مقالات المؤلفين الإسلاميين
ذكرنا في الفصل السابق قول العلماء الغربيين من المستشرقين ومؤرخي الفلسفة في الفلسفة الإسلامية، وتتبَّعنا نظرهم إليها وحكمهم عليها منذ تأسيس تاريخ الفلسفة بالمعنى الحديث إلى أيامنا هذه.
ونُريد في هذا الفصل: أن نتناول آراء المؤلفين الشرقيين من أهل البلاد الإسلامية الذين كتبوا مؤلفاتهم بالعربية غالبًا.
وسنُحاول أن نتبيَّن وجهة نظرهم إلى الفلسفة الإسلامية ومقالاتهم في أصولها وحكمهم على منزلتها.
وقد يكونُ من العسير أن نَسلك في هذا البحث نفس النسق الذي سلكناه في الفصل الأول، خصوصًا فيما يتعلق بمراعاة الترتيب التاريخي في سرد الآراء وملاحظة تطوُّرها، على أنَّا سنبذل جهدنا في التقريب بين مناهج البحثين.
(١) الفلسفة والأمة العربية
يقول القاضي أبو القاسم (صاعد بن أحمد) المُتوفى سنة ٤٦٢ﻫ/١٠٧٠م في كتابه «طبقات الأمم» بعد ذكر علم العرب في جاهليتهم:
وكلام صاعد نص في أنَّ العرب لم يكن عندهم شيء من علم الفلسفة. وفي أنَّ طبعهم خِلْوٌ من التهيُّؤ لهذا العلم إلا شذوذًا.»
لكن الشهرستاني المتوفى سنة ٥٤٨ﻫ/١١٥٥م يقول في كتابه «المِلَل والنِّحَل» عند الكلام على الفلاسفة في الأمم المختلفة:
فالشهرستاني يرى أنَّ العرب قبل الإسلام كان عندهم حكماء، هم شرذمة قليلة، وكان عندهم حكمة أكثرها فلتات الطبع وخطرات الفكر، ولا شك أنَّ العرب في جاهليتهم كانوا يعرفون كلمة «حكمة» وكلمة حكماء.
ولم يبيِّن صاحب كتاب «الملل والنحل» في هذا القول سبب قلة الحكماء عند العرب، ولم يَرُدَّ ذلك إلى طبيعتهم على نحو ما صنع القاضي أبو القاسم صاعد، بل هو لم يرد ذلك إلى طبيعة العرب عندما ذكر آراء الناس في تقسيم أهل العالم فقال:
على أنَّ الأستاذ أحمد أمين بك يرى رأيًا آخر في كلام الشهرستاني؛ فهو يقول في كتابه «فجر الإسلام» ما نصه:
«لاحظَ بعض المُستشرقين أنَّ طبيعة العقل العربي لا تنظر إلى الأشياء نظرة عامة شاملة، وليس في استطاعتها ذلك، وقبلَه لاحظَ هذا المعنى بعض المؤلفين الأقدمين من المسلمين، فقد جاء في «الملل والنحل» للشهرستاني عند الكلام على الحكماء:
«الصنف الثاني حكماء العرب وهم شِرذمة قليلة، وأكثر حِكَمهم فلتات الطبع وخطرات الفكر.
ولست أرى أنَّ كلام الشهرستاني بسببٍ من عجز العقل العربي عن النظر إلى الأشياء نَظرة شاملة، بل قد يكون على عكس ذلك.
ولا يريد الجاحظ بمقاله إلا أن يصف العرب بسرعة الذكاء وحِدَّة الذهن وإصابة الرأي فيما يحتاج غيرهم فيه إلى أناة وطول تفكير واستعانة وبحث.
