمر كل مشاعر الرضا التي ربما كان يشعر بها.

انتكاسة

كان براين يغلق آلة تسجيل المدفوعات النقدية، بينما كان باقي العاملين ينظفون الموائد في قاعة الطعام، ويمسحون الأرضيات ويرفعون المقاعد فوق الموائد.

ثم صاح براين: «كارل. كم عدد الابتسامات التي حصلت عليها اليوم؟»

رد كارل بأسوأ رد سمعه براين. فقال: «لا أعرف.»

«ماذا تعني بلا أعرف؟»

ودون أن يتوقف عن التنظيف، كان عامل «نافذة خدمة السيارات» يشرح السبب قائلًا: «لقد نسيت أن أعدها.»

بهت براين وكل من كان في قاعة الطعام. وقال: «نسيت؟»

فهز كتفيه قائلًا: «إنني لا أرى أي أهمية لذلك.»

وقبل أن يجيب براين كان تريستان يرد قائلًا: «ماذا عن الدولار الإضافي يا رجل؟ أتعتقد أنني أكترث حقًّا بسرعتي في عمل الفواتير؟ افعل ذلك وحسب.»

فهز كارل رأسه، ونظر ناحية براين. وقال: «حسنًا، أنا متأسف. سأقوم بذلك على نحو أفضل في الأسبوع المقبل.» ثم نظر إلى تريستان وميجو وقال: «متأسف على ذلك.»

فأكد براين لهم أن الزيادة في الأجر ليست في خطر ما دام كارل سيحافظ على النظام مرة أخرى. لكنه توصل أيضًا إلى حقيقة مقلقة مفادها أن نظامه ينقصه شيء ما، وأن الأمر سينتهي به إلى الفشل إن لم يكتشف هذا النقص.

ذهب براين إلى منزله تلك الليلة وقدح زناد فكره فيما فعله هو والمديرون الآخرون في شركة جيه إم جيه لكي يجعلوا الناس يستمتعون بأعمالهم. وعلى الرغم من التقدير الذي حظوا به والأوسمة التي تلقوها كمكان رائع للعمل، فلم يكونوا قط محددين تمامًا أو واضحي الهدف. «كنا نعامل الناس بالطريقة التي نحب أن نُعامل بها» كانت تلك هي الطريقة التي يفسرون بها ما حققوه في حفلات التكريم أو الحوارات الصحفية.

غير أن ذلك لم يكن كافيًا الآن. وكان براين في حاجة إلى القيام ببعض التحليل العلمي حتى يخرج بنظريته، ومن الأفضل أن يتم ذلك قبل يوم الخميس، وإلا سيبدأ في فقد القوة الدافعة البسيطة التي حصل عليها.

وعندما عرف أنه سيحتاج إلى المساعدة، أرسل براين مجموعة من الرسائل عبر البريد الإلكتروني إلى عدد من زملائه السابقين، الذين ما زال بعضهم يعمل في شركة جيه إم جيه. فقد سأل رئيس قسم الموارد البشرية لديه ونائب مدير العمليات وبعضًا من مديري الإنتاج في المصنع إذا كانوا مستعدين لعرض أفكارهم عن العوامل الأساسية لرفع الروح المعنوية والإنتاجية.

وخلال الأيام القليلة التالية، توالت الردود على براين، وكان براين سعيدًا بقراءتها جميعًا. وعلى الرغم من خلوها من أي تقييم شامل أو دقيق للموقف، فقد أعطت براين البصيرة التي يحتاجها لكي يتخذ الخطوة التالية في مطعم جين وجو. ولكي يجدد حماسه الشخصي لما يقوم به هناك.

اختبار الواقعية

ذهب براين إلى العمل مبكرًا مساء يوم الخميس، وكان مسرورًا لوجود جو هناك. قام الاثنان بتنظيف وترتيب المطعم ثم جلسا ليتحدثا.

بدأ جو بالحديث قائلًا: «كيف يسير الحال؟ ألا تزال سعيدًا بالعمل هنا؟»

هز براين رأسه. وقال: «نعم بالطبع. أنا مستمتع بالعمل. وماذا عنك؟»

«حسنًا، أنا أعمل هنا منذ أكثر من ثلاثين عامًا؛ لذا فقد تعودت على الأمر.»

ضحك براين على دعابة جو الماكرة والساخرة. وقال: «لا، إنما أقصد بماذا تشعر نحو عملي هنا؟»

«حسنًا، أنت لم تحرق المكان. والإيرادات جيدة. وأرى أن كل شيء على ما يرام.»

وفي هذه اللحظة دخل سلفادور وميجو من الباب الأمامي.

نظر جو في ساعته كما لو كانت مكسورة. ثم عاد مرة أخرى إلى الحوار. وقال: «ما موقف زوجتك من كل ذلك؟»

«لقد تعودت أن تقضي بعض الأمسيات الهادئة في المنزل، تقرأ وتشاهد الأفلام القديمة. وخلال الأسبوع عندما لا يكون الزحام شديد حول البحيرة، نخرج في نزهة بالسيارة أو سيرًا على الأقدام. وقد استأجرنا عربتَي تزلج منذ أيام واستكشفنا التلال التي تعلو منزلنا.»

فابتسم جو. وقال: «حسنًا ما الذي تريد أن تتحدث معي بشأنه؟»

مرة أخرى انفتح الباب الأمامي، وفي هذه المرة حضر تريستان. نظر جو مرة أخرى في ساعته، ثم نظر إلى براين. وقال: «هل غيرت موعد الحضور إلى العمل؟»

هز براين رأسه بالنفي.

فسأل جو وهو يشير إلى المطبخ الذي كان الثلاثة قد بدءوا العمل فيه بالفعل، وقال: «فماذا يفعلون هنا في هذا الوقت إذن؟ لا تقل لي إنهم حضروا إلى العمل مبكرًا.»

فضحك براين وهو يفسر الأمر. فقال: «لقد وضعت لهم نظامًا تحفيزيًّا صغيرًا، وحضورهم في الموعد المحدد جزء من الاتفاق.»

أراد مالك حصة الأغلبية أن يعرف. فسأل: «وما الحافز؟»

«هذا ما أردت أن أحدثك عنه. لقد وعدتهم أن أزيد أجورهم دولارًا عن كل ساعة لمدة شهرين.»

بدت على جو الدهشة، وشيء من الضيق، ومن ثم أوضح براين الأمر.

«لا تقلق، سيخصم ذلك من راتبي. فقد قررت ألا أتقاضى أي راتب حتى تعود الأمور إلى نصابها. وهذا الأمر مؤقت. وبعد ذلك سنعود إلى ما كنا عليه.» ثم سكت قبل أن يضيف قائلًا: «ولكنني أبحث عن طريقة لكي يتقاسم الجميع بعض الإكراميات.»

أصبح جو هادئًا بدرجة ملحوظة، لكنه ظل منفعلًا بعض الشيء. فقال: «حسنًا، لن تسمح لك النادلتان بأن تفعل ذلك، والحق أنني لا أرغب أيضًا في أن تطلب منهن ذلك. ليس قبل أن ترجع لي.»

أدرك براين أنه كان عليه أن يناقش أمر الزيادة المؤقتة في الأجر مع شريكه قبل ذلك. فقال: «معك حق يا جو، لن أقوم بأي شيء آخر مثل ذلك قبل أن أتشاور معك فيه أولًا. لقد ظننت فقط أنه بما أنني لا أحصل على أجر، فإنك …»

فقاطعه جو قائلًا: «لا بأس. لا تقلق حيال ذلك. يبدو أن كل شيء على ما يرام.» ثم توقف ونظر إلى الباب الأمامي الذي انفتح ثانيةً ودخل منه اثنان من الموظفين. ثم قال: «هذا بالإضافة إلى أنك وجدت طريقة تجعل هؤلاء الحمقى يأتون إلى العمل مبكرًا؛ لذا فلا بد أنك تعرف ما تفعل.»

كان براين يأمل أن يكون محقًّا.

الجولة الثانية

مع أن المطعم كان على وشك بدء العمل، فقد كان خاليًا ولم يأتِ أي شخص حتى ذلك الوقت. لذلك دعا براين العاملين لعقد اجتماع سريع. وبمجرد أن جلسوا جميعًا في القاعة فيما عدا خواكين الذي قام بتعديل مواعيده ليأتي متأخرًا في أيام الخميس، بدأ براين حديثه إليهم.

فقال: «حسنًا يا رفاق. أود أن أخبركم أنكم سوف تضيفون بنودًا لقائمة معايير التقييم.»

كان العاملون يشعرون بالارتياح مع براين، ومن ثم صاح تريستان من موقعه على طاولة تلقي الطلبات. وقال: «هل سنحصل على دولار آخر إضافي عن كل ساعة؟»

ضحك الجميع. فيما عدا جو، الذي كان يراقب ما يحدث.

«لا. لا يتعلق الأمر بالمال، لكنه يتعلق بتقييم النجاح. فهو مرتبط بمعرفة من تعملون لأجله.»

ثم تحدثت باتي. فقالت: «أتريد أن تعيد ترتيب الأمور وتقوم بتعيين رؤساء جدد؟»

فهز براين رأسه قائلًا: «لا. ليس الأمر هكذا. ما أعنيه هو أنني أريدكم جميعًا أن تعرفوا من المستفيد من عملكم.»

كانت النظرات الخالية من أي معنى كافية ليعلم براين أنه يستخدم تعبيرات أكبر مما يستحق الموقف.

فرفع ميجو يده، وأشار إليه براين ليتحدث.

«هل يشبه هذا نظام التأمين على الحياة؟»

لم يبتسم براين لأنه لم يكن يريد أن يثني ميجو عن الاشتراك في الحوار أو أن يظهر وكأنه يزدري مرءوسيه. فقال: «لا، إن الأمر يتعلق بكيفية إحداث تغيير في حياة شخص آخر غيرك.»

تابع ميجو كلامه بسؤال آخر. فقال: «مثل أفراد العائلة؟»

«ليس بالضبط. إنني أقصد كيفية إحداث تغيير في حياة شخص ما هنا في المطعم. كأحد الزبائن. أو زميل لك في العمل.»

رفع كيني يده، لكنه لم ينتظر حتى يأذن له براين. وقال: «هلَّا أعطيتنا مثالًا؟»

«بالطبع. دعونا نبدأ بمثال سهل. جولين!»

فوقفت النادلة الشابة الجذابة لطيفة المعشر. وقالت: «مهلًا، أتقول إنني سهلة المنال؟»

في البداية ظن براين أنها قد تضايقت. ولكن قبل أن يوضح الأمر لها انفجر معظم العاملين ومنهم جولين في الضحك.

ابتسم براين وهز رأسه. وقال: «حسنًا. جولين تعمل نادلة. من الذين تخدمهم جولين وكيف تجعل حياتهم مختلفة؟»

كان يبدو أن السؤال سهل إلى درجة لم تشجع أي فرد على إجابته في الحال. وفي النهاية اندفع تريستان وقال: «تساعد الزبائن عن طريق إحضار الطعام لهم.»

فأومأ براين برأسه، ولكن كان واضحًا من تعبير وجهه أن الإجابة ليست وافية تمامًا. فقال: «حسنًا، معك حق، إنها تساعد الزبائن. ولكن هل إحضار الطعام لهم هو الطريقة الحقيقية التي تحدَّث بها تغييرًا في حياتهم؟»

فأومأ تريستان وبعض زملائه برءوسهم.

«حسنًا، ماذا لو كانت تتحدث معهم بطريقة ساخرة وفظة، وتلقي الطعام على المائدة وهي حانقة، وتتجاهلهم بقية الوقت الذي يقضونه هنا؟»

«سيغلق المطعم وأفقد وظيفتي.» جاء هذا الرد من سلفادور، الخجول صغير الحجم الذي يعمل في غسل الصحون. فانفجر الجميع في الضحك بسبب لكنته العجيبة وندرة ما يقوله من تعليقات.

ابتسم براين ابتسامة عريضة، فقد كان سعيدًا بمشاركة سلفادور. وقال: «نعم، معك حقك يا سلفادور. من المحتمل أن يغلق المطعم.»

كان يبدو أن عامل غسل الصحون سعيد بدرجة كبيرة لأن رئيسه في العمل يوافقه الرأي.

«ولكن بصرف النظر عن ذلك، كيف تستطيع جولين أو باتي إحداث تغيير في حياة الزبائن؟»

ساد الصمت المكان، لكن لم يكن هناك جوٌّ من الارتباك. فقد كان من الواضح أنهم يفكرون في السؤال. وقبل أن يستطيعوا الإجابة، وجه براين السؤال بطريقة مختلفة، وكان يخص النادلتين بالسؤال الآن.

«تذكرا أشياء فعلتماها في الماضي ربما تكون قد ساعدت شخصًا ما بصورة ملموسة.» وبعد دقيقة من التفكير، رفعت باتي يدها. وأشار إليها براين فبدأت في الحديث.

«منذ بضعة أشهر جاءت إلى هنا أم مع أطفالها الأربعة. كلهم من الصبيان. وكانوا يشاغبون. لم يكن الأمر فظيعًا ولكنه الشجار المعتاد بين الإخوة.» كانت باتي تنظر إلى من حولها في المكان وهي سعيدة بأنها تملك زمام الحوار. «وبعد أن أحضرتُ الطعام إلى المائدة، قفز ابنها الصغير إلى أعلى ودفع البيتزا فوقعت على الأرض. ومن حسن الحظ أنني كنت قد غيرت الطبق الذي أخرجت فيه البيتزا من الفرن ووضعتها في طبق بارد، وإلا لكان من الممكن أن يُصاب هذا الولد الصغير بحرق.»

ثم سكتت لحظة فدخل براين في الحوار قائلًا: «حسنًا، هذا جيد. ولكن ماذا عن …»

لكن باتي قاطعته قائلة: «انتظر لحظة يا عزيزي. فلم أنتهِ من كلامي بعد. إن تبديل الأطباق لم يكن هو التغيير الذي أحدثته في حياتها، مع أنني أعتقد أنه ساعد في ذلك.»

اندهش براين من رد باتي المفاجئ، ولكنه كان مسرورًا لمشاركتها في الحوار: «معذرة يا باتي. واصلي الكلام.»

«حسنًا، تناثرت البيتزا على الأرض، وبدأ الأولاد في الصراخ، وكانت السيدة على وشك البكاء.»

فسأل تريستان: «وماذا فعلت؟»

«في البداية أسكتُّ الأطفال وقلت لهم إنهم إذا لم يسمعوا كلام أمهم فلن يحصلوا على أي طعام. فسكتوا في الحال. ثم أكدت للسيدة أننا لن نجعلها تدفع ثمن البيتزا الثانية. وذهبت إلى المطبخ وأخذت أربع قطع من عجينة البيتزا وأعطيت الأطفال إياها ليلعبوا بها.»

بدا على كل زملائها الدهشة فاستطردت باتي في حديثها.

فقالت: «شكرتني السيدة، لكنها كانت لا تزال تشعر بالضيق والإحراج. فأخبرتها أن أولادها لا يختلفون عن أولادي أو أولاد أي شخص يأتي إلى المطعم، وأنها يجب ألا تشعر بالضيق. ثم صببت لها بعض الجعة على حساب المطعم.»

فبدأ تريستان في التصفيق. ثم قال: «رائع.»

فقاطعها كارل الآن قائلًا: «أيمكنك أن تأتي إلى منزلي؟»

فضحك الجميع وواصل براين الحديث.

«حسنًا لم تقم باتي بإحضار الطعام للسيدة فحسب. لكنها ساعدتها على تخطي موقف عصيب في يومها. ولن تكون كل المواقف درامية بهذه الطريقة، لكنني متيقن من أننا سنجد طريقة لنساعد بها كل زبون، ولو بأبسط الطرق.»

