وتقلُّ الأشكال تدريجيًّا من حيث الكم. أكبرها الأول القول
المباشر، والثاني سؤال الصحابي وجواب الرسول، ثم الثالث سؤال
الرسول وجواب الصحابي، ثم الرابع القول المباشر والسؤال
والجواب، ثم الخامس الحوادث العينية، ثم السادس التوجُّه
السياسي، ثم السابع كتاب الرسول. فهناك الأشكال الأكثر شيوعًا
وتلقائية في التعبير مثل القول المباشر، وهناك الأشكال الأقل
شيوعًا مثل الرسائل المدوَّنة.
(١) القول المباشر
الشكل الأول. حديث الرسول مثل حديث «إنما الأعمال
بالنيات.» وهو الأكثر شيوعًا، مثل نزول الآية بلا سبب
نزول، ابتداء. القول المباشر هو الحديث-النموذج.
١٦٨ وهي السنة القولية فقط دون الفعلية في الخطاب
النبوي المباشر وليس خطابًا عنه من وصْف الآخرين؛ الراوي
أو المُحدِّث.
وقد يكون القول المباشر قولًا طويلًا لا يمكن لذاكرةٍ أن
تعِيَه. يقصد حكاياتٍ وأخبارًا لا دلالة عملية عليها.
١٦٩ وفي هذه الحالة فإنَّ الراوي يُقطِّعه حتى
يسهل تذكُّره. وقد تكون رواية في صياغة أخرى مما يدل على
ضعف الذاكرة في حفظ الأقوال. وقد ينقطع القول عدة مرَّات
حتى يتِمَّ تنفيذ الأمر. فكل قول أمر. فالأوامر لا تُعطى
إلا في صياغاتٍ قصيرة إلا إذا كانت حكاياتٍ وقصصًا وأخبارًا.
١٧٠ وقد يكون القولان في صيغة الأمر، مرة أو عدة مرات.
١٧١ وتَقطُّع القول المباشر في قولَين يدلُّ على
احتمال التركيب.
١٧٢ وتَقطُّعه في ثلاثة يدل على التركيب المُصطنع.
١٧٣ قد يتقطَّع القول المباشر عدة مرات. وتتغير
صياغاته بين الأمر مرةً أو أكثر، مثل الخرص والإحصاء
والتنبؤ بالمستقبل، مثل هبوب ريح شديدة، والإخبار مثل
التعجُّل بالذهاب إلى المدينة وتحديد الأمكنة مثل طابه
وجبيل والتعاطف معه، ودور الأنصار وكلها خير.
١٧٤
فإذا قال الرسول «اللهم ارحم المُحلقين.» فإنه يُذكِّر ﺑ
«والمقصرين» فيقول والمُقصرين. يكمل قوله بالناقص من
الناس. فقول الرسول بديهي، يطابق العقل والواقع. ويمكن
لأحدٍ غيره إكماله إذا سمِع نصفه. وقد حدث ذلك في القرآن
أيضًا عندما صاح أحد كتاب الوحي بعد أن سمع تطوُّر الجنين
في بطن الأم «فسبحان الله أعظم الخالقين.» فقال له الرسول
اكتب هكذا نزلت. فالقول مشترك بين الرسول والسامع. الرسول
يبدأ، والسامع يُنهي. الرسول يقول، والسامع يُذكِّر ويستدرِك.
١٧٥
ووجود أكثر من صياغة للقول المباشر قد يدل على أوجه
التطابُق مع الواقع التاريخي. ويُبرِز الراوي هذه
الاختلافات بذِكر الصياغتَين بلفظ «قال» أو «حسبت» أو
«كلمة نحوها» أو بإيراد نفس الحديث أكثر من مرةٍ متتالياتٍ
أو مُتفرقات.
١٧٦
وقد يكون القول المباشر في صيغة تساؤلٍ استنكاري قد
يكفي، وقد يلحق به قول إيجابي، استنفارًا لبداهة السامع
ولجوءًا إلى فطرته.
١٧٧ وقد يكون القول في صيغةٍ تساؤلية مثل «أليس
إذا حاضت ولم تُصلِّ فذلك نقصان دينها؟»
١٧٨ فالحقيقة في ذهن السامع وليست فقط على لسان
المُتكلم. وهي الطريقة السقراطية الشهيرة.
وقد يخاطب الرسول مجازًا أصبعه الدامية ويُواسيها أنه في
سبيل الله.
١٧٩ فالقول تعبير عن النفس وليس بالضرورة إيصالًا
لأحد. وقد يكون الخطاب للأشياء وللطبيعة كما يفعل الشعراء
وكتَّاب المسرح. وقد يكون قول الرسول مثلًا.
١٨٠ فالمثل للشرح ولتقريب المعنى للإفهام وهو من
فنون القول. استعمله القرآن كثيرا
وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ.
يُثير الخيال. ويحول المعنى إلى إدراكٍ حِسِّي، والفكرة
إلى رؤية، والمجرَّد إلى عياني.
وقول الرسول أنواع: القول المباشر، الأمر أو النهي. وقد
يعترض على الأمر.
١٨١ ومع ذلك يكرر الرسول الأمر؛ فالأمر أمر للطاعة
حتى ولو لم يُجِب عن كل التساؤلات حوله. الأمر للامتثال
والتكليف كما يقول الأصوليون في مقاصد الشارع.
١٨٢ وفي حالاتٍ استثنائية قد لا يتمُّ تنفيذ طلب
الرسول؛ فعندما طلب الرسول أن يكتب للناس كتابًا لا
يَضلُّون بعده، رفض عُمر ظانًّا أن هذا الطلَب من وجع
الرسول، ويكفي كتاب الله. فأخرجهم الرسول من مجلسه لأنه لا
ينبغي عنده التنازُع.
١٨٣ ولمَّا حرَّم الرسول كل شيءٍ في مكة طلب
أحدُهم استثناء الإذخر، ففعل. فالأمر يأخذ موقف المأمور
بعَين الاعتبار. الأمر ذاتي والمأمور موضوع. وكل ذات تحقق
في موضوع.
وقد يأمر الرسول أحد الصحابة باستنصات الناس قبل أن
يتكلَّم كما يحدُث في هذه الأيام «سمع … هوس.»
١٨٤ فالأمر يوجب السماع. والسماع يتطلَّب الصمت.
الأمر يوجب التهيُّؤ للتنفيذ بسماعه وفَهمه. فالشريعة
للإفهام كما يقول الأصوليون.
١٨٥ وقد يُنادي الرسول على أحدٍ مثل مُعاذ لإسماعه
قوله؛ فالقول يحتاج إلى سامعٍ خاصٍّ قادر على الفهم
والاستفادة والتنفيذ الفوري.
١٨٦ وقد يكون التعليق على «قول» أو «رأي» أو «فعل».
