تمهيد
شِعره صعبٌ …
وهو — كحياة صاحبه — يفيض بالألم والعذاب، وتحفُّ به المخاطر والمتاعب والصعاب. هو كالطير الغريب الوحيد الذي يأتي من بلادٍ بعيدة ويسافر لبلادٍ مجهولة. وهو كالصوت الجليل المخيف الذي يعلن نبوءة الآلهة على لسان كاهنٍ مذهول إلى إخوته من البَشر الحيارى المذهولين. لكنه مع ذلك أو بسبب ذلك يلمس القلب ويهزُّه وينفذ إلى الأغوار. إنه ينقلك على الفور إلى الشاطئ البعيد، يُبكيك شوقًا إلى المُثل العزيزة المستحيلة، يملؤك إحساسًا بالبطولة والانكسار، بالنشوة والعذاب، بالانتصار والاستشهاد. ليس غريبًا أن يُسمى صاحبه «شاعر الشِّعر» و«شاعر الشُّعراء». وليس غريبًا أن يتفق أهله وغير أهله على أنه من أعظم مَن أنشد الشِّعر في لغته وفي كل اللغات، ومن أعظم مَن تعذَّب به وجُنَّ بسببه. وكما تسكن جنيات البحر في الماء، سكن هذا الشاعر في نبع الشِّعر. لم يكتفِ بالشرب منه أو التطهر بمائه أو سقي الندامى والعطاش. بل سكن فيه طول حياته، حتى أصبحت الحياة عنده هي الشِّعر، والشِّعر هو الحياة.
لذلك كان الشِّعر بيته ولَحْده، نعمته ونقمته. كان قَدَرَه.
ذلك هو فريدريش هلدرلين (١٧٧٠–١٨٤٣م) الذي وهب الشِّعر كل شيء، فأعطاه كل شيءٍ وأخذ منه كذلك كل شيءٍ؛ أعطاه سرَّه الخالص، وامتلك في مقابله كل حياته الواعية وغير الواعية، ثم هوى به في ليل الجنون الطويل فعاش نصف عمره الأخير في ظلامه. ولعلَّه قد عرف أن الفن أشبه بإلهٍ أسطوريٍّ نهم للدماء، لا يرضى عن الضحية حتى يمتصَّ آخر قطرة في عروقها؛ عندئذٍ يمنحها البركة ويلقي عليها وشاح الخلود. وقد أخلص هلدرلين لفنِّه وخشع في محرابه وقدَّم حياته قربانًا له. وأحسَّ بفطرته النقية الورعة أن شجرة العبقرية تمدُّ جذورها في أرض التعاسة والعذاب والمأساة، فلم تنمْ شجرته الطيبة حتى دفع الثمن بأكمله؛ تجاهله عصرُه، وانكسر قلبُه، وضاع في المتاهة التي لا يرجع منها أحد.
كانت نفسه الحيية الوديعة تطلُّ من نظرات عينَيه الطيبتَين الشاردتَين اللامعتَين ببريقٍ غريب، كما كانت تطل من قسمات وجهه الجميل الرقيق، وكآبته ووحدته وعجزه عن التعامل مع الناس، وإخفاقه المستمر في الحب والحياة. ولكن هذه النفس الوديعة كانت تطوي في أعماقها شاعرية تتأجج بالشوق إلى مثالٍ عالٍ يبدو كالقمة المختفية وراء الغيوم، وتسعى لبعث الحياة في شرايين عالَمٍ أسطوريٍّ جميل كان يزهو في الزمن القديم بالآلهة والقديسين والأبطال الخالدين. وكانت هذه الشاعرية تنبع من حياةٍ باطنيةٍ تائهة في رؤيةٍ دينية وأسطوريةٍ عميقة، مستغرقة في تجربة كونية محيطة بالقوانين الأبدية المتحكمة في النشوء والتغير والوجود، مستسلمة للقوى الإلهية المسيطرة على القدَر؛ القدر الذي شاء له الوحدة والعذاب والجنون، ومع ذلك استسلم له في خشوعٍ وانكسار، وظل يحييه في كل أشعاره وينتظره ويبشر بموكبه الرائع.
وهلدرلين شاعرٌ متوحد ووحيد.