ثم تحدثت جولين. وقالت: «نعم، في بعض الأحيان أكاد أقسم أنني أستطيع إدخال السرور على رجل عجوز عندما أناديه بعزيزي، أو عندما أقول له «باركك الرب» عندما يغادر المكان. وأفضل أن أقولها بعد أن يدفعوا الحساب أو يكونوا في طريقهم إلى الخارج حتى لا يعتقدوا أنني أرغب في زيادة الإكرامية.»

كان براين سعيدًا بما يسمعه. فقال وهو يشير ناحية كارل وهاريسون: «وأنتما يا شباب، فمع أن العمل في نافذة خدمة السيارات وتوصيل الطلبات إلى المنازل يختلفان بعض الشيء عن هذا، فأنا أعتقد أنكما تعرفان كيف ينطبق هذا عليكما أيضًا.»

فهز كلاهما رأسه موافقين على ما يقول وهما يكتمان حماسًا، غير أن براين كان يعرف أن كارل سيحتاج قليلًا من التدريب.

كان براين سعيدًا عندما رفع كيني يده مرة أخرى وسأل السؤال المهم. «ماذا عن بقيتنا الذين لا يتعاملون كثيرًا مع الزبائن؟»

كان يبدو أن ميجو وتريستان وسلفادور ينتظرون باهتمام إجابة هذا السؤال.

كان براين مستعدًّا. فقال: «لنبدأ بك يا سلفادور. من الذين تقوم بمساعدتهم، وكيف تُحدث تغييرًا في حياتهم؟»

كان السؤال صعبًا على عامل غسل الصحون، ومن ثم هز كتفيه ورأسه.

فتكلمت باتي قائلة: «هلم يا سلفادور، أنت تساعدنا جميعًا.» ثم أضافت: «إنك تحرص على أن يتناول الزبائن الطعام في أطباق نظيفة باستعمال أدوات مائدة نظيفة. وتغسل كل الأواني والطاسات لكل من خواكين وكيني وكل من يعمل في الطهي. وإذا لم تحسن القيام بعملك فسيتضرر أغلبنا إلى حد بعيد.»

على الرغم من أن براين كان سيوضح الأمر على نحو ألطف، فقد كان سعيدًا بحماس باتي، وتأثيره الإيجابي على سلفادور الذي ظهر عليه الفخر بنفسه جدًّا.

وبدلًا من انتظار المزيد من الأسئلة انتقل براين إلى بقية العاملين. فقال: «كيني، من الذين تؤثر فيهم؟ وكيف؟»

لم يتردد كيني. فقال: «حسنًا، أعتقد أننا نحدث تغييرًا لدى الزبائن الذين يرغبون في تناول طعام جيد.»

«هذا صحيح. هل يود أحدكم أن يضيف على رد كيني؟»

«إنك تُحدث تغييرًا في عملي.» فدُهش الجميع إذ كان المتحدث هو كارل.

كان كيني مرتبكًا قليلًا، ليس فقط من الإجابة، ولكن من قائلها أيضًا.

«نعم، أقصد أنني لن أسلم للناس الطعام الذي طلبوه بسرعة، إذا لم تقم أنت بتجهيزه بسرعة. وعندما تتأخر فإنني أواجه ضغطًا كبيرًا.»

فأضافت جولين: «والأمر كذلك بالنسبة إلينا يا كين. فلا يهم مدى ترحيبنا بالزبون إذا استغرق وقت إعداد الطعام عشرين دقيقة أو جاء إليه باردًا. فأنت وخواكين مفتاح النجاح لنا. مثل تريستان تمامًا.»

واستدارت نحو تريستان، مسئول الحسابات والرد على الهاتف وعامل تنظيف الموائد الاحتياطي. وقالت: «عندما نعطي الزبائن الفواتير بسرعة، فهذا يسهل علينا إخراجهم من المكان وإخلاء المناضد لغيرهم من المنتظرين. وعندما تستطيع إجلاس مجموعة من الأفراد تتكون من خمسة عشر فردًا معًا، مع وجود منضدتين فارغتين فقط في قاعة الطعام بكاملها، فإنك تكون بمثابة الساحر.»

حاول تريستان أن يتخلص من حرج هذه المجاملة. فقال: «هناك فيضان من مشاعر الحب في هذه القاعة الآن. والأمر بدأ يُفقدني صوابي.»

فضحك الجميع. كان براين متأكدًا تمامًا أن هذا هو أمتع وقت قضاه هؤلاء طوال فترة عملهم هنا. فقال: «حسنًا، ماذا عن ميجو؟» في هذه اللحظة انفتح الباب الأمامي ودخل أربعة من المتزلجين إلى المكان بحثًا عن العشاء، وكان مظهرهم غير مهندم.

«ميجو، يمكن أن نتحدث أنا وأنت عن ذلك في وقت لاحق. تذكروا جميعًا أنني أريد من كل منكم أن يحافظ على تقييم الليلة. فيجب ألا نتخلى عن ذلك.»

وبهذا توجَّه الجميع إلى أعمالهم.

خطأ

وفي مساء يومَي الخميس والجمعة سار كل شيء على نحو جيد، سواء من ناحية العمل أو تقييم النجاح. ومع ذلك كان بعض العاملين يتفوقون على غيرهم فيما يتعلق بتقييم النجاح، وكان واحد منهم فقط يثير قلق براين.

لم يكن هاريسون يتواجد في المطعم كالآخرين؛ ولذلك كان براين مضطرًّا لأن يعتمد في تقارير تقييمه عليه وحده. والغريب في هذه التقارير أنها كانت تبدو دائمًا متشابهة، ولم يكن يضيف إليها أخبارًا أو نوادر.

في مساء يوم السبت وفي منتصف الوردية تقريبًا، جذب براين هاريسون جانبًا خلال فترة من الهدوء في طلبات التوصيل.

«كيف يجري أمر إرضاء الزبون؟» ومرة أخرى تجنب براين استخدام كلمة «ابتسامات».

ودون التفكير في الأمر أجاب السائق: «جيد. جيد جدًّا.»

«أليس لديك أي ملاحظات؟»

حك هاريسون لحيته. وقال: «حسنًا، ليس كثيرًا. فقط الكثير من الزبائن السعداء. وقد جعلت أحدهم ينفجر في الضحك اليوم.»

«كيف فعلت ذلك؟»

قطب هاريسون جبينه. وقال: «لا أتذكر. أظن أنني قلت شيئًا مضحكًا.»

فاستمر براين في الحديث. وقال: «وماذا عن الإكراميات؟»

«تقريبًا نفس القدر. في الحدود الطبيعية.»

«هذا أمر سيئ جدًّا. فقد ارتفعت الإكراميات التي تحصل عليها كل من باتي وجولين هذا الأسبوع. وكذلك كارل.»

نظر هاريسون بعيدًا. وقال: «نعم. أعتقد أن الأمر يختلف في مسألة توصيل الطلبات إلى المنازل.»

فأخذ براين نفسًا وقرر أن يستمر في الحديث قليلًا. فقال: «أخبرني الحقيقة يا هاريسون. هل تؤمن حقًّا بما قلناه عن مسألة إحداث تغيير في حياة الناس؟»

نظر هاريسون إلى عينَي رئيسه في العمل ليرى مدى جديته، وعندما تأكد من ذلك اعترف بكل شيء، فقال: «في الواقع أنا أعتقد أن الأمر سخيف. أنا عامل توصيل لطلبات البيتزا إلى المنازل، وأقود سيارة شيفروليه إمبالا طراز ١٩٩٢. وأعتقد أنه ما دام الناس يحصلون على طعامهم الذي طلبوه، فإن كل شيء على ما يرام. فهذا ليس بالأمر العسير، ومن المؤكد أنه ليس محور حياتي.»

فأومأ براين برأسه وسأله دون أن يبدو عليه أنه يصدر حكمًا ما: «لماذا تقوم به إذن؟»

فضحك هاريسون. وقال: «لأنني لن أحصل على المال مقابل التزلج على الجليد، ولا أستطيع الحصول على وظيفة في منظمة حماية ممارسي التزلج.»

والآن تغير سلوك براين قليلًا. وقال: «حسنًا يا هاريسون. إليك ما أود قوله. أعرف أن هذا المطعم أو هذه الوظيفة التي تشغلها ليست الأفضل والأكثر إغراءً لك في العالم. لكن إذا كنت ستبقى هنا، وإذا كنت ستصبح جزءًا من هذا العمل، فعليك أن تكون ملتزمًا أمام نفسك وأمام زملائك وزبائنك بالقيام بعملك على أفضل وجه.»

لم يكن هاريسون مقتنعًا بدرجة كبيرة. لذلك غير براين من أسلوبه.

«أنصت. إنني أتفهَّم موقفك تمامًا. وأعرف أن هذا يبدو سخيفًا، وأن هذه الوظيفة ليست إلا وسيلة لكسب بعض المال حتى تستطيع دفع الإيجار والاستمتاع بحياتك أيضًا. ولن أجبرك على الاقتناع بكل ذلك.»

نظر عامل توصيل الطلبات إلى براين مرة أخرى، وأحس بارتياح عندما أيقن أن براين يتفهم ما يقول. حتى أنهى براين حديثه.

«لكنني لن أدعك تعمل هنا إذا لم تقتنع.»

هز هاريسون رأسه قائلًا: «حسنًا. فهمت. سأجتهد أكثر.»

لم يكن براين يعتقد أن هاريسون قد اقتنع تمامًا، لكنه كان يعلم أنه سيستغرق وقتًا لكي يقتنع. ومن هنا قرر أن يمهله أسبوعًا آخر. لكن الأمر لم يستغرق هذه المدة.

مواجهة

كان مساء الخميس مزدحمًا بصورة غير متوقعة. فقد كان المطعم يموج بالحركة، وبدا أن العاملين قد زادت سرعتهم في العمل قليلًا عما كانت عليه قبل بضعة أسابيع.

ثم دق جرس الهاتف. رد تريستان على الهاتف واستمع لبضع لحظات، ثم أعطى السماعة لبراين الذي كان يقف قريبًا من المكان وهو يقول له: «أعتقد أن عليك أن تتعامل مع هذا الأمر يا سيدي.»

وفي الدقائق الخمس التالية كان براين يستمع إلى أحد الزبائن الذي يبدو صوته مألوفًا نوعًا ما وهو يشكو من تأخر طلبه ووصوله باردًا. اعتذر براين وأكد له أن ثمن الطعام سوف يُرد إليه.

ثم سأله إن كان السائق موجودًا بجانبه ليشرح له الأمر.

«لقد رحل منذ خمس دقائق.»

كان براين مندهشًا. فقال: «حقًّا؟ وماذا كان قوله في هذا الأمر؟»

«عندما لم أعطه إكرامية، أخبرني أن هذا ليس خطأه، وأن السبب هو تأخر العاملين في المطبخ. وقال إنني يجب ألا أعاقبه بسبب أخطاء الآخرين، ثم رحل.»

أكد براين للرجل أنه سيرسل إليه كوبونًا للحصول على بيتزا مجانية بالإضافة إلى ثمن الطعام الذي دفعه هذا المساء، وأنه سيبذل ما في وسعه حتى لا يتكرر مثل هذا الأمر. وبعد أن هدأ الزبون أخبر براين أنه لا يريد أن يستعيد ماله ولا أن يحصل على الكوبون، لكنه شكره على الفكرة.

وبعد عشر دقائق رأى براين هاريسون يدخل إلى المطبخ، بعد أن دخل من الباب الخلفي. فناداه براين وطلب أن يتحدث معه على انفراد خارج المبنى.

لم يتردد براين. وقال: «لقد تلقيت حالًا اتصالًا هاتفيًّا من الرجل الذي يقطن في بيريسفورد بليس.»

لم ينتظر هاريسون حتى أن ينهي براين كلامه. وقال له: «لقد كان هذا الرجل أحمق. فقد تم تجهيز الطلب مبكرًا قليلًا فبرد قبل أن آخذه من المطبخ. ثم تعطلت في إحدى إشارات المرور أمام أحد نوادي القمار. لقد كان هذا الرجل يتصرف وكأنها نهاية العالم.»

لم يصدق بريان ما سمعه. فقال: «أنت لا تريد هذه الوظيفة، أليس كذلك؟»

«بلى أريدها. ولكنني لا أريد أن أتعامل مع مثل هؤلاء الناس. إن هذا الرجل يعيش في قصر ذي ثلاثة طوابق ولا يريد أن يدفع لي إكرامية لأن الطعام بارد. ألا يعرف شيئًا اسمه جهاز الميكروويف؟ وهل لديه أدنى فكرة عن قدر المال …»

فأوقف براين هذا التبجح. وقال: «هاريسون أتعرف لماذا يمنح الناس الإكرامية؟» لم ينتظر لكي يحصل على إجابة. فواصل قائلًا: «الخدمة الجيدة! وقد أعطيناه منتجًا رديئًا بأسلوب رديء. هذا الرجل لا يدين لنا بشيء. فأنت محظوظ أنه دفع الحساب!»

«لا أبالي. لقد كان أحمق.»

«حسنًا، عليك أن تعود إلى هناك مرة أخرى، لترد له المال وتعطيه كوبونًا. وأريده أن يتصل بي ليعبر عن امتنانه لتعاملنا مع المشكلة بهذه الطريقة، بحيث يطلب الطعام منا مرتين في الأسبوع طوال حياته.»

هز هاريسون رأسه. وقال: «مستحيل. لم يدفع لي هذا الرجل إكرامية، ولن أعود إليه وأعامله بلطف وكأنه أرقى مني مكانة.»

تنهد براين وحاول جاهدًا المحافظة على هدوئه، بطريقة أبوية نوعًا ما. ثم قال: «إنه ليس أرقى منك مكانة يا هاريسون. إنه مجرد زبون. ومن المحتمل أن لديه عملًا أيضًا، وإذا كنت عميلًا لديه وشكوت من أمر ما، فأغلب الظن أنه سوف يعاملك بنفس الطريقة التي سنعامله بها.»

«لا أعتقد ذلك.»

«حسنًا، حاول أن تكون أفضل منه وحاول أن تكسبه زبونًا في صفنا.»

«متأسف. لا أستطيع القيام بذلك.»

«إذن لا يمكنك أن تعمل هنا.»

اندهش هاريسون للحظات. ثم قال: «رائع. أنا مستقيل.» ثم خلع سترته ونزع قميص جين وجو، وألقاه في اتجاه المبنى. واتجه إلى سيارته وهو عاري الصدر حاملًا سترته على ذراعه، ثم أزال اللافتتين الملصقتين على بابي سيارته وألقاهما على الأرض. وانطلق مسرعًا بسيارته، فأحدثت صوت صرير وهي تخرج من ساحة الانتظار، وهو يخرج يده من النافذة مشيرًا بإصبعه الوسطى.

ومن دهشته لم يستطع براين أن يمنع نفسه من الضحك. ولكن ما لم يكن في الحسبان أنه بعد أقل من ساعة سيكون على وشك البكاء.

البديل

عندما عاد براين إلى المطعم وجد مشكلة صغيرة.

فعندما دخل إلى قاعة الطعام لاحظ الكثير من الحركة حول مائدة ما في ركن من المطعم. وكان ميجو عائدًا إلى طاولة تلقي الطلبات.

«ماذا حدث؟»

«تقيأت طفلة صغيرة على المائدة رقم سبعة كل مكرونة الإسباجتي التي تناولتها. وكنت أسير بالقرب منها عندما حدث ذلك.»

«أخبرني، هل كان ذلك تسممًا غذائيًّا؟»

«لا. لقد قالت الأم إنها تعتقد أنها مصابة بالإنفلونزا.»