١٨٧ وقد يعترض رجل على قول الرسول فيَرد الرسول من
جديدٍ شارحًا قوله الأول. فالقول حوار في موقف، يتبدَّل
ويتغير طبقًا لتقديرات الموقف. وقد يكون قول الرسول بعد
حركة نفورٍ واشمئزاز من أخذ القبور مساجد كما فعل اليهود.
١٨٨ فالقول استجابة لردِّ فعلٍ شعوري للرسول في
موقفٍ مُعين. وقد يكون التعليق على فعل الرسول ذاته عندما
ضمَّ ابن عباس وقال «اللهم علِّمه الكتاب.»
١٨٩ وقد يكون القول المباشر تعليقًا على حدَثٍ من
الذاكرة مثل أمر الرسول بقتل الوزغ لأنه كان ينفخ على إبراهيم.
١٩٠ فالرسول يربط نفسه بأول المُسلمين. وربما يكون
الراوي هو الذي فعل ذلك لجانبه الخيالي.
وقد يكون القول إدانة حدَث والتعليق عليه، مثل تنبيه أبي
ذرٍّ أنه عيَّر أحدًا بأمِّه. كما علق على طريقة جلوس
ثلاثة في الحلقة، من جلس في فُرجة بالحلقة بإيواء الله له،
ومن جلس في الخلف باستحياء الله منه، ومن غادر بإعراض الله عنه.
١٩١ ومثل التعليق على من تبوَّل في المسجد، ورؤية
حيَّة والأمر بقتلِها للوقاية من شرِّها. وأحيانًا يحتاج
الأمر إلى سؤال للاستفهام بقتْل رجلٍ مُتعلق بأستار الكعبة
وقوله «اقتلوه»، دون سؤالٍ عن السبب ودون تبرير.
١٩٢ وقد يتكرَّر القول لمزيدٍ من التأكيد وبيان
أهمية الأمر. وقد يكون التعليق على حدَث منه، مثل الصلاة
بالليل وعدم خروجه حتى لا تُفرَض على الناس، ورفضه السلام
لأنه كان يُصلي. فالصلاة شغل وانشغال.
١٩٣ وقد يُلقى الحديث مرَّتين، الأولى قبل الفعل،
والثانية بعد الفعل. الأولى توجيه، والثانية تأكيد. فالفعل
نهاية القول وبدايته. الفعل غاية القول، والقول
وسيلة.
وقد يكون الحدث موقفًا؛ خصومة مثلًا، يختلف فيها الناس
ويعلو صوتهم فيتحدَّث الرسول لحل النزاع وإعطاء الحل، مثل
بيع الثمار قبل صلاحها.
١٩٤ وقد يكون الموقف أجر الوصي وجريانه على عادة
الأنصار وسُنَنهم ونيَّاتهم ومذاهبهم المشهورة، ويقترح
أحدهم العشرة بأحد عشر أي العُشر وتفضيل الرسول الأخذ
بالمعروف لِما يكفي. وقد يغضب البعض من حُكم الرسول في
الخصومة. وقد يأتي القول المباشر على مرحلتين، بقرار ت
«الولد للفراش وللعاهر الحجر» وأمر «احتجبي» حتى يبدو
الثاني نتيجة للأول وحتى يحتفظ كل أمرٍ بتغيره وتواصله في
نفس الوقت.
وقد يكون القول تعليقًا على رؤية وتصديقها من مؤمنٍ كان
يُصلي بالليل.
١٩٥ فالحدث ليس بالضرورة فعلًا أو واقعة. وقد يكون
القول المباشر لتغيير عادة مثل تسليف الثمر في وزنٍ وكيلٍ
معلومين وليس على الإطلاق كما كانت العادة.
١٩٦ وهو تخصيص لعموم بتعبير الأصوليين.
١٩٧
وقد يكون القول تعبيرًا عن تغيير الأحكام فيما يعرف
بالنسخ خاصَّة فيما يتعلق بالشعائر التي لها أهداف وقتية
قد تتغيَّر بتغيُّر الزمان.
١٩٨ فالنسخ في الحديث كما هو في القرآن. وتغير
الزمان واقع في كليهما.
وقد يكون القول المباشر تصحيحًا لقول صحابي. فأراد عمر
تعميم الصدقة وأراد الرسول تخصيصها بالأقربين.
١٩٩ وفي بعض الأقوال المباشرة جدل مع اليهود مثل
الجدل حول آية الرجم هل هي في التوراة أم لا وإخفاء
اليهودي لها بأصبعه.
٢٠٠ فأهل الكتاب خاصة اليهود حاضرون ضِمن
المُحاورين والمستمعين للحديث وليس فقط الصحابة؛ البيئات
المعادية والبيئات الصديقة.
(٢) الرواية
وتتداخل الرواية إلى حدٍّ كبير أكثر من القول المباشر
سواء في عناوين السوَر أو في ذكر الآيات.
٢٠١ فالراوي هو الذي يربط بين القول المباشر
للرسول والآية بلفظ «يعني» أو «ثم تلا هذه الآية»، «قال
رسول الله»، ثم قرأ، «فذاك قوله» يشرح الراوي ألفاظها منه.
٢٠٢ ويتحدَّث الراوي باسم الرسول ولسانه بحديث
القرآن «ثم يقول». وقد يسأل الصحابي عن شيءٍ فيجيب بالقرآن.
٢٠٣ «قال الله لنبيه».
وتُنسج الرواية من ثلاثة أنواع من المواد:
-
(١)
ألفاظ قرآنية وشرحها خوفًا من وضع آياتٍ
بأكملها في موضوعات مختلفة وأوصافٍ من عمل
الراوي.
-
(٢)
أقوال الرسول غير المباشرة التي لا يمكن
وضعها على لسانه خوفًا من الوضع.
-
(٣)
أقوال على لسان الصحابة وهم أقرب الناس إلى
الرسول، ولا يدخلها أي شك. والوضع على لسانهم
أخفُّ وطأةً وأقل ذنبًا من الوضع على أقوال
الرسول.
-
(٤)
وصف ذاتي للراوي وهو أقل الذنوب لأنه لم
ينسب وصفه لأحد.
والرواية نوعان: الأول أقوال غير مباشرة على لسان الرسول
تحرَّج الراوي من وضعها كأقوالٍ مباشرة لظنيَّتها أو الشك
في صحتها. والثاني وصف من الراوي أو المُحدِّث لوضع الحديث
في سياق. وهو وصف شخصٍ لا علاقة له بالأقوال المباشرة
للرسول أو لمُحاوريه من الصحابة أو الوفود أو النساء أو
المُفسرين. أما العنعنات فخاصة بالسند وليست بالرواية.
والرواية هي التي تتضمَّن القول غير المباشر الذي يتضمَّن
السُّنَن الفعلية والأوامر والنواهي، مثل نهي الرسول عن
الاستخصاء بسبب عدم وجود النساء.