ولا نقصد بتوحده ووحدته أن نرسم له صورةً رومانسيةً حالمة تنشر حولها ظلال الحزن؛ فهذا أبعد شيءٍ عن بالنا وأبعد شيء عن الصواب. ألم يقل في مسرحيته التي سيأتي الحديث عنها إن التوحد هو الموت؟ ألم يقل إن الحالمين يندر ظهورهم في العهود الطيبة؟ ألم يضع الإنسان في قلب الشبكة التي تلتقي عندها خيوط الطبيعة والبشر والسماويين الخالدين؟ ألم يتغنَّ «بالروح الذي يشارك فيه الجميع»، ويتحقق معه السلام بعد كل خِصام، والانسجام والتجانس بعد كل نزاعٍ وشقاق، ويرويه الإنسان بعَرقه وجهده وجده ونشاطه؟ ألم يؤمن دائمًا بالفعل، وبأن الشِّعر يمكن في بعض الأوقات أن يهدي إلى الفعل، بل أن يصبح هو نفسه فعلًا ويصبح الشاعر إذا اقتضى الأمر ودعت المحنة ثائرًا «يحطم أوتاره التعيسة ويحقق ما كان يحلم به الفنانون»؟
نعم! كان هلدرلين فردًا وحيدًا، وكذلك يكون كل فنانٍ وينبغي أن يكون. ولكن الفنان الصادق يعرف أيضًا أنه لن يكون فردًا بحقٍّ إلَّا إذا كان فردًا في مجتمعٍ، ومن أجل مجتمعٍ، يعطيه ويبذل له من نفسه، ويشقى لكي يسعد ويرقى. وها هو ذا هلدرلين يؤكد هذا المعنى في قصيدة له (شجر البلوط) فيقول: «كل واحد منكم عالَمٌ مستقلٌّ، أشبه بالنجوم في السماء، فعيشوا معًا في اتحادٍ حرٍّ.»
هو إذًا يريد أن يعيش الإنسان فردًا في اتحاد حرٍّ أو جماعةٍ حرة يقوم بين أعضائها حوارٌ مشترك. وإذا كان قد اضطر أن يلوذ بوحدته فرارًا من قسوة الحياة والمجتمع، فإنه لم يمجد تلك الوحدة التي تعني الانعزال والانطواء على الألم والمرارة. وإذا كنا نقول إنه وحيد فإن وحدته لا تعني انفراده في مواجهة قدره البائس فحسب، بل تعني كذلك تفرُّده بين شعراء بلده وعصره.
وُلد هلدرلين في العشرين من شهر مارس سنة ١٧٧٠م في بلدة «لاوفن» الصغيرة على نهر النيكر. ومات أبوه الذي كان معلمًا في مدرسة الدير القائمة في هذه البلدة وهو طفل صغيرٌ، فتزوجت أمه عمدة مدينة «نورتنجن». ودخل المدرسة اللاتينية في هذه المدينة ثم انتقل منها إلى مدرسة الدير في بلدتي ماولبرون ودنكندورف. واستجاب لرغبة أمه الطيبة المسكينة — التي كان يشعر أنه مسئول عن بكائها الذي لا ينقطع، كما كان يحبها حبًّا يقرب من العبادة — فدخل معهد الوقف الديني الشهير في مدينة «توبنجن» ليدرس اللاهوت من سنة ١٧٨٨م إلى سنة ١٧٩٣م. واحتمل مرارة الحياة الخشنة الصارمة بين جدران هذا المعهد أو بالأحرى هذه الزنزانة اللاهوتية. ولكنه صمم بينه وبين نفسه على الهروب من أغلال اللاهوت والانصراف إلى موهبته الشِّعرية المتفتحة.
وإذا خرجنا من أسوار الدير الضيقة لنلقي نظرةً على الحياة الفكرية والروحية في ألمانيا في ذلك الحين وجدنا هناك ثلاث قوًى تطبع هذه الحياة بطابعها؛ بعث الروح الإغريقية ومحاكاة الروائع القديمة محاكاةً خلَّاقة، وازدهار الحياة الأدبية والفلسفية في أواخر القرن الثامن عشر على يدي جوته وشيلر وكانْت وهمبولت وهيردر وأدباء حركة «العصف والاندفاع»، والثورة الفرنسية التي أشرقت فجأةً على القارة الأوروبية كأنها فجر الخلاص والأمل في الحرية وتقدم الإنسان، وأرسلت عليها عاصفةً مدوية تنذر بالقضاء على ظُلم الاستبداد. ولا شك أن شباب ذلك الجيل والأصدقاء الثلاثة قد تعلَّقت أبصارهم بهذه الأنوار الساطعة وهبَّت عليهم نسماتٌ من هذه العاصفة الجارفة على حين كانوا يستذكرون دروس الفلسفة واللاهوت في حجراتهم البائسة.
أما الحركة الفلسفية فكانت قوةً أخرى هزَّت عقول الشباب وقلوبهم. نادى كانْت وشيلر وفيلهلم فون همبولت بالحرية والمثالية والكرامة والشخصية الإنسانية المتجانسة الخلَّاقة، وعبر عنها الكُتَّاب والأدباء الذين وُلدوا في السبعينيات من القرن الثامن عشر. وكان لكتابات شافتسبري (١٦٧١–١٧١٣م) وأشعار شيلر ورسائله الفلسفية والجمالية أثرها في النظر إلى العالَم بوصفه كُلًّا واحدًا متصل الأجزاء، وهذا الإحساس بكليَّة العالَم — إن صحَّ هذا التعبير — هو الذي جعل هلدرلين يبحث طوال حياته عن الرموز الشعرية الصالحة للتعبير عن العلاقة الباطنة التي تربط الإله بالطبيعة الحية .. بالإنسان أو بالأحرى بطبيعته الإلهية النبيلة ..