فشعر براين بالراحة، لكنه سأل نفسه فجأة لماذا لا يشتري لنفسه منزلًا متنقلًا ويتقاعد بالفعل.

وعندما ذهب إلى الطاولة الأمامية، رأى أن جولين تساعد باتي في التعامل مع الفوضى التي نتجت عن ذلك، بينما كان تريستان يتوجه نحو الحمام.

فسأله براين: «إلى أين تذهب؟»

«أعتقد أنني قد أُصبت بشظية في المعركة.»

بدت على براين الحيرة، فشرح تريستان الأمر. فقال: «لقد تلوث سروالي ببعض القيء.»

لم يتمالك براين نفسه من الضحك. وهنا تلقى اتصالًا من المطبخ من كيني.

قالت: «الطلبان رقم اثنين وعشرين وثلاثة وعشرين جاهزان للتسليم.»

كان من الطبيعي أن يطلب براين من تريستان أن يقوم بذلك. لكنه لم يرد أن يخرجه من قاعة الطعام وسط زحام العمل ويجعله يقوم بتوصيل الطلبات. خاصة بهذا السروال الملوث بالقيء.

لذلك أخذ سترته وتوجه نحو المطبخ. وأخذ البيتزا وكيسين من الطعام، وخرج من الباب الخلفي قائلًا: «أخبري تريستان وميجو أنني سأعود خلال …»، ثم نظر إلى العنوانين المكتوبين على الكيسين، قبل أن يضيف: «خمس عشرة أو عشرين دقيقة.»

ثم جمع اللافتتين الملقاتين في ساحة الانتظار ووضعهما على سيارته الإكسبلورر وقادها مبتعدًا.

صفعة

كان أول الطلبين يخص منزلًا يبعد نصف ميل عن المطعم، في حي من أحياء الطبقة المتوسطة الدنيا بعيدًا عن البحيرة. كان التسليم سريعًا وسهلًا باستثناء ظلام المدخل الأمامي للمنزل وابتلال براين بلعاب كلبه. اتخذ براين قرارًا أن يخبر السيدة الكبيرة التي فتحت الباب أن مزلاج البوابة مكسور، مما يُسهل عملية دخول أي شخص أو خروج هذا الكلب. وكان واضحًا عليها الامتنان الحقيقي من هذا التحذير.

كان الطلب الثاني إلى الشمال من هذا المكان، وكان في مجمع سكني. اتخذ براين منعطفًا خاطئًا فكان عليه أن يتوقف ليسأل عن الاتجاه، ولكنه وجد في النهاية مَن طلبا الطعام، وكانا زوجين شابين. وبعد أن جعلهما يضحكان عندما أعلن أن الطعام الصيني الذي طلباه قد وصل، توجَّه براين إلى السيارة لكي يعود إلى المطعم. لم يكن يشعر بأي إرهاق، وحصل على إجمالي ٥٫٥٠ دولار إكرامية.

وعندما اقترب من مطعم جين وجو، تذكر براين فجأة الكوبون والمبلغ الذي وعد بإعطائه للزبون الذي اتصل به للشكوى. فاتصل بالمطعم وطلب من تريستان العنوان ومقدار الفاتورة، ثم توجَّه جنوبًا نحو الحي السكني الراقي، الواقع في قلب مدينة ساوث ليك تاهو، على بعد نحو أربعة أميال.

لقد وصف هاريسون المكان بالضبط. فالمكان أقرب إلى القصر منه إلى المنزل، وله ثلاث شرفات ضخمة، ومدخل فخم يطل على ممر سيارات دائري مرصوف بالقرميد. توجَّه براين بسيارته نحو الباب الأمامي وخرج منها، وترك المحرك يعمل.

وبعد أن دق جرس الباب، نظر إلى لافتتَي جين وجو على باب السيارة وسأل نفسه: «ماذا أفعل هنا؟» وضحك.

ثم سمع قفل الباب ينفتح خلفه، فاستدار ليرى سيدة في الخمسينيات من العمر ترتدي ملابس أنيقة، تفتح الباب.

وقبل أن تقول شيئًا شرح براين الموقف. فقال: «مرحبًا. أنا من مطعم جين وجو. وقد ارتكبنا خطأ في الطلب الذي طلبتموه مبكرًا في هذا المساء، وأنا هنا لكي أرد لكم المال وأعطيكم كوبونًا لبيتزا مجانية.»

وقبل أن ترد على عرض براين، استدارت المرأة ونادت على شخص ما في حجرة أخرى. فقالت: «وايلي، إنه عامل توصيل الطلبات من مطعم البيتزا.» ثم استدارت نحو براين وقالت: «سيتولى زوجي هذا الأمر. شكرًا.»

وبعد بضع لحظات انفتح الباب باتساع أكبر وخرج منه رجل المنزل. وقال: «مرحبًا، شكرًا على قيامك بذلك، لكن لم يكن هناك داعٍ لذلك حقًّا. لقد أخبرت الرجل الذي تحدَّث معي على الهاتف …»

فقاطعه براين بأدب: «نعم. إنه أنا. لقد أردت أن أقول إننا متأسفون، وأن …»

فقاطعه الزبون. فقال: «معذرة، ألديك أخ؟»

فشعر براين بأنه أُخذ على حين غرَّة. فقال: «لدي ثلاثة في الواقع.»

«أنت تشبه تمامًا شخصًا يدعى براين بايلي. لا بد أنك أخوه.»

ثم أدرك براين الأمر فجأة. إن الرجل الذي ينظر إليه الآن هو وايلي نولان، أحد المحامين الذين تولوا قضية متعلقة بالمسئولية القانونية عن الضرر الناتج عن المنتجات المعيبة في شركة جيه إم جيه بعد تعرُّض سمعة الشركة لهزة عنيفة منذ بضع سنوات.

فابتسم براين. وقال: «لا. أنا لست أخوه. أنا هو.»

استغرق الأمر لحظة لكي يستوعب وايلي ما كان يسمعه. فقال: «براين؟» واستدار إلى زوجته التي لا تزال تقف بجانبه وقال لها: «عزيزتي، إنه الرئيس التنفيذي لشركة الأجهزة الرياضية التي دافعنا عنها منذ سنوات. ما الذي جعلك تعمل في توصيل البيتزا إلى المنازل؟»

حاول براين جاهدًا ألا يظهر عليه الحرج. لكنه كان في الواقع مُحرجًا جدًّا. فقال: «حسنًا، إنها قصة يطول شرحها، لكن الخلاصة هي أنني بعت الشركة وتقاعدت ثم شاركت في مطعم صغير، لمجرد أن أظل منشغلًا. إنه مجرد مشروع بالنسبة إليَّ.»

«رائع.» كان رد فعل وايلي يمتلئ بالحماسة، وشعر براين بنوع من التفضل في كلامه.

ثم انضمت زوجة وايلي إلى الحوار. وقالت: «أراهن على أنك تستمتع بذلك.»

«في الواقع، أنا أقضي وقتًا رائعًا. وأتعلم الكثير.» أراد براين أن يغير الموضوع. فقال: «ألا تزال على اتصال مع ريك سيمبسون؟»

كان براين يدعو الله أن يقول وايلي: لا. ولكنه لم يفعل.

«بالتأكيد لا نزال على اتصال. في الواقع لقد تناولنا الغداء معًا منذ بضعة أشهر، ومن المفترض أن أتصل به.»

رغب براين بشدة في أن يخرج من هذا المكان. فقال: «حسنًا، لا بد أن أعود إلى المطعم. من الرائع أن أراك يا وايلي»، ثم قال وهو يستدير نحو زوجته: «وأنت أيضًا.»

«أنا شيرلي.»

«حسنًا يا شيرلي. أنا وزوجتي نعيش في منطقة بالقرب من إيفرجرين تيراس. لا بد أن نلتقي قريبًا.»

«سيكون ذلك رائعًا. إن هذا المنزل هو الذي نقضي فيه العطلة، لكننا نأتي إلى هنا مرة كل شهر على الأقل. اتصل بنا.» كان براين متأكدًا أنها لا تعني ما تقول.

وعندما أُغلق الباب، عاد براين إلى سيارته وخرج من الممر، وذهب بعيدًا في الطريق حتى ابتعد عن الأنظار. ثم توقف وأسند جبهته على عجلة القيادة. وتمتم في نفسه قائلًا: «ما الذي أفعله بنفسي؟»

مواساة

وفي نهاية اليوم وبعد أن أغلق المطعم وهدأ براين قليلًا، ذهب إلى منزله وأوضح حالته النفسية لليزلي.

«لم يكن الأمر أنني شعرت بالإهانة. لكن أنهما توقعا أن أشعر بالإهانة. ولم أستطع أن أشرح لهما ما أفعل، ولماذا.»

«ولِمَ لا؟»

«لا أعرف. أعتقد أنني لم أكن متأكدًا أنهما سيتفهمان الأمر. ولماذا أهتم بتفهمهما للأمر؟ أعتقد أن جزءًا صغيرًا مني يستمتع ببساطة مطعم جين وجو ومن يعملون فيه.»

كانت ليزلي تستمع فقط.

«ثم ذهبتُ إلى هذين الشخصين، اللذين ذكَّراني فجأة بحياتي السابقة. وهي حياة بلا فتيات تتقيأ مكرونة الإسباجيتي، وبلا أولاد تحت السن القانونية يطلبون الجعة ويستخدمون بطاقات هوية مزيفة، أو رجل دون قميص يشيح لي بيده.»

«من أشاح بيده في وجهك؟»

«هاريسون، عامل توصيل الطلبات إلى المنازل، لكن هذا موضوع آخر. على أي حال، أعتقد أنني قد أُخذت على حين غرة هذا المساء.»

سكت للحظة ليستجمع نفسه، ثم أضاف: «ولا بد أن أعترف أنني لم أكن مسرورًا عندما علمت حقيقة أن وايلي نولان يعرف ريك سيمبسون. فهذا لن يكون حوارًا مسلِّيًا على الإطلاق بالنسبة إليَّ.»

لم تتمالك ليزلي نفسها الآن. وقالت: «حسنًا، دعني أتحدث مع هذا الرجل المدعو ريك سيمبسون؛ لأنني سأقول له كل ما يجول في بالي. ما زلت لا أعرف لماذا تصر على أن تتحدث مع هذا الشخص.»

فضحك براين.

فسألت: «ما المضحك في الأمر؟»

«إنك تتحدثين وكأنك أمي. وكأني طالب في السنة الخامسة يتنمر عليَّ أحد الأشقياء في المدرسة.»

فضحك كلاهما وسكتا لبرهة من الزمن.

ثم قال براين: «أعتقد أنني متأثر قليلًا بما حدث اليوم. أنا في أحسن حال. هذا بالإضافة إلى أن لدي مشكلات تقلقني، وهي أكبر من ريك سيمبسون. يجب أن أبحث عن عامل توصيل طلبات بيتزا إلى المنازل.»

ثم ابتسم وشرح أزمته مع هاريسون. كانت ليزلي تتمعن في كل كلمة يقولها. وفي النهاية شعرا بالتعب مع قليل من الإثارة من الطريقة غير المتوقعة التي يعيشان بها حياتهما، ثم خلدا إلى النوم.

ازدحام مساء الجمعة

مع أن براين كان ينقصه عامل توصيل الطلبات، فقد ذهب إلى العمل في حالة مزاجية جيدة في اليوم الذي تلا ما حدث مع هاريسون. بل كان عازمًا على العودة إلى هناك والقيام بتوصيل الطلبات إذا كان هذا هو المطلوب. لقد كان براين في مهمة وما كان ليدع أمرًا بسيطًا كالكبرياء أو الاعتداد بالنفس يثنيه عن إتمامها.

بدأ مساء الجمعة بالكثير من العمل، وكان يبدو أنه سيستمر على هذا النحو. واقتسم براين مع تريستان مسئولية توصيل الطلبات إلى المنازل، وكانا مسرورين لأن عدد الطلبات قد تناقص في وقت مبكر نسبيًّا. لكن قاعة الطعام كان لها شأن آخر.

كان يبدو أن جولين وباتي تعدوان بأقصى سرعة ذهابًا وإيابًا من وإلى المطبخ طوال المساء، وكان ميجو وتريستان يساعدانهما متى استطاعا ذلك. وفي الساعة الثامنة، وهو عادةً الوقت الذي يهدأ فيه إيقاع العمل، كان المكان لا يزال مكتظًّا. لكن كان براين قد اعتاد تأرجح مستوى العمل في مطعم جين وجو. وقد انتهى الزحام بنفس السرعة التي بدأ بها.

وفي حوالي ٨:٥٥ دفع الجالسون على آخر مائدة مشغولة حسابهم وخرجوا من المطعم. وبعد أن أغلقوا الباب خلفهم، كان واضحًا أن كل العاملين تنفسوا الصعداء ثم جلسوا. راجع براين الفواتير واكتشف أن اليوم كان رائعًا بالنسبة إلى المطعم. وكان يود أن يخبر جو.

ثم حدث شيء كان بمنزلة امتحان لبراين وطاقم العمل. فقد هتف خواكين من الخلف، قائلًا:

«الحافلة! الحافلة!»

وعند ذلك بدأ التفاعل المتسلسل. بدأ ميجو وتريستان في قلب المقاعد. وأطفأ كارل الأنوار. أما باتي وجولين فقامتا برفع آخر الأطباق من الموائد القريبة من الباب.

توقفت الحافلة قريبًا من المطعم، لكن العاملين كانوا مختبئين في الأركان. كان براين يشعر بقلقهم، بل كان يتعاطف معهم قليلًا. لكنه كان يعرف أن هذه لحظة حاسمة.

وعندما خرج أحد الآباء من الحافلة، حبس العاملون جميعًا أنفاسهم. وهنا تحرك براين.

في البداية أضاء أنوار قاعة الطعام، مما أصاب العاملين بالهلع. ثم ذهب إلى الباب وفتحه، ولوَّح بيده لمشجعي كرة السلة الجياع الذين يملئون الحافلة.

وعندما عاد إلى قاعة الطعام، لم يقدر العاملون على نطق أي كلمة. فتكلم براين قائلًا:

«هيا جميعًا، لدينا حافلة مليئة بالزبائن الجائعين في الخارج. وإذا كان حدسي صائبًا، فقد خسروا المباراة التي كانوا يلعبونها اليوم ويحتاجون لبعض اللطف. أعلم أن الوقت متأخر، لكن هذا عملنا. لهذا دعونا نستفد بأقصى قدر من ذلك، ونحظى ببعض المتعة.»

وببطء، خرج العاملون من مخابئهم لكي يجهزوا المكان لاستقبال الزبائن الذين سيملئون قاعة الطعام. ومع أنهم لم يكونوا متحمسين في البداية، فإنهم بمجرد أن بدأ الزبائن في الدخول تغيرت حالتهم المزاجية. وخلال عشر دقائق كانت قاعة الطعام تموج بالحركة كما كانت قبل ساعة، واستعاد العاملون حماسهم مرة أخرى. وشعر براين بالراحة. وبالفخر.

وفي حوالي الساعة ١٠:١٥ رحل آخر مشجعي فريق مدرسة ليك فيو الثانوية من المطعم، واستغرق العمل بعد ذلك ثلاثين دقيقة قبل غلق المكان. وهنا خطرت ببال براين فكرة.

أراد أن يفعل شيئًا ليُظهر تقديره للعاملين معه، مع أن مشاعر الاستياء التي شعروا به تجاهه في السابق قد تلاشت. فذهب إلى المطبخ، وجمع كل الطعام الإضافي — بيتزا وكمية من المكرونة الصغيرة مع صلصة اللحم تكفي خمس وجبات — ثم تركهم قائلًا: «سأعود حالًا.» لم يكن أيٌّ منهم يعرف أين سيذهب، أو لماذا أخذ معه هذا الطعام.