٢٠٤ والرواية وصف لأفعال الرسول أو الصحابة أو
البيئة الاجتماعية التي عاش فيها الرسول؛ فهي أقرب إلى
السنة الفعلية منها إلى السنة القولية.
ولا يُوجَد ضمان لصحة القول المباشر. فلربما كان قلبًا
لرواية أو كانت الرواية قلبًا له دون أي حرجٍ من الراوي
بتقابُل القولين.
٢٠٥ رواية المُحدِّث التي تربط بين الأحاديث خارج
الحديث لأنها تاريخ خالص مثل رواية البخاري عن غار حراء
وعن كتاب الرسول إلى عظيم الروم وماذا فعل مع البطاركة.
٢٠٦ وأحيانًا تكون الرواية أطول من القول المباشر.
فالوصف يطول والقول سهم. الوصف دائرة والقول خط، باستثناء
الأحاديث الطوال. الرواية هي التي تُقسِّم الحديث إلى كتبٍ
وأبواب وتضع لكل كتابٍ وباب رأس موضوع. والتبويب اختيار
ورؤية وليس مجرد عنوان وتصنيف.
وقد تصوغ الرواية حديث الرسول بشكلٍ مُستقل، وتصنع له
الإطار، وتفسر قول الرسول، وتُصدِر الحُكم كتعليق منها
نهائي مثل رواية أبي هريرة عن كذب إبراهيم ثلاث مرات،
ومنها بالنسبة لزوجته وادِّعاء أنها أخته ليُنقذها من
فرعون فأنقذها الله، ووهب لها هاجر، وتعليق أبي هريرة
«فتلك أحكم يا بني ماء السماء.»
٢٠٧ وقد تكون الرواية حكايةً مستقلة مُمهِّدة لقول
الرسول مثل حكاية الأخ الذي طلب من أخيه مناصفته في ماله
وأهله فرفض ونزل السوق فكسب وتزوَّج بما كسب فاستحسنه
الرسول وطالبه بأن يُولِم ولو بشاة.
٢٠٨ وقد تُهيئ الرواية الموقف كي يسأل الرسول، مثل
إسراع بعيرٍ بعد وخزِه وسؤال الرسول عن سبب الاستعجال
وإخباره بالعُرس فسأل عمَّا إذا كانت العروس ثَيِّبًا أم
بكرًا حتى يُوصي بالبكر كي تلاعِب الرجل ويلاعبها.
٢٠٩ وتتضمَّن الرواية الحوار مع الرسول كجزءٍ من
الإطار العام للحديث. وتظهر عائشة كمُحاور رئيسي.
٢١٠ وقد تتضمَّن الرواية السؤال المباشر أو الصورة
الفنية حتى يقيس عليها الرسول مثل سؤال عائشة عن أي شجرةٍ
ترتع فيها البعير؛ المأكولة من مثل أم التي لم يؤكَل منها؛
تقصد الثيِّب أم البِكر، لتخبره أنها البكر الوحيدة من
زوجاته الثماني.
٢١١
والرواية تضع السؤال لتسمح للرسول بالإجابة.
٢١٢ وقد يمتدُّ السؤال ليصبح قصةً ومناسبة، السؤال
آخِرها. مثل متى الساعة؟ وقد يتقطَّع السؤال إلى سؤالين.
٢١٣ وقد تُوضَع الرواية لتسمح للرسول بالسؤال مرة
أو أكثر.
٢١٤ وقد تصف الرواية موقف الرسول وردود أفعاله على
السؤال، الإجابة المباشرة أو التريُّث أو التجاهُل ثم
الإجابة بعد إصرار السائل.
٢١٥
وكانت الرواية تُعطي إخبارًا عن الرسول أن كان له تسع
نسوة، وأنه كان يُقسِّم لياليه على ثمانٍ منهن دون واحدة
خارج القسمة؛ لأن لها دائمًا الأفضلية في كل وقت. وكان
يطوف على نسائه في ليلةٍ واحدة وهن تسع، وبنفس الغسل.
٢١٦ وأعتق الرسول صفيَّةَ وجعل عتقها صداقها.
٢١٧ وقد تزوَّج النبي عائشة وهي بنت ست سنين وبنى
بها وهي بنت تسع سنين.
٢١٨
وقد تتضمَّن الرواية أخبارًا عن الجاهلية وعاداتها لبيان
جدل التواصُل والانقطاع بعد الإسلام. فقد كان النكاح في
الجاهلية على أربعة أنواع: خطبة الرجل إلى الرجل ولِيَّتَه
أو ابنته فيُصدقها ثم ينكحها، وهو سارٍ إلى اليوم، ونكاح
الاستبضاع من رجلٍ آخر بأمر الزوج كي تأتي بالولد، ونكاح
جماعةٍ ما دون العشرة ونسبة الولد لهم جميعًا. ونكاح
البغايا اللاتي يضعنَ أعلامًا على بيوتهن فإذا ولدت يجتمع
من جامعها ويُقرِّروا نسبته إلى أحدهم.
٢١٩ وبعد الإسلام بقيَ الأول وانقطعت الثلاثة
الأخرى. وروت عائشة أنهم كانوا لا يعدُّون النساء في
الجاهلية شيئًا. فلما جاء الإسلام وذُكِر به الله رأوا
النهي بذلك عليهم حقًّا دون إشراكهم في شيءٍ من الأمور.
٢٢٠ ومنع الواصلة والمستوصلة في الشعر لأن اليهود
كانوا يعملون ذلك.
وتقصُّ الرواية أنهن كنَّ قبل الإسلام في جاهليةٍ وشرٍّ
ثم جاءهن الله بالخير فكيف يأتي بعده الشر؟
٢٢١ وقال عمر «رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام
دينًا، وبمحمدٍ رسولًا، نعوذ بالله من سوء الفتن.»
وتُعرِّف الرواية الفتنة بقتال محمد للمشركين، وكان الدخول
في دينهم فتنة وليس كالقتال على المُلك.
٢٢٢ وتؤكد الرواية الطاعة للرسول.
٢٢٣
وتتضمن الرواية السند أي العنعنة. تضع سند المتن والعنعنة.
٢٢٤ وقد يقصر أو يطول. وقد تجمع بين السند والسؤال.
٢٢٥ وقد تحتوي على استدراك السائل، والتساؤل مرة
ثانية للاستفسار.
٢٢٦
قد تشرح الرواية ألفاظ الرسول مثل الشغار. وقد يمتدُّ
الشرح إلى الصحَّة والبطلان.
٢٢٧ وقد تصف الرواية مناسبة إلقاء الحديث. وقد
تطول فتُصبح قصة، والقصص كثيرة. منها: أنَّ الرسول دخل على
أم حرام زوجة عبادة بن الصامت فأطعمته وأفلت رأسه فنام ثم
استيقظ وهو يضحك.
