وقد نشأت علوم الحديث وتطورت بناء على حاجة فعلية لجمع
الحديث. واقتضى هذا الجمع ضبط صحة الرواية ووضع قواعد لضمان
تسلسلها واتصالها بمصدرها الأول وهو الرسول.
وماذا عن المدوَّنات الشيعية التي تختلف في أحاديثها عن
مدوَّنات السنة؟ هنا يبدو أثر العقائد والسياسة في تدوين عِلم
الحديث. فقد أفرز الخلاف السياسي خلافًا عقائديًّا كان له أبلغ
الأثر في التدوين. فالتدوين ليس بريئًا؛ لا تدوين السنة للحفاظ
على السلطة، ولا تدوين الشيعة لزعزعتها وإعطاء الشرعية لسلطة
بديلة، إن لم تكن في العاجل ففي الآجل كما هو الحال عند معظم
فِرق المعارضة. وهل يمكن الآن في إطار «التقريب» الاتفاق على
مجموعةٍ واحدة من الأحاديث يتفق عليها السنة والشيعة والإباضية
بدلًا من المجموعات الثلاث التي يؤدي كل منها مذهب
فرقته؟
وعلوم الحديث كلها
خلافيَّات مثل باقي العلوم النقلية. ومن ثم فهي ليست علومًا
مقدَّسة؛ الصواب فيها من جانب واحد. هي اجتهادات إنسانية
خالصة، الصواب فيها متعدد. ومن ثم فالاجتهاد مع القدماء وضدهم
خلاف مشروع. فهو علم نسبي لا إطلاق فيه، مع أنه ضمن العلوم
النقلية الخالصة التي لا اجتهاد فيها ولا إعمال للعقل؛ مما يدل
على أن النقل الخالص لا وجود له؛ مجرد ادِّعاء غير صحيح.
فالعقل داخل النقل والعلوم النقلية — نظرًا لما فيها من خلاف —
علوم نقلية عقلية. وادِّعاء أنها علوم نقلية خالصة للحصول على
مزيدٍ من السلطة الشرعية أكثر من العلوم النقلية العقلية أو
العلوم العقلية الخالصة.
ويمكن إعادة تبويب أنواع علم الحديث إلى نوعَين؛ النقد
الموجب الخاص بالسند، وهو ما غلب على عِلم مصطلح الحديث
وتقسيمه إلى صحيح وحسن وضعيف، والنقد السالب الذي يتعلق بالمتن
وتقسيمه إلى موضوع وغريب ومشهور ومختلف.
وفي المتون تعدَّدت الأسماء بين الصحيح «الإصحاحات الخمسة»
والمسند «أحمد ابن حنبل»، والسنن «البيهقي، الدارمي»، والجامع
«ابن كثير»، أو أسماء خاصة مثل المدونة، الموطأ «مالك». فهل
هناك فروق بين هذه الأسماء أم أنها كلها أسماء للإشارة إلى
مجموعاتٍ من الأحاديث والحُكم عليها من المتأخِّرين؟
(١) الإصحاحات الستة
الخمسة أكثر المجموعات صحة تاريخية وهي البخاري ومسلم
وأبو داود والترمذي وابن ماجه. وأحيانًا تكون ستة بإضافة
النسائي. كانوا متعاصرين وعرف بعضهم بعضًا، وتتلمذوا على
بعضهم البعض، وأخذوا من بعضهم البعض.
٢٩ ولا توجد حتى الآن طبعة للحديث متقابلة في
عواميد متوازية لمعرفة التشابه والاختلاف، الزيادة
والنقصان بينهم كما هو الحال في الأناجيل المتقابلة. هناك
فقط معاجم مفهرسة وضعها المستشرقون أو الوسائل الإلكترونية
الحديثة بالأقراص الممغنطة.
٣٠ وأهمية شروحها في منطق الشرح. هل هو شرح لغوي
أو داخل علم الحديث أو إعادة قراءته من حيث السند أو المتن
أو إصدار الحكم على مدى صحته. فلكل إصحاح شروح واختصارات
عديدة.
(أ) «صحيح البخاري» للبخاري (٢٥٦ﻫ)٣١
وهو أول الإصحاحات الخمسة أو الستة وأصحها عند الخاصة
والعامة، وأكثرها تقديسًا. يُقسم به، ويُتبرك ويُتهادى
ويُحفظ في المكتبات والمنازل ويوضع على الموائد في القصور
كوثن أو تمثال.
٣٢ في حين أنه أكثر إيغالًا في الغيبيات
والإسرائيليات والخرافات والثقافات الشعبية مثل الكتاب
السابع عشر بدء الخلق والكتاب الثالث والأربعين كتاب التوحيد.
٣٣ وقد حيكت حوله القصص الخيالية لبيان إعجازه في
الحفظ والتجميع والرواية والتدوين.
ويضم العديد من الأحاديث الطوال والحكايات الرمزية التي
تسمح بإطلاق العنان للخيال. ومع ذلك هو الإصحاح الذي تم
اختياره لتحليل الأشكال الأدبية لمتون الأحاديث لأنه
الأكثر كشفًا لها وتعبيرًا عنها. ويتكوَّن من تسعة أجزاء
في ثلاثة مجلدات، دون مقدمة نظرية باستثناء حديث «إنما
الأعمال بالنيات» وصياغاته المختلفة.
٣٤ يضم سبعة آلاف ومائتين وسبعين حديثًا. إذا سقط
المُكرر يبقى حوالي أربعة آلاف.
٣٥ وقد تنازع عليه أصحاب المذاهب الأربعة، كل
منهم يريد ضمَّه إليه. ويعتمد على كثيرٍ من الآيات
القرآنية والشواهد الشعرية.
٣٦
والإصحاح الأول مبوب طبقًا لأبواب الفقه بعد البداية
بكتابي الإيمان والعلم. فالإيمان علم، والعلم إيمان.
٣٧ ثم تبدأ العبادات،
٣٨ ثم المعاملات.
٣٩ وكل كتاب قد يشمل عدة أبواب. وهناك أبواب
ميتافيزيقية خالصة لا تدخل في الحديث العملي مثل كتاب بدء الخلق.
٤٠ وهناك كتاب في التفسير يُبين تداخُل العلوم النقلية.
٤١ ثم تعود المعاملات من جديد.
٤٢ ثم تأتي كُتب الآداب العامة في المعاملات الاجتماعية.
٤٣ وأخيرًا تأتي كُتب الحروب والفتن نهايةً بكتاب
التوحيد كما بدأ بكتاب الإيمان.
٤٤ وافتتاح الصحيح قبل الكتاب الأول «كتاب
الإيمان» بحديث «إنما الأعمال بالنيات».
٤٥
ووضع موضوع الحديث في عنوان قبل الرواية يدل على إمكانية
التبويب الموضوعي للحديث كما تم في تبويبه طبقًا لأبواب
الفقه. فلا يكفي فقط عنوان الكتاب
ولكن أيضًا رأس موضوع
كل حديث. وتبويب الحديث طبقًا لأبواب الفقه هو اختيار
أيديولوجي، أي عقائدي يقوم على تصوُّر الشريعة، عبادات
ومعاملات، طبقًا للسلوك القديم وما يتَّفق مع البيئة
العربية الأولى مثل أهمية الوضوء والغسل وأشكال الطهارة في
البيئة البدوية، وأهمية الشعائر الجديدة، أركان الإسلام
الخمسة، والمعاملات الرعوية والتجارية البسيطة الأولى مع
مصادر الثروة مثل الصيد والذبائح. ويتضح ذلك في «كتاب
الإيمان» وأنه قول وفعل، يزيد وينقص. وهي اختيارات
الأشاعرة في مُجملها في حين أن المُرجئة تجعله قولًا فقط.
والخوارج تجعله موجودًا أو غير موجود، لا يزيد ولا ينقص.
٤٦ والعلم قبل القول والعمل متصدر بآية
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللهُ وآيات أخرى بنفس المعنى.
٤٧ ويتناول الجزء الخامس سيرة النبي في اثني عشر موضوعًا.
٤٨ بعضها غير معروف كعنوانٍ وبعضها خاص بالصحابة.
وأكثرها روايات. وأقلها أقوال مباشرة قصيرة.
ويضم الإصحاح ثلاثة وأربعين كتابًا، الأول والثاني
الإيمان والعلم وهما متداخلان؛ فالإيمان هو العلم والعلم
هو الإيمان.
٤٩ وتتمايز كتب أخرى بالرغم من أنها موضوع واحد
مثل الثالث الوضوء، والرابع الغسل، والخامس الحيض.
٥٠ كما يتمايز السادس الصلاة والسابع الجمعة وهما
موضوع واحد.
٥١ والتاسع عشر النكاح، والعشرون الطلاق، والواحد
والعشرون النفقات موضوع واحد.
٥٢ والثاني
والعشرون الأطعمة، والسادس والعشرون الأشربة، موضوع واحد.
٥٣ والرابع والعشرون الذبائح والصيد، والخامس
والعشرون الأضاحي موضوع واحد.
٥٤ والثلاثون الأدب، والواحد والثلاثون الاستئذان
موضوع واحد.
٥٥ والخامس والثلاثون الحدود، والسابع والثلاثون
الدِّيات موضوع واحد.
٥٦ والسادس والثلاثون المُحاربون من أهل الكفر
والردة، والثامن والثلاثون استتابة المُرتدين والمُعاندين
موضوع واحد.
٥٧ وقد يضم كتاب واحد موضوعين مُختلفين مثل
الكتاب السابع الزكاة والجمعة.
٥٨ والسابع عشر، بدء الخلق الذي يضم فضائل النبي
والسيرة. وقد تدخُل كتب في علم الفقه هي أدخَلُ في علمٍ
آخر مثل الثامن عشر كتاب التفسير، وهو أدخل في علم التفسير
بالرغم من رواية بعض الأحاديث أسباب النزول، والثالث
والأربعين كتاب التوحيد وهو أدخَلُ في علم أصول الدين.
٥٩ وقد يتجزأ موضوع واحد مثل الطب في كتابَين
مُختلفين، السابع والعشرين، والثامن والعشرين.
٦٠
وأكبرها بدء الخلق وهو أكثر إيغالًا في أساطير خلق
العالَم المُستمدَّة من الإسرائيليات وأساطير الشرق
القديم، ثم التفسير وهو علم مُستقل، ثم الجمعة وهو أدخل في
الصلاة، ثم الحج، ثم الوصايا وهي أدخل في الأخلاق، ثم
الصلاة. وأصغرها العقيقة وهي أدخَلُ في الأطعمة، ثم
استتابة المُرتدين والمعاندين وهو موضوع وقتي في عصر
الفتنة الأول يتعارض مع حرية الفكر والاعتقاد.
٦١
ونظرًا لأهمية صحيح البخاري وشيوعه وانتشاره فهو الكتاب
المقدس الثاني بعد القرآن، صدرت له طبعات فاخرة إما
لأسبابٍ دينية أو لأسباب تجارية.
٦٢ يُصدرها الناشر بمقدمةٍ عن علم مصطلح الحديث،
لا صلة لها بالإصحاح، ولا جديد فيها عمَّا قاله القدماء
إلا الوضوح والتركيز، مشفوعة بأهم المراجع في علم الحديث.
تُكمل الآية، وتُضاف هوامش حديثة أسفل الصفحة للتعريف
بالأعلام، وتصحيح القراءات. وترقيم الأحاديث.
٦٣ وتتبع نفس الأبواب مع زيادتها في التقسيم من
ثلاثة وأربعين إلى سبعة وتسعين.
٦٤ كما ترقم الأبواب وتُضاف إليها أربعة فهارس
أسوةً بالنشر الحديث.
٦٥ وهناك عشرات أخرى من الطبعات ممَّا يدلُّ على
أن الإصحاح ليس مُقدسًا لا في تقسيمه ولا في طريقة إخراجه
كالمصحف العثماني.
«عمدة القارئ والسامع في ختم الصحيح الجامع»
للسخاوي (٩٠٢ﻫ)٦٦
وفي نفس الوقت الذي دُوِّنت فيه الإصحاحات وُضعت موضع
النقد، ولم تُصبح موضع التقديس من العلماء مثل هذه الدراسة
لصحيح البخاري من مؤرخ؛
مما يدل على ارتباط علم الحديث بعلم التاريخ، كارتباطه
بعلم الفقه وأصول الفقه. الشافعي وأحمد بن حنبل نموذجًا.
وللبخاري كتُب أخرى في الفقه والتاريخ غير الإصحاح.
٦٧ وفي نفس الوقت يعني الحديث السنة النبوية
والطريق القويم في العقائد وفي العبادات، في الإيمانيات
والشرعيات، في تعظيم الله وتسبيحه بل في عبادته.
٦٨ ويُشخَّص الحديث في المُحدِّث نظرًا لارتباط
الرواية بالراوي، والبخاري بأبي هريرة.
٦٩ كما يبدو ارتباط علم الحديث بعلم الفقه في
ترتيب الموضوعات والاعتزاز بمذاهب الفقه، خاصة الشافعي
وأحمد بن حنبل. ويرجَّح البخاري على مُسلم. وهو كذلك في
الثقافة الشعبية. وقد جمع الحديث كجزء من جمَع الأدبيات في
عصر التدوين. فللبخاري أيضًا «الأدب المفرد».
٧٠ وهو أيضًا جزء من تدوين الشعر. فالبخاري شاعر
له ديوان.
٧١ ويتمُّ هذا التدوين كله بالذاكرة وطرق النقل
الشفاهي قبل وسائل التدوين الحديثة. وقد كانت الغاية
التفسير مع الحديث، والفهم مع النقل. ولم يكن التدوين
نقلًا خالصًا.
٧٢ ويعتمد على عديدٍ من الآيات والأحاديث وكُتب السابقين.
٧٣ ونظرًا للطابع النقلي العام تغيب المُقدِّمات
النظرية.
(ب) «صحيح مسلم» (الجامع الصحيح) لمسلم،
النيسابوري (٢٦١ﻫ)٧٤
وهو الإصحاح الثاني في القدْر بعد البخاري. ويجمع معه في الصحيحين.
٧٥ له مقدمة نظرية تُحدِّد أهمية العِلم
والتيقُّن من الأخبار.
٧٦ والغاية معرفة سنن الدين وأحكامه في الثواب
والعقاب والترغيب والترهيب عن طريق الأسانيد. وقد كان
التأليف بناء على سؤال؛ أي على حاجةٍ اجتماعية دون تكرار
المتون من أجل الاستفادة منها في استنباط الأحكام.
٧٧ والصحيح القليل أولى من الكثير السقيم. وهو
مُوجَّه للخاصة وليس للعامة. فالعامة قد لا تهتمُّ بالكثير
بعد أن عجزت عن معرفة القليل.
والأخبار المُسندة إلى الرسول ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات
من الناس بصرْف النظر عن اختلاف الصياغات في الحديث
الواحد، زيادة ونقصانًا؛ الأول الأخبار الصحيحة الأسلم من
العيوب، وأن يكون رُواتها من أهل استقامة. والثاني الأخبار
الموضوعة التي لا تسلم من الكذِب وأن يكون رواتها من
مُهتمِّين في الأكثر. والثالث الأخبار الجائزة المقبولة
وهو ما يقتضي المراجعة عند أهل الحديث.
٧٨
والإسناد من الدين بنص الحديث. وقد قام علم الحديث على
السند وكشف معايب رواة الحديث ونقَلة الأخبار. وتصحُّ
الرواية من البعض بينما يغلو البعض الآخر، ويصح الاحتجاج
بالحديث المُعنعن.
والرواية عن الثقات دون الكذَّابين طبقًا لنص القرآن كما
هو الحال في الشهادة والحديث والتحذير من الكذب والتنبيه
على عواقبه. ولا يُحدَّث بكل المسموع خشية الخلط والنسيان
واحتمال دخول الكذب في بعض الأجزاء. في كل زمان هناك
كذَّابون ودجَّالون نبه عليهم الحديث.
٧٩ والمُحدِّث والشاهد يتَّفقان من جانبٍ
ويختلفان من جانبٍ آخر.
٨٠
والصحيح جزءان، كل جزء قسمان، والمجموع أربعة أقسام.
تُقسَّم ثمانية وأربعين كتابًا.
٨١ أكبرها الفضائل ثم المساجد ومواقع الصلاة.
وأصغرها ألفاظ الأدب والشعر.
٨٢ وللكتب والأبواب عناوين. أقلها في العبادات
وأكثرها في المعاملات.
٨٣ لا تتصدرها آيات قرآنية كالبخاري. وتتكرر أكثر
من مرة. وتُوجَد الآيات فقط في معرض الأحاديث بالمئات.
وتكاد تغيب الأشعار والأمثال.
٨٤ وتذكر بعض الآيات على لسان الجن.
٨٥ وينقسم الموضوع الواحد إلى عدة كتب.
٨٦ وهو مجرد رصد وتجميع للأحاديث دون تحليل أو
دراسة. تجمع بين السنن القولية والسنن الفعلية. وتصبح
السنن الفعلية أحيانًا مُمارساتٍ خاصة وليست وصايا عامة
مثل مناسك الحج وأماكن وفود القبائل وعادات الزواج
والطلاق. وتكثر التفصيلات في الصلاة؛ فجاءت من أكبر الكتب.
بل يتحوَّل الحديث أحيانًا إلى سيرةٍ خلطًا بين الكلام
والشخص، بين الرسالة والرسول، مثل أزواجه وعاداته في
الطعام والشراب واللباس.
٨٧
وتتغيَّر المتون في صياغاتٍ عدة بين الطول والقِصر لعدم
التأكد منها، ودون مُقارنات بينها لمعرفة منطق الزيادة
والنقصان والتغيير.
٨٨ ويتحوَّل بعضها إلى روايات، كما تتحوَّل بعض
الروايات إلى متون؛ أي إلى أقوال مباشرة.
٨٩ والقول المباشر أكثر من الرواية. والرواية
قصيرة دون إخراج أدبي كثير من حوارٍ وسؤال وجواب. ومرة
يكون الحديث نبويًّا، وهي الأكثر، ومرة قدسيًّا وهو الأقل.
ويخلو من الدرجات العُليا من الخيال، على عكس البخاري.
٩٠
بعض الموضوعات تبدو تجاوَزَها الزمان مثل التفصيلات
الدقيقة لوسائل الطهارة في عصر المُنظفات الصناعية. وبعض
الأحاديث موجهة توجيهًا سياسيًّا مع السلطة الأموية ضدَّ
المعارضة السياسية، المعتزلة والخوارج والشيعة دون تسميتهم.
٩١ وبعضها تبدو معارِضة للعقل والواقع وهو ما
يحتاج إلى عمل الناقد التاريخي والمفكر، مثل رضاعة الكبير
التي أُحيل بسببها أحد المشايخ إلى المحاكمة وفُصل عن
عمله، وأحاديثها في صحيح مسلم.
٩٢ فالتراث هو المسئول، والشيخ مجرد وسيلة
إعلامية. وبعض الموضوعات ما زالت عصرية مثل «الردع» «نُصرت بالرعب».
٩٣
«تفسير غريب ما في الصحيحين» للحميدي (٤٨٨ﻫ)٩٤
فالإصحاحات الخمسة أو الستة ليست مقدسة، بل أصبحت كذلك
بفعل التاريخ وعدم إعمال العقل في النقل. ولقد أخضع
القدماء الصحيحَين للنقد اللغوي بعرْض غريب الألفاظ في
الحديث على القرآن أولًا ثم الشعر ثانيًا. بمقياس فوقي
أولًا وبمقياس تحتي ثانيًا. ليس المطلوب الحكم على صحة
الأحاديث من حيث السند؛ فذاك ما قام به علماء الحديث من
قبل، بل شرح ألفاظه الغريبة في متونه وهو أشبه بالقاموس
اللغوي. واللغة العربية هي الجامع بين الشعر والقرآن.
والآيات أكثر من الأحاديث والأشعار.
٩٥ وتضاف إليها الأمثال العربية أي النثر الفني؛
فقد أوتي الرسول جوامع الكلم، وإنَّ من البيان لسحرًا.
٩٦ ويشارك القرآن والحديث والشعر في نفس اللفظ.
والاستعمالات الثلاثة يشرح بعضها بعضًا. وأحيانًا تُجمع
عدة آيات مُتتالية حول لفظٍ واحدٍ كما هو الحال في التفسير
الموضوعي للقرآن دون محاولةٍ لتركيب المعنى والاكتفاء
بمباني الألفاظ المُتفرقة.
٩٧ والكتاب تالٍ لكتابٍ أول «الجمع بين الصحيحين»
للاقتصار على المتون. ثم أتى الكتاب الثاني لشرح ألفاظها.
٩٨ وبعض الألفاظ في حاجة إلى دقَّة أكثر في شرح
أصولها التاريخية مثل «الأريسيون» في اللغة لا يعني
الأكاريون بلغة الشوام، وهو إحدى فرق النصارى والصابئة، بل
صفة من آريوس الذي قال بالتوحيد وأنكر التثليث.
٩٩
ويُقطَّع متن الحديث إلى عباراتٍ ذات ألفاظ. وربما تقتطف
منه بعض العبارات أو بعض الألفاظ فحسب. لا يروي المتن
لفظًا بل يتمحور حول لفظٍ واحد. وقد يتحوَّل إلى رأس موضوع
في صياغةٍ مختلفة مثل النقل بالمعنى. وبعض الصياغات أشبه
بالأمثال العربية.
١٠٠ ويشمل الحديث السُّنة القولية والسُّنة
الفعلية.
ويتضمن الكتاب مائة وثلاثة وتسعين راويًا يُنسب إليه
المسند أو الحديث.
١٠١ وداخل المسانيد هناك قسمة خاصة للمُقلِّين وللنساء.
١٠٢ فلم يكن النساء مُهمَلات في الرواية قبل
التصوُّرات النسوية المعاصرة.
«تقييد المُهمل وتمييز المُشكل» للجيَّاني (٤٩٨)١٠٣
وهو كتاب من ثلاثة
أجزاء في مراجعة أسماء وأنساب وكُنى الرواة في صحيحي
البخاري ومسلم. اثنان للبخاري، والثالث في مسلم. فكلاهما
لم يَنسبا رواتهم. كانا مشغولين بجمع المتون أكثر من نسبة
الرواة؛ فالإصحاحات ليست مقدسة كما أصبحت عبر التاريخ، بل
أخذها القدماء موضوعًا للنقد والمراجعة. بل إن العنوان
نفسه يدل على شجاعةٍ أدبية باستعمال ألفاظ المُهمل والمشكل
والأوهام. ومراجعة صحيحٍ واحد أو اثنين مُمكنة؛ إذ يصعُب
مراجعة الإصحاحات الخمسة أو الستة أو جميع كتب السنة مرةً واحدة.
١٠٤ وهذا هو سبب التأليف. وقد تمَّ بناء على سؤال.
١٠٥ وقد تمَّ تقسيم الموضوع إلى خمسة أقسام؛ الأول
ضبط مُشكل الأسماء والأنساب. والثاني تمييز المُشكِل من
المُتشابه في الأسماء. والثالث التنبيه على الأوهام
الواقعة في المُسندَين الصحيحَين في الأسانيد وأسماء
الرواة. والرابع التعريف بشيوخٍ حدَّث عنهم البخاري وأهمل
أنسابهم. والخامس كتاب الألقاب.
١٠٦ والترتيب مُعظمه أبجدي خاصة في الألقاب. وفي
كل حرفٍ أسماء وأنساب. كما تتبع أحيانًا الأبواب الفقهية
كما اتبعها البخاري. البداية بالبخاري ثم مُسلم.
١٠٧ والهدف هو منع التداخُل والاختلاط بين الحروف
في الأسماء المتشابهة. ومع الرواة تُذكَر الأحاديث.
١٠٨ وتذكر الألقاب بلا تعليل. وغالبًا ما تكون
صفاتٍ في الجسد أو في النفس أو في الشخصية. وتظهر في بعض
الأحاديث بداية بروز الأحاديث القدسية التي يبدو فيها الله
أو جبريل مُتحدثًا ومحاورًا.
١٠٩ كما تبدو أحاديث الطبيعة وأحاديث التوجُّه
السياسي مثل قتال الخوارج، وأحاديث تعارُض العقل مثل ضرورة
الوضوء مما مسَّته النار، وأخرى بديهية مثل إصلاح النعل
قبل السير به.
١١٠ وأحاديث أولوية الرسول على من سواه. ويعتمد
على السابقين مثل الكلاباذي مما يدل على وجود محاولاتٍ
سابقة لمراجعة الإصحاحات ووضعها وضْع النقد. ويعتمد على
كثيرٍ من شواهد القرآن والحديث والشعر. وقد أفاضت الفهارس
الحديثة في نهاية الكتاب في رصد الأحاديث عامَّةً وأحاديث
الصحيحين خاصة، والمواد المضبوطة، والأعلام، والرواة،
وشيوخ البخاري المُهمين، وأسماء الكتب، والفهرس التفصيلي للموضوعات.
١١١
«قرة العين في ضبط أسماء رجال الصحيحين» لأحمد
البحراني (القرن الثاني عشر)١١٢
دراسة الصحيحين اتجاه قديم بعد أن تحوَّلا إلى
مُقدَّسَين عبر التاريخ بعد توقف البحث العلمي التاريخي
لصالح الإيمان بالموروث النقلي. ثم عاد البحث العلمي
التاريخي في حركة الإصلاح الحديث والنظر إلى الموروث نظرةً
نقدية، والتحوُّل من النقل إلى العقل. وهي دراسة في
الرواية وليست في المروي. وتقسيم الرواة في الإصحاحين إلى
أحد عشر نوعًا، وترتيب الرواة في النوع الحادي عشر ترتيبًا أبجديًّا،
١١٣ وتقسيم أنواع الرواية طبقًا للرواة، أي
الإسناد ومنطقه.