بعد عشرين دقيقة عاد براين وفي يديه نوعان مختلفان من الأكياس. وذهب إلى إحدى الموائد الموجودة في قاعة الطعام، ثم شرع في فتح الأكياس.

فسألته جولين: «ماذا لديك؟»

فأجابها براين في هدوء: «طعام.»

بدأ طاقم قاعة الطعام في الاقتراب واحدًا تلو الآخر. ثم قال براين لتريستان: «اذهب وأحضر الشباب من المطبخ.» وخلال دقائق حضر الجميع، وأخذوا يراقبون براين وهو يفتح الأكياس ويُخرج منها طعامًا مكسيكيًّا وصينيًّا يكفي عشرة أشخاص على الأقل.

بدا هؤلاء العاملون الذين ظلوا غارقين في عمل البيتزا والمكرونة طوال الساعات الست السابقة وكأنهم لم يتناولوا الطعام منذ أسابيع.

سأل ميجو: «من أين أتيت بكل ذلك؟»

«لقد ذهبت إلى مطعمَي ماندرين بالاس وبابليتوس وقايضتهما بعضًا مما نقدمه هنا مقابل هذا. وقد سعدا بذلك.» كان براين يعلم أن تناول الطعام الإيطالي — خاصة الطعام الذي يقدمونه كل ليلة — لن يكون ممتعًا للعاملين. وقدَّر — وكان تقديره صحيحًا — أن الأمر نفسه ينطبق على العاملين في المطاعم الأخرى.

ولمدة خمس وأربعين دقيقة كان براين والعاملون يتناولون خليطًا عجيبًا من الطعام أطلقوا عليه طعامًا «مكسيكيًّا صينيًّا». وبعد أن استأذنوا مديرهم، تناولوا بعض الجعة والنبيذ على حساب المطعم، وكان براين حريصًا على ألا يتناولوا كمية تعوق قدرتهم على القيادة.

تنوع الحوار أثناء تناول العشاء بين الحديث عن الزبائن الذين حضروا هذا المساء، وموضوع ترك هاريسون للعمل، وحاجتهم إلى أنواع مختلفة من الجعة في المطعم. وتحدث كل منهم عن تجربته في العمل في مطاعم أخرى، وربما كان ذلك بسبب الطعام الذي جلبوه من مطاعم أخرى.

كان براين مهتمًّا بحوارهم لعدة أسباب. أولًا، أنه على الرغم من أن معظمهم بدا أنهم كانوا تعساء في المطاعم السابقة، فإنهم قرروا الاستمرار في العمل في هذه الحرفة.

ثانيًا — وهو الأهم لبراين — أنها المرة الأولى التي رآهم فيها يتحدثون عن حياتهم خارج مطعم جين وجو. فباستثناء بعض الملاحظات العفوية عن صديقة أو مشكلة في السيارة أو فيلم شاهده أحدهم، لم يكن العاملون يتحدثون عن أنفسهم إلا قليلًا، وكانوا يتحاشون الأمور الشخصية.

وأحس براين أن هذا يسهم بطريقة أو بأخرى في عدم شعورهم بالرضا في وظائفهم، مع أنه لم يكن على يقين من ذلك. وعزم على أن يكتشف كيف يحدث ذلك.

احتفال بمرور شهرين

في مساء يوم الاثنين كان قد مر على عمل براين في مطعم جين وجو شهران، واحتفالًا بهذه المناسبة الغريبة، اصطحبت ليزلي زوجها للعشاء. وقررت بسرعة ألا يكون العشاء إيطاليًّا، فاقترحت مطعمًا تايلانديًّا في جانب كاليفورنيا من ساوث ليك تاهو.

تعهد براين ألا يتكلم عن العمل، وذكَّر ذلك ليزلي بحوارهما في نابا. فقالت: «يا إلهي، منذ ستة أشهر كنا في ترا فينيه نتحدث عن تقاعدك عن العمل أثناء تناولنا العشاء.»

«هل كان ذلك منذ ستة أشهر فقط؟»

ابتسمت ليزلي. وقالت: «نعم. ولو أخبرتني ساعتها أننا سنكون هنا الليلة نحتفل بمرور شهرين على إدارتك لمطعم إيطالي رث المظهر نوعًا ما، لبكيت أكثر مما بكيت يومها.»

ثم ضحكا.

«متأسف يا ليز. أخشى ألا أكون لطيفًا للدرجة التي ترجوها أي زوجة.»

«كف عن ذلك. أنت في حد ذاتك مغامرة، وما كنت لأتخلى عن ذلك مقابل أي شيء.»

وقضيا معظم وقت العشاء يتحدثان عن أولادهما والمنزل ومغامرتهما التالية على الزلاجات الآلية. وفي النهاية كانت ليزلي هي من تطرَّق إلى موضوع العمل.

«حسنًا، كيف تسير الأمور في المطعم؟»

«على ما يرام، ارتفع الإيراد. وارتفعت الإكراميات. وأعتقد أن هذا الشهر سيكون عظيمًا.»

فابتسمت ليزلي. وقالت: «لا. أقصد كيف حال تجربة التعاسة في العمل التي تجريها؟»

فكر براين في الأمر لدقيقة. ثم قال: «حسنًا، تبين لي أنني في منتصف الطريق نحو اكتشاف الأمر.»

«أتعني أنك في منتصف الطريق بالنسبة إلى الوقت؟»

«لا. لست متأكدًا من المدة التي سأستغرقها. ولكنني أعني منتصف الطريق للخروج بنظرية.»

«أعتقد أنك قد قلت من قبل إنهم صاروا يحبون عملهم أكثر.»

«نعم، أعتقد ذلك فعلًا. لكن لا أعرف إلى متى سيظلون هكذا، ولا أعرف إذا كان ذلك بسبب أن لديهم مديرًا جديدًا أم ماذا. لكن كل ما أعرفه أن هذا ما يحدث دائمًا عندما يأتي شخص جديد إلى المكان.»

هزت ليزلي رأسها. وقالت: «كف عن هذا. هل تعني أنك إذا ذهبت إلى هناك، وتصرفت بحماقة، فسوف يحبون عملهم أكثر؟ أنت أذكى من ذلك. لا تدَّعِ أنك لا تصنع فارقًا.»

«حسنًا. حسنًا. لكنني أخشى بحق ألا يكون هذا التغيير مستديمًا. وأعتقد أننا ما زال ينقصنا شيء ما، وإن لم أتوصل إليه قبل أن أضطر إلى خفض أجورهم إلى ما كانت عليه يوم السبت المقبل، فقد تنتهي فرصتي لإثبات نظريتي.»

«لمَ لا تخبرني بنظريتك؟»

أخذ براين نفسًا، وابتسم. وقال: «ظننت أنكِ لن تطلبي ذلك قط.»

غياب التقييم الذاتي

بعد أن تناول الزوجان طبق الحلو، دخل براين في صلب الموضوع.

«حسنًا، أريد أن تستوقفيني إذا رأيتِ أن فيما أقوله شيئًا خاطئًا. لأنني أريد حقًّا أن أتأكد من أن نظريتي تبدو منطقية.»

رفعت ليزلي يدها وكأنها تقول: «أعدك بذلك.»

بدأ براين حديثه قائلًا: «أشعر أن الجزء الأول من نظريتي جيد. وهو في جوهره يقول إن أي وظيفة سوف تسبب التعاسة في ظل غياب التقييم الذاتي.»

قطبت ليزلي جبينها. وقالت: «من أين جئت بهذا الجزء؟»

«حسنًا، علمني جدي ذلك عندما كنت صغيرًا وقد طبَّقته في كل وظيفة إدارية قمت بها.»

تناولت ليزلي ملعقة من الأيس كريم، ولكنها أشارت إلى زوجها لكي يستمر في حديثه. فأضاف براين قائلًا: «كان يقول لي: إذا لم تستطع تقييم عملك، فستفقد اهتمامك به. وأظن أنه كان على صواب.»

ابتلعت ليزلي ما تأكله، وسألت أول سؤال لها: «وما العلاقة بين هذا وذاك؟»

«حسنًا، إذا لم يستطع الشخص أن يعرف ما إذا كان يقوم بعمل جيد أم لا، فسيصاب بالإحباط حتى لو كان يمارس عملًا يحبه. تخيلي أن تلعبي مباراة كرة قدم دون معرفة النتيجة. أو أن تكوني من المضاربين في البورصة ولا تعلمين إن كان سعر السهم قد انخفض أم ارتفع بعد أن قمتِ بشرائه.»

«هل يحدث ذلك بالفعل؟»

«حسنًا، ليس في هذه المواقف. ولكن في معظم الأعمال يحدث ذلك طوال الوقت.»

«أعطني مثالًا.» كانت ليزلي أكثر إلحاحًا من المعتاد بسبب العهد الذي قطعته على نفسها.

«حسنًا.» ثم فكر في الأمر. وقال: «دعينا نقل إن لين ستقضي فترة تدريبها في الفندق الذي يقع في ساوث ليك تاهو، وأنهم منحوها وظيفة في مكتب الاستقبال.»

أعجبت ليزلي بالأمر. فقالت: «استمر.»

«كل يوم تتوجه إلى العمل وتتولى تسجيل وصول النزلاء الجدد إلى الفندق، وتسليمهم مفاتيح الغرف، وتتسلم منهم بطاقات الائتمان، وتسجل مغادرة نزلاء آخرين. أناس يصلون وأناس يغادرون. سيكون الأمر جيدًا لأيام أو لأسابيع ما دامت تتعلم شيئًا جديدًا. ولكن بعد فترة سيصبح الأمر روتينيًّا بالنسبة إليها. إنها حلقة مفرغة. وليس هناك إحساس بالتقدم.»

«الأمر أشبه بمهام الأم. غسيل، وتنظيف أطباق، وتنظيم المنزل.»

«نعم. لكن لا يتعلق الأمر بالرتابة فقط. بل أيضًا بعدم وجود تقييم لأدائها.»

«وهذه هي المشكلة التي تواجه الأمهات في بعض الأحيان. أنها لا تحصل على تقييم لأدائها.»

كان براين يهز رأسه بالموافقة الآن. وقال: «نعم. يجب أن أكون أكثر وضوحًا الآن. فأنا لم أقصد تقييم الأداء من شخص ما كأن يقال: «أحسنت صنعًا.» فهذا شيء آخر. إنني أتحدث عن دليل موضوعي تعرف عن طريقه إذا كنت تقوم بأمر ما على الوجه المطلوب. حتى الوظائف التي يُفترض أنها ممتعة تصبح قديمة بمرور الوقت عندما لا تكون هناك طريقة لقياس مقدار التقدم.»

«أعتقد أنني في حاجة إلى مثال آخر.»

نظر براين إلى الأرض وهو يفكر. ثم قال: «حسنًا، فكري في هوليوود. ألم تتساءلي يومًا لماذا يكره العاملون في مجال صناعة الأفلام أعمالهم؟»

«ماذا تقصد؟ أظن أن الجميع يريدون العمل في هوليوود، أليس هذا هو الوضع؟»

«هل قابلتِ من قبل واحدًا من العاملين في هذا المجال؟»

فكرت ليزلي في الأمر وهزت رأسها بالنفي. وقالت: «هل قابلتَ أنت؟»

«بالطبع. ألا تذكرين هنتر نوكس؟ لقد كان في نفس الصف معي في المدرسة الثانوية. وهو الآن محرر أفلام ناجح في عمله. إنه يقوم بعمل أفلام طويلة. وقد تحدثت معه في إحدى حفلات لقاء الخريجين في المدرسة منذ عامين، وأخبرني أن العمل هناك فظيع. وأن الجميع يشكون منه.»

«هل أخبرك عن السبب؟»

«نعم. قال إن الأمر ذاتي إلى حدٍّ بعيد. كل شيء يعتمد على رأي شخص ما، ومعظم هذه الآراء لا يستند إلى المعرفة. وليس هناك شعور حقيقي بالتقدم أو بتحقيق إنجاز.»

قطبت ليزلي حاجبيها. وقالت: «ماذا عن إيرادات شباك التذاكر أو تقييم مشاهدي التلفزيون أو جوائز الأوسكار؟»

هز براين رأسه. وقال: «لقد سألته السؤال نفسه وقال لي إنك لا تعرف تقييم المشاهدين أو حجم مبيعات التذاكر إلا بعد شهور وشهور من انتهائك من العمل. وتستغرق الجوائز وقتًا أطول، وهي حتى تعتمد على آراء شخصية بحتة.»

«حسنًا هذا يشرح بالطبع الاختيارات العجيبة للأعمال التي تحصل على جوائز الأوسكار وجوائز الإيمي.»

«ولكن لننحِّ موضوع هوليوود جانبًا للحظة؛ لأنني لا أتحدث عن مجال عمل بعينه. فسواء أكنت طبيبًا أم محاميًا أم حارسًا أم مقدم برنامج مسابقات، إذا كنت لا تشعر بتحقيقك إنجازًا ملموسًا يوميًّا، فسوف تعود إلى المنزل في ذلك اليوم وتتساءل إذا كنت قد فعلت في يومك شيئًا ذا شأن.»

بدأت الأمور تتضح لليزلي. فقالت: «عندما كنت أعمل بالتدريس، كنت أحب أيام الامتحانات. وكنت أستمتع بتصحيح الامتحانات والأوراق بعد أن آخذها إلى المنزل، مع أن معظم المدرسين يكرهون ذلك؛ لأنني كنت أحب أن أعرف ما إذا كان الأطفال يتعلمون ما أدرِّسه لهم أم لا.»

«هذا صحيح. وإلا فكيف يعرف المدرسون مدى نجاحهم؟»

لفت ليزلي عينيها. ثم قالت: «كان بعضهم يقولون إنهم ما داموا يجتهدون في عملهم ويهتمون بالأطفال، فإنهم يحسنون أداء عملهم.»

«أراهن على أن أفضل المعلمين لم يكونوا يقولون مثل هذا الكلام.»

فكرت ليزلي في الأمر. ثم قالت: «لا. كان المعلمون السيئون هم عادة من يقولون ذلك. فلمَ هذا؟»

«لأن من يفتقرون إلى المهارة في عملهم لا يرغبون في التقييم؛ لأنهم يصبحون عندئذٍ عرضة للمحاسبة. يحب الموظفون المجدُّون هذا النوع من المحاسبة. ويتوقون إليه. أما الكسالى فيهربون منه.»

«هل كان الموظفون في شركة جيه إم جيه يقومون بقدر كبير من هذا التقييم؟»

ضحك براين. وقال: «بالطبع، لكنهم لم يكونوا يقيسون كل شيء. فلم نكن نريدهم أن يضعوا مجموعة من أنظمة مراقبة الأداء البيروقراطية لتقييم جميع الأنشطة الصغيرة. هل أخبرتك من قبل عن شهادة الأيزو ٩٠٠٠؟»

هزت ليزلي رأسها. وسألت: «ماذا عنها؟»

«لا عليكِ. إنها قصة طويلة تبعث على الملل، وقد كانت إهدارًا للوقت لأنها كانت تقييمًا بغرض التقييم فحسب. لقد كان مفتاح النجاح في جيه إم جيه دائمًا هو اختيار المعايير الصحيحة للتقييم. فإذا أخطأت اختيار معايير التقييم، فسيفقد الناس حماسهم.»

«وكيف تعرف المعايير الصحيحة؟»

فابتسم. ثم قال: «أعتقد أنني اكتشفت ذلك الأسبوع الماضي.»

إحساس الفرد بتضاؤل دوره

كان براين يزداد حماسًا الآن. فقال: «وثاني الأسباب التي تؤدي إلى التعاسة في العمل هو إحساس الفرد بتضاؤل دوره؛ الشعور بأن ما يفعله ليس له أي تأثير على حياة الآخرين.»

«ما علاقة ذلك بالتقييم؟»

«سأوضح ذلك بعد قليل. أولًا دعيني أشرح لك ما أقصده بدور الفرد.»

لم تفسح له ليزلي المجال. فقالت: «تقصد أنه اهتمام الطبيب بالمرضى، أو مساعدة رجل المطافئ الناس في إنقاذ قططهم من على الشجر.»

أومأ براين برأسه على مضض. لكنه قال: «هذه بعض الأدوار الواضحة.» هنا أراد أن يقلب الطاولة عليها ويسألها هو. «ولكن ماذا عن بقية الوظائف؟ الوظائف غير الجذابة؟ بائع السيارات. ومبرمج النظم. وموظف الاستقبال …»

فقاطعته وهي تبتسم. وقالت: «ومدير المطعم.»

فضحك براين قائلًا: «تبًّا! كيف يؤثرون إذن في حياة الآخرين؟»

فكرت ليزلي في الأمر ثم أجابت وكأنها تخضع لامتحان. ثم قالت: «حسنًا، مهمة مساعد المعلم أن يساعد في تعليم التلاميذ. ومدير المطعم يساعد الناس في الحصول على طعامهم من أجل …»

فقاطعها براين. وقال: «لا، لا، لا. أنا لا أبحث عن إجابة محددة. لأنها غير موجودة. فالأمر يعتمد حقًّا على الموقف وعلى الوظيفة، وعلى الشخص نفسه أكثر من أي شيء آخر.»

«حسنًا، لقد اختلط الأمر عليَّ.»

«نعم، وأنا أيضًا اختلط عليَّ الأمر. لنعد مرة أخرى إلى القواعد الأساسية. كل شخص يعمل يجب أن يرى أهمية ما يفعله في حياة شخص آخر. ولا أقصد بذلك الحصول على الراتب الشهري فحسب. إنما أتحدث عن العمل الفعلي الذي يقوم به. ولا بد بطريقة ما أن يكون لعمله أثر في حياة شخص آخر.»

استمعت ليزلي لما يقوله براين بعناية، وهي تهز رأسها بالموافقة، ولكن يعلو وجهها تعبير ينمُّ عن الحيرة والإحباط نوعًا ما.

سألها: «ما خطبك؟»

«ماذا تعني؟»

«أعني أن على وجهك تعبيرًا ما. ألا يبدو ما أقوله منطقيًّا؟»

فترددت للحظة. وقالت: «لا لا. إنه منطقي تمامًا.» ثم جفلت. وقالت: «إن الأمر مجرد … لا أعرف. لا تُسئ فهمي.»

«لا، لن أفعل. تفضلي.»

«حسنًا، أليس ما تقوله هذا — إلى حد ما — واضحًا؟»

اندهشت ليزلي من أن براين لم يشعر بأي قدر من الضيق من هذا التعليق. بل ازداد حماسًا. وقال: «بالتأكيد! إن الأمر غاية في الوضوح.»

فضحكت ليزلي على زوجها الغريب الأطوار. وقالت: «لماذا تشعر بهذا القدر من الحماس؟»

«لأنه على الرغم من وضوح ذلك، لا يقوم به أي شخص! إن الأمر واضح بدرجة كبيرة، ومع ذلك لا يحاول أيٌّ من المديرين مساعدة موظفيه في إدراك أن أعمالهم مهمة لشخص ما!»

والآن قررت ليزلي أن تعقد الأمر. فقالت: «أليست تلك مسئولية الموظفين ويجب عليهم معرفتها بأنفسهم؟»

اتسعت عينا براين. وبدا عليه الإنكار. ثم قال: «بالطبع لا، هذه مسئولية المدير.»

«لا أدري.» لقد كانت ليزلي تقوم بأفضل ما تعرفه من تمثيل وهي تقول: «يبدو لي أنه إذا لم يستطع الموظفون القيام بذلك بأنفسهم، فربما كانوا لا يستحقون أن يحصلوا على هذا العمل في المقام الأول.»

لم يدرِ براين كيف يجيب عن ما قالته. لكن تعبير وجهه كان يقول: «من هذه السيدة المرعبة؟» وفي النهاية تكلم بنبرة يبدو فيها الإحباط وشيء من النقد. فقال: «يا ليزلي، إذا كان للمديرين أي مسئولية في هذه الحياة، فهي مساعدة مرءوسيهم في إدراك السبب وراء أهمية عملهم. فإذا لم يعرف المديرون أن هذا دورهم، «فهم» الذين لا يستحقون وظائفهم. ألا تعتقدين أن كل شخص يستحق أن يعرف مدى الفارق الذي يُحدثه في …»

بدأت ليزلي في الضحك، فتوقف براين عن مواصلة خطبته. وسألها: «ما المضحك في ذلك؟»

قالت ليزلي وهي لا تزال تضحك: «معذرة. لقد كنت أمازحك فحسب. كنت أحاول أن أكون فظة.»

استغرق الأمر لحظة لكي يستوعب براين ما حدث. ثم قال: «أوه. حسنًا.» ثم ابتسم لزوجته قائلًا: «إذن هل يبدو ما أقوله منطقيًّا؟»

«بالطبع يبدو منطقيًّا. لا جدال في ذلك. كل ما في الأمر أنني لا أفهم لماذا لا يفعل ذلك كل المديرين في العالم.»

«حسنًا، هذا سؤال جيد. وله بضع إجابات ممكنة.» كان براين قد فكر بالتأكيد في هذا الموضوع. فقال: «بعضهم لا يعتقدون أن وظائفهم أو وظائف مرءوسيهم ذات أهمية. إنهم ينظرون إلى أعمالهم كما كان آباؤهم وأجدادهم ينظرون إلى أعمالهم. فهم لا يعرفون غير ذلك.»

كانت ليزلي تدرك ذلك. وقالت: «وماذا أيضًا؟»

«قد يبدو ذلك غريبًا، لكنني أعتقد أن الكثير من المديرين يشعرون بالحرج من الحديث مع مرءوسيهم بهذه الطريقة. فالأمر يبدو مبتذلًا أو سخيفًا، أو ربما به شيء من الاستخفاف بعقول الآخرين، عندما يُطلب منهم الجلوس مع أشخاص ناضجين ليشرحوا لهم كيف يُحدثون تغييرًا ملموسًا في حياة الآخرين.»

كانت ليزلي تفكر في أمر ما. وقالت: «أتعرف أنه حتى عندما كنت أمارس مهنة التدريس وعندما كنت أعمل في الكنيسة متطوعة، لم يتحدث أي شخص معنا عن هذا الأمر. كنا نفهمه ضمنًا، ولم نناقشه قط جديًّا. ولا أظن في الواقع أن الآخرين كانوا يرون أنهم يُحدثون فارقًا.»

ثم فكرت في الموقف للحظة. وقالت: «ولا أصدق أنني سأقول ذلك، لكنني لست متأكدة من أن الرضا الوظيفي في المدرسة أو في الكنيسة كان أعلى بكثير من مطعم البيتزا الذي يخصك.»

فانتفض براين من مقعده في تلك اللحظة. وقال: «هذا أمر مذهل. لاعبو كرة القدم المحترفون والفنانون والرؤساء التنفيذيون ورجال السياسة. كل الناس يعتقدون أن هؤلاء يحبون وظائفهم، لكنهم سيكونون تعساء كغيرهم إذا لم يكن لديهم شعور حقيقي بالفارق الذي يصنعه عملهم في حياة الآخرين. وأعتقد — من خلال علاقاتي ببعض العاملين في تلك المجالات — أن معظمهم يفتقر إلى هذا الشعور. إنني أرى الكثير من التعاسة في هذا العالم.»

«هل من شيء آخر؟»

شرد ذهن براين. فسأل: «ماذا تعنين بشيء آخر؟»

«هل هناك أسباب أخرى تجعل المديرين لا يقومون بذلك؟»

«أوه، نعم. أعتقد أن هناك سببًا آخر، وهو أمر دقيق. أعتقد أن المديرين يخافون أو يخجلون عادة من الاعتراف لمرءوسيهم أنهم أول الأشخاص الذين يظهر في حياتهم هذا التغيير بدرجة كبيرة.»

تحيرت ليزلي. وقالت: «حياة من؟ حياة المدير؟»

«بالطبع. فإن بعض الموظفين يُحدثون تغييرًا واضحًا في حياة المديرين. لكن المديرين لا يرغبون في الاعتراف بهذا؛ لأن ذلك يجعلهم يشعرون بالأنانية أو بالزهو. لذلك يتظاهرون بأن ذلك ليس صحيحًا، ومن الغريب أن هذا بدوره يجعل المرءوسين يتساءلون عما إذا كان عملهم مهمًّا.»

فجأة تذكرت ليزلي شيئًا. فقالت: «هذا ما حدث في العام الأول لي في العمل مساعدة تدريس. كانت إيما رايلي دائمًا تقول لي إن عملي هو مساعدة التلاميذ. ثم تشعر بالذنب عندما تطلب مني أن أقوم بأشياء كثيرة من أجلها، وكنت أنا أشعر بالذنب عندما لا أتعامل مع التلاميذ مباشرة. وفي الواقع لو أنها قالت لي: «عندما تساعدينني، فهذا يسمح لي بأن أساعد التلاميذ بصورة أفضل، وأن هذا الأمر يؤثر تأثيرًا كبيرًا فيمن حولي»، لما وجدت غضاضة في ذلك.»

كان براين يهز رأسه عندئذٍ. وقال: «عندي شاب يعمل في المطعم يقوم بنفس الشيء يدعى ميجو.»

«يبدو أنك معجب به، أليس كذلك؟»

«الفتى رائع. لكن عمله يصعب تحديده. فهو يفعل أي شيء وكل شيء. وقد أدركت ذات مرة أنه يساعدني أكثر مما يساعد أي شخص آخر، فقد كنت دائمًا أطلب منه القيام شيء ما. ولولا وجوده لأصبح عملي أكثر إرهاقًا. لذلك أتعرفين ماذا فعلت؟»

«ماذا؟»

«لقد قلت له. لقد قلت فقط: «ميجو، لولا وجودك، لأصبح عملي أكثر إرهاقًا. إنك تُحدث أثرًا ملموسًا في عملي كل يوم، وهذا يجعلني أسعد.» هذه هي تقريبًا الكلمات التي قلتها له.»

«وماذا فعل؟»

«ابتسم وشكرني لأنني أخبرته بذلك، وبدأ يأتي إلى العمل مبكرًا أكثر ويمكث لأوقات متأخرة، ويجتهد في العمل أكثر من ذي قبل. فيدفعني هذا إلى تذكيره ببراعته، مما يزيده اجتهادًا في العمل. إنها حلقة جميلة، وكل ما فيها حقيقي.»

صارت ليزلي الآن مندمجة في المناقشة. فقالت: «حسنًا، أَعد عليَّ نظريتك مرة أخرى. إن التعاسة في العمل ترجع إلى اللاتقييم …»

صحح برايان لليزلي وصف نظريته. فقال: «حسنًا، أصف الأمر بغياب التقييم الذاتي، لكن ما تقولينه صحيح أيضًا.»

ابتسمت وقالت ساخرة: «مصطلحي هو الأكثر تعبيرًا عن الأمر.»

رد: «لا مشكلة.»

ضحكا ثم قالت: «ترجع التعاسة في العمل إلى غياب التقييم الذاتي ...»، ثم سكتت قبل أن تضيف: «ماذا تطلق على السبب الثاني؟»

«إحساس الفرد بتضاؤل دوره.»

«غياب التقييم الذاتي وإحساس الفرد بتضاؤل دوره. هل شرحت العلاقة بينهما؟»

«لا. لم أشرح ذلك. ولكن الأمر غاية في البساطة.»

«الموضوع كله غاية في البساطة، أليس كذلك؟»

تنهد براين بشدة. وقال: «إن الأمر بسيط إلى درجة تصيب بالإحباط. هناك مستشارون يعملون في كل مكان يحاولون اكتشاف كيفية زيادة خيارات الأسهم للموظفين أو توفير نظام أفضل لتمويل أموال التقاعد أو زيادة المقاعد التي لا تسبب ألم المفاصل، وكل هذا جيد، لكنه لن يُحدث أثرًا ملموسًا حتى يأتي شخص ما ويُعلِّم المديرين كيفية اكتشاف معايير تقييم الأداء، وأهمية وظائفهم. إنه أمر يُثير الجنون حقًّا.»

«حسنًا، حسنًا. كفاك كلامًا في ذلك أيها الفتى الواعظ. ما العلاقة بين غياب التقييم الذاتي وإحساس الفرد بتضاؤل دوره؟»

«إليك العلاقة. يجب أن يفكر الناس في طريقة لقياس تلك الأشياء التي تُحدث تغييرًا في حياة الشخص أو الأشخاص الذين يخدمونهم. فإذا كان دورك هو مساعدة التلاميذ فعليك أن تقوم بقياس شيء يرتبط بهذا الأمر. وإذا كان دورك هو مساعدة مديرك في العمل فيجب أن تجد طريقة لقياس ذلك. وإذا كنت تتعامل مع العملاء مباشرة ف …»

«يجب أن تقيِّم عملك. فهمت ذلك. فلننتقل إلى شيء آخر.» كانت ليزلي تستمتع بدور المحاور. فقالت: «هل هذا كل ما في الأمر؟ غياب التقييم الذاتي وإحساس الفرد بتضاؤل دوره؟»

«حسنًا، حتى الأسبوع الماضي كنت أعتقد ذلك. لكنني أعتقد أن هناك شيئًا ثالثًا.»

ثم سكتا.

«حسنًا، هل ستخبرني به؟»

كان براين الآن يلعب دور الممثل. فقال: «لا. لا أرغب في أن أصيبك بالملل. يمكننا أن نتحدث عنه لاحقًا.»

كانت ليزلي تعرف متى يكون زوجها مازحًا. فرفعت السكين وأشارت به ناحيته. وقالت: «أنت بالطبع ستخبرني بكل شيء.»

تباعد العلاقات بين العاملين

لم يكن براين يمزح تمامًا عندما قال إنه لن يخبر ليزلي عن الجزء الثالث من نظريته التي ما زالت في طور التكوين. فقد قال: «لن نتحدث عنه الآن. ولنذهب بدلًا من ذلك في جولة بالسيارة وسأريك إياه.»

«ماذا؟ هل أنت جاد؟»

فابتسم. وقال: «نعم. ثقي بي.»

فدفعا الفاتورة واستقلا السيارة الإكسبلورر وقاداها بعيدًا عن البحيرة لمدة خمس عشرة دقيقة حتى وصلا إلى ساحة انتظار السيارات لمكان ما يشبه المخزن. كان هناك عدد من السيارات غير الأنيقة نوعًا ما حول المبنى.

فسألت ليزلي: «ما هذا؟»

«سترين.»

نزلا من السيارة ودخلا المبنى، الذي لم يكن مخزنًا على الإطلاق، بل كان ساحة رديئة الجودة لممارسة الرياضات، وكانت أرضيتها مغطاة بالكامل بالعشب الصناعي. وكان في «الملعب» اثنا عشر شابًّا أغلبهم من أصول لاتينية يلعبون كرة القدم. وفي مدرجات ترتفع إلى ثلاثة صفوف كانت تجلس مجموعة من النساء والأطفال وكبار السن، الذين كانوا يوزعون اهتمامهم بين مشاهدة المباراة ومراقبة الأطفال.

سألت ليزلي بصبر: «براين، ماذا نفعل في هذا المكان؟»

«أترين الشاب الذي يرتدي القميص البرتقالي؟ والشاب الصغير الحجم الذي يرتدي القميص الأصفر؟»

هزت ليزلي رأسها بالإيجاب.