٢٢٨ ومنها أن امرأةً من الأنصار بايعت الرسول ثم
اقتسم المهاجرين قرعة وكان من نصيبهم عثمان بن مظعون. ونزل
في بيتهم، وتُوفِّي من وجعه، وغُسِّل وكُفِّن في أثوابه.
٢٢٩ وكانت له عين تجري هي عمله. ومنها أنَّ النبي
خرج لحائط المدينة لحاجته وسترَه صحابي وأدلى بساقيه في
البئر واستأذن أبو بكر.
٢٣٠ وتأويل ذلك بالقبور. ومنها التنبؤ بعائشة زوجة النبي.
٢٣١
وقد تتضمَّن الرواية وصف حالة الرسول وفعله وهو السنة
الفعلية في مقابل السنة القولية.
٢٣٢ وقد تتضمَّن السنة الفعلية وصف الواقعة كلها
بشخصياتها وأقوالها.
٢٣٣ فاستعاذة الرسول في صلاته من فتنة الدجال سُنة فعلية.
٢٣٤ وقد تطول الرواية مثل «باب الشهادة على الخط
المختوم» في موضوع فقهي خالص؛ القتل الخطأ. ورواية طويلة
عن عدم دخول الدجَّال المدينة. وقد تصف الرواية لغة الجسد
وإيماءات الرسول وإشارته.
٢٣٥
وتصف الرواية الحياة الخاصة بالأزواج على لسان زوجاتٍ
عشر توريةً لا يُفهم مُعظمها من المُحدثين.
٢٣٦ فالحياة الجنسية لا حياء فيها. وكان الجنس مثل
الدين بؤرةً لحياة الجماعة الأولى. وتصف الرواية جسد
النبي. فقد كان يضرب بشعره على منكبيه كما يفعل الشباب هذه
الأيام. كان شعره رَجِلا ليس بالسبط ولا الجعد، بين أُذنيه
وعاتقه. وكان ضخم اليدَين والقدمَين، حسن الوجه وبسط
الكفين. وبالمناسبة توصَف باقي أجساد باقي الأنبياء. فكان
إبراهيم مثل محمد. وكان موسى مثل آدم، جعد على جملٍ أحمر
مخطوم بخلبة. كما يوصف جسد الأشرار. وفي المقابل بين عيني
الدجَّال مكتوب كافر.
٢٣٧ وكان الرسول يُطيِّب الرأس واللحية. وكانت
عائشة تُطيبه كما تُطيب المرأة زوجها بيدِها.
٢٣٨ وكان النبي يتمشَّط ويحكُّ رأسه بالمِدرى.
وكانت عائشة تضع رأس الرسول على فخذيها وهي حائض.
٢٣٩
وقد يكون موضوع الرواية أحد الصحابة وليس النبي، ويُعطي
الصحابي قولًا من لديه ويقوم بدور النبي مثل أمرِه آخَر
بأن يتزوج؛ فإنَّ خير هذه الأمة أكثرُها نساء.
٢٤٠ ومثل رواية عرض عمر ابنته حفصة على عثمان ثم
أبي بكر قبل أن يخطبها الرسول. وقد تحتوي الرواية بعض
اعتراضات الصحابة أو زوجات الرسول مثل اعتراض عائشة على
المرأة التي تعرِض نفسها على الرسول، بل واعتراضها على آية
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ
مِنْهُنَّ بأنها ترى أنا الله يسارعه على هواه.
٢٤١ وتعترف الرواية بوضع الصحابي وزيادته في الحديث.
٢٤٢ والرواية تضع بعض أقوال الصحابة.
٢٤٣ وقد تكون أقوال الصحابة أسئلةً أو تساؤلات أو
أحاديث جانبية.
٢٤٤ وقد تتمدَّد أقوال الصحابة لتُصبح أحوال
الصحابة ما اتفقوا عليه،
٢٤٥ مثل وصف ورقة بن نوفل للرسول.
٢٤٦ وتذكر الرواية شرح ابن عباس لآيةٍ قرآنية.
٢٤٧ وقد يأتي قول الصحابي في الروايات تنفيذًا
لحُكم الرسول مثل قتل المُرتد.
٢٤٨ وبعضها تُعبر عن قواعد الإيمان مثل قول عمر
«رضيتُ بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ رسولًا.»
٢٤٩ وتُبرِّر الرواية كثرة أحاديث أبي هريرة عن
الرسول على لسانه بأنه كان مُتفرغًا لا تشغله تجارة.
٢٥٠ وفي رواية الطاعة للأنصار وهو سياق حديث
«الطاعة في المعروف». وتصف الرواية خصائص الطوائف مثل
المهاجرين والأنصار. فقد قال أعرابي للرسول إنه لا يجد
إلَّا قرشيًّا أو أنصاريًّا فإنهم أصحاب زرع.
٢٥١ وتعطي الرواية سياق حديث «الإمامة في قريش»،
أنَّ أحدهم يُحدِّث أنه سيكون ملكًا في قحطان. وكان معاوية
حاضرًا فغضب أحد الصحابة وذكَّرهم بأن الرسول قد قال إنَّ
هذا الأمر في قريش.
٢٥٢ وقد تصف الرواية المشاكل التي عرض لها
المسلمون فيما بعد مثل جمع القرآن ورفض أبي بكر لأنَّ
الرسول لم يفعله ورفْض عمر لأن أبا بكر لم يفعله ومثل
الاستخلاف. ولم يُوجَد آخِر سورة التوبة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري.
٢٥٣
وتصف الرواية ديانات الجماعات الأولى. فهذا يهودي. وذاك مجوسي.
٢٥٤ وهذا من الأحباش وهذا من العرب. وهؤلاء
مُسلمون ومشركون وعبدة أوثان. وهذا يَمني، وهذا من
الأعراب. وقد تصف الرواية كيفية التعامل مع أهل الكتاب
خاصة اليهود.
٢٥٥ وكان الرسول يريد التواصُل مع أهل الكتاب
والقطيعة معهم في نفس الوقت. وكان يُحب موافقتهم فيما لم
يؤمَر به. وكانوا يُسدلون أشعارهم. في حين كان المشركون
يُفرِّقون رءوسهم. فتابع الرسول أهل الكتاب أولًا ثم
المُشركين فيما بعد.
٢٥٦ ومنع الواصلة والمُستوصلة في الشَّعر لأن
اليهود كانوا يعملون ذلك.
٢٥٧
(٣) سؤال الصحابي وجواب الرسول
الشكل الثالث سؤال سائل الجواب عليه مرة واحدة، مثل سؤال
عن كيفية نزول الوحي إليه وأي الإسلام خير؟ وأي العمل
أفضل؟ ومن أسعد بشفاعة الرسول؟ وعن القتال في سبيل الله.