هذا ويُوشك أن يكون التخالف بين مقال صاعد ومقال الشهرستاني في أمر الفلسفة عند العرب يَرجِعُ إلى عدم اتفاقهما على المُراد بالفلسفة التي يتكلمان عنها، فصاعد يريد بالفلسفة النظر العقلي الموجَّه إلى تعرُّف الحقائق على أسلوب علمي، وهو يذكر ما يذكره من علوم العرب كعلم لسانها، وعلم الأخبار، ومعرفة السِّيَر والأمصار، ثم يذكر معرفتهم لمطالع النجوم ومغاربها، وأنواء الكواكب وأمطارها، فيقول:
فلم يكن عند العرب علم على طريق تعلم الحقائق والتدرُّب في العلوم مُطلقًا، لا ما يُسمى بالفلسفة ولا غيره.
وقد كان عند العرب من غير الصابئة والبراهمة مَن يضعون لهم حدودًا عقلية تكفل شيئًا من النِّظام والعدل لمعيشتهم هم حكماؤهم وحكامهم.
وهذا التفكير العقلي وما إليه يُسَمَّى فلسفة عند الشهرستاني، ما دام غير معتمد على أساس من الدين، وإن لم يكن على المنهج العلمي.
وصاعد مع قوله بأنَّ العرب لم يمنحهم الله شيئًا من علم الفلسفة ولا هيأ طباعهم للعناية به، فإنَّه لم يتبيِّن لنا ما هي تلك الطبيعة العربية التي تنبو عن الفلسفة.
أمَّا الشهرستاني فقد مَيَّز الطبيعة العربية تمييزًا يجعلها قريبة من النظر المجرَّد والمباحث الكلية التي هي بالفلسفة أشبه، ثم ذَكَرَ أنَّ حُكماء العرب قليلون وأكثر حِكَمهم بديهة وارتجال، ولم يبيِّن وجهًا لقلة حكمائهم مع توفر استعدادهم الطبيعي.
- (١)
صنف طبيعي للإنسان يهتدي إليه بفكره.
- (٢)
وصنف نقلي يأخذه عمَّن وضعه.
- والأول: هو العلوم الحكمية الفلسفية، وهي التي يمكن أن يقف عليها الإنسان بطبيعة فكره، ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ومسائلها وأنحاء براهينها ووجوه تعليمها، حتى يقفه نظره وبحثُه على الصواب من الخطأ فيها من حيث هو إنسان ذو فكر.
- والثاني: العلوم النقلية الوضعية، وهي كلها مُستنِدة إلى الخبر عن الواضع الشرعي، ولا مجال للعقل فيها إلا في إلحاق الفروع من مسائلها بالأصول.١١
ويظهر أنَّ هذا الفيلسوف الاجتماعي لا يرى رأي القائلين بأنَّ في طبيعة العرب ما يصدُّهم عن الفلسفة ويُضعِف استعدادهم لها؛ إذ هو لا يقسم البشر أجناسًا لكل جنس طبيعة لازمة، على نحو ما يَمِيل إليه صاعد والشهرستاني فيما يؤخذ من كلامهما، بل هو يرد صفات الشعوب الحسية والمعنوية إلى عوامل طارئة من الهواء، واختلاف أحوال العمران، فهو يبين في «مُقدمته» أثر الموقع الجغرافي وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير من أحوالهم، ويذكر اختلاف أحوال العمران في الخصب والجدب، وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم.
وقد عقد في المقدمة فصلًا للكلام على أنَّ حَمَلة العلم في الإسلام أكثرهم العجم، حلَّل فيه الأسباب التي يرى أنَّها صَرَفَتِ العرب عن العناية بالعلم والفلسفة في جاهليتهم وإسلامهم، وهي أسباب خارجة عن طبيعتهم الجنسية.
قال في هذا الفصل: «من الغريب الواقع أنَّ حَمَلة العلم في المِلَّة الإسلامية أكثرهم العجم، لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية، إلا في القليل النادر، وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته، مع أنَّ الملة عربية وصاحب شريعتها عربي، والسبب في ذلك أنَّ الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة؛ لمُقتضى أحوال السذاجة والبداوة، والقوم يومئذٍ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين.»
فابن خلدون لا يرى أنَّ انصراف العرب عن الفلسفة إلا قليلًا كان لقصور في طبيعتهم، لكنَّه كان بحكم البداوة البعيدة عن ممارسة الصناعات العلمية وغيرها، ثم بحكم اشتغالهم بالرياسة وتدبير الدولة والدفاع عنها، واستنكافهم عن معالجة الصناعات حتَّى العلمية منها التي تركوها للمرءوسين من الأعاجم.