«هذان هما ميجو وسلفادور من المطعم. وهما يلعبان في هذا الدوري لكرة القدم يوم الاثنين من كل أسبوع.»

«هل لذلك علاقة بنظريتك؟»

هز براين رأسه. وقال: «نعم، له علاقة.»

وفي هذه اللحظة رأى ميجو براين وليزلي ولوح لهما بيده.

ثم شرح براين لها ما حدث في مساء السبت عندما أحضر الطعام لطاقم العمل وكيف أنهم مكثوا بعد ساعات العمل. وأخبرها أيضًا أنه بدأ يعرف عنهم أشياء لم يكن ليتخيلها.

«ماذا عن مالك المكان؟»

«إن جو لا يكاد يعرف شيئًا عن هؤلاء الناس. ومعظمهم لا يعرفون الكثير بعضهم عن بعض. إن الأمر مدعاة للجنون لعدة أسباب. ألا تعتقدين أن هذا لا بد أن يؤثر في كره البعض لأعمالهم؟»

كان هذا سؤالًا تقريريًّا، لكن ليزلي واصلت الحوار. وقالت: «أتعني أنك تريد أن يعرف الناس طبيعة شخصيتك خارج إطار العمل؟»

«في الواقع نعم. كيف يستطيع الشخص أن يشعر بالسعادة حقًّا عندما يذهب إلى العمل وهو يشعر أن كل من يعملون معه يجهلون هويته؟ أو لا يهتمون بأمره؟»

ثم عادت مرة أخرى ليزلي لدورها كمحققة. وقالت: «حسنًا أظن أن ميجو و… ما اسم الشاب الآخر؟»

«سلفادور.»

«أظن أن ميجو وسلفادور يعرف كل منهما الآخر جيدًا.»

فأوضح براين قائلًا: «نعم، ولكني أظن أن المدير المسئول عن الشخص حقيقةً هو من يجب أن يعرفه. والزملاء أيضًا، لكن المدير لا بد أن يكون الأساس. عندما أتذكر عملي في مصنع السيارات، أجد أن كاثرين هي التي ساعدتني في أن أحب عملي، وذلك لأنها اهتمت بي على الجانب الشخصي بقدر ما كانت تهتم بي من ناحية العمل.»

بذلت ليزلي جهدًا لتخفي مشاعرها. وسألت: «ولكن أليس ذلك أمرًا عاطفيًّا؟ ألا يفترض بك أن تفصل بين حياتك الشخصية وحياتك العملية؟ لماذا يهتم المدير بما يفعله مرءوسوه في غير وقت العمل؟»

«لأنه من المفترض ألا يكون المرء شخصًا آخر في العمل. هذا جزء مما يجعل الناس يشعرون بالتعاسة؛ التظاهر بغير حقيقتهم. ويعني هذا أن رئيسهم في العمل يحتاج إلى أن يعرف حقيقتهم بعيدًا عن مهام الوظيفة. ليز، هل ترين مبررًا يمنع مديرًا من القيام بذلك؟»

فأجابت ليزلي بسرعة: «بالتأكيد، ربما اﻟ…»

فقاطعها براين ليوضح قصده: «أنا لا أطلب منك تلفيق إجابة تشجعني هنا. فأنا أريد أن تخبريني بصدق عما تعتقدين.»

فتغير مسلكها في الحال. وقالت: «لا. لا أعتقد أن هناك أي عذر للمديرين في ألا يقوموا بهذا الأمر مع مرءوسيهم. فذلك ما هو إلا جزء بسيط من كونهم أشخاصًا صالحين.»

ثم ظلوا لبضع دقائق يشاهدون المباراة حيث أحرز الفريق الآخر الذي يلعب ضد فريق ميجو وسلفادور هدفًا.

ثم استأنف براين الحوار قائلًا: «أتذكرين ذلك النادل الرائع الصغير السن الذي قابلناه في المطعم؟ الشاب الذي كان يضع دعامات تقويم أسنان؟»

فأومأت ليزلي برأسها وهي تقول: «نعم.»

«أتذكرين ما قاله مديره عندما سألناه عنه؟»

فكرت ليزلي في الأمر. وقالت: «نعم، لقد أخبرنا أنه انتقل إلى المدينة لتوِّه وأنه يدرس في معهد عالٍ وأنه تزوج منذ فترة قصيرة.»

«هل تعتقدين أنه يعرف مرءوسيه؟»

أومأت ليزلي برأسها. وسألت: «هل كنت تعرف من يعملون معك في جيه إم جيه؟»

فكر براين في الأمر. وقال: «بالطبع. أعني ليس كل فرد في الشركة. لأن ذلك ليس ممكنًا في شركة كبيرة الحجم. ولكن من احتجت للتعرف إليهم هم من كانوا يعملون معي مباشرةً، ومن كنت أتعامل معهم بانتظام إلى حد ما. أعتقد أننا على نحو ما قد كونا بذلك ثقافة معينة اتبعها الآخرون.»

«لذلك أظن أن هذه النظرية لم تكن مكتملة لديك في ذلك الوقت.»

هز براين رأسه. وقال: «على العكس. لقد كنا نطبقها تمامًا، ولكن باستثناء موضوع التقييم. كنا نعامل الناس كبشر. بشر يريدون أن يشعروا أن لهم دورًا، ويريدون أن يُعرفوا.»

فهزت ليزلي رأسها.

«ما خطبك؟»

«لا أستطيع أن أصدق أن الشركات، مع كل هذا القدر من المال والتكنولوجيا والمعلومات الذي تمتلكه، لا تعرف مثل هذا الأمر البسيط. هذا عجيب.»

وفي هذه اللحظة انطلقت صافرة، وسرعان ما كان ميجو وسلفادور يركضان نحو المكان الذي يقف فيه براين وليزلي. ثم قال سلفادور: «مرحبًا أيها المدير. هل هذه زوجتك؟»

قدمهما براين إلى ليزلي، ثم التقى زوجة ميجو وأطفاله وشقيق سلفادور. وتحدثوا معًا عن كرة القدم وعن المطعم والأولاد والمكسيك لمدة نصف ساعة ثم رحلوا.

وفي طريقهما إلى المنزل كان براين وليزلي يتحدثان عن سلفادور وميجو وعائلتيهما وما عرفاه عنهما في ثلاثين دقيقة فقط. كانا مندهشين من قدر التعليم الذي تلقاه ميجو قبل أن يأتي إلى الولايات المتحدة، وكيف أن شخصًا يدرس ليصبح مهندسًا يمكن أن يجد نفسه فجأة يقطِّع الخضروات ويرفع الأطباق من الموائد في مطعم إيطالي على جانب الطريق، دون أن ينتبه إليه أحد. إنه جوهرة مدفونة لم يكن ينظر إليها أحد.

ثم سألت ليزلي آخر سؤال لها هذا المساء. قالت: «لماذا تعتقد أن أشخاصًا مثل جو لا يتعرفون على موظفيهم؟»

فكر براين في الأمر. ثم قال: «حسنًا، يجب ألا أكون ناقدًا إلى هذا الحد؛ لأنني لم أقضِ معهم إلا شهرين، ولم أتعرف عليهم بعد.»

ثم دافعت ليزلي عن زوجها. فقالت: «لكنك تعمل هناك بصورة مؤقتة فحسب.»

«أجل، لكن هذا ليس عذرًا مقبولًا.»

ثم استمرت ليزلي في دفاعها. وقالت: «ولقد كنت تعرف الموظفين الذين كانوا يعملون في شركة جيه إم جيه. توقفْ عن لعب دور الشهيد. فأنا أحاول أن أكتشف حقيقة الأمر.»

فضحك. وقال: «حسنًا. أعتقد أنني لا أعرف السبب وراء عدم محاولة جو التعرف على مرءوسيه.»

«لدي نظرية.» لكنها سكتت قبل أن تستكمل كلامها. ثم قالت: «أعتقد أن معظم المديرين لا يدركون مدى تأثيرهم.»

«انتظري. يبدو ذلك مثيرًا. أخبريني بالمزيد.»

واصلت ليزلي الكلام. فقالت: «يحتاج المديرون أن يفهموا أن الناس الذين يؤثرون فيهم هم مرءوسوهم. وأنهم إذا لم يتعرفوا على هؤلاء الناس بصفة شخصية، وعلى ماهية حياتهم بالكامل، فكيف يستطيعون القيام بذلك؟»

«أعتقد أنك محقة.» صمت براين وهو يدير الأمر في ذهنه. ثم قال: «أعتقد أن هناك سببًا آخر وراء عدم محاولتهم التعرف على مرءوسيهم. وأعتقد أن هذا هو نفس السبب الذي منعني من القيام بذلك بنفسي.»

«ماذا؟»

«يحتاج الأمر إلى وقت. إن إدارة الموظفين تحتاج إلى وقت كبير. إنها عمل شاق يستغرق وقتًا طويلًا، وليست شيئًا يقوم به المدير في أوقات فراغه من بقية مهامه. لكن غالبية المديرين لا يرون الأمر بهذه الطريقة. فهم يرون الإدارة على أنها عمل إضافي، عمل يمكنهم القيام به متى توفر لديهم الوقت لذلك. ولذلك فإن آخر شيء يقومون به هو الجلوس مع الموظفين والحديث معهم عن حياتهم.»

«أو الذهاب لمشاهدتهم وهم يلعبون كرة القدم.»

فهز براين كتفه قائلًا: «أعتقد ذلك.»

الانطلاق بقوة

كانت تلك الليلة بمنزلة نقطة تحول في تجربة براين وحياته المهنية.

كان يشعر بأن نظريته قد اقتربت من الاكتمال، وكانت ليزلي تمنحه اهتمامها وتأييدها الكاملين، وأحس بالتزام أكبر من ذي قبل بأن يجعل طاقم العاملين متباين الشخصيات في مطعم جين وجو يحبون عملهم. كان يأمل أن يمنحوه الوقت الكافي لكي ينجح في سعيه. وجاءت موافقة جو على مد فترة زيادة المرتب لشهر آخر فأعانته على ذلك.

وخلال الأسابيع القليلة التالية استمر براين في تنفيذ خطته التي تقوم على التقييم الذاتي وتأكيد دور الفرد، مدركًا أن هذا الأمر يتطلب الاستمرار لفترة من الوقت حتى يتحول إلى عادة. وكان حريصًا على الاهتمام بمن يعملون معه وبحياتهم.

لكنه كان حريصًا أيضًا على ألا يكون مخادعًا. وبدلًا من أن يجتمع بهم كل على حدة، أو أن يطلب منهم ملء استبيان، قرر براين أن يتفاعل أكثر مع موظفيه.

أوضح براين الأمر لليزلي — ولنفسه — وهو يستعد للذهاب إلى العمل عصر أحد أيام الخميس فقال: «هؤلاء بشر مثلي ومثلك. وإذا لم أسعَ بصدق كي أتعرف عليهم على نحو شخصي، فسوف أكون منافقًا عندما أقول إنني أهتم بهم بوصفي مديرًا.»

لذا، قام براين هنا وهناك بعمل ملاحظات وإلقاء أسئلة. على سبيل المثال: «ما المدة التي عشتها في مدينة ليك تاهو؟ وأين نشأت؟ ومن أين حصلت على هذا الوشم، ولماذا؟ وكيف استمتعت بوقتك هذا الأسبوع؟» فعل ذلك كثيرًا.

وسرعان ما استطاع براين أن يجد وسائل لتوضيح التزامه بمعرفة العاملين معه. فإذا رأى خبرًا ما عن المكسيك في الصحيفة، كان يقضي بعض الوقت لكي يقرأه حتى يستطيع مناقشته مع سلفادور في العمل. وعندما عرف أن ابنة باتي تعاني حساسية من القمح، تعاون مع خواكين كي يجد عجينة بيتزا خالية من مادة الجلوتين لكي تناسبها.

كما قام بأشياء صغيرة أخرى — لكنه لم يكن يفرط في تدليلهم. فسواء تمثل ذلك في إحضار كتاب لمايكل كرايتون لكارل الذي يحب كل ما له علاقة بالخيال العلمي، أو المزاح مع ميجو عندما يخسر فريقه المكسيكي المفضل في كرة القدم مباراة أمام أحد منافسيه، كان براين يريدهم أن يعلموا أنه مهتم بهم كبشر. ومما لا شك فيه أنه كان كذلك بالفعل.

وعندما قرر سلفادور — الذي ظل يعمل هناك لمدة عامين — أن يترك المطعم لأنه سينتقل لإيداهو للعيش مع إخوته، أقام براين حفل غداء خاصًّا لتوديعه. وعلى الرغم من تواضع مستوى ذلك الحفل، فإنها كانت أول مرة يُحتفل فيها برحيل أحد الموظفين بطريقة ما، بدلًا من مجرد طلب جو منهم إذا كان أحدهم يعرف من يستطيع أن يحل محل الموظف الذي رحل.

وعندما تسلَّم العمل العاملان اللذان خلفا سلفادور وسائق توصيل الطلبات، قدَّمهما براين رسميًّا للعاملين أثناء اجتماع قصير، وكلَّف أحد الزملاء بمساعدتهما في التكيُّف خلال الأسبوعين الأولين من العمل، وعرَّفهما على الفور ﺑ «برنامج» التقييم الذاتي ودور الفرد، وأمضى وقتًا أطول معهما لكي يتعرف على شخصيتيهما وآرائهما وأفكارهما.

النتائج

لم تمر فترة طويلة بعد أن أضاف براين عنصر تباعد العلاقات بين العاملين لنظريته حتى شهد بداية تزايد الحماس للعمل في مطعم جين وجو. وأدرك أن ذلك لم يكن ليحدث بتطبيق اثنين فقط من المبادئ الثلاثة.

وعندما لم يكن لدى براين أدنى شك في وجود مستوًى جديد من النشاط والالتزام في المطعم في الوقت الحاضر، شعر أن الوقت قد حان ليضع إطارًا واضحًا لتجربته لكيلا يضيع ما يحرزه من تقدم هباء. لذا أنشأ جدولًا إلكترونيًّا بسيطًا كتب فيه معلومات مختصرة عن كل من العاملين فيما يتعلق بالمبادئ الثلاثة لنظريته. والأهم أنه طبع الجدول وكان يحمله معه، ويراجعه لمدة خمس دقائق كل يوم قبل العمل، ومن وقت إلى آخر يضيف إليه أو يعدله عند الضرورة.

ومع أن هذا الجدول قد يكون بسيطًا، فقد اقتنع براين بمرور الوقت أنه مفتاح التحول في مطعم جين وجو، سواء من حيث مستوى الرضا الوظيفي بين الموظفين، أو — كما هو متوقع — من حيث الأداء المالي للمشروع.

كانت الزيادة في الإيراد على مدار الأسابيع الماضية ثابتة، وفاقت الإكراميات الحدود المعتادة. ولكن بعيدًا عن هذين المؤشرين الماليين، فقد أصبح النشاط الذي دب في المطعم الإيطالي البالي، بين الزبائن والعاملين على السواء، أعلى مما كان عليه منذ سنين. والمهم أيضًا أن العاملين أصبحوا يرون مزيدًا من الزبائن الذين يكثرون التردد على المطعم؛ زبائن أصبحوا يعرفونهم بأسمائهم.

وعندما حان الوقت لكي يعيد براين الأجور إلى وضعها السابق، كان واثقًا أن هذا لن يسبب مشكلة كبيرة. لكنه كان مخطئًا.

المال

بالنسبة إلى الموظفين الذين يحصلون على إكراميات لم تكن هناك أي مشكلة في رجوع الأجر إلى معدله الطبيعي. فقد صاروا يحققون دخلًا لم يكونوا يحصلون عليه من قبل، وكانوا يعوضون ذلك الرجوع في الأجر بحثِّ الزبائن على توجيه جزيل الشكر لهم على خدمتهم. أما الآخرون في المطعم فكان الأمر مختلفًا معهم.

فخلال الاجتماع القصير للعاملين عندما ذكرهم براين أن عليه إعادة رواتبهم إلى الوضع الأساسي — وكان جو حاضرًا يراقب ما يحدث — كان ميجو أول من علَّق على الموضوع من بين الجميع. والحق أن احتجاجه كان هادئًا، وكما كان سيقرُّ براين، عقلانيًّا.

«إذا كان عمل كيني وخواكين في المطبخ هو مساعدة باتي وجولين، وهما تحصلان على المزيد من الإكراميات والمطعم يحقق مزيدًا من الأرباح، ألا يستحقان جزءًا من المكافأة نظير ذلك؟»

لم يكن لدى براين إجابة مناسبة عن هذا السؤال. وكان على وشك الدخول في خطبة مطولة عن تاريخ المطاعم وعن الفرق بين العاملين الذين يواجهون الزبائن وبين الطهاة أو عمال غسل الأطباق. ولكنه ذكر بدلًا من ذلك الإجابة الوحيدة التي شعر أنه يريد أن يقولها: «بلى.»

أصيب الجميع بالدهشة. وكان ميجو قد رأى جو من قبل يرفض أي طلبات مشابهة من عمال المطبخ، وكان له أصدقاء في مطاعم أخرى فشلوا في تحدي الوضع القائم. ولذلك أصبح هو وأصدقاؤه يتقبلون مصيرهم، فهم يرون أنهم ما داموا يعملون وراء الكواليس، فلن يتحسن وضعهم المالي كثيرًا.

ولكن في وجود القائد الجديد، قرر ميجو أن الأمر يستحق إعادة الكرة مرة أخرى.

كانت إجابة براين بالتأكيد مفاجئة لجو، مثلما توقع تمامًا. ولكن لكي يمنع خروج الاجتماع عن نطاق السيطرة، وليضمن أن المطعم سيفتح في موعده المحدد، لم يقطع براين وعودًا لا يستطيع الوفاء بها. ليس قبل أن يستأذن مالك حصة الأغلبية في المطعم.

فقال: «لقد أثرت نقطة مهمة يا ميجو. دعني أفكر في هذا الأمر. فأنا متأكد من أن هناك طريقة ما للقيام بهذا الأمر بطريقة صحيحة.»

ومرة أخرى أصيب الجميع ببعض الدهشة.

ثم استطرد براين، وهو يتعمد أن يكون فظًّا. فقال: «لكن دعوني أكن واضحًا. لا أريدكم أن تغفلوا عن تقييم أدائكم اليوم لمجرد أنكم تتساءلون عما سنقرره.»

ثم نظر إلى جولين وباتي قائلًا: «لا يصيبنكما القلق من أننا قد نبدأ في تجميع الإكراميات وتوزيعها على المطعم كله. لأنني في الواقع لا أظن أن هذا ما سنفعله. لكنني على يقين من أننا إذا استمررنا في تحقيق مثل هذا النجاح، فإن حالنا جميعًا سيتحسن. أما إذا رجعنا إلى ما كنا عليه من قبل، فسنخسر جميعًا.» ثم سكت برهة لكي يسمح لهم باستيعاب ما قاله. ثم قال: «حسنًا، هيا بنا إلى العمل.»

وبهذا، تفرَّق الجمع. ثم طلب جو من براين أن يتحدث معه على انفراد في ساحة انتظار السيارات الخلفية.

اقتراح

لم يكن جو غاضبًا جدًّا، ولكنه بالتأكيد لم يكن مسرورًا. فقال: «أتمنى أن تكون على علم بما تفعل. لأن من الواضح أن تلك القنبلة الموقوتة ستنفجر في وجوهنا.»

«هل تعتقد ذلك؟»

فأومأ جو برأسه مؤكدًا على ذلك. ثم قال: «إن هذه من كبرى المشكلات في أعمال المطاعم، ولا أريد أن أتعرض لها. فالنادلات يعملن من أجل الإكراميات، وإذا حاولت الاقتراب من مالهن، فسوف يتمردن.»

«وكيف يتمردن؟»

«في البداية، يتذمرن تذمرًا لم تره من قبل. ثم بعد أن يخلِّفن وراءهن مسارًا من الدمار مثل الأعاصير، يتركن العمل عادة.»

أومأ براين برأسه وهو يفكر. ثم في النهاية قال وهو يجادل شريكه بلطف: «لا أعتقد أن للأمر علاقة بالمال يا جو.»

فاتسعت عينا جو. وقال: «يا سيدي، إن الأمر كله يتعلق بالمال.»

هنا هز براين رأسه. وقال: «لا، الأمر أكبر من ذلك. أعني أنهم بالتأكيد يريدون المزيد من المال. ومن يلومهم على ذلك؟ فهم يعيشون في منطقة مكلفة نوعًا ما ويحصلون على أجور منخفضة نسبيًّا. وأي شخص في موقفهم سيتمنى بالتأكيد أن يحصل على مزيد من المال. أعرف ذلك.»

كان التعبير الذي ارتسم على وجه جو ينم بالضبط عما سيقوله بعد ذلك: «أحقًّا ذلك يا شيرلوك هولمز؟»

ضحك براين. وقال: «نعم، ألم يكن هذا عبقريًّا؟»

فضحك جو ضحكة خافتة.

«ولكن انتظر. زيادة دولار في الساعة لن تغير وضعهم المالي تغييرًا حقيقيًّا أو ملحوظًا. الأمر لا يتعلق بالمال فحسب. إنه يتعلق بشعورهم بأنهم يُكافئون على إسهامهم في العمل.»

وبتردد اتضح لجو أن هناك بعض المنطق فيما يقال. وبنبرة تجمع بين الشك والسخرية سأل شريكه في العمل سؤالًا مهمًّا: «إذن ماذا تقترح؟»

فابتسم براين. وقال: «ما رأيك في ذلك؟» وكان براين يرتجل ما يقول الآن. «دعنا نترك زيادة الدولار الواحد كما هي للعاملين في المطبخ ومن يعملون في الخدمات المعاونة.»

فجفل جو وكان يبدو أنه يحسب الأرقام في عقله. ولم يعطه براين فرصة.

فواصل الكلام قائلًا: «وإذا استمر المطعم في التحسن فسنعدل الزيادة، سواء بالزيادة أو النقصان، كل شهر. وبهذا تحمي عملك من الكساد، وتدعهم يتقاسمون معك النجاح. بل وستعطيهم أيضًا حافزًا ليحافظوا على استمرار هذا التقدم.»

وهنا جلس جو وطفق يحدق في براين ويفكر في الاقتراح الذي قدمه. وفي النهاية بدأ يهز رأسه ببطء قائلًا: «أعرف أنه كان عليَّ ألا أوافق على عملك معي من البداية.» ثم ابتسم. وقال: «حسنًا، دعنا نجرب ما تقول بضعة أشهر بصورة مؤقتة ونرَ كيف تسير الأمور.»

كان براين واثقًا تمامًا من نجاح الأمر. لكن ما كان يجهله كلاهما أن براين لن يكون موجودًا لكي يعرف ما سيحدث.

المكالمة الهاتفية

جاءت المكالمة في بداية مساء أحد أيام الخميس المزدحمة.

رد تريستان على الهاتف، ونادى على براين: «هذه مكالمة هاتفية لك يا سيدي.»

اقترب براين من الطاولة وأخذ الهاتف. وقال: «أنا براين.»

«أود أن أطلب طبقًا كبيرًا من الببروني وبيتزا بالأنشوجة.»

في البداية تساءل براين لماذا لم يأخذ تريستان الطلب. ثم واصل المتحدث كلامه قائلًا: «هل توصلون الطلبات إلى سان فرانسيسكو؟»

لقد كان ريك.

كان براين يفعل كل ما في وسعه لكي يبدو مبتهجًا وغير مكترث. وسأله: «كيف استطعت أن تصل إليَّ هنا؟»

«لقد تحدثت مع ليزلي. وأخبرتني كيف أستطيع الوصول إليك.» ثم سكت هنيهة وضحك قائلًا: «وأخبرتني أيضًا بالمكان الذي أستطيع أن أذهب إليه، وأنت بالطبع تفهم ما أقصد.»

فضحك براين وزاد فضوله. فسأل: «ماذا قالت؟»

«لم تقل شيئًا لم أتوقعه من زوجة لديها من القوة ما يجعلها تحتمل البقاء معك.»

فابتسم براين. وكان يتوق إلى التحدث مع ليزلي.

فاستمر ريك قائلًا: «على أي حال، سمعتُ أنك ظفرت مجددًا بعمل مربح؛ لذا أحببت أن أتحدث معك. كيف حالك؟ يبدو أنك مشغول.»

لسبب ما لم يكن براين يود أن يسمع ريك سيمبسون الضجيج المحيط به في المطعم. كان الكبرياء جزءًا من السبب بالتأكيد. والجزء الآخر هو أنه لم يرد أن يدخل صديقه الساخر عالم مطعم جين وجو.

ثم تكلم براين بطريقة مفاجئة. وقال: «ماذا تريد يا ريك؟»

«حسنًا، لقد تحدثت مع وايلي نولان بالأمس وعندما سمعت بما تقوم به، أردت أن أتصل بك لأتأكد من أنك لم تفقد عقلك.»

لم يكن براين يتوقع من ريك أفضل من ذلك. وبنبرة جادة تمامًا رد عليه قائلًا: «أفهم من ذلك أن ليزلي لم تخبرك؟»

«تخبرني بماذا؟»

«أنني أزور طبيبًا وأتلقى علاجًا. لقد قال إن الأمر متعلق بمرض انفصام الشخصية.»

ساد الصمت. ثم قال ريك: «عجبًا.» شعر ريك بالارتباك. والإحراج. فقال: «لم تكن لدي أدنى فكرة يا صديقي.»

لم يتحمل براين أن يستمر الأمر كذلك. فقال: «أنا أمازحك أيها الغبي.»

فضحك ريك بصوت عالٍ. وقال: «حسنًا. حسنًا، لقد أوقعت بي.»

كان الناس يتوافدون على المطعم وكان على براين أن يذهب ليساعد جولين في تحريك بعض الموائد لكي يجهزوا المكان لحفلة كبيرة في قاعة الطعام، ولم يكن في مزاج يسمح بالحوار مع ريك. فقال: «إنني في أحسن حال. ولكنني مشغول الآن. ماذا تريد يا ريك؟»

«حسنًا، أنا أتصل بك بخصوص عمل؟»

فوجئ براين. وسأله: «ماذا تقصد؟ أهذا بخصوص جيه إم جيه؟»

«لا. موضوع آخر. لماذا لا تتصل بي عندما يتاح لك الوقت؟ سأكون في المنزل الليلة، وسأظل مستيقظًا حتى منتصف الليل.»

فأخبره براين أنه سيتصل به عندما يعود إلى المنزل، ومن المحتمل أن يكون ذلك قبل الحادية عشرة مساءً، ثم أنهى المكالمة. وطوال الوقت المتبقي من تلك الليلة لم يستطع براين التوقف عن التفكير فيما يمكن أن يريده منه ريك.

الطُّعم

قطع براين مسافة نصف الميل من المطعم إلى المنزل بسرعة أكثر من المعتاد. وعندما وصل كانت ليزلي مستغرقة في النوم بالفعل. ومع أنه كان يريد بشدة أن يوقظها ويسمع منها ما حدث من حوار مع هذا المدعو ريك سيمبسون، فقد قرر أن يتصل بريك بنفسه بدلًا من ذلك.

ثم شعر بخيبة أمل عندما لم يرد أحد على الهاتف، فبدأ يترك رسالة على جهاز الرد الآلي. كان نصها: «مرحبًا ريك، أتصل بك ردًّا على مكالمتك مساء الخميس. سأكون مستيقظًا حتى …»

وهنا رفع ريك السماعة. وقال: «مرحبًا يا صديقي. أعتذر عن ذلك. لم أجد السماعة اللاسلكية. كيف حالك؟»

لم يكن براين مستعدًّا للدردشة. لكنه قال: «بخير.»

«حسنًا، كيف ترى القيام بعمل حقيقي على سبيل التغيير؟ لقد كنت أعمل طاهيًا في مطعم للمأكولات البحرية في فترة دراستي الثانوية، وكنت أعمل نادلًا في أحد المطاعم في فترة الكلية. وفي بعض الأحيان أفتقد القيام بمثل هذه الأعمال.»

فوجئ براين بلباقة ريك، وتركه يستمر في الحديث. فقال: «لكنني يجب أن أخبرك أن العمل في مطعم سيكون شاقًّا. إن هؤلاء الناس ينهكون أنفسهم في العمل.»

وفي الحال دخل براين في الحوار قائلًا: «إنهم ينهكون أنفسهم بالفعل. أعتقد أن العمل نادلة لمدة عشر سنوات سيكون مثل مكتب لمدة ثلاثين عامًا.»

«نعم، عندما ترك والدي العمل لفترة ما، عملت أمي نادلة. كان المجهود ساحقًا. أخبرني عن مطعمك.»

وبعد ما أبداه ريك من تواضع شعر براين بالراحة وفقد كل شعور بالعداء تجاه ريك، فقرر أنه لن يخسر شيئًا إذا فتح قلبه لهذا الرجل. لذلك أخبره بقصة جين وجو كاملة. كيف ولماذا كان عليه أن يكون شريكًا في المكان. وكيف كان يحاول تغيير الموظفين والثقافة السائدة هناك كما فعل في شركة جيه إم جيه. وكالمعتاد لم يستطع ريك أن يمنع نفسه من الجدال.

«حسنًا، لستُ متأكدًا من أنه يمكنك أن تضيف شيئًا إلى هذه المهنة. ولكن حظًّا موفقًا.»

فردَّ براين: «في الواقع، لقد حدثت تغيرات ضخمة بالفعل بمجرد أن قمنا ببعض الأمور التي كنا نفعلها في المصنع.»

واصل ريك جداله قائلًا: «حسنًا، يختلف الأمر عندما تقوم بتنفيذ ذلك في المشروعات الصغيرة حيث لا يكون لك مصلحة شخصية كبيرة مرتبطة بالمشروع.»

وجد براين نفسه محبطًا مرة أخرى. وقال: «أنا شريك صغير في المطعم. فكيف يمكن أن أكون مرتبطًا بالمشروع أكثر من ذلك؟»

«اهدأ. ما مقدار ما دفعته؟ ثلاثون ألفًا؟»

«اثنا عشر. لكن هذا ليس بيت القصيد.»

«إنه بيت القصيد يا براين. إن إدارة مشروع صغير كهواية ليست مثل وضع سمعتك وحياتك المهنية على المحك. وأنت تعرف ذلك.»

كان ريك عدوانيًّا أكثر من المعتاد. فاختفت الدعابة والمضايقات المربكة وظهر بدلًا منها سوء الطباع الواضح القديم. وبعد ذلك سيندم براين لأنه لم يدرك أن صديقه القديم له دافع خفي.

ومع أن براين كان يفكر في إنهاء المكالمة عند هذا الحد، فقد كان لديه فضول بشأن سبب اتصال ريك. فقال: «على أي حال، لقد أخبرتني أنك تريد التحدث إليَّ بشأن عمل ما؟»

«نعم، أنا أعرف أنك شبه متقاعد. ولكن كنت أتساءل إذا كان لديك استعداد لتحصل على فرصة حقيقية لدي.»

المصيدة

وخلال الساعة التالية، عرض ريك تفاصيل الفرصة. كانت هناك شركة أصغر قليلًا من شركة جيه إم جيه تبحث عن مدير تنفيذي.