وقد يكون السؤال لرجلٍ أو امرأة، وسؤال الوضوء على الحذاء،
وسؤاله عن مكان الإحلال في الحج، وسؤال عن اللباس في
المُحرِم، وسؤال في وضع الماء للوضوء. ويتكرَّر السؤال
أكثر من مرة مع أكثر من شخص ويجيب الرسول نفس الإجابة
بصياغات مختلفة، تفيد نفس المعنى. فهل حدثت الواقعة عدة
مراتٍ أم مرة واحدة بروايات مختلفة؟
٢٥٨
وقد يكون السؤال سؤالين مُتتالين يقتضيان فِعلَين.
٢٥٩ وقد تتعدَّد مراحل الإجابة، على مرحلتين،
فيُقتطَع القول المباشر ممَّا يدل على احتمال التركيب.
٢٦٠ وقد تتعدَّد على ثلاث مراحل.
٢٦١ وقد يتكرَّر السؤال أكثر من مرة. ويستجيب
الرسول أو لا يستجيب. وقد تكون الإجابة مرةً أو مرَّتَين
فبعد إجابة الرسول يجيب مرة ثانية للتأكيد على الإجابة الأولى.
٢٦٢ قد تتعدد مراحل السؤال، وتتعدَّد الإجابة مثل
الأعرابي الذي جاء يسأل عن الإسلام فأجابه الرسول بالصلاة.
فأعاد السؤال مرة ثانية فأجابه الرسول بالصيام. فأعاد
السؤال مرة ثالثة فأجابه الرسول بالزكاة. وفي كل مرة يترك
الرسول أيَّ واجباتٍ ندبًا «إلا أن تطوع». ولم يسأل الرجل
مرة رابعة وبالتالي لم يُجبه الرسول بالرُّكنين الأخيرين،
الشهادة والحج. والأعرابي يريد العمل لا النظر فاكتفى
بأسئلته الثلاثة وأجوبة الرسول دون زيادةٍ أو نقصان. ومدحه
الرسول «أفلح إن صدق». وعندما سأله أعرابي آخر عن الساعة
وهو مشغول بحديثٍ سأل عن السائل فلمَّا عرَّف نفسه أجابه
بأنها حين تضيع الأمانة. فلمَّا سأل السائل كيف؟ أجاب
الرسول «إذا وُسِّد الأمر لغير أهله.»
٢٦٣ ومثل من سأل في حجة الوداع الرسول «لم أشعر
وحلقت قبل أن أذبح.» فقال له الرسول «اذبح ولا حرج.» ثم
سأله الثاني «نحرتُ قبل أن أرمي.» فقال له الرسول: «ارمِ
ولا حرَج.» سؤال أم سلمة الرسول عن وجوب الغُسل على المرأة
ثم عن احتلام المرأة وقد يصِل الأمر إلى ثلاث مرات.
وقد سأل صحابي الرسول أن يعدل في العطاء فعذله الرسول،
وطلب عمر قتله. ومنعه الرسول، وحكم عليه بالخروج من الدين.
٢٦٤ فالإجابة الثانية تصحيح لردِّ فعل أحد الصحابة
على الإجابة الأولى. وقد يكون السؤال بناء على طلب الرسول.
فأتت الأسئلة ساذجة لا دلالة لها، مثل مَن أبي؟ ثم كرَّرها
سائل آخَر فأخبره الرسول غاضبًا.
٢٦٥ وهي طريقة تعليمية في فن وضع السؤال من حيث
أهمية موضوعه.
وقد يكون سؤال الصحابي في صيغة إقرار. وتأتي إجابة
الرسول بإقرار الإقرار. كما أقرَّ بأنه لم يُصلِّ المغرب
فأقرَّه الرسول على ذلك بأنه لم يُصلِّها أيضًا بعد
الإفطار يومَ الصوم.
٢٦٦ وقد يكون مجرد خبر وبناء عليه يقيم الرسول
حُكمًا، وقد يكون سؤال الصحابي إخبارًا مع استعجابٍ مثل
الوقوف أمام جنازة يهودي وجواب الرسول في صيغة استفهامية
استعجابًا أيضًا للسؤال «أليست نفسًا؟»
٢٦٧
وقد يكون سؤال الرسول في صيغة تمنٍّ أو رجاء حتى ولو رفض الرسول.
٢٦٨ ما ينطبق على الرسول لا ينطبق على غيره. فقد
طلب الصحابة الدعاء على دوس لأنها عصت، فطلب لها الرسول
الهداية. وقد يكون في صيغة خبر أو رجاء أو أمر ورجاء.
٢٦٩ وقد يكون تعجبًا من ذرف الرسول الدمع على
إبراهيم وإجابة الرسول أنها رحمة.
٢٧٠ وقد يكون في صيغته شكوى من امرأةٍ حائض وهي في
الحج لا تطوف ولا تسعى.
٢٧١ وقد يكون في صيغة استئذان لفعل شيءٍ يطلب
شرعية له. وقد يكون في شكل خصامٍ يتقدم به أحد الناس إلى
الرسول يطلب إنصافًا وعدلًا. وقد يكون مجرد رغبة دون
التعبير عنها مثل الرغبة في الطواف.
٢٧٢ وقد يكون مجرد إحساس الرسول بالناس. فقد شعر
برغبة من يريد السفر فأمر بأن يؤمهما أكبرهما.
٢٧٣
وقد يكون السؤال رواية وليس قولًا مباشرًا. وتكون
الإجابة في صيغة سؤال تهكمي لأن السؤال غير معقول عمليًّا
مثل جواز صلاة اثنين في ثوبٍ واحد!
٢٧٤ وقد لا يكون السؤال قولًا مباشرًا بل رواية.
وقد تجمع الإجابة بين القول المباشر والشرح العملي مثل
حديث التيمُّم بناء على سؤال. ويجيب الرسول وشرحه عمليًّا
بضرب يدَيه على الأرض.
٢٧٥
والقول المباشر عن الخلق جواب على سؤال من الناس في صيغة
رواية وليس سؤالًا مباشرًا. والرواية أقل يقينًا من القول
المباشر. وموضوع السؤال غير مُحدَّد «هذا الأمر». ولماذا
يكون هذا الأمر نظريًّا خالصًا؟ وما الفائدة منه؟ وأي
مشكلة يحل؟
٢٧٦ قد يكون سؤال الصحابي روايةً وليس قولًا
مباشرًا أي أنه مناسبة يخلقها الراوي لإبراز الإجابة.
٢٧٧ قد يكون السؤال رواية وليس قولًا مباشرًا مثل
السؤال عن أمَةٍ تزني. وتكون الإجابة مُتقطِّعة تدريجيًّا
حتى يقبل السائل، ويتمثَّل بالفعل أركان الإسلام، وترك
الباقي تطوُّعًا.
٢٧٨ وهو السؤال الشهير عن الإسلام وإجابة الرسول
بالتدريج: الصلاة ثم الصوم ثم الزكاة ثم تعليق الرسول
الشهير «أفلح إن صدق.»