١١٤ الأول من تُقبل روايته ومَن لا تُقبل، والثاني
والثالث في علو الأسانيد ونزولها، والمزيد من الأسانيد.
والرابع التدليس، والخامس والسادس رواية الروايتَين عن
شيخٍ واحد أو عن الأقران. والسابع والثامن رواية الآباء عن
الأبناء ورواية الأبناء عن الآباء، والتاسع من لم يروِ عنه
إلا واحد، والعاشر رواية الأكابر عن الأصاغر، والحادي عشر
السند المُعنعن. وهي محاولة مُتأخِّرة للتنظير مع ضرب
المثل لكل نوعٍ براوٍ. فالتاريخ استقراء وليس استنباطًا.
ولكل نوع عدة مؤلَّفات جمعًا بين الجانبين النظري
والتطبيقي. وتظهر مقولات الرواية مثل الشاذ والمُعلَّل
ومقولات الجرْح والتعديل.
١١٥ ومقاييس ذلك العدالة والضبط، وذكر السبب بقولٍ
واحد أو بأكثر من قول مع ضرورة تعديل المعدل، واختيار
ألفاظ الجرْح والتعديل وتدرُّجها بين الأعلى ثقة مثل الثقة
والمتقن أو المُثبت والحجة أو الحافظ أو الضابط، ثم الصدوق
ثم الذي لا بأس فيه، ثم الصالح للحديث. ومن مراتب ألفاظ
الجرح لين الحديث وليس بقوي وضعيف ومتروك. ولا تقبل رواية
مَن عُرِف بالتساهُل أو مجهول الحال ظاهرًا وباطنًا. ولا
يقبل قول مُبتدِع أو ثابت تائب عن فِسق أو كذِب، أو من أخذ
أجرًا. فتنطبق قواعد نقْد الحديث على الحديث نفسه من
القدماء دون انتظار ادِّعاء المُحدثين مُستشرقين وعربًا
مُسلمين وبغية الشهرة والإعلام. ويُحدَّد المذهب الفقهي
لكل راوٍ.
١١٦ فالمُحدِّثون فقهاء أو ينتسبون إلى مذاهب
فقهية، مثل انتساب المؤلف إلى الشافعية. ويعتمد على شاهدٍ
شعري واحد. وطبقًا لعادة المُتقدمين والآخِرين يُشتَق اسم
الكتاب من اسم السلطان.
١١٧
(ﺟ) «سُنن ابن ماجه» (٢٧٥ﻫ)١١٨
وهو سُنن تُركز على الأقوال المباشرة أكثر من الروايات،
وعلى الأحاديث القصيرة دون الطويلة، وعلى الموضوعات
العملية وليست الأمور الميتافيزيقية مثل البخاري. وتتكرَّر
الأحاديث في صياغاتٍ عدة، وتتفاوت زيادة ونقصًا. تجمع بين
السُّنن القولية والفعلية؛ لذلك أتت بعض الأحاديث رواياتٍ
فحسب دون أقوالٍ مباشرة تخلو من المُقدِّمات النظرية لصالح
الرصد والتجميع والمادة الخام، بل إن المقدمة مجرَّد تجميع أحاديث.
١١٩ تتوجَّه بعض الأبواب إلى فِرَق المعارضة خاصة
الخوارج بالاسم أو الوصف.
١٢٠ وتُرقَّم الأحاديث داخل كل بابٍ من الناشر
الحديث حتى يسهل تتبُّعها. وتعتمد على القرآن أكثر من الشعر.
١٢١
ويضمُّ أربعة آلاف وثلاثمائة وواحدًا وأربعين حديثًا في
سبعةٍ وثلاثين كتابًا، وكل كتاب في عدة أبواب، وفي كل بابٍ
عدة أحاديث.
١٢٢ أكبرها الصلاة ثم الزهد، الخارج والداخل، ثم
الطهارة والأذان والناسك. وكلها في العبادات. ثم تأتي
المعاملات العامة كالفتن، والخاصة كالجنائز. والنكاح
والأدب والتجارات. وأصغرُها الشفعة ثم الهبات واللقطة ثم
العتق والوصايا وهي من المعاملات.
١٢٣
(د) «سنن أبي داود» تصنيف أبي داود السجستاني (٢٧٥ﻫ)١٢٤
وهو من الإصحاحات الخمسة. تبوب طبقًا للتبويب الفقهي،
خمسة وثلاثين كتابًا فقهيًّا.
١٢٥ كل منها ينقسم إلى عدة أبواب. ويكون مجموعها
ألفًا وسبعمائة وواحدًا وثمانين بابًا. تضمُّ خمسة آلاف
ومائتين وأربعةٍ وسبعين حديثًا. وتُبين درجة صحة كلِّ
حديث، صحيح أو حسَن أو ضعيف. أكبرها كتاب الصلاة ثم كتاب الأدب.
١٢٦ يغلب عليها الطابع العملي. وتغيب منها
الموضوعات الغيبية. لا يتميز بشيءٍ خاص بين الإصحاحات
الخمسة، مجرد تجميع وتبويب وتصنيف للأحاديث.
«رسالة الإمام أبي داود السجستاني إلى أهل مكة في
وصف سننه» (٢٧٥ﻫ)١٢٧
وهو أيضًا صاحب «كتاب المصاحف». فالمُشتغل بعلوم القرآن
مُشتغل أيضًا بعلوم الحديث؛ علم التدوين الأصولي الأوَّلي.
ولمَّا كان علم الحديث منقولًا شفاهًا فقد دُوِّن رواية.
١٢٨ وهو جزء من السيرة الذاتية يصِف فيها المُحدث
سُنَنَه، عددها، وتكرارها لزياداتٍ في كشفها، ومراسيلها
دون متروكها أو مُنكَرها أو ما وهَنَ منها أو غريبها أو
مُدلَّسها، وما سُمع منها سماعًا مباشرًا. ومعظمها من
المشاهير. وقد قُسِّمت ثمانية عشر جزءًا، واحد منها فقط من المراسيل.
١٢٩
«تهذيب السنن» لابن القيم (٧٥١ﻫ)١٣٠
وبعد خمسة قرونٍ تقريبًا من جمع الحديث وتدوينه، جاء
النقد الداخلي من القدماء أنفسهم من التيار السَّلفي
الحنبلي. وهذا هو معنى «تهذيب السنن» أي نقدها وبيان درجة
صحَّة كلٍّ منها طبقًا لقواعد الجرح والتعديل. وهي دراسة
تطبيقية على سُنن أبي داود بعد اختصار المُنذري لها
للتحقُّق من صدق الروايات وتحديد درجة صحَّة كل رواية؛
صحيح أو حسن أو ضعيف، متروك أو مجهول، مُنكَر أو مُدلَّس،
مُرسَل أو مقطوع.
١٣١ يتحقَّق من الروايات سندًا أم متنًا، ويرجع
إلى التاريخ، ويكتشف عِلل الأحاديث. ويُراجع أوجه
الاستنباط من الحديث بطريقة علماء أصول الفقه ومناهجه؛ من
نصٍّ وإجماع واستصواب، وإلى بعض مبادئ القياس الإسلامي مثل
قياس الأولى وعدم جواز تكليف ما لا يُطاق، والنَّسخ في
النصوص، وبعض مبادئ اللغة.
١٣٢ هي دراسة ومراجعة وكأنها موضوع فقهي وليست
مجرد جمعٍ ورصدٍ للأحاديث مع الحكم والتقدير والنظر
والتصحيح، اعتمادًا على السابقين وتراجع الأحكام وطرُق
استنباطها، وليس فقط يتحقَّق من صحة مصادرها.
١٣٣ ويدخُل في سِجالٍ مع الخصوم.
١٣٤ فهي أقرب إلى التهذيب منها إلى السنن، وإلى
علم أصول الفقه منها إلى علم الحديث. ولا يتورَّع المُصنف
من إصدار أقوى الأحكام السلبية مثل «فأي شذوذ أكثر من هذا؟»
١٣٥ ويعتمد على مئات من الآيات.
١٣٦ وآلاف من الأحاديث والآثار في ثلاثةٍ وثلاثين
كتابًا فقهيًّا.
١٣٧ أكبرها الصيام ثم السنة ثم المناسك، وأصغرها
الوصايا والفتن والمهدي.
١٣٨ والسؤال هو: لماذا اختيار سنن أبي داود للتحقق
من صحتها دون غيرها؟
(ﻫ) «سنن الترمذي» (الجامع الصحيح) للترمذي (٢٩٧ﻫ)١٣٩
وهو الإصحاح الخامس وله اسمان «سنن»، «الجامع الصحيح».
يخلو من مقدمة نظرية، مجرد رصدٍ وتجميع. كما يخلو من أي
تحليلٍ أو دراسة. يُصدر أحكامًا على درجة صحة الحديث.
ويهتم بالسند قدْر اهتمامه بالمتن، بالعنعنة وبالصياغات
المختلفة للمتون، زيادة أو نقصانًا. لذلك تتكرَّر
الأحاديث. وكان صاحبه ضريرًا يعتمد على السماع وحدَه. لم
يمنعه فقدان بصره من الحفظ؛ فهو العزيز الحافظ.
١٤٠ يركز على الأقوال المباشرة دون الروايات.
ويندُر وجود رواياتٍ دون أقوال مباشرة؛ أي سُنن فعلية دون
سُنن قولية.
١٤١ ويندُر وجود الأحاديث الطوال التي تسمح بإعمال
الخيال. مُعظمها أحاديث عملية تتفق مع أهداف علم الحديث.
باستثناء قصص الرجال، والشفاعة، والشوق إلى الجنة، وخلود
أهل النار، والخضر، وقصص الأنبياء، والدعوات، وضرب الأمثال.
١٤٢ فهو أكثر الإصحاحات تركيزًا على الأقوال
العملية وبعدًا عن الخيال. وأقربها إلى ابن ماجه, وأبعدها
عن البخاري. عناوينه الجانبية داخل الأبواب كثيرة
وتفصيلية. فكل موضوع حديث رأس موضوع. بعض الأحاديث
للتمايُز عن اليهود والنصارى والمشركين وباقي الطوائف.
١٤٣ يعتمد على الآيات القرآنية أكثر مما يعتمد على
الأشعار. والقرآن تصديق للحديث. وأكثره في كتاب القرآن
وكتاب التفسير.
١٤٤ كما يعتمد على أقوال السابقين، فقهاء
ومحدثين.
وينقسم الإصحاح إلى ثمانية وأربعين كتابًا.
١٤٥ وكل كتاب إلى عدة أبواب
١٤٦ تنقسم أبواب الصلاة إلى أبواب تفصيلية.
١٤٧ والكتب غير مُرقمة. ولا تبدأ بآياتٍ قرآنية
مثل البخاري. وقد ينقسم الموضوع إلى كتابين مثل فضائل
الجهاد والجهاد.
وسبب التأليف هو بيان عِلل الأحاديث؛ أي إيجاد الأدلة
والبراهين على صحَّتها وإصدار حُكم على درجتها.
١٤٨ وقد وضعه على الاختصار.
١٤٩ بل إنَّ الترمذي قد عقد كتابًا خاصًّا في
النهاية عن «العلل».
١٥٠ وهو ما أصبح فيما بعد في علم مصطلح الحديث نقد
الرواة أو «الجرح والتعديل».
وله طبعات أُخرى عديدة بأسماء مختلفة مثل «الجامع
الكبير» وليس «الجامع الصحيح».
١٥١ ولو أن المعنيَين مُتشابهان مع اختلاف تاريخ
وفاة الترمذي بين ٢٧٩ﻫ، ٢٧٧ﻫ، بين مجلدات أو مجلد واحد.
وتبدو لغة التعظيم والتبجيل في مقدمة الناشر الجديد في مدح المؤلف.
١٥٢
«شروط الأئمة الخمسة» لمحمد بن موسى الحازمي (٥٨٤ﻫ)١٥٣
وهي محاولة للكشف عن منطق الإصحاحات الخمسة، ما يجمعها
وما يُفرقها ثم تطبيقها على كل مُحدِّث طبقًا لقواعد علم
الجرح والتعديل. فهي دراسة تجمع بين النظر والتطبيق، بين
التنظير والتاريخ. وقد تمت بناء على سؤالٍ على شروط الأئمة
الخمسة، وغرض كل منهم وقصده. فكل إصحاحٍ له هدف وقصد، غاية
ومرام، والشرط الجامع للصحيحين الأولين هو السماع من
شيخَين عَدلين عن الرسول. وقسمة الأخبار إلى متواتر وآحاد
من الفقهاء. أما أهل الحديث فيقسمونه إلى عشرة: خمسة مُتفق
عليها، وخمسة مختلف عليها. المُتفق عليها الصحيح في
الصحيحين الأولين، ما له راويان ثِقتان من التابعين إلى
الصحابة إلى الرسول. وقد يمتدُّ الأمر إلى أربع طبقات.
وأحاديثها لا تبلغ عشرة آلاف حديث. والثاني نقل العدل عن
العدل والتابعي عن الصحابي، وليس له إلا راوٍ واحد. وهو
موجود أيضًا في الصحيحين الأولين. والثالث أخبار التابعين
عن الصحابة براوٍ واحد. والرابع أحاديث الأفراد والغرائب،
رواية الثقات عن العدول. تفرَّد بها ثقة من الثقات وليس
لها طرُق مُخرجة من الكتب. والخامس أحاديث الآباء عن
الأجداد دون أن تتواتر.
١٥٤ وهي موجودة في كتب الأئمة مُحتج بها. ولم يخرج
منها في الصحيحين حديث. وبالتالي يبطُل قول من زعم أن شرط
البخاري إخراج الحديث عن عَدلَين إلى أن يتَّصِل الخبر بالنبي.
١٥٥ وكلها أخبار آحاد في نظرية عامة لقسمة الخبر
إلى متواترٍ وآحاد، أو إلى صحيح وفاسد ومُشتبه به. طريق
معرفة الصحيح المتواتر والفاسد ما تدفعه العقول مثل
الأخبار عن المُتضادَّين.
١٥٦ والشروط المُعتبَرة عن الأئمة هي العدل مُشتبه
فيه. وله شروط: الإسلام والعقل والصدق وعدم التدليس والعدالة.
١٥٧ وتتضمَّن العدالة العلم، والأخذ عن العلماء
وليس عن الصحف، والضبط واليقظة؛ أي سلامة الذهن من شوائب
الغفلة، وقلة الغلط والوهم، وحُسن السَّمت والاتصاف
بالوقار، ومُجانبة الأهواء.
١٥٨ وهم على طبقات.
«ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع
الحديث» لعبد الغني
النابلسي (١١٤٣ﻫ)١٥٩
وهو الصوفي الشهير تلميذ ابن عربي، يجمع بين التصوف وعلم
الحديث، بين الذوق والرواية على الرغم من التعارُض بين
التأويل والتنزيل. وهي دراسة في الإصحاحات الخمسة
والتحقُّق من رُواتها، بإضافة سُنن ابن ماجه عند المَشارقة
ومُوطَّأ مالك عند المغاربة. وقد تمَّت دراسات ومراجعات من
قبل في نفس الموضوع، يراجعها النابلسي ويستأنفها في هذا
العصر المتأخر؛ القرن الثاني عشر، بعد استقرار علم الحديث،
مما يدل على أن العلم لم ينتهِ بعد، وأنه ما زال موضوعًا
للدراسة. وتُصنَّف الأحاديث طبقًا لرُواتها من الصحابة دون
الوسطاء من التابعين وتابعي التابعين، وليس طبقًا
لموضوعاتها حتى ولو كانت أبواب الفقه التقليدية. وهذا هو
معنى العنوان الفرعي «مواضع الحديث». ويُرتَّب الرواة
أبجديًّا؛ فالحديث مُشخَّص في الراوي، والمتن في السند، مع
أن الراوي مجرد وسيلة، في حين أن المَروي هو الغاية. وتغلب
الأحاديث القولية على الأحاديث الفعلية، والقول المباشر
وليس الرواية أو الحوار، بل لبُّ القول المباشر وقلبه حتى
ولو تمَّ اختصاره في عبارةٍ تظهر موضوعه، بل يمكن إظهار
تصنيفٍ جديد للموضوعات مثل قوانين الطبيعة، مركزية الرسول،
قول الله «الحديث القدسي».
١٦٠ ويظهر أبو هريرة أكثر الصحابة رواية.
وينقسم الرواة إلى رجال ونساء مما يدل على حضور النساء
في علم الحديث مثل حضورهم في التصوف، وتخصيص فصلٍ في كتب
طبقات الصوفية لهن. فالرواة رجال ونساء. وينقسم كل فريقٍ
إلى صحابة وكُنية ومُبهمات. لذلك انقسم الكتاب إلى قِسمين
الأول مسانيد الرجال من الصحابة «أهل الكمال»، والثاني من
اشتُهر بالكُنية من الصحابة ومن لم يُعرَف اسمه أو اختلف
في اسمٍ منهم.
١٦١ ومجموع الأحاديث ١١١١٤ حديثًا.
١٦٢ ويظهر القرآن مع الحديث. وتتعدَّد روايات بعض الأحاديث.
١٦٣ وتغيب الأحاديث الطويلة.
١٦٤
(د) «السنن الكبرى» للنسائي (٣٠٣ﻫ)١٦٥
ويُعتبر الإصحاح السادس هو مجرد جمعٍ ورصد وترتيب وتصنيف
لأحاديث؛ أحد عشر ألفًا وتسعمائة وثمانية وأربعون حديثًا
مُرتَّبة دون أي مقدمة نظرية أو مدخل يُبين سبب هذا الجمع
الجديد بعد الإصحاحات الخمسة. وتُعطي أكبر قدرٍ ممكن من
التفصيلات لدرجة وجود أكثر من عنوانٍ في الصفحة الواحدة.
وبهذا المعنى تكون «السنن الكبرى» أبعد عن الإصحاحات
الخمسة، وتذكُر الاختلافات بين الرواة في الأحاديث؛ فالسند
أهم من المتن.
١٦٦ وكثير من التفصيلات لا لزوم لها، وكأن الأمة
ما زالت في مرحلة بني إسرائيل بكثرة السؤال. ويقلُّ الخلاف
في المسائل الطبيعية والنعوت؛ أي الذات والصفات الإلهية.
١٦٧ وبعضها مُوجَّه سياسيًّا مثل نقد الحرورية أي الخوارج.
١٦٨ ويظهر العامل الجغرافي في توقيت العبادات.
١٦٩
وقد صنفت الأحاديث طبقًا لأبواب الفقه إلى اثنين وستين بابًا.
١٧٠ بعضها مُتداخل مثل كتب الصلاة التي تضم عشرة
أبواب. والنكاح والطلاق وعِشرة النساء كتُب متداخلة،
والوليمة والأشربة مُترابطان. والرجم وقطع يد السارق
كلاهما حدود. وكتاب الإيمان والنذور لا يستوجب كتابًا
خاصًّا للنذور. أكبرها عمل اليوم والليل وهو عنوان رسالة
للحسَن البصري، ثم التفسير، ثم المساجد، ثم المناسك.
١٧١ وأصغرها العقيقة، والعارية والوديعة، والرقى.
والجهاد الصغير.
١٧٢ وهناك مسائل تجاوزها الزمن مثل: السواك، بعد
انتشار فرشاة الأسنان، والاستطابة بحجر بعد انتشار المياه
وأوراق الحمام، وربط الأسير بسارية المسجد، والأسرى الآن
لهم حقوقهم محفوظة بالمواثيق الدولية، وإرضاع الكبير
يتعارَض مع العقل الواقع، وقص الشارب وإطالة اللحى عادة عربية.
١٧٣ وهناك أمور أخرى أقرب إلى الخيالات مثل سجود
الملائكة يوم الجمعة أمام أبواب المسجد، ولعن إبليس، وخنق
الشيطان في الصلاة.
١٧٤
«شروط الأئمة الستة» لمحمد طاهر المقدسي (٥٠٧ﻫ)١٧٥
وهي دراسة مقارنة لكتُب الإصحاحات الستة من حيث الصحة
التاريخية للسند أو فهم المتن أو الزيادة والنقصان، ومعرفة
أوجه الاتفاق والاختلاف بينها. هي دراسة لشروط الإصحاحات
الستة النظرية والتطبيقية أفضل ممَّا قام به المُحدثون.
ولا يُوجَد شرط واحد مُتفق عليه بين الإصحاحات الستة. شرط
البخاري ومسلم النقل عن الصحابي المشهور واتصال الإسناد.
فإن كان للصحابي راويان فالحديث حسن. ثم أخرج مسلم ما تركه
البخاري بعد إزالة الشبهة. الشرط عند البخاري العدالة والثقة.
١٧٦ ثم جاء أبو داود فقسم الحديث إلى صحيحٍ وهو ما
خرج على شرط البخاري ومسلم، والثاني ما لم يكن كذلك
وتفرَّد به.
١٧٧ والثالث المُتضادة لعِلَلها، وهو ما لا يمنع
من إيرادها. قسم الترمذي صحيحه إلى أربعة أقسام: صحيح
مقطوع به وهو ما وافق البخاري ومسلم. والثاني على شرط
الثلاثة السابقين، وثالث للضدية وبيان عليه، ورابع عمل به
بعض الفقهاء.
١٧٨
(ز) «الإحسان في تقريب صحيح ابن حبَّان» (٣٥٤ﻫ)١٧٩
وهو كتاب ضخم يتجاوز الألفي صفحة، جمع ابن حبان وترتيب
الخراساني (٧٣٩ﻫ). فهو عمل جماعي عن اثنين من المُحدِّثين
مما يدل على أن الجمع كرصدٍ لا يكفي دون ترتيب، أي رؤية
للسلوك الفردي والاجتماعي. وهو إملاء وليس كتابة. يعتمد
على أسلوب القول، قال … قلت.
١٨٠ يبدأ بمقدمة نظرية. النص الأصلي بعنوان
«التقسيم والأنواع» مما يدل على أهمية التبويب. ويبدأ
المُبوِّب الثاني بذكر محاسن المؤلِّف الأول، وخطبته أي
مقدمته النظرية، ثم تبويبه. ويبدو غلبة الفقه على الحديث،
وعدم التمايُز بين المُحدثين والفقهاء.
١٨١ إذ ينقسم الحديث كله إلى خمسة أقسام: الأوامر،
النواهي، والأخبار، والمباهات، وأفعال النبي. الأوامر
والنواهي متقابلان، وأفعال النبي تقترب من السيرة، وخروج
السيرة من علم الحديث، من الرسالة إلى الرسول، ومن القول
إلى القائل.
١٨٢ وتنقسم الأوامر إلى مائةٍ وعشرة. والنواهي إلى
مائة وعشرة كذلك.
١٨٣ والأخبار إلى ثمانين نوعًا، معظمها من
الغيبيات في الماضي والمستقبل، في التاريخ الماضي، وفي ما
بعد الموت.
١٨٤ والمباهات تشتمل المكروه والمندوب؛ خمسون نوعًا.
١٨٥ وأفعال النبي عن سيرته خمسون نوعًا كذلك.
وتنتهي المقدمة النظرية بوضع منطقٍ للرواية أدخَلُ في علم
مصطلح الحديث. وتبدأ ببيان الخبر الذي تتنازع فيه الأئمة
وتأويله. وتُوضَع السنن داخل أصولها في القرآن. وتظهر
أهمية شروط الراوي: العدالة، والصدق، والعقل، والعلم،
والخلو من التدليس. ويحذر من الزيادة في المتون، وانتحال
المذاهب، مثل الإرجاء، وهو مذهب السلطة، والرفض، مذهب
المعارضة، والاختلاط في أواخر العمر، والتدليس.
١٨٦ ويذكر السند مع المتن. ويخلو جمع الأحاديث من
الحِكَم على درجة صحتها، كما هو الحال في كتب الأحاديث
الموضوعة. وتتكرَّر بعض الأحاديث. وتقل الأحاديث الطوال
وتندُر الروايات الطويلة.
١٨٧
ويتضمن الكتاب سبعة آلاف وأربعمائة وأربعة وتسعين
حديثًا. تستند إلى حوالي سبعمائة آية وبيتَين من الشعر.
١٨٨ تتوزَّع على ستين قسمًا؛ مقدمة وتسعة وخمسين كتابًا.
١٨٩ تزيد بعض الكتب الغيبية مثل الوحي والإسراء
والنجوم والأنوار والكهانة والسحر والتاريخ. أي بدء الخلق.
وتظهر بعض الكتب الأخلاقية الصوفية مثل الرقائق، وتشبه
الدقيق في طبيعيات علم الكلام. أكبرها التاريخ؛ أي بدأ
الخلق وهو كتاب غيبي خالص في البخاري ومملوء بالإسرائيليات
وثقافات الشعوب المجاورة، ثم مناقب الصحابة، وهو أقرب إلى
التاريخ، ثم السِّيَر وهو أقرب إلى السيرة، ثم الرقائق،
وهو أقرب إلى الأخلاق والتصوف ثم الطهارة. فالكتب الخمسة
الأولى من حيث الحجم خارج علم الحديث. وأصغرها الكهانة
والسحر وهو أيضًا موضوع غيبي لا يتعلق بالأحاديث العملية.
١٩٠
(٣) المسانيد
(أ) «مُسند الإمام زيد» لزيد بن علي (١٢٢ﻫ)٢١٣
والمسانيد هي مجموعات أحاديث شخصية لأئمة أو مُحدِّثين
أو صحابة أو من بيت الرسول، روَوها بأنفسهم أو رواها آخرون
عنهم، ونُسبت إليهم. ولم يقتصر جمع الأحاديث على أئمة
السُّنة فقط وفقهائهم، بل شمل أيضًا أئمة الشيعة مثل
الإمام الشهيد زيد بن علي. يقاتلون ويتعلمون. يستشهدون
ويعلمون. فهم مُحدِّثون شهداء على عكس بعض مُحدِّثي أهل
السنة الذين كانوا علماء السلطان. وقد كان جمع الحديث
مبكرًا. بل وسابقًا على جمع أهل السنة خوفًا من الوضع،
ولجمع الصحيح قبل أن يختلط بالموضوع. وربما اعتمدت عليها
الإصحاحات الستة. وقد كان جمعًا شفاهيًّا قبل التدوين
للسند والمتن، للسنة القولية والسنة العملية. الأقوال
المباشرة أكثر من الرواية التي قد يتدخل فيها الخيال.
والرواية عن جدِّه منها سماعًا مباشرًا ومنها بتوسط.
فالقضية شخصية عائلية. يعتمد نادرًا على القرآن والشعر.
٢١٤ وتصنف الأحاديث طبقًا لأبواب الفقه، أربعة عشر بابًا.
٢١٥ أكبرها الفرائض ثم الصلاة. وأصغرها الشركة ثم الشهادات.
٢١٦ فالعبادات لها الأولوية على المعاملات.
(ب) «مسند أبي حنيفة» (١٥٠ﻫ)٢١٧
ويقوم على تتبُّع أسانيد أبي حنيفة من الرواة وليس على
أبواب الفقه، ثمانية وسبعون إسنادًا لرواتهم، وتسعمائة
وخمسة عشر حديثًا مُسندون إلى رواتهم ليس على التساوي. قد
يُسند حديث واحد لراوٍ واحد أو عشرين. وتعني «مُسند» هنا
طريق الرواية، السند وليس المتن. ولا تُرقَّم الأسانيد في
حين تُرقَّم الأحاديث. وكل إسناد به مُحدثون فرعيُّون. وهي
رواية الحارثي قبل التدوين. تغيب الأحاديث الطوال
والروايات الخيالية. ويغلب على المسند النزعة العملية
الغالبة على المُحدِّثين الفقهاء. يخلو من أي مقدمة نظرية،
مجرد إحصاء للرواة بعد أن تحوَّلت المقدمة النظرية
للمسانيد إلى «علم مصطلح الحديث». يعتمد على القرآن دون
الشعر في حين أن الشافعي صاحب ديوان.
٢١٨
(ﺟ) «مسند أبي داود الطيالسي» لسليمان بن داود بن
الجارود (٢٠٤ﻫ)٢١٩
المسند مجموعة من الأحاديث مُرتبة طبقًا للرواة وليس
طبقًا لكتب الفقه. جُمع الكثير منها قبل كتُب الإصحاحات
الستة. والسؤال هو: هل اعتمدت عليها أم لا؟ ظهر بعضها مع
المذاهب الفقهية. فقد تُوفي الطيالسي نفس العام الذي تُوفي
فيه الشافعي كما تُوفي أصحاب المذاهب قبل وفاة أصحاب
الإصحاحات، مما يدل على أن المذاهب الفقهية كانت أسبق في
الظهور من الحديث الكامل في الإصحاحات؛ آخر صياغة لعِلم
الحديث وتبويبه موضوعيًّا طبقًا لأبواب الفقه. وتتكرَّر
أحاديث الإصحاحات الستة المشهورة. والسؤال هو: ما الذي
جعلها متميزة عن باقي الإصحاحات والسنن والمجاميع
والمسانيد الأخرى؟ ولماذا البخاري أولًا وهو أكثرها
إيغالًا في الأمور الغيبية مثل كتاب «بدء الخلق»؟
والتبويب طبقًا لأسماء الرواة: والسؤال هو: وكيف يتم
ترتيب أسماء الرواة؟ لم يتم ذلك أبجديًّا أو جغرافيًّا بل
تاريخيًّا طبقًا لقُربهم من النبوة والسماع المباشر من
الرسول دون توسُّط. كذلك يبدأ الرواة بالخلفاء الأربعة
وبأكثر الصحابة التصاقًا بالرسول قبل أبي هريرة، أو أكثرهم
علمًا مثل ابن عباس، أو أقربهم إليه سكنًا مثل عائشة. كما
يقوم الترتيب على التعاصُر، وجود راويين في عصرٍ واحد قد
يسمع أحدهما من الآخر، وهو أحد شروط صحة الرواية عن طريق
صحة العنعنة. كذلك يهم تحديد سنة وفاة الرواة.
٢٢٠ وقد يكون ترتيب الرواة طبقًا للفضل كما هو
الحال في ترتيب الطبقات، الأفضل فالأقل فضلًا. وهو حُكم
شخصي يتداخل فيه الولاء العقائدي. فلا حرج في الرواية عن
معاوية عند أهل السنة. فمعاوية رجل ليس له مال ولا قوة
فأصبح خليفة للمسلمين ذا ثروة وسلطة.
٢٢١ وهو مُحرَّم عند الشيعة الذين يُكثرون الرواية
عن علي. وعثمان قبل علي عند أهل السنة، وعلي قبل عثمان عند
الشيعة. وقد يذكر بعض أسماء الرواة دون إسناد أي حديثٍ لهم.
٢٢٢ وهذا يدل على أهمية الراوي على المروي، والسند
على المتن، والرواية على موضوعها، دون التطرق لموضوع الصحة
سواء في السند أو في المتن. ويكون أقرب إلى التاريخ، تاريخ
الرجال أو تاريخ الطبقات. ويُفيد في علم نقد الرجال، أي
علم الجرح والتعديل. وتختلف حِرف الرواة بين تجَّار
وقُوَّاد وسلاطين.
ويختلف عدد الرواة عن الراوي الأصلي المُسند إليه. وقد
يكون أكثرهم رواية غير معروف مثل الزهري، باستثناء علي بن
أبي طالب والصحابة. وتشارك النساء في الرواية مثل هند بنت
أبي أمية، وبعض الصوفية مثل أبي سعيد الخدري. وقد يكون
الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أقلهم رواية حرصًا من
التوجُّه نحو الحديث أكثر من الأصل وهو القرآن.
٢٢٣ وقد يروي راوٍ حديثًا واحدًا فقط.
٢٢٤ وتزداد الرواية بتقدُّم الخلفاء. المتقدمون
مُقلون، والمتأخرون مُكثرون.
٢٢٥ وكلما كان الراوي مجهولًا زادت نسبة الخيال؛
أي الوضع. وكلما كان معلومًا قل. وكلما تأخر الراوي زادت
نسبة الوضع. وكلما تقدَّم قل. فالتاريخ يساعد على الإبداع
عن طريق الخيال الشعبي. والأحاديث الطوال أقرب إلى الوضع
من الأحاديث القصار. ونظرًا لاستحالة استيعاب الذاكرة لها
فإنها تتقطع على مراحل، وفي فقرات، بفعل القول وتكراره.
كما تطول الروايات.
٢٢٦ وتطول أحاديث ابن عباس حبر الأمة وعبد الله بن
مسعود. ويتغير لفظ الإسناد أحيانًا من «أحاديث» إلى «ما
أسند إلى.»
٢٢٧ وقد تُذكَر المسانيد دون عبارة «أحاديث» أو «إسناد».
٢٢٨ وتُذكَر بعض الأحاديث المفردة بتعبير «الإفراد
في الحديث».
٢٢٩ وتتكرر بعض الأحاديث طبقًا للرواة.
٢٣٠ ومن حيث المرويات أكثرهم أبو هريرة ثم ابن
عباس ثم عائشة.
وتتعدَّد صياغات الحديث في الرواية.
٢٣١ كما يشرح الراوي بعض ألفاظ الحديث، وهنا يتحول
الراوي إلى مفسر, والحديث إلى تفسير. والتفسير أحد أبواب الحديث.
٢٣٢ ويفسر الراوي بعض ألفاظ الرسول ومقاصده. ويضم
المُسند ألفين وثمانمائة وتسعين حديثًا ومائة راوٍ تُسند
إليهم آلاف الرواة الفرعيين.
٢٣٣ تجمع بين السنن القولية والفعلية. تعتمد على
الآيات القرآنية. فكل حديث له أصل قرآني. ويبين الحديث سبب
نزول الآية، وكيف تتعدد القراءات.
٢٣٤ وتستعمل بعض الأحاديث الآيات المنسوخة قبل النسخ.
٢٣٥ وتظهر بعض الشواهد الشعرية القليلة. فالسند لا
يحتاجها كما يحتاجها المتن.
٢٣٦ وتظهر بعض الأحاديث «القدسية»، وكأن الأحاديث
التي يتكلم فيها الرسول أقل قدسية.
٢٣٧ ويضيف الناشر الحديث تعبير «عز وجل» بعد الله
إمعانًا في التقديس. كما يضيف تعبير «صلعم» كلما ذكر
الرسول. وقد يكون بعضها موضوعًا إذا ما طُبقت عليه مقاييس
الوضع: الطول في القول المباشر أو الرواية، تقطيع الحديث،
قصص الأنبياء، خلق العالم، الأخرويات، الموضوعات الغيبية،
الإخراج الروائي في الحوار، القصص والحكايات، الركاكة، أو
البلاغة المصطنعة.
٢٣٨
ويتوارى المتن أمام السند. ولا يتم التعليق عليه إيجابًا
أو سلبًا. منها متون غيبية صرفة عن الملائكة والشياطين
وظراط الشيطان وأشراط الساعة والتي لا يمكن التحقق من
صحتها لعدم اتفاقها مع الحس وهو أحد شروط التواتر الأربعة.
٢٣٩ ومنها أحاديث بيئية خالصة عن الخيل والبغال
والحمير والأغنام، وأوضاع اجتماعية تغيرت مثل الرق والرجم
والقتل، وهي من بقايا يهودية.
٢٤٠ ومنها أحاديث سياسية وضعت لإعطاء الأولوية
لقريش في السيادة والسلطة وتكفير المعارضة، خاصة الخوارج
والأزارقة الذين يُبيحون الخروج على السلطان بالسلاح،
والدعوة إلى طاعة السلطان.
٢٤١ وأهل الكتاب ليسوا كلهم جماعة واحدة. منهم
العدو ومنهم الصديق.
٢٤٢ ومنها أحاديث إيجابية خالصة، مثل السؤال عن
الأرض قبل السؤال عن السماء.
٢٤٣ ومثل أحاديث الفطرة والقانون الطبيعي.
٢٤٤ ومنها أحديث تبدو متناقضة مع غيرها مثل أحاديث
القضاء والقدر وفي نفس الوقت أحاديث الفعل والمبادرة ورفض الاتكال.
٢٤٥ وأحاديث رفض الحديث عن «الأنا» وبعض أحاديث
الرسول تبدأ بها. وأحاديث طاعة السلطان والخروج على فرعون
الأمة. ومنها أحاديث ركيكة لا تتفق مع أساليب البلاغة
وفنون القول وقد أوتي الرسول جوامع الكلم.
٢٤٦ ومنها أحاديث تُبين التواصل بين الجاهلية
والإسلام وليس الانقطاع، على عكس ما هو شائع في الثقافة
الشعبية وفي بعض الاتجاهات السلفية المعاصرة.
٢٤٧ ومنها بعض الأحاديث التي تدعو إلى التمسُّك
بالأرض «من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقِّه طُوِّقه من سبع
أرضين.» ومنها عدم التمسُّك بالألفاظ والتوجُّه نحو
المضمون، على عكس بعض الاتجاهات الحرفية المعاصرة. فلا يهم
إذا كان محمد رسول الله وإلا فلماذا حاربه من لا يؤمن به
أو ابن عبد الله.
٢٤٨ ومنها بعض الأحاديث التي تعترف بأن نعيم الجنة
في الآخرة تعويض عن مآسي الفقراء في الدنيا.
٢٤٩ ومنها ما يتعلق بالثقافة الشعبية خاصة ما
يتعلق بالمرأة أنها رمز الإثارة والشهوة والجنس والشر.
فكما أنَّ معظم أهل الجنة من الفقراء فمُعظم أهل النار من النساء.
٢٥٠ ومع ذلك فهناك جزء خاص للرواة من النساء وفي
مقدمتهم عائشة.
٢٥١ وكثير من أحاديثها سُنن فعلية لأنها كانت
تشاهد الرسول في حياته الخاصة. وقد روت الكثير. وكثير منها
عادات شخصية أكثر منها سنن عامة. وموضوعاتها خاصة مثل
الحيض والجماع والتقبيل.
٢٥٢ ومنها أحاديث تعبير عن مجرد ذوق شخصي.
٢٥٣ ومنها أحاديث إنسانية عامة لا ترى حرجًا في
تصوير الله وتشبيهه للدلالة على هذه النزعة.
٢٥٤ ومنها أحاديث تُبين أهمية تفسير الشرائع طبقًا
لتغير الزمان في صيغة نمطية «لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت.»