(٢) مصادر الفلسفة في الملة الإسلامية
لم يكن للعرب في جاهليتهم حظٌّ من الفلسفة من حيثُ هي علم له موضوعه وأسلوبه في البحث وغايته.
لكنَّ هذا العلم كان موجودًا عند أمم من غير العرب، وانتقل منها إلى العرب في ريعان دولتهم الناهضة.
(٢-١) الاعتراف بسلطان الفلسفة اليونانية
قال ابن خلدون في المقدمة:
وفي ذلك اعتراف بقيام العلوم الفلسفية في الإسلام على أصول يونانية وفارسية وهندية، لكن ابن خلدون يقول في المقدمة:
ومهما يكن من أمر هذه الرِّواية، فإنها لا تُثبت أن آثار الفرس مُحيت كلها غير أنها قد تدلُّ على أنَّ ما وصل إلى العرب من مؤلفات الفرس هو دون ما وصل إليهم من مؤلفات اليونان مثلًا.
واعتراف مؤلفي العربية بأنَّ علوم الفلسفة دخيلة عليهم، ظاهر في شيوع وصفها في كتبهم بأنها من علوم الأوائل والعلوم القديمة، في مقابلة العلوم المحدثة في الملة الإسلامية، وقد جاء هذا التعبير في كتاب «الفهرست» لابن النديم، وكتاب «طبقات الأمم» لأبي القاسم صاعد، و«كتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء»، وغيرها.
واستعمال العرب للفظ «الفلسفة» اليوناني إشعارٌ بأنَّ مصدر الفلسفة عندهم يوناني، بل إنَّ مؤلفي العرب يَرَوْن أنَّ الأصل في الفلسفة والمبدأ في الحكمة للرُّوم، قال صاحب كتاب «إخبار العلماء بأخبار الحكماء»:
وقال صاحب كتاب «الملل والنحل»:
وفي كتاب «أبجد العلوم» لصديق حسن خان:
والرَّأي السائد عند المؤلفين الإسلاميين هو أنَّ الفلسفة الإسلامية ليست إلا مقالات أرسطوطاليس مع بعض آراء أفلاطون والمُتقدمين من فلاسفة اليونان قبل أفلاطون، وهذا ما يقوله الشهرستاني في «الملل والنحل» عند الكلام على المتأخرين من فلاسفة الإسلام:
وابن خلدون يقول تارة في المُقدمة في: «فصل في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها» كقول الشهرستاني:
ويرى تارة رأيًّا آخر فيقول في فصل: «العُلوم العقلية وأصنافها» بعد ذكر عصر المأمون، وما كان فيه من العناية باستخراج كتب اليونانيين وترجمتها:
ومن فلاسفة الإسلام أنفسهم مَن لا يرى في الفلسفة الإسلامية في جملتها أفضل من هذه الآراء.
وقد نقل ماسينيون في كتابه «مجموع نصوص لم تنشر متعلقة بتاريخ التصوُّف في بلاد الإسلام»، جملة من كتاب لابن سبعين الفيلسوف الأندلسي المتوفى سنة ٦٦٩ﻫ/١٢٧٠م، صوَّر فيها ابن رشد والفارابي وابن سينا تصويرًا يشفُّ عن رأيه في فلسفتهم، وهم أئمة الفلسفة الإسلامية. قال في ابن رشد:
«وهذا الرجل مفتون بأرسطو ومُعَظِّم له، ويكاد أن يُقلِّده في الحس والمعقولات الأولى، ولو سمعَ الحكيم يقول: إنَّ القائم قاعد في زمان واحد، لقال هو به واعتقده، وأكثر تآليفه من كلام أرسطو؛ إما يلخصها، وإما يمشي معها.»
وقال في الفارابي:
«وهذا الرجل أفهم فلاسفة الإسلام وأذكرهم للعلوم القديمة، وهو الفيلسوف فيها لا غير، وهو مُدرِك محقِّق.»