أما القوة الروحية الأخيرة التي هزَّت أبناء ذلك الجيل فهي الثورة الفرنسية. أحسوا أنها فتحت لهم أبواب عصرٍ جديد وفجرٍ جديد. وهل كان من الممكن أن ينجوا من سحر أفكارها وهم يرزحون تحت نير الطغيان الحاكم في مدينة شتوتجارت وفي مدينتهم الصغيرة توبنجن؟ وأسَّس الطلبة ناديًا سياسيًّا انضم إليه الأصدقاء الثلاثة. وعندما أَعلنت الثورة الفرنسية في سنة ١٧٩٣ أنها خلعت المسيحية عن عرشها ليبدأ عصر العقل احتفل الطلبة في «توبنجن» بغرس شجرة الحرية في ميدان السوق، وراحوا يغنُّون ويهلِّلون ويرقصون حولها، بل إنهم فوجئوا ذات يوم بالدوق الحاكم يقف أمامهم في قاعة الطعام بالمعهد الديني ويُلقي عليهم خطبةً مملَّة غاضبة تنذرهم كل كلماتها بالويل والثبور بعد أن سمع عن أغنياتهم التي كتبوها عن الحرية وأناشيدهم التي ردَّدوا فيها المرسيلييز! ومَن يدري؟ فربما بلغت مسامعه إحدى القصائد التي تغنَّى فيها هلدرلين بالحرية و«بيوم الحصاد حين تحرز عصبة الأبطال النصر، وتقفر كراسي الطغاة ويتعفن عبيرهم».
لقد خُيِّل إليه هو وأصدقاؤه أن ساعة الحرية قد دقَّت، وأن البطولة الإغريقية بُعثت حيَّة في أبطال الثورة الفرنسية. وانتظر الشباب من الثورة الفرنسية والفلسفة الكانتية والأدب الألماني أن يرتفعوا بالوجود الإنساني والعقل الإنساني. وبدا أن المَثل الأعلى الذي دعا إليه ليسنج واتخذ أشكالًا مختلفة في كتابات هيردر وجوته في شبابه ثم اتخذ أشكالًا أخرى أكثر عمقًا في مسرحية «إفيجينيا» لجوته ومسرحية دون كارلوس لشيلر؛ بدا أن هذا المثل الأعلى قد أوشك على التحقق. وارتفعت الأصوات في كل مكانٍ مناديةً بالحرية والمثالية والنهوض بالإنسان والمجتمع. والتفَّ الشباب حول «فشته» — زعيم الفلسفة المثالية ورائد موكب الحرية والقومية — في مدينة «يينا»، وأعلن ناقد الرومانتيكية فريد ريش شليجل من برلين تأييده للفلسفة الجديدة والثورة الفرنسية بوصفهما أبرز اتجاهَين في حياة العصر. وظهر لكل إنسان أن الأدب والفكر هما الروضة الوحيدة المزدهرة وسط صحراء البؤس والظلم والإقطاع والاستبداد.
ولكن المشكلة أصبحت عند هلدرلين هي مأساة وجوده كله. وأصبح العالَم الأسطوري الذي يحلم بإحيائه هو تجربته الكبرى، ورمز الطهر والقداسة التي يراها ماثلةً في كل مظاهر الحياة والطبيعة. وصارت رسالة الشاعر في رأيه هي إعادة القوى الإلهية إلى الحياة عن طريق التغنِّي «بالخالدين» ومناجاتهم بالكلمة الشاعرة. ولم تنفصل هذه التجربة عن تجربة الحزن العميق الذي أحسَّه وهو يعيش أسير قدرٍ غريب على عالم الآلهة؛ قدَر يحطمه ويقهره ويدنس قداسته. لقد حكم على الإنسان أن يُنتزع من أحضان الكل الذي كان يحيا معه في سلام وألقى به في هاوية الوحدة والضياع، كما حكم على الشاعر أن يواجه محنته ومحنة عصره البعيد عن نور الخالدين وحكمتهم وجلالهم، وأن يتغنَّى بهذا العالم وينتظره ويذكر به البشر اللاهين عنه.
عاش هلدرلين من شهر أكتوبر سنة ١٧٩٨م إلى شهر يونية سنة ١٨٠٠م مع صديقه ورفيق دراسته الحميم إسحاق فون سنكلير في مدينة هومبورج القريبة من فرانكفورت. وأتم رواية «هيبريون» وبدأ العمل في مسرحية «موت أنبادوقليس»، وكتب عددًا كبيرًا من قصائده الغنائية الكبرى ومقالاته الفلسفية. وحاول أن يؤسِّس مجلة «أيدونا» لنشر المبادئ الإنسانية التي يؤمن بها، ولكن المشروع مات قبل ولادته. وعاد يهيم في البلاد بحثًا عن لقمة العيش فعمل فترةً قصيرة في بلدة «هاوبتفيل» بسويسرا ثم هجرها وقام برحلته الأخيرة إلى مدينة «بوردو» الفرنسية ليتولَّى تعليم أبناء القنصل الألماني المقيم فيها. ولكنه لم يلبث أن ترك عمله في ظروفٍ غامضة، وعبر الحدود على قدميه حتى وصل إلى وطنه وقد ظهرت عليه أمارات الاضطراب النفسي والعقلي … ورجع إلى بلدته «نورتنجن» وعاش مع أمه حتى سنة ١٨٠٤م، وهناك عكف على ترجمة مسرحيتَي أوديب ملكًا وأنتيجونا لسوفوكليس، وبعض قصائد «بندار» وأناشيده الأوليمبية والبيثية، وكتب مجموعةً من أنضج أشعاره. وازداد عليه المرض فغادر بيت الأم وعاد يتنقل بين البلاد حتى استقرَّ في مصحَّة الأمراض العقلية في مدينة «توبنجن». ولما تأكد الأطباء من خطورة مرضه ويئسوا من شفائه تسلمه النجار الطيب «تسيمر» وآواه في بيته فعاش فيه بقية عمره كالشبح الهادئ الهائم في ليل الجنون. وأقبل الموت فخلَّصه من حلمه أو من نومه الطويل في اليوم السابع من شهر يونيو سنة ١٨٤٣م.
وبطل الرواية شابٌّ يوناني يحيا في القرن الثامن عشر ويتطلع لإحياء ماضي شعبه. غير أنه يخفق إخفاقًا مُرًّا في بعث الإحساس بالعزة والنبل والجمال وغيرها من القيم الخالدة التي عرفها في تاريخه المجيد. وتدور الرواية في إطارٍ تاريخي هو الثورة التي قام بها الشعب اليوناني في سنة ١٧٧٠م للخلاص من نير الحكم التركي. ويحكي البطل الشاب هيبريون قصة حبِّه وكفاحه واتحاده بالطبيعة «الإلهية» في سلسلة من الرسائل الشاعرية إلى صديقه الألماني بيلارمين. فقد عاش في صباه في عالَمٍ أسطوري هداه إليه معلمه أداماس، وهو عالمٌ زاخر بآلهة الإغريق وأبطالهم الذين أرَّخ لهم بلوتارك. وعثر على «ديوتيما» فوجد فيها مثال الجمال والحب والبراءة، بل وجد الروح الإلهي نفسه مجسمًا فيها. وتندلع نار الثورة فيهب البطل للكفاح مع الشعب المقهور لاسترداد حريته، ويشجعه صديقه «ألاباندا» ويقوي في نفسه الإيمان بالمستقبل السعيد. ولكن سرعان ما يخيب أمله في صديقه إذ يكتشف أنه عضو في جماعةٍ سرية أفرادها أبعد ما يكونون عن تحقيق مُثله وآماله. ويلجأ إلى جزيرة كالاوريا فيجد شفاءه في حبه لديوتيما الجميلة. وتدعوه الحبيبة لأداء واجبه نحو الوطن بعد رجوعه إلى صديقه القديم الذي يتأكد من نُبله وتضحيته. وتقول له الحبيبة التي تشجعه على النضال في سبيل الحرية: «أنت الذي ستربي شعبنا.» وتفصل الثورة بين المحبين. وتذبل الحبيبة وتدفن حبَّها في صدرها قبل أن تدفنه معها في قبرها … ويمضي هيبريون مع صديقه للكفاح في سبيل مملكة المثل الأعلى والحرية والجمال. وينتصر الثوار ويفتحون مدينة ميسيسترا أو إسبرطة القديمة. ويكتشف أن رفاق الثورة قد قتلوا ونهبوا ودمروا وأفسدوا بلا خُلق أو ضمير. وتتبدد المُثل في غبار المذبحة، وتسقط الأحلام الوردية تحت سنابك الخيل وجثث القتلى. ويعرف أن الفعل يلوث، وأن ساعة ميلاد الحياة الجديدة والإنسانية الجديد لم تدق بعدُ، وأن العصر الذي يعيش فيه لم يزل بعيدًا عن «العصر الذهبي» الذي تزدهر فيه الحرية والوحدة والكرامة والجمال والسعادة. وينفض يده من الثورة والثوار. وينضم فترة من الزمن للأسطول الروسي الذي كان في حرب مع الأتراك ثم يهجر العمل فيه. ويبلغه نبأ وفاة حبيبته بعد صراعها مع المرض والحب اليائس، ويتحول في النهاية إلى التنسُّك في معبد الطبيعة، ويتجه إليها بكل كيانه، ويعانق الحياة الإلهية التي تطالعه في كل مظاهرها: «أنتِ أيتها الطبيعة .. هكذا فكَّرت في أمر إلهتك. لقد أفقت من حلم البشر، وأقول الآن أنتِ وحدك التي تحيين حقًّا، وكل ما افتعله المزعجون وتفننوا فيه يذوب كلآلئ الشمع في نار لهيبكِ … إن الناس يسقطون كما تسقط عنكِ الثمار الفاسدة. دعيهم يسقطون وسوف يعودون إلى جذعك مرةً ثانية، ودعيني يا شجرة الحياة أخضرُّ على غصونك من جديد وأستنشق بعمق وسلام نسيم ذراك وفروعك وبراعمك النضرة، لأننا جميعًا قد نمونا من البذرة الذهبية …»
ومن الصعب أن نصور روعة اللوحات التي تصف الطبيعة في بلاد اليونان، أو رسائل الحب المتبادَلة بين هيبريون وحبيبته ديوتيما، فهي نماذج خالدة في أدب الحب والمحبين. ويكفي أن نقرأ هذه العبارات التي تأتي في ختام الرواية معبرةً عن رؤية الشاعر وفكره، شاهدة على السلام الذي استظل به في محنته، واطمأن إلى روحه الهادئ في أثناء حياته وبعد جنونه، وقوَّى في نفسه الأمل في الخلود والثقة في عودة الخالدين:
«أيتها الروح! أيتها الروح! أنت يا جمال العالم! أيتها الصامدة! يا واهبة النشوة والبهجة والنعيم بشبابك الخالد! أنت حية وباقية، وما الموت وكل آلام البشر بالقياس إليك؟ آه! كثيرة هي الكلمات الجوفاء التي اخترعها هؤلاء المدهشون. فكل شيء يصدر عن الفرح وينتهي إلى السلام. وكل مظاهر الشذوذ والنشوز التي نراها في العالم أشبه بالخلافات التي تقع بين العشاق. إن الوفاء موجود في صميم الشقاق، وكل ما تفرق سيلتقي من جديد …»
إن البطل الحقيقي في هذه الرواية هو الطبيعة المثالية التي تحاول أن تفرض نفسها على العالم كله، ولكنها تصاب بخيبة الأمل في الواقع فترجع إلى عالمها الباطن، أي إلى الفكر والشِّعر والحلم والانتصار. وهيبريون هو هلدرلين نفسه، بكل مثله وأشواقه إلى إنسانية أرقى وعصرٍ أجمل، باتحاده بالطبيعة الإلهية مصدر كل أمومة وحياة، ودموعه التي لا تجف على ماضٍ يتمنى لو يعود.
وقد كُتبت الرواية بغير شكٍّ تحت تأثير «روسو» واتجاه الثقافة في ذلك الحين إلى «الباطن» وتربية الشخصية الفردية بالجمال والكمال. فقد كانت الشخصية هي أقصى سعادة ينالها أبناء الأرض كما عبَّر عن ذلك شيلر. وكان معظم الكتاب والشعراء يسجلون تجربتهم مع الحياة والحب والطبيعة والمجتمع على لسان بطل يتقلَّب بين النجاح والفشل والسعادة والشقاء .. وتوالت الروايات «التربوية» التي تتتبع حياة إنسان — شاب في أغلب الأحيان — في رحلته لمعرفة نفسه ومجتمعه وعالمه. ولذلك فإن «هيبريون» تُعدُّ حلقة في سلسلة هذه الروايات التي بدأها فيلاند بروايته «أجاتون» وكارل فيليب موريتس برواية «أنطون رايزر» وجوته برواية «فيلهلم ميستر» وجان باول «بهسبيروس» ونوفاليس بروايته التي لم تتم «هينريش فون أو فتردنجن»، وكلهم شباب يبحثون عن أنفسهم ومعنى وجودهم في الحب والفعل والحياة والمسرح والأدب والطبيعة.
أما مسرحية «موت أنبادوقليس» التي كتبها هلدرلين بين سنتي ١٧٩٨م و١٧٩٩م في مسرحيةٌ شعريةٌ غنائية أو بالأحرى قصيدةٌ درامية صاغها ثلاث مرات وظلت مع ذلك شذرة لم تتم.