٢٥٥
(د) «المسند» للحميدي (٢١٩ﻫ)٢٥٦
وهو مجموعة من الأحاديث وعددها ألف وثلاثمائة مُرتبة
طبقًا للرواة، وعددهم مائة وأربعة وسبعون راويًا. منهم
رواة من النساء وآخرون من الأنصار. وهو مُقسَّم إلى عشرة
أجزاء دون سبب واضح. لعلَّه الترتيب الزماني للرواة أو
طبقاتهم؛ أي تعاصُرهم حتى تصح العنعنة عن بعضهم البعض.
يسبق الراوي مرة «أحاديث» جمعًا، ومرة «حديث» مفردًا. وتضم
الرواية السند والمتن دون إصدار حُكم بالصحة ودرجتها. وقد
عزَّ على الناشر الحديث ترْك الروايات دون تبويب فقهي لأن
المؤلف قد تُوفي قبل ظهور الإصحاحات التي اتبعت أبواب
الفقه. وهي ثلاثة وأربعون كتابًا فقهيًّا. ومرة يُوضَع اسم
الكتاب ومرة لا يُوضع، مثل التفسير وفضائل القرآن. وأكثر
الرواة روايةً أبو هريرة ثم عائشة ثم عبد الله بن عمر ثم
جابر الأنصاري ثم ابن عباس ثم أنس بن مالك ثم أبو سعيد
الخدري ثم عمر بن الخطاب ثم علي بن أبي طالب ثم عبد الله
بن مسعود ثم أبو ذر.
٢٥٧ وتستعمل عائشة بعض الشواهد الشعرية.
٢٥٨
(ﻫ) «مسند ابن الجعد» لعلي بن الجعد (٢٣٠ﻫ)٢٥٩
وله مؤلفان؛ الواضع والجامع، الراوي والمدون. الأول ابن
الجعد والثاني البغوي (٣١٧ﻫ) يجمع ثلاثة آلاف وأربعمائة
واثنين وستين حديثًا من ثلاثمائة وأربعة عشر راويًا.
٢٦٠ وتوزَّع على ثلاثة عشر جزءًا دون معرفة سبب
القسمة أو مقياسها. ويخلو من أي مُقدمة نظرية، وكأنه كتاب
في علم الرجال دون نقد. وللسند الأولوية على المتن.
العنعنة هي الأهم. وتضم جيلين، راوٍ عن آخر، فلان عن فلان.
فأصبح المسند مجرد أسماء رواة أهم من المرويات نفسها.
وأحيانًا يضاف لفظ «أخبار» قبل اسم العلَم.
٢٦١ أحيانًا تتضمَّن الرواية راويًا واحدًا أو
راويين. وأحيانًا يكون للراوي الواحد أكثر من رواية.
٢٦٢ وبعض الروايات ليس بها أحاديث للرسول.
٢٦٣ وتبدأ الرواية بلفظ «أخبرنا» أو «سمعت» أو
«قال» أو «حدثنا». هي سُنن قولية وسُنن فعلية. وقد تروى
صياغات مختلفة للحديث الواحد. وتعتمد الأحاديث على عديدٍ
من الآيات القرآنية أكثر من الأشعار.
٢٦٤
(و) «مسند أبي هريرة» لأبي إسحاق العسكري السمسار (٢٨٢ﻫ)٢٦٥
وهي مسانيد يقوم بها المُصنف حول شخصية المُحدِّث مثل
أبي هريرة الذي كان كيسه واسعًا في الحديث. ويدل ذلك على
أهمية الرواة، وهو غير كامل. يضم الجزء الثاني فقط. يروي
تسعةً وتسعين حديثًا. نسبة الغيبيات فيها كثيرة وهو غير
الهدف من الحديث والتوجُّه العملي له. وتتعدَّد رواياته.
٢٦٦
يعتمد على قليلٍ من الآيات وكثيرٍ من الأحاديث والآثار.
٢٦٧
(ز) «حديث عبد الله بن عباس» من مسند الإمام إسحاق
بن راهويه (٢٣٨ﻫ)٢٦٨
ويضم مائة وثمانية وخمسين حديثًا في عدة روايات.
٢٦٩ وتزيد نسبة الآيات في الأحاديث. والسؤال هو:
ما مقياس الجمع؟ هل هو مجرد الراوي، مثل ابن عباس، أم أنَّ
هناك رؤيةً وهدفًا ومزاجًا للجامع والراوي؟
(ع) «أحاديث من المسند الصحيح» لأبي حامد الشرقي
النيسابوري (٣٢٥ﻫ)٢٧٠
وهي جزء من الكتاب. يقوم على روايتَين وسماع.
٢٧١ يُعطي سبعةً وعشرين حديثًا. كل حديث له مُسند.
يخلو من أي مقدمة نظرية، ويعتمد على بعض الآيات وكثير من
الأحاديث والآثار.
٢٧٢
(ط) «مسند إبراهيم بن أدهم» (القرن الثاني)
للأصبهاني (٣٩٥ﻫ)٢٧٣
وصاحب المسند وراويه أيضًا مُختلفان يفصل بينهما قرنان
من الزمان. الرواية على لسان إبراهيم عن الرسول. وهو مسند
صوفي. ليس له ترتيب مُعين طبقًا لأسماء الرواة كما هو
الحال في باقي المسانيد أو طبقًا لأبواب الفقه كما هو
الحال في الإصحاحات والسنن. يتضمَّن ثمانيةً وأربعين
حديثًا تتعلق بالأخلاق أو بالتصوُّف الخلقي. يذكُر أسماء
المروي عنهم في المقدمة.
٢٧٤يجمع بين السند والمتن، والرواية والقول
المباشر. ويعتمد على آيةٍ قرآنية واحدة وعلى ثلاثة شواهد
من الشعر.
٢٧٥ وتضم بعض الأحاديث الطوال التي تسمح بتأويلاتٍ
صوفية روحية خاصة بأسماء الله.
٢٧٦
(ي) «مسند الإمام علي الرضي» (٢٠٣ﻫ)٢٧٧
وهو مسند صغير مُلحق بمسند الإمام زيد. ينقسم إلى عشرة أبواب.
٢٧٨ لا يضم الفقه إلا ثلاثةً منها. الثاني عن
الأذان، والسادس عن الأطعمة، والتاسع عن الغزو والجهاد.
والباقي عن فضائل آل البيت؛ الرابع والخامس، أو عن الأخلاق
مثل السابع عن بر الوالدين وصلة الرحم، والثامن في التحذير
من الغش والغيبة والنميمة. أو عن التصوف مثل الأول عن
الذكر. والعاشر في الأحاديث المُتفرقة. وبالتالي يغلب على
السند الأخلاق والتصوُّف وفضائل آل البيت. وهو ما يُميز
الشيعة عن السنة. أكبرها الرابع عن فضائل آل البيت وأصغرها
الثاني في الأذان.
٢٧٩
(ك) «المسند» لابن حنبل (٢٤١ﻫ)٢٨٠
وهو أضخم مُسند.
يضم عديدًا من المسانيد طبقًا للرواة أو مجموعات الرواة،
مثل الخلفاء الأربعة أو الصحابة أو زوجات الرسول، مثل
عائشة أو المجموعات الثانية: آل البيت، بنو هاشم،
المكيُّون، المدنيون، الشاميون، الكوفيون، الأنصار،
القبائل، أو الجنس: النساء. نسبة إلى المدن: مكة، المدينة،
الكوفة، أو الأقطار، الشام، أو الطوائف، الأنصار والقبائل
أكبرها بنو هاشم الذين كان لهم مصلحة في الرواية، ثم
الكوفيون ثم الأنصار ثم الشاميون؛ نظرًا للصراع بين الشام
والحجاز، ثم المكيون والمدنيون؛ المهاجرون والأنصار، ثم
القبائل لظهور النصرة القبلية على السلطة السياسية،
وأخيرًا آل البيت وهم أقلهم روايةً لتوجُّههم إلى الآخرة
بعيدًا عن مغانم الدنيا.
٢٨١ والأحاديث كلها مُرقمة، تبلغ سبعةً وعشرين
ألفًا وخمسمائة وتسعة عشر حديثًا.
٢٨٢ ويتأرجح ترتيب الرواة بين الترتيب الزماني
والترتيب الطبقي من حيث الفضل. وقد أضاف الناشر على
الترتيب الأبجدي للأحاديث الترتيب الفقهي لها؛ نظرًا
لسيطرته على كتب الأحاديث؛ الإصحاحات والسنن.
٢٨٣ ويخلو من أي مقدمة نظرية باستثناء مقدمة نظرية
صغيرة عن الناشر، وما ألحقه الناشر من مدحٍ للمسند وإطراءٍ
له من أقوال السابقين.
٢٨٤ يكتفي بمجرد الرصد دون حتى تبرير التمييز بين
المسند والصحيفة.
٢٨٥ قد يعطي الانطباع بضيق الأُفق والالتزام
بحَرفية النص. ولا يشعر القارئ معه بأي دلالةٍ أو توجُّه.
فهو التقليد في العلوم النقلية. يشعر بعد قراءته بخيبة
الأمل. يغلب عليه الطابع العملي والأحاديث القصار باستثناء
القليل من الطوال التي يغلب عليها الخيالات والغيبيات.
وحديث السقيفة حادثة وليس شخصًا.
٢٨٦ وأحيانًا يضاف لفظ «أخبار» قبل الراوي مثل «من
أخبار عثمان.»
٢٨٧ ويعتمد على كثير من الآيات والأشعار.
٢٨٨ ويتكرر الكثير منها. وقد يصعب معرفة إذا كان
استناد الحديث إلى آيةٍ قد تم بالفعل، أم أنه من صُنع
الراوي وإدراكه، أم من وضع صاحب المسند. كما يصعب معرفة هل
المسند من وضع صاحبه أم هو تجميع من مسانيد أخرى كانت
معروفة من قبل مثل مسند عائشة؟ والغريب أن بعض الرواة
أحاديثهم مملوءة بالآيات، ومعظمها مكررات.
٢٨٩
وأكثر الرواة أبو هريرة فقد كان كيسه واسعًا وحجَّته
مُصاحبته للرسول، ثم أنس بن مالك، ثم عبد الله بن عمر
اعتمادًا على سلطة أبيه، ثم عبد الله بن عباس اعتمادًا على
لقبه؛ حبر الأمة، ثم عائشة، هذه الحميراء التي روت عن حياة
الرسول العامة والخاصة؛ ثم أبو سعيد الخدري من الصوفية
الذين روَوا أحاديث التصوُّف الخلقي، ثم عبد الله بن مسعود
والمشهود له بالثقة، ثم علي بن أبي طالب الذي لم يُكثر من
الرواية حياءً واعتمادًا على حكمته، ثم سعد بن أبي وقاص
اعتمادًا على إمرته للجيش وفتحه فارس، ثم عمر بن الخطاب
الذي كان أقل رواية من ابنه لانشغاله بالاجتهاد والاعتماد
على عقله ورعايته للمصالح العامة، ثم أم سلمة زوجة الرسول
أقل من عائشة، ثم أبو موسى الأشعري تقي الأنصار، ثم عثمان
بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين الذي لم يكن بحاجةٍ إلى
الاعتماد على سلطة الحديث بعد أن اعتمد عليه كل الفرقاء
وهو الزاهد العابد، ثم معاذ بن جبل الصحابي القاضي، ثم
المغيرة بن شعبة وأبو أيوب الأنصاري من أتقياء الصحابة، ثم
زيد ابن ثابت وابنه أسامة أقرب الناس إلى قلب الرسول، الأب
والابن بالتبنِّي، ثم ثوبان من الصوفية الزهاد، ثم أسماء
بنت أبي بكر، ثم أبوها وقد كان أقل الخلفاء رواية لأنه
عاشَر الرسول وصاحَبَه وتوحَّد معه، ولم يكن في حاجة إلى
رواية لأن الرواية تحتاج المُغايرة؛ ثم يأتي رجال من أصحاب
النبي على المجهول. فالمهم الرواية لا الراوي، والحديث لا الشخص.
٢٩٠
وبعد أن يكثر الرواة ونقل الروايات، ويزداد الرواة إلى
ما يقرب من ثلاثمائة راوٍ يروي كل منهم رواية واحدة. وتتضح
التوجُّهات السياسية في جمع المسانيد من الأحاديث حول إمرة قريش.
٢٩١ ومع ذلك فأحاديث الفِرَق غائبة نظرًا لموقف
صاحب المسند من عِلم الكلام والمُتكلمين والفِرَق، كما هو
معروف في موقفه من «خلق القرآن».
«الثلاثيات التي في مُسند الإمام أحمد بن حنبل»
تخريج إسماعيل بن عمر المقدسي (٦١٣ﻫ) وزيادات ضياء الدين المقدسي٢٩٢
وقد درس القدماء الإصحاحات والسنن والأسانيد والجوامع
ولم يُحولوها إلى كتب مقدسة لا يجوز الاقتراب منها أو
التشكيك في صحة أسانيدها أو متونها، بما في ذلك مسند
ابن حنبل أعظم الكتب قداسةً عند السلفيين. وتعني
الثلاثيات، الروايات التي في السند وليست في المتن. يخلو
من أي مقدمة نظرية لتبرير لماذا الثلاثيات وليس الثنائيات
أو الرباعيات؟ هل ربما لأن الرواية تتطلب بداية ووسطًا
ونهاية، من تابعي التابعين إلى التابعين إلى الصحابة إلى
الرسول؟ وتُقسَّم إلى جزأين دون تبرير نظري واضح. الأول
ثلاثة مسانيد.