وبعد سؤال الصحابي الرسول فعل شيء، يأمره الرسول فلا
يستطيع الصحابي فعله فيطلُب من الرسول مساعدته فيرفض
الرسول أربعَ مرَّاتٍ وهو يتعجب. وهي حادثة طلب العباس
مساعدة الرسول على حمل المال المُتناثر من البحرين وحرصه
على ذلك.
٢٧٩ هنا تكون الإجابة فعلية وليست قولية. فالإجابة
عن السؤال تَوجُّهٌ عملي وليس مجرد معرفية نظرية. وعندما
تبادل الصحابة الرأي حول كيفية إقامة الصلاة بعد قدومهم
إلى المدينة اقترح البعض ناقوس النصارى وآخرون بوق اليهود،
وعمر النداء عليها، فأمر الرسول بلالًا بإقامة الصلاة.
٢٨٠ فالإجابة هنا اختيار فعلٍ بين عدة اختيارات،
وهو فعل جديد يتمايز به المسلمون عن غيرهم من أصحاب
الديانات السابقة.
وقد لا يكون السائل صحابيًّا بالضرورة بل قد يكون مجرد
أعرابي أو واحد من الناس أو يهوديًّا، رجلًا أو امرأة،
فردًا أو جماعة. فالسؤال متاح للجميع، خاصة وعامة، صحابة
وغير صحابة، أصدقاء وأعداء.
٢٨١ وقد يكون السؤال من جماعة وليس من فرد، مثل
سؤال الفقراء عن عدم مساواتهم بالأغنياء لأن للأغنياء
عليهم فضلًا.
٢٨٢ وقد يكون السؤال مَبنيًّا للمجهول. فالمُهم هو
السؤال وليس السائل الموضوع وليس المُثير له.
٢٨٣ والصيغة سُئل الرسول «دون معرفة السائل بل فقط
موضوع السؤال ويجيب الرسول.»
٢٨٤ وقد يكون السؤال من العدو وليس من الصديق
كتحية اليهود مثلًا بتحية «السلام عليكم» ولاحظت عائشة ذلك
في النطق والمعنى بين «السام» و«السلام» وثبت النبي فقال
لها «أفلم تسمعي ما قلتُ وعليكم؟» أي أنه ردَّ التلاعُب
اللفظي بمثله.
٢٨٥
وقد يكون سؤال الصحابي فعلًا، هدية حمارٍ وحشي مثلًا ورد
الرسول له وشرح السبب.
٢٨٦ وقد يكون السؤال فعلًا يتمُّ الاستفسار حوله.
٢٨٧ ثم يُسأل الرسول عدة مرات تعريفها. وقد
تتضمَّن صيغة سؤال الصحابي الإجابة وتكون إجابة الرسول
«نعم» مما يدل على أن حُكم الرسول بديهي فطري، يستطيع
العقل الإنساني والبداهة الإنسانية الوصول إليه.
٢٨٨
ومع ذلك يغضب الرسول من كثرة سؤاله بناء على تجربة بني
إسرائيل الذين أكثروا من السؤال فتم التضييق عليهم. فعندما
سُئل عن اللقطة وأجاب سُئل عن ضالة الإبل فغضب وأجاب. ثم
سئل عن ضالة الغنم فأجاب، ويغضب الرسول من كثرة السؤال.
٢٨٩ وقد تكون إجابة الرسول بها عتاب على السؤال.
٢٩٠
وقد يُسأل الرسول فيجيب بالقرآن وحدَه.
٢٩١ وقد تكون إجابة الرسول على التخيير «إن شئت».
٢٩٢ وقد يجيب الرسول عن سؤال الصحابي بسؤالٍ قبل
أن يُجيب عنه بالفعل.
٢٩٣ فالإجابة مثل السؤال في صيغة تساؤلية.
٢٩٤
وقد تكون إجابة الرسول عن سؤال السائل بالقول والفعل.
فعندما سأله أبو هريرة أنه ينسى ما سمِع طلب منه الرسول أن
يبسط رداءه ثم غرف بيده ثم ضمَّه أبو هريرة فما نسيَ شيئًا
بعد ذلك.
٢٩٥ ويكون ذلك عدة مرَّاتٍ اذبح ولا حرج، في «ارمِ
ولا حرج.» «افعل ولا حرج.»
٢٩٦ وقد يجيب الرسول على سؤاله بعد انتظار وحيار
الصحابة بالإجابة،
٢٩٧ ثم يُجيب مثل السؤال عن الشجرة وإجابته بالنخلة.
٢٩٨
(٤) سؤال الرسول وجواب الصحابي
وقد يسأل الرسول ويجيب الصحابي على الطريقة السقراطية.
وهو عكس الشكل السابق. قد يسأل الرسول استفهامًا ثم يُجاب
ثم يسأل الرسول استنكارًا ثم يأتي بفعل فيه تقدير للميت.
٢٩٩ وقد يسأل الرسول الشهداء، ثم يسأل الصحابة كيف
يدعو أمواتًا، وردُّه عليهم بأنهم ليسوا بأسمعَ منهم.
يسمعون ولا يجيبون.
٣٠٠ وقد يسأل الرسول ويجيب المحاور مرة واحدة.
٣٠١ وقد يسأل الرسول مرة ويُجيب الصحابي مرة ثم
يأتي قول الرسول المباشر.
٣٠٢ وقد لا يكون السؤال بصيغةٍ استفهامية بأداة
استفهام بل بصيغةٍ خبرية يُفهم منها الاستفهام بالصوت، وهو
ما يستحيل معرفته الآن أو بالسياق.
٣٠٣
وقد لا يكون السؤال مذكورًا بل مُتضمنًا مفهومًا عندما
يسأل الرسول «أين السائل».
٣٠٤ وقد يزدوج سؤال الرسول مع سؤال الآخرين. يسأل
عن قوم مَن هُم؟ ثم يسأله القوم عمَّا يريدون. ثم يُجيبهم
الرسول. ثم يسأل الرسول. وقد يكون القول سؤالان «ما
يُبكيك؟» و«ما شأنك؟» وتكون الإجابة إجابتَين، إجابة عن كل سؤال.
٣٠٥ وقد يأتي سؤال ثالث «فرغتما؟» للاطمئنان. سؤال
الرسول ثم الإجابة ثم إجابة الرسول. وقد يصِل الازدواج
أربع مرات.
٣٠٦ قد يصل الأمر إلى سبع مرات.
٣٠٧ وقد يصل الأمر إلى تسع مرات.
٣٠٨ وقد تتوالى الأسئلة عشر مرات.
٣٠٩ وقد يزدوج السؤال. سؤال فجواب فسؤال ثانٍ
فجواب ثان. وسأل الرسول عن اليوم فأجيب بأنه يوم النحر. ثم
سأل عن الشهر فلمَّا سكت الناس حيارًا أجاب بنفسه بأنه شهر
ذي الحجة فوافق الناس، ثم أبلغهم بحُرمة وفائهم لأموالهم
وأعراضهم بينهم.