ولم يقصد هلدرلين أن يضعها للمسرح، ولا يمكن أن نطبِّق عليها أصول المسرح وقواعده كما تصورها كتَّاب مثل لسينج، بل يجب أن ننظر إليها على أنها قصة نفسٍ وحيدة في صراعها الباطن مع قدرها وأقدار عالية غير منظورة، بعيدًا عن ضجيج الحياة اليومية وكل ما يأتي من العالم الخارجي. ولذلك فهي أبعد ما تكون عن دراما الحدث والمشاهد المتنوعة والمصائر والشخصيات والانفعالات المتطرفة كما نجدها مثلًا عند شكسبير. وإذا بحثنا لها عن مكان في سياق التطور المسرحي فليكن مكانها مع الدراما النفسية بين مسرحيات سوفوكليس وراسين وجوته. لقد حاول هلدرلين أن يعبر فيها عن مرارة الإخفاق الذي أحسَّه شاعر أراد أن يبشِّر بعالَمٍ مثالي وتم له ما أراد، ولكن لم يفهمه أحد في عصره واضطهده مواطنوه وطردوه من مدينته.
صوَّر هلدرلين تجربته الشخصية والشعرية في صورة ذلك الفيلسوف الطبيعي القديم الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد في مدينة أجريجنت عاصمة جزيرة صقلية، وروى عنه أنه اختار الموت بإلقاء نفسه في فوهة بركان إتنا. وهو شخصيةٌ عجيبة اختلط فيها الواقع التاريخي بالأسطورة والخرافة. كان فيما يروى عنه شاعرًا وفيلسوفًا وكاهنًا وسياسيًّا وخطيبًا وطبيبًا وساحرًا، كما كان مصلِحًا دعا إلى ديانةٍ روحانية تكون أساسًا لنظام الحكم والحياة. ويُذكر عنه في تاريخ الفلسفة والعلم أنه قال بقوة الحب التي تؤلف بين أجزاء العالم، والعلاقة الحميمية التي تجمع الكائنات ونوع من تقمص الأرواح. وكلها آراء شديدة القرب من روح هلدرلين الذي جذبته شخصية هذا الفيلسوف العجيب .. ويقال أيضًا إنه نشأ في أسرةٍ نبيلة في مدينة أجريجنت وشارك في سقوط النظام الأرستقراطي الذي تولَّى الحكم لفترةٍ قصيرة ثم أصبح زعيم الحزب الديمقراطي المنتصر، ورفض التاج الذي قدَّمه له أهالي صقلية، ثم اضطره خصومه بعد ذلك إلى مغادرة وطنه.
وجد هلدرلين في شخصية أنبادوقليس الرمز الحي المعبر عن رسالته التي شعر أنه مدعو لتبليغها. فهو شاعرٌ وفيلسوف وساحر استطاع أن يسيطر على قوى الطبيعة ويكتشف أسرارها، وهو قائدٌ متكبرٌ شامخ أراد أن يصلح الأحوال في مدينته ويخلِّص أهلها من عبودية الكهنوت والتقاليد، ويهديهم إلى الاتحاد بالروح الإلهي الماثل في كل مظاهر الكون فرفضته المدينة وطاردته نظمها المستقرة واتهمه الكهنة بالغرور، وإذاعة أسرار الآلهة والتشبه بها …
ويبدو أن هلدرلين كان يفكر في كتابة مسرحية عن سقراط وموته الذي اختاره بإرادته عندما جذبته شخصية أنبادوقليس بغموضها وسحرها وكبريائها وتضحيتها وزهدها. ويبدو أيضًا أنه شُغل بهذه المسرحية أثناء كتابة روايته هيبريون التي نقرأ فيها هذه السطور «بالأمس كنت هناك فوق بركان «إتنا» وخطر الصقلي العظيم على بالي، ذلك الذي سئِم عدَّ الساعات ودفعته صلته الحميمة بروح العالم وفرحته الجسورة بالحياة إلى إلقاء نفسه في اللهب الرائع …»
والواقع أن البطل في الرواية والمسرحية شاعر، وكلاهما تسري فيه نغمةٌ واحدة هي نغمة الشوق إلى الحياة والفعل والموت. وكلاهما ممزق بين المثال والواقع، واللامتناهي والمتناهي في طبيعته، والإحساس بشمول الوجود وتجانسه وشعوره بأنه «يحيا مع كل حي» والضرورة التي تدفعه للضياع والتشتت بين أفعالٍ جزئيةٍ مخيبة للآمال. ويظل البطل الشاعر يصارع هذا التمزق حتى يدفعه الشوق للاتحاد بالطبيعة إلى الموت بإرادته ليرجع إلى هذه الطبيعة التي هي الأم والمنبع والأصل. وهكذا يقدم روحه وجسده قربانًا للروح الإلهي الماثل في الكون، وكأنه مسيحٌ وثنيٌّ قديم أراد أن يكفِّر عن ذنوب الإغريق الذين أساءوا فهمه وسخروا منه وشهَّروا به وطردوه من مدينتهم. لقد أدرك أنبادوقليس كما أدرك هلدرلين أنه «لا بدَّ أن يذهب مَن تكلمت الروح من خلاله»، وأن «الإلهي» لا بد أن يسقط بين البشر، لأن الإلهيين وحدهم هم القادرون على الإحساس به، ولأن هذا هو قدر الشاعر والبطل الملهم على أرض فقدت نعمة السماء ووسط أناس غاب عنهم نورها. ولذلك سلم الشاعران بهذا القدر، فسقط أنبادوقليس في جحيم البركان كما تسقط الفراشة في لهيب الشمعة، وغاص هلدرلين في ليل الجنون في صمت وكبرياء وهدوء …
كان من نصيب هلدرلين أن يكون شاعرًا عظيمًا ومنسيًّا في وقتٍ واحد. لقد ظلَّ مجهولًا أو شبه مجهولٍ حتى أوائل هذا القرن، عندما اكتشفه الباحثون قبل الحرب العالمية الأولى بقليل. وظلَّ الناس يرددون الحديث عن مرضه وجنونه واكتئابه حتى التفتوا إلى قيمة شِعره، وتوالت الدراسات عن عبقريته، ورأى البعض أنه مثال الشاعر «النبي» و«العرَّاف» ومنشد الشعب ورسوله الملهم. وتحمَّس له الأدباء والنقاد من مختلف المدارس والاتجاهات ابتداءً من الرومانتيكيين الذين أساءوا فهمه وتصوَّروا أن مأساة حياته وعذابه وجنونه تجعله واحدًا منهم، حتى «هيدجر» فيلسوف الوجود المعاصر الذي أسرف في حبِّه واستخرج من أشعاره ما يؤيد فلسفته وسماه «شاعر الشاعر» والمعبر عن ماهيته وحقيقته الخالدة … وتأثَّر به المتشائمون من أمثال نيتشه وليوباردي وشوبنهور، وذهب بعض المحدثين من أبناء وطنه إلى القول إنه أعظم عبقري نطق بلغتهم، ووصفوه بأنه نبي الأمة — وضحيتها في آنٍ واحدٍ — ومجدد الروح ورائد شعراء المستقبل.
ومهما يكن الرأي في هذه الأحكام فليس هناك شكٌّ في أن هلدرلين واحدٌ من أعظم الشعراء في كل اللغات والعصور، وأنه جدير بالقراءة والفهم والحب. وليس هذا الكتاب إلا محاولةٌ متواضعة لتأكيد بعض معاني الحب والتعاطف والإجلال التي يجب أن نوقظها في أنفسنا ونحن نواجه هذا الشِّعر وكل شِعرٍ أو فنٍّ عظيم.
احتفل العالَم في شهر مارس سنة ١٩٧٠م بذكرى مرور مائتي عام على ميلاد هلدرلين، كما احتفل في نفس الوقت بذكرى هيجل وبيتهوفن اللذين وُلدا في نفس العام. وقد أردت بهذا الكتاب أن يكون محاولةً متواضعة للوفاء بهذه الذكرى، في وقتٍ نحن أحوج ما نكون فيه للاتصال بروح الشِّعر الخالص، والقرب من نبعه النقي الأصيل، والالتزام برسالته ومسئوليته .. كما أردت في نفس الوقت أن يكون محاولةً لتذكير شعرائنا برسالة الشِّعر والشاعر بالمعنى الخالد الذي فهمه القدماء من هذه الكلمة عندما نظروا إليه نظرتهم إلى العرَّاف الملهم والمتنبئ والمبشر والنذير ورائد القوم وموقظهم من غفلة النعاس والضلال. وأول ما نتعلمه من هذا الشاعر أن الشِّعر الحقيقي فوق كل طموح إلى الشهرة والمنفعة، وأنه لا يعطي شيئًا إلا لمَن يعطيه كل شيء.
وأردت من الكتاب أيضًا أن يكون تمهيدًا لقراءة هذا الشاعر العسير؛ ولذلك أكثرت من النصوص بقدر الإمكان، وتناولت حياته وتجاربه من خلال شِعره في مراحل تطوره المختلفة. ومع أنني لا أميل إلى الربط بين حياة الشاعر أو المفكر وإنتاجه، وأفضِّل العناية بالنص والتوفر على دراسته، فقد اضطررت إلى الخروج قليلًا عن هذا المنهج، لأن هلدرلين من الشعراء القلائل الذين اتحدت حياتهم وفنُّهم على نحوٍ يجعل من الصعب التمييز بينهما، بل يجعل من المستحيل الحديث عنهما، كأن الحياة شيء والفن شيء آخر. وكل ما أرجوه أن يخرج القارئ من هذا الكتاب بأن هذا الكلام ليس من باب الإنشاء ولا التحمس العاطفي.