كانت شركة ديزرت ماونتن سبورتس عبارة عن سلسلة إقليمية تتكون من أربعة وعشرين متجرًا لبيع السلع الرياضية منتشرة في نيفادا وإيداهو وأوريجون ويوتا ومونتانا. وكان أداؤها المالي يتراجع خلال السنوات الخمس الماضية من حيث العائدات والأرباح، وكانت بحاجة إلى دعم لفترة معينة لكي تجذب المشترين المحتملين.

ومع أن الفكرة أثارت اهتمام براين، فقد كان يعرف أنه لا يستطيع التفكير في العودة مرة أخرى إلى العمل بدوام كامل، خصوصًا إذا كان نوعًا من العمل يتطلب من ليزلي أن تنتقل مرة أخرى في وقت قريب. ولكن ريك كان يخفي معلومتين أخريين بوسعهما أن تغيرا المعادلة جذريًّا.

«يجب أن تعرف أن إدارة الشركة موجودة في ويست رينو.»

لم يفهم براين صلة هذا بالموضوع. فقال: «إنني أسكن في مدينة ليك تاهو الآن، ولن …»

فقاطعه ريك. وقال: «يبعد المكان عن منزلك حوالي ثمانية عشر ميلًا.»

كان هذا كافيًا لكي يتوقف براين عن الكلام. للحظة.

«اسمعني، لن تقبل ليزلي أن أعود إلى العمل مرة أخرى بهذه الطريقة. فقد صبرتْ على موقفي من العمل في المطعم …»

فقاطعه ريك مرة أخرى، ولكنه هذه المرة كان يلعب بأفضل أوراقه. فقال: «لقد أخبرت ليزلي بهذا الأمر. وأعتقد أنها موافقة على الفكرة.»

فبُهت براين. وسأله: «فعلت ماذا؟»

«لقد أخبرت ليزلي بالأمر في وقت مبكر من هذه الليلة. وقد كان الحوار لطيفًا. على الأقل بعد أن أخبرتني أنني أحمق.»

«هل قالت ذلك؟»

«لم تستخدم لفظة «أحمق» بالتحديد. ولكن كان هذا هو …»

فقاطعه براين: «لا، أقصد هل قالت إنها موافقة على الفكرة؟»

تردد ريك. ثم قال: «حسنًا، لا تُعد عليها ما سأقول؛ لأنني لا أريد أن أعود إلى قائمتها السوداء. ولكنها قالت بالفعل إن الأمر قد يعجبك. وقد ناقشت معي إمكانية عملك من المنزل يومًا في الأسبوع، أو قضائه في أحد متاجرنا التي تقع في وسط مدينة ساوث ليك تاهو.»

لم يقل براين شيئًا، فقد كان مرتبكًا بشدة مما يسمعه.

ثم استطرد ريك قائلًا: «إن زوجتك تفهمك بالتأكيد يا صديقي. ويبدو أنها تحبك أيضًا لسبب لا أعلمه.»

هنا ضحك براين. وقال: «إنها لن تحبني عندما أوقظها. فدعني أتحدث إليها ثم أعاود الاتصال بك في وقت ما في الأيام القليلة القادمة.»

«لا تتسرع في الرد. فليس لدي مرشحون مناسبون آخرون في الوقت الحالي على أي حال. وليس من بين من أعرفهم شخص أحمق بدرجة كافية ليقبل هذه الوظيفة.»

ثم ضحكا وأنهيا المكالمة.

الصبر

انتظر براين حتى الصباح ليتكلم مع ليزلي على الرغم من وعده لريك، فتركها لتنام وأعطى نفسه فرصة للتفكير والصلاة.

وفي الصباح توصل إلى قرار واضح: إنه سيفعل أي شيء تريده ليزلي. وسيكون لحوارهما أثناء تناول الإفطار تأثير ملموس في السنوات القليلة التالية من حياتيهما.

«إذن لقد تحدثتِ مع ريك سيبمسون ليلة أمس.» كان براين يبتسم وهو يتلهف لسماع ردها.

مسحت ليزلي من على وجهها آثار النوم. وقالت له: «أظن أن ذلك يعني أنك تحدثت معه أيضًا.»

فأومأ برأسه. وقال: «فماذا ترين؟»

«أرى أن من المستحيل أن تكره هذا الرجل. لقد كنت أرغب في أن أحطم عنقه، ثم خطر لي أن الرجل يهتم بمصلحتك بالفعل.»

ابتسم براين وترك زوجته تستطرد في حديثها.

«لقد وبخته، لكنه تلقى توبيخي بصدر رحب. إنه إنسان يثير الضيق على نحو لافت للنظر وهو في الوقت نفسه إنسان محترم.»

فضحك براين. ثم قال: «أجل، هو كذلك.»

صبت ليزلي بعض القهوة لنفسها. ثم قالت له: «ما رأيك إذن في عرضه؟»

«هذا سؤالي لكِ.»

فهزت ليزلي رأسها. وقالت: «لقد سألتك أولًا.»

فابتسم براين. وقال: «حسنًا. فقراري هو أن تقرري أنتِ.»

«هذا ليس عدلًا. عليك أن تعطيني إجابة حقيقية.»

«هذه إجابتي الحقيقية. لن أفعل شيئًا يؤذي علاقتنا بأي صورة من الصور.» ثم نظر حوله في المطبخ. وقال: «فبقدر ما أحب حل المشكلات، فإنني لا أستطيع تحمل فكرة إهمالك وشعورك بأنك ثانوية في حياتي. أنا لا أحاول أن أبدو رقيقًا الآن. لكنني أقول الحقيقة فقط.»

مسحت ليزلي عينيها مرة أخرى، لكن ليس بسبب النعاس هذه المرة. ثم جلست مع زوجها حول المنضدة. وقالت: «في رأيك، إلى متى سيستمر هذا الأمر؟»

«أي أمر؟ العمل في شركة بيع السلع الرياضية؟»

فأومأت برأسها موافقة.

«ربما يكون من الأفضل المبالغة في التقدير هنا. أعتقد أن الأمر سيستغرق ثمانية عشر شهرًا على الأكثر.»

«في رأيك، كم سيستغرق الأمر فعلًا؟»

كانت الإجابة جاهزة بالفعل. فقال: «ثمانية. أو ربما تسعة.»

أخذت ليزلي رشفة أخرى من فنجان القهوة، وسألته السؤال التالي بنبرة جادة: «إذن أتعتقد أنك ستكون موجودًا في موسم التزلج القادم؟»

ففكر في الأمر. وقال: «نعم أعتقد أنني أستطيع أن أتعهد بهذا الالتزام.»

مدت ليزلي يدها لكي تصافح زوجها. وقالت: «اتفقنا.»

ثم ناقش براين وزوجته خلال الساعة التالية شروط العمل.

فاتفقا على أن يعمل من المنزل على الأقل يومًا واحدًا كل أسبوع، وأن تنحصر أيام سفره في الفترة بين الثلاثاء والخميس، مع وجود استثناءات من وقت لآخر كانت تعرف أنها ستحدث بالتأكيد.

ولكن جاء شرطها الأخير مفاجأة له. إذ قالت: «عليك ألا تترك العمل في مطعم جين وجو بهذه الصورة المفاجئة. يجب أن تجد طريقة لكي يستمر العمل بنظريتك هناك.»

ذُهل براين، وغمرته سعادة بالغة عندما أدرك أن ليزلي تهتم إلى هذا الحد بالمطعم. أو بالأحرى بالعاملين هناك.

«إنني سعيد لسماع ذلك. فقد كنت أفكر في الاستمرار في العمل في المطعم أيام السبت لفترةٍ ما بعد أن أبدأ العمل في شركة ديزرت ماونتن، فقط لأتأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام.»

ثم سألت ليزلي سؤالًا مهمًّا. فقالت: «من الذي ترغب في أن يدير المكان؟»

قطب براين حاجبيه. ثم قال: «لقد ظللت أفكر في الأمر خلال الساعات القليلة الماضية. وأفضل إجابة توصلت إليها في الوقت الحالي هي جو. ولكن في النهاية أعتقد أن ميجو قد يتولى الأمر.»

فرفعت ليزلي حاجبيها وأخذت تتأمل الفكرة. ثم قالت: «حقًّا؟»

«بالطبع. فهو ذكي ومثقف ويعرف الكثير عن كل شيء في المطعم، أكثر من أي شخص آخر. وهم يحترمونه.»

فأومأت ليزلي برأسها. وقالت: «سيكون ذلك عظيمًا. وأتمنى أن ينجح الأمر.»

«حسنًا، عليَّ أن أبدأ العمل في ديزرت ماونتن خلال أقل من ثلاثة أسابيع. لذا لا بد أن ينجح الأمر.»

تسليم وتسلُّم

خلال الأسبوعين التاليين كان براين يقسم وقته بين دفع حركة تقييم الذات وتعليم جو كيفية المشاركة لملء فراغ دور المدير لفترة معينة. وكان جو هو المشكلة الكبرى بالنسبة إلى براين.

فبعد أكثر من ثلاثين عامًا من رسوخ مبدأ عدم الثقة في العاملين، كان جو يواجه صعوبة في إدراك أن دوره أكبر من مجرد إبعاد المرضى عن إدارة المصحة. وكان على براين أن يقنعه أن المرضى عقلاء تمامًا بالفعل، وأنهم يريدون أن تعمل المصحة بطريقة جيدة.

كانت هناك نقطتا ضغط يملكهما براين جعلتا جو في النهاية يغير طريقة تفكيره في الموضوع، وهما: النتائج المالية التي حققها المطعم خلال الأسابيع القليلة الماضية، بالإضافة إلى قرب ترك براين للعمل.

وكانت هناك بعض المحادثات المرهقة في تلك الفترة.

«تشجع يا جو. لقد لمست الأمر بنفسك. إنهم يأتون إلى العمل في الوقت المحدد، إن لم يكن مبكرًا. ويساعد بعضهم بعضًا في إغلاق المطعم في الليل، بدلًا من التفرق كطلاب الصف السادس الابتدائي عندما يدق الجرس ويتجهون إلى الفناء في وقت الراحة. وقد أصبح الزبائن أكثر سعادة. والإيراد أعلى. فماذا ستخسر بالله عليك إذا غيرت طريقة تفكيرك هنا؟»

نظر جو حوله. وقال: «اسمع، لقد قضيتُ هنا أكثر من نصف حياتي، أما أنت فقد حضرتَ منذ تسعين يومًا فقط. أظن أنني أخاطر أكثر منك هنا.»

ظل براين هادئًا. وقال: «حسنًا، ولكن ما شعورك عندما يعود كل شيء إلى ما كان عليه؟»

كان يبدو على جو أنه قد استاء بعض الشيء، فصحح براين ما قاله: «ما أقصد هو أن هؤلاء الناس يهتمون بأمر مطعم جين وجو الآن، وهم يحصلون من العمل على أكثر من الأحد عشر دولارًا التي يتقاضونها في الساعة.»

وهنا تكشف لبراين أمر ما. ما الذي يربحه جو من كل ذلك؟

«أتعلم؟ أعتقد أنك يجب أن تكون جزءًا من البرنامج.»

بدت على جو الحيرة.

«كيف يمكنك تقييم مقدار نجاحك يا جو؟ ومن الذين تؤثر في حياتهم؟»

«مهلًا. لا تجرِّب ذلك الهراء عليَّ.»

«ذلك الهراء؟» شعر براين ببعض الاستياء. وقال: «أتظن أن ذلك دجل وشعوذة وتلاعب بالمشاعر؟ ألا تعتقد أنك تحتاج إلى ذلك؟»

هز جو كتفيه.

«افتح عقلك لي خمس عشرة دقيقة يا جو. خمس عشرة دقيقة فقط.»

ببطء أومأ المالك برأسه.

«أخبرني أولًا من الذين تعتقد أنك تخدمهم هنا؟ من الذين تؤثر في حياتهم؟»

«سأوافقك فيما تفعل يا براين، لكن لا تجبرني على الإجابة عن تلك الأسئلة. أخبرني فقط بما تعتقده.»

وافق براين. وقال: «حسنًا، سأخبرك من الذين تؤثر في حياتهم. وأظن أنك تعرف الإجابة بالفعل. إن هؤلاء العاملين يحتاجون إلى وظائفهم لأسباب أكثر مما تعتقد. إنهم بالطبع يحصلون على رواتبهم من هنا، وهذا أمر لا يستطيع أيٌّ منا الاستهانة به. لكنهم يجدون هنا أيضًا الشعور بالإنجاز، واحترام الذات والتعقل وروح الجماعة.»

كان جو يحاول أن يحافظ على أسلوبه المتشكك، ولكن براين لم يعطه الفرصة.

«ما دمت تعتقد أنك قمت بتعيين مجموعة من الحمقى الذين لا يريدون أن يكونوا هنا، والذين لن يقوموا إلا بما هو مطلوب منهم فحسب، فلن تجد منهم غير ذلك.» وأدرك براين أن جو يحتاج بعضًا من الشدة الآن، فواصل قائلًا: «وهذا ما كنت تجنيه لسنوات. أما الآن فلديك الفرصة لتغيير الأمور، لكي تمثل شيئًا حقيقيًّا لهؤلاء الناس، وتوقظ مشروعًا ظل خاملًا لسنوات. إن الأمر يرجع إليك يا جو. إنه يرجع تمامًا إليك.»

فقام جو من مكانه وصب لنفسه فنجانًا من القهوة. وعندما عاد مرة أخرى إلى المائدة قال: «هل انتهت الخمس عشرة دقيقة أم لا؟»

هز براين رأسه وقد بدت عليه أمارات خيبة الأمل. وقال: «لا أعرف.»

«لأنني أعتقد أنه يجب علينا بحث كيفية قيامي بتقييم كل هذه الأمور.»

فابتسم براين وسحب منديلًا من العلبة الموجودة على المائدة وبدأ في العمل.

وبعد تسعين دقيقة، اتفق الشريكان على أربع طرق لتقييم النجاح وهي: الإيرادات اليومية، والإكراميات، وولاء الزبائن، ورضا العاملين. بعض هذه الأمور يسهل تقييمها، والبعض الآخر يتطلب بعض التقدير النوعي والتغذية الرجعية. لكنها تشكل أساس عمل جو، بالإضافة إلى التدريب المستمر لخليفة براين، ميجو.

تبديل الاتجاه

وعندما اقترب موعد تسلم براين لعمله الجديد، بدأ ببطء في تسليم المزيد والمزيد من مسئولياته في المطعم لجو وميجو. وفي الأسبوع الأخير له في المطعم، كان يترك العمل في الفترات المسائية لفترات طويلة، لكيلا يصبح غيابه عن العمل في الأسبوع التالي قوي التأثير.

وفي الليلة الأخيرة بقي الموظفون لوقت متأخر، وأحضر خواكين كعكة صغيرة صنعها بنفسه مكتوب على جانبها العلوي «وداعًا براين». ومع أن المناسبة كانت بالتأكيد أقل عاطفية من حفل الوداع في شركة جيه إم جيه، فقد فوجئ براين بمدى ارتباطه بالعاملين المتبايني الشخصيات في مطعم جو في مثل هذه الفترة القصيرة.

ثم تحدَّث إلى العاملين حديثًا قصيرًا. قال فيه: «حسنًا، أريدكم جميعًا أن تتذكروا أنني شريك من هذا المكان؛ لذلك سآتي إلى هنا من وقتٍ إلى آخر لكي أراجع تقييماتكم. وسوف أطلب الطعام مستخدمًا اسمًا مستعارًا، أو سآتي من نافذة خدمة السيارات متنكرًا، لمجرد أن أتأكد من أنكم تديرون المكان بطريقة صحيحة.»

فضحكوا.

وعندما ذهب إلى المنزل في هذا المساء، اختفى أي شكل من الحزن كان يشعر به براين وظهر بدلًا منه شعوره بالحماس لبدء عمله الجديد.