٣١٠ السؤال مرتان، والإجابة مرتان. تعديل الرسول
الإجابة الأولى إلى الثانية، وتعديل السؤال من الأول إلى
الثاني. واختلاف الصياغات تدل على أنه لا تَطابُق بين
التدوين والواقع التاريخي.
وقد يتكرَّر السؤال والجواب عدة مرات. فقد سأل الرسول
أحدًا هل يشهد أنه رسول الله فقال إنه يشهد أنه الرسول
الأمين. ثم سأله إذا كان الرسول يشهد أنه أيضًا رسول الله
فرفض الرسول وقال بأنه آمن بالله ورُسُله. ثم سأله الرسول
عن ماذا يرى؟ فقال إنه يأتيه صادق وكاذب. فأبلغه النبي أنه
خلط عليه الأمر. وأخبره النبي أنه خبأ إليه خبيئة. وقال
إنه الرخ. فنهره الرسول بأنه على قدره. ورفض الرسول أن
يقتله عمر لأنه مثل الرخ لا خير في قتله.
٣١١
وقد يتدخل في الحوار أطراف ثلاثة، الرسول والصحابة
والأعرابي السائل، حتى وإن لم يتدخَّل أحد الأطراف بالقول
المباشر بل بالفعل والإشارة. فعندما سأل أعرابي قادم: أيكم
محمد؟ قال له الصحابة هذا الرجل الأبيض المُتكئ. فأعاد
الرجل السؤال: ابن عبد المطلب؟ فقال له الرسول «قد
أجبتُك.» فسأل الرجل ظانًّا أن سؤاله شديد. فلمَّا سمح له
الرسول سأله سؤاله عن إرسال الله الرسول للناس. فأجابه
الرسول «نعم.» فلما سأله عن أمر الرسول بصلواتٍ خمس. فأجاب
الرسول «اللهم نعم.» فلما سأل الرجل عن الصيام شهرًا في
السنة أجاب الرسول «اللهم نعم.» فلما سأل الرجل عن أخذ
الصدقة من الأغنياء إلى الفقراء أجاب الرسول «اللهم نعم.»
آمن الرجل هو وقومه. فهذا إخراج مسرحي رفيع. طلب التعرُّف
على الرسول، التحذير من السؤال الشديد دون أن يكون في
النفس حرج، معرفة الرجل بأركان الإسلام، الصلاة والصيام
والصدقة دون ذِكر الشهادتَين والحج، الركن الأول والأخير،
وموافقة الرسول. ثم إسلام الرجل هو وقومه وتعريفه بنفسه.
٣١٢
وقد يبدأ قول الرسول بالمنادى. فإذا استجاب المنادى عليه
أعطى الرسول أمرًا فيستجيب له المأمور. وقد يبدأ قول
الرسول بالمنادى ثم بالسؤال ثم بالأمر ثم بالسؤال مرة
ثانية ثم بالسؤال مرة ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة وسابعة
ثم أمر، ثم سؤال مرة ثامنة ثم أمران.
٣١٣ فالخطاب تفاعُل خطابين وحوار بين سائلٍ
ومسئول، بين مُتكلم وسامع من أجل إتيان الفعل.
٣١٤
وقد يأتي السؤال بناء على أمر الرسول. وقد يكون سؤال
الصحابة إقرارًا ورضًا وليس سؤالًا. ثم يأتي حديث الرسول
مُلوِّحًا بالجنة التي رآها في عرض الحائط لمزيدٍ من الإقناع.
٣١٥ فيأمر صبيًّا مريضًا يهوديًّا بالإسلام فيطلُب
الإذن من أبيه فيأذن له فيقول الرسول إن الله أنقذه من النار.
٣١٦ أمر الرسول ثم استدراك الصحابي ثم أمر بالخروج
ثم سؤال الصحبة ثم اقتراح ناقتين وطلب الرسول الشراء بالثمن.
٣١٧ يأمر الرسول ويعترض الصحابي ثم يُكرِّر الرسول
الأمر بعد أن يغضب.
٣١٨
وقد يكون سؤال الرسول أمرًا «اسقني.»
٣١٩ وقد يكون حالًا رآه الناس عليها مثل استعجاله
الصلاة ودخول حجر نسائه وتعجُّب الناس، ثم حديث الرسول أنه
نسي قسمة التبر على الناس ولم يشأ الاحتفاظ به.
٣٢٠ وقد يسأل الرسول عتابًا دون انتظارٍ لإجابة
إذا لم يُخبر بشيءٍ مثل وفاة أحد.
٣٢١ وقد يكون السؤال صامتًا، رؤية للرسول بعدها
يجيب الرسول. فالرسول لا يحتاج إلى سؤال صريح. هو قادر على
الرؤية وإدراك الأمور.
٣٢٢ وقد يسأل الرسول عن طريق النداء ثم يجيب
بالإشارة ويفهم الصحابي أنها تعني القسمة بالنصف.
٣٢٣
وقد يكون سؤال الرسول روايةً وليس قولًا مباشرًا.
٣٢٤ مثل رواية عائشة عن العتق. وبعد سؤال الرسول
وإجابة الصحابي بالإشارة قد تكون إجابة الرسول بالفعل وليس بالقول.
٣٢٥ وقد يتم ذلك على درجتَين بسؤال الصحابي
واستجابة الرسول من حيث المبدأ ثم سؤال عن مكان التنفيذ.
وقد لا يقتضي سؤال الرسول لأصحابه جوابًا نظريًّا بل فعلًا
عمليًّا كما سأل عن ميت ثم ذهب معهم للصلاة عليه.
٣٢٦ ومثل اعتق غلامًا فسأل الرسول من يشتريه منه.
٣٢٧ وقد يسأل الرسول ويجيب عن سؤاله بفعل.
٣٢٨ وقد يجيب عن السؤال بسؤال.
٣٢٩ فالسؤال أكثر إيحاء بالمعنى من الإجابة.
٣٣٠ وقد يسأل الرسول ويجيب بنفسه.
٣٣١ فالسؤال إثارة واسترعاء للانتباه ووضع
للإشكال.
(٥) القول المباشر ثم سؤال الصحابي وجواب
الرسول
وهو الجمع بين القول المباشر والسؤال والجواب.
٣٣٢ وهو منهج تربوي لإشراك المُستمع في الفكر، في
السؤال والجواب. يقول الرسول ثم يستدرك عليه أحد فيجيب الرسول.
٣٣٣ القول ثم السؤال ثم القول ثم السؤال ثم القول.
٣٣٤ وقد يتكرر الإيقاع عدة مرات. وتتغير الصياغات؛
مرة رجل رأى كلبًا عطشًا فسقاه. ومرة امرأة لأنها أقرب إلى العواطف.
٣٣٥ وقد يجمع الحديث بين القول المباشر والأمر
الخبري مثل إجابته عن سؤال الأشربة بأمرهم بأربعة ونهيهم
عن أربعة. وفي نفس الوقت قوله المباشر على سؤاله «أتدرون
ما الإيمان بالله وحده؟»
٣٣٦ وهي الطريقة السقراطية بتوليد الحقيقة من نفس
المُستمع، وطريقة الظاهريات المُعاصرة في الخبرة المشتركة.
٣٣٧
وبعد أمر الرسول قد يستدرك صحابي عليه فيوافقه على استدراكه.
٣٣٨ وقد يزدوج الخطاب يأمر الرسول، ويستدرك
الصحابي ثم يسأل الرسول ثم يجيب الصحابي ثم يوافق الرسول
وجعلها خاصية له.
٣٣٩ فالرسول يقول نصف الحقيقة والصحابي يكمل النصف
الآخر لأن الحقيقة مشتركة بين الذوات.
يأتي جواب الرسول ثم سؤال استيضاحي ثم جواب الرسول.
فالحديث ليس تلقينًا بل هو مشاركة مع السامع.
٣٤٠ الحديث مجرد إشعال، مجرد شرر يُطلق نار
الحقيقة من قلب السامع، وقد تكون الإجابة على سؤال
الاستدراك بالإشارة باليد وليس بالقول.
٣٤١ فلغة الجسد مُكملة للغة اللسان. والجسد كله
أداة للتعبير، حركاته وسكناته، وجهه وقسماته، عيونه
وحواجبه، وقد يكون الاستدراك على قول الرسول بطلَب الكتابة
وموافقة الرسول على ذلك. ويكون استدراكٌ ثانٍ شفاهًا إلا
الإذخر. فاستثناه الرسول بناء على الطلب.
٣٤٢ الرسول يعطي العام والاستدراك يُعطي
الخاص.
وقد تكون البداية السؤال بناء على قول أحد الصحابة
جازمًا أن الله أكرم الميت. وبالرغم من جواب الصحابي
بالإيجاب يجيب الرسول أنه لا حكر على إرادة الله ولا من
الرسول. فانكشاف الحقيقة مُتدرج حتى نُعرَّف بيقينٍ، ولا
تأتي دفعة واحدة وتذهب دفعة واحدة.
٣٤٣
قال الرسول إن من أنفق على زوجين في سبيل الله دعتْه
خزَنة الجنة؛ أي نال الثواب. فسأل أبو بكر عن شيء فأجابه
الرسول بأنه يرجو أن يكون منهم، وفي صياغة أخرى دُعي من
باب الجنة، عبادة عن النبي.
٣٤٤ فالإيقاع مرتان: سؤال وجواب وسؤال وجواب مثل
السؤال عن أتقى الناس. وقد أُخبر الرسول بالخلاف بين
أنصاري ومهاجري فسأل عنه وحكم عليه بأنه خبيث. فالسؤال
والجواب حوار مُستمر وجدل دائم.
(٧) كتاب الرسول
كتاب الرسول هو الحديث المدوَّن مثل رسالته إلى هرقل
عظيم الروم لدعوته إلى الإسلام.
٣٥١ وتكشف عن معرفة الرسول بتاريخ الفِرَق
المسيحية مثل «الأريسيين». وقد يكونون «الأريوسيين» أصحاب
أريوس الذين رفضوا ألوهية المسيح وقالوا بأنه عيسى ابن
مريم كما يقول المسلمون، سواء عرف الرسول ذلك عن طريق
الوحي أو عن طريق التاريخ أثناء رحلاته إلى الشام من
المسيحية العربية والرومية. والرسول لا يكتب بيدِه ولكن
الراوي جعله يكتُب؛ أي أمَرَ بالكتابة فانتصر الإسلام
لإحدى الفرق المسيحية الأولى في عصر آباء الكنيسة في القرن
الرابع آخذًا صفَّ أريوس الذي كان يقول بإنسانية المسيح ضد
أبولوناريوس الذي كان يقول بألوهيته قبل أن يتوسَّط مجمع
نيقية بين الاثنين ويرفع شعار «واحد في ثلاثة»، و«ثلاثة في
واحد».
بالإضافة إلى القرآن ورسالته إلى هرقل عظيم الروم وطبقًا
لعلي، كتب النبي في صحيفة عن حرمة المدينة وموالاة الأعداء.
٣٥٢ وقد أوحى القرآن بكتابة كل العقود وتنصيب
الشهود عليها مثل عقود الزواج والبيع والشراء؛ حفظًا
للحقوق ومنعًا من ضعف الذاكرة أو تدخل الأهواء والمصالح
وتغير النفوس.
وكان الرسول يودُّ أن يكتب كتابًا في مرضه الأخير لن
يضلَّ المسلمون بعده، فرفض عمر لأن في كتاب الله وسنة
رسوله غنًى عنه.
٣٥٣ فقد خشي أن يكون هناك ثلاثة مصادر للوحي،
القرآن والسنة وهذا الكتاب الذي كتبه الرسول. وقد يختلف
المسلمون على أولويتها، القرآن والسنة أم الوصية. لذلك
تنبَّه الأصوليون على أن القرآن هو المصدر الأول وأن السنة
مُندرجة تحته، وأنها تفريع لأصول. وفي حالة التعارُض بين
الكتاب والسنة يرجح الكتاب. فالكتاب لم يمرَّ بفترة شفاهية
قد يُصيبها الخلل في النقل كما هو حادث في السنة. لذلك فعل
علماء الأصول التواتر شرط صحة الحديث.
٣٥٤
ولا تهم في الكتابة الألقاب. فقد كتب عليٌّ هذا ما قاضى
عليه محمد رسول الله، فاعترضوا على اللقب لأنهم لا يعترفون
به وأرادوا كتابة محمد بن عبد الله فرفض علي، وقبل الرسول.
وطالب بمحو رسول الله، فرفض عليٌّ ومحاه النبي بيده. ثم
طالبوا الرسول بالرحيل فرحَل.
٣٥٥ فالمهم الرسالة وليس الرسول، القضية وليس
الشخص، المضمون وليس الشكل، الغاية وليست الوسيلة.
وتجد المناولة، أحد وسائل النقل الكتابي، أصلًا لها في
الحديث عندما كتب لأمير سريةٍ كتابًا طالبًا منه ألا يقرأه
حتى يبلغ مكانًا مُعينًا.
٣٥٦ فالفتح غاية والتوجيه يأتي بعدَها. والخوف أن
يقرأ أمير السرية الكتاب قبل الوصول إلى أبواب الأرض
المفتوحة فيتوقَّف. الفتح أولًا ثم التوجيه ثانيًا.
طلب الرسول كتابة قائمة بأسماء من تلفَّظوا بالإسلام.
٣٥٧ وهي بداية كتابة الدواوين في عهد عمر.
والتحوُّل من الشفاه إلى التدوين مسارٌ طبيعي للعلوم
الإسلامية.