أما ابن سينا عنده:
«فمموِّه مسفسط، كثير الطنطنة، قليل الفائدة، وما له من التآليف لا يصلح لشيء، ويزعُم أنَّه أدرك الفلسفة المشرقية، ولو أدركها لتضوَّع ريحها عليه، وهو في العين الحَمِئة، وأكثر كتبه مؤلَّفة ومستنبَطة من كتب أفلاطون، وما فيها من عنده فشيء لا يصلح، وكلامه لا يُعوَّل عليه، و«الشفاء» أجلُّ كتبه، وهو كثير التخبُّط ومُخالف للحكيم، وإن كان خلافه له ممَّا يُشكَر له، فإنَّه بيَّن ما كتبه الحكيم، وأحسنُ ما له في الإلهيات «التنبيهات والإشارات»، وما رمزه في حي ابن يقظان، على أنَّ جميع ما ذكره فيها هو من مفهوم «النواميس» لأفلاطون وكلام الصوفية.»
والواقع أنَّ افتتان الجمهرة من متفلسفة الإسلام بأرسطو وبالمشَّائين وغيرهم من حكماء اليونان كان أمرًا غير خفي.
وفي كلام ابن سبعين نفسه بوادر تنم عن شيء من هذا، ألستَ تراه يعتبر الفارابي هو الفيلسوف لا غيره؛ لأنَّه أفهم فلاسفة الإسلام، وأذكرهم للعلوم القديمة، وهو يريد علوم الفلسفة المترجمة عن يونان؟ ثم ألستَ تراه يَلمِز ابن سينا لمخالفته للحكيم — أي أرسطو — ويعود فيرى في ذلك موضعًا للشكر لأنَّ فيه تبيُّنًا لآراء المعلم الأول؟
(٢-٢) الخطأ والتحريف في تعريب الكتب الفلسفية
ولم يغفل المؤلفون الإسلاميون التنبيه إلى ما وقع من الخطأ والتحريف في ترجمة الكتب الفلسفية، ونقلها إلى العربية.
قال أبو حيان التوحيدي المتوفى سنة ٤٠٠ﻫ/١٠٠٩م في «المقايسات»:
ويقول الغزالي المتوفى سنة ٥٠٥ﻫ/١١١١م في كتابه «تهافت الفلاسفة»:
(٣) وفي كتاب «إخبار العلماء بأخبار الحكماء»
(٣-١) رأي ابن سينا
وقد بيَّن ابن سينا في مقدمة كتابه «منطق المشرقيين» تحكُّم أرسطو والمشَّائين في عقول المتفلسفة الإسلامية، وكشف عن فلسفته هو وموقفها فقال:
«وبعد؛ فقد نزعت الهِمَّة بنا إلى أن نَجْمَع كلامًا فيما اختلف أهل البحث فيه، لا نلتفت فيه لفْتَ عصبية أو هوًى أو عادة أو إلْف، ولا نُبَالي مُفارقة تَظهَر منَّا لما ألِفَه مُتعلمو كتب اليونانيين إلْفًا عن غفلة وقلة فهم، ولما سُمع منَّا في كتب ألَّفناها للعاميين من المُتفلسفة، المشغوفين بالمشائين، الظَّانين أنَّ الله لم يَهدِ إلا إياهم، ولم يُنِل رحمته سواهم، مع اعترافٍ منَّا بفضل أفضل سلهم (يريد به أرسطو) في تنبُّهه لما نام عنه ذووه وأستاذوه. وفي تمييزه أقسام العلوم بعضها عن بعض. وفي ترتيبه العلوم خيرًا ممَّا رتَّبوه. وفي إدراكه الحق في كثير من الأشياء. وفي تفطنه لأصول صحيحة سَرِية في أكثر العلوم. وفي إطلاعه الناس على ما بَيَّنَها فيه السلف وأهل بلاده، وهذا أقصى ما يقدر عليه إنسان يكون أول مَن مدَّ يديه إلى تمييز مخلوط وتهذيب مُفْسَد، ويحق على مَن بعده أن يلمُّوا شعثه، ويرمُّوا ثلمًا يجدونه فيما بناه، ويفرِّعوا أصولًا أعطاها، فما قَدَرَ من بعده على أن يُفرغ نفسه من عهدة ما ورثه منه، فذهب عمره في تفهم ما أحسن فيه، والتعصب لبعض ما فرَّط من تقصيره؛ فهو مشغول عمره بما سلف، ليس له مُهلة يراجع فيها عقله ولو وجدها ما استحلَّ أن يَضَع ما قاله الأولون موضع المفتقِر إلى مزيد عليه، أو إصلاح له أو تنقيح إياه، وأمَّا نحن فسهل علينا التفهم لما قالوه أوَّل ما اشتغلنا به، ولا يبعد أن يكون قد وقع إلينا من غير جهة اليونانيين علوم.
وما يكون لنا أن نَلتمس وراء ابن سينا مرجعًا للحكم في الفلسفة الإسلامية، وجماع حُكْمِه، أنَّ الفلسفة الإسلامية كانت في غالب أمرها قائمة على العصبية لأرسطو وللمشائين، لكنَّ فلاسفة الإسلام على الحقيقة، من أمثال ابن سينا، كانوا يعرفون لأرسطو فضله من غير غفلة عن قصوره أحيانًا وخطئه، وكانت تقع لهم علوم من غير أرسطو، بل من غير علوم يونان، وكانت وجهتهم أن يُشيِّدوا هيكلًا فلسفيًّا يقوم على قواعد مما مَحَّصَه النقد من مقالات أرسطو والمشائين، وترفع أركانه بما عملتْه أيديهم وما كسبوه من غير اليونانيين.
ومتى درست آثار الفلاسفة الإسلاميين حق دراستها — وذلك يحتاج إلى كدِّ الذهن وطول الصبر، وحُسن الاستعداد، وتحصيل الآلة المعينة على تفهُّم تلك الأساليب — ومتى نُشر للباحثين ما لم يُنشر من آثار القوم، وهو كثير، فسنعرف عن يقين نصيب الفلسفة الإسلامية من التراث الفلسفي في العالم.
(٣-٢) فلسفة وحكمة
ولا يفوتنا أن نُشير إلى أن فلاسفة الإسلام استعملوا، إلى جانب كلمة «فلسفة» اليونانية وما اشتُق منها، كلمة «حكمة» العربية وما أخذ منها، فقالوا: حكمة، وحكيم، وعلوم حِكْمية.
ويَظهَر أنَّ هذا الاستعمال بعيد العهد يتصل بأوَّل نقْل للعلوم القديمة في الإسلام، على ما جاء في كتاب «الفهرست»، فقد ورد فيه:
وقال صاحب «الفهرست» في موضع آخر:
وفي كتاب «فضل هاشم على عبد شمس» للجاحظ:
وفي كتاب «البيان والتبيين» للجاحظ:
وقد أُنشيء في عهد الرشيد وولده المأمون بيت الحكمة، ونجد لبيت الحكمة هذا ذكرًا في كتاب «الفهرست»، ففي أخبار غيلان الشعوبي:
وفي أخبار سهل بن هارون:
ثم ذكَر سعيد بن هارون الكاتب، وأنه شريك سهل بن هارون في بيت الحكمة، وذكر «سلمًا» صاحب بيت الحكمة مع سهل بن هارون.
وكثيرًا ما نجد في كتب مؤلفي العربية وضع الحكمة والحكيم مكان الفلسفة والفيلسوف وبالعكس، وعبروا بحكماء الإسلام وفلاسفة الإسلام، والحكيم عندهم على إطلاقه هو أرسطو.
وقد يدلُّ قدم العهد باستعمال كلمة «الحكمة» في معنى الفلسفة، وامتداد ذلك إلى أول نقل بالعربية للعلوم القديمة، على أنَّ أصل معنى كلمة «الحكمة» في كلام العرب كان مُمَهِّدًا لهذا الاستعمال غير بعيد منه.