ولم أقصد أيضًا أن يكون الكتاب «بحثًا» في شِعر هلدرلين أو ظروف حياته بالمعنى المفهوم من تلك الكلمة. ورأيي في هذا بسيطٌ، ففي ظنِّي أننا لم نصل بعدُ إلى مرحلة البحث المتخصص الدقيق في إنتاج الأدباء والمفكرين الذين لا نكاد نعرف عنهم شيئًا؛ إذ ينبغي علينا قبل ذلك أن نقرأ لهم ونترجم عنهم ونحاول أن نحبهم ونتعاطف معهم ونتعرف إلى إنتاجهم بقدر ما نستطيع .. وعسى أن تنجح هذه الصفحات في التعريف بهلدرلين أو تشجيع القارئ على قراءته والتعاطف معه والتعلم منه.
وأخيرًا فقد اعتمدتُ على طبعة أعمال هلدرلين الكاملة التي صدرت عن دار النشر «إنزل» وعُني بتحقيقها وترتيبها الأستاذ فريدريش بيسنر، كما اعتمدتُ اعتمادًا كبيرًا على كتاب الأستاذ ألريش هويسرمان عن حياة هلدرلين الذي ظهر في سلسلة «روفولت» التي قامت بنشره في سلسلة الكتب التي تصدرها عن أعلام الأدب والفن والفكر من مختلف البلاد والعصور بأقلام المتخصصين، مع عددٍ كبير من الصور والوثائق المتصلة بحياتهم وإنتاجهم .. وأحبُّ أن أسجل اعترافي بفضل هذا الكتاب القيم عليَّ؛ فقد سرتُ على نفس الخط الذي سار عليه، واهتديت به في كل ما قرأت لهلدرلين أو قرأته عنه في المراجع الأخرى التي استطعت التوصل إليها، وهي قليلة جدًّا إذا قيست بالمكتبة الضخمة التي صدرت عنه. ومن هذه المراجع كتاب فيلسوف العلوم الإنسانية «فيلهلم دلتاي» عن التجربة والشِّعر، وبه فصلٌ قيم عن هلدرلين، وكتاب «هلدرلين، كتاب مطالعة لعصرنا» وقد صدر عن دار الشعب في فيمار ضمن السلسلة المعروفة بهذا الاسم وأشرف على نشره والتقديم له وشرح الكلمات والاصطلاحات الكلاسيكية فيه الأستاذان تيلي بيرجر ورودلف ليونهارد، إلى جانب تاريخ الأدب الألماني للأستاذ فريتز مارتيني، وروح عصر جوته للأستاذ كورف، والروح اليونانية وعصر جوته لأستاذي المرحوم فالترريم. وأود أن أنوه بالترجمة الإنجليزية الممتازة لعددٍ كبير من قصائد هلدرلين في مراحل تطوره المختلفة؛ وهي الترجمة النثرية الدقيقة التي قام بها الأستاذ «ميخائيل هامبورجر» ومهد لها بمقدمةٍ قيمة عن حياة هلدرلين وشِعره وظهرت سنة ١٩٦١م في سلسلة «بنجوين» المشهورة .. وقد استفدت منها فائدةً لا تُقدر في فهمِ كثيرٍ من غوامض النص الأصلي، وبخاصة في القصائد الكبرى المتأخرة مثل خبز ونبيذ، وباطموس والوحيد، والاحتفال بالربيع، وذكرى، وغيرها من القصائد التي ستجد مقتطفات منها على صفحات الكتاب، أو تجدها مع النصوص الكاملة التي انتقيتها لك. أما عن الترجمة فقد التزمت الدقة والإخلاص لروح النص وكلماته بقدر ما استطعتُ. ولست أدري هل أعتذر عن بعض الأبيات التي جاءت موزونة في سياق الكتاب، ومن بينها قصيدةٌ كاملة فرضت نفسها فرضًا، أم يغتفر لي الشعراء هذا التطفل غير المقصود .. ولكني أحب أن أطمئن القارئ إلى أنني توخيت الأمانة التامة في نقلها، ووضعت بين قوسين كل كلمة اضطررت لزيادتها سواء في هذه الأبيات أو ما عداها من النصوص، توضيحًا للمعنى أو مراعاةً لمقتضيات الأسلوب العربي.
ولا بدَّ من الاعتراف أخيرًا بأنني شغلت بهذا الكتاب في فترة أصبت فيها باليأس وخيبة الأمل في الحياة والناس. ولست أريد أن أشغل القارئ بحياتي الشخصية التي لا تهمُّ أحدًا، ولا أريد أيضًا أن ألوم هلدرلين أو أُحمله مسئولية هذه الكآبة التي تشع من حياته وأعماله، وإنما أُسجل تجربة عشتها معه حتى كدت أن أتقمص روحه النقية الحزينة .. وأنا أعلم أن هذا شيء مكروه في الدراسات العلمية والموضوعية. ولكن عُذري الوحيد أنني قصدت من الكتاب أن يكون تمهيدًا متواضعًا لقراءة هذا الشاعر الوحيد.
عبد الغفار مكاوي
«البلد البعيد»، دار الكاتب العربي، بالقاهرة، ١٩٦٨م ص٩–٢٤ …