٢٩٣ والثاني مسندان. ثم يتغيَّر اللفظ إلى حديث،
ستة وثلاثين حديثًا.
٢٩٤ وتنتهي بسَماعين أي طريقين شفاهيين للرواية.
٢٩٥ ويضم ثلاثمائة وتسعة وعشرين حديثًا. وتظهر
مسانيد المَكيِّين والمدنيين دون تصنيف المسانيد فيها.
٢٩٦ وتعتمد على عديد من الآيات والأحاديث والآثار
دون الأشعار.
٢٩٧
(ل) «مسند الصحابة» للروياني (٣٠٧ﻫ)٢٩٨
وهو معروف أيضًا باسم صاحبه «مسند الروياني»، وهو مسند
مجموعة من الصحابة؛ ثمانين، خمسة وثلاثون مُكثرون، وثمانون
مُقلون، وهو جمع ورواية وسماع؛ ثلاث مراحل في الرواية الشفاهية.
٢٩٩ مُرتَّب طبقًا لأسماء الأعلام مثل باقي
المسانيد. وكل مُسند له عنعنته؛ صحابي أو اثنان. وتجمع
كلها في سبعة عشر جزءًا، من السادس عشر حتى الثالث
والثلاثين وغياب ما قبل السادس عشر؛ الاثنين والثلاثين،
ودون تحديد ماذا يعني الجزء؟ وما الذي يُميز جزءًا عن
الآخر؟ تقلُّ الروايات وتكثُر الأقوال المباشرة. وتقل
الغيبيات، وتكثُر العمليات، الفقهيَّات والأخلاقيات.
ويعتمد على كثير من الآيات القرآنية وقليل من الشواهد الشعرية.
٣٠٠
(ﻫ) «مسند محمد بن إسحق السرَّاج» (٣١٣ﻫ) لضياء
الدين المقدسي (٦٤٣ﻫ)٣٠١
وصاحب المسند غير راويه. تفصل بينهما ثلاثة قرون وثلث
تقريبًا. يجمع بين السند والمتن، بين الرواية والقول
المباشر. ولأول مرة يُرتب المسند طبقًا لأبواب الفقه. كله
أبواب باستثناء كتاب الصلاة. وأبواب الطهارة غير كاملة.
ويُسمَّى التيمُّم. تسميته للكل بأحد أجزائه. يروي ألفًا
وخمسمائة وخمسة وسبعين حديثًا. ويعتمد على الآيات القرآنية
دون الشواهد الشعرية.
٣٠٢ يخلو من الخيالات والغيبيات لسيادة الطابع
الفقهي. وهو الفقه القديم، التيمُّم والصلاة، فقه العصر
الذي كان جديدًا في وقته ولم يعُد كذلك الآن. فقد تغيرت
المشاكل. وجدَّت قضايا أخرى تدخُل في الاجتهاد والفتاوى
ولكنها لا تدخل في الفقه القديم الذي ثبت وأصبح مقدسًا.
والفقه فِقهٌ في كل عصر. ولا يُوجَد فِقه لكل
العصور.
(ن) «مسند أبي عوانة المُسمَّى المسند الصحيح
المُخرَج على صحيح مُسلم»
لأبي عوانة (٣١٦ﻫ)٣٠٣
وله اسمان، شخصي لأنه هو المسند إليه، وموضوعي المسند
الصحيح، جمَعا يبن المسند والإصحاح. ويعتمد على صحيح مسلم.
فقد دُوِّن بعده. ويجمع الحديث بين السند والمتن. لذلك أتى
تبويبه فقهيًّا مثل الإصحاحات وعلى نحوٍ تفصيلي. وفَصَل
كتاب الصلاة والاستقصاء والجمعة مع أنها كتاب واحد. كما
تتداخل الطهارة والحيض. تغيب عنه المُقدمات النظرية.
وينقسم الكتاب إلى ثلاثين كتابًا. تضم سبعة آلاف وواحدًا
وأربعين حديثًا. وبعد العنوان يأتي عنوان فرعي. رأس موضوع
فرعي شارح لموضوع. وكل مجموعة أحاديث لها عنوان رئيسي
يسبقه لفظ «باب». وكل مجموعة أحاديث تحت الباب لها عنوان
فرعي يسبقه لفظ «بيان». فالكتاب ثم الباب ثم البيان،
والمسند مهموم بالبداية والنهاية. فبعض الكتب عنوانها
«مبتدأ كتاب».
٣٠٤ وأحيانًا تبدأ بعض الموضوعات بأبوابٍ دون كتاب.
٣٠٥ وبعض الأبواب بلا عنوان.
٣٠٦ ويتكرَّر كتاب الجهاد.
٣٠٧ ويعتمد على عديدٍ من الآيات القرآنية والشواهد الشعرية.
٣٠٨ فبعض الأحاديث تتعلق بأسباب نزول الآيات.
٣٠٩ وتتكرر بعض الآيات.
وينقسم المُسند إلى ثلاثين كتابًا.
٣١٠ أكبرها الصلاة ثم الحج. فقد كانا موضوعين
جديدين في بداية تدوين الفقه ولم تعُد كذلك الآن. ثم
البيوع لأن المجتمع كان تجاريًّا وليس صناعيًّا كما هو
الآن. ثم الإيمان لأنه كان جديدًا بالنسبة للديانات
السابقة، وربما الآن العلم؛ ثم النكاح لتنظيم العلاقات
الشخصية، ثم الطهارة في المجتمع البدوي بما في ذلك طرُق
الاستنجاء، ثم الصيام للتمايز عن أشكال الصيام التي كانت
معروفة في ذلك العصر، ثم الجهاد لأن العصر كان عصر
الفتوحات ويستمرُّ الآن في عصر التحرُّر من الاستعمار.
وأصغرها الذبائح ولا أحد يذبح الآن إلا في عيد الأضحى، ثم
الاستسقاء، والكل الآن يعتمد على وسائل الزراعة الحديثة،
ثم الزكاة لإعادة توزيع الدخول الآن بين الأغنياء
والفقراء، ثم العتق وقد انقضى زمن الرق.
٣١١
وبعض الأحاديث طويلة مما يسمح بتدخُّل الخيال وتصوير
الأمور الغيبية.
٣١٢ كما يتضمن كتاب الإيمان عديدًا من الموضوعات
الغيبية. تتعلق بالأخرويات.
٣١٣ وتتشكل العقائد الإيمانية طبقًا للصراعات
السياسية، وكما بدت في الفِرَق الكلامية وظهور أحاديث لنقد
عقائد الجهمية.
٣١٤ لذلك أتت الروايات أطول من الأقوال المباشرة؛
إذ تسمح الرواية بإبداع الراوي واستثمار خياله.
(ق) «جامع المسانيد» لابن الجوزي الحنبلي (٥٩٧ﻫ)٣١٥
وهو كتاب ضخم يضم سبعة آلاف وسبعمائة وسبعة وتسعين
حديثًا، مروية من تسعمائة وتسعة وأربعين صحابيًّا وثلاثٍ
وتسعين صحابية من مسانيد النساء المعروفات بكُناهن أو
جماعة من أزواج النبي. والكل مُرتب ترتيبًا أبجديًّا. وقد
كان الواقع على التأليف تكرار الأحاديث في الكتب، وزيادة
ألفاظها ونقصانها وعدم كفاية كتاب بمفرده مثل «موطأ مالك»
أو «مسند أحمد». يتكرر الحديث الواحد تارة باللفظ
والإسناد، وتارة بتغيير رجُل في الإسناد، وتارة بتقطيع
الحديث. وقد فات المُسند بعض الأحاديث، ولا يفي صحيح
البخاري بكل الأحاديث ولا صحيح مسلم. ويُقطِّع البخاري
الحديث على الأبواب ليحتجَّ في كل باب بكلماتٍ منه. في
صحيح مسلم تكرار. وفي كتاب الترمذي اختصار. ويصعب الجمع
بين الكل. كان حديث الرسول يُحفظ ولا يُكتب ثم بدأ التدوين
أربعة كتب؛ مسند أحمد وصحيح البخاري وصحيح مسلم والترمذي
كأصولٍ تحتوي أحاديث الرسول. ولكلٍّ منها فضائل؛ فجاء جامع
المسانيد ليجمع بينها ويُرتب على نحوٍ أبجدي. لوضع المُتفق
عليه أو في مجموعات الكُنى والآباء والأبناء والنساء.
٣١٦ أما المُختلَف عليه فله كتاب آخر.
٣١٧ وواضح أهمية الرواة وليست المرويات، الأشخاص
وليس الموضوعات، السند وليس المتن. وهو تجميع ضخم دون
تحليل موضوع أو استنباط دلالة. ولكل رواية طريق آخر. فإذا
كان صحيحًا عند القدماء أننا أُمَّة السند فصحيح عند
المُحدَثين أيضًا أننا أمة المتن. وصدَق الصوفية كردِّ فعل
على أمة السند قولهم «عن قلبي عن ربي أنه قال» للتأكيد على
أهمية التجربة المباشرة ومُجتمع الذوق. وفرق بين القدرة
على التجميع والحفظ والتذكُّر والقدرة على الفهم
والتذوُّق.
«جامع المسانيد والسُّنن الهادي لأقوم سنن» لابن
كثير (٧٧٤ﻫ)٣١٨
وهو أضخم جامع للمسانيد، سبعة وثلاثون جزءًا في ثمانية
عشر مجلدًا. جمع كل مسانيد الصحابة، كبارهم وصغارهم،
مشاهيرهم وأقلهم شهرة، من روى آلاف الأحاديث ومن روى
حديثًا واحدًا، من استغرقت أحاديثه مجلدًا ومن لم يدوَّن
عنه إلا سطر. وهو مجرد رصد لأحاديث الصحابة دون تحليل
ظاهر. يكفي في المقدمة أنه يشرح دوافع التدوين مثل القرآن
واستشهاد القراء في حروب الردة، وكيف جمع المُصنِّف جامعه
من كتب عشرة، الأحاديث فيها مُكررة، فيها الصحيح والحسن والضعيف.
٣١٩ وتضمُّ ما يزيد على المائة ألف حديث. وهناك
حوالي ألفي صحابي صاحب مُسند صغار وحوالي اثني عشر
صحابيًّا صاحب مسند كبار.
٣٢٠ وأكثرهم رواية عائشة، ثم أنس بن مالك، ثم عبد
الله بن عباس، ثم جابر بن عبد الله، ثم أبو سعيد الخدري،
ثم علي، ثم عبد الله بن عمرو بن العاص، ثم عمر، ثم عبد
الله بن عمر، ثم عثمان. وأقلهم رواية أبو بكر. والمنغمسون
في السياسة أكثر روايةً من المُنعزلين عنها. وأحيانًا يكون
بين الصحابي والرسول وسيط آخر.
٣٢١
(ع) «مسند عائشة من المسند المعتلي بأطراف المسند
الحنبلي» لشيخ الإسلام
ابن حجر العسقلاني (٨٥٢ﻫ)٣٢٢
ويروي ألفًا وواحدًا وثمانين حديثًا عن زوجة الرسول،
واسم راوي كل حديث عنها. وما زال التركيز على السند دون
المتن. ويعتمد على كتاب أطراف الحديث الذي اشتمل على مُسند
أبي عبد الله أحمد بن حنبل مع زيادات ابنه. رُتبت أسماء
الصحابة ترتيبًا أبجديًّا على حروف المعجم، ثم مَن عُرف
بالكنية، ثم المُبهم ثم النساء.
٣٢٣ ويعتمد على مسانيد عشرة.
٣٢٤ ويقوم على عدد من الآيات.
٣٢٥
(٤) الموطأ والمدونة والخطاب
(أ) «مُوطَّأ الإمام مالك» (٧١٩ﻫ)٣٢٦
وهو جزء واحد على غير العادة من باقي السنن والإصحاحات
والمجاميع. ويعني «الموطأ» اشتقاقًا التوطئة أي التمهيد
لشيءٍ آخر هو الفقه بالضرورة؛ فالحديث توطئة للفقه. ومالك
مُحدِّث وفقيه. ولكل فقيهٍ مُسنده؛ مالك وأبو حنيفة
والشافعي وابن حنبل. وكلها ظهرت قبل الإصحاحات الخمسة أو
الستة ليس بغاية جمع الأحاديث ولكن بغاية التمهيد للفقه.
لم تضُم مساند وموَطَّآت الفقهاء كل شيء، بل كل ما له صبغة
عملية وفائدة فقهية؛ لذلك أتت خاليةً من الكتب النظرية
الخيالية الخالصة مثل «بدء الخلق» و«أمور المعاد» وكتب
التوحيد الفقهية في الإصحاحات. كما خلت من كتب القرآن
والتفسير والسيرة. وتخلو من أي مُقدمة نظرية، مجرد رصدٍ
وتجميع. تجمع بين السند والمتن، بين السنن القولية والسنن
الفعلية، بين الأقوال المباشرة والرواية. والمتون والأقوال
أكثر من المسانيد والروايات. كما تخلو من الأحاديث الطويلة
التي تسمح بإطلاق الخيال والتي لا تستوعبها ذاكرة، وتضمُّ
ما يقارب الألفي حديث والمائة آية. وتقلُّ الأشعار.
٣٢٧
وتُصنَّف الأحاديث في اثنين وثلاثين كتابًا في الفقه.
٣٢٨ وهو نفس تبويب الإصحاحات فيما بعد، عبادات
ومعاملات. بعضها مُكرر مثل «أوقات الصلاة» و«الصلاة» وهما
موضوع واحد. ويُقسَّم كل كتاب إلى موضوعات. وتُرقم
الأحاديث. ويوضع لكل كتاب عنوان. وبعضها ما لا يعقل مثل
رضاعة الكبير الموجودة في الإصحاحات كذلك، والاعتراض عليها
من القدماء.
٣٢٩ وهو ما يُثير ضجةً حاليًّا. والمسئول هم
القدماء ومناهج النقل دون العقل، ونقد السند دون المتن،
وليس المُحدثين الذين غايتهم الإعلام والشهرة ويكون جزاؤهم
الطرد والفصل والعقاب. وأكبرها الصلاة، ثم الحج من
العبادات، ثم الجامع والبيوع في المعاملات. وأصغرها كراء
الأرض في المعاملات ثم الأشربة والذبائح في العبادات.
٣٣٠
«إسعاف المبطأ برجال الموطأ» للسيوطي (٩١١ﻫ)٣٣١
وهي دراسة عن رواة «الموطأ»؛ توثيقهم وعدالتهم. ويعني
«المبطأ» المُتردِّد في الثقة بأحاديث المُوطأ لأنه لا
يعرف عدالتهم.
٣٣٢ ويعني ذلك أنَّ السند أهم من المتن، وأنَّ نقد
السند أهم من نقد المتن. وتخلو المقدمة من أي تنظير
باستثناء أهمية نقد الرجال ولا يؤخذ العلم من أربعة: سفيه،
وصاحب هوًى، وكذَّاب، وشيخ لا يعرف ماذا يُحدِّث.
٣٣٣ ويُصنَّفون أبجديًّا. وبعد الحروف الأبجدية
تُعقد أبواب في الكُنى والمجموعات والأبناء والأنساب، مرة
في الرجال وأخرى في النساء، وكأن هناك فرقًا في الرواية
بين الجنسين.
٣٣٤
«كشف المُغطَّى من المعاني والألفاظ الواقعة في
المُوطَّا» للطاهر بن
عاشور (١٣٩٤ﻫ/١٩٧٣م)٣٣٥
وهو كما يدل العنوان ليس شرحًا لفظًا بلفظ، وعبارة أصلية
بعبارةٍ أخرى شارحة، ولكن يكشف عن المعاني ودلالات الألفاظ
في النص الأصلي بطريقة
ابن رشد؛ توضيح الغامض، وتحديد المعاني، وتفضيل الحديث،
وتحويل الرواية إلى دراية، والنقل إلى عقل، والترجيح بين
المعاني، وتعليل الأحكام.
٣٣٦ يستند إلى أصول الفقه، ويعتمد على التحليل
اللغوي ومبادئ الحقيقة والمجاز.
٣٣٧ يبحث عن الدلالات ولا يكتفي بالإشارات مثل رفع
اليدين في الصلاة دليلًا على التعظيم والإجلال.
٣٣٨ ويدخل إلى قلب النص، ويبحث عن مُراده وقصد
المؤلف. يشرح الموضوعات خارج علم الحديث لتحديد العلاقة
بين النص من ناحية والعقل والواقع من ناحية أخرى.
٣٣٩ يضع النصَّ في إطاره التاريخي الخاص أو في
إطار المصلحة الإنسانية العامة، اعتمادًا على القراءات
المختلفة لنسخ المخطوط، وعلى تعدُّد قراءات الآيات. وهو
شرح واضح للغاية يحمل همَّ العصر.
٣٤٠ فصاحِبُه من زعماء الإصلاح. يستعمل طريقة ابن
رشد في الشرح الكبير؛ الفصل بين النص المشروح والنص
الشارح، الأول بنط ثقيل، والثاني خفيف. يُقَطع النص إلى
فقراتٍ صغيرة. وليس من الضروري إيرادها كلها، بل يكفي
قليلها. وقد اعتمد الشرح على الآيات القرآنية أسوةً بالنص،
والشواهد الشعرية زيادة على النص.
٣٤١
ويُراجع الصحة التاريخية للأحاديث؛ لذلك يتوجَّه إلى نقد
السند قدر توجُّهه إلى نقد المتن، جمعًا بين الرواية
والدراية، بين النقل والعقل، بين النص والمصلحة. لا يكتفي
بالنزعة التاريخية الاستشراقية ولا بالنزعة النقلية عند
علماء الزيتونة. لا يكتفي برصد الأحاديث وجمعها بل
يُقيِّمها نقلًا وعقلًا، صحَّة تاريخية ومصلحة عصرية.
يُخفف من حدَّة المعاني البيئية القديمة وارتباط النص
بالواقع التاريخي الخاص.
٣٤٢ وينقل دلالته إلى العصر الحاضر، يُعرِّف
«القنفذ» وفي نفس الوقت يعتمد على التفسيرات العلمية
للجهاز العصبي ودَوره في حركة الجسم.
٣٤٣ يعتمد على الشروح السابقة والاقتباسات منها،
وفي نفس الوقت يعتمد على اجتهادات العصر ومناهج الاستنباط.
٣٤٤ ويُحدد الشارح خطوات منهجه التاريخي في ثلاث:
تحقق صِدق الراوي طبقًا لشروط العدالة واليقظة والضبط وعدم
البدعة، تحقق عدم الالتباس والاشتباه على الراوي أي انتفاء
التدليس والتغفل، والتحقُّق من مطابقة المروي لما هو واقع
من الأمر في زمن النبي، وهي قاعدة الترجيح بين
المُتعارِضات ومحامل المُتشابهات وتأويلها والنسخ.
٣٤٥ ليس العلم بكثرة الرواية بل بالتحقُّق من صِدقها.
٣٤٦
والشارح على وعيٍ بمنهج الشرح الذي يعرضه في المقدمة
النظرية الأولى.
٣٤٧ وكلها تتعلق بالسند أكثر من تعلُّقها بالمتن.
٣٤٨ إذ يحتوي الموطأ على أقسام من الروايات:
المُتصل، والمُرسَل، والمنقطع، والموقوف، والبلاغات،
وأقوال الصحابة والتابعين، وما استنبطه مالك استنادًا إلى
العمل والقياس أو استنباطًا من قواعد الشريعة. القسم الأول
مقبول بالإجماع، والأقسام الأخرى مُختلَف عليها.
٣٤٩
وقد تمَّ اختصار عدد الكتب من اثنين وثلاثين في
«المُوطأ» إلى عشرين في الشرح.
٣٥٠ فقد تمَّ جمع أوقات الصلاة، والطهارة، والصلاة
في كتابٍ واحد «الطهارة والصلاة».
٣٥١ وحُذفت كتب الضحايا والذبائح والعقيقة. وحُذف
كتاب الرضاع والاكتفاء بالإشارة إليه داخل كتاب الطلاق.
وحُذفت المُساقاة وكراء الأرض باعتبارهما أشكالًا وقتية في
العلاقات التجارية، كما حذفت المكاسب والمُدبر لنفس السبب.
وحذفت الأشربة والعقول لوضوحهما؛ فالدراسات الإصلاحية على
كتب الحديث القديمة بداية التحوُّل من النقل إلى العقل،
ونقل علم الحديث من مرحلة القدماء إلى مرحلة
المُحدثين.
(ب) «المدونة الكبرى» لمالك بن أنس (١٧٩ﻫ)٣٥٢
وهي اسم على مُسمَّى، مدونة لمجموعة من الأحاديث رواية
عن تلاميذه، سحنون وغيره، عن طريق القول «قال»، «قلت»،
أشبه بجلسات الحديث وسجلاتها. وأحيانًا تكون الرواية
مُزدوجة بتوسُّط سحنون عبد الرحمن بن القاسم.
٣٥٣ سؤال وجواب، وليس نصًّا من مالك أو قولًا
مباشرًا له؛ لذلك كبر الحجم. «المُوطأ» مكتوب بطريقةٍ
أفضل؛ رواية مالك مباشرة، وأصغر حجمًا وتركيزًا على
الأقوال المباشرة. يخلو من أية مُقدمة نظرية بل يبدأ
بالموضوعات العملية مباشرة مثل «التوقيت في الوضوء». ويخلو
من القرآن إلا فيما ندر؛ مرة واحدة. فالفروع الفقهية لا
تدخُل في الأصول القرآنية. ويخلو من الشعر على الإطلاق على
عكس الشافعي شاعرًا. كما يخلو من الأمثال العربية. وتغليب
الطابع العملي وتغيُّب الرواية ووصف الراوي، جعله يخلو من
الخيالات والإبداعات والغريبات والموضوعات، بل جعل
المُدونة تقع في أدقِّ تفصيلات الوضوء والزكاة وأنواعها
وعيناتها، عينةً عينة، فتوارى الطابع الأخلاقي العام
للحديث لصالح الطابع القانوني الفقهي مثل شريعة بني
إسرائيل التي ثار عليها المسيح، والقوانين الكنسية التي
ثار عليها الإصلاح. وتدخل المُدونة في أدق التفصيلات
الجزئية، بل يُقسَّم الكتاب الواحد إلى كتابين وثلاثة
وأربعة وخمسة بلا داعٍ وبلا سبب ودون دلالة وبلا عناوين خاصة.
٣٥٤ والتفصيل في موضوع النكاح يجعل القارئ الحديث
يتَّهم الكتاب بأنه جنسي التوجُّه في أجزاء، ومُمِل في
أجزاءٍ أخرى.
٣٥٥
وتنقسم «المدونة» إلى أربعة وسبعين كتابًا.
٣٥٦ وقد يتشابه كتابان يستحقَّان أن ينضمَّا في
موضوعٍ واحد. إنما الرغبة في التفصيل هي التي دفعت إلى
مزيدٍ من التقسيم.
٣٥٧ وكلها كتب في الفقه العملي لدرجة التفصيل
الجزئي ووضع كل أنواع فضلات الجسد في الوضوء. والتفصيل في
أنواع الأطعمة. ولا تُوجَد كتب نظرية مثل العِلم والإيمان
والتوحيد وكما هو الحال في الإصحاحات. وكثير من الموضوعات
تجاوزها الزمن وتقوم على المعيار المُزدوج بين الطوائف،
حتى في موضوعات بدنية صرفة مثل الغُسل من الجنابة والتمييز
بين المُسلمة والنصرانية.
٣٥٨ وبعض الألفاظ لم تعُد مُستعملة مثل «المديان»
و«الحمالة».
وأكبرها النكاح ثم الحج ثم الصلاة ثم الزكاة؛ فالجنس له
الأولوية المُطلقة. وأصغرها الأشربة ثم الذبائح ثم الصدقة
أي ما يتعلَّق بالطعام. لقد خضعت قسمة الأبواب إلى
الموضوعات الفقهية القديمة. وكثيرٌ منها تجاوز عصره مثل
الصيد وإرخاء الستور والاستبراء والعتق والآبق وتحريم
الآبار والرجم … إلخ.
٣٥٩
(ﺟ) «الفردوس بمأثور الخطاب» لألكيا (٥٠٩ﻫ)٣٦٠
وهو نوع من جمع الأحاديث مثل الإصحاحات والمسانيد والسنن
طبقًا للرواة، ومُرتبة ترتيبًا أبجديًّا وليس موضوعيًّا،
حوالي عشرة آلاف حديث. وهي أقوال مباشِرة دون رواية أو
حوار. وأحيانًا قلب الحديث فقط مع قدْرٍ كبير من التركيز
والاختصار. وهو مجرد رصد وجمع لتسهيل التصرُّف على المتون
دون نقدٍ نظري، مع التركيز على الصحيح دون إصدار حُكم على
السند أو المتن. وسبب التأليف هو إعراض الزمان عن الحديث
وأسانيده والجهل بمعرفة الصحيح منه والسقيم، وترك الكتب
القديمة والحديثة في الفرائض والسنن، والانشغال بالقصص
والأحاديث دون أسانيدها.
٣٦١ ومع ذلك فالأحاديث مُقسَّمة إلى فصول بلا عناوين.
٣٦٢ وقد تكون عناوين بعض الفصول الكلمات الأولى في
الحديث تحت الحرف الأبجدي. وأحيانًا تُذكر موضوعات بلا
فصول.