تحليل المتن
أولًا: أنواع الحديث: الصحيح والحسَن والضعيف
جملة ما في الأحاديث المُكررة سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثًا. وبعد إسقاط المكرر نحو أربعة آلاف. وفي مُسلم أربعة آلاف بعد إسقاط المُكرر. وفي معظم المُدوَّنات عشرون ألف حديث.
ثانيًا: أشكال المتن
(١) زيادات الثقات
(٢) الإفراد
(٣) المدرج
«الفصل للوصل المُدرَج في النقل» للبغدادي (٤٦٣ﻫ)٤٢
(٤) المُدبَّج
(٥) النقل بالمعنى
(٦) المشهور والمُستفيض والعزيز
(أ) «الشذرة في الأحاديث المُشتهرة» لمحمد بن طولون الصالحي (٩٥٣ﻫ)٦٣
(ب) «كشف الخفاء ومُزيل الإلباس عمَّا اشتُهر من الأحاديث على ألسنة الناس» للعجلوني الجراحي (١١٦٢ﻫ)٦٨
(٧) الغريب
(أ) «غريب الحديث» لابن سلام الهروي (٢٤٤ﻫ)٨٥
(ب) «غريب الحديث» لابن قتيبة (٢٧٦ﻫ)٨٩
(ﺟ) «الفائق في غريب الحديث» للزمخشري (٥٨٣ﻫ)٩٦
(د) «غريب الحديث» لابن الجوزي (٥٩٧ﻫ)١٠١
(ﻫ) «النهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الأثير (٦٠٦ﻫ)١٠٩
(٨) مختلف الحديث
وقد تمَّ التأليف فيه كموضوع مُستقل:
(أ) «اختلاف الحديث» للشافعي (٢٠٤ﻫ)١٢١
(ب) «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (٢٧٦ﻫ)١٢٤
وينقسم الكتاب إلى قِسمين. الأول الأحاديث المتناقضة في ذاتها والمتعارضة مع الكتاب والتي يدفعها النظر والعقل، والثاني أحكام يُبطلها القرآن ويحتج بها الخوارج. ومقاييس التناقُض سبعة:
(ﺟ) «مشكل الحديث وبيانه» لابن فورك (٤٠٦ﻫ)١٣٧
ثالثًا: الموضوع
(١) تعريف الموضوع
«كتاب العلل ومعرفة الرجال» عن ابن معين (٢٣٣ﻫ) تصنيف عبد الله أحمد بن حنبل (٢٩٠ﻫ)١٥٧
(٢) التأليف في الموضوع
وقد كثُر التأليف في الموضوع نظرًا لأهميته، بل يكتب أكثر من عالِم مثل ابن الجوزي والسيوطي وملا علي القاري أكثر من كتابٍ وذلك مثل:
(أ) «كتاب الضعفاء» لأبي جعفر العقيلي (٣٢٢ﻫ)١٦٠
(ب) «الأحاديث الطوال» للطبراني (٣٦٠ﻫ)١٦٣
(ﺟ) «كتاب الضعفاء والمتروكين» للدارقطني (٣٨٥ﻫ)١٧٣
(د) «العلل المُتناهية في الأحاديث الواهية» لابن الجوزي (٥٩٧ﻫ)١٧٨
(ﻫ) «كتاب الموضوعات من الأحاديث المرفوعات» لابن الجوزي (٥٩٧ﻫ)١٩٤
(و) «الكشف الحثيث عمَّن رُمي بوضع الحديث» لبرهان الدين الحلبي (٨٤١ﻫ)٢١٣
(ز) «اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» للسيوطي (٩١١ﻫ)٢١٧
ومع ذلك، تظهر بعض التحليلات النظرية في آخر الكتاب اعتمادًا على ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات وتقسيم الرواة الذين وقع في حديثهم الموضوع والكذب على خمسة أقسام:
-
(١)
الزهاد والمُتقشِّفون الذين غفلوا من الحفظ والتمييز، منهم من ضاعت كتبه أو حُذفت أو دُفنت. فحُفظت شفاهًا فوقع الغلط. يرفع المرسل، ويسند الموقوف، ويقبل الإسناد، ويُدخل حديثًا في حديث. وهم الصوفية الموهوبون بالإبداع الفني.
-
(٢)
قوم لم يُعانوا علم النقل فكثر خطؤهم وفُحشهم، وهم الذين أرادوا تجاوز تحليل السند إلى وضع المتن.
-
(٣)
ثقات اختلطت عقولهم في أواخر أعمارهم فخلطوا الرواية، فالسند مرتبط بمراحل العمر وقوة الذاكرة، والقُدرة على الحفظ.
-
(٤)
قوم غلبت عليهم الغفلة. قسم منهم مجرد مُلقن دون علم، وهم ضعاف السند الذين يجعلون الحديث مجرد نقل دون فهم، ورواية دون دراية.
-
(٥)
قوم تعمدوا الكذب، إما أنهم روَوا عن خطأ دون عِلم ثم علموا وأصرُّوا على الخطأ، أو روَوا عن كذَّابين ضعفاء فدلَّسوا أسماءهم أو تعمَّدوا الكذب عن محمد، وهم كثر: زنادقة لإفساد الدين والشك في الشريعة وقد وضع أحدهم أربعة آلاف حديث، وقوم لنصرة مذاهبهم، وقوم للترغيب والترهيب لإتمام الشريعة ولحُبِّ الأوطان ووضع الأحاديث في فضلها، وللتقرُّب إلى السلطان ونصرته، وقصد للإغراب وجذب الانتباه للسماع إليهم، ولتجاوز النقل إلى الإبداع، والمحفوظ إلى الخلق.٢٢٢
والوضاعون كبار وصغار. ولكل فرسان. وفرسان الإسلام أصحاب الأسانيد. فالوضع إبداع فني. ويختلف الوضاعون في درجات الإبداع.
وكما يقسم الرواة الوضاعون إلى خمسة أقسام تُقسَّم الأحاديث ستة أقسام طبقًا لدرجة صِحتها من الصحيح حتى الموضوع.
-
(١)
ما اتفق عليه البخاري ومسلم وهما الصحيحان بالرغم مما أثاره القدماء قبل المُحدَثين من أوجه الضعف في روايات الصحيحَين.٢٢٣
-
(٢)
ما تفرد به البخاري ومسلم.
-
(٣)
ما صح سنده ولم يُخرجه واحد منهما. فصحة السند لا تعني صحة المتن. فقد يصحُّ السند ويكون المتن مُركبًا عليه وهو المدرج.
-
(٤)
ما فيه ضعف قريب مُحتمل وهو الحسَن طبقًا للأنواع الثلاثة للحديث؛ الصحيح والحسن والضعيف. والحسن أقل درجة من الصحيح.
-
(٥)
الشديد الضعف الكثير التزلزل، بين الحسَن والموضوع. وهو الدرجة الثالثة من قسمة الحديث إلى صحيح وحسَن وضعيف.
-
(٦)
الموضوع الكذب.٢٢٤ وهو المُتناهي في الضعف سندًا ومتنًا، وبالتالي الخروج من قسمة الحديث الثلاثية إلى الموضوع.
(ﺣ) «تحذير الخواص من أكاذيب القصاص» للسيوطي (٩١١ﻫ)٢٢٥
(ط) «تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة» لابن عراق الكناني (٩٦٣ﻫ)٢٢٨
- (١)
الزنادقة بدافع الاستخفاف بالدين والتلبيس على المسلمين. وقد وضعوا وحدَهم حوالي أربعة آلاف حديث. وهو وضع عن قصدٍ لمَّا كان الحديث سلطة، والقرآن دُوِّن من قبل يصعُب الوضع فيه.
- (٢)
أصحاب الأهواء والبِدَع لنصرة مذاهبهم أو ثلب مُخالفهم. فالنص أحد وسائل الدفاع عن الذات ونقد الخصوم في مجتمعٍ الحجَّة فيه ما زالت نصية، والنص فيه ما زال سلطة.
- (٣)
صُنَّاع الوضع وتُجَّاره؛ جُرأةً على الدين. وهم الذين امتهنوا الوضع، لقدراتهم الإبداعية، لأصحاب المصالح، مع أنه لا يجوز أخذ الأجر على قراءة القرآن أو رواية الحديث.
- (٤)
الزهاد الجهلاء للترغيب والترهيب وحثِّ الناس على الخير وزجرهم عن الشر، مثل الكرامية وبعض المُتصوفة؛ فالغاية تُبرر الوسيلة. والصوفية لا يؤمنون برواية السند عن طريق العنعنة لرواةٍ ماتوا، بل ينقلون أحاديثهم من الحي الذي لا يموت. فالذوق بديل عن الرواية.
- (٥)
أصحاب الأغراض الدنيوية كالقصَّاصين والشحاذين وأصحاب الأمراء الذين يضعون الحديث لمصالحهم أو لمنافعهم أو كأحد وسائل كسْب العيش.
- (٦)
الشره ومحبو الظهور وتحويل الإسناد الضعيف إلى مشهور، وتغيير الإسناد لادِّعاء سلطة عِلمية في مجتمع يرى حمَلَة العلم علماء، وأن العِلم هو العِلم المنقول.
- (٧) واضعو الموضوع دون تعمُّد بل عن سهوٍ وغلط.٢٥٠ وهم حسنو النية الذين يصاحبون المتن أكثر ممَّا يحرصون على السند. وينقصهم شرط الرواية وهو الضبط، وهناك مئات من الوضَّاعين مُرتَّبون ترتيبًا أبجديًّا؛ حوالي ألف وسبعمائة وثلاثة وستين واضعًا. والكُنى بعد الأسماء.٢٥١ ويوصف كل واضع في عبارة قصيرة تُحدد شخصيته ومعرفة درجة الوضع ابتداءً من الاختلاق القصدي والكذب المُتعمد.
(ك) «المصنوع في معرفة الحديث الموضوع» لعلي القاري الهروي المكي (١٠١٤ﻫ)٢٥٢
(ك) «الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة» للملا علي القاري (١٠١٤ﻫ)٢٥٩
- (١)
اشتماله على كثير من المجازفات التي لا يقول مثلها الرسول أي مجرد العادات وبداهة العقل.
- (٢) تكذيب الحس؛ أي الاتفاق مع الواقع المشاهد، فالحديث ليس ضرب خيال أو محض خرافة؛ وبالتالي استبعاد أحاديث الملائكة والشياطين والجن.٢٧٢
- (٣)
سماجة الحديث وإمكانية السخرية منه وهو ما يُصان عنه العقلاء والأنبياء. فالحديث مدعاة للاحترام والتقدير. وبالتالي تخرج أحاديث الأعاجيب وعلاج الحيوانات والأشجار وباقي مظاهر الطبيعة.
- (٤)
مناقضة الحديث لما جاءت به السنة الصريحة مناقضة بينة. وكل حديث يشتمل على فسادٍ أو ظلم أو عبث أو مدح باطل أو ذمِّ حق. فالحديث يصحح بعضه بعضًا. والغالب يصحح الاستثنائي.
- (٥)
الادعاء بأن النبيَّ فعل أمرًا ظاهرًا بمحضرٍ من كل الصحابة وأنهم اتفقوا على كتمانه ولم يفعلوه. فالحديث للتبليغ وليس للكتمان. ولا يمكن إجماع الصحابة على التواطؤ على الكتمان في أمور الدين لأمر الرسول لهم بالتبليغ.
- (٦)
بطلان الحديث في نفسه أي الاتساق الذاتي. وهو وقوع الحديث في التناقض الداخلي يجعله موضوعًا. فالحديث يخاطب العقول والحواس ومن شرطه الاتساق في بنيته الداخلية وإلا كان مركبًا مصطنعًا أي مُختلَقًا موضوعًا.
- (٧)
مخالفة الحديث كلام الأنبياء بل أيضًا كلام الصحابة. فالوحي مُتصل واحد، ومراحل مختلفة لقول واحد. والصحابة مجرد مُبلغين له وليسوا مؤلفين.
- (٨)
وضع تواريخ مُحددة في الحديث وهو ما يتناقض مع عموميات الحديث وكلياته. فالحديث لا يتنبأ بوقوع حوادث لأشخاص مُعينين وإلا كان تبريرًا لواقع مُتوهَّم أو وقائع مُتمنَّاة.
- (٩) مشابهة الحديث لمواعظ الصوفية ووصفات الأطباء.٢٧٣ فالحديث لا يهدف إلى إحداث أثر مباشر ومنفعة عاجلة، بل يوجه السلوك الإنساني.
- (١٠)
ليست أحاديث العقل كلها كذب نظرًا لأهمية العقل واشتهارها. والعقل أساس الوحي. والوحي يخاطب العقول وجمهور العقلاء.
- (١١)
أحاديث الخضر وحياته وقصصه كلها كذب دون استثناء، وكذلك كل قصص الصوفية وأحاديث الأولياء وكراماتهم.
- (١٢)
قيام الشواهد الصحيحة على بطلان الحديث إما عن طريق عدم التعاصُر بين الرواة في السند أو الركاكة في المتن.
- (١٣)
مخالفة الحديث لصريح القرآن. فالحديث شرح وتفصيل للقرآن ويستند إليه. والبخاري يبدأ كل بابٍ في الحديث وكل موضوع بالآية التي يستند إليها.
- (١٤)
أحاديث صلوات الأيام والليالي كلها كذب. فهي أدعية صوفية وخيالات ذهنية للإثارة، وجعل الزمان يتحدَّث مثل باقي الظواهر الطبيعية.
- (١٥) ركاكة ألفاظ الحديث وسماجتها بحيث يمجُّها السمع، ويدفعها الطبع. فليس كل واضعي الحديث على نفس الدرجة من القدرة اللغوية والإبداع البلاغي.٢٧٤
- (١٦)
ذم الحبشة والسودان والترك والخصيان والمماليك؛ أي الأحاديث في الأعراق والأجناس والإسلام يعترف بتعددية الأمم والألسنة والألوان وبأن الاستحقاق فردي وليس جماعيًّا. ولا يمكن إطلاق حُكم واحد على قوم بأكملهم.
- (١٧)
ما يقترن بالحديث من القرائن التي تبطله، وهي قرائن تتعلق بالسند أو بالمتن؛ فلا يكفي في الحديث أن يُقال قال رسول الله على الإطلاق، بل إخضاع القول لشروط الرواية. والرواية ليست مجرد قول بل حفظ وأداء.
- (١)
أحاديث الحمام لا يصح منها شيء؛ فالحمام لا يتكلَّم. وهو يخالف مجرى العادات، وبداهات العقول، وشهادة الحس.
- (٢)
أحاديث اتخاذ الدجاج ليس فيها حديث صحيح؛ فالدجاج أيضًا لا يتكلم والقصد منه إثارة الخيال، والانتباه حول الموضوع بالتفنُّن في خلق الوسائل.
- (٣)
أحاديث ذم الأولاد كلها من أولها إلى آخرها. وهو ما يناقض الطبيعة البشرية والتجربة الإنسانية بل والقرآن بتزيين حب النساء والأولاد.
- (٤)
أحاديث التواريخ المُستقبلة التي تهدف إلى تحديد مسار المستقبل، خاصة النظم السياسية والسلطات الحاكمة بانهيار الخصوم وقدوم الأصدقاء.
- (٥)
الاكتمال يوم عاشوراء والتزين والتوسعة والصلاة فيه لا يصح منها شيء ولا حديث واحد. ولا يثبت عن النبي غير أحاديث صيامه وما عداها باطل. وهو ما تحوَّل في الدين الشعبي إلى الأيام المفترجة وعدم تساوي الزمان في الفضل.
- (٦)
فضائل السور وثواب قراءة سورة كذا وله أجر كذا، من أول القرآن إلى آخره. وقد اعترف بذلك واضعوها. وهو ما تحول في الدين الشعبي إلى أُحجية وبركات وقراءات في الأفراح والأحزان لنيل الثواب وتجنب العقبات.
- (٧)
فضل الصديق وفضائل معاوية ومعظم أحاديث فضائل الصحابة الذين دخلوا في معارك سياسية من أجل تفضيل أحدهما على الآخر طبقًا للموقف السياسي.
- (٨) مناقب أبي حنيفة والشافعي والتنصيص على اسميهما، وحديث الإيمان لا يزيد ولا ينقص والتنشيف بعد الوضوء ومسح الرقبة وأحاديث الذكر والحيض ومدح العزوبة، ومدح بعض المأكولات والأزهار والعطور والحناء والأصباغ والرؤى واللعب بالشطرنج، ورفع اليدين في الصلاة، وقتل المرأة، ودخول الجنة … إلخ. والدخول في كل هذه التفصيلات التي لا دلالة لها والتي فرضتها مواقف خاصة لتبريرها أو رفضها.٢٧٥
(ل) «الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث» للغزي العامري (١١٤٣ﻫ)٢٧٦
(م) «النخبة البهية في الأحاديث المكذوبة على خير البرية» للمالكي (١٢٣٢ﻫ)٢٨٩
(ن) «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» للشوكاني (١٢٥٠ﻫ)٢٩٨
(ق) «البيان المُكمل في تحقيق الشاذ والمُعلل» للأنصاري اليماني (١٣٢٧ﻫ)٣١٧
رابعًا: أسباب النزول والناسخ والمنسوخ
وكل حديث له سياق، تمامًا مثل الآية القرآنية. وله أسباب نزول. وقد يَنسخ حديث لاحق حديثًا سابقًا. وقد تمَّ التأليف في هذين الموضوعين على نحوٍ مُستقل.
(١) أسباب النزول
وتعني الموقف الذي تكلَّم فيه الرسول وأهم المؤلفات